السلام عليكم و رحمة اللله و بركاته
تقبل الله منا ومنكم الصيام و القيام و صالح الأعمال.
أجمع أهل اللسانيات أن لغة شعب ما تعتبر آيلة للإنقراض إذا تكلم 30% بغيرهها
ــــــــــــــــــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــــــــــــــــ
تعقيبا على موضوعين رائعين بقسم الجلفة للنقاش الجاد الأول بعنوان فلتسقط الفرنسية و الثاني : اللغة العربية لِمَ يتم احتقارها وقد زُيِّنَت بردود تَنَم عن وعي تام بما يحاك ، وعلى ضوء كل هذا أقول.
الصراع بين الثقافة الفرنسية و اللغة العربية على أرض الجزائر الحبيبة ليس وليد اليوم ، بل هي فصول من مسرحية طويلة دشن فصلها الأول اللوبي الفرنكفوني ، جحافل من الخفافيش و الغربان ، كانت تعيش في صمت تحت ظل المستبد الجبان ، ولما أشرق نور الإستقلال هب هؤلاء المنسلخون فكريا للخذلان ، هبت الأيادي الآثمة الملطخة بالبغاء الفكري و العهر الثقافي ، المتشبعون بفكرالتغريب و نسف التعريب. لتجسد المسار الذي رسمه و خطط له الأسياد ،وتضرب مقومات الأمة في الصميم ، و على حين غفلة من أهلها ،أججو نارها و أذكوا أوارها ،وحشدوا الغث و السمين من أجل زرع بذرة خبيثة في رحم طاهر،وكان لهم ما أرادو ، فصارت اللغة العربية غريبة بين أهلها وقد غادرها أكثر أهليها قسرا و أصبحت ترزح تحت نير مدنسيها ، تئن بين يدي جلاديها، تنشد الأمل المفقود و تنتظرمن يفك قيدها ويرجعها عروسا كسابق عهدها.
أما الفصل الأخير من المسرحية فقد تناوب على حبكه السيد الدكتور بن زاغو و السيدة المحترمة قريفوعلى دفتر الإصلاح للمنظومة التربوية سنة 2003 فقد صنعو شرنقة من الأوهام وجَمّلوها بخيوط من حرير الأحلام ، لتخدع الناظرين .
و يبدو أن هذه المسرحية ستكون أطول من عمر القائمين على دعك فصولها. وفقا للنظرية الإيديولوجية و التخطيط الإستراتيجي الذي ينتهج سياسة التوريث للأدوار لنهب و تجفيف المنابع الصافية للثقافة العربية الإسلامية ، مادام نيّف من أحفاد طارق ينافحون عنها و يرون فيها خلاصهم من براثن التخلف .
نعم هي مسرحية اختار لها القائمون على كتابة السيناريو عنوان الغربال لتحجب روعة لغة الضاد بكل معانيها و إيحائاتها الحية ، عن جيل أراد أن يطوي المسافة الفاصلة بين السقوط في فخ التغريب ، بمعانيه الساقطة ، والتسامي لتذوق حلاوة التعريب بنقائه، و يرتقي على سلم السمو فوجد بأنها لا تتجاوز حد البعد الزمني بين شعارات جوفاء ، التحضر و التمدن يعقبها حلم اللحاق بالركب المزعوم . و النهاية يـَحْفلُ مشهدنا الجزائري بكَمٍّ هائل من تراكمات السقوط بمعانيه على منحدر بورصة النخاسة ، نعانيه من جراء ظهور تُّجار جُبِلت طبائعهم على حب البقاء و التزعم و التبعية للأسياد و للأسياد فقط ،يتمسحون على أعتابهم ، و يلعقون أحذيتهم ، ليصنعوا لنا كل مظاهر التخلف العلمي و التربوي ، مظاهر بلّدت المشاعر و الأحاسيس و صرنا نحن غير نحن.
فاللهم سَلّم سلّم
لست ضد تعلم اللغة الفرنسية كلغة تواصلية، فمن تعلم لغة قوم اتقى شرهم ، وتذكر بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه و سلم ، أمر الصحابي الجليل زيد بن ثابت بتعلم لغة اليهود ، وتضيف الرواية بأنه تعلمها في خمسة عشر يوما.
لكن أن تُفرَض لغة قاصرة أثبتت فشلها في بلدان عدّة ،وتُسوَّق على أنها لغة العلوم ، وأنها مكسب تاريخي وغنيمة حرب ، وتزاحم أو تحل محل اللغة الأم في المؤسسات العمومية و في أعلى هرم السلطة ، فهذا ما لا نرضاه و لانقبله أبدا ، على الأقل إنكارا بما نملك ، لأنه خرق صريح للهوية قبل أن يكون خرقا الدستور الجزائري.
و الله الموفق لكل خير .
أتمنى أن نرتقي بردودنا إلى مستوى احترام الرأي و الرأي الآخر.
أخوكم المحب يوسف زكرياء.