يعد كتاب البيان والتبيين من أمهات كتب الأدب العربي وهذا الكتاب من اضخم مؤلفات الجاحظ وهو يلي كتاب الحيوان من حيث الحجم وقد أهداه إلى الوزير أحمد بن أبي داوود
نوع الكتاب : أدبي
كما ألمح الجاحظ في مقدمة تاريخه عند كلامه على علم الأدب بدأه صاحبه بمقدمة ضَمَّنَهَا حديثًا عن الفصاحة والطلاقة ثم شَرَعَ في تفصيل البيان وذِكْر أشهر الخطباء وأهم الخُطَب والرسائل الأدبية التاريخية. كما عَرَضَ المؤلف لظاهرة الشعوبية السائدة ـ آنذاك ـ من خلال الحديث عن العصا التي من عادة العرب اتخاذها في مواضع متباينة. والجزء الأخير جعله أخلاطًا من الشعر والنوادر والأحاديث وتعازي الملوك. وألف الجاحظ كتابه في أواخر أيامه وغايته في الدفاع عن البيان العربي في مختلف مظاهره وتحدث فيه عن الألفاظ وفصاحتها والأفكار والأساليب وتناسب اللفظ والمعنى. كما ملأه بالأخبار والنوادر والطرائف والشعر وشواهد القرآن الكريم والحديث الشريف والخطب والأمثال وغيرها للدفاع عن ما يذهب إليه مما جعل من الكتاب موسوعة أدبية تمثل ثقافة الجاحظ التي أحاطت بمعارف عصره.
أما موضوعات الكتاب الكبرى فتدور حول البيان والبلاغة، والخطابة، والشعر، والأسجاع، ونماذج من الوصايا والرسائل، وطائفة من كلام النساك والقصاص وأخبارهم، وغير ذلك. ويتنقل الجاحظ بين هذه القضايا مرسلًا نفسه على سجيتها، غير متقيد بمنهج محكم يلتزمه، بل يعتمد على الاستطراد والانتقال من موضوع الى آخر، ثم العودة الى ما أسلف من قبل، مشيعًا جوًّا من الفكاهة المحببة.
من هو الجاحظ:
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ الكناني بالولاء, المعتزلي تُنسب إليه الفرقة الجاحظية ولد بالبصرة في منتصف القرن الثاني الهجري, ونشأ بها وتعلم, فأخذ اللغة عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد والأخفش, والكلام عن النظَّام, دخل بغداد في أوائل القرن الثالث الهجري, فبدأ بالتأليف ثم اتصل بالوزير الأديب محمد بن عبد الملك الزيات وصاحبَه, وأهداه كتاب (الحيوان)
صفـــاته :
قصير القامة جهم الوجه دميم الحلفة
لقب بالجاحظ لجحوظ عينيه أي نتوئهما على خفة روحه وظرف حديثه وحسن عشرته وفكاهته الطبيعية كانت دمامة خلقه وتجعل الناس يقبلون على معاشرته وذلك للاستماع لحديثه والتفكه بفكاهاته الظريفة.
مولـــده:
ولد الجاحظ في البصرة ونشأ فيها على رغبة في العلم وكان يخالط المسجديين فأخذ المعلمين شيوخه والأدب على أئمته .
وصار عالم في حياته الى ان توفى في البصرة بعد ان نيف على الثمانين .
نسبه وحيــاته:
هو : أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني قيل : صليبةً، وقيل : ولاءً ، فإن جده كان أسود جَمَّالا لعمرو بن قلع الكناني- البصري ، الشهير بالجاحظ ،ليروز واضح في عينيه وكان يقال له أيضا الحَدَقي لذلك
نشأته العلمية وشيوخه :
ولد بالبصرة سنة 159 هجرية في خلافة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين، ونشأ يتيما في حجر أمه، حيث توفي أبوه وهو صغير . وعاش في صباه حياة بائسة إذ ابتلي باليتم والفقر ودمامة الخِلقة كان يبيع الخبز والسمك في سوق البصرة، ولم يكن ذلك يمنعه من التردد إلى حِلق العلم في مساجد البصرة وكتاتيبها، ومجالس علمائها وأدبائها ، فخالط العلماء والرواة ونهل من معينهم ، وكان باقعة في قوة الحفظ . وربما ضايق ذلك والدته، حيث كان جُل اشتغاله بتحصيل العلم، وكان تحصيل لقمة العيش بالنسبة إليه أمرا ثانويا؛ حتى أنها قدمت ذات مرة حين طلب الطعام طبقاً عليه كراريس من الأوراق ؟ فقال : ما هذا ؟! قالت هذا الذي تجيء به ؟
* كان الجاحظ منهوم علم لا يشبع، ومنهوم عقل لا يرضى إلا بما يقبله عقله بالحجج القوية البالغة، ولما كانت أرض العراق حاضرة الدنيا في زمانه، فقد كان أكثر من يُشار إليهم بالبنان يسكنونها أو يفدون إليها ، فكان الجاحظ محظوظا من هذا الوجه، حيث تهيَّا له من الشيوخ أئمة في شتى الفنون ، ومن أبرز هؤلاء الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد الأنصاري في علوم العربية وآدابها، والأخفش في علم النحو والتصريف، وأخذ عن القاضي أبي يوسف وتبحر في علم الكلام على يد بلديِّه أبى إسحق النظام وثمامة بن أشرس ، وكان يأتي مِربد البصرة فيأخذ اللغة مشافهة من الأعراب .
وكان مع ذلك يناقش حُنَين بن إسحاق وسَلمويه فيتعرَّف على الثقافة اليونانية، ويقرأ لابن المقفع فيتصل بالثقافة الفارسية، بل وكان يستأجر دكاكين الوارقين ويبيت فيها ليقرأ كل ما فيها من كتب العربية والمترجمة ، فيجمع بذلك كل الثقافات السائدة في عصره؛ من عربية وفارسية ويونانية وهندية أيضا .
قال أبو هفان : «ثلاثة لم أر قط ولا سمعت أحب إليهم من الكتب والعلوم: الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل بن إسحاق القاضي؛ فأما الجاحظ، فإنه لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته كائنا ما كان حتى أنه كان يكتري دكاكين الوراقين ويثبُت فيها للنظر
ذاع صيت الجاحظ، وبلغ أمره الخليفة المأمون ، فاستدعاه إلى بغداد ، وولاَّه ديوان الرسائل نيابة عن ابراهيم بن العباس الصولي ، فلم يبق فيه غير ثلاثة أيام ثم استعفى، لأنه رأى في الديوان موظفين غير مؤهلين، فقال كلمته المشهورة : ظواهر نظيفة ، وبواطن سخيفة
شخصـــــيته :
كان الجاحظ مطبوعا على الظرف وربما حدث معه أمور غريبة ؛ فقد قال : «نسيت كنيتى ثلاثة أيام، فأتيت أهلي، فقلت : بمن أكنى فقالوا : بأبي عثمان .
وقال أيضا : «وقفت أنا وأبو حرب على قاص فأردت الولع به، فقلت لمن حوله : إنه رجل صالح لا يحب الشهرة فتفرقوا عنه فتفرقوا فقال لي : حسيبك الله، إذا لم ير الصياد طيرا كيف يمد شبكته ؟
وحكى عنه المبرد : «أنه آذاه رجل؛ فقال له : أنت والله أحوج إلى هوان من كريم إلى إكرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر
ولما فتك المتوكل بابن الزيات توارى عن الأنظار خوفًا من ابن أبي دؤاد قاضي المتوكل الذي كان من أعداء ابن الزيات, وعفى عنه ابن أبي دؤاد بعدما قبض عليه, فلازمه الجاحظ و أهداه كتابه (البيان والتبيين) , ثم اتصل بالفتح بن خاقان بعد عزل المتوكل لابن أبي دؤاد.
أصيب الجاحظ في آخر حياته بالفالج, فاشتد عليه المرض, قال المبرد:دخلت على الجاحظ في آخر أيامه وهو عليل, فقلتُ له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون مَنْ نصفه مفلوج ولو نُشر بالمناشير لما أحسَّ به, ونصفه الآخر مُنِقْرَس لو طار الذباب بقربه لآلمه, والأمر في ذلك أني جُزتُ التسعين, وأنشدنا:
أترجو أن تـكونَ وأنت شيخ
كما قد كنتَ أيامَ الشبابِ
لقد كَذَبَتْكَ نفسُك ليس ثوبٌ
دريسٌ كالجديدِ من الثيابِ
توفي سنة خمس وخمسين ومائتين.
مؤلفاته:
ذكر له ابن النديم أكثر من تسعين مصنفًا, منها:
البيان والتبيين وهو أشهرها, الحيوان, البخلاء, نظم القرآن, الرد على أصحاب الإلهام, الرد على النصارى, الرد على المشبهة, المعلمين, فضيلة المعتزلة, مسائل القرآن, كتاب النساء, كتاب السودان والبيضان, كتاب البغال.
كتاب البيان والتبيين:
-تسمية الكتاب:
اشتهر هذا الاسم (البيان والتبيين) بين أوساط العلماء والأدباء إلى عصرنا هذا, إلا أن المحقق عبد السلام هارون-وذلك بعد إخراجه للكتاب- وجد أن هذه التسمية للكتاب غير صحيحة, والصحيح هو (البيان والتبيُّن), لأن البيان هو التبيين,وقال المحقق: نحن نربأ بالجاحظ أن يقع في مثل هذا العيب, وأن النسخ العتيقة لهذا الكتاب تقطع بأن عنوانه هو (البيان والتبيُّن), ووعد المحقق بأن يعيد هذه التسمية إلى نصابها في الطبعة الخامسة, وأظن أن الأجل قد وافاه ولم يمهله ليفي بما وعد.
أجزاء الكتاب ..
فموضوع علم البيان وفلسفة اللغة توزع على الأجزاء الثلاثة:
في الجزء الأول تحدث عن مفهوم البيان وأنواعه، وآفات اللسان والبلاغة والفصاحة.
وفي الجزء الثاني تحدث عن الخطابة وطبقات الشعراء
وفي الجزء الثالث تكلم على أصل اللغة وقيمة الشعر.
مكـانته:
قال أبو هلال العسكري: وكان أكبرها وأشهرها كتاب البيان والتبيين لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ, وهو لعمري كثير الفوائد, جم المنافع لما اشتمل عليه من الفصول الشريفة, والفِقر اللطيفة, والخطب الرائعة, والأخبار البارعة, وما حواه من أسماء الخطباء والبلغاء, وما نبه عليه من مقاديرهم في البلاغة والخطابة وغير ذلك فنونه المختارة ونعوته المستحسنة.
وقال ابن رشيق القيرواني: وقد استفرغ أبو عثمان الجاحظ- وهو علاَّمة وقته- الجهد, وصنع كتابًا لا يُبلغ جودة وفضلاً, ثم ما ادعى إحاطته بهذا الفن لكثرته, وأن كلام الناس لا يحيط به إلا الله عز وجل.
وقال ابن خلدون: وسمعنا من شيوخِنَا في مجالسِ التعليمِ أنَّ أصولَ هذا الفنِّ وأركانَهُ أربعةُ دواوين وهي: أدبُ الكاتبِ لابنِ قُتيبةَ وكتابُ الكاملِ للمُبَرِّدِ، وكتابُ البيانِ والتبيينِ للجاحظِ، وكتابُ النوادرِ لأبي عليٍّ القالي البغدادي. وما سوى هذه الأربعةِ فتَبَعٌ لها وفروعٌ عنها.
سبب تأليفه للكتــاب:
أما سبب تأليف الجاحظ لهذا الكتاب فيرى أحد الباحثين أنه دفاعًا عن البيان العربي في مختلف مظاهره ذلك أن الجاحظ تحدث عن الشعوبية ودعاتها وتنقصها من العرب لأنهم يستعينون بالعصي والمخاصر واعتمادهم على القُسيِّ, فترى الجاحظ يرد هذا الاتهامات ويبيّن ما للعرب من فضل على غيرهم.
منهـــج الكتاب:
إن عادة الجاحظ في تأليفه أن يرسلَ نفسه على سجيتها, فلا يتقيد بنظام محكم يترسمه, ولا يلتزم نهجًا يحذوه, ولذلك نراه يبدأ الكلام في قضية من القضايا ثم يدعها في أثناء ذلك ليدخلَ في قضية أخرى, ثم يعود إلى قضيته الأولى, وقد كانت هذه طريقة علماء عصره, وكان الجاحظ يشعر بذلك ويعتذر عنه أحيانًا فهو يقول: ( وكان في الحق أن يكون هذا الباب في أول هذا الكتاب, ولكنا أخرناه لبعض التدبير), ومثل هذا كثير في كتابه.
فالجاحظ يتناول في حديثه الألفاظ, فيتكلم على شروط صحتها وفصاحتها, ومخارج حروفها وعجز الناس عن النطق بها على الوجه الصحيح, وما يعتريها من لُكنة على ألسنة الأعاجم ومجاوريهم من العرب, والفرق بين ألفاظ البدو والحضر وأسباب اختلاف اللهجات بين الأمصار, ويخوض في حديث البيان والبلاغة فيبحث في الأفكار ووسائل التعبير عنها, وعلاقة مظهر المتكلم ببيانه, وأثر البيئة والصناعة فيه, ووجوب التناسب بين اللفظ والمعنى.
ويذكر تعريف البلاغة عند الفرس والروم والهند والأعراب وأعلام البلغاء كالعتابي وسهل بن هارون وابن المقفع, ولم يتعرض لمسائل البلاغة التي عُرفت فيما بعد, إلا ما قدَّم من كلامٍ في تنافر الحروف وائتلافها وكذلك وجوب مراعة مقتضى الحال, وهو يتكلم عن الإيجاز والإطناب ويُعيِّن المواضع الصالحة لكل منهما.
وتكلم عن بلاغة أئمة المعتزلة وهذا واضح بيِّن في كتابه, وتناول الشعر والشعراء والخطابة والخطباء بأحاديث كثيرة في مواضع مختلفة من الكتاب, فيتحدث عن صفات الشعر الجيد ومذاهب الشعراء في تنقيحه, وأثره الاجتماعي وصعوبة الجمع بين بلاغة الشعر وبلاغة القلم, وتحدث عن الشعراء وطبقاتهم واختلافهم في قوة الطبع ودقة الصنعة, ويذكر مقومات الخابة وصفات الخطيب الناجح ومكانته بين قومه, وذكر عددًا وافرًا من الخطب المشهورة لمشاهير الخطباء كالحجاج وزياد بن أبيه وأكثم بن صيفي وغيرهم, وغير ذلك من المباحث التي هي من صميم البلاغة والنقد والأدب.
وأسلوب الجاحظ في عرض هذا الكتاب كأسلوبه في كل كتاب ورسالة: إشراق في غير ما تصنُّع, وقبول للسجعة إذا جاءت عفو الخاطر دون ما تكلُّف أو سعي إليها.
في كتاب البيان والتبيين لا يكتفي الجاحظ بعرض منتخبات أدبية من خطب ورسائل وأحاديث وأشعار، بل يحاول وضع أسس علم البيان وفلسفة اللغة.
ويعني الجاحظ بالبيان:* الدلالة على المعنى*وبالتبيين: الإيضاح .
وقد عــــرّف الكتاب خير تعريف بقوله الوارد في مطلع الجزء الثالث:
" هذا أبقاك الله الجزء الثالث من القول في البيان والتبيين، وما شابه ذلك من غرر الأحاديث، وشاكله من عيون الخطب، ومن الفقر المستحسنة، والنتف المستخرجة، والمقطعات المتخيرة، وبعض ما يجوز في ذلك من أشعار المذاكرة والجوابات المنتخبة
عن الكتاب يقول أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري في الصناعتين، عند الكلام على كتب البلاغة: ( وكان أكبرها واشهرها كتاب البيان والتبيين، لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ. وهولعمري كثير الفوائد، جم المنافع، لما اشتمل عليه من الفصول الشريفة، والفقر اللطيفة، والخطب الرائعة، والأخبار البارعة، وما حواه من أسماء الخطباء والبلغاء، وما نبه عليه من مقاديرهم في البلاغة والخطابة
و يقول ابن رشيق القيرواني في العمدة :و قد استفرغ أبو عثمان الجاحظ وهو علّامة وقته الجهد وصنع كتاباً لا يُبلغ جودةً وفضلاً
اما ابن خلدون المغربي فيسجل لنا رأي قدماء العلماء في هذا الكتاب، إذ يقول عند الكلام على علم الأدب:
وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين هي: أدب الكاتب لابن قتيبة ، كتاب الكامل للمبرد ، كتاب البيان والتبيين للجاحظ ، كتاب الأمالي لأبي علي القالي ، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها*
و نجد في كل جزء من أجزاء الكتاب الثلاثة بحثاً في البيان والتبيين، ومجموعات من الأحاديث والخطب والمقطعات والجوابات والأشعار. ولقد التزم الجاحظ هذا التصميم وقصد إليه قصداً ليجنب القارئ الملل أو السأم بتنويع الموضوعات.
وقد عبر عن ذلك بقوله: " وجه التدبير في الكتاب إذا طال أن يداوي مؤلفه نشاط القارئ له، ويسوقه إلى حظه بالاحتيال له، فمن ذلك أن يخرجه من شيء إلى شيء، ومن باب إلى باب، بعد أن لا يخرجه من ذلك الفن، ومن جمهور ذلك العلم " .
بهذا برر الجاحظ طرقه الموضوعات ذاتها في كل جزء من أجزاء الكتاب.
فموضوع علم البيان وفلسفة اللغة توزع على الأجزاء الثلاثة:
في الجزء الأول تحدث عن مفهوم البيان وأنواعه، وآفات اللسان، والبلاغة والفصاحة.
وفي الجزء الثاني تحدث عن الخطابة وطبقات الشعراء.
وفي الجزء الثالث تكلم على أصل اللغة وقيمة الشعر.
وفي كل جزء من الأجزاء الثلاثة أورد أبو عثمان منتخبات من كلام الأنبياء، خطباً ومقطعات وأحاديث ورسائل وأشعاراً، نسبها إلى مختلف طبقات الناس .
مقتطفات من الكتاب :
•*** الخروج مما بُني عليه أول الكلام إِسهاب.
•*** وأجرأ من رأيت بظهر عيب على عيب الرجال ذوو العيوب
•*** القلم أحد اللسانين، والقلم أبقى أثراً، واللسان أكثر هذراً.
•*** إذا كان الحب يعمي عن المساوي فالبغض يعمي عن المحاسن.
•*** حدِّث الناس ما حرجوك بأبصارهم وأذنوا لك بأسماعهم، فإن رأيت منهم فترة فأمسك.
•*** *كان السلف يخافون من فتنة القول أكثر مما يخافون من فتنة السكوت.
•*** *كانوا يمدحون جهور الصوت، ومدحوا سعة الفم.
•*** *قيل لعبد الملك بن مروان : عجل لك الشيب فقال : وكيف لا يعجل علي، وأنا أعرض* عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين.
•*** *مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها.
•*** *قال الحسن : لسان العاقل وراء قلبه فإذا أراد الكلام تفكر، فإن كان له قال، وإن كان عليه سكت.
•*** *دع الاعتذار، فإنه يخالطه الكذب.
•*** *يهلك الناس في فضول الكلام وفضول المال.
•*** *إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون.
•*** *كان عمر بن الخطاب لا يعرض له أمراً إلا أنشد فيه شعراً.
•*** السكوت عن قول الحق هو في معنى النطق بالباطل.
•*** *قال عمر : استغزروا الدموع بالتذكر.
•*** *خطب أحدهم.. ثم قال أحد السامعين هذا خطيب العرب لو كان في خطبته شيء من القران.
•*** *نشاط القائل على قدر فهم السامع.
•*** *سوء الاستماع نفاق.
•*** *التثبت نصف العفو.
•*** إنما الناس أحاديث فإن استطعت أن تكون أحسنهم حديثاً فافعل.
•*** اصحب من يتناسى معروفه لديك ويتذكر إحسانك إليه، وحقوقك عليه.
•*** ثلاثة أشياء تدل على عقل صاحبها : الكتاب، الرسول، الهدية.
•*** قيل لبعض العلماء : أي الأمور أمتع ؟ قال : مجالسة الحكماء، ومذاكرة العلماء.
•*** كن إلى الاستماع أسرع منك إلى القول.
•*** العلم مثل السراج من مر به اقتبس منه.
•*** *قال عمر : من خير صناعات العرب الأبيات يقدمها الرجل بين يدي حاجته يستنزل بها الكريم و يستعطف بها اللئيم.
•*** سئل عمر بن عبد العزيز عن قتلة عثمان، فقال : تلك دماء كف الله يدي عنها، فأنا لا أحب أن أغمس لساني فيها.
•*** قال ابن واسع : الإبقاء على العمل أشد من العمل.
•*** * رأيت صلاح المرء يصلح أهله
ويعيدهم داء الفساد إذا فسد
يُعظم في الدنيا بفضل صلاحه
ويحفظ بعد الموت في الأهل والولـد
طريقة المؤلف في معالجتها :
ورتب الجاحظ كتابه ترتيباً موضوعياً
اعتمد المؤلف الاستشهادات المتنوعة سواء من السنه أو من الشعر ليثري مادته العلمية التي وثق فيها اهم الخطباء والخطب
أهمية الكتاب بالدارسات اللغوية أو الادبيه وصلته بغيره من الكتب :
لعب كتاب الجاحظ دوراً بارزا في رفع شأن الخطابة والأدب ككل
ألف الجاحظ كتابه البيان في اواخر ايامه تعصبا للعرب وفصاحتهم وبيانهم ، فهو في مضمونه وغايته في الدفاع عن البيان العربي في مختلف مظاهره ،
تحدث فيه عن الالفاظ وفصاحتها ، والافكار والاساليب، وتناسب اللفظ والمعنى ، كما ملأه بالاخبار والنوادر والطرائف، والشعر
وشواهد القرآن الكريم والحديث الشريف والخطب والامثال وغيرها للدفاع عن ما يذهب اليه، مما جعل من الكتاب موسوعة ادبية تمثل ثقافة الجاحظ التي احاطت بمعارف عصره.
منهج الجاحظ في كتابه
في كتاب البيان والتبيين لا يكتفي بعرض منتخبات أدبية من خطب ورسائل وأحاديث وأشعار بل يحاول وضع أسس علم البيان وفلسفة اللغة.
ويعني الجاحظ بالبيان الدلالة على المعنى، وبالتبيين الإيضاح وقد عرف الكتاب خير تعريف بقوله الوارد في مطلع الجزء الثالث: "هذا أبقاك الله الجزء الثالث من القول في البيان والتبيين، وما شابه ذلك من غرر الأحاديث، وشاكله من عيون الخطب، ومن الفقر المستحسنة، والنتف المستخرجة، والمقطعات المتخيرة، وبعض ما يجوز في ذلك من أشعار المذاكرة والجوابات المنتخبة".
وهكذا نلفي في كل جزء من أجزاء الكتاب الثلاثة بحثاً في البيان والتبيين ومجموعات من الأحاديث والخطب والمقطعات والجوابات والأشعار.
ولقد التزم الجاحظ هذا التصميم وقصد إليه قصداً ليجنب القارئ الملل أو السأم بتنويع الموضوعات.
وقد عبر عن ذلك بقوله: "وجه التدبير في الكتاب إذا طال أن يداوي مؤلفه نشاط القارئ له، ويسوقه إلى حظه بالاحتيال له، فمن ذلك أن يخرجه من شيء إلى شيء، ومن باب إلى باب، بعد أن لا يخرجه من ذلك الفن، ومن جمهور ذلك العلم".
بهذا برر الجاحظ طرقه الموضوعات ذاتها في كل جزء من أجزاء الكتاب.
أسلوبه الكتابي :
* والأسلوب أحد أبرز مميزات الجاحظ؛ فهو سهل واضح، فيه عذوبة وفكاهة واستطراد بلا ملل، وفيه موسوعية ونظر ثاقب، وإيمان بالعقل لا يتزعزع ، ويمكن أن يعرف على أنه أسلوب عقلاني علمي تمحيصي .
دعا الجاحظ من خلال ما كتب لتحرير الأسلوب من الجمود والصنعة السائدين قبله، فقرّب النثر من الحياة وحملّه همومها، فأصبحت اللغة مع الجاحظ تحمل نبض الحياة والناس وتعيش قضاياهم .
وإذا كان بعض المبدعين قد جاء إلى الحياة من الأدب، فإن الجاحظ قد جاء إلى الأدب من الحياة، كانت الحياة عنده أولاً وجاء الأدب ليعبر عن حقائق هذه الحياة، وجعل للأدب غايةً لا يفترق فيها الجانب الجمالي عن الجانب الاجتماعي، فأسهم بأن جعل الثقافة للجماهير حين قصدها وتوّجه إليها فيما يكتب .
وكان كما يقول الشاعر بدر شاكر السياب : «أول أديب عربي نزل إلى السوق فصوَّر لنا أحوال الشعب تصويراً ينبض بالصدق والحياة، بأسلوب حسبنا أن نقول فيه: أنه أسلوب الجاحظ، والذي كان بحق مدرسة في الأسلوب تخرج منها أدباء شباب وامتاز بأنه الأسلوب البسيط الذي يخفي تحته أفكاراً في تجدّدٍ دائم، أو تحفزُ علىالتجديد، وفي كثير من النقاط يمكن مقارنةالجاحظ مع فولتير» .
وكان الجاحظ في الأدب العربي القديم مثل ( برنارد شو ) في الأدب الانجليزي الحديث؛ كان الجاحظ جاداً وهو يضحك، مُتفلسفاً وهو يسخر، حيث عالج أخطر المشكلات بأسلوبه الساخر وخفة ظلّه المعروفة .
تصانيفه :
كان الجاحظ عالما موسوعيا أخذ من كل علم بنصيب وافر يعرف ذلك من قرأ له.
قال الوزير ابن العميد : «كتب الجاحظ تعلم العقل أولا والأدب ثانيا
ويعد الجاحظ من أغزر كتّاب العالم ؛ فقد كتب حوالي 360 مؤلف ما بين كتاب في مجلدات ورسالة صغيرة تدل على قوة ذهنه وجودة تصرفه .
العصور التي عاصرها الجاحظ
اثنا عشر خليفة عباسياً هم :
المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون، والمعتصم والواثق ، والمتوكل والمنتصر، والمستعين والمعتز والمهتدي بالله، وعاش القرن الذي كانت فيه الثقافة العربية في ذروة ازدهارها .
والجاحظ بهذا الفكر، وهذه الثقافة المتنوعة الجامعة، وذاك العمر المديد بما يعطيه للمرء من خبرات وتجارب، وهذا الأسلوب المميز: استحق مكانه المتميز في تاريخ الثقافة العربية بما له من تأثير واضح قوي في كل من جاءوا بعده .
وقد كانت ثمرة هذه الحياة يانعة فقد وصلتنا بعض كتبه وما وصل غيض من فيض لكن أحدها وهو كتاب البيان والتبيين كان بحق أحد أعمدة الأدب الأربعة فقد شحنه بالتأصيلات العلمية والفوائد اللغوية والتحليلات البيانية واللسانية وتعرض إلى مباحث شائكة فيسر عسيرها وصاغها صياغة تمكن من حسن تصورها .
نماذج من شعره :
يَـطِيبُ الـعَيشُ أَن تَـلقَـى حَكِـيـمًـا غَــدَاةَ الــعِـلــمِ وَالظَّـنِّ المُــصِيبِ
فَـيَـكـشِـفُ عَـنـكَ حَيـرَةَ كُلِّ جَهلٍ وَفَـضـلُ الـعِـلـمِ يَـعـــرِفُهُ الأَدِيبُ
سِـقَـــامُ الـحِـرصِ لَيسَ لَـهُ شِفَـاءٌ وَدَاءُ الـجَـهـلِ لَـيـسَ لَـهُ طَبيبُ
وأنشد له المبرد :
إن حَـالَ لَــونُ الـرَّأسِ عَن حَـالِــهِ فَـفِـي خِـضَـابِ الـرَّأسِ مُـسـتَـمتَعُ
هَـب مَـن لَــهُ شَـيـبٌ لَـهُ حِـيـلَــةٌ فَـمَـا الَّــذِي يَـحـتَـالُهُ الأَصلَعُ
قال أبو العيناء -وهو ابن أخت الجاحظ- : «دخل عليه رجل فقال: يا أبا عثمان، كيف حالك ؟ فقال: سألتني عن الجملة، فاسمعها مني واحدا واحدا، حالي أن الوزير يتكلم برأيي، وينفذ أمري، ويواتر الخليفة الصِّلات إلي، وآكل من لحم الطير أسمنها، وألبس من الثياب ألينها، وأجلس على اللَّين الطبري، وأتكىء على هذا الريش، ثم أصبر على هذا حتى يأتي الله بالفرج. فقال الرجل : الفرج ما أنت فيه، قال : بل أحب أن تكون الخلافة لي، ويعمل محمد بن عبد الملك - يعني : الوزير - بأمري، ويُختلَف إليَّ، فهذا هو الفرج
والجاحظ نفسه يثني على كتابه هذا ويحث على مدارسته يقول -رحمه الله «ولما قرأ المأمون كتبي في الإمامة، فوجدها على ما أمر به، وصرت إليه، وقد كان أمر اليزيدي بالنظر فيها ليخبره عنها، قال لي : قد كان بعض من نرتضي عقله ونصدق خبره خبرنا عن هذه الكتب بإحكام الصنعة وكثرة الفائدة، فقلت قد تربي الصفة على العيان فلما رأيتها رأيت العيان قد أربى على الصفة، فلما فليتها أربى الفَلي على العيان، كما أربى العيان على الصفة . وهذا كتاب لا يحتاج إلى حضور صاحبه، ولا يفتقر إلى المحتجين عنه، قد جمع استقصاء المعاني، واستيفاء جميع الحقوق مع اللفظ الجزل، والمخرج السهل، فهو سوقي ملوكي، وعامي خاصي.
وقد نقلت كتب التراجم عن الجاحظ قوله : «أهديت إلى محمد بن عبد الملك كتاب «الحيوان»، فأعطاني خمسة آلاف دينار، وأهديت كتاب «البيان والتبيين» إلى أحمد بن أبي دؤاد، فأعطاني كذلك، وأهديت كتاب «الزرع والنخل» إلى ابراهيم الصولي، فأعطاني مثلها فرجعت إلى البصرة ومعي ضيعة، لا تحتاج إلى تحديد ولا إلى تسميد»
وهؤلاء الثلاثة الذين سمّاهم كلهم وزراء.