تحرير المقالة:
المقدمة: لكل واحد منا جملة من الأفكار والتصورات والمشاعر في ذاته،وهو في حاجة إلى التعبير عنها بغية التكيف مع المواقف التي يواجهها، وهذا التعبير لا يتم إلا في شكل لغة ،والشائع أننا غالبا ما نستعمل لغة الألفاظ والكلمات ،لكن ما حرك الدراسات في مجال علم اللغة هو طبيعة العلاقة بين اللفظ ومعناه ، إذ ذهب البعض إلى القول أن العلاقة بين اللفظ ومعناه هي علاقة طبيعية ضرورية،بينما يؤكد أنصار نظرية التواضع و الاصطلاح أن الأسماء الواردة في الكلام الإنساني تم الاتفاق عليها،إذن هل العلاقة بين اللفظ ومعناه هي رابطة ضرورية منبعها محاكاة الطبيعة ؟ أم أنها اصطلاحية توافقية ؟
العرض:
أ/الأطروحة:العلاقة بين اللفظ والمعنى مادية، ضرورية، طبيعية.
تحليلها:يرى بعض العلماء والفلاسفة أن هناك علاقة تطابق بين الكلمات ومعانيها،إذ يكفي سماع الكلمة لمعرفة معناها.
البرهنة:
1-يؤكد أفلاطون أن العلاقة بين اللفظ ومعناه ضرورية تحاكي فيها الكلمات أصوات الطبيعة،فبمجرد سماع الكلمة نعرف معناها ودلالتها،فكلمة زقزقة مثلا تشير بالضرورة إلى صوت العصفور،وكلمة مواء تشير بالضرورة إلى صوت القط،ونفس الشأن مع كلمات أخرى كـ::نهيق....، نقيق....، حفيف....، خرير....، ...الخ.
2-يؤكد بعض علماء اللغة أن بعض الحروف لها معان خاصة حيث يوحي إيقاع الصوت وجرس الكلمة بمعنى خاص،فحرف(ح) مثلا يدل على معاني الانبساط والراحة، مثال:حب،حنان،حنين ، حياة.....، وحرف(غ) مثلا فيدل على معاني الظلمة والحزن والاختفاء، كما في :غيم، غم، غدر، غبن، غرق، غاص.... ولو تأملنا قصائد الغزل كما يقول بعض علماء اللغة لوجدنا أنها لا تلائم قافية القاف لغلظة هذا الحرف و خشونته،لذلك يستحسن في هذه القصائد أن تكون القافية (س)أو(ح) نظرا لرقتها.
استنتاج جزئي:إذن العلاقة بين الدال والمدلول ضرورية.
نقـد: لو كانت اللغة محاكاة للطبيعة فكيف نفسر تعدد اللغات ما دمنا نعيش في طبيعة واحدة ؟بل كيف نفسر تعدد الألفاظ للمعنى الواحد،مثالSadمريض،سقيم،عليل) ،فاللغة إبداع إنساني وليس مجرد تقليد.
ب/الأطروحة:العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية،تعسفية،اصطلاحية.
تحليلها:الكلمات لا تحمل أي معنى في ذاتها، لأنها تمت نتيجة الاتفاق والتواضع بين أفراد المجتمع.
البرهنة:
1-يؤكد أرنست كاسير هذا بقوله:" إن الأسماء الواردة في الكلام الإنساني لم توضع لتشير إلى أشياء بذاتها"،هذا القول يدل على أن الألفاظ وضعت لتدل على معان مجردة وأفكار لا يمكن قراءتها في الواقع المادي، بل إن الكلمة، أو الرمز، أو الإشارة لا تحمل في ذاتها أي معنى أو مضمون إلا إذا اتفق عليه أفراد المجتمع،فالإنسان هو من وضع الألفاظ قصد التعبير والتواصل، وهو نفس ما قصده عالم اللسانيات السويسري دوسوسيرDesausure حينما قال:"إن الرابطة الجامعة بين الدال والمدلول رابطة تحكمية".
2-كثيرا ما نجد الكلمة الواحدة تحمل دلالات متباينة، فأين الضرورة إذن بين اللفظ و المعنى!؟ فالفعل ضرب مثلا له ثلاث دلالات: فإذا قلنا:ضرب إسماعيل في الأرض، معنى هذا:أنه سافر، وإذا قلنا ضرب إسماعيل مثالا، معنى هذا:أنه قدم مثالا، وإذا قلنا: ضرب الأب ابنه العاق، معناه:عاقبه بالضرب.
استنتاج جزئي:إذن العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية.
نقـد: يبدو في هذا الطرح نوع من الموضوعية، فكلمة حرية،عدالة مثلا ليس لها ما يطابقها في الواقع المادي،لذا وجب الاتفاق والاصطلاح،لكن هذا لا ينفي وجود الكثير من الرموز والألفاظ تحاكي الطبيعة.
ج:التركيب والرأي المتجاوز:
وكتوفيق بين الأطروحتين ،مادام الإنسان يحيا في وسط مادي ومعنوي،معنى هذا أن الألفاظ منها ما هو محاكاة للطبيعة ،ومنها ما كان توافقا واصطلاحا بين بني البشر،ومنها ما يتجاوزهما معا، ولعل هذا ما قصدته الآية الكريمة:<وعلم آدم الأسماء كلها...>
الخاتمة:
وعصارة القول أن العلاقة بين الدال والمدلول علاقة ضرورية و اعتباطية،ضرورية لأنه فعلا هناك من الألفاظ ما هو محاكاة و مطابقة تامة لما هو في الطبيعة،و اعتباطية لأن الدراسات في مجال علم اللغة تؤكد أن الطبيعة عاجزة أن تستوعب كل الألفاظ لذا كان التوافق والاصطلاح ، وتبقى اللغة من المسائل الهامة التي أسالت حبر المفكرين و الفلاسفة،وقد توافينا الدراسات مستقبلا بما هو جديد،فقد يجد العلماء علاقة أخرى نجهلها الآن،يبقى السؤال فقط: ما هي يا ترى؟