سحب القرارات الاداريه لاعتبارات الملاءمه
قبل الخوض في الحديث عـــن مدي سلطه الجهة الاداريه فـــي سحب ما يصدر عنها من قـــراراتها لاعتبارات الملاءمه, أجــد مــن الضروري التعرض لشرح ماهية ملاءمه القرار الإداري .
ملاءمه القرار الإداري:هي كون هذا القرار مناسبا أو موافقا أو صالحا من حيث الزمان والمكان والظروف والاعتبارات المحيطة.
فبحث ملائمة القرار الاداري هي إجراء موازنة بين ما يحققه القرار الإداري من منافع وما ينتج عنه مــن أضرار للتوصل إلي معرفه ما أذا كان هـذا القرار يحقق الصالح العام أم لا, وبمعني أخـــر إذا كانت المنافع التي تترتب مـــن جراء تنفيذ القرار تفوق الأضرار التي يمكـــن إن تترتب عليه فيكون هــــذا القرار ملائما لمقتضيات الصالح العام, أمــــا إذا كانت الأضرار المترتبة علي تنفيذ القرار تفــوق منافعه فهنا يكون القرار غـــير ملائم لمقتضيات الصالح العام.
ننتقل الآن للاجا به علي سؤال مؤداه هل تملك الجهة الاداريه سحب قراراتها محتجة في ذلك بأنها ( أي القرارات الاداريه) غير ملاءمه ؟....
من خلال الاضطلاع علي أحكام كل مـــن القضاء الفرنسي والمصري في هـذا الشأن نجد أن القاعدة مستقره علي انـــه, لا يجوز للاداره ســحب مـــا يصدر عنها مـن قرارات بحجه أنـــها معيبة بعيب عــــدم الملاءمه , وان ســلطه الاداره مقتصرة علــــي ســحب القرارات المخالفة للقانون أي المعيبة بعيب عــدم المشروعية, وتكن مقيده في ممارسه هذه السلطة بالقيـــود التي يفرضها القانون بشأن المواعيد. كما أن الفقــه الفرنسـي والمصري يكونون شـبـه إجماع, علي انــه لا يجوز للاداره سحب قراراتها لأنها غير ملاءمه مؤيدين بذلك مـا عليه القضاء .
*من أحكام القضاء الفرنسي في هذا الشأن:
1-حكم مجلس الدولة الصادر في 12/2/1971 والذي قضي "بــأن استناد جهة الاداره
في إصدار قرار الســـحب علي اعتبارات الملاءمه فان القرار الساحب يكون قـد شابة عيب تجاوز السلطة"
2-وفي حكم أخر قضي المجلس "بأنه لا يجوز لجهة الاداره ســـحب قرارها استنادا علي خطأ في التقدير"
*ومن أحكام القضاء المصري:
1-الحكم الصادر فــي 1/3/1954 والذي جاء فيه "أن القرار الإداري المطابـق للقانون ليس لجهة الاداره سحبه بحجه أنها أخطأت فــي تقدير الظروف التي أدت إلي إصداره وان سلطه السحب لا تكون إلا بالنسبة للقرارات المخالفة للقانون "
2-وكذلك الحكم الذي قضت فيــــه "للوزير تقدير اثــر الجزاء فــي التخطي فــــي الترقية فــــان رأي إن للتخطي محلا اصدر به قرارا فإذا مـا اصدر قرار بترقية الموظف دون نظر للجزاءات السابقة علي قـرار الترقية فــــانه يكون قــد استنفذ السلطة المخولة لـه ولم يجز لــه بعد ذلك سحب قرار الترقية استنادا إلي هــذه الجزاءات السابقة إذا إن السحب لا يكون إلا بالنسبة للقرارات المخالفة للقانون وليس لجهـة الاداره إن تسحب قرارا مطابقا للقانون بحجة أنها أخطأت فــــــي تقدير الظروف الـــتي أدت إلي إصداره"
3-والحكم الصادر في 25/6/1974 والــذي قالت فـيه "أن الاداره وهـي بصدد استعمال اختصاص تقديري لا يمكن أن يكون مبرر لها بسحب القرار"
رغـم توافر هذا الإجماع مـــن قبل القضاء والفقه المصري والفرنسي إلا أن هنـاك أراء خالفته, ويري أصحاب تلك الآراء انــه يجــوز للاداره أن تسـحب قراراتها الاداريه المعيبة بعيب عدم الملاءمه.
يري الدكتور حسني درويش عبد الحميد "أن للاداره سـحب هذا النوع من القرارات إذا اتضح لها أنها أخطأت فـي تقدير مناسبة إصدارها , ولا غرابة في ذلك فالاداره التي منحت سلطه تقديريه في إصدار القرار يجب إن تكون لها نفس السلطة في سحبة والقيد الذي يرد عليها في هذه الحالة هــــو إلا تتعسف فــــــي استعمال السلطة وتميل مع الهوى في سحب قراراتها, وان يتم السحب خلال المدة المقررة قانونا, والتي بفواتها يتحصن القرار ســواء أكان القرار غير مشروع أم غير ملائم, وللقضاء مراقبه تصرفات الاداره إذا شابها تعسـف أو انحراف, كما أن الاداره في هذا الخصوص ملزمه بتسبيب قرارات السحب "
كما يري الدكتور كامل ليلة "أن للاداره الحق فــي سحب قراراتها غير الملاءمه بشرط إلا يكون فــي ذلك تعسف وإساءة استخدام سلطتها ويمكن أن يكون الفرد الذي يضار مـــن جراء السحب في هـــذه الحالة حق التعويض عن الحقوق التي اكتسبها والتي ألغيت بسبب السحب وهذا يعتبر قيدا علي الاداره وضمانا كافيا فــــي مواجهتها ويمكن فوق ذلك الطعن
في القرار الساحب إذا شابه عيب الانحراف بالسلطة".
*رأي في هذا الشأن:
انـه يجب إعطاء الاداره الحق فــــي ســـحب قراراتها إذا كانت غير ملاءمه, وذلك لان
القضاء المصري لا يمــلك أن يراقب ملاءمه القرارات الاداريه, فهو حتى الآن يقف عــــند حــــدود المشـروعية علـي عكس نظريه الفرنســي, الـذي بـــدا يراقب الملاءمه إلي جانب المشــروعية, والقول بغير ذلك يودي إلـــــي خروج تلك القرارات مـــــن الرقابـة الاداريـه والقضائية, فتصبح حصينة مـن الإلغاء والسحب رغم ما بها من عيوب وهذا بالتأكيد ليس في صالح الصالح العام, فيجب إعطاء الاداره هذا الحق حتى يحين الوقت الذي يتبني فيــه القضاء المصري بحث ملائمة القرارات الإدارية كما فعل نظيرة الفرنسي, وحتى لا تصبح هناك قرارات إداريه بمنآي عن الرقابة بدعوي أن كل من الاداره والقضاء لا يملكان إلغاء القرار الاداري غير الملائم .
فلا يجوز أن تكون هناك قـــرارات إدارية حصينة من الإلغاء طبقا لنص المادة 68 مـن الدستور المصري "ويحظر النص فـــي القوانين علي تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابه القضاء"
ويجب أن تكون الاداره أثناء ممارستها لتلك السلطة مقيده بثلاث قيــود, الأول ألا يشوب قرارها الســاحب اساءه استعمال السلطة كقيد أول, وان يكون السـحب هنا فـي حدود المدة المقررة للسحب, وان يكون هــدف الاداره مـــن السحب هـــو تحقيق احترام القانون ومبدأ المشروعية والمصلحة العامة.