وفي عام 1921 أباد الروس مئة ألف مسلم في القرم جوعًا، وأرغموا 50 ألف على الهجرة في عهد بلاكون الشيوعي الهنغاري الذي نصبوه رئيسًا للجمهورية القرمية الإسلامية، وفي سنة 1946 نفوا شعبين إسلاميين كاملين وهم شعب جمهوريتي القرم وتشيس إلى مجاهل سيبيريا، وأحلوا محلهم الروس.
ومن مظاهر الحملة ضد المسلمين كذلك هدم المساجد وتحويلها إلى دور للهو واستخدامها في غايات أخرى وإقفال المدارس الدينية، إذ بلغ مجموع المساجد التي هُدِّمت أو حُوِّلت إلى غايات أخرى في دولة واحدة مثل تركستان 6682 مسجدًا، منها أعظم المساجد الأثرية مثل (منارة مسجد كالان) في مدينة بخارى و(كته جامع) في مدينة قوقان و(جامع ابن قتيبة) و(جامع الأمير فضل بن يحيى) و(جامع خوجه أحرار) في مدينة طشقند.
فيما بلغ مجموع عدد المدارس والكتاتيب التي أقفلوها 7052 مدرسة، منها: (ديوان بيكي مدرسة) في مدينة بخارى، و(بكلريك مدرسة) و(بران حان مدرسة) في مدينة طشقند، وغيرها من المدارس التاريخية التي كانت منهلًا من مناهل العلم والعرفان.
وفي القرم طمسوا معالم الإسلام بما فيها الجوامع الأثرية في مدينة (باغجة سراي) عاصمة القرم الجميلة مثل (جامع حان) وجامع (طوزيازرا) وجامع (أصماقويو) وغيرها، كما هدموا في مدينة (زغرب) في يوغسلافيا جامعًا عظيمًا شيد رمزًا لوحدة عنصري الشعب الكرواتي، فيما أغلقوا في مدينة (سراييفوا) الأكاديمية الإسلامية العليا للشريعة الإسلامية، وجميع المدارس الدينية باستثناء واحدة فقط، أبقوها للدعاية!
هذا بخلاف قتل علماء الدين ونفيهم خارج البلاد، ومن أشهر العلماء الذين قتلوا على أيدي الروس: الشيخ برهان البخاري قاضي القضاة التركستاني والشيخ خان مروان خان مفتي بخارى والشيخ عبد المطلب واملا والشيخ محسوب متولي والشيخ عبد الأحد وادخان والشيخ ملا يعقوب والشيخ ملا عبد الكريم، وفي يوغسلافيا قتلوا مفتي كرواتيا الشيخ عصمت مفتيش والعالم الفاضل مصطفى يوصلولاجيتش.
وفي السياق ذاته تعددت صور تعذيب المسلمين، منها: دقُّ مسامير طويلة في رأس المُعذَّب حتى تصل مُخَّه وصبُّ البترول على المُعذَّب ثم إشعال النار فيه حتى يحترق وتحويل المساجين لأهداف لإطلاق الرصاص عليها من الجنود الروس خلال تدريباتهم العسكرية.
بجانب منع دخول الشمس لمعتقلات المسلمين وفرض الجوع عليهم حتى الموت، كذلك إجبارهم على ارتداء خوذات معدنية ثم صعقهم بها بعد تمرير التيار الكهربائي بها وتمزيق أجسادهم عبر ربطها من الطرفين بآلة قوية تشد كل طرف على حدة حتى تفصله عن بقية الجسد.
حتى المسلمين الآن الموجودين في روسيا لا يسلمون من سياسات التنكيل والتعذيب لمن يفكر في رفع رأسه أو التعبير عن رأيه أو المطالبة بحقوقه لا سيما الدينية، هذا في الوقت الذي تفرض فيه موسكو تعتيمًا غير مبرر على أعداد المسلمين الحقيقيين داخل البلاد، إذ تشير الأرقام غير الرسميَّة إلى أنَّ عددهم يتراوح بين 20 - 30 مليون نسمة.
وهكذا بات من الواضح أن الصورة التي تسعى روسيا لإيهام العالم الإسلامي بها، مستخدمة قوتها الناعمة لتحقيق ذلك، لم تستطع الصمود طويلًا أمام صفحة واحدة من صفحات التاريخ الدموي الملطخ بشتى صور التعذيب والإبادة بحق الملايين من المسلمين على أيدي الروس، وفي الحلقات القادمة نستعرض بعض تلك المجاز بشيء من التفصيل لإسقاط هذا القناع المزيف الذي طالما أغرى الكثيرين ممن لا يقرأون التاريخ جيدًا.
عماد عنان
محرر صحفي في نون بوست