تاريخ الإمام سلطان الجزائر الأمير عبد القادر الحسني الجزائري يفضح دعوات وجماعات الإصلاح العصرية المزعومة في الجزائر ، وما هي عليه من الضعف والنكران وغربتها عن العلم والإصلاح .
بسم الله الرحمن الرحيم
للأسف وخيبة الأمل ، والذي سيكتبه التاريخ ، ويشهده الواقع ، أن يكون أشد الخصوم ، وأعدى أعداء الأمة الجزائرية ولتاريخها وثوابتها هؤلاء المتسلفة الصعافقة الجهلة الذين يدعون السنة ، اتباع الدكتور محمد علي فركوس وعبد المالك الرمضاني وعزالدين رمضاني .
فقد خبرت القوم عن كثب ودراية وسبر لأحوالهم ومقالاتهم ، فوجدتهم أجهل الناس بتاريخهم الجزائري ، الذي يقول عنه الإمام المحدث بشير الإبراهيمي - رحمه الله - في الآثار : ( إننا نعيش بالاستمداد من الماضي والعمل للحاضر والاستعداد للمستقبل )
ويقول عنه الإمام أبو يعلى الزواوي في تاريخه : ( لا حياة لأمة ماتت لغتها ، وكذلك لا حياة لأمة مات تاريخها )
وقد كثر الكلام والتنويه بشأن عظمة الاهتمام بالتاريخ ودراسته وتنقيحه وتحقيقه ، وقد برز فيه أهل السنة والحديث ، ولعلماء جمعية المسلمين الجزائريين فيه السبق ، فقد أهتموا به ونوهوا بشأنه ، وكتبوا المقالات ، وألفوا الكتب فيه ، وتأثر بهم طلبتهم في ذلك ، هذه هي الدعوة السلفية في عهدها الأول في الجزائر العزيزة ، وبمجدها وتاريخها عريقة .
ولكن خلف من بعدهم خلف أضاعوا تاريخ الجزائر ، وقلدوا كُتاب فرنسا وبريطانيا في أفكارهم وتحريفهم لتاريخ الجزائر ، وخاصة فيما يخص تاريخ الأمير عبد القادر ، فقد أهتموا به وطبعوا الكتب تنسب إليه ، فغيروا وبدولوا وأنقصوا وأضافوا ، كما تملي عقيدتهم ويخدم مشروعهم الصهيوني واستعمارهم .
هؤلاء المتسلفة الصعافقة رموا الأمير عبد القادر بالماسوني والقبوري والإتحادي ومن الفلاسفة المعطلة وعميل فرنسا وعدو دعوة التوحيد والسنة ولأئمتها ، صفات الكفر كلها ألصقوها به ، حتى بريطانيا وفرنسا تتنزه عن بعضها أن تلصقها به ، ولكن بني جلدتنا لا ندري من أي رحم وجدوا وظهروا ؟! وأي عالم يعيشون فيه ؟! وأي ضمير عندهم ؟!
فكل الدعوات السنية خدمت تاريخها وأعتنت به ، ومن ذلك دعوة علماء نجد ، دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ، فدعوتهم أيضا رميت بما رمي به الأمير عبد القادر من تعطيل النبوة وأنهم المشبهة وخارجية وأعداء الأئمة ، فهي عين الألقاب والأوصاف التي ألصقت بالأمير ، وألف في تاريخهم المستشرقون ، وحرفوا وبدلوا وغيروا ، ولكن علماء نجد - حرسها الله - لم يستسلموا لبضاعة بريطانيا وفرنسا ، فقد خصوا دعوتهم بالتاريخ والتحقيق فيه حتى كشفوا كذب خصوم الإسلام .
وأيضا الإمام المحدث مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله - حقق دعوة إمام اليمن يحيى بن حمزة وذلك من خلال تحقيق وتعليق على ( الرسالة الوازعة للمعتدين عن سب صحابة سيد المرسلين ) وقال عنه (ص ٤٣ ) : ( هو الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة ...والذي يظهر من كلام يحيى بن حمزة مؤلف الرسالة الوازعة أنه يحب الخير لرعيته ، ولكن هذا أمر واتباع السنة ونصرتها أمر أخر ) ا.هـ
قلت ( بشير ) : انظر عدل أهل الحديث ، ما ذهب يكفره ويسفه إمارته مع أنه من المعتزلة الشيعة ، وممن يبني على القبور ، ولم تصل عقيدة الأمير عبد القادر إلى هذه الدرجة ، بل ما عرف عنه في رسالته ( المقراض الحاد ) إلا نصرة عقيدة السلف الصالح ، ومخالفته للصوفية والأشعرية .
الأمير عبد القادر لا يحتاج أن يشهره هؤلاء الشرذمة الجاهلة ويثني عليه ، إنما كذبهم عليه ورميه بما ليس فيه أضر بهم ، وفضح جهلهم وغربتهم عن العلم ، وحقدهم على الجزائر ولتاريخها كما هي طريقة حركة ( الماك ) الماسونية .
وتبين من حال دعوتهم لا صلة لهم بدعوة الإمام ابن باديس ، ولا علاقة لهم بالجزائر .
الجزائر لها أن تفتخر وتتشرف بإنجاز الأمير عبد القادر الحسني ، فهو من أسس دولتها الحديثة العربية الخالصة يرجع نسبها وشرفها إلى أهل البيت .
وهي من قهرت إمبراطورية الصهيون في وقتها ( فرنسا ) .
قال مؤرخ الجزائر ومرجعها سعد الله في ( الحركة الوطنية الجزائرية ) (١/٢٦٩) : ( إن دولة الأمير الوليدة لم تحاربها فقط جيوش فرنسا حبا في التسلط والبطولة وطمعا في إنشاء امبراطورية ، ولم يقف ضدها فقط الكولون بمحاريثهم وأموالهم لكي يستغلوا الأرض المغتصبة ويستثروا على حساب الجزائريين بل حاربتها أيضا ظاهرا وباطنا الكنيسة والماسونية الصهيونية كما حاربها سلاطين المسلمين وحتى بعض علمائهم النائمين .. لأن دولة الأمير كانت عربية سلفية شريفة لو انتصرت لكانت خطرا عظيما على مخططات الماسونية الصهيونية في الشرق ) ا.هـ
قلت ( بشير ) : هذا الكلام لا يقوله إلا الخبير العالم بالتاريخ وبما كان يحدث في عصر الأمير عبد القادر من التطورات السياسية والاقتصادية والدينية ، فتلك الفترة كانت فترة تأسيس حركة الصهيونية ، والتأليف فيها ، والتخطيط لقواعدها ، ولإنجاز مشاريعها السرية والظاهرة ، وكان من أعظم الإنجاز قدمه الأمير عبد القادر للإسلام هو كتابته رسالة ( المقراض الحاد ) في عقر ديار القوم ، للرد على فساد ومعتقد وقوانين الصهيونية الماسونية ، وبيان محاسن الإسلام وعقيدته السلفية .
ولكن الشرذمة المتسلفة الصعافقة تجهل هذا التاريخ العظيم .
- ثناء علماء السنة على الأمير عبد القادر :
١- قال الإمام ابن باديس : ( ولكن هذا المغرب العربي رغم التجاهل والتناسي من إخوانه المشارقة كان يبعث من رجال السيف والقلم من يذكرون به ويشيدون باسمه ويلفتون نظر إخوانهم المشارقة إلى ما فيه من معادن للعلم والفضيلة ومنابت للعز والرجولة ومعاقل للعروبة والإسلام ، ناهيك بالأمير عبد القادر المجاهد الجزائري وأبنائه الذين شاركوا مشانق جمال وثورة الغوطة وبحفيده الأمير خالد زعيم الجزائر الذي مات بمنفاه بالشام ) ا.هـ ، انظر ( آثار الإمام )(٤/١٤٤)
٢ - قال الإمام بشير الإبراهيمي : ( سنوات جهاد عبد القادر بن محيي الدين المختاري، ومقاومته الرائعة للفرنسيين، وبطولة ذلك الأمير، وصدق جهاده، وقوّة دفاعه عن الجزائر، وعظمته في العلم والرأي والحرب، ووقائعه التي انتصر في كثير منها على الجيش الفرنسي، كل أولئك أمور اشتهرت حتى غنيت عن البرهان، وحتى لقد شهدت بها فرنسا وقادتها قبل غيرهم.
وبعد تسليم الأمير عبد القادر خُيّر في محل الإقامة فاختار الشرق وانتقل بأهله وحاشيته إلى اسطمبول، ثم إلى دمشق مشتغلًا ببث العلم والقيام على أسرته وعلى المهاجرين الذين التحق به آلاف منهم، إلى أن مات بدمشق في شهر مايو عام 1883.)
٣-وجاء في مقدمة كتاب تاريخ الزواوة للإمام أبي يعلى الزواوي : ( أما دار الحديث فقد سمح الأتراك بتحويلها إلى خمارة فاشتراها الأمير عبد القادر وارجعها إلى سابق عهدها ، دار علم ويمكن الرجوع في ذلك إلى كتاب حلية البشر أما المدرسة الجقمقية فقد تولى الأمير نفسه التدريس فيها وتلميذه فيها الشيخ طاهر الجزائري )
وقال أبو يعلى الزواوي : ( واعتبروا - أي الزواوة - في الشام بالمغاربة وأظن أن ذلك بدهاء المرحوم الأمير عبد القادر ذلك الرجل العظيم الذي يعرف كيف يؤكل الكل الكتف ) ا.هـ
٤- قال القاسمي في الاستئناس لتصحيح أنكحة الناس ( ص ٢١) : ( هذا السيد المجاهد عبد القادر الحسني الجزائري الذي ملأت شهرة فضله الدنيا ) ا.هـ
٥ - عبد الرزاق البيطار فهو يعد من أبرز طلابه وقد أطال وبالغ في المدح والثناء على شيخه الأمير عبد القادر في كتابه حلية البشر ، فليرجع إليه
٦ - العلامة محمد بهجة البيطار قال في تعليقه على حلية البشر : ( العالم المجاهد الكبير وعين الشام وهامها وسيدها وهمامها )
ونشر رشيد رضا في مجلة المنار مقالة بهجة البيطار في ترجمة جده عبد الرزاق البيطار قائلا : ( لازم - أي عبدالرزاق - فقيدنا المرحوم الأمير وأخذ عنه الفصل بالعدل في القضايا العامة .. ولقد استفاد المرحوم من أخلاق السيد - أي الأمير - وآدابه حتى عد ثاني الأمير في حياته )
وصاحب كتاب ( دعاوى المناوئين لدعوة محمد بن عبد الوهاب ) نشر كلام العلامة بهجة البيطار في الهامش ( ص ١٠٩) فيه التنبيه على شهرة الأمير عبدالقادر
قلت ( بشير ) : هذا الكتاب من مراجع تاريخ نجد ودعوة محمد بن عبدالوهاب عند علماء السنة في السعودية وغيرها ،فلو كان الأمير عبد القادر ماسونيا حلوليا عدوا لدعوة التوحيد وأئمتها ، فلماذا لم ينبه عليه في ذلك الكتاب مع أنه استقصى وجمع خصوم الدعوة من الحجاز والشام والعراق ومصر والمغرب الأقصى وذكرهم بأسمائهم ، ولكن الأمير لم يذكره معهم بل ذكر طلابه أنهم من أنصار دعوة التوحيد .
٧- رشيد رضا في مجلة المنار قال : ( الأمير عبد القادر له منزلة سامية في العالم ) ا.هـ
قلت ( ابن سلة ) : هذه هي نظرة علماء السنة والحديث في الأمير عبد القادر ، فهؤلاء هم من حارب التقليد والتصوف والتتريك والماسونية وقرر السلفية ، وكما ترى هم من أبرز تلاميذ الأمير عبدالقادر ، وهم من قام بالدعوة بعده ونشر علم الإمام ابن تيمية وابن القيم وعلم الحديث في الشام ومصر والمغرب والحجاز ، وقاموا بمناصرة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ، والوقوف مع دولة آل سعود والنصح لها .
أما مدرسة المستشرقين من بريطانيا وفرنسا فقد نصبوا العداء للإمام الأمير عبد القادر وتظاهروا بالصداقة والأخذ عنه ، فصنعوا تاريخا للأمير على حرف مشروعهم الاستعماري ، فتأثر به الجهلة من المسلمين ممن يطعن في نزاهة الأمير وعلمه .
والحمد لله شاء الله أن نطلب العلم ونقف على منهج أهل الحديث وقوانينه فعرفنا الحقيقة ، فمن الغش للأمة أن نخفي هذه الحقيقة ، ولا نجبن أن نصدع بها موافقة للجهل ، فالجاهل يعلم لا أن يسكت عن جهله ، ويُقر ما هو عليه من الضلال والإنحراف ، ولله الحمد والمنة
كتبه الفقير إلى الله : بشير بن سلة الجزائري