درس / الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

درس / الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-10, 22:03   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيكم بارك الله
جزاكم الله خيرا









 


رد مع اقتباس
قديم 2016-01-17, 19:30   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

اختصارٌ لدرْسِنَا الأُسْبُوعِي من( الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم )مع ما تيسر من الشرح .

فعلنَاه لينتفعَ به أبناؤُنا إن شاء الله ومن يرغَبُ في الاختصار .
نسألُ اللهَ أن ينفع به وأن يجعله خالِصاً لوجهه الكريم .
وقد فاتَ وضعُ دروسٍ سابقة لكن لعلنا نتلافاه فيما بعدُ إن شاء الله .

استقرار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة .

1-أول ما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة نزل بقباء على بني عمرو بن عوف، وبقي عندهم أربعة عشر يومًا كما في صحيح البخاري .

وكان نزوله على كلْثُوم بن الهِدْم على المشهور .

والمشهور أيضا عند أهل السير أنه بقي أربعة أيام يوم الإثنين الذي وصلَ فيه، ويوم الثلاثاء، والأربعاء، والخميس ثم سار وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف وعلى هذا يكون أول جمعة صلاها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بني سالم بن عوف.
2-ومن الأشياء التي وقعت في أيام قباء:ـ بناء مسجد قباء وهو أول مسجد أُسِّس على التقوى بعد النبوة، و كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يزوره كل سبت راكبًا وماشيًا، وفضل الصَلَاةِ فِيه كَعُمْرَةٍ .
ـ مجيء سلمان الفارسي رضي الله عنه . ومن مناقب هذا الصحابي ما جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ - أَوْ قَالَ - مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ» .وقصة إسلامه مذكورة في كتب الحديث والسير وفيها فوائد عظيمة، ويستفيد منه الطالب أهمية الصدق، فمن صدق في طلبه الحق يصل إليه (إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ)..
3-مرور النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم على دور الأنصار وبيوتهم.
وقد تنازع الأنصارُ ، كلٌ منهم يريد أن ينزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه، ومازالت ناقته سائرة به حتى وصلت موضع مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اليوم فبركت فاختار اللهُ عز وجل دار بني النجار أخوال عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن والده هاشمٌ تزوَّج بامرأة من بني النجار وهي سلمى بنت عمرو . ونزول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عندهم يُعَدُّ من مناقبهم وفي صحيح مسلم( أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ، أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ (الحديث .وقد ثبت في الصحيحين البخاري عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ..." .

4-فلما وصل دارَ بني النجار وبركت ناقته، أخذ أبو أيوب رضي الله عنه متاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأدخله في منزله، وكان أقرب الدور إلى المسجد النبوي. فمكث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مدة جاء أنها سبعة أشهر حتى بُنِيَ للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسجدُه .
5-ولما استقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في دار أبي أيوب أرسل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهله، وجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعياله ومعهم عائشة رضي الله عنها، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما دخل بها إلا في شوال من السنة الأولى من الهجرة. وجاءت سودة رضي الله عنها، وبعض بنات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأم أيمن، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم .
6-شراء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم موضع مسجده، وتعاون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته في بناء المسجد النبوي باللبِن، وسقفه من جريد النخل، وعمده الخشب. وبُني لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم حجراً إلى جانب المسجد النبوي.
7- بقاء علي بن أبي طالب بمكة وعدم هجرته مع المهاجرين والسبب هو أنه كانت هناك ودائع عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبقي علي رضي الله عنه من أجل أن يردها لأصحابها ثم هاجر رضي الله عنه .
8-انقسامُ الكفار لما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة إلى ثلاثة أقسام:
ـ منهم من وادعوه وهؤلاء هم ثلاث طوائف من اليهود: بنو قينقاع، وبنو قريظة، وبنو النضير. وقد نقضوا العهد بعد ذلك. وكانت الموادعة على الأمن، الأمن على النفس والمال والأولاد.
ـ ومنهم من حاربوه ونصبوا له العداوة.
ـ ومنهم من توقف فلم يكونوا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يحاربوه.
9-إسلام عبد الله بن سلام حبر اليهود، ومجيئه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في دار أبي أيوب، وكفر عامَّة اليهود.
10-مؤاخاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وكان يرث المهاجري من الأنصاري دون رَحِمِه دون أقربائه ودون أبيه وولده وهذا من مناقب الأنصار، ومن محبتهم للمهاجرين. وكانت المؤاخاة في أول الأمر ثم بعد ذلك نسخ المؤاخاة بآي المواريث لما حصلت مكاسب للمهاجرين من الغزو .
11-ابتداء المؤاخاة قيل كانت حين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبني مسجده، وقيل غير ذلك، واستمرت المؤاخاة إلى غزاة بدر.
12-جاء في كتب السير
ـ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم آخى بين المهاجرين في مكة قبل الهجرة على الحق، والمواساة.
ـ وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة وهذا ثابت في الصحيحين وفي غيرهما.
ـ وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم آخى بين المهاجرين في المدينة . والله أعلم.
13-فرضيةُ الزكاة :
ـ جمهور العلماء أنها فرضت في المدينة ابتداء قدوم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مواساةً لفقراء المهاجرين .
ـ ومن أهل العلم من قال فرضت بمكة، ولكن مقاديرُها، وأنصباؤها كان بالمدينة؛ لأن الله عز وجل يقول: (...وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ وسورة فُصلت مكية .

والحمد لله .










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-17, 19:33   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدَّرْس العاشِر من / الفُصُوْلُ في سيْرَةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم
5 من شهر ربيع الثاني 1437.
فصل ـ المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار
ووداعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَن بالمدينة من اليهود، وكتب بذلك كتاباً وأسلم حبرُهم عبدُ الله بن سلام رضي الله عنه، وكفر عامَّتُهم وكانوا ثلاث قبائل: بنو قيقناع، وبنو النضر، وبنو قريظة. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، فكانوا يتوارثون بهذا الإخاء في ابتداء الإسلام إرْثاً مقدماً على القرابة. وفرض الله سبحانه وتعالى إذ ذاك الزكاة رفْقاً بفقراء المهاجرين، وكذا ذكر ابن حزم في هذا التاريخ، وقد قال بعض الحفاظ من علماء الحديث: إنه أعياه فرض الزكاة متى كان.


******************************


هذا الفصل في الأمور التي وقعت ابتداء قدوم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة.
لما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة انقسم الكفار إلى ثلاثة أقسام:
منهم من وادعوه وهؤلاء هم ثلاث طوائف من اليهود: بنو قينقاع، وبنو قريظة، وبنو النضير.
ومنهم من حاربوه ونصبوا له العداوة.
ومنهم من توقف فلم يكن مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يحاربوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد.
وسيأتي الكلام على طوائف اليهود الثلاث إن شاء الله حيث يذكره ابن كثير .
وكانت الموادعة على الأمن، الأمن على النفس والمال والأولاد .

(وأسلم حبرهم عبد الله بن سلام رضي الله عنه)
حبرهم أي عالمهم وكان سيداً لهم، عبد الله بن سلام بتخفيف اللام .
هذا فيه تاريخ إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وعبد الله بن سلام من بني قينقاع.
لما استقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في دار أبي أيوب جاء عبد الله بن سلام وأسلم رضي الله عنه .
وقصة إسلامه في صحيح البخاري (3911) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وفيه)...فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ. فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ، وَيْلَكُمْ، اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا»، قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ، قَالَ: «فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ؟» قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟»، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟» قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟، قَالُوا: حَاشَى لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: يَا ابْنَ سَلاَمٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ، فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ، فَقَالُوا: كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

نستفيد من هذا وقت إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وأنه كان من كبار وعلماء اليهود،
ومنَّ الله عليه وأسلم .
قال الحافظ في فتح الباري(3812) عبدالله بن سلام بتَخْفِيف اللَّام ابن الْحَارِثِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ وَكَانَ اسْمُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْحُصَيْنُ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ أخرجه ابن مَاجَة وَكَانَ مِنْ حُلَفَاءِ الْخَزْرَجِ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ .

(وكفر عامتهم وكانوا ثلاث قبائل: بنو قيقناع، وبنو النضر، وبنو قريظة)
عامة اليهود كفروا بغيًا وحسدًا.

(وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، فكانوا يتوارثون بهذا الإخاء في ابتداء الإسلام إرثاً مقدماً على القرابة)
وهذا كان في أول الأمر آخى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين المهاجرين والأنصار، فكان المهاجري يرث من الأنصاري دون رَحِمِه ، دون أقربائه دون أبيه دون ولده الخ .
واختلفوا متى كان ابتداء المؤاخاة ؟.
قال الحافظ في فتح الباري (3937)وَاخْتَلَفُوا فِي ابْتِدَائِهَا فَقِيلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ بِتِسْعَةٍ وَقِيلَ وَهُوَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ وَقِيلَ قَبْلَ بِنَائِهِ وَقِيلَ بِسَنَةٍ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ بَدْرٍ .
إلى أن قال رحمه الله : وَكَانَ ابْتِدَاءُ الْمُؤَاخَاةِ أَوَائِلَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَاسْتَمَرَّ يُجَدِّدُهَا بِحَسَبِ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يَحْضُرُ إِلَى الْمَدِينَةِ .اهـ

واستمرت المؤاخاة إلى غزاة بدر قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/ 56) ..آخَى بَيْنَهُمْ عَلَى الْمُوَاسَاةِ، يَتَوَارَثُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ دُونَ ذَوِي الْأَرْحَامِ إِلَى حِينِ وَقْعَةِ بَدْرٍ . اهـ
وقال ابنُ الجوزي رحمه الله في كشف المشكل(1/ 220) وَلم يكن بعد غزَاة بدر مؤاخاة، لِأَن الْغَنَائِم وَقعت بِالْقِتَالِ، فاستغنى الْمُهَاجِرُونَ بِمَا كسبوا.
وهذا من مناقب الأنصار، ومن محبتهم للمهاجرين، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَآخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ، فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا، سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا، حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ، وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْيَمْ. قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟. قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ .
وفي هذه القصة منقبة عظيمة لهذين الصحابِيَّين سعد بن الربيع في غاية الإيثار، وعبدالرحمن في غاية العفة رضي الله عنهما.
ثم بعد ذلك نُسِخ المؤاخاة بالميراث وفي ذلك يقول السيوطي:
والحِلْفُ والحَبْسُ للزَّانِي وتَرْكُ أُولِي **** كُفْرٍ وإشْهَادُهُمْ والصَّبْرُ والنَّفَــرُ
أي هذا مما نُسخ، ومنه الحِلْف نسخ هذا بآية المواريث.

آية الحلف بيَّن ذلك السيوطي رحمه الله في الإتقان في علوم القرآن (3/ 74) وقال : قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} . اهـ
وحاصل ما جاء في كتب السير:
أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم آخى بين المهاجرين في مكة قبل الهجرة على الحق، والمواساة.
قال أبو الفرج ابن برهان في السيرة الحلبية (2/ 27 ) :وقبل الهجرة «آخي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين» أي المهاجرين على الحق والمواساة ..
وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة وهذا ثابت في الصحيحين وفي غيرهما.
قال الحافظ في فتح الباري(1968) ذَكَرَ أَصْحَابُ الْمَغَازِي أَنَّ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى قَبْلَ الْهِجْرَةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ خَاصَّةً عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ أُخُوَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ وَذَلِكَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ . اهـ
وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم آخى بين المهاجرين في المدينة مرة ثانية .
ويراجع زاد المعاد (3/57) .
و فتح الباري (3937).

)وفرض الله سبحانه وتعالى إذ ذاك الزكاة رفقاً بفقراء المهاجرين، وكذا ذكر ابن حزم في هذا التاريخ، وقد قال بعض الحفاظ من علماء الحديث: إنه أعياه فرض الزكاة متى كان.(
وهذا عليه جمهور العلماء أن الزكاة فرضت في المدينة ابتداء قدوم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومن أهل العلم من قال الزكاة فرضت بمكة، ولكن مقاديرها، وأنصباؤها كان بالمدينة؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾فصلت:6-7. وسورة فصلت مكية، وهذا قول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله أن الزكاة فرضت في مكة للآية المذكورة وأن أنصباءَها ومقاديرَها كان بالمدينة .والله تعالى أعلم.
هذه عدة أمور في هذا الفصل وقعت في ابتداء قدوم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة ومنها إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه .

وبهذا ننتهي ونسأل اللهَ التوفيق .










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-17, 21:01   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

(1) التَّذْكِيْرُ بسيْرَةِ سيِّدِ البَشَرِ
الكاتب أم عبدالله الوادعية

النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وُلد يوم الاثنين، وبُعث يوم الاثنين

كما في صحيح مسلم (1162) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :سُئِلَ عَنْ صَوْمِ

يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ، قَالَ : ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فيه) .

قال ابن القيم في زاد المعاد (1/76) :وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَبْعَثَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ


وهاجر وخرج من مكة يوم الاثنين .


ودخل المدينة يوم الاثنين، كما في صحيح البُخاري (3906) فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ

اليَمِينِ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّل .

والحديث وإن كان ظاهره عند البخاري الإرسال أنه من مراسيل عروة

فقد قال الحافظ : وَصُورَتُهُ مُرْسَلٌ لَكِنَّهُ وَصَلَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ

أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّبَيْرَ بِهِ . اهـ

وتوفي يوم الاثنين وحديث وفاته يوم الاثنين في الصحيحين البخاري (680)، مسلم (419)

أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ - وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ

كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ

وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ

كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ

إِلَى الصَّلاَةِ «فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يومه .

أما ما جاء في مسند أحمد (4 304 / عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَاسْتُنْبِئَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ،

وَخَرَجَ مُهَاجِرًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ، وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَرَفَعَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ " .

فهذا إسناده ضعيف لأنه من طريق ابنِ لهيعة ، وهو ضعيفٌ .










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-17, 21:05   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

(2)التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَر

<<حادثةُ شَقِّ الصَّدْرِ>>

قبلَ الإسراء نزل جبريل عليه السلامُ وشَقَّ صدرَ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كما في صحيح البخاري ومسلم وهذا

لفظ مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ، يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا

بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا

فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ...." الحديث.

وفي الصحيحين في رواية أنس عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وفيه :

(فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا).

قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : (إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَهُوَ مَا سَفَلَ مِنَ الْبَطْنِ وَرَقَّ مِنْ جِلْدِهِ. اهـ

وهذه مرَّةً أخرى غير المرَّة السابقة وهو صغير كما في صحيح مسلم (162) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ

عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ

إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ، فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ، قَالَ أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي

صَدْرِه".

فهاتان حالتان، الأولى: عندما كان النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ صغيرًا.

والحالة الثانية: بعد البعثة قبل الإسراء بالنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ.


فالنَّبيُّ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم شُقَّ صدرُهُ مرتين .










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-20, 19:51   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الحادي عشر من (الفصول في سيْرَةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم) 9 من شهر ربيع الأول 1437 .


فصل ـ فرضُ الجهاد
ولما استقرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالمدينةِ بين أظْهُرِ الأنصارِ وتكفَّلوا بنصره ومنعه من الأسود والأحمر، رمتهم العربُ قاطبةً عن قوسٍ واحدةٍ، وتعرَّضوا لهم من كلِّ جانب، وكان الله سبحانه قد أذِن للمسلمين في الجهاد في سورة الحج وهي مكيَّة في قوله تعالى: "أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"، ثم لمَّا صاروا في المدينة وصارت لهم شوكةٌ وعضُدٌ كتبَ الله عليهم الجهادَ كما قال الله تعالى في سورة البقرة: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبُّوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون".

*************************

تعريفُ الجهاد قال الحافظ في فتح الباري في شرح أول كتاب الجهاد :

الْجهَاد بِكَسْر الْجِيمِ أَصْلُهُ لُغَةً الْمَشَقَّةُ يُقَالُ جَهِدْتُ جِهَادًا بَلَغْتُ الْمَشَقَّةَ .

وَشَرْعًا بَذْلُ الْجُهْدِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَالْفُسَّاقِ .اهـ

وهذا الفصل في فرضية الجهاد و لما استقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمدينة كان معلِّمًا، ومربيًا، وداعيًا إلى الله عز وجل، فلما ظهر الإسلام، وقويت شوكتُه فرضَ الله عز وجل الجهاد.
ولم يُفرَضِ الجهادُ في مكة قبل الهجرة؛ لأن المسلمين كانوا مستضعفين قال تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} .
فلم يُؤمَروا بقتالِ الكفار لأنه ما كان عندهم قُدرة ولا أُمِرُوا بتخريب دُورهم وممتلكاتهم إذ لو فعلوا ذلك لقتلهم الكفار ولأبادُوهم عن آخرهم لأن الوطْاَة وطأتُهم ، بخلافِ الطائشين في أزمنتنا يجنُون على الإسلام والمسلمين الشر والضرر بقتلِ بعض أفراد الكفار وبعضهم يكون معاهَدَاً من الدولة فيزداد الكفار غضبا وحَنَقًاوانتقاما .
ولا أُمروا أيضاً في أوَّل مقدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة حتى ظهرَ الإسلام وقوِيَتْ شوكتُه وصار له أنصار وأعوان ودَوْلة قويةٌ حينئِذٍ جاء الأمرُ بالقتال .
وقد قال بعض العلماء: إن الله عز وجل أَذن بالجهاد في مكة قبل الهجرة، وهذا ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله هنا .
وقد ردَّه ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (3/63،64)من وجوه وقال رحمه الله :
وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ هَذَا الْإِذْنَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وَهَذَا غَلَطٌ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْذَنْ بِمَكَّةَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ، وَلَا كَانَ لَهُمْ شَوْكَةٌ يَتَمَكَّنُونَ بِهَا مِنَ الْقِتَالِ بِمَكَّةَ.
الثَّانِي: أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ فَإِنَّهُ قَالَ: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 40] [الْحَجِّ: 40] وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُهَاجِرُونَ.
الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] [الْحَجِّ: 19] نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ خَاطَبَهُمْ فِي آخِرِهَا بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 77] وَالْخِطَابُ بِذَلِكَ كُلِّهِ مَدَنِيٌّ، فَأَمَّا الْخِطَابُ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] فَمُشْتَرَكٌ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ أَمَرَ فِيهَا بِالْجِهَادِ الَّذِي يَعُمُّ الْجِهَادَ بِالْيَدِ وَغَيْرِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْجِهَادِ الْمُطْلَقِ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَأَمَّا جِهَادُ الْحُجَّةِ فَأَمَرَ بِهِ فِي مَكَّةَ بِقَوْلِهِ: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان: 52] أَيْ: بِالْقُرْآنِ {جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52] [الْفُرْقَانِ: 52] فَهَذِهِ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، وَالْجِهَادُ فِيهَا هُوَ التَّبْلِيغُ، وَجِهَادُ الْحُجَّةِ، وَأَمَّا الْجِهَادُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي (سُورَةِ الْحَجِّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْجِهَادُ بِالسَّيْفِ.
السَّادِسُ: أَنَّ الحاكم رَوَى فِي " مُسْتَدْرَكِهِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ مسلم البطين، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ قَالَ أبو بكر: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لَيَهْلِكُنَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] [الْحَجِّ: 39] وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ. وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ " الصَّحِيحَيْنِ " وَسِيَاقُ السُّورَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهَا الْمَكِّيَّ وَالْمَدَنِيَّ، فَإِنَّ قِصَّةَ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي أُمْنِيِّةِ الرَّسُولِ مَكِّيَّةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ". اهـ

والجهاد له مراحِل في السيرة النَّبَويَّة
وقد ذكر هذه المراحل ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد.(3/64) وقال:
"ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ قَاتَلَهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ فَقَالَ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] [الْبَقَرَةِ: 190] .
ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِمْ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً .
وَكَانَ مُحَرَّمًا، ثُمَّ مَأْذُونًا بِهِ، ثُمَّ مَأْمُورًا بِهِ لِمَنْ بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ، ثُمَّ مَأْمُورًا بِهِ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ" .اهـ
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجاهدُ الكفارَ بمكة بالحُجَج وبالقرآن، قال سبحانه: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان:52].

والجهاد على أربع مراتب:
قال ابنُ القيم رحمه الله في زاد المعاد(3/9):" الْجِهَادُ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: جِهَادُ النَّفْسِ، وَجِهَادُ الشَّيْطَانِ، وَجِهَادُ الْكُفَّارِ، وَجِهَادُ الْمُنَافِقِينَ" ثم شرحها رحمه الله .
وشرحها الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري بشرحٍ مختصَر وقال :
فَأَمَّا مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ فَعَلَى تَعَلُّمِ أُمُورِ الدِّينِ ثُمَّ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا ثُمَّ عَلَى تَعْلِيمِهَا .
وَأَمَّا مُجَاهَدَةُ الشَّيْطَانِ فَعَلَى دَفْعِ مَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَمَا يُزَيِّنُهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ .
وَأَمَّا مُجَاهَدَةُ الْكُفَّارِ فَتَقَعُ بِالْيَدِ وَالْمَالِ وَاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ .
وَأَمَّا مُجَاهَدَةُ الْفُسَّاقِ فَبِالْيَدِ ثُمَّ اللِّسَانِ ثُمَّ الْقَلْبِ . اهـ

أبواب الجهاد والمغازي فيها علم غزير في سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم،وصفاته الخلْقِيَّة والخُلُقِيَّة ،وفي معجزاته، وسبب نزول القرآن وغير ذلك.
قال ابنُ كثير في البداية والنهاية (2/241) وَهَذَا الْفَنُّ مِمَّا يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِأَمْرِهِ وَالتَّهَيُّؤُ لَهُ .وذكر بعض الاثار لكنها من طريق الواقدي وهو متروك .
وقد أُلِّفت المؤلفات في الجهاد، والمغازي، ومن أهل العلم من يجعلها ضمن مؤلفاتهم فيعقدون لها كتبًا .

الجهاد لا يكون إلا بمشورة العلماء الراسخين؛ لأن ربنا عز وجل يقول: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء:83]، ويقول: ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة:63].
ولما أعرض كثير من الناس –إلا من رحم الله-عن الرجوع إلى العلماء الراسخين تخبَّطوا، وفتحوا بابَ الجهاد على مِصْرَاعيه بمجرد الهوى والرأي المحض ومن غير ضوابِطٍ ولا قيودٍ ووقعوا في عقيدة الخوارجِ والمعتزلة من قتال الأمراء والوُلاة، والخروج على الحكام الظلمة ، والسعي بالفساد .
ومن الأُمورِ المنكرة التفجيرات يُفَجِّر نفسَه مع مجموعة وهذا حرامٌ وكبيرةٌ من الكبائر يشمله ما رواه البخاري (5778) ومسلم (109) عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :«مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».
والله عزوجل يقول { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} .
وقد كانَ والدي رحمه الله يُفتي بتحريم ذلك للآية وللحديث المذكور وما في معناه ولأنه يجر إلى مفاسد عظيمة.
وقال الشيخ ابنُ عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين في شرح حديث الغلام الذي قال للملك (إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام)والحديث عند مسلم يقول رحمه الله :
فأمَّا ما يفعله بعضُ الناس من الانتحار، بحيث يحمل آلات متفجِّرة ويتقدم بها إلي الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله .

ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام، لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مائة أو مائتين، لم ينتفع الإسلام بذلك، فلم يسلم الناس، بخلاف قصة الغلام، فإن فيها إسلام كثير من الناس، فكل من حضر في الصعيد أسلموا، أما أن يموت عشرة أو عشرون أو مائة أو مائتان من العدو، فهذا لا يقتضي أن يسلم، بل ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل حتى يفتك بالمسلمين أشد فتك، كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين، فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفرا أو أكثر، فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين، ولا انتفاع للذين فجرت هذه المتفجرات في صفوفهم.
ولهذا نرى أن ما يفعله بعضُ الناس من هذا الانتحار، نرى أنه قتل للنفس بغير حق، وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله، وأن صحابه ليس بشهيد. لكن إذا فعل الإنسان هذا متأوِّلا ظانا أنه جائز، فإننا نرجو أن يسلم من الإثم، وأما أن تكتب له الشهادة فلا؛ لأنه لم يسلك طريقة الشهادة، لكنه يسلم من الإثم لأنه متأول، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر.اهـ
وللشيخ الفوزان حفظه الله في (أسئلة المناهج الجديدة ) 125كلام يُفيد هذا ومما قال :فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه بل يحافظ على نفسه غاية المحافظة ...
فأمرُ الجهادِ أخطأَ في فهمه كثيرٌ من الناس بسبب رجوعهم إلى أئمةِ الضَّلال .
وهذا طرَفٌ .
طرفٌ آخرُ يتنكَّر للجهاد من أصله وهم الكفار، ومن كان متأثرًا بهم بحجة الإنسانية،وسماحة الدِّين والمواساة، وأرادوا أن يُلْغوا الجهاد في سبيل الله .
والجهاد في سبيل الله هو من جملة البراء من أعداء الله عز وجل الذي أمر الشرعُ به .
(وتكفَّلوا بنصره ومنعه من الأسود والأحمر، رمتهم العرب قاطبةً عن قوسٍ واحدةٍ، وتعرَّضوا لهم من كل جانب) .
(ومنعه من الأسود والأحمر) الأحمر فُسِّر بالأبيض لكن قال ابن الأثير في النهاية :فِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَر .
وذكر رحمه الله حديث «بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمِرِ والأسْود» وقال :أَيِ العَجم والعَرب؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى ألْوان العَجم الْحُمْرَةُ وَالْبَيَاضُ، وَعَلَى أَلْوَانِ الْعَرَبِ الْأُدْمَةُ وَالسُّمْرَةُ . اهـ
وقد نبَّه أسعدُ بن زُرارة رضي الله عنه الأنصار على هذا أنهم إذا آووا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تكالب عليهم الناس جميعًا، ففي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه في مسند أحمد (23/22) في قصة بيعة العقبة الثانية قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ تَقُولُوا فِي اللهِ لَا تَأْخُذُكُمْ فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي إِذَا قَدِمْتُ يَثْرِبَ، فَتَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَلَكُمُ الْجَنَّةُ ".
قال جابرٌ فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ، فَقَالَ: رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، إِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى السُّيُوفِ إِذَا مَسَّتْكُمْ، وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ، وَعَلَى مُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً، فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللهِ، وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ، فَهُوَ أَعْذَرُ عِنْدَ اللهِ، قَالَوا: يَا أَسْعَدُ بْنَ زُرَارَةَ أَمِطْ عَنَّا يَدَكَ، فَوَاللهِ لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ، وَلَا نَسْتَقِيلُهَا، فَقُمْنَا إِلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِشُرْطَةِ الْعَبَّاسِ،، وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ.
والحديث حسن. ويُنظر الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين لوالدي رحمه الله (215).
فالأنصار رضي الله عنهم لما آووا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونصروه عادتهم
العرب حتى أعزَّ الله دينه، وأعلى كلمته { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}. والله أعلم.
*************************
فصل ـ أول المغازي والبعوث ـ غزوةُ الأبواء
وكانت أول غزاة غزاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غزوةَ الأبواء، وكانت في صفر سنة اثنتين من الهجرة، خرج بنفسه صلى الله عليه وسلم حتى بلغ ودَّان، فوادع بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة مع سيدِّهم مخشي بن عمرو، ثم كر راجعاً إلى المدينة ولم يلقَ حرْباً، وكان استخلفَ عليها سعدَ بن عبادة رضي الله عنه .

*************************
هذا الفصل في أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وأول غزوات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غزوة الأبواء ـ الموضع الذي ماتت فيه أمه آمنة بنت وهب ـ ويقال لهذه الغزوة غزوة ودَّان، وهما واحدة وأُطلِق عليها ذلك لأن المكانين متقاربان .
قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تاريخ الأمم والملوك (2/ 14 ) :فغزا رسول الله صلى الله عليه و سلم في قول جميع أهل السير فيها في ربيع الأول بنفسه غزوة الأبواء ويقال ودَّان وبينهما ستة أميال هي بحذائها . اهـ
(وكانت في صفر سنة اثنتين من الهجرة، خرج بنفسه صلى الله عليه وسلم حتى بلغ ودَّان)
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما قدم المدينة بقي بقية ربيع الأول، وربيع الثاني، وجمادَين، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذا القعدة، وذا الحجة، وشهر الله المحرم. وفي شهر صفر بدأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقتال يقول الحافظ ابنُ كثير رحمه الله : (سنة اثنين من الهجرة ...) وخرج إلى الأبواء ليعترضَ عِيرًا لقريش .
(فوادعَ بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة مع سيدِّهم مخشي بن عمرو، ثم كرَّ راجعاً إلى المدينة ولم يلق حرباً) .
وفي بعض النسخ مجديَّ بن عمرو بدل مخشي بن عمرو.
ووادعَ في هذه الغزوة بني ضمرة بن عبد مناة مع سيدهم مجديِّ بن عمرو وكانت المواعَةُ على ألا يغزوهم، ولا يُغزوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا يكثِّروا عليه جمْعًا، ولا يعينوا عليه عدوًا.
وهذا من الحكمة موادعة القبائل ليسلَمَ من شرهم وأذاهم .
ثم رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة ولم يلق حربًا، فكانت هذه الغزوة بدون
قتال ولكن أرْعَب ذلكَ قريشا فإن خروجه لتلقيهم يدُلُّ أنه صار للمسلمين قوَّةٌ .
وأول غزوة كان فيها قتال هي غزوة بدر.
(ولم يلق حرباً)
وفي بعض كتب السِّيَر (ولم يلق كيدًا) أي: حربًا.
(وكان استخلف عليها سعد بن عبادة رضي الله عنه).
(عليها) أي: استخلف على المدينة سعد بنَ عبادة لما خرج إلى غزوة الأبواء.
*************************
بعثُ حمزةَ بنِ عبد المطلب
ثم بعث عمه سيف البحر فالتقى بأبي جهل بن هشام، وركب معه زُهاء ثلاثمائة، فحال بينهم مجديُّ بن عمرو الجهني، لأنه كان موادعاً للفريقين.

*************************
هذا في بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه للتَّعَرُّضِ لعير قريش كانت قد أقبلت من الشام ، وهذه أول بعوثات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والغزوة يكون فيها خروجُ الأميرِ نفسِه مع المقاتلين .
والبعوث : جيش يبعثه الإمامُ للغزو، ويجعل عليهم أميرًا من غير أن يُشارِك معهم القتال .
هذا يقال له بعْث .
هذا ما يتعلق في الفرق بين البعوث والغزوات.
وبعضهم يُطْلِقُ على البعث غزوة .
قال الحافظ في فتح الباري شرح أول كتاب المغازي : الْمُرَادُ بِالْمَغَازِي هُنَا مَا وَقَعَ مِنْ قَصْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُفَّارَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِجَيْشٍ مِنْ قِبَلِهِ .
وهناك السَّرِيَّة
قال ابن الأثير في النهاية : وَهِيَ طائفةٌ مِنَ الجَيش يبلغُ أَقْصَاهَا أربَعمائة تُبْعث إِلَى العَدوّ، وجمعُها السَّرَايَا، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يكونُون خُلاصةَ العسْكر وخيارَهم، مِنَ الشَّيء السَّرِيِّ النَّفِيس. وَقِيلَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ينْفذُون سِرًّا وخُفْية، وَلَيْسَ بالوجْه، لِأَنَّ لامَ السِّرِّ رَاءٌ، وَهَذِهِ ياءٌ.اهـ
أي اختلفوا لأي شيء قيل لها سرِيَّة فقيل لأنها مختارة نفيسة ، وقيل لأنها تسري بخفية .
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم شرح حديث بريدة رضي الله عنه : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا ..)السَّرِيَّةُ : قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ تُغِيرُ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ هِيَ الْخَيْلُ تَبْلُغُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَنَحْوَهَا قَالُوا سُمِّيَتْ سَرِيَّةً لِأَنَّهَا تَسْرِي فِي اللَّيْلِ وَيَخْفَى ذَهَابُهَا وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ يُقَالُ سَرَى وَأَسْرَى إِذَا ذَهَبَ لَيْلًا .
وقال رحمه الله في تحرير ألفاظ التنبيه 315 :السّريَّة الَّتِي يبعثها الإِمَام من الْجَيْش قبل دُخُوله إِلَى دَار الْحَرْب مُقَدّمَة لَهُ .
وفي فتح الباري تحت رقم (4338) السرية :هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ وَتَعُودُ إِلَيْهِ وَهِيَ مِنْ مِائَةٍ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ .
(ثم بعث عمَّه حمزة رضي الله عنه في ثلاثين راكباً من المهاجرين ليس فيهم أنصاري إلى سيفِ البحر) .
(ليس فيهم أنصاري)
قال ابن سعدٍ في الطبقات (2/ 4)وَلَمْ يَبْعَثْ رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدًا مِنَ الأَنْصَارِ مَبْعَثًا حَتَّى غَزَا بِهِمْ بَدْرًا. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شَرَطُوا لَهُ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ فِي دَارِهِمْ .
(سيف البحر) قال ابن الأثير في النهاية(2/434): أَيْ ساحِلَه .

(فالتقى بأبي جهل بن هشام، وركب معه زهاءَ ثلاثمائة)

أبو جهل : عمرو بن هشام .
(فحال بينهم مجدي بن عمرو الجهني، لأنه كان موادعاً للفريقين).
موادعًا أي: مصالحًا للفريقين للمسلمين ولكفار قريش ، ولما اصطفُّوا للقتال دخل بينهم وحجزهم عن القتال ، فأطاعوه وانصرفوا ولم يتمَّ القتال وقد كان مجدي بن عمرو موادِعًا، ولابد من الوفاء بالعهد ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾ [الأنعام:152] فلا يجوز قتلُه ولا الاعتداء عليه . والله أعلم .

*************************
بعثُ عُبيدةَ بنِ الحارث بنِ المطلب
وبعث عبيدة بن الحارث بن المطلب في ربيع الآخر في ستين أو ثمانين راكباً من المهاجرين أيضاً إلى ماء بالحجاز بأسفل ثنية المَرَة، فلقوا جمعاً عظيماً من قريش عليهم عكرمة بن أبي جهل، وقيل: بل كان عليهم مكرز بن حفص، فلم يكن بينهم قتال، إلا أن سعد بن أبي وقاص رشَق المشركين يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمي به في سبيل الله، وفرَّ يومئذ من الكفار إلى المسلمين المقدادُ بن عمرو الكندي، وعتبةُ بن غزوان رضي الله عنهما. فكان هذان البعثان أوَّل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن اختلف في أيهما كان أول .
وقيل: إنهما كانا في السنة الأولى من الهجرة. وهو قول ابن جرير الطبري، والله تعالى أعلم.

*************************
بعثُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعُبَيدة بن الحارث بن المطلب في السنة الثانية من الهجرة.
ولما التقوا بالمشركين هُزِمَ المشركون فلم يكن بينهم قتال إلا أنهم تراموا بالسهام وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أوَّل من رمى بسهم إلى المشركين .
وقد كان رضي الله عنه يَقُولُ: "إِنِّي لَأَوَّلُ العَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ البَعِيرُ أَوِ الشَّاةُ، مَا لَهُ خِلْطٌ ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلاَمِ، لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي، وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إِلَى عُمَرَ، قَالُوا: لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي" رواه البخاري (3728)، مسلم (2966) يتحدث عن مناقبه رضي الله عنه.
(وفرَّ يومئذ من الكفار إلى المسلمين المقداد بن عمرو الكندي، وعتبة بن غزوان رضي الله عنهما).
وقد كانا مسلِمَين، فخرجا مع المشركين ولحِقَا رضي الله عنهما بالمسلمين .
وفي دلائل النبوة للبيهقي (3/ 10) وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ الْتَقَى فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي قِتَالٍ، وَفَرَّ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ يَوْمَئِذٍ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَا فِي حَبْسِ قُرَيْشٍ قَدْ أَسْلَمَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَتَوَصَّلَا بِالْمُشْرِكِينَ حَتَّى خَرَجَا إِلَى عُبَيْدَةَ وَأَصْحَابِهِ . وهو مرسل من مراسيل ابن شهاب .
(فكان هذان البعثان أول رايةٍ عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن اختُلِف في أيِّهِما كان أول، وقيل: إنَّهما كانَا في السَّنَةِ الأُولَى من الهجرة. وهو قول ابن جرير الطبري، والله تعالى أعلم) .
بعثُ حمزةَ وبعثُ عُبيدة رضي الله عنهما أوَّلَ رايةٍ عقدها رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
(ولكن اختُلِف في أيِّهِما كان أول) اختلفوا هل بعثُ حمزة قبل بعث عُبيدةَ أو بَعْثُ عُبيدة قبل بعثِ حمزة رضي الله عنهما .
(وقيل: إنَّهما كانَا في السَّنَةِ الأُولَى من الهجرة.) أي بعث حمزة وعُبيدَة قبل غزوة الأبواء في السنة الأولى من الهجرة .
وهذه أيضا طريقة ابنِ حبان في أوائل كتابه الثقات (1/ 142) .

وعندنا في هذا الدرس أول غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غزوة الأبواء.
أول بعوث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث حمزة بن عبد المطلب وقيل بعث عبيدة
بن الحارث مختلف.
أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه لحمزة بن عبد المطلب وقيل لعبيدة بن الحارث.
وتقدم معنا مسائل تتعلق بالأوائل نحصرُها هنا لجمع ما تفرَّقَ منها لربط المعلومات إن شاء الله وما توفيقُنا إلا بالله .
1. أجدادُ النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إلى عدنان عشرون أوَّلُهم وأدناهم عبدالمطلب .

2. أول نبي بعد أبينا آدم نوح على الصحيح .

وقال أبوعمرابنُ عبدالبر رحمه الله في الإنباه على قبائل الرواة (20) في الكلامِ على نبي الله إدريس قال :

وَكَانَ أول نَبِي أُعطي النبوةِ بعد آدم وشيث .اهـ
وقد نبَّه الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ على هذه المسألة في شرح الأربعين النووية 45وقال: واعلم بأنك ستجد في بعض كتب التاريخ أن إدريس عليه الصلاة والسلام كان قبل نوح عليه السلام، وأن هناك بعضاً آخرين مثل شيث، كل هذا كذبٌ وليس بصحيح.
فإدريس بعد نوح قطعاً، وقد قال بعض العلماء: إن إدريس من الرسل في بني إسرائيل، لأنه دائماً يذكر في سياق قصصهم، لكن نعلم علم اليقين أنه ليس قبل نوح، والدليل قول الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبيينَ مِنْ بَعْدِهِ) (النساء: الآية163) وقال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) (الحديد: الآية26) فأرسلهم الله وهم القمة، وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب، فمن زعم أن إدريس قبل نوح فقد كذب القرآن وعليه أن يتوب إلى الله من هذا الاعتقاد اهـ.


3. أول من خط بالقلم جاء أنه نبي الله إدريس عليه الصلاة والسلام، وهذا جاء في حديث ضعيف لا يثبت أن أول من خطَّ بالقلم إدريس ـ عليه السلام ـ رواه الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأُصول .
وضعَّفه الشيخ الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ في ضعيف الجامع (2127).
والحكيم الترمذي استفدنا من الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ أنه صوفي لا يعتمد عليه.
فنقولُ : الله أعلم مَن أوَّل من خطَّ بالقلمِ .

4. أول شهر نزل على النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيه الوحي شهر رمضان، يوم الاثنين قال ابنُ كثيرٍ رحمه الله في (الفصول في سيرة الرسول )ص59 : ففَجِأه الحقُّ وهو بغار حراء في رمضان، وله من العمر أربعون سنة .اهـ

5. أول من أسلم مطلقاً أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها .
الدليل جاء أن أول من أسلم خديجة رضي الله عنها فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لما جاءه الملَك وأُنزل عليه القرآن رجع يرجفُ فؤادُه فأخبرها الخبر، فآمنت ، وثبَّتَت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهي أول مَن آمَن مطلقاً.
وقد نصَّ على ذلك ابن كثير رحمه الله في( الفُصُول في سيرة الرسول)حيث قال (فهي أول صِدِّيق له رضي الله تعالى عنها وأكرمها).
وقال رحمه الله في مختَصر علوم الحديث: وادعى الثعلبي المفسر على ذلك الإجماع قال: وإنما الخلاف فيمن أسلم بعدها اهـ.

6. أول من أسلم من النساء بعد خديجة فاطمة بنت الخطاب .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى – تحت رقم (763) عن أُمِّ الْفَضْلِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ اسْمَهَا لُبَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةِ وَيُقَالُ إِنَّهَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيجَةَ .قال : وَالصَّحِيحُ أُخْتُ عُمَرَ زَوْجُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ حَدِيثِهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَعُمَرَ مُوثِقِي وَأُخْتَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاسْمُهَا فَاطِمَةُ .اهـ

7. أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكرالصديق على المشهور.
ولكن أول من آمن مِن الرجال ورقة بن نوفل لأنه جاءت خديجة رضي الله عنها بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليه وقالت: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ) فأخبره فآمن بالنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وقال: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا) .
وهذا دليل أن ورقة بن نوفل أقرَّ برسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهذا يدل على صحبته.

8. أول من أسلم من الصبيان علي بن أبي طالب.

9. أول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة.

10. أول من أسلم من الأرِقَّاء بلال بن رباح.

11. أول ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخمس الآيات الأولى من سورة العلق. عائشة رضي الله عنها تقول: أول ما نزل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}[العلق] الخمس الآيات الأولى من سورة العلق. وفي حديث جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ أنه الخمس الآيات الأُولى من سورة المدثر، ويُجمع بينهما أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ نُبّيء بسورة العلق و أرسل بالمدثر.

12. أول ما ظهر النفاقٌ –أعاذنا اللهُ منه - بعد غزوة بدر.
وقد فصَّل ابنُ كثير في تفسيره .
قال في تفسير قوله تعالى { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ..} إِنَّمَا نَزَلَتْ صِفَاتُ الْمُنَافِقِينَ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ لِأَنَّ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نِفَاقٌ بَلْ كَانَ خِلَافُهُ، مِنَ النَّاسِ مَنْ كَانَ يُظْهِرُ الْكُفْرَ مُسْتَكْرَهًا وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ مُؤْمِنٌ". إلى أن قال: "... فلما كانت وقعة بدر وأظهر الله كلمته وأعز الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِيِّ بْنِ سَلُولَ وَكَانَ رَأْسًا فِي الْمَدِينَةِ وَهُوَ مِنَ الْخَزْرَجِ وَكَانَ سَيِّدَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ يُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ فَجَاءَهُمُ الْخَيْرُ وَأَسْلَمُوا وَاشْتَغَلُوا عَنْهُ فَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بدر قال: هذا أمر الله قَدْ تَوَجَّهَ فَأَظْهَرَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ وَدَخَلَ مَعَهُ طَوَائِفُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَنِحْلَتِهِ وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.قال : فَمِنْ ثَمَّ وُجِدَ النِّفَاقُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْأَعْرَابِ .اهـ

13.
أوَّل من أظهر الإسلامَ بمكة سبعةٌ ،أخرج ابنُ ماجة في سننه (150 )عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلَّا بِلَالًا، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ "
والحديث حسن من أجل عاصم ابنِ أبي النجود، وقد حسَّنه والدي رحمه الله في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين رقم 847.

14. أول شهيدة في الإسلام سُمية والدة عمار، يذكر أهلُ السير أنه مرَّ بها أبو جهل فطعنها في قُبُلِها فماتت رضي الله عنها.


15. أول من خرج فاراً بدينه إلى الحبشة في الهجرة الأولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، و معه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم. وقيل: أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودٍّ بن نصر بن مالك .

فهومختلف في أول من خرج مهاجراً إلى الحبشة.

16. أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه الصلاة والسلام جاء أنه عثمان ولا يصح الحديث.
أخرج ابنُ أبي عاصم في السنة (1311)عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: خَرَجَ عُثْمَانُ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَمَعَهُ ابْنَةُ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا احْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُهُمْ، فَكَانَ يَخْرُجُ فَيَتَوَكَّفُ عَنْهُمُ الْخَبَرَ. فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَحِبَهُمَا اللَّهُ، إِنَّ عُثْمَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللَّهِ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ».
لكن الحديث ضعيف. ذكرناه لمعرفة حاله، فيه بشار بن موسى الخفَّاف، قال عنه الإمام البخاري: منكر الحديث.وذكره الشيخ الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ في السلسلة الضعيفة (3181) .

17. أول حادثة شق الصدر عندما كان النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ صغيرا عند مرضعته حليمة السعدية في صحيح مسلم (162) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً ، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ لَأَمَهُ ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ ، فَقَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ ، قَالَ أَنَسٌ : وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِه. ".
والحالة الثانية: بعد البعثة قبل الإسراء بالنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .فالنَّبيُّ صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم شُقَّ صدرُهُ مرتين أوَّلُهما في صِغَرِهِ .

18. أول من لقى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عندِ العقبةِ من الأنصارِ في اللقاء الأول ستة : أبو أمامةَ أسعدُ بن زُرارة، وعوفُ بنُ الحارث ، ورافعُ بن مالك ، وقُطبةُ بن عامر، وعقبةُ بن عامر، وجابر بن عبد الله بن رِئاب، فدعاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فأسلموا.
وكُلَّهم من الخزْرج رضي الله عنهم .


19. أول بيعةٍ بيعةُ العقبة الأولى بايع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأنصار عندها.

20-أول من بايع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة العقبة الأولى البراء بن معرور رضي الله عنه.
قال الحافظ في فتح الباري تحت رقم (3890) الْبَرَاءُ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَمَعْرُورٌ بِمُهْمَلَاتٍ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَوَّلَ مَنْ بَايَعَ فِي الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ وَمَاتَ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ فِي قِصَّةٍ ذكرهَا ابن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ .


21-
أول من هاجرمن الرجال قيل أبو سلمة وقيل مصعب بن عمير وقيل عامر زوج ليلى بنت أبي حثمة.
قال الحافظ ابنُ حجر عند شرح حديث البراء بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ... قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ-أي في الشرح له - أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَامْرَأَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَمَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشَّرِيدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ فقد جزم ابن عُقْبَةَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مُطْلَقًا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَكَانَ رَجَعَ مِنَ الْحَبَشَةِ إِلَى مَكَّةَ فَأُوذِيَ بِمَكَّةَ فَبَلَغَهُ مَا وَقَعَ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى فَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا وَقَعَ هُنَا بِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ خَرَجَ لَا لِقَصْدِ الْإِقَامَةِ بِالْمَدِينَةِ بَلْ فِرَارًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِخِلَافِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَإِنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهَا لِلْإِقَامَةِ بِهَا وَتَعْلِيمِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِكُلٍّ أَوَّلِيَّةٌ مِنْ جِهَةٍ .اهـ

21-أول مهاجرة من النساء تكلم الحافظ في فتحِ الباري (3925) على أوِّلِ مُهاجرة من النساء وقال : لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ امرأةً عَامِر بْن رَبِيعَةَ هِيَ أَوَّلُ مُهَاجِرَةٍ .
وَقِيلَ بَلْ أَوَّلُ مُهَاجِرَةٍ أُمُّ سَلَمَةَ لِقَوْلِهَا لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ أُمِّ سَلَمَةَ بِقَيْدِ الْبَيْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ إِطْلَاقِهَا .اهـ

22-أول جمعة صُلِّيت في المدينة قبل الهجرة أقامها مصعب بن عمير وقيل أسعد بن زرارة.
وأخرجَ أبوداود في سننه (1069) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَائِدَ أَبِيهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: " لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ، يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ "، قُلْتُ: كَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: «أَرْبَعُونَ» .
وفيه عنعنةُ ابن إسحاق لكنه قد صرَّح بالتحديث عند البيهقي في سننه (3/ 251) فالحديثُ حسَنٌ. والله أعلم.
ومنهم من جَمَعَ بينهُما بأنَّه نُسِبَ إلى أسعدَ بن زُرارة لأنه جمَع الناسَ ودعاهم ، ومصعبُ بنُ عمير هو مقرئُهم ومعلمهم وكان يصلي بهم .


23- أول ما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نزل بقباء على بني عمرو بن عوف والأشهر أنه نزل على كلثوم بن الهدم، وقيل بل على سعد بن خيثمة.

24-أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة مسجد قباء.قال ابن كثير رحمه الله في البداية (3/209): " فَكَانَ هَذَا الْمَسْجِدُ أَوَّلَ مَسْجِدٍ بُنِيَ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ، بَلْ أَوَّلَ مَسْجِدٍ جُعِلَ لِعُمُومِ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ. وَاحْتَرَزْنَا بِهَذَا عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَنَاهُ الصِّدِّيقُ بِمَكَّةَ عِنْدَ بَابِ دَارِهِ يَتَعَبَّدُ فِيهِ وَيُصَلِّي لِأَنَّ ذَاكَ كَانَ لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ عَامَّةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

25-أول جمعة صلاها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمدينة على قولٍ في بني سالم بن عوف .

26-أول ما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة نزل على بني النجار أخوال جده عبد المطلب في دار أبي أيوب الأنصاري .

27-أول غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الأبواء، وكانت في صفر سنة اثنتين من الهجرة ولكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجع إلى المدينة ولم يلق حربًا، فكانت هذه الغزوة بدون قتال.

28-أَوَّلُ سِنِيِّ التَّارِيخِ عَامَ الْهِجْرَةِ باتفاق الصحابة.

29-أول شهور العرب شهر الله المحرم.
وقد بيَّن الحافظ ابنُ كثير السبب في جعل التاريخ من شهر الله المحرم وقال: وَجَعَلُوا أَوَّلَهَا الْمُحَرَّمَ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ النِّظَامُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وقال الحافظ ابنُ حجر رحمه الله في فتح الباري (3934) :وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ كَانَ فِي الْمُحَرَّمِ إِذِ الْبَيْعَةُ وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ ذِي الْحِجَّةِ وَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْهِجْرَةِ فَكَانَ أَوَّلُ هِلَالٍ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْبَيْعَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ هِلَالُ الْمُحَرَّمِ فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُبْتَدَأً وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَةِ الِابْتِدَاءِ بِالْمُحَرَّمِ . اهـ

30-أول غزوة كان فيها قتال غزوة بدر.

31-أول بعوثات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث حمزة بن عبد المطلب وقيل بعث عبيدة بن الحارث مختلف فيهما .

32-
أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه لحمزة بن عبد المطلب وقيل لعبيدة بن الحارث.

33-أول سهم رُمي به في سبيل الله رماه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقد كان رضي الله عنه يَقُولُ: "إِنِّي لَأَوَّلُ العَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..." متفق عليه .


والحمد لله .










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-24, 19:00   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

(4) (التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ)

اختصارُ درسِ الحادي عشرَ من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)


1
. تعريف الجهاد: قال الحافظ في فتح الباري:الجهادُ لُغَةً: الْمَشَقَّةُ يُقَالُ جَهِدْتُ جِهَادًا بَلَغْتُ الْمَشَقَّةَ. وَشَرْعًا: بَذْلُ الْجُهْدِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، وَالشَّيْطَانِ، وَالْفُسَّاقِ.
2. فرضيَّةُ الجهاد: ولما استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة كان معلِّمًا، ومربيًا، وداعيًا إلى الله عز وجل، فلما ظهر الإسلام وقويت شوكتُه وصار له أنصاروأعوان ودَوْلة قويةٌ حينئِذٍ جاء الأمرُ بالقتال. ولم يُفرَضِ الجهادُ في مكة قبل الهجرة؛ ولا أوَّل ما قدِمَ المدينة ، لأن المسلمين كانوا مستضعَفين.
وقيل: أَذن الله عز وجل بالجهاد في مكة قبل الهجرة وقد ردَّ هذا القول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد من عدَّة أوجُهٍ.
3. مراحِلُ فرضية الجهاد في السيرة النَّبَوِيَّةِ: كان محرَّمًا على المسلمين القتال، ثم مأذونًا به، ثم مأمورًا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورًا به لجميع المشركين .كما في زاد المعاد . وأما جهادهم بالحجة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجاهدُ الكفارَ بمكة بالحُجَج وبالقرآن.
4. مراتب الجهاد: الْجِهَادُ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ: جِهَادُ النَّفْسِ، وَجِهَادُ الشَّيْطَانِ، وَجِهَادُ الْكُفَّارِ، وَجِهَادُ الْمُنَافِقِينَ" كما ذكرها ابن القيم رحمه الله وغيره .
5. الجهاد لا يكون إلا بمشورة العلماء الراسخين،؛ لأن ربنا عز وجل يقول: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ...﴾[النساء:83]. ولمَّا أعرض كثير من الناس – إلا من رحم الله - عن الرجوع إلى العلماء الراسخين تخبَّطوا وفتحوا بابَ الجهاد على مِصْرَاعيه بمجرد الهوى والرأي المحض ومن غير ضوابِطٍ ولا قيودٍ ووقعوا في عقيدة الخوارجِ والمعتزلة من قتال الأمراء والوُلاة، والخروج على الحكام الظلمة، والسعي بالفساد. ، وهذا طرَفٌ. طرفٌ آخرُ يتنكَّر للجهاد من أصله وهم الكفار، ومن كان متأثرًا بهم بحجة الإنسانية، والسماحة والمواساة، وأرادوا أن يُلْغوا الجهاد في سبيل الله.والجهاد في سبيل الله هو من جملة البراء من أعداء الله عز وجل الذي أمر الشرعُ به.

6
. حكمُ التفجيرات يقوم الإنسان بتفَجير نفسَه مع مجموعة، وهذا حرامٌ وكبيرةٌ من الكبائر يشمله ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا». والله عزوجل يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾[النساء:29]. وهناك كلام للعلماء في تحريم ذلك كالشيخِ الوالد مقبل والشيخ ابنِ عثيمين .
7. أول غزوات النبي صلى الله عليه وسلم غزوة الأبواء، ويقال لها غزوة ودَّان، وخرج ليعترضَ عِيرًا لقريش، وكانت في صفر سنة اثنتين من الهجرة، واستخلف على المدينة سعد بنَ عُبادة، ولكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجع إلى المدينة ولم يلق حربًا، فكانت هذه الغزوة بدون قتال.
8. أول بعوثات النبي صلى الله عليه وسلم:
- بعث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في ثلاثين راكباً من المهاجرين ليس فيهم أنصاري للتَّعَرُّضِ لعير قريش كانت قد أقبلت من الشام، ولما اصطفُّ المسلمون وكفار قريش للقتال دخل بينهم وحجزهم عن القتال مجدي بن عمرو الجهني لأنه كان موادعًاً للفريقين فرجعوا بدون قتال .
- وقيل أول بعثُ النبي صلى الله عليه وسلم بعث عُبَيدة بن الحارث بن المطلب في السنة الثانية من الهجرة. ولما التقوا بالمشركين هُزِمَ المشركون فلم يكن بينهم قتال إلا أنهم تراموا بالسهام، وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أوَّل من رمى بسهمٍ إلى المشركين. وَفَرَّ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ يَوْمَئِذٍ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَا فِي حَبْسِ قُرَيْشٍ قَدْ أَسْلَمَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَتَوَصَّلَا بِالْمُشْرِكِينَ حَتَّى خَرَجَا إِلَى عُبَيْدَةَ وَأَصْحَابِهِ .


9
. أوَّلُ من عقد له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الرايةَ من أصحابه لحمزةَ . وقيل لعُبيدة بن الحارث رضي الله عنهما. وقيل إنهما كانتا في السنة الأولى من الهجرة.

10. الغزوات و البعوث والسرِيَّات:
- الغزوة يكون فيها خروجُ الأميرِ نفسِه مع المقاتلين.
- البعوث: جيش يبعثه الإمامُ للغزو، ويجعل عليهم أميرًا من غير أن يُشارِك معهم القتال. هذا يقال له بعْث. وبعضهم يُطْلِقُ على البعث غزوة.
- السَّرِيَّة: قال ابن الأثير في النهاية: "وَهِيَ طائفةٌ مِنَ الجَيش يبلغُ أَقْصَاهَا أربَعمائة تُبْعث إِلَى العَدوّ، وجمعُها السَّرَايَا، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يكونُون خُلاصةَ العسْكر وخيارَهم، مِنَ الشَّيء السَّرِيِّ النَّفِيس. وَقِيلَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ينْفذُون سِرًّا وخُفْية، وَلَيْسَ بالوجْه، لِأَنَّ لامَ السِّرِّ رَاءٌ، وَهَذِهِ ياءٌ. اهـ.
أي اختلفوا لأي شيء قيل لها سَرِيَّة فقيل لأنها مختارة نفيسة، وقيل لأنها تسري بخفية.
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: "السَّرِيَّةُ: قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ تُغِيرُ وَتَرْجِعُ إِلَيْهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ هِيَ الْخَيْلُ تَبْلُغُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَنَحْوَهَا قَالُوا سُمِّيَتْ سَرِيَّةً لِأَنَّهَا تَسْرِي فِي اللَّيْلِ وَيَخْفَى ذَهَابُهَا وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ يُقَالُ سَرَى وَأَسْرَى إِذَا ذَهَبَ لَيْلًا.
وفي فتح الباري تحت رقم (4338) السرية: هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ وَتَعُودُ إِلَيْهِ وَهِيَ مِنْ مِائَةٍ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ.

مسألةٌ تتعلَّقُ بالأوائِلِ


1. أول شهر نزل على النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيه الوحي شهر رمضان، يوم الاثنين قال ابنُ كثيرٍ رحمه الله في (الفصول في سيرة الرسول )ص59 : ففَجِأه الحقُّ وهو بغار حراء في رمضان، وله من العمر أربعون سنة .اهـ

2
-أول ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخمس الآيات الأولى من سورة العلق. وهذا المعنى في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها .

3
-أول مَن أسلم مطلقاً أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وقصتها في الصحيحين رضي الله عنها .

وقد نصَّ على ذلك ابن كثير رحمه الله في( الفُصُول في سيرة الرسول)حيث قال (فهي أول صِدِّيق له رضي الله تعالى عنها وأكرمها).

4
-أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكرالصديق على المشهور.

5
-أول من أسلم من الصبيان علي بن أبي طالب.

6-أول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة.

7
-أول من أسلم من الأرِقَّاء بلال بن رباح.

8
--أول من أسلم من النساء بعد خديجة فاطمةُ بنت الخطاب رضي الله عنهما نصَّ عليه الحافظ ابن حجر في فتح الباري تحت رقم (763) .

9
-أول ما ظهر النفاقُ –أعاذنا اللهُ منه - بعد غزوة بدر.
يراجع تفسيرابنِ كثير في تفسير قوله تعالى { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ..} .
10- أول شهيدة في الإسلام سُميَّة والدة عمار رضي الله عنهما، يذكر أهلُ السير أنه مرَّ بها أبو جهل فطعنها في قُبُلِها فماتت .
11-أول من خطَّ بالقلم جاء أنه نبي الله إدريس -عليه الصلاة والسلام-، وهذا جاء في حديث ضعيف لا يثبت رواه الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأُصول .
وضعَّفه الشيخ الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ في ضعيف الجامع (2127).
والحكيم الترمذي استفدنا من الوالد الشيخ مقبل ـ رحمه الله تعالى ـ أنه صوفي لا يعتمد عليه.
فنقولُ : الله أعلم مَن أوَّل من خطَّ بالقلمِ .

12
-أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه الصلاة والسلام جاء أنه عثمان رضي الله عنه ولا يصح الحديث.
أول مهاجرة من النساء تكلم الحافظ في فتحِ الباري (3925) على أوِّلِ مُهاجرة من النساء وقال : لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ امرأةً عَامِر بْن رَبِيعَةَ هِيَ أَوَّلُ مُهَاجِرَةٍ .
وَقِيلَ : بَلْ أَوَّلُ مُهَاجِرَةٍ أُمُّ سَلَمَةَ لِقَوْلِهَا لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ أُمِّ سَلَمَةَ بِقَيْدِ الْبَيْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ إِطْلَاقِهَا .اهـ
13-أول ما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هجرته نزل بقباء على بني عمرو بن عوف والأشهر أنه نزل على كلثوم بن الهِدْم من بني عمرو بن عوف ، وقيل بل على سعد بن خيثمة.
14-أول مسجد أُسِّسَ على التقوى بعد النبوة مسجد قباء.والمراد أَوَّلَ مَسْجِدٍ جُعِلَ لِعُمُومِ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ .يُراجع البداية والنهاية (3/209) .
15-أول ما قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة نزل على بني النجار أخوال جده عبد المطلب في دار أبي أيوب الأنصاري .
16-أول غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الأبواء .
17-أول شهور العرب شهر الله المحرم.


18-أول سهم رُمي به في سبيل الله رماه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقد كان رضي الله عنه يَقُولُ: "إِنِّي لَأَوَّلُ العَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..." متفق عليه .
وبالله التوفيق










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-26, 08:22   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الثاني عشر من / الفُصُولُ في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 16/من شهر ربيع الثاني 1437 .



غزوةُ بُواط

ثم غزا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غزوةَ بُواطٍ، فخرج بنفسِه صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخرِ من السنةِ الثانيةِ، واستعملَ على المدينةِ السائبَ بنَ عثمانَ بنِ مظعونٍ فسارَ حتى بلغ بواط من ناحيةِ رَضْوَى، ثُمَّ رجع ولم يلقَ حرباً

***********************
(حتى بلغ بواط) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (7/280) شرح أول كتاب المغازي "بَوَاطُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُضَمُّ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ جَبَلٌ مِنْ جبال جُهَيْنَة بِقُرب يَنْبُع" ا.هـ
(من ناحية رَضوى)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري:"وَرَضْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ جَبَلٌ مَشْهُورٌ عَظِيم بينبع" ا.هـ
هذا الفصل في غزوة بواط، وقد خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليتلقَّى عِيرًا لقريش، وكان فيهم أميَّةُ بنُ خلَف وقدكان شديدَ العداوةِ لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو من الذين تمالئوا عند الكعبة على وضع سلَى الجَزُور على ظهر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي.
وهذا في البخاري (240) ومسلم (107 ،1794)عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلاَنٍ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لاَ أُغْنِي شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ». ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ» - وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ -، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْعَى، فِي القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ .
قال الحافظ : وَإِنَّمَا اسْتَحَقُّوا الدُّعَاءَ حِينَئِذٍ لِمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِخْفَافِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ عِبَادَةِ رَبِّهِ .

ومن دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أخبر بقتل أمية بنَ خلف فوقع كما أخبر .
أخرجَ البخاري (3632) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّأْمِ، فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ، لِسَعْدٍ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ، فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: تَطُوفُ بِالكَعْبَةِ آمِنًا، وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَتَلاَحَيَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أُمَيَّةُ لسَعْدٍ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الوَادِي، ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ، وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ «فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ»، قَالَ: إِيَّايَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي اليَثْرِبِيُّ، قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الصَّرِيخُ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ اليَثْرِبِيُّ، قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ لاَ يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الوَادِي فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ .
وفي روايةٍ عند البخاري (3950)حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبَدْرٍ .
وسيأتي إن شاء الله ما يتعلَّق بغزوة بدرٍ في موضعه .
واستخلف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المدينة السائبَ بن عثمان أي جعله نائبًا عنه على المدينة ثم رجع النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يلقَ حربا.
***********************
غزوة العُشَيرَة
ثم كانت بعدها غزوةُ العُشيرة، ويقال بالسين المهملة، ويقال العُشيراء. خرج بنفسه صلى الله عليه وسلم في أثناءِ جمادى الأُولى حتى بلغها، وهي مكان ببطن ينبع وأقام هناك بقيةَ الشهر وليالي من جمادَى الآخرة وفي هذه الغزوة صالحَ بني مُدْلِج، ثم رجع ولم يلقَ كيدا، وقد كان استخلف على المدينة أبا سلمةَ بن عبد الأسد.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي إسحاق السبيعي قال: قلت لزيد بن أرقم: كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: تسع عشرة غزوة أولها الْعُسَيْرُ أَوِ الْعُشَيْرُ .

***********************
(وصالح بني مُدلج)
مُدْلِجٍ هوبِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَكَسْرِ اللَّامِ . يراجع شرح صحيح مسلم (10/41) شرح حديث (أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا) .
وقد جاء في نسخة من نُسَخِ الفصول مكتبة الهدْيُ المحمدي ط الأُولى ( أولها العشيرة أو العشيراء). والذي في صحيح مسلم فَمَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا؟ قَالَ: «ذَاتُ الْعُسَيْرِ أَوِ الْعُشَيْرِ».
وقد بيَّنَ الحافظُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله في البداية والنهاية (3/ 246) أنه يُقَالُ لَهَا غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ وَالْعُشَيْرُ وَبِالْمُهْمَلَةِ وَالْعُشَيْرَاءُ وَبِالْمُهْمَلَةِ .
والحديث أخرجه البخاري (3949)من طريق أَبِي إِسْحَاقَ، كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقِيلَ لَهُ: " كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ " قِيلَ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قُلْتُ: فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ؟ قَالَ: العُسَيْرَةُ أَوِ العُشَيْرُ " .
وسبب خروج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذه الغزوة لتلقِّي عير قريش وفي هذه الغزوة صالح بني مُدلِج ثم رجع صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدون قتال، وكان استخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد .
ثم ذكر الحافظ ابنُ كثيررحمه الله حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه في عدد غزوات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول زيد بن أرقم رضي الله عنه: " أولها العشيرة أو العشيراء " .
أي أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غزوة العشيرة .
ولم يذكر رضي الله عنه غزوة الأبواء ولا غزوة بواط .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تحت رقم (3949) "وَكَأَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ قُلْتُ مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَالَ ذَاتُ الْعُشَيْرِ أَوِ الْعُشَيْرَةُ اهـ وَالْعُشَيْرَةُ كَمَا تقدم هِيَ الثَّالِثَة وَأما قَول ابن التِّينِ يُحْمَلُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى أَنَّ الْعُشَيْرَةَ أَوَّلُ مَا غَزَا هُوَ أَيْ زيد بن أَرقم وَالتَّقْدِير فَقُلْتُ مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا أَيْ وَأَنْتَ مَعَهُ قَالَ الْعُشَيْرُ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا وَيَكُونُ قد خَفِي عَلَيْهِ اثْنَتَانِ مِمَّا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ عَدَّ الْغَزْوَتَيْنِ وَاحِدَةً" ا.هـ
فهذه ثلاثةُ أمورٍ في سبب كون زيد بنِ أرقم قال أولها (أولها الْعُسَيْرُ أَوِ الْعُشَيْرُ ) ومنها: أن يكون المراد أوَّل غزاةٍ شهدها زيد بن أرقم مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

ومن باب الفائدة أُنبه على ما جاء أنه في غزوة العشيركنَّى النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم علي ابن أبي طالب أبا تُراب .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ رحمه الله كما في سيرة ابن هشام(1/ 599): فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ حَتَّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍمِنْ النَّخْلِ، وَفِي دَقْعَاءَ مِنْ التُّرَاب فنمنا، فو الله مَا أَهَبَّنَا إلَّا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُنَا بِرِجْلِهِ. وَقَدْ تَتَرَّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدَّقْعَاءِ الَّتِي نِمْنَا فِيهَا، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَا لَكَ يَا أَبَا تُرَابٍ ؟لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ .
ومن طريق ابن إسحاق أخرجه أحمد في مسنده (30/ 256).
وهذا إسنادٌ منقطع قال الذهبي رحمه الله في ميزان الاعتدال : قال البخاري: لا يعرف سماع يزيد من محمد، ولا محمد من ابن خثيم، ولا ابن خثيم من عمار.
وقد أنكر الحافظ ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(3/ 150) ذلك وقال : فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إِنَّمَا كَنَّاهُ أَبَا تُرَابٍ بَعْدَ نِكَاحِهِ فاطمة، وَكَانَ نِكَاحُهَا بَعْدَ بَدْرٍ . ثم ذكر ابنُ القيم ما رواه البخاري (6204) ومسلم (2409) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَيْهِ لَأَبُو تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى بِهَا، وَمَا سَمَّاهُ أَبُو تُرَابٍ إِلَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ فَخَرَجَ، فَاضْطَجَعَ إِلَى الجِدَارِ إِلَى المَسْجِدِ، فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْبَعُهُ، فَقَالَ: هُوَ ذَا مُضْطَجِعٌ فِي الجِدَارِ، فَجَاءَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَامْتَلَأَ ظَهْرُهُ تُرَابًا، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ وَيَقُولُ: «اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ».
وقال الحافظ في فتح الباري تحت الرقم المذكور: وَغَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ كَانَتْ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ عَلِيٍّ وَالله أعلم . اهـ

***********************
غزوةُ بدرٍ الأولى
ثم خرج بعدها بنحو من عشرة أيام إلى بدرٍ الأولى، وذلك أن كُرْزَ بنَ جابرٍ الفِهْري، أغارَ على سرْح المدينة، فطلبه فبلغ وادِياً يقالُ له سَفَوَان في ناحية بدر، ففاته كرز، فرجع وقد كان استخلف على المدينة زيدَ بن حارثة رضي الله عنه.
وبعث سعدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه في طلبِ كرز بن جابر فيما قيل .
والله أعلم. وقيل: بل بعثه لغير ذلك.


***********************

هذه غزوة بدرٍ الأولى، في جمادى الأولى سنة اثنتين .
وسببها أن كُرز بن جابر أغار على سرْح المدينة .

قال ابنُ الأثير في النهاية :السَّرْحُ والسَّارِحُ والسَّارِحَةُ سواءٌ:المْاَشية.اهـ
فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بلغ سَفَوان ناحية بدرٍ وفاته كُرز فرجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وسَفَوَانُ:بفتح أوّله وثانيه، وآخره نون كما في معجم البُلْدان .
وكُرز بن جابر كان من رُؤساءِ المشركين ثم منَّ الله عز وجل عليه وأسلم فهو صحابي وقد قتل رضي الله عنه في فتح مكة وقصته في صحيح البخاري (4280) من طريق عُرْوَةَ، وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ، يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ، قَالَ: " وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ، وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُدَا، فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ رَجُلاَنِ: حُبَيْشُ بْنُ الأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بْنُ جابِرٍ الفِهْرِيُّ.
هذا حاصلُ غزوة بدرٍ الأولى .
ثم ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله هنا أن الذي بعثه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طلب كُرز أنه سعد بن أبي وقاص فيما قيل، وقيل: بل بعث سعد بن أبي وقاص لغير طلب كُرز. فالله أعلم .

هذا وقد جاء في حديث ضعيف أن الذي بعثه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى العُرَنيين الذين ساقوا ذود النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقتلوا الراعي هو كرز بن جابر .
أخرج الطبراني في الكبير(7/ 6) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ الحديث وفيه فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ خَيْلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ , أَمِيرُهُمْ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ فَلَحِقَهُمْ، فَجَاءَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ» .
وهذا إسنادٌ ضعيف جدا.مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ منكر الحديث .
وأما والده محمد بن إبراهيم: بن الحارث بن خالد التيمي أبو عبد الله المدني فهو ثقة له أفراد .

وقد ذكر هذه الرواية الحافظُ ابنُ حجر في فتح الباري في كتاب الوضوء (233) ثم قال :وكذا ذكره ابن إِسْحَاقَ وَالْأَكْثَرُونَ .اهـ
أي أنه كرْزبن جابر الفهري .

والحديث ثابت في الصحيحين البخاري(233) ومسلم (9 ،1671)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ «فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا» فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، «فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَأُلْقُوا فِي الحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَلاَ يُسْقَوْنَ».
ولكن ليس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث كرْزًا لقتل العُرَنيين وإثباتُ هذا يحتاج إلى دليلٍ صحيحٍ .فالله أعلم .

***********************

فصل ـ بعث عبد الله بن جحش
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن جحش بن رئاب الأسدي وثمانيةً من المهاجرين، وكتب له كتاباً وأمره ألا ينظر فيه حتى يسيرَ يومين، ثم ينظر فيه، ولا يكره أحداً من أصحابه، ففعل، ولما فتح الكتاب وجد فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، وترصد بها قريشاً، وتعلم لنا من أخبارهم، فقال: سمعاً وطاعة، وأخبر أصحابه بذلك، وبأنه لا يستكرهم، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، وأما أنا فناهض، فنهضوا كلهم .
فلما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يعتقبانه فتخلَّفا في طلبه، وتقدم عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارة، فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يومٍ من رجب ، الشهرِ الحرامِ، فإن قاتلناهم انتهكنا الشهرَ الحرام، وإن تر كناهم الليلة دخلوا الحرمَ، ثم اتفقوا على ملاقاتهم فرمَى أحدُهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم، وأفلتَ نوفل.
ثم قدموا بالعير والأسيرين قد عَزَلوا من ذلك الخُمُس، فكانت أوَّلَ غنيمةٍ في الإسلام وأولَ خمس في الإسلام، وأولَ قتيل في الإسلام وأولَ أسير في الإسلام، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم ما فعلوه، وقد كانوا رضي الله عنهم مجتهدِين فيما صنعوا.

***********************
هنا بعثُ عبد الله بن جحش رضي الله عنه وقد ساق الحافظ ابنُ كثيرٍهنا قصته .
والحديث علقَّه الإمام البخاري في صحيحه تبويب حديث (64)وقال في أثناء ترجمةٍ له في كتاب العلم : وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الحِجَازِ فِي المُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ كَتَبَ لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا وَقَالَ: «لاَ تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا» . فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ المَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .اهـ
والحديث حسنٌ لغيره أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ في تفسيره من طريق الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي السَّوَّارِ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَن ّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَهْطًا وَبَعَثَ عَلَيْهِمْ أبا عبيدة ابن الْجَرَّاحِ أَوْ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ، فَلَمَّا ذَهَبَ يَنْطَلِقُ بَكَى صُبَابَةً إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ. فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ مَكَانَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَلا يَقْرَأَ الْكِتَابَ حَتَّى يَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: لَا تُكْرِهَنَّ أَحَدًا عَلَى السَّيْرِ مَعَكَ مِنْ أَصْحَابِكَ الحديث .
الحضرمي قال الذهبي رحمه الله في ميزان الاعتدال : الحضرمي.
روى عنه سليمان التيمي لا يعرف.وكان يقص بالبصرة.
قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
وبعضهم يجعله حضرمي بن لاحق .

وأما أَبُو السوَّارفهو العدوي البَصْرِيّ مختلف في اسمه ترجمته في تهذيب الكمال بروايته عن جندب بْن عَبد اللَّه وذكر المزي أنه وثقه ابنُ سعد وقال أبوداود: من ثقات الناس .

وأخرجه البزار كما في كشف الأستار(3/41) عن ابن عباس .قال الهيثمي في مجمع الزوائد(6/199) : وَفِيهِ أَبُو سَعِيدٍ الْبَقَّالُ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

كذا أبوسعيد وفي تقريب التهذيب أبوسعد فقد قال في ترجمته : سعيد بن المرزبان العبسي مولاهم أبو سعد البقال الكوفي الأعور ضعيف مدلس .
وجاء مرسلا من مراسيل عروة بن الزبير أخرجه ابنُ جرير في تفسير سورة البقرة عند الآية { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ } والبيهقي في دلائل النبوة (3/17) .
قال الحافظ ابنُ حجر في تغليق التعليق (2/76) :وَهُوَ مُرْسل جيد قوي الْإِسْنَاد وَقد صرح فِيهِ ابْن إِسْحَاق بِالسَّمَاعِ . اهـ
ويوجَدُ بعض المراسيل في هذا الباب عند ابن جريرٍ الطبري .
وقد ذكرالحافظ ابن حجر في فتح الباري (64)مرسل عروة وحديث جندبٍ البجلي وحديث ابن عباس ثم قال : فَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ يَكُونُ صَحِيحًا .
قال :وَأَمِيرُ السَّرِيَّةِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيُّ أَخُو زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ تَأْمِيرُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَالسَّرِيَّةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ الْقِطْعَةُ مِنَ الْجَيْشِ وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ .
ثم ذكر الحافظ ابن حجروجه الشاهد منه في المناولة وقال : وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّهُ نَاوَلَهُ الْكِتَابَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَعْمَلُوا بِمَا فِيهِ فَفِيهِ الْمُنَاوَلَةُ وَمَعْنَى الْمُكَاتَبَةِ . اهـ
(فرمى أحدُهم عمرو بن الحضرمي فقتله)
عمرو بن الحضرمي قتل كافرا وهو أول قتيل للمشركين وهو أخو العلاء بن الحضرمي الصحابي .
وينظر الإصابة في تمييز الصحابة (4/445) .

(وأسروا عثمان والحكم)
قال ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (1/605) :فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا. وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا.
وقال الحافظ رحمه الله في الإصابة (2/ 95): الحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة المخزومي، والد أبي جهل أُسر في أول سريّة جهّزها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة، وأميرها عبد اللَّه بن جحش، فأسر الحكم المذكور فقدموا به على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والقصة مشهورة في السيرة لابن إسحاق. اهـ
(وأفلت نوفل)
أي هرب من المسلمين.
(ثم قدموا بالعِير والأسيرين)
قال ابنُ الأثير في النهاية : العِيرُ: الإبلُ بأحْمالها، فِعْلٌ مِنْ عَارَ يَعِيرُ إِذَا سَار.
والأسيران :عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان.

(قد عزلوا من ذلك الخمس، فكانت أول غنيمة في الإسلام وأول خمس في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام وأول أسير في الإسلام، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم ما فعلوه، وقد كانوا رضي الله عنهم مجتهدين فيما صنعوا).
(الخمس) أي خمس الغنيمة.
(فكانت أول غنيمة في الإسلام وأول خمس في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام وأول أسير في الإسلام).
هكذا يذكرون أول غنيمة وأوَّلُ خمُس في الإسلام كان في بعث عبدالله بن جحش ، وأول قتيل من المشركين في الإسلام هوعمرو بن الحضرمي، وأول أسيرَين في الإسلام عثمان بن عبدالله والحكم بن كيسان .

***********************

واشتدَّ تعنتُ قريش وإنكارُهم ذلك، وقالوا: محمد قد أحلَّ الشهر الحرام، فأنزل الله عز وجل في ذلك ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾[البقرة:217]. يقول سبحانه: هذا الذي وقع وإن كان خطأ، لأن القتال في الشهر الحرام كبير عند الله، إلا أنَّ ما أنتم عليه أيها المشركون من الصدِّ عن سبيل الله والكفرِ به وبالمسجدِ الحرام، وإخراج محمد وأصحابه الذين هم أهل المسجدُ الحرام في الحقيقة أكبرُ عند الله من القتال في الشهر الحرام.
ثم إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قبِل الخُمسَ من تلك الغنيمة، وأخذ الفداء من ذَيْنِكَ الأسيرَيْن.

***********************
استفدنا أنَّ سببَ نزولِ الآيةِ الكريمة { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ } الآية قتلُ عبد الله بن جحش وأصحابه عمرو بن الحضرمي المشرك في الشهر الحرام .
والشهر الحرام لا يجوزالبدءُ بالقتال فيه لهذه الآية، فهو كبيرة من الكبائر. وقد أخرج الإمامُ أحمد في مسنده (22/ 438 )من طريق لَيْثٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يُغْزَى - أَوْ يُغْزَوْا - فَإِذَا حَضَرَ ذَاكَ، أَقَامَ حَتَّى يَنْسَلِخَ " .
والحديث حسن . وأبوالزبير وإن كان مدلسا وقد عنعن إلا أنه إذا كان الراوي عنه الليثُ بن سعد فإنه لا تضر عنعنته . يراجع جامع التحصيل .
ودلَّ حديث جابرٍ على جواز قتال المشركين في الشهر الحرام إذا بدأُوا بقتال المسلمين .
وحرمة القتال في الشهر الحرام ابتداءً مُحْكَم ولم يُنسخ.
أما قول السيوطي رحمه الله :
وحَقُّ تَقْوَاهُ فِيمَا صَحَّ من أَثَـــرٍ *** وفي الحَرامِ قِتَالٌ للأُلَى كَفَـــرُوا
فلم يصح للسيوطي رحمه الله شيءٌ في هذا البيت من النسخ .
(وحَقُّ تَقْوَاهُ فِيمَا صَحَّ من أَثَـــرٍ) يشير إلى قول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران:102]. أي: أنها منسوخة والصحيح أن الآية مطلقة تقيد بالأدلة الأخرى فالمراد اتقوا الله حق تقاته فيما استطعتم، لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16]. وقوله: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة:286].
(وفي الحَرامِ قِتَالٌ للأُلَى كَفَـــرُوا) يشير إلى قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة:217].
والآية محكمة ولم يأتِ ما ينسخها وقد استدلَّ من قال بنسخها بالأدلة التي فيها الأمر بقتال المشركين كقوله سبحانه :إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) [سورة التوبة: 36] . ولكنها عامة مخصوصة بالأشهر الحرم فيقاتَل المشركون في غير الأشهر الحرُمِ التي هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب مضر.
وهذه المسألة تتعلق بعلم القرآن وتفسيره والسيرة لها علاقة كبيرة بعلم القرآن وتفسيره فهي تعينُ على فهْمِ القرآن .
ثم فسَّر الحافظ ابن كثير رحمه الله هنا الآية: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة:217]. وأن صدَّ المشركين المسلمين عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته أكبر عند الله، (أعظم عند الله) من القتال في الشهر الحرام هذا أعظم وأشدُّ .
(وأخذ الفداء من ذينك الأسيرَين)
هما عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان.
****************
فصل ـ تحويل القبلة وفرض الصوم
وفي شعبان من هذه السنة حوِّلَت القبلةُ من بيت المقدس إلى الكعبة، وذلك على رأس ستة عشر شهراً من مقدمه المدينة، وقيل سبعة عشر شهراً، وهما في الصحيحين.
وكان أول من صلى إليها أبو سعيد بن المعلى وصاحب له كما رواه النسائي: وذلك أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس ويتلو عليهم تحويل القبلة، فقلت لصاحبي: تعال نصلي ركعتين فنكون أول من صلى إليها، فتوارينا وصلينا إليها، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس الظهر يومئذ.
وفرض صوم رمضان، وفرضت لأجله زكاة الفطر قبله بيوم.

*******************
في هذه الفصول المتقدمة واللاحقة بعض الوقائع والأمور التي كانت في السنة الثانية من الهجرة النبوية .
وهذه عدة أمور في هذا الفصل كانت في السنة الثانية .

تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وقد ثبت في الصحيحين البخاري (40) ومسلم (525) عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ «صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ» فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وَكَانَتِ اليَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة: 143].
فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في المدينة إلى بيت المقدس هذه المدة سنة وأربعة أشهر أو سنة خمسة أشهر على قوله (سبعة عشر شهرًا) .
وقدكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرغب كثيرا أن يستقبل الكعبة قال تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾[البقرة:144].
وكان في نسخ القبلة إلى الكعبة اختبارٌ وامتحان قال تعالى﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾[البقرة:143]. فكان فيه اختبارٌ من يتبع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن يعصي .
وفي حديث البراء المذكور(وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ)
دليلٌ أنَّ أول صلاة استقبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها الكعبة صلاة العصر .
وثبت في الصحيحين البخاري (4488)و مسلم (526)عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ: " أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا: أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، فَتَوَجَّهُوا إِلَى الكَعْبَةِ " .
وهذا فيه قبول خبر الواحد ، واستسلام الصحابة رضوان الله عليهم واستجابتهم للشرع .وهذا معدودٌ في مناقبهم .
وقوله (بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ)هذا محمول أنه لم يبلغهم النسخ إلا ذلك الوقت والله أعلم.
وتحويل القبلة من أعظم ما يحسدنا عليه اليهود أخرج الإمامُ أحمد (41/ 481) عن عائشة رضي الله عنها الحديث وفيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ " .
(وكان أول من صلى إليها)
أي إلى الكعبة
(أبو سعيد بن المعلى وصاحب له كما رواه النسائي: وذلك أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس ويتلو عليهم تحويل القبلة، فقلت لصاحبي: تعال نصلي ركعتين فنكون أول من صلى إليها، فتوارينا وصلينا إليها، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس الظهر يومئذ)
وهذا في السنن الكبرى للنسائي (10/ 17) من طريق مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري الزُرقي وهو ضعيف .
(وفرض صوم رمضان)
وفرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فمات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد صام تسعَ رمضانات.
(وفرضت لأجله زكاة الفطر قبْلَه بيوم)
(وفرضت لأجله)أي لأجل الصيام .
وهذا فيه إشارة إلى الحكمة من فرضية زكاة الفطر وهذا ثابت في سنن ابن ماجة (1827) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ».
(طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ) أي أنها كفَّارة مطهرة لما قد يحصل من خلل في ينقص الصوم.
وفي هذه السنة فرضت زكاة الفطر مع فرض صيام رمضان.
(قبله بيوم) في نسخة من نسخ الفصول (قبيله بيوم) مصغَّر.
أي قبل عيد الفطر فله أن يقدم زكاة الفطر بيوم، أو يومين أو نحو ذلك، والسُّنَّة أن يخرجها قبل خروجه للصلاة العيد لما في صحيح البخاري (1503) ومسلم (986)عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ».

والحمد لله .










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-01, 09:46   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

(5) التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ


اختصارُ درسِ الثاني عشرَ من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

1. غزوة بُواط: في ربيع الآخرِ من السنةِ الثانيةِ، خرج بنفسِه صلى الله عليه وسلم ليتلقَّى عِيرًا لقريش،-والعِيرهي القافلة -وكان فيهم أميَّةُ بنُ خلَف من أشدِّ الأعداء للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واستخلف على المدينة السائبَ بن عثمان أي جعله نائبًا عنه على المدينة ثم سارَ حتى بلغ بواط من ناحيةِ رَضْوَى ثُمَّ رجع صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يلقَ حربا.

2. غزوةُ العُشيرة: كانت بعد غزوة بواط. خرج صلى الله عليه وسلم في أثناءِ جمادى الأُولى لتلقِّي عيرٍ لقريش وفي هذه الغزوة صالحَ بني مُدْلِج، ثم رجع صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدون قتال، وقد كان استخلف على المدينة أبا سلمةَ بن عبد الأسد.

- يُوْجَدُ إشكالٌ فيما رواه الإمام البخاري (3949) من طريق أَبِي إِسْحَاقَ، كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقِيلَ لَهُ: " كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ " قِيلَ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قُلْتُ: فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ؟ قَالَ: العُسَيْرَةُ أَوِ العُشَيْرُ " . فظاهره أن أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غزوة العشيرة. إذ لم يَذكر رضي الله عنه غزوةَ الأبواء ولا غزوة بُواط مع أنهما سابقتان على غزوة العُشير.
وقدذكرالحافظ ابن حجر رحمه الله تحت رقم (3949)ثلاثةَ أجوبة عن ذلك منها :أنه "َكَأَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ قال :وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ قُلْتُ مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَالَ ذَاتُ الْعُشَيْرِ أَوِ الْعُشَيْرَةُ. اهـ
-جاء في سيرة ابن إسحاق أنه في غزوة العُشِيْرَة كنَّى النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم علي ابن أبي طالب أبا تُراب وفي إسناده انقطاع . وأنكر الحافظ ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(3/ 150) ذلك وقال : فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إِنَّمَا كَنَّاهُ أَبَا تُرَابٍ بَعْدَ نِكَاحِهِ فاطمة، وَكَانَ نِكَاحُهَا بَعْدَ بَدْرٍ .

3. غزوةُ بدرالأولى: ثم خرج النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جمادى الأولى سنة اثنتين إلى بدرٍ. وسببُها أن كُرز بن جابر أغار على سرْح المدينة،والسرح :الماشية .
فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بلغ سَفَوان ناحية بدرٍ وفاته كُرز فرجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وقد كان استخلف على المدينة زيدَ بن حارثة رضي الله عنه.
- جاء في حديثٍ سنده ضعيف جدًّاعندالطبراني في الكبير(7/ 6)أن الذي بعثه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى العُرَنيين الذين ساقوا ذود النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقتلوا الراعي هو كرز بن جابر. والحديث ثابت في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ «فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا» فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، «فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَأُلْقُوا فِي الحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَلاَ يُسْقَوْنَ».ولكن ليس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث كرْزًا لقتل العُرَنيين وإثباتُ هذا يحتاج إلى دليلٍ صحيحٍ .فالله أعلم .
وكُرز بن جابر كان من رُؤساءِ المشركين ثم منَّ الله عز وجل عليه وأسلم فهو صحابي وقد قتل رضي الله عنه في فتح مكة وقصة قتله في صحيح البخاري (4280) .

4. بعث عبد الله بن جحش: بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بعد غزوة بدرٍ الاُولى عبدَ الله بن جحش -وهوأَخُو زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -وثمانيةً من المهاجرين ،جاء قصة بعثه في حديث علَّقَه الإمام البخاري في صحيحه والحديث حسنٌ لغيره أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ في تفسيره.
وأول غنيمة وأوَّل خمُسٍ في الإسلام كان في بعث عبد الله بن جحش ، وأول قتيلٍ من المشركين في الإسلام هو عمرو بن الحضرمي وهو أخو العلاء بن الحضرمي الصحابي، وأول أسيرَيْنِ من المشركين في الإسلام عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان. قال ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (1/605) :فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا. وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا.

5. سببُ نزولِ الآيةِ الكريمة { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ }: قتلُ عبد الله بن جحش وأصحابه عمرو بن الحضرمي المشرك في الشهر الحرام ،والشهر الحرام لا يجوزالبدءُ بالقتال فيه لهذه الآية، فهو كبيرة من الكبائر. ويجوزُ قتال المشركين في الشهر الحرام إذا بدأُوا بقتال المسلمين.وقد كان عبدالله بن جحش وأصحابه مجتهدين رضي الله عنهم .
6. قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ...﴾ [البقرة:217]. الآية مُحْكَمَةٌ ولم يأتِ ما ينسخها فلا يُلْتفتُ إلى قول من قال بنسخها .
7. الأشهرُ الحرُمُ: هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب مضر.

8. معنى قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة:217]. فسَّرالحافظ ابن كثير رحمه الله في الفصول فيما يتعلق بالقتال في الأَشهرِ الحُرُمِ وقال: يقول سبحانه: هذا الذي وقع وإن كان خطأ، لأن القتال في الشهر الحرام كبير عند الله، إلا أنَّ ما أنتم عليه أيها المشركون من الصدِّ عن سبيل الله والكفرِ به وبالمسجدِ الحرام، وإخراج محمد وأصحابه الذين هم أهل المسجدُ الحرام في الحقيقة أكبرُ عند الله من القتال في الشهر الحرام.

9.
بعض الوقائع والأمور التي كانت في السنة الثانية من الهجرة النبوية مع ما تقدَّم:
· تحويل القبلة: في شعبان كذا نصَّ ابن كثير. وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (40)أنه كَانَ التَّحْوِيلُ فِي نِصْفِ شَهْرِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ قال:وَبِهِ جَزَمَ الْجُمْهُور . اهـ .ففي السنة الثانيةحوِّلَت القبلةُ من بيت المقدس إلى الكعبة،وقد روى البخاري ومسلم من حديث البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ، سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًاوَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ الحديث . فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في المدينة إلى بيت المقدس هذه المدة سنة وأربعة أشهر أو سنة وخمسة أشهرلوجود التردد في الرواية. وكان في نسخ القبلة إلى الكعبة اختبارٌ وامتحان كما بيَّنه ربنا تعالى في قوله ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾[البقرة:143].
وتحويل القبلة إلى الكعبة من أعظم ما يحسدنا عليه اليهود كما في مسند أحمد .
-أول صلاة استقبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها الكعبة صلاة العصركما تقدم في حديث البراء .
وهناك بعض الروايات الأُخرى أنَّ ذلك كان في صلاة الظهر فإن ثبتت فقد جمع بينهما الحافظ ابنُ حجر رحمه الله في فتح الباري تحت رقم (40)وقال :وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي بَنِي سَلِمَةَ لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الظُّهْرُ وَأَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الْعَصْر .اهـ .والله أعلم .
- وثبت في الصحيحين عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ: " أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا: أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، فَتَوَجَّهُوا إِلَى الكَعْبَةِ ". هذا محمول أنه لم يبلغهم النسخ إلا ذلك الوقت والله أعلم.
- جاء في حديث ضعيفِ السند أنَّ أوَّل من صلى إلى الكعبة أبو سعيد بن المعلى وصاحب له كما رواه النسائي في الكبرى من طريق مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري الزُرقي وهو ضعيف .
· فرضُ الصوم: وفُرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فمات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد صام تسعَ رمضانات.
· فرض زكاة الفطر: فرضت زكاة الفطر مع فرض صيام رمضان.
· والحكمة في فرض صدقة الفطرمبيَّنٌ في سنن ابن ماجة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ" .
- السُّنَّة أن يخرج زكاة الفطر قبل خروجه لصلاة العيد كما في الصحيحين عن ابن عمروفيه (وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ).وله أن يقدِّمَ زكاةَ الفطر بيوم، أو يومين أو نحو ذلك.










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-03, 07:31   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الثالث عشر من / الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 24 من شهر ربيع الثاني 1437.


فصل ـ غزوة بدر الكبرى

نذكرُ فيه ملَخَصَ وقعةِ بدر الثانية، وهي الوقعةُ العظيمةُ التي فرَّق الله فيها بينَ الحق والباطل وأعزَّ الإسلامَ، ودمغ الكفرَ وأهلَه، وذلك أنه لما كان في رمضان من هذه السنة الثانية بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن عيراً مقبلةً من الشام صحبةَ أبي سفيان، صخرِ بنِ حرب، في ثلاثين أو أربعين رجلاً من قريشٍ وهي عيرٌ عظيمة، تحمِلُ أموالاً جزيلةً لقريش، فندب صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إليها، وأمر من كان ظهرُه حاضراً بالنهوضِ، ولم يحتفلْ لها احتفالاً كثيراً، إلا أنه خرج في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، لثمان خلون من رمضان، واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابن أم مكتوم، فلما كان بالروحاء ردَّ أبا لبابة بن عبد المنذر واستعمله على المدينة.
ولم يكن معه من الخيل سوى فرس الزبير، وفرس المقداد بن الأسود الكندي، ومن الإبل سبعون بعيراً يعتقب الرجلان والثلاثة فأكثر على البعير الواحد، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبونَ بعيراً، وزيد بن حارثة وأنسة وأبو كبشة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة يعتقبونَ جملاً، وأبو بكر وعمرُ وعبد الرحمن بن عوف على جمل آخر.. وهلم جرا.
ودفع صلى الله عليه وسلم اللواء إلى مصعب بن عمير، والراية الواحدة إلى علي بن أبي طالب، والراية الأخرى إلى رجل من الأنصار، وكانت راية الأنصار بيد سعد بن معاذ، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة.
وسار صلى الله عليه وسلم فلما قرب من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهني، وهو حليف بني ساعدة، وعديَّ بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتحسَّسان أخبار العير.

*****************************
عندنا في هذا الفصل غزوة بدر الكبرى، وغزوات بدر ثلاث: غزوة بدر الأولى، وغزوة بدر الكبرى، وغزوة بدر الأخرى. وقد ذكرابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (1/ 125) عدد غزوات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم قال:" وَالْغَزَوَاتُ الْكِبَارُ الْأُمُّهَاتُ سَبْعٌ: بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، وَالْخَنْدَقُ، وَخَيْبَرُ، وَالْفَتْحُ، وَحُنَيْنٌ، وَتَبُوكُ". اهـ.
غزوة بدر الكبرى كانت في رمضان وسببها أن أباسفيان قدم بعير فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتلقي قافلة أبي سفيان ولم يخرج لقتال الكفار. وأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه بالخروج، وقال للأنصار: من كان له ظهر فليخرج. ولم يأذنْ لمن كان ظهره بعوالي المدينة أن يأتي به وهذافي صحيح مسلم (1901). عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وفيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:«إِنَّ لَنَا طَلِبَةً، فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا»، فَجَعَلَ رِجَالٌ يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي ظُهْرَانِهِمْ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «لَا، إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا».
والظَّهْر: الإبلُ الَّتِي يُحمِل عَلَيْهَا وتُرْكب. يُقَالُ: عِنْدَ فُلَانٍ ظَهْرٌ: أَيْ إبلٌ كما في النهاية.
(خرج في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا )وهذافي صحيح مسلم (1763) عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا.
(فرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبونَ بعيراً)
في مسند أحمد وهو في الصحيح المسند للولد رحمهما الله(831) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ عَلَى بَعِيرٍ، كَانَ أَبُو لُبَابَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، زَمِيلَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَكَانَتْ عُقْبَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَا نَحْنُ نَمْشِي عَنْكَ، فَقَالَ: " مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى مِنِّي، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنِ الْأَجْرِ مِنْكُمَا " والحديث حسن.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (3/ 319)قُلْتُ: وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ أَبَا لُبَابَةَ مِنَ الرَّوْحَاءِ، ثُمَّ كَانَ زَمِيلَاهُ عَلِيٌّ وَمَرْثَدٌ بَدَلَ أَبِي لُبَابَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثم لما سار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقرب من الصفراء وهو موضعٌ مُجَاورُ بدْر كما في النهاية . بعث بسبس بن عمرو الجهني ـ يقال: بسبس، ويقال: بسبسة بزيادة تاء مربوطةـ وعدي بن أبي الزغباء بعثهما يتحسسان أخبار العير والعير: هي القافلة.
وهذا يستفاد منه جواز التجسس على الكفار للحاجة، أما التجسس على المسلم فهذا لا يجوز يقول تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات:12]. ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم "... مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ" أخرجه الترمذي في سننه (2032). والحديث في الصحيح المسند للوالد رحمه الله.
وبسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء صحابيان وكلاهما شهد بدرًا.
(وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة)الساقة مؤخرة القوم .
*****************************
وأما أبو سفيان فإنه بلغه مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصده إياه، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة مستصرِخاً لقريش بالنفير إلى عيرهم ليمنعوه من محمد وأصحابه.
وبلغ الصريخُ أهلَ مكة، فنهضوا مسرعين وأوعبوا في الخروج، ولم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب، فإنه عَوَّض عنه رجلاً كان له عليه دين، وحشدوا ممن حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدي، فلم يخرج معهم منهم أحد.
وخرجوا من ديارهم كما قال الله عز وجل: ﴿ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال:47]. وأقبلوا في تحمل وحنَقٍ عظيمٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابِه لما يريدون من أخذِ عيرهم، وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي والعير التي كانت معه.
فجمعهم الله على غير ميعاد لما أراد في ذلك من الحكمة كما قال تعالى ﴿وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ [الأنفال:42].

*****************************
لما بلغ أبا سفيان مخرجُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لتلقي العير بعث ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة مستصرخًا مستنجدًا بقريش فنفر قريش مسرعين لحماية أبي سفيان وقافلته. ولم يتخلف من أشرافهم إلا أبو لهب، وبنوعدي من قريش وخرجوا بطرًا ورئاء الناس، وبعصبية، وحميَّة، وغضب على المسلمين، لِما يريدون من أخذ القافلة وقتل مَن فيها ومع ما قد أصابهم من قتل عمرو بن الحضرمي قبل أيام وأخذ العير التي معه، وجمعهم الله في بدرعلى غير ميعاد.﴿وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ [الأنفال:42]. وفي الصحيحين البخاري (4418) مسلم (2769) عن كَعْب بن مالك قال: "لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ ..." الحديث .
وبينت الآية الحكمة من اتفاقهم في المجيء على غير ميعاد أنه لو كان بينهم ميعاد لاختلفوا وما يتم ما أراد الله سبحانه وتعالى ولله الحكمة البالغة.
*****************************
ولما بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خروجُ قريش استشار أصحابه، فتكلم كثير من المهاجرين فأحسنوا، ثم استشارهم وهو يريد ما يقول الأنصار، فبادر سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله! كأنك تُعرِّض بنا، فو الله يا رسول الله، لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك، فسر بنا يا رسول الله على بركة الله. فَسُرَّ صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: «سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين» .
*****************************
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خروج قريش لحماية ونصرة أبي سفيان وقافلته.
(استشار أصحابه، فتكلم كثير من المهاجرين فأحسنوا، ثم استشارهم وهو يريد ما يقول الأنصار...)
والحديث في صحيح مسلم (1779) عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا...) الحديث
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم :قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَصَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِبَارَ الْأَنْصَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ لِلْقِتَالِ وَطَلَبِ الْعَدُوِّ وَإِنَّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمَّنْ يَقْصِدُهُ فَلَمَّا عَرَضَ الْخُرُوجَ لِعِيرِ أَبِي سُفْيَانَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ فَأَجَابُوهُ أَحْسَنَ جَوَابٍ بِالْمُوَافَقَةِ التَّامَّةِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَغَيْرِهَا .اهـ.
فالسبب في استشارة الأنصار أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بايع الأنصار على أن يؤووه، ويمنعوا منه كما يمنعون من نسائهم، وأنفسهم، وأموالهم، أي: في ديارهم. فلم يكن في البيعة الخروج من المدينة لغزو الكفار. فتكلم سعد بن معاذ رضي الله عنه بهذا الكلام الجميل أنهم مستعدون أتم الاستعداد للخروج مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فَسُرَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك .
وقوله في رواية مسلم (فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ)الذي في كلام الحافظ ابن كثير(فبادر سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه فقال: يا رسول الله!)
قال الحافظ ابنُ حجر رحمه الله في فتح الباري تحت رقم (3952)وَوَقَعَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِك وَكَذَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ عِكْرِمَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا وَإِنْ كَانَ يُعَدُّ فِيهِمْ لِكَوْنِهِ مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي آخِرِ الْغَزْوَةِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَهُمْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ أَوَّلَ مَا بَلَغَهُ خَبَرُ الْعِيرِ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ وَالثَّانِيَةُ كَانَتْ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ ذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ .اهـ.
وجاء أن المقداد بن الأسود قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ «فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ» يَعْنِي: قَوْلَهُ" رواه البخاري (3952).
(وقال: «سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين»)
اشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال:7].
(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) الطائفتان: العير والنفير. (العير) قافلة أبي سفيان، وكان معه عمرو بن العاص ومجموعة من أصحابه. (والنفير) الذي نفروا من مكة لحماية قافلة أبي سفيان.
(وَتَوَدُّونَ) أي تتمنون. (أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) وهي العير.
الشوكة :قال ابن الأثير في النهاية : شَوْكَةُ الْقِتَالِ شِدّته وحدَّته.اهـ.
والصحابة يميلون إلى العير التجاريَّة قال الحافظ ابن كثيرفيما يأتي (وودوا أن لو كانا لعير أبي سفيان وأنه منهم قريب ليفوزوا به، لأنه أخف مؤونة من قتال النفير من قريش لشدة بأسهم واستعدادهم لذلك) .
*****************************
ثم رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قريباً من بدر، وركب صلى الله عليه وسلم مع رجل من أصحابه مستخبراً ثم انصرف، فلما أمسى بعث علياً وسعداً والزبير إلى ماء بدر يلتمسون الخبر، فقدموا بعبدين لقريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فسألهما أصحابه لمن أنتما.
؟ فقالا: نحن سقاة لقريش. فكره ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وودوا أن لو كانا لعير أبي سفيان وأنه منهم قريب ليفوزوا به، لأنه أخف مؤونة من قتال النفير من قريش لشدة بأسهم واستعدادهم لذلك. فجعلوا يضربونهما، فإذا آذاهما الضرب قالا: نحن لأبي سفيان. فإذا سكتوا عنهما قالا: نحن لقريش. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال: والذي نفسي بيده إنكم لتضربونهما إذا صدقا وتتركونهما إذا كذبا. ثم قال لهما: أخبراني أين قريش؟ قالا: وراء هذا الكثيب.
قال: كم القوم؟ قالا: لا علم لنا. فقال: كم ينحرون كل يوم؟ فقالا: يوماً عشراً ويوماً تسعاً: فقال صلى الله عليه وسلم: «القوم ما بين التسعمائة إلى الألف».

*****************************
(فكره ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وودوا أن لو كانا لعير أبي سفيان وأنه منهم قريب ليفوزوا به، لأنه أخف مؤونة من قتال النفير من قريش لشدة بأسهم واستعدادهم لذلك)
فكان هذا هو السبب في ميل الصحابة لنيل عير أبي سفيان لأنه أخف مؤونة، ولأنه ليس عندهم استعداد للقتال، والقافلة فيها أموال كثيرة بخلاف الطائفة الأخرى النفير فإنهم جاءوا بعُدَّتِهم وقُوَّتهم وببأس شديد.
(فجعلوا يضربونهما، فإذا آذاهما الضرب قالا: نحن لأبي سفيان...)
هذا في صحيح مسلم (1779) وفيه: "...فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا، وَوَرَدَتْ عَلَيْهِمْ رَوَايَا قُرَيْشٍ، وَفِيهِمْ غُلَامٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ، فَأَخَذُوهُ، فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ: مَا لِي عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ، وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، فَقَالَ: نَعَمْ، أَنَا أُخْبِرُكُمْ، هَذَا أَبُو سُفْيَانَ، فَإِذَا تَرَكُوهُ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ مَا لِي بِأَبِي سُفْيَانَ عِلْمٌ، وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ، وَشَيْبَةُ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فِي النَّاسِ، فَإِذَا قَالَ هَذَا أَيْضًا ضَرَبُوهُ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْصَرَفَ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَضْرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ، وَتَتْرُكُوهُ إِذَا كَذَبَكُمْ»، قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ»، قَالَ: وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ «هَاهُنَا، هَاهُنَا»، قَالَ: فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا فيه دليل من دلائل النبوة فقد تحقَّق ما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن هذين العبدين ماعندهما علم بأبي سفيان لأنهما من النفير.
(فقال صلى الله عليه وسلم: القوم ما بين التسعمائة إلى الألف)
القوم: أي كفار قريش. وقد جاء في صحيح مسلم (1763) عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ}... الحديث.
*****************************
وأما بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء فإنهما وردا ماء بدر فسمعا جارية تقول لصاحبتها: ألا تقضيني ديني؟ فقالت الأخرى: إنما تقدم العير غداً أو بعد غد فأعمل لهم وأقضيك.
فصدقها مجدي بن عمرو. فانطلقا مُقْبِلَيْن لما سمعا، ويَعْقُبهما أبو سفيان، فقال لمجدي بن عمرو: هل أحسسْتَ أحداً من أصحابِ محمد؟ فقال: لا إلا أن راكبين نزلا عند تلك الأكمة. فانطلق أبو سفيان إلى مكانهما وأخذ من بعر بعيرهما ففتَّه فوجد فيه النوى فقال: والله هذه علائفُ يثربَ، فعدل بالعير إلى طريق الساحل، فنجا، وبعث إلى قريش يُعْلِمهم أنه قد نجا هو والعير ويأمرهم أن يرجعوا. وبلغ ذلك قريشاً، فأبى أبو جهل وقال: والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر، ونقيم عليه ثلاثاً، ونشرب الخمر، وتضرب على رؤوسنا القيان، فتهابنا العرب أبداً، فرجع الأخنس بن شريق بقومه بني زهرة قاطبة، وقال: إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وقد نجت، ولم يشهد بدراً زهري إلا عَمَّا مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله: والد الزهري، فإنهما شهداها يومئذ وقتلا كافرين.

*****************************
بسبس بن عمرو وعدي بعثهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للاستطلاع على خبر قريش فسمعا جارية تقول لصاحبتها: ألا تقضيني ديني؟ كان عندها دين على صاحبتها. فقالت الأخرى: إنما تقدم العير غداً أو بعد غد فأعمل لهم وأقضيك.فصدَّقها مجدي بن عمرو.، أي قال لها: صدقت أنه سيأتي العير غدًا أو بعد غدًا. وما عرف مجدي الصحابيين، وهذا من حكمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث من صحابته من ليس بمشهورين عند الناس.
(فانطلقا مقبلين لما سمعا)
انطلقا مقبلين لما سمعا أن القافلة قادمة.
(فانطلق أبو سفيان إلى مكانهما وأخذ من بعر بعيرهما ففتَّه فوجد فيه النوى فقال: والله هذه علائف يثرب)
وهذا من خبرة أبي سفيان، ومعرفته. وقد أسلم رضي الله عنه عام الفتح. وقد تخوَّف أبوسفيان أن يأتي من جهة بدرٍفعدل بالعير إلى طريق أخرى، فنجا بقافلته فأرسل إلى قريش ليعلمهم بالخبر أنه قد نجا وأمرَهم أن يرجعوا، فهمُّوا بالرجوع إلا أن أبا جهل رفض ذلك وأبى إلا القدوم بمن معه إلى قتال المسلمين ببدر زَيَّنَ له الشيطان أنَّه سيكون لهم النصر، وأنه سيكون لهم الهيبة عند العرب.
أما الأخنس بن شريق فلم يقبل رأيَ أبي جهل ورجع بقومه بني زهرة قاطبة. ولما وقعت المعركة وكان فيها حصاد الكافرين والنصرة للمسلمين استعظم بنو زهرة رأي الأخنس بن شريق، ورأوا له مكانته العظيمة.
*****************************
فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً إلى ماء بدر، ونزل على أدنى ماء هناك، فقال له الحباب بن المنذر بن عمرو: يا رسول الله، هذا المنزل الذي نزلته أمرك الله به؟ أو منزل نزلته للحرب والمكيدِة؟ قال: «بل منزل نزلته للحرب والمكيدة». فقال: ليس هذا بمنزل، فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من مياه القوم فننزله، ونُغَوِّرُ ما وراءنا من القُلُب، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه، فنشرب ولا يشربون. فاستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ذلك.
وحال الله بين قريش وبين الماء بمطرٍ عظيم أرسله، وكان نقمةً على الكفار ونعمةً على المسلمين، مهَّد لهم الأرضَ ولبَّدَها، وبُنِيَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشٌ يكون فيه. ومشى صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة، وجعل يريهم مصارعَ رؤوسِ القوم واحداً واحداً، ويقول: «هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله، وهذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان». قال عبد الله بن مسعود: فوالذي بعثه بالحق ما أخطأ واحد منهم موضعه الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي إلى جَذْمِ شجرة هناك، وكانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان، فلما أصبح وأقبلت قريش في كتائبها، قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم هذه قريش قد أقبلت في فخرها وخيلائها، تحادُّك وتحادُّ رسولك». ورام الحكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش فلا يكون قتال، فأبى ذلك أبو جهل، وتقاول هو وعتبة، وأمر أبو جهل أخا عمرو بن الحضرمي أن يطلب دم أخيه عمرو، فكشف عن استه وصرخ: واعَمراه! واعَمراه! فحمي القوم ونشبت الحرب.

*****************************
(فقال له الحباب بن المنذر بن عمرو: يا رسول الله، هذا المنزل الذي نزلته أمرك الله به؟ أو منزل نزلته للحرب والمكيدة؟.. فاستحسن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منه ذلك)
هذه القصة في سيرة ابن إسحاق وليس لها سندقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ كما في السيرة لابن هشام (2/192): فحُدثت عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلمة، أَنَّهُمْ ذَكَرُوا: أَنَّ الحُباب بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الجَموح ...
(ونُغَوِّرُ ما وراءَنا من القُلُب)في نسخة من الفصول ط مكتبة الهدي المحمدي(ونعور ) بالعين المهملة قال القاري في شرح الشفا (2/ 339) القُلُب : بضمتين جمع قليب وهو البئر ونعور بتشديد الواو المكسورة بعد عين مهملة وقيل معجمة فعلى الأول أي نفسدها عليهم وعلى الثاني نذهبها في الأرض وندفنها لئلا يقروا على الانتفاع بها وفي رواية السهيلي بضم العين المهملة وسكون الواو وهي لغة فيها .اهـ.
(قال عبد الله بن مسعود: فوالذي بعثه بالحق ما أخطأ واحد منهم موضعه الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم)
ما أخطأ: أي تجاوز.
وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر بموضع مصرع صناديد قريش فلم يتجاوز أحد منهم ذلك الموضع فهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذه الغزوة وتقدم معنا (إنكم لتضربونهما إذا صدقا) أيضًا هذا من دلائل النبوة في هذه الغزوة الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لوقوع نفس ما في الأمر.
(وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي إلى جذم شجرة هناك...)
قال الجوهري في الصحاح : الجذم، بالكسر: أصل الشئ، وقد يفتح.
(تلك الليلة) أي: ليلة بدر الليلة التي سيصبح فيها المعركة ولم ينم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الليلة كلها بقي يذكرالله ويدعو حتى أصبح . ثبت في مسند أحمد (1161) عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ، وَمَا مِنَّا إِنْسَانٌ إِلا نَائِمٌ، إِلا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ، وَيَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ» ، وَمَا كَانَ مِنَّا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ. والحديث في الصحيح المسند للوالد رحمه الله.
والذي تقدم معنا في الفصول أنه يوجد فارسان في غزوة بدر الزبير والمقداد .
وقيل ثلاثة أفراس قال الزرقاني المالكي في شرح المواهب اللُّدَنية (2/ 260): وأجيب بحمل النفي على بعض الأحوال دون الباقي، لكن في التقريب للحافظ: لم يثبت أنه شهدها فارس غير المقداد.
وقال أبوالفرج الحلَبي في السيرة الحلبية (2/ 205) أقول: يجوز أن يكون المراد لم يقاتل يوم بدر فارسا إلا المقداد وغيره ممن له فرس قاتل راجِلا ..
ونستفيد من هذا أهمية الدعاء والذكر والتضرع إلى الله في الغزو، قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال:45]. وهذا من أسباب النصر على الأعداء الدعاء، والذكر، وكذلك الصلاة قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:153]. وكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. فالصلاة شأنها عظيم في التثبيت في دفع الضر وجلب الخير وهكذا الدعاء.
(ورام الحكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش فلا يكون قتال)
(ورام) أي: أراد. (أن يرجعا) أي: قبل المعركة تخوُّفًا من القتال فأبى أبو جهل وتقاوَل هو وعتبة أي بالكلام والخصام وأصرَّ على المُضِي وحرَّض أخا عمرو بن الحضرمي أن يطلب الثأرَ لأخيه.

(فكشف عن استه وصرَخ: واعمراه! واعمراه)

أي: كشف عن عورته. وهذا موقف آخر لأبي جهل لأنه من الذين سيُقتلون ببدركما أخبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتقدم أنه لمَّا مضت قافلة أبي سفيان أمرهم أبو سفيان بالرجوع فأبى أبو جهل إلا القدوم، وهنا ليلة بدر أراد حكيم بن حزام الرجوع هو وعتبة بن ربيعة وأصر أبو جهل على البقاء وحرض أخا عمرو بن الحضرمي على طلب الثأر لأخيه وتفاعل المشركون ونشِبت الحرب .
وحكيم بن حزام كان مشركًا ثم أسلم بعد ذلك، أما عتبة بن ربيعة فمات على الكفر، وقد قتِل في هذه الغزوة .










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-03, 07:39   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

]*****************************
وعدَّل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصفوف، ثم رجع إلى العريش هو وأبو بكر وحده، وقام سعد بن معاذ وقوم من الأنصار على باب العريش يحمُون رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عتبةُ بن ربيعة، وشيبةُ بن ربيعة، والوليدُ بن عتبة، ثلاثتهم جميعاً يطلبون البراز، فخرج إليهم من المسلمين ثلاثة من الأنصار، وهم: عوف ومعوذ ابنا عفراء، وعبد الله بن رواحة، فقالوا لهم: من أنتم؟ فقالوا: من الأنصار، فقالوا: أكْفَاءٌ كرامٌ وإنما نريد بني عمِنا، فبرز لهم علي وعبيدة بن الحارث وحمزة رضي الله عنهم، فقتل عليٌّ الوليد، وقتل حمزةُ عتبة، وقيل: شيبة، واختلفَ عبيدة وقِرْنُه بضربتين، فأَجهدَ كلٌّ منهما صاحبه، فكرَّ حمزة وعلي فتمَّما عليه واحتملا عبيدةَ وقد قٌطعت رجله، فلم يزل طَمِثاً حتى مات بالصفراء رحمه الله تعالى ورضي عنه.
وفي الصحيح أن علياً رضي الله عنه كان يتأوَّل قوله تعالى: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ [الحج:19]. في بِرازِهم يوم بدر، ولا شك أن هذه الآية في سورة الحج، وهي مكيةٌ، ووقعة بدر بعد ذلك، إلا أن بِرازَهم من أَوَّلِ ما دخل في معنى الآية.

*****************************
قبلَ القتال عدَّل رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صفوف المسلمين ورتَّبها ووعظهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورغَّبهم في الغزو.
أخرج مسلم في صحيحه (1901) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وفيه قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ»، قَالَ: - يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: - يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ: بَخٍ بَخٍ؟» قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: «فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا»، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ .
وهذا من فضائل عمير بن الحمام، وهذا موقف الصحابة كلهم رضي الله عنهم المسابقة إلى الجنة، ورغبتهم في الآخرة.
(وخرج عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، ثلاثتهم جميعاً يطلبون البِراز، فخرج إليهم من المسلمين ثلاثة من الأنصار، وهم: عوف ومعوذ ابنا عفراء، وعبد الله بن رواحة).
(يطلبون البِراز ) قال الجوهري في الصحاح : البِرازُ: المُبارَزَةُ في الحرب. والبِرازُ أيضاً: كنايةٌ عن ثُفْلِ الغِذاء، وهو الغائِط.اهـ .
هذه هي المبارزة في غزوة بدر، وطلبَ المبارزة هؤلاء الثلاثة: عتبة وشيبة والوليد بن عتبة. فخرج من المسلمين من الأنصار ثلاثة وهم عوف ومعوذ وعبد الله بن رواحة .
(فقالوا: أكفاء كرام وإنما نريد بني عمنا)
يريدون من قريش .
(فبرز لهم علي وعبيدة بن الحارث وحمزة رضي الله عنهم)
من خيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(فقتَل عليٌّ الوليد)
الوليد بن عتبة.
(وقتل حمزةُ عتبةَ، وقيل: شيبة)
يعني مختلف في ذلك هل قتل حمزةُ عتبةَ أم قتلَ شيبة .
(واختلف عبيدةُ وقِرْنُه بضر بتين)
القِرْن: قال ابن الأثير رحمه الله في النهاية : القِرْن بِالْكَسْرِ: الكُفْء والنَّظير فِي الشَّجاعة والحَرْب، ويُجْمَع عَلَى: أَقْران.
والأكثر أن شيبةَ برزَ له عبيدةُ بن الحارث رضي الله عنه .
قال الحافظ ابنُ حجر في فتح الباري (3970)أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ تَقَدَّمَ عُتْبَةُ وَتَبِعَهُ ابْنُهُ وَأَخُوهُ فَانْتَدَبَ لَهُ شَبَابٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيكُمْ إِنَّمَا أَرَدْنَا بَنِي عَمِّنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ يَا حَمْزَةُ قُمْ يَا عَلِيُّ قُمْ يَا عُبَيْدَةُ فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ إِلَى عُتْبَةَ وَأَقْبَلْتُ إِلَى شَيْبَةَ وَاخْتُلِفَ بَيْنَ عُبَيْدَةَ وَالْوَلِيدِ ضَرْبَتَانِ فَأَثْخَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ مِلْنَا عَلَى الْوَلِيدِ فَقَتَلْنَاهُ وَاحْتَمَلْنَا عُبَيْدَةَ .
قلت : وهذ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ لَكِنَّ الَّذِي فِي السِّيَرِ مِنْ أَنَّ الَّذِي بَارَزَهُ عَلِيٌّ هُوَ الْوَلِيدُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ اللَّائِقُ بِالْمَقَامِ لِأَنَّ عُبَيْدَةَ وَشَيْبَةَ كَانَا شَيْخَيْنِ كَعُتْبَةَ وَحَمْزَةَ بِخِلَافِ عَلِيٍّ وَالْوَلِيدِ فَكَانَا شَابَّيْنِ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ أَعَنْتُ أَنَا وَحَمْزَةُ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ فَلَمْ يَعِبِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ . اهـ .
فهؤلاء ثلاثة : شيبة وعتبة أخوان ، وولد عتبة وهو الوليد قتلوا في غزوة بدرٍ .
(فكرَّ حمزة وعلي فتمَّما عليه واحتملا عبيدة وقد قُطعت رجله، فلم يزل طمثاً حتى مات بالصفراء رحمه الله تعالى ورضي عنه)

(فتمما عليه) يعني: أجهزا قتله. وعبيدة بن الحارث رضي الله عنه قطعت رجله فلم يزل (طمثاً) أي: فاسدًا . يراجع تاج العروس.
وهذه المبارزة أول مبارزة وقعت في الإسلام كما في فتح الباري (3970).
*****************************
ثم حمي الوطيس، واشتد القتال، ونزل النصر، واجتهد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء، وابتهل ابتهالاً شديداً، حتى جعل رداؤُه يسقط عن منكبيه، وجعل أبو بكر يصلحه عليه ويقول: يا رسول الله، بعضَ مناشدتك ربك، فإنه منجزٌ لك ما وعدك. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» فذلك قوله تعالى {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} ثم أغفَى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءةً، ثم رفع رأسه وهو يقول: «أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع» .
*****************************
هنا بيان أنه لما اشتد القتال بين المسلمين والمشركين اجتهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الدعاء، وكان مما قال: «اللهم إن تهلِك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» وفي هذا الحديث النبوي دليلٌ على أن الخضر نبي الله قد مات؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (إن تهلك هذه العصابة) . وهناك قولٌ أن الخضر لم يمت. وهذا الحديث يردُّ ذلك ،مع أيضا عمومات في المسألة .
(أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءةً)
(أغفى) الإغفاء هو النوم الخفيف . يراجع النهاية .
وفي هذه الغزوة ألقى الله عز وجل على المسلمين النعاس رحمةً بهم، فإنه يدل على طمأنينة وراحة نفسية قال سبحانه: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال:11]. فغشيهم النعاسُ في غزوة بدر ، وأنزل الله عز وجل من السماء ماءً تطهيرًا لهم وشدًّا لقلوبهم وتثبيتًا لأقدامهم.
(أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع)
النقع: وهو الغبار.
*****************************
وكان الشيطان قد تبدَّى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم زعيم مدلِج، فأجارهم، وزيَّن لهم الذهاب إلى ما هم فيه، وذلك أنهم خشُوا بني مدلج أن يخلفوهم في أهاليهم وأموالهم، فذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ﴾ [الأنفال:48]. وذلك أنه رأى الملائكة حين نزلت للقتال، ورأى ما لا قِبَل له به، ففرَّ وقاتلت الملائكة كما أمرها الله، وكان الرجل من المسلمين يطلب قِرْنه، فإذا به قد سقط أمامَه.
*****************************
وهذا من تزيين الشيطان لأهل الباطل جاءهم وظهر لهم على صورة سراقة بن مالك بن جعشم زعيم مدلج أي: سيد مدلج. فإن قريشا خافت على نسائها وأموالها من بني مدلج لخلافٍ كان بينهم، فجاءهم الشيطان في صورة سراقة ليطمئنُّوا، ثم هرب لما اشتد القتال ﴿فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ هرب وتبرأ منهم وهذا من كيد الشيطان، يسعى جادًّا في الحث على الباطل وعلى الوقوع في المحرم وعلى مالا ينبغي ثم يترك من أغواه وشأنه ،كما أنه في الآخرة يتبرَّأُ ممن أطاعه .
وللمقداد بن الأسود رضي الله عنه قصة في وسوسة الشيطان له على شرب نصيب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من اللبن ثم تأنِيبُه على شُرْبِهِ .والحديث في صحيح مسلم (2055) عَنِ الْمِقْدَادِ، وفيه فَأَتَانِي الشَّيْطَانُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ شَرِبْتُ نَصِيبِي، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ يَأْتِي الْأَنْصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ، وَيُصِيبُ عِنْدَهُمْ مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَى هَذِهِ الْجُرْعَةِ، فَأَتَيْتُهَا فَشَرِبْتُهَا، فَلَمَّا أَنْ وَغَلَتْ فِي بَطْنِي، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَيْهَا سَبِيلٌ، قَالَ: نَدَّمَنِي الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، مَا صَنَعْتَ أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ، فَيَجِيءُ فَلَا يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيْكَ فَتَهْلِكُ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ، وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَيَّ خَرَجَ رَأْسِي، وَإِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِي خَرَجَ قَدَمَايَ، وَجَعَلَ لَا يَجِيئُنِي النَّوْمُ ) الحديث .
فهذه عادة الشيطان الحث على المخالفة، وأن الفعل هو عين الصواب، فإذا وقع فيه ندَّمه وأنَّبَه لماذا فعلت؟ هذا لا يجوز، أو هذا لا يليق ، ليس حبًا في الخير، ولكنه من كيد الشيطان، ومن مكره، وخداعه وخُبثه ، أنه في أول الأمر يحث ويحرِّض وبعد الوقوع فيه يُحَزِّن ويُؤَنِّب على أن الفعل خطاٌ ، ولا مفر ولا عصمة لنا منه إلا بذكر الله عز وجل .
(وقاتلت الملائكة كما أمرها الله، وكان الرجل من المسلمين يطلب قِرْنَه، فإذا به قد سقط أمامَه).
بمَدَدٍ من الله سبحانه لا يطلب المسلمُ واحدًا من المشركين إلا ويسقط قبل أن يصل إليه؛ لأن الملائكة جنود من جنود الرحمن نزلوا في غزوة بدر تأييدًا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونصرة للدين مع أن المسلمين كانوا قلة لكن هذا من رحمة الله عز وجل قال الله: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)﴾ [آل عمران].
(أَذِلَّةٌ) أي: قلة. (إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ) أي: بشارة لكم. (وما النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ): لا بكثرة عَدَدٍ ولا عُدَدٍ .
وأخرج مسلم في صحيحه (1763) الحديث وفيه: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ».
*****************************
منح الله المسلمين أكتاف المشركين، فكان أول من فرَّ منهم خالد بن الأعلم فأُدرك فأُسر، وتبعهم المسلمون في آثارهم، يقتلون ويأسرون، فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين، وأخذوا غنائمهم. فكان من جملة من قُتل من المشركين ممن سمَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم موضعَه بالأمس: أبو جهل، وهو أبو الحكم عمرو بن هشام لعنه الله، قتله معاذ بن عمرو بن الجموح، ومُعَوِّذ بن عفراء، وتمَّم عليه عبد الله مسعود، فاحتزَّ رأسه وأتى به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فسُرَّ بذلك.
وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، فأمر بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فسُحبوا إلى القليب، ثم وقف عليهم ليلاً، فبكَّتهم وقرَّعهم، وقال: «بئس عشيرةُ النبي كنتم لنبيكم، كذَّبتموني وصدَّقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس ـ وأخرجتموني وآواني الناس» .

*****************************
هذه هزيمة عظيمة للمشركين انهزموا، وفرُّوا، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون.
(فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين، وأخذوا غنائمهم)
هذا عدد قتلى المشركين يوم بدر وعدد أسرى المشركين يوم بدر.
(فكان من جملة من قتل من المشركين ممن سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعه بالأمس)
بعد أن ذكررحمه الله أنه قُتل من المشركين سبعون ذكر هنا عددًا ممن قُتل .
أبو جهل قُتل في موضعه ومصرعه الذي كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أخبر أنه سيُقتل فيه.
(أبو جهل وهو أبو الحكم عمرو بن هشام لعنه الله، قتله معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعوذ بن عفراء، وتمَّم عليه عبد الله مسعود، فاحتزَّ رأسه وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسُر بذلك)
(أبو جهل وهو أبو الحكم) كانوا يكنونه أبا الحكم وكناه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا جهل.
(احتزَّ) أي: قطع.
وقصةُ قتل أبي جهل في البخاري (3141) ومسلم(1752) عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: " بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلاَمَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ - حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا - فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ، قُلْتُ: أَلاَ إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟» ، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟» ، قَالاَ: لاَ، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: «كِلاَكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ» ، وَكَانَا مُعَاذَ ابْن عَفْرَاءَ، وَمُعَاذ بْن عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ " .
وهذا دليلٌ أن الذي أثخن قتل أبي جهلٍ هو معاذ بن عمرو بن الجموح لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضى بالسلَبِ له ،ومعاذ بن عفراء شاركه في قتل أبي جهلٍ .
وظاهرروايةُ الصحيحين يخالف ما ذكره ابنُ كثيرأن الذي قتل أباجهل معاذُ بن عمرو ومعوِّذ ابن عفراء ففيه (وَكَانَا مُعَاذَ ابْن عَفْرَاءَ، وَمُعَاذَ بْن عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ) .
قال الحافظ في فتح الباري (3964) :يُحْتَمَلُ أَنْ يكون معَاذ بن عَفْرَاءَ شَدَّ عَلَيْهِ مَعَ مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُعَوِّذٌ حَتَّى أثْبته ثمَّ حزَّ رَأسَه ابنُ مَسْعُودٍ فَتُجْمَعُ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا .اهـ.
وفي البخاري(3963) ومسلم (1800) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ» . فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، فَقَالَ: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ أَوْ قَالَ: قَتَلْتُمُوهُ .
في هذه الرواية جعلهما ابنين لعفراء قال الحافظ في فتح الباري (3964) وعفراء والدة معاذ واسم أبيه الحارث وأما ابن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء ثم ذكر أنه إنما أُطلق عليه –أي أُطلِق على معاذ بن عمرو- تغليبا وذكر بعض الاحتمالات الأُخرى .
و لما فرَّ المشركون مهزومِين، وبردت الحرب، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من ينظر لنا أبو جهل .روى البخاري(3962) ومسلم (1800) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ» . فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ، قَالَ: أَأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ .
يقولُ ابن مسعودٍ (أَأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟)قال الحافظ : وَخَاطَبَهُ بِذَلِكَ مُقَرِّعًا لَهُ وَمُتَشَفِّيًا مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ أَشَدَّ الْأَذَى .اهـ.
وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ كما في السيرة لابن هشام(1/ 636) : وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ:قَالَ لِي: لَقَدْ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعَ الْغَنَمِ قَالَ: ثمَّ احتززت رَأْسَهُ ثُمَّ جِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث .
وهذا فيه من لم يُسَمَّ فإسناده ضعيف .
ومن الذين قُتلوا في غزوة بدرٍعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف.
وهؤلاء كلهم من رؤساء كفارقريش وهم الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين تمالئوا عليه وكان يصلي فانبعث أشقاهم وهو عقبة بن أبي معيط ووضع السَّلَى على ظهر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلي فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ» الحديث.
وقد قتلوا في بدر شر قِتْلَة .
و أمية بن خلف، قد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أنه سيقتله كما في صحيح البخاري (3632)وفيه دليلٌ من دلائل النبوة أخبر أنه سيقتلُ أميةَ بن خلف فقُتِلَ في غزوة بدرٍ .
ولما رآه بلال بن رباح رضي الله عنه في غزوة بدر قَالَ: «لاَ نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ» رواه البخاري (3971).
*****************************
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرْصة ثلاثاً.
ثم ارتحل بالأُسارى والمغانم، وقد جعل عليها عبد الله بن كعب بن عمرو النجاري. وأنزل الله في غزوة بدر سورة الأنفال، فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قسم المغانم كما أمره الله تعالى، وأمر بالنضر بن الحارث فضُربت عنقه صبْراً، وذلك لكثرة فساده وأذاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرثَتْه أخته، وقيل ابنته قتيلة بقصيدة مشهورة ذكرها ابن هشام، فلما بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما زعموا: «لو سمعتُها قبل أن أقتله لم أقتله» .
ولما نزل عِرْقَ الظُّبْية أمر بعقبة بن أبي معيط فضربت عنقه أيضاً صبراً.

*****************************
(بالعرْصة ثلاثا) أي: ساحة بدر .
بعد أن انصرف المشركون وبردت الحرب أقام صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ساحة بدر ثلاثة أيام ثم رجع إلى المدينة .
وهذا كان يفعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا ظَهَرَ وانتصَرَ على قومٍ .
كما في صحيح البخاري(3065)عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ».
قال الحافظ ابن حجر : قَالَ الْمُهَلَّبُ حِكْمَةُ الْإِقَامَةِ لِإِرَاحَةِ الظَّهْرِ وَالْأَنْفُسِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ إِذَا كَانَ فِي أَمْنٍ مِنْ عَدُوٍّ وَطَارِقٍ .وَقَالَ ابن الْجَوْزِيِّ إِنَّمَا كَانَ يُقِيمُ لِيُظْهِرَ تَأْثِيرَ الْغَلَبَةِ وَتَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ وَقِلَّةَ الِاحْتِفَالِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ مَنْ كَانَتْ فِيهِ قُوَّةٌ مِنْكُمْ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْنَا وَقَالَ ابن الْمُنَيِّرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ تَقَعَ ضِيَافَةُ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْمَعَاصِي بِإِيقَاعِ الطَّاعَةِ فِيهَا بِذِكْرِ اللَّهِ وَإِظْهَارِ شِعَارِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الضِّيَافَةِ نَاسَبَ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا لِأَنَّ الضِّيَافَةَ ثَلَاثَةٌ .اهـ .
و قبل الخروج من بدرٍ ألقيَتْ جيفُهم في بئرٍ لئلا يتأذى بنتنهم الناس أخرج الإمامُ مسلم (2874) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ، فَقَالَ: «يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا» فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا» ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ .
و فيه أنه لم يخرج صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بدرٍ حتى وبَّخَ وقرَّع قتلى كفار قريش . وأخرج البخاري(3976) عن أبي طلحة الحديث وفيه : فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ اليَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: «يَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ، وَيَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟» قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لاَ أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» .
(وأنزل الله في غزوة بدر سورة الأنفال)
وهذه فائدة أن سورة الأنفال نزلت في وقعة بدر وهذا ثابت في صحيح البخاري (4645) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سُورَةُ الأَنْفَالِ، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ».
وههنا بعضُ الأمور التي كانت في أثناء رجوع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غزوة بدرٍ .
ولما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصفراء قسم المغانم كما أمر الله تعالى في قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنفال:41].
(وأمر بالنضر بن الحارث فضُربت عنقُه صَبراً)
الصبر: قال ابنُ الأثير في النهاية : هُوَ أَنْ يُمسَك شيءٌ من ذوات الرُّوح حيَّا ثم يُرْمى بِشَيْءٍ حَتَّى يَمُوتَ.
وهذا من أشدِّ أنواع التعذيب لأنه قد تتأخر وفاتُه .
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند ارتحاله من بدر إلى المدينة كان النضر بن الحارث وعقبة ابنُ أبي معيط ممن حُمِلَ أَسيرا وفي الطريق أَمر بضرب عنُقِهما أمر بضرب عنق النضر بن الحارث وقدكان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وللصحابة فأمربه فضربت عنقه صبرًا.
ولما نزل عرق الظُّبية وعِرْقُ الظُّبْيَة بِضَمِّ الظَّاءِ موضعٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أميالِ مِنَ الرَّوحَاء، بِهِ مَسْجدٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في النهاية.
أمربضرب عنق عقبة بن أبي معيط، وعقبة بن أبي معيط كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو الذي انبعث ووضع السَّلَى على ظهر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاء التصريحُ باسمه في صحيح مسلم (1794)عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَا جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ الحديث .وهو عند البخاري لكن من دون ذكر مَن فعل ذلك .
ومرةً خنقَ رسولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خنقا شديدا وهو يصلي أخرج البخاري في صحيحه (3678،3856،4815) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ المُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، " فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ، فَقَالَ:﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [غافر: 28].
قال الحافظ ابنُ كثير رحمه الله في البداية والنهاية (3/ 306 )قُلْتُ: كَانَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّهِ وَأَكْثَرِهِمْ كُفْرًا وَعِنَادًا وَبَغْيًا وَحَسَدًا وَهِجَاءً لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ لَعَنَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ فَعَلَ.اهـ .
*****************************
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه في الأسارى: ماذا يصنع بهم؟ فأشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن يُقتلوا، وأشار أبو بكر رضي الله عنه بالفِداء، وهوِي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، فحلَّلَ لهم ذلك وعاتب الله في ذلك بعض المعاتبة في قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾الآيات.
وقد روى مسلم في صحيحه «عن ابن عباس رضي الله عنهما حديثاً طويلاً فيه بيان هذا كله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أربعمائة أربعمائة» .
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مؤَيَداً مظَفَّراً منصُوراً، قد أعلى الله كلمته، ومكَّن له، وأعزَّ نصره، فأسلم حينئذ بشرٌ كثيرٌ من أهل المدينة .
ومن ثَمَّ دخل عبد الله بن أبي بن سلول وجماعتُه من المنافقين في الدين تقية.

*****************************
وبعد ذلك استشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه في الأسارى ماذا يفعل بهم، والأسارى سبعون موثقون إلا أنه قد قُتل منهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط أثناء الرجوع إلى المدينة. فاستشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه ماذا يصنع بهم .
روى الإمامُ مسلم في صحيحه (1763) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟» قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمِ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الأنفال: 67] إِلَى قَوْلِهِ ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ [الأنفال: 69] فَأَحَلَّ اللهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ .
وكان اختيار الفداء رحمةً ورغبة في الخير فإنهم قد يسلمون وينصرون الإسلام فبعد ذلك أنزل الله عز وجل القرآن عتابًا، فقال سبحانه: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال:67]. وكان الله سبحانه وتعالى يريد إثْخانَ الأعداء بالقتل ولهذا أنزل العتاب .
وفي غزوة أُحُدٍ قال سبحانه { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } مثليها أي في غزوة بدرٍ قُتِل من المشركين سبعون وأُسِر سبعون . وسيأتي إن شاءالله في غزوة أُحُدٍ
وكان من جملة من فدى نفسَه العباس بن عبد المطلب فإنه كان من الأسارى.
وثبت في صحيح البخاري (3048) عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رِجَالًا مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: «لاَ تَدَعُونَ مِنْهَا دِرْهَمًا» .
ففدى العباسُ نفسَه وفدى عقيلَ ابن أبي طالب وهذا في صحيح البخاري (421) معلقا .لكن قد وصله أبونعيم في مستخرجه والحاكم في مستدركه كما فتح الباري . قال الحافظ وكانَ عقيلٌ أُسِر مع عمه العباس في غزوة بدرٍ .
وجاء جماعةٌ من المشركين يطلبون فداء أُسارى بدرٍ منهم جبير بن مطعم وحديثه في البخاري (3050) .
ولم ينسَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم الجميل للمطعم بن عدي والد جبير ثبت في صحيح البخاري (3139)عن جبير بن مطعم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ».وذلك لأن المطعم بن عدي أجار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي جعله في جواره لما رجع من الطائف فدخل صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أمان كافر.
وأيضا كان له يدٌ في نقض الصحيفة وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كريما يكافئ المعروف بالمعروف والجميل بالجميل فأراد لو كان المطعم حيا لأَطلَقَ الأسارى من أجله من غير فداءٍ، وهذا من حفظه للمعروف حتى مع الأعداء .وقد تقدم هذا في أوائل البِعْثةِ النبوية من الفصول .
وقد قيل هذا وقيل هذا قيل : السبب هو الجُوار وقيل : السبب نقض الصحيفة قال الزرقاني رحمه الله في شرحه على المواهب اللُّدنية(2/67) ولا مانع أنه لكليهما .قال :وسماهم نتنى لكفرهم؛ كما في النهاية وغيرها. قال :وهذا من شيمه صلى الله عليه وسلم الكريمة تذكَّر وقت النصر والظفَر للمطعم هذا الجميل .اهـ .

(ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مؤيَّداً مظفَّراً منصُوراً)

غزوة بدر الكبرى فيها نصر الله دينه وأعلى كلمته وأذل الكفر وأهله .
(ومن ثمَّ دخل عبد الله بن أبي بن سلول وجماعته من المنافقين في الدين تقية)
أي: بعد وقعة بدر الكبرى دخل عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه في الدين تقية، أسلموا في الظاهر تقية خوفًا على أنفسهم، وأموالهم، وأولادهم، ونسائهم. وقد تقدم معنا أنه أول ما ظهر النفاق بعد غزوة بدر.
*****************************
فصل ـ عدة أهل بدر
وجملة من حضر بدراً من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً: من المهاجرين ستة وثمانون رجلا، ومن الأوس أحد وستون رجلاً ومن الخزرج مائة وسبعون رجلاً. وإنما قل عدد رجال الأوس عن عدد الخزرج وإن كانوا أشد منهم وأصبر عند اللقاء، لأن منازلهم كانت في عوالي المدينة فلما ندبوا للخروج تيسر ذلك على الخزرج لقرب منازلهم.
وقد اختلف أئمة المغازي والسير في أهل بدر: في عدتهم، وفي تسمية بعضهم، اختلافاً كثيراً، وقد ذكرهم الزهري، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحق بن يسار، ومحمد بن عمر الواقدي، وسعيد بن يحيى الأموي في مغازيه، والبخاري، وغير واحد من المتقدمين، وقد سردهم ـ كما ذكرتهم ـ ابن حزم في كتاب السيرة له، وزعم أن ثمانية منهم لم يشهدوا بدراً بأنفسهم وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسهمهم، فذكر منهم: عثمان وطلحة وسعيد بن زيد. ومن أجَلِّ من اعتنى بذلك من المتأخرين الشيخ الإمام الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي رحمه الله تعالى، فأفرد لهم جزءاً وضمَّنه في أحكامه أيضاً. وأما المشركون فكانت عدتهم كما قال صلى الله عليه وسلم ما بين التسعمائة إلى الألف. وقُتل من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلاً: ستة من المهاجرين، وستة من الخزرج، واثنان من الأوس. وكان أول قتيل يومئذ مِهْجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل رجل من الأنصار اسمه حارثة بن سراقة. وقتل من المشركين سبعون، وقيل: أقل، وأسر منهم مثل ذلك أيضاً. وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن بدرٍ والأسرى في شوال
.
*****************************
في هذا الفصل عدد من حضر بدرا من المسلمين والمشركين.
انتهينا من غزوة بدرٍ الكبرى ونسأل الله البركة.
واستفدنا فوائد عظيمة من هذه الغزوة .
منها :

1- بيان أن المآل للمتقين فكم تكبَّر كفارُ قريش وآذوا وفتنوا وكان مآلهم إلى الذلة وإلى القتل والسبي ثم النار أعاذنا الله منها.
2-إثبات عدة معجزات لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
3-أنه ليس الغلبة والنُّصرةُ بالكثرة وقد قال تعالى { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }.فعدد المسلمين في غزوة بدرٍ ثلاثمائة وبضعة عشر وعددالمشركين ألف .
4-أن غزوة بدرٍ كانت على غير ميعاد وإنما خرج رسول الله لتلقي عير قريش فجمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد.
5-الخبرة والسياسة في أمر الحروب واستشارة الإمام أصحاب الرأي من أصحابه ووعظهم وتوعيتهم وترغيبهم قبل البدء في القتال .
6-الابتهال والتضرع وكثرة الذكر والدعاء عند الجهاد .
7-فضيلة للأنصار، سعد بن معاذ يقول للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه .
8-فضيلة لعلي وحمزة وعُبيدة رضي الله عنهم وأن مبارزتهم أول مبارزةٍ وقعت في الإسلام .
9-نزولُ المدد الإلهي للجيش وتعزيزهم بالملائكة فكان مِن المشركين مَن يسقط أمام المسلم قبل أن يقتله وهذا من آيات الله .
إلى غير ذلك مما سنذكره إن شاء الله في المختصَر وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل .
[










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-03, 11:25   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
ابو محمد العيد
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية ابو محمد العيد
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-03, 12:26   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
غربي قادة
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-09, 10:38   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو محمد العيد مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غربي قادة مشاهدة المشاركة
اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا محمد و على اله و صحبه اجمعين
وفيكم بارك الله


اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد و على آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم فى العالمين، إنك حميد مجيد









رد مع اقتباس
قديم 2016-02-09, 10:52   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الرابع عشر من / الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه و وسلم 30 من شهر ربيع الثاني 1437.


بسم الله الرحمن الرحيم

فائدة
كان الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله يقول عن فتح الباري: (إنه مكتبة) ويقول: (إنه خزانة علم).
*******************************
قال الحافظ ابنُ كثيرٍ رحمه الله
فصل ــ [غزوة بني سليم]

ثم نهض بنفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم بعد فراغه بسبعة أيام لغزو بني سليم، فمكث ثلاثاً ثم رجع ولم يلق حرباً، وقد كان استعمل على المدينة سباع بن عرفطة وقيل ابن أم مكتوم.


*******************************
ما بين القوسين من العناوين ليس من صنع الحافظ ابن كثير رحمه الله ،الكتاب عبارة عن فصول .
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رجع من غزوة بدر إلى المدينة مكث سبعة أيام، ثم خرج لغزو بني سُليم فمكث ثلاثًا، ثم رجع صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يلق حربًا هذا حاصل غزوة بني سُليم.
*******************************
فصل [غزوة السويق]
ولما رجع أبو سفيان إلى مكة وأوقع الله في أصحابه ببدر بأسَه، نذَر أبو سفيان ألا يمس رأسه بماء حتى يغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج في مائتي راكب، فنزل طرف العريض وبات ليلة واحدة في بني النضير عند سلام بن مشكم، فسقاه وبطن له من خبر الناس، ثم أصبح في أصحابه، وأمر فقطع أصواراً من النخل، وقتل رجلاً من الأنصار وحليفاً له ثم كر راجعاً.
ونَذِر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في طلبه والمسلمون فبلغ قرقرة الكدر، وفاته أبو سفيان والمشركون، وألقوا شيئاً كثيراً من أزوادهم، من السويق، فسميت غزوة السويق، وكانت في ذي الحجة من السنة الثانية للهجرة، ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقد كان استخلف عليها أبا لبابة.

*******************************
هذه الغزوة بعد بدر بشهرين. غزوة بدر في رمضان، وهذه الغزوة في ذي الحجة في السنة الثانية.
وسبب هذه الغزوة أن أبا سفيان خرج في مائتي راكب متحمِّسًا لقتال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ وذلك لما وقع في غزوة بدر من الأسر والقتل في المشركين فخرج أبو سفيان فيمائتي راكب فعلم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخرج لقتاله والمسلمون.
ولما قدم أبو سفيان بات ليلة واحدة في بني النضير. وبنو النضير إحدى طوائف اليهود الثلاث الذين وادعوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وهم بنو النضير، وبنو قريظة، وبنو قينقاع) وهم قبائل كبيرة من اليهود
(فنزل طرف العريض وبات ليلة واحدة في بني النضير عند سلام بن مشكم)
استضاف أبا سفيان سلام بن مشكم اليهودي.
(فسقاه وبطن له من خبر الناس)
(فسقاه) أي: سقاه خمرًا. وبطن له من أسرار الناس.
(أصواراً من النخل، وقتل رجلاً من الأنصار وحليفاً له ثم كر راجعاً)
النخل الصغار، ووجد رجلًا من الأنصار من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وحليفًا له في حرثٍ فقتلهما ثم رجع أبو سفيان.
فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم به، قال: (ونَذِر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في طلبه والمسلمون فبلغ قرقرة الكدر)
(نَذِر به) قال ابن الأثير في النهاية(5/ 39): "ونَذِرْتُ بِهِ، إِذَا علِمت".
فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في طلبه، ثم هربوا وكانوا متزودين بالسويق فتركوا ما معهم ليخف حملهم. ومن ثَمَّ سميت هذه الغزوة غزوة السويق.
السويق: الحنطة والشعير يُحمَّص ثم يطحن هذا يقال له: سويق. يُحمَّص: أي يقلى. حمَّصَهُ: أي قلاه.
ثم رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة وكان استخلف عليها أبا لبابة رضي الله عنه .
وغزوة السويق عندنا في (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم) خاتمة الكلام في وقائع وأمورالسنة الثانية للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم .
ومما كان أيضا في السنة الثانية للهجرة:
1. زواج علي بن أبي طالب بفاطمة كان هذا بعد بدر، والحديث ثابت في الصحيحين .
2. وَتُوفِيَ بَعْدَ وَقْعَةِ بدرٍ بِيَسِيرٍ أَبُو لَهَبٍ عبد العزى بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .
واستفدنا خيرًا كبيرا، والكتاب مختصر؛ ولكنه اشتمل على خير كبير.
3 ومن هذه الأمور التي استفدناها في وقائع وأمور السنة الثانية من الهجرة غزوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غزوة الأبواء، والعشير، بواط، بدر الأولى وغزوة بدر العظمى ،مقتل مجموعة من رؤوس الكفر في غزوة بدرٍ العظمى
، وبعض بعوثات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتحويل القبلة، وفرضية صوم رمضان، وفرضية صدقة الفطر، وعلى قولٍ فرض الزكاة على قول الجمهور.
4. وأيضًا مما ذكروا في السنة الثانية من الهجرة أنه زيد في صلاة الحضر وفي صحيح البخاري (3935)وصحيح مسلم(685) عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ».

*******************************
فصل [غزوة ذي أمَر]
ثم أقام صلى الله عليه وسلم بقية ذي الحجة ثم غزا نجداً يريد غطَفان، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأقام بنجد صفَراً من السنة الثانية كلَّه، ثم رجع ولم يلق حرباً

فصل [غزوة بُحران]
ثم خرج صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر يريد قريشاً، واستخلف ابنَ أُمِّ مكتوم فبلغ بُحْران مَعْدِناً في الحجاز، ثم رجع ولم يلقَ حرباً.

*******************************
من غزوة ذي أَمَرّ نبدأ بعون الله ومشيئته -ولن يُدرَكَ خيرٌ إلا بعونه سبحانه وتوفيقه -في السنة الثالثة من الهجرة النبوية .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (4/3):سنة ثلاث من الهجرة
فِي أَوَّلِهَا كَانَتْ غَزْوَةُ نَجْدٍ وَيُقَالُ لَهَا غَزْوَةُ ذِي أَمَرَّ.اهـ.
هذان فصلان . الفصل الأول في غزوة ذي أَمَر. لما رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غزوة السويق أقام بقية ذي الحجة بالمدينة ثم غزا غطفان، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه أي: جعله نائبًا عنه.
(فأقام بنجد صفراً من السنة الثانية كلَّه)
(كله) تأكيدًا لصفر، أقام شهرًا كاملًا.
ثم رجع ولم يلق حربا .
وغزوة بُحران كانت بعد غزوةِ ذي أمَر وقد كانت غزوة بُحران في ربيع الآخرخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم رجع ولم يلقَ حربا.
*******************************
فصل [غزوة بني قينُقاع]
ونقض بنو قينقاع ـ أحد طوائف اليهود بالمدينة ـ العهد وكانوا تجَّاراً وصاغة، وكانوا نحو السبعمائة مقاتل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم لحصارهم، واستخلف على المدينة بشير بن عبد المنذر، فحاصرهم صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، ونزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم، فشفع فيهم عبد الله بن أبي بن سلول، لأنهم كانوا حلفاء الخزرج، وهو سيد الخزرج، فشفَّعه فيهم بعد ما ألحَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا في طرف المدينة.

*******************************
هذه غزوة بني قينقاع،وقد ذكر الحافظ في فتح الباري أن غزوة بني قينقاع كانت في شوال بعد بدر .اهـ .
وعلى هذا تكون هذه الغزوة في السنة الثانية ،بينما ذكرها ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (4/4)في أوائل السنة الثالثة من الهجرة .
لكن ذكر رحمه الله أنه زعم الواقدي أنها كانت في يوم السبت النصف من شوال سنة ثنتين من الهجرة قال فالله أعلم . اهـ .
وسببُ غزوة بني قريظة نقض بني قينقاع العهد الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقد جاء أن السبب في نقض العهد اعتداؤهم على امرأةٍ من نساء العرب.
قال ابن هشام في السيرة (2/ 47) وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ لَهَا، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا، فَأَبَتْ، فَعَمِدَ الصَّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا، فَلَمَّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا، فَضَحِكُوا بِهَا، فَصَاحَتْ. فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّائِغِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ يَهُودِيًّا، وَشَدَّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ، فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ الشَّرُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ.
وهذا لا يثبت .
أبوعون ذكر المزي رحمه الله في تهذيب الكمال ترجمة عَبد اللَّهِ بن جَعْفَر بن عَبْد الرحمن بن المسور بن مخرمة في سياق شيوخه قال : وأبي عون والد عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبي عَوْنٍ، مولى المسور بْن مخرمة .
وأبوعون نازل لاصحبة له .
وأما عَبدُ اللَّهِ بن جَعْفَر بن عَبْد الرحمن بن المسور فهو ليس به بأس .
ولو صح لكان فيه بيان نوع نقض بني قينقاع للصلح .
وجاء في سنن أبي داود(3001) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ جَمَعَ الْيَهُودَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قُرَيْشًا» ، قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَا يَغُرَّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا أَغْمَارًا، لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ، إِنَّكَ لَوْ قَاتَلْتَنَا لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ، وَأَنَّكَ لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران: 12] قَرَأَ مُصَرِّفٌ إِلَى قَوْلِهِ {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 13] بِبَدْرٍ {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} [آل عمران: 13].
وهذا إسناده ضعيف ، فيه شيخ ابن إسحاق وهو مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مجهول .
وهذا تهديد من اليهود ولو ثبت لكان فيه تصريحٌ من اليهود بنقض الصلح .
وبنو قينقاع هم أول من نقض العهد من الطوائف الثلاثة .قال الحافظ في فتح الباري (4032)فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ مِنَ الْيَهُودِ بَنُو قَيْنُقَاعَ فَحَارَبَهُمْ فِي شَوَّالٍ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ وَأَرَادَ قَتَلَهُمْ فَاسْتَوْهَبَهُمْ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ فَوَهَبَهُمْ لَهُ وَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَذْرِعَاتَ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ بَنُو النَّضِيرِ كَمَا سَيَأْتِي وَكَانَ رَئِيسهُمْ حُيَي بْن أَخَطْبَ ثُمَّ نَقَضَتْ قُرَيْظَةُ كَمَا سَيَأْتِي شَرْحُ حَالِهِمْ بَعْدَ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ .اهـ .

بنو قينقاع لما قاتلهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا سبعمائة مقاتل. فهزمهم الله وقذف في قلوبهم الرعب، وحاصرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حصارًا شديدًا خمسة عشر يوما ، فنزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد حكم بأموالهم غنيمةً للمسلمين و كانوا صاغة وتجارا ، ولهم ذراريهم ونسائهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أراد قتلهم فشفَع فيهم عبدُ الله بن أبي بن سلول رئيس المنافقين شفع في بني قينقاع؛ لأنهم كانوا حلفاء الخزرج وابن أبي سلول خزرجي. وأما بنو النضير، وبنو قريظة فكانوا حلفاء الأوس.وجاء أنه قال ابن أُبَي قال : قَدْ مَنَعُونِي مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إِنِّي وَاللَّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ. قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ لَكَ. ثم ترك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قتلهم ، وأجلاهم من المدينة فخرجوا من ديارهم وحصونهم .
ومن بني قينقاع عبدالله بن سلام تقدم ذكرُ إسلامه في وقائع السنة الأُولى من الهجرة .
*******************************
فصل ـ قتل كعب بن الأشرف
وأما كعب بن الأشرف اليهودي، فإنه كان رجلاً من طيء، وكانت أمُّه من بني النضير، وكان يؤذي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ويشبِّب في أشعاره بنساء المؤمنين، وذهب بعد وقعة بدر إلى مكة وألَّب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين، فندب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى قتله، فقال: من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ فانتدب رجالٌ من الأنصار ثم من الأوس وهم محمد بن مسلمة، وعباد بن بشر بن وَقْش، وأبو نائلة، واسمه سِلكان بن سلامة بن وقش، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة، والحارث بن أوس بن معاذ، وأبو عبس بن جبر، وأذن لهم صلى الله عليه وسلم أن يقولوا ما شاؤوا من كلام يخدعونه به، وليس عليهم فيه جناح، فذهبوا إليه واستنزلوه من أُطُمه ليلاً، وتقدَّموا إليه بكلامٍ موهمٍ للتعريض برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاطمأنَّ إليهم، فلما استمكنوا منه قتلوه لعنه الله وجاؤوا في آخر الليل، وكانت ليلة مقمرةً، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي، فلما انصرف دعا لهم، وكان الحارث بن أوس قد جُرح ببعض سيوف أصحابه، فتفل عليه الصلاة والسلام على جرحه فبرئ من وقته، ثم أصبح اليهود يتكلمون في قتله، فأذِن صلى الله عليه وسلم في قتل اليهود.

*******************************
هذا الفصل في قتل كعب الأشرف اليهودي، وكعب بن الأشرف أبوه من نبهان بطن من طيء وأمه من بني النضير الطائفة المعروفة من قبائل اليهود الكبار.
وبعد إجلاء بني قينقاع بقي بنوالنضيروبنو قريظة .
وكان كعب بن الأشرف شديد الأذى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبعد وقعة بدر ذهب إلى مكة وكان يُرثي قتلى قريش تحريضًا لقريش على مقاتلة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
وكان من أذى كعب بن الأشرف أنه كان يُشَبِّب في أشعاره نساء الصحابة أي: يتغزل قال النووي رحمه الله (16/ 46): "أَمَّا قَوْلُهُ يُشَبِّبُ فَمَعْنَاهُ يَتَغَزَّلُ" .
وقصة قتله في صحيح البخاري (4037) قال: (بَابُ قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ»، فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا، قَالَ: «قُلْ»، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ، قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ، فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ - وحَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ أَوْ: فَقُلْتُ لَهُ: فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ؟ فَقَالَ: أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ - فَقَالَ: نَعَمِ، ارْهَنُونِي، قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ العَرَبِ، قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا، فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ، فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ، هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ - قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي السِّلاَحَ - فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ، وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الحِصْنِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو، قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ، قَالَ: وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ - قِيلَ لِسُفْيَانَ: سَمَّاهُمْ عَمْرٌو؟ قَالَ: سَمَّى بَعْضَهُمْ - قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، وَقَالَ: غَيْرُ عَمْرٍو: أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، وَالحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، فَقَالَ: إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ، فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ، وَقَالَ مَرَّةً: ثُمَّ أُشِمُّكُمْ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ رِيحًا، أَيْ أَطْيَبَ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَ: عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ العَرَبِ وَأَكْمَلُ العَرَبِ، قَالَ عَمْرٌو: فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ: نعَمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ، قَالَ: دُونَكُمْ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ.
وأخرجه مسلم (1801) .

وهذه القصة فيها جواز اغتيال أئمة الكفر ولكن بشرط أمن الفتنة، فلا يفتح باب الثورات والفتن ، و يكون بأمر الأمير
.










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
رسول, شجرة, فصل


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:19

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc