بسم الله الرحمن الرحيم
بعض الأحاديث الواردة في التحنيك
أخرج البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما( أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة . قالت : خرجت و أنا متم [أي قد أتممت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر] فأتيت المدينة فنزلت قباء فولدت بقباء ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضعه في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم حنكه بالتمر ، ثم دعا له فبرَّك عليه ......)
و في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : ( ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه و سلم ، فسماه إبراهيم و حنكه بتمرة . و زاد البخاري :" و دعا له بالبركة و دفعه إلي " ).
فذهب عامة أهل العلم إلى استحباب تحنيك الصبي بعد ولادته ، حتى حكى النووي رحمه الله الاتفاق عليه ، وذهب بعضهم إلى أنه كان خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" التحنيك يكون حين الولادة حتى يكون أول ما يطعم هذا الذي حنك إياه ، ولكن هل هذا مشروع لغير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ فيه خلاف : فمن العلماء من قال : التحنيك خاص بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم للتبرك بريقه عليه الصلاة والسلام ليكون أول ما يصل لمعدة هذا الطفل ريق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الممتزج بالتمر ، ولا يشرع هذا لغيره ، ومنهم من قال : بل يشرع لغيره ؛ لأن المقصود أن يطعم التمر أول ما يطعم ، فمن فعل هذا فإنه لا ينكر عليه ، أي من حنك مولودا حين ولادته فلا حرج عليه ، ومن لم يحنك فقد سلم " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (228 /6)
القول بعدم الخصوصية هو الذي ذهب إليه عامة العلماء
القول بعدم الخصوصية هو الذي ذهب إليه عامة العلماء ، وقد ورد بذلك آثار عن السلف ، خلافاً لما ورد في السؤال ، من أنه لم يثبت ذلك عن أحد من الصحابة والتابعين .
ويدل على أن التحنيك كان معروفاً عند الصحابة ما رواه الإمام أحمد رحمه الله في "مسنده" (11617) حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أن أمّه أُمّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ ، فَوَلَدَتْهُ لَيْلًا ، وَكَرِهَتْ أَنْ تُحَنِّكَهُ حَتَّى يُحَنِّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قال أنس : فَحَمَلْتُهُ غُدْوَةً وَمَعِي تَمَرَاتُ عَجْوَةٍ فَوَجَدْتُهُ يَهْنَأُ أَبَاعِرَ لَهُ أَوْ يَسِمُهَا ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ اللَّيْلَةَ فَكَرِهَتْ أَنْ تُحَنِّكَهُ حَتَّى يُحَنِّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ أَمَعَكَ شَيْءٌ ؟ قُلْتُ تَمَرَاتُ عَجْوَةٍ . فَأَخَذَ بَعْضَهُنَّ فَمَضَغَهُنَّ ثُمَّ جَمَعَ بُزَاقَهُ فَأَوْجَرَهُ إِيَّاهُ ، فَجَعَلَ يَتَلَمَّظُ فَقَالَ : ( حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ ) وهو في البخاري (5470) ومسلم (2144) بنحوه .
فقوله في الحديث : ( وَكَرِهَتْ أَنْ تُحَنِّكَهُ حَتَّى يُحَنِّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) دليل على أن التحنيك كان معروفا عندهم .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" ولد الحسن – يعني البصري - في خلافة عمر بن الخطاب ، وأتى به إليه فدعا له وحنكه " انتهى .
"البداية والنهاية" (9 /303) .
وقال الخلال : أخبرني محمد بن علي قال : سمعت أم ولد أحمد بن حنبل تقول : لما أخذ بي الطلق كان مولاي نائما فقلت له : يا مولاي هو ذا أموت ! فقال : يفرج الله . فما هو إلا أن قال يفرج الله حتى ولدت سعيدا ، فلما ولدته قال : هاتوا ذلك التمر - لتمر كان عندنا من تمر مكة - . فقلت لأم علي : امضغي هذا التمر وحنكيه . ففعلت " .
"تحفة المودود" (ص 33) .
بماذا يحنك المولود
- استحب أهل العلم إذا لم يجد تمرا أن يحنكه برطب ، وإلا فبأي شيء حلو ، وأحلى ذلك العسل .
قال النووي رحمه الله :
" اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر ، فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو ، فيمضغ المحنك التمر حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ، ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها جوفه " انتهى .
" شرح النووي على مسلم " (14 / 122 - 123) .
كيفية التحنيك
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(9 /58 :
" التحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به ، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل ، ويقوى عليه ، وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه ، وأولاه التمر ، فإن لم يتيسر تمر فرطب ، وإلا فشيء حلو ، وعسل النحل أولي من غيره " انتهى .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (10/277) :
" وَيُحَنَّكُ الْمَوْلُودُ بِتَمْرٍ ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ تَمْرٌ فَرُطَبٌ ، وَإِلاَّ فَشَيْءٌ حُلْوٌ ، وَعَسَل نَحْلٍ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ، ثُمَّ مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِمَّا يُفْطِرُ الصَّائِمَ " انتهى باختصار .
- فإذا قرر الأطباء الثقات أن العسل سيضره إذا حنك به حنكه بغيره من الحلو .
حقائق طبية
إن مستوى السكر " الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثاً يكون منخفضاً ، و كلما كان وزن المولود أقل كلما كان مستوى السكر منخفضاً .
و بالتالي فإن المواليد الخداج [وزنهم أقل من 5,2 كجم] يكون منخفضاً جداً بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 20 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم . و أما المواليد أكثر من 5,2 كجم فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام .
و يعتبر هذا المستوى ( 20 أو 30 ملليجرام ) هبوطاً شديداً في مستوى سكر الدم ، و يؤدي ذلك إلى الأعراض الآتية :
1-أن يرفض المولود الرضاعة .
2-ارتخاء العضلات .
3-توقف متكرر في عملية التنفس و حصول ازرقاق الجسم .
4- اختلاجات و نوبات من التشنج .
و قد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة ، و هي :
1-تأخر في النمو .
2-تخلف عقلي .
3-الشلل الدماغي .
4-إصابة السمع أو البصر أو كليهما .
5-نوبات صرع متكررة ( تشنجات ) .
و إذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة ، رغم أن علاجها سهل ميسور و هو إعطاء السكر الجلوكوز مذاباً في الماء إما بالفم أو بواسطة الوريد .
إن قيام الرسول صلى الله عليه و سلم بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة . فالتمر يحتوي على السكر " الجلوكوز " بكميات وافرة وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي " السكروز " إلى سكر أحادي ، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات ، و بالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها .
و بما أن معظم أو كل المواليد يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة ، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها .
إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة و هو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أبو أسامة سمير الجزائري
9محرم 1434الموافق:23 نوفمبر2012
منقول