المحافظة على صلاة الفجر
إنّ صلاة الفجر من أعظم الفرائض قدرًا وشرفًا وأجرًا وفضلاً، كيف لا وقد سمّاها الله: قُرْءانَ الفَجْر، فقال سبحانه وتعالى: أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللّيْلِ وَقُرْءانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ الْفَجْرِ
كَانَ مَشْهُودًا'' الإسراء78، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها ''يعني صلاة الفجر''.
لقد شاء الله عزّ وجلّ أن تكون صلاة الفجر مجتمعًا للملائكة ومحفلاً من محافل الخير والطّاعة والعبادة، لا يحضره إلاّ كلّ طاهر مطهِّر من الأبرار، يستحق أن يكون في ضيافة الرّحمن، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة اللّيل وملائكة النّهار في صلاة الصُّبح''.
فمن فضائلها، أنّها تعدل قيام اللّيل، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن صلَّى العشاء في جماعة فكأنّما قام نصف اللّيل، ومَن صلّى الصُّبح في جماعة فكأنّما صلّى اللّيل كلّه'' رواه مسلم، صحَّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه قال: ''لأن أَشْهد صلاة الصُّبح في جماعة أحبَّ إليَّ من أن أقوم ليلة''. وأنّها نورٌ لصاحبها يوم القيامة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''بشِّر المَشَّائين في الظُلَم إلى المساجد بالنُّور التَّام يوم القيامة'' رواه ابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. كما أنّها أمان وحفظ من الله لعبده، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''مَن صلّى الصُّبح في جماعة فهو في ذِمَّة الله تعالى'' رواه ابن ماجه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه. وهل تعلم أنّ أهل الفجر لهم وعد صادق بأن يَرَوْا ربَّهم عزّ وجلّ؟!، ففي الصّحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''أمَا إنّكم سترون ربَّكُم كما ترون القَمَر لا تضامّون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها فافعلوا''، يعني صلاة العصر والفجر، ثمّ قرأ: ''وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا'' طه.130
ومن فضائل صلاة الفجر، ضمان للجنّة، عن أبي موسى رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''مَن صلّى البُرْدَيْن دَخَل الجنّة'' رواه البخاري ومسلم، والبردان هما الصّبح والعصر. وأنّها وقاية من النّار، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''لَن يَلِج النّار أحد صلّى قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها'' رواه مسلم. يعني: الفجر والعصر.
وقد اعتبر السّلف الصّالح المُتَخَلِّف عن الصلاة نفاق، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ''كنّا إذا فقدنا الرّجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظنّ''. وعن أُبَي بن كعب رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومًا الصُّبح فقال: ''أشاهدٌ فلان؟'' قالوا: لا، قال: ''أشاهد فلان؟'' قالوا: لا، قال: ''إنّ هاتين الصّلاتين أثقل الصّلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموها ولو حَبْوًا على الرَّكْب'' رواه أحمد وأبو داود بسند حسن.
ولقد تعلّقت قلوب السّلف رضي الله عنهم بصلاة الفجر لمّا علموا من جليل فضلها وسوء عاقبة التخلّف عنها، فكانوا أحرص النّاس عليها، قال عبد الله بن مسعود: ''ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلاّ منافق معلوم النِّفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يَتَهَادَى بين الرَّجلين حتّى يقام في الصف''. وكان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يمرّ في الطريق مناديًا: ''الصّلاة، الصّلاة''، يوقظ النّاس لصلاة الفجر، وكان يفعل ذلك كلّ يوم. وكانوا يرون فَوْتَ صلاة الفجر في الجماعة مُصابًا عظيمًا يستحق العزاء. قال حاتم الأصم: فاتتني صلاة الجماعة، فعزّاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزّاني أكثر من عشرة آلاف، لأنّ مصيبة الدِّين أهون عند النّاس من مصيبة الدُّنيا.