درء الأحقاد المتهاوية ونصرة كاتب الوحيّ معاوية -رضي الله عنه-
لأبي معاذ محمد مرابط -سدّده الله-
الحلقة الأولى
المقدّمة :
الحمد لله الذي فطر الأفئدة على حبّ الأصحاب, وأبان عن شأنهم في آي الكتاب,الحمد لله الذي أكرمنا بولائهم, وزيّن قلوبنا بودادهم, نحمده حمد العارفين بأنعمه المتوالية, ومن عظيمها حبّنا لمعاوية, صاحب المفاخر العالية, وإن عادته غربان وكلاب عاوية, ثمّ أصلّي وأسلّم على نبيّ الله وخليله, وعلى آله وجميع أصحابه .ثمّ أمّا بعد :
فإنّ من هداه الله صراطا مستقيما, ورزقه عقلا سليما, ليدرك حقّ الإدراك, أن نصرة أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم, لتعتبر من أعظم الواجبات المحتومة, وأنّ لواء نصرتهم لمن أوكد الألوية التي يجب عقدها
وإنّ كاتب الوحيّ معاوية - رضي الله عنه - ليعتبر من بين أعظم الصحابة - إذا لم نقل أعظمهم – تعرضا لحقد الحاقدين ومكر الماكرين
حيث أن عرضه الشريف, أصبح مرتعا لكل كذّاب ومتروك وضعيف, على مرأى من أهل الإسلام الحنيف, فإلى الله المشتكى.
ونأسف أشد الأسف على ضعف وهزالة الدفاع عن معاوية الصحابي الجليل , في وقت نرى التنافس المتهالك بلغ منتهاه في نصرة أذلّ الخلق , فكم دافع الناس عن أسيادهم وانتصروا, وكم ألّفوا الأسفار في الذبّ عنهم وكم سطّروا, ولكلّ واحد نيّة وقصد في نصرة المتبوع, حتّى ولو كان الدفاع غير مشروع
وأماّ إذّا حلّت المعارك الحارقة, وصاحت سيوف الحق البارقة, وشبّ ضرام الحروب, واستشنع الفرار والهروب, وتعالت السيوف, وتلاقت الصفوف, فساعتئذ يعرف الصادق الموالي, من الكاذب المتواري.
والذي أعتقده جازما أن حملات الزنادقة من الرافضة الأخباث قد غزت أرضنا, ونهشت من أعراض أسيادنا , ونحن نشاهد من غير حراك
فأصبح الطعن في معاوية أمرا مسلّما به ومقبولا عند أكثر الجهلة من أهل الإسلام وخصوصا المفكرين المتنكّرين, والكتبة الكذبة الجاهلين
ولكن العاقل المخلص لا يترك ساحة الجهاد شاغرة, فبغيته الأولى الفوز في الآخرة, وشرفه منوط بشرف الأوائل من الصحب الأفاضل
وعلى هذا القصد, أردت المشاركة بأنامل - بالتقصير - مرتعشة, وأنفاس - بالعلم - غير منتعشة, ليس ذلك إلاّ دفعا لهجمة الصائل, والله قادر على منح الفضائل
وقد رقمت المقال على شكل وقفات مع أهمّ المطاعن التي شغلت خاطري وقتا من الزمن, فنبهت على ضلالها بكلمات يسيرة وتنبيهات سريعة
الوقفة الأولى
مطاعن محمود العقاد في كاتب الوحيّ
إنّ العقّاد معدود عند المفكرين والأدباء – كما يزعمون – من العظماء في هذا العصر, فهو رمز من رموز الأمّة , وشخصية لها مكانتها التي لا تنازع
فلا عجب عندئذ, أن يُجعل من مؤلفاته ومقالاته, قبلة يوجّه إليها الناشئة, ويشاد بها, بل وتكون مقياسا وميزانا لمعرفة الأديب من غيره , والمفكر من نقيضه !
وليس ذلك إلا تحقيقا لما أُخبرنا به في شرعنا عن شأن آخر الزمان, من تولية الجهال شؤون الأمّة, وإبعاد العلماء والصادقين
ولعلّ – متعجّلا- تخنقه مثل هذه المقدّمة فيسأل : لم هذا الكلام عن هذا الكاتب العظيم ؟ فنقول له جوابا : مهلا أخيّ حتّى تعرف برهان ذلك, وحتّى تختبر ولاءك الحقيقي لعظماء الأمّة !
وها أنا ذا أنقل – مضطرّا – كلمات من هذا الأديب المعظّم لا يقبلها سامع في نفسه, وصاحب في خليله , فكيف بها وقد قيلت في كاتب الوحيّ وصهر النبيّ صلى الله عليه وسلم وصاحبه معاوية - رضي الله عنه -
فقد ألّف العقّاد كتابا ضمن سلسلته ( شخصيات إسلامية ) (1) عن معاوية - رضي الله عنه - أسّس مضمونه ومحتواه على عقيدة خبيثة في هذا الصحابي الجليل وكأنها نسجت بأنامل رافضية, مبناها على الحقد وسوء الظن بهذا الوليّ الصالح والصحابي الجليل
فكلّ من جهل قدر هذا الصحابي الجليل ثم قرأ هذا الكتاب, يعلم يقينا أن صاحب هذه الشخصية, المكتوب عنها لا يخرج عن كونه, واحدا من جبابرة التاريخ, وظالما من ظلمة هذه الأمة, ولنأخذ شيئا من كلامه :
- قال محمود العقّاد بعدما قرّر أن معاوية - رضي الله عنه - هو رأس الدولة الأمويّة زبدة الصفحات التالية أن رأس الدولة الأمويّة كان رجلا قديرا ولكنّه لم يكن بالرجل العظيم )
التعليق : أيّ عقل يقبل هذا الكلام ؟ و أيّ نفس تطيب تجاه هذا الهذيان؟
معاوية الذي ذلّت له رقاب ملوك الروم ليس بعظيم؟
ومقصود كلامه هو الذي بيّنه في جلّ كتابه : وهوأن معاوية كان قديرا على التسلّط وقهر الرعيّة, ولم تكن له أيّ عظمة تذكر, ولا فضيلة تشتهر , وإنّ جهلا كهذا لحقيق بصاحبه أن يبغض نفسه من أجله !
وإنّ معاوية رضي الله عنه عظيم عند العظماء, كريم عند الكرام, عزيز عند الأعزّاء, فالأعور لا تستقيم له رؤية طريق
قال مجاهد : ( لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي ) (2)
فهذا قول إمام سيّد من سادات الأمّة, قد شهد لمعاوية بأكثر من العظمة التي يلهج بها العقاد ومن كان على طينته , واللبيب يقول : نعم لو أدركه الأتقياء لقالوا إنه المهدي !!
أما العقاد وسلالته فلا يقولون هذا, بل لعلّه لو أدركه,لكان مع الخوارج الذين خرجوا عليه من أهل الفتن { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
- قال العقّاد في صفحة 547 : ( إلاّ أنّنا مع العلم , بغيرته الدينيّة في شعوره وفعاله, نستطيع أن نعلّل جميع أعماله بعلّة المصلحة الذاتيّة أو مصلحة الأسرة والعشيرة.)
- التعليق : هل يا ترى سيقبل أتباع العقاد وغيره بشيء من هذه الكلمات في متبوعهم, بل هل العقاد كان سيقبل مثل هذا الكلام لو وجّه إليه ؟ وهل سيقبل بأقلّ من هذا في عرضه ؟! طبعا لا ودليله في مثال واحد أسوقه :وهو أنّ بعضا من الصحف تناولت قضية العقّاد مع الكاتب الشاعر شوقي, وطالته ببعض النقد فما كان جوابه يا ترى؟!
قال العقّاد كما نقل عبد اللّطيف شرّارة في كتابه ( معارك أدبية ) ص: 241 بعدما وقف على كلام الصحف ومن كان في ريب من ذلك فليتحققه من تتابُع المدح لشوقي, ممن لا يمدح الناس إلا مأجورا, فقد علم الخاصّة والعامّة, شأن تلك الخرق المنتنة نعني بها بعض الصحف الأسبوعية, وعرف من لم يعرف, أنا ما خلقت إلا لثلب الأعراض, والتسول بالمدح والذمّ, وأن ليس للحشرات الآدمية التي تصدرها مُرتزق غير فضلات الجبناء وذوي المآرب والحزازات, خبز مسموم تستمرئه تلك الجيف التي تحركها الحياة لحكمة, كما تحرك الهوام وخشاش الأرض, في بلد لو لم يكن فيه من هو شر منهم لماتوا جوعا أو تواروا عن العيون )
فهل رأيتم يا عباد الله تلكم الفنون من السبّ والشتم؟! لا لشيء إلا لأن عرض العقّاد مسّه النقد الأدبي كما يسمونه !
ونعود إلى ما تركناه ونقول : إن العقاد بهذا الطعن الخطير في كاتب الوحي ليرمي إلى : أنّ كل ما قام به معاوية بالأخصّ في زمن ملكه , بل وحتّى في زمن حياته مع النبي صلى الله عليه و سلم , لأن العقاد و غيره لم يخصّصوا مطاعنهم و لم يحفظوا سابقة معاوية - رضي الله عنه , فكلّ ما قام به كاتب الوحيّ لم يصدر عن إخلاص ومحبّة للأجر والثواب وخدمة دين الله تعالى, وإنما كان همّه الوحيد حماية ملكه وأسرته لا غير!! وكتاب الله ناطق بكذب العقاد, وصدق معاوية وإخلاصه! قال تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعا سُجَّدا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}(الفتح 29)
فهاهو إخلاص معاوية رضي الله عنه { يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانا } وليس كما يدّعيه المفترون, فمالكم تخرجون معاوية من هذه المنقبة الربّانية ؟!
وإنّ مثل هذه التهم الخطيرة لا يجوز أن تقال في أظلم رجل في تاريخ الدنيا ! ويُحرم قطعا في ديننا أن تقذف الغير من غير بينة حتى ولو كان من اليهود والنصارى , فكيف إذا كانت التهم الخطيرة توجّه جزافا إلى عرض كاتب الوحيّ معاوية رضي الله عنه !
فمن أين جاء العقّاد بهذه الترجمة الفريدة التي لم يطلع عليها إلاّ هو وأسياده الرافضة ؟! { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } فما أحرّ تلكم الأقلام على الصحب الكرام , وما أبردها على أعداء الملة و الإسلام
ونقول للعقلاء ! لو أن رجلا جاء اليوم وكتب حول العقّاد, وأبان عن أخلاقه, وخلاله ومعيشته بمثل الوصف الذي قيل في معاوية, والرجل لا يعرفه أحد, وليس من المقربين للعقّاد! ولم يعتمد على تلاميذ العقّاد! أليس من المسلّم به, ومن السهل أن يقول له كلّ الناس :يا كاذب؟ فكيف تطيش الموازين إذا جاء الكلام عن الصحابة
- وها هو يواصل تحليله وترجمته الشيطانية فيقول كما في صفحة : 573 بتصرف : ( كانت له حيلته التي كرّرها وأتقنها ... قِوام تلك الحيلة العمل الدائم على التفرقة والتخذيل بين خصومه ... كان لا يطيق أن يرى رجلين ذوي خطر على وفاق .. )
فانظروا يا أولي الألباب, إلى ذلكم الوصف الدقيق! وكأن الكاتب من بطانة معاوية بل وكأنه نفس معاوية التي بين جنبيه ( كان لا يطيق .. ) !
فمثل هذا الكلام لا يصدر من رجل له أدنى حبّ لهذا الصحابي الجليل, بل لا يصدر إلا من حاقد مبغض, بل لا يمكن وصف هذا الحقد, وتحليل هذه الكراهية, إلا إذا حكمنا على صاحبها بالرفضّ ! لأن السالف كانوا يحكمون برفض وبدعة الرجل بأقلّ من هذا !
فبأيّ ميزان يتكلم هؤلاء؟ هل بميزان أهل الحديث؟ أو بميزان أهل التاريخ, أو بميزان أهل الإسلام ؟ وبأيّ تبرير ندفع التهمة عن صاحب هذا الكلام, فهو لا يتكلّم عن وقائع تاريخية, أوترجمة أخذ منها شيئا من أخبار معاوية العظيم, فالمعتدي يتكلم عن أوصاف وأخلاق لازمة وراسخة في نفس كاتب الوحيّ, فهي طبعه الذي لا يفارقة
- وهاهو يقول ويكرر كما في صفحة 574 : ( ودأبه في الوقيعة بين أهل بيته كدأبه في الوقيعة بين النظراء من أعوانه )
نعم هذا هو دأبه ! وكأنه يتكلم ويترجم لشيطان مارد, والله المستعان
و الحقّ الذي لا مرية فيه, ولا باطل يعتريه أن معاوية - رضي الله عنه ونفعنا بحبه - قد ذُكر لنا في كتاب الله دأبه وحاله الذي كان لا يفارقه - وإن رغمت أنوفكم -
فقال تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ}
فمن يغامر ويقول أن معاوية لا يدخل في قوله تعالى {والذين معه} ؟!
فلو رأى الناظر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , لا يجدهم إلا ركّعا سجّدا , وكأن هذا حالهم الذي لا يفارقهم , وكلّ ذلك : { يبتغون فضلا من الله ورضوانا } فهذا حال معاوية وإخوانه الصحابة رضي الله عنهم, فهل نصدق كتاب الله, أم نصدق العقاد وحزبه ؟!
- قال العقّاد كما في صفحة 566 : ( وهكذا كانت الحيلة بين عمرو ومعاوية ... وعلى هذه الخطّة المكشوفة بدأت المعاملة بين الرجلين... )
أيّ أدب وأيّ فكر يفخر به هذا الكاتب وأتباعه؟ أبمثل هذا الكلام, نتحدّث عن أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم,أين هي الغيرة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم,وكيف لمثل هذه الكتب أن تطبع عشرات الطبعات, فلا تجد :لا الكاتب ولا الناشر ولا الطابع ولا البائع ولا القارئ يغار على عرض الأخيار,إلاّ أقلّ القليل من بقايا أنصار الصحابة!
- قال العقّاد في صفحة 575 : ( ولو حاسبه التاريخ حسابه الصحيح لما وصفه بغير مفرّق الجماعات )
التعليق : فإنا لله وإنا إليه راجعون! فبمثل هذا الكلام تقتلع قلوب الأتقياء,فأيّ تاريخ يتكلم عليه المفتري؟ ومن ذا الذي يجترئ و ينشر تاريخ معاوية حتى يحاسبه ؟نعم ! لو صدق الكاتب في شيء من كلامه لكان صادقا في هذا !
فمعاوية مفرق للجماعات ! مفرق بين المؤمن والمنافق, مفرق بين السلفيّ والمبتدع المارق, مفرق بين السنيّ النّاصر, والرافضي الفاجر, مفرّق بين العاقل اللبيب, وبين المفكر الكئيب, فهو محنة يوزن به النّاس في كل زمن, وبه عرفنا أن هذا الكاتب لا صلة له بالسنّة ولا بالعقل, بل هو واحد من جهلة الأمة وأتباع الرافضة الأخباث
- يقول ابن المبارك - رحمه الله - : ( معاوية عندنا محنة فمن رأيناه ينظر إليه شزرا اتهمناه على القول - يعني – الصحابة ) (3)
- قال أبو توبة الحلبي - رحمه الله - : ( معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه ) (3)
- قال الفضل بن زياد : سمعت أبا عبد الله يُسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي؟ فقال : ( إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء, ما انتقص أحد أحدا من الصحابة إلا وله داخلة سوء ) (3)
- قال موسى بن هارون كما في (تاريخ دمشق 62 / 144 ): بلغني عن بعض أهل العلم - قال الرّاوي : وأظنه وكيع - أنّه قال : ( معاوية بمنزلة حلقة الباب من حرّكه اتّهمناه على من فوقه )
فرحم الله السلف ما أذكاهم وأزكاهم, عرفوا الخبث فاجتثّوا أصله, وتفطّنوا للكيد فأسقطوا أركانه! ونقول في هذا الموطن : إنّ التاريخ يكتب حتما ! وخصوصا عن الملوك والخلفاء , فماذا كتب عن معاوية ؟
وهنا لفتة لطيفة : كأن العقّاد يحاسب التاريخ ويعتب عليه ! فهو يلومه على عدم كتابة ما يدور في رأس العقّاد على معاوية, وإلاّ فكيف نفسر قوله لو حاسبه التاريخ ؟!
والحق أن معاوية كتب بأعماله وجهاده وفتوحاته تاريخا نيّرا, لا تراه إلا أبصار أوليائه وأحبابه, وأما أمثال العقاد فلا يغرفون إلا من كتب الجهلة والإخباريين المتّهمين من الرافضة وغيرهم, كأمثال الواقدي والمسعودي وسيف بن عمر ولوط بن يحيى, والذين هم أحسن حالا بكثير من العقاد وأمثاله, فهم مع ضلالهم فقد حفظوا شيئا من فضائل معاوية وبالأخصّ جاهده والله المستعان
وإنّ العقّاد وأشكاله هرعوا لكتب التاريخ فلم يجدوا بغيتهم حتّى في الباطل المرسوم فيها, فلا عجب أن تكون كتب الحيوانات عمدتهم ومرجعهم ككتاب :
( الحيوان للدميري) وكتاب ( الحيوان للجاحظ )
فهم كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : ( فإن الجاهل كالذباب الذي لا يقع إلا على العقير - الجريح- ولا يقع على الصحيح ) (4)
ومن عظيم كيد العقاد وحقده على معاوية رضي الله عنه أنه جعل فصلا في كتابه عن حلم معاوية لا لمدحه بل لتجريده من حقيقة هذه الخصلة الحميدة
فقال كما في صفحة 602 : ( ولابدّ من التفرقة هنا بين الحلم إيثارا للنفع الإنساني أو النفع القومي, وبين الحلم إيثارا للسلامة وعملا بطبيعة الأنانيّة وحبّ الذّات )
التعليق : إنّ هؤلاء المعتدين على الصحب الأخيار لمن أعرف الناس بما قيل في الصحابة من المدح والثناء, فالحجة عليهم قائمة, وذلك أن العقاد ليعلم علم اليقين أن من أعظم ما وصف به معاوية – مدحا- في كل كتب التاريخ والتراجم هو ذلكم الحلم العظيم الذي أصبح علما عليه رضي الله عنه
قال قبيصة بن جابر : ( صحبت معاوية فما رأيت رجلا أثقل حلما, ولا أبطأ جهلا, ولا أبعد أناة منه ) (5)
- قال الإمام أحمد : ( السيد الحليم ) (6)
- قال شيخ الإسلام : ( من المعلوم من سيرة معاوية أنه كان من أحلم الناس , أصبرهم على من يؤذيه وأعظم الناس تأليفا لمن يعاديه ) (7)
فها هو شيخ الإسلام, وعلم الأنام, يخبر أن حلم معاوية شيء معلوم في سيرته, ومن أجل وضوح ذلك لم يستطع العقاد نفيه من أصله ولكن بخبث لا يحسنه إلا أعداء الصحابة أراد أن يستخف عقل القارئ , ويحرف معنى هذا الحلم
ومن شدّة حقده على معاوية ساق أثر الأحنف عندما سئل من أحلم أنت أومعاوية ؟ فقال الأحنف: ( تالله ما رأيت أجهل منكم, إنّ معاوية يقدر فيحلم وأنا أحلم ولا أقدر, فكيف أقاس عليه أو أدانيه )
قال معقّبا كما في صفحة 605 : ( ولو أن الأحنف قال برأيه ذاك اعتقادا ولم يقل به تواضعا أو تحالما لكان على خطأ )
فشاهدوا براعة المكر : فعقلاء الأمة يعرفون أن الأحنف قال هذا معتقدا لا مجاملا ولا لشيء آخر, فلأجل ذلك ذهب العقاد إلى تخطئته لو قال ذلك معتقدا
وكأني بالحافظ ابن أبي الدنيا -رحمه الله- وقد عرف كيد القوم, ورآهم بعينه فألّف كتابه: (حلم معاوية) للردّ عليهم
وإنّ العجب لا ينقضي من هذه العقلية الفريدة التي قامت على حقد لا مثيل له , فيا ترى ما هو سببه, وكيف نفسره وهو واقع بين رجل معاصر لا علاقة له بالعلم الشرعيّ والاستقامة على دينه, وبين صحابي جليل, بينهما قرون من الزمن , و الله المستعان
- قال العقّاد كما في صفحة 619 : ( وشغف بالأكّسية كما شغف بالأطعمة فلبس الحرير و تختّم الذهب والجوهر وولع بالثياب المزخرفة والموشاة وتزيّن بالزّينة التي كرهها الإسلام لعامة الرجال فضلا عن الخلفاء والأمراء ) وقال أيضا كما في صفحة 625 : ( ولكنه لم يكد يملك حتى صنع ما يصنعه القياصرة والأكاسرة من اقتناء الخصيان والجواري والتوسع في بذخ القصور والقدور )
التعليق : إنّ معاوية رضي الله عنه كسائر الصحب الكرام, ضربوا أعجب الأمثلة وأعظمها في الزهد , وإنّ من عظيم إكرام الله لمعاوية أن قيّد له حفّاظا ذكروا أقواله وأفعاله في جملة الزاهدين في كتبهم , ومنها على سبيل المثال :
كتاب ( الزهد الكبير ) للبيهقي –رحمه الله-, حيث دُوّن فيه اسم معاوية رضي الله عنه كما في الأثر رقم : 656
وكذلك كتاب ( الزهد ) لهناد بن السري – رحمه الله - دوّن فيه اسم معاوية في موضعين على الأقل كما في رقم : 837 ورقم : 838
وأما لبس الذهب والحرير فلا شكّ أن ذلك من وضع أعداء الصحابة من الروافض وغيرهم, إذ لا يشكّ من عرف للصحابة قدرا أنهم كانوا من أبعد الناس عن اقتراف مثل هذه الموبقات, فهم على صفاتهم القرآنية, تراهم ركعا سجدا
- قال العقّاد بعد تطرقه إلى مقتل عثمان - رضي الله عنه - وموقف معاوية من هذه الفتنة كما في صفحة 631 : ( لم يتغير موقف معاوية في جميع هذه الروايات وهو موقف الرجل الذي لا يبالي بعد أمانه على ولايته أن تنجم الفتنة حيث نجمت وأن يبتلى بها الخليفة بنجوة منه )
تعليق : تنبهوا يا عباد الله إلى قوله الآثم : ( بنجوة منه ) فهي تهمة خطيرة لمعاوية -رضي الله عنه- بأنه شارك في قتل عثمان رضي الله عنهم , وهذا حتى يعرف أهل الإسلام أن هؤلاء الأدباء قالوا بما لم يسبقوا إليه حتى من الرافضة ! والله المستعان
لأنّ الرافضة يعرفون حقيقة محبة معاوية لعثمان, وأنّ من أجلها وقع ما وقع ومن أجلها طالب معاوية بدم عثمان رضي الله عنهم أجمعين, فهو يجعلون عثمان على رأس الدولة الأمويّة التي يعتبر معاوية من أركانها - رضي الله عن الجميع -
فالعقاد وغيره من المفكرين, لا يعرفون طريقا للتاريخ الإسلامي, ولم ينهلوا من العلوم الشرعية, فهم مجتهدون في إحداث الأقوال, وشرط اجتهادهم : التمكّن في الهوى !
وما سطّره العقاد خير مثال على هذا, وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام في مثل هذا الموضع, حيث قال – رحمه الله - : (والهوى إذا بلغ بصاحبه إلى هذا الحد, فقد أخرج صاحبه عن ربقة العقل فضلا عن العلم والدين, فنسأل الله العافية من كل بليّة, وإن حقّا على الله أن يذلّ أصحاب مثل هذا الكلام, وينتصر لعباده المؤمنين من أصحاب نبيه وغيرهم من هؤلاء المفترين الظالمين) (8)
- قال العقّاد متحدّثا عن وفاة معاوية - رضي الله عنه - كما في صفحة 667 : ( أدركته الوفاة سنة ستين للهجرة وبطل نصفه قبل وفاته كأنه ضرب من الشلل وأصابته لوقة وسقطت أسنانه جميعا, كأنها من أدواء التخمة التي تعجل إلى الكبد والأسنان, ويبدو أثرها على الجلد واللّثة, وكان يخلط في وفاته أحيانا ولكنه كان يصحو ساعة بعد ساعة حاضر الذهن صحيح اللّسان .. )
التعليق : من يقبل بمثل هذا الكلام من أمة الإسلام؟ لأن هذا هذا التشفّي في معاوية - رضي الله عنه - لينبي عن دخيلة سوء تظهر جلية في هذه الأسطر المقرفة !
فأين وجد هذا المفتري هذه الأشياء؟ أفي كتاب الله أم في السنة النبوية؟ أفي البخاري ومسلم , إنّ حقدا كهذا ليزيل الجبال من أماكنها !
وهبّ أنّ معاوية رضي الله عنه مرض في آخر حياته واشتد به حتى أماته! فهل يطعن فيه بسببه؟ وهل تعبر سوء خاتمة؟ بأي عقل تتكلمون و بأي دين تحكمون ؟
وهنا توضيح لأصحاب العقل الصريح : المتمعّن في مقولة العقّاد يعرف أنّه رجل يبغض معاوية أشدّ البغض , وبسبب هذا الحقد تجده يفسّر كلّ ماثبت عن معاوية بتفسيرات حاقدة , فهو يقول : ( أدركته الوفاة سنة ستين للهجرة وبطل نصفه قبل وفاته كأنه ضرب من الشلل وأصابته لوقة وسقطت أسنانه جميعا ) فنقل مثل هذا الكلام قد يعذر فيه ناقله, لأنّه موجود في بعض تراجم معاوية ولا شرّ فيه, لأن هذا البلاء الذي يعرض لأولياء الله, ولكن المؤسف كلام العقاد في شرح وتفسيره لهذا النقل حيث يقول موضحا : (كأنها من أدواء التخمة التي تعجل إلى الكبد والأسنان, ويبدو أثرها على الجلد واللّثة ) فهل تفطّن العاقل لمثل هذا يا ترى ؟! وهل وقف على مثل هذه التحريفات التاريخية , فقاتل الله الهوى
وأما عن خلطه رضي الله عنه في وفاته فهذا حتما من نسيج أهل الكذب والفجور من أعداء الصحابة, فكتب التاريخ قد حفظت لنا حسن خاتمته النيّرة وعظيم إيمانه رضي الله عنه الذي ظهر جليا عند موته رضي الله عنه
- قال محمد بن سيرين - رحمه الله - : ( جعل معاوية لما احتضر يضع خدّا على الأرض ثم يقلب وجهه ويضع الخدّ الآخر ويبكي ويقول : ( اللهم إنّك قلت في كتابك :{ إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء } اللهم فاجعلني فيمن تشاء أن تغفر له ) (9)
- وقال عند موته – رضي الله عنه - : ( اللهم أقلّ العثرة واعف عن الزلّة و تجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك فإنك واسع المغفرة ليس لذي خطيئة مهرب إلا إليك ثم مات, وفي رواية : أغمي عليه ثم أفاق فقال لأهله : ( اتقوا الله فإن الله تعالى يقي من اتقاه , ولا بقي من لا يتقي ) ثم مات ) (10)
وهذا الإمام ابن أبي الدنيا - رحمه الله - يصنّف : (كتاب المحتضرين ) ويسطّر فيه أقوال الأنبياء والصحابة في حسن الخاتمة, وينقل العجب من قصص المحتضرين ولا شكّ أن معاوية -رضي الله عنه- كان له نصيب من هذا الكتاب, حيث ذكره تحت باب : ( مقالة الخلفاء عند حضور الموت ) وذكر له أقوالا كثيرة, ساعة احتضاره فلتراجع من رقم : 54 إلى 74
وذكره أيضا تحت باب ( من تمثّل بالشعر عند الموت ) برقم : 253
ومن تلكم لآثار : قوله رضي الله عنه عند موته : ( فإذا أدرجتموني في جريدتي, ووضعتموني في حفرتي, فخلّوا معاوية وأرحم الراحمين ) (11)
فيا أيها الطاعن : خلّ معاوية وأرحم الراحمين
- قال محمود العقّاد في صفحة 672 : ( وخرج معاوية من الملك بالأيام التي قضاها في نعمته وثرائه, ولا نقول في صولته وعزّه, فقد كان يذلّ لكلّ ذي بيعة منشودة ذلاّ لم يصبر من بايعوه على مثله )
التعليق : فوالله إن صاحب هذا الكلام لهو الذليل الحقير, أمّا معاوية فقد أكرمه الله بنعم حسده الحاسدون لأجلها, والعزّ الذي عاشه في حياته لا ينكره إلا الرافضة الزنادقة وذيولهم من المفكرين الجاهلين, أما أهل الإسلام وزمرة الإيمان فيصدعون - بكرامة وعزّ معاوية ويعتقدونه والحمد لله
يقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله - : ( ولم تزل الفتوحات والجهاد قائما على ساقه في أيامه في بلاد الروم والفرنج و غيرهما ... والجهاد في بلاد العدوّ قائم وكلمة الله عالية والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض ) (11)
و من المناسب أن أنبّه على أنّ الرافضة لا تنكر فتوح وجهاد معاوية ! بل تجدهم يثبتون هذا ولكن يعتبرونه من سيئاته, لأنه على زعمهم قاد الناس إلى الإسلام بالسيف وكانت قد وقعت جرائم في البلدان التي فتحها, أما العقّاد وإخوانه في الحقد, فلا إلى الرفض لحقوا, ولا مع السنّة بقوا! والله حسيبهم