درء الأحقاد المتهاوية ونصرة كاتب الوحيّ معاوية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نُصرة الإسلام و الرّد على الشبهات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

درء الأحقاد المتهاوية ونصرة كاتب الوحيّ معاوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-11-17, 15:27   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










M001 درء الأحقاد المتهاوية ونصرة كاتب الوحيّ معاوية

درء الأحقاد المتهاوية ونصرة كاتب الوحيّ معاوية -رضي الله عنه-

لأبي معاذ محمد مرابط -سدّده الله-

الحلقة الأولى

المقدّمة :


الحمد لله الذي فطر الأفئدة على حبّ الأصحاب, وأبان عن شأنهم في آي الكتاب,الحمد لله الذي أكرمنا بولائهم, وزيّن قلوبنا بودادهم, نحمده حمد العارفين بأنعمه المتوالية, ومن عظيمها حبّنا لمعاوية, صاحب المفاخر العالية, وإن عادته غربان وكلاب عاوية, ثمّ أصلّي وأسلّم على نبيّ الله وخليله, وعلى آله وجميع أصحابه .ثمّ أمّا بعد :
فإنّ من هداه الله صراطا مستقيما, ورزقه عقلا سليما, ليدرك حقّ الإدراك, أن نصرة أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم, لتعتبر من أعظم الواجبات المحتومة, وأنّ لواء نصرتهم لمن أوكد الألوية التي يجب عقدها
وإنّ كاتب الوحيّ معاوية - رضي الله عنه - ليعتبر من بين أعظم الصحابة - إذا لم نقل أعظمهم – تعرضا لحقد الحاقدين ومكر الماكرين
حيث أن عرضه الشريف, أصبح مرتعا لكل كذّاب ومتروك وضعيف, على مرأى من أهل الإسلام الحنيف, فإلى الله المشتكى.
ونأسف أشد الأسف على ضعف وهزالة الدفاع عن معاوية الصحابي الجليل , في وقت نرى التنافس المتهالك بلغ منتهاه في نصرة أذلّ الخلق , فكم دافع الناس عن أسيادهم وانتصروا, وكم ألّفوا الأسفار في الذبّ عنهم وكم سطّروا, ولكلّ واحد نيّة وقصد في نصرة المتبوع, حتّى ولو كان الدفاع غير مشروع
وأماّ إذّا حلّت المعارك الحارقة, وصاحت سيوف الحق البارقة, وشبّ ضرام الحروب, واستشنع الفرار والهروب, وتعالت السيوف, وتلاقت الصفوف, فساعتئذ يعرف الصادق الموالي, من الكاذب المتواري.
والذي أعتقده جازما أن حملات الزنادقة من الرافضة الأخباث قد غزت أرضنا, ونهشت من أعراض أسيادنا , ونحن نشاهد من غير حراك
فأصبح الطعن في معاوية أمرا مسلّما به ومقبولا عند أكثر الجهلة من أهل الإسلام وخصوصا المفكرين المتنكّرين, والكتبة الكذبة الجاهلين
ولكن العاقل المخلص لا يترك ساحة الجهاد شاغرة, فبغيته الأولى الفوز في الآخرة, وشرفه منوط بشرف الأوائل من الصحب الأفاضل
وعلى هذا القصد, أردت المشاركة بأنامل - بالتقصير - مرتعشة, وأنفاس - بالعلم - غير منتعشة, ليس ذلك إلاّ دفعا لهجمة الصائل, والله قادر على منح الفضائل
وقد رقمت المقال على شكل وقفات مع أهمّ المطاعن التي شغلت خاطري وقتا من الزمن, فنبهت على ضلالها بكلمات يسيرة وتنبيهات سريعة

الوقفة الأولى
مطاعن محمود العقاد في كاتب الوحيّ

إنّ العقّاد معدود عند المفكرين والأدباء – كما يزعمون – من العظماء في هذا العصر, فهو رمز من رموز الأمّة , وشخصية لها مكانتها التي لا تنازع
فلا عجب عندئذ, أن يُجعل من مؤلفاته ومقالاته, قبلة يوجّه إليها الناشئة, ويشاد بها, بل وتكون مقياسا وميزانا لمعرفة الأديب من غيره , والمفكر من نقيضه !
وليس ذلك إلا تحقيقا لما أُخبرنا به في شرعنا عن شأن آخر الزمان, من تولية الجهال شؤون الأمّة, وإبعاد العلماء والصادقين
ولعلّ – متعجّلا- تخنقه مثل هذه المقدّمة فيسأل : لم هذا الكلام عن هذا الكاتب العظيم ؟ فنقول له جوابا : مهلا أخيّ حتّى تعرف برهان ذلك, وحتّى تختبر ولاءك الحقيقي لعظماء الأمّة !
وها أنا ذا أنقل – مضطرّا – كلمات من هذا الأديب المعظّم لا يقبلها سامع في نفسه, وصاحب في خليله , فكيف بها وقد قيلت في كاتب الوحيّ وصهر النبيّ صلى الله عليه وسلم وصاحبه معاوية - رضي الله عنه -
فقد ألّف العقّاد كتابا ضمن سلسلته ( شخصيات إسلامية ) (1) عن معاوية - رضي الله عنه - أسّس مضمونه ومحتواه على عقيدة خبيثة في هذا الصحابي الجليل وكأنها نسجت بأنامل رافضية, مبناها على الحقد وسوء الظن بهذا الوليّ الصالح والصحابي الجليل
فكلّ من جهل قدر هذا الصحابي الجليل ثم قرأ هذا الكتاب, يعلم يقينا أن صاحب هذه الشخصية, المكتوب عنها لا يخرج عن كونه, واحدا من جبابرة التاريخ, وظالما من ظلمة هذه الأمة, ولنأخذ شيئا من كلامه :
- قال محمود العقّاد بعدما قرّر أن معاوية - رضي الله عنه - هو رأس الدولة الأمويّة زبدة الصفحات التالية أن رأس الدولة الأمويّة كان رجلا قديرا ولكنّه لم يكن بالرجل العظيم )
التعليق : أيّ عقل يقبل هذا الكلام ؟ و أيّ نفس تطيب تجاه هذا الهذيان؟
معاوية الذي ذلّت له رقاب ملوك الروم ليس بعظيم؟
ومقصود كلامه هو الذي بيّنه في جلّ كتابه : وهوأن معاوية كان قديرا على التسلّط وقهر الرعيّة, ولم تكن له أيّ عظمة تذكر, ولا فضيلة تشتهر , وإنّ جهلا كهذا لحقيق بصاحبه أن يبغض نفسه من أجله !
وإنّ معاوية رضي الله عنه عظيم عند العظماء, كريم عند الكرام, عزيز عند الأعزّاء, فالأعور لا تستقيم له رؤية طريق
قال مجاهد : ( لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي ) (2)
فهذا قول إمام سيّد من سادات الأمّة, قد شهد لمعاوية بأكثر من العظمة التي يلهج بها العقاد ومن كان على طينته , واللبيب يقول : نعم لو أدركه الأتقياء لقالوا إنه المهدي !!
أما العقاد وسلالته فلا يقولون هذا, بل لعلّه لو أدركه,لكان مع الخوارج الذين خرجوا عليه من أهل الفتن { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
- قال العقّاد في صفحة 547 : ( إلاّ أنّنا مع العلم , بغيرته الدينيّة في شعوره وفعاله, نستطيع أن نعلّل جميع أعماله بعلّة المصلحة الذاتيّة أو مصلحة الأسرة والعشيرة.)
- التعليق : هل يا ترى سيقبل أتباع العقاد وغيره بشيء من هذه الكلمات في متبوعهم, بل هل العقاد كان سيقبل مثل هذا الكلام لو وجّه إليه ؟ وهل سيقبل بأقلّ من هذا في عرضه ؟! طبعا لا ودليله في مثال واحد أسوقه :وهو أنّ بعضا من الصحف تناولت قضية العقّاد مع الكاتب الشاعر شوقي, وطالته ببعض النقد فما كان جوابه يا ترى؟!
قال العقّاد كما نقل عبد اللّطيف شرّارة في كتابه ( معارك أدبية ) ص: 241 بعدما وقف على كلام الصحف ومن كان في ريب من ذلك فليتحققه من تتابُع المدح لشوقي, ممن لا يمدح الناس إلا مأجورا, فقد علم الخاصّة والعامّة, شأن تلك الخرق المنتنة نعني بها بعض الصحف الأسبوعية, وعرف من لم يعرف, أنا ما خلقت إلا لثلب الأعراض, والتسول بالمدح والذمّ, وأن ليس للحشرات الآدمية التي تصدرها مُرتزق غير فضلات الجبناء وذوي المآرب والحزازات, خبز مسموم تستمرئه تلك الجيف التي تحركها الحياة لحكمة, كما تحرك الهوام وخشاش الأرض, في بلد لو لم يكن فيه من هو شر منهم لماتوا جوعا أو تواروا عن العيون )
فهل رأيتم يا عباد الله تلكم الفنون من السبّ والشتم؟! لا لشيء إلا لأن عرض العقّاد مسّه النقد الأدبي كما يسمونه !
ونعود إلى ما تركناه ونقول : إن العقاد بهذا الطعن الخطير في كاتب الوحي ليرمي إلى : أنّ كل ما قام به معاوية بالأخصّ في زمن ملكه , بل وحتّى في زمن حياته مع النبي صلى الله عليه و سلم , لأن العقاد و غيره لم يخصّصوا مطاعنهم و لم يحفظوا سابقة معاوية - رضي الله عنه , فكلّ ما قام به كاتب الوحيّ لم يصدر عن إخلاص ومحبّة للأجر والثواب وخدمة دين الله تعالى, وإنما كان همّه الوحيد حماية ملكه وأسرته لا غير!! وكتاب الله ناطق بكذب العقاد, وصدق معاوية وإخلاصه! قال تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعا سُجَّدا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}(الفتح 29)
فهاهو إخلاص معاوية رضي الله عنه { يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانا } وليس كما يدّعيه المفترون, فمالكم تخرجون معاوية من هذه المنقبة الربّانية ؟!
وإنّ مثل هذه التهم الخطيرة لا يجوز أن تقال في أظلم رجل في تاريخ الدنيا ! ويُحرم قطعا في ديننا أن تقذف الغير من غير بينة حتى ولو كان من اليهود والنصارى , فكيف إذا كانت التهم الخطيرة توجّه جزافا إلى عرض كاتب الوحيّ معاوية رضي الله عنه !
فمن أين جاء العقّاد بهذه الترجمة الفريدة التي لم يطلع عليها إلاّ هو وأسياده الرافضة ؟! { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } فما أحرّ تلكم الأقلام على الصحب الكرام , وما أبردها على أعداء الملة و الإسلام
ونقول للعقلاء ! لو أن رجلا جاء اليوم وكتب حول العقّاد, وأبان عن أخلاقه, وخلاله ومعيشته بمثل الوصف الذي قيل في معاوية, والرجل لا يعرفه أحد, وليس من المقربين للعقّاد! ولم يعتمد على تلاميذ العقّاد! أليس من المسلّم به, ومن السهل أن يقول له كلّ الناس :يا كاذب؟ فكيف تطيش الموازين إذا جاء الكلام عن الصحابة
- وها هو يواصل تحليله وترجمته الشيطانية فيقول كما في صفحة : 573 بتصرف : ( كانت له حيلته التي كرّرها وأتقنها ... قِوام تلك الحيلة العمل الدائم على التفرقة والتخذيل بين خصومه ... كان لا يطيق أن يرى رجلين ذوي خطر على وفاق .. )
فانظروا يا أولي الألباب, إلى ذلكم الوصف الدقيق! وكأن الكاتب من بطانة معاوية بل وكأنه نفس معاوية التي بين جنبيه ( كان لا يطيق .. ) !
فمثل هذا الكلام لا يصدر من رجل له أدنى حبّ لهذا الصحابي الجليل, بل لا يصدر إلا من حاقد مبغض, بل لا يمكن وصف هذا الحقد, وتحليل هذه الكراهية, إلا إذا حكمنا على صاحبها بالرفضّ ! لأن السالف كانوا يحكمون برفض وبدعة الرجل بأقلّ من هذا !
فبأيّ ميزان يتكلم هؤلاء؟ هل بميزان أهل الحديث؟ أو بميزان أهل التاريخ, أو بميزان أهل الإسلام ؟ وبأيّ تبرير ندفع التهمة عن صاحب هذا الكلام, فهو لا يتكلّم عن وقائع تاريخية, أوترجمة أخذ منها شيئا من أخبار معاوية العظيم, فالمعتدي يتكلم عن أوصاف وأخلاق لازمة وراسخة في نفس كاتب الوحيّ, فهي طبعه الذي لا يفارقة
- وهاهو يقول ويكرر كما في صفحة 574 : ( ودأبه في الوقيعة بين أهل بيته كدأبه في الوقيعة بين النظراء من أعوانه )
نعم هذا هو دأبه ! وكأنه يتكلم ويترجم لشيطان مارد, والله المستعان
و الحقّ الذي لا مرية فيه, ولا باطل يعتريه أن معاوية - رضي الله عنه ونفعنا بحبه - قد ذُكر لنا في كتاب الله دأبه وحاله الذي كان لا يفارقه - وإن رغمت أنوفكم -
فقال تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ}
فمن يغامر ويقول أن معاوية لا يدخل في قوله تعالى {والذين معه} ؟!
فلو رأى الناظر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , لا يجدهم إلا ركّعا سجّدا , وكأن هذا حالهم الذي لا يفارقهم , وكلّ ذلك : { يبتغون فضلا من الله ورضوانا } فهذا حال معاوية وإخوانه الصحابة رضي الله عنهم, فهل نصدق كتاب الله, أم نصدق العقاد وحزبه ؟!
- قال العقّاد كما في صفحة 566 : ( وهكذا كانت الحيلة بين عمرو ومعاوية ... وعلى هذه الخطّة المكشوفة بدأت المعاملة بين الرجلين... )
أيّ أدب وأيّ فكر يفخر به هذا الكاتب وأتباعه؟ أبمثل هذا الكلام, نتحدّث عن أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم,أين هي الغيرة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم,وكيف لمثل هذه الكتب أن تطبع عشرات الطبعات, فلا تجد :لا الكاتب ولا الناشر ولا الطابع ولا البائع ولا القارئ يغار على عرض الأخيار,إلاّ أقلّ القليل من بقايا أنصار الصحابة!
- قال العقّاد في صفحة 575 : ( ولو حاسبه التاريخ حسابه الصحيح لما وصفه بغير مفرّق الجماعات )
التعليق : فإنا لله وإنا إليه راجعون! فبمثل هذا الكلام تقتلع قلوب الأتقياء,فأيّ تاريخ يتكلم عليه المفتري؟ ومن ذا الذي يجترئ و ينشر تاريخ معاوية حتى يحاسبه ؟نعم ! لو صدق الكاتب في شيء من كلامه لكان صادقا في هذا !
فمعاوية مفرق للجماعات ! مفرق بين المؤمن والمنافق, مفرق بين السلفيّ والمبتدع المارق, مفرق بين السنيّ النّاصر, والرافضي الفاجر, مفرّق بين العاقل اللبيب, وبين المفكر الكئيب, فهو محنة يوزن به النّاس في كل زمن, وبه عرفنا أن هذا الكاتب لا صلة له بالسنّة ولا بالعقل, بل هو واحد من جهلة الأمة وأتباع الرافضة الأخباث
- يقول ابن المبارك - رحمه الله - : ( معاوية عندنا محنة فمن رأيناه ينظر إليه شزرا اتهمناه على القول - يعني – الصحابة ) (3)
- قال أبو توبة الحلبي - رحمه الله - : ( معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه ) (3)
- قال الفضل بن زياد : سمعت أبا عبد الله يُسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي؟ فقال : ( إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء, ما انتقص أحد أحدا من الصحابة إلا وله داخلة سوء ) (3)
- قال موسى بن هارون كما في (تاريخ دمشق 62 / 144 ): بلغني عن بعض أهل العلم - قال الرّاوي : وأظنه وكيع - أنّه قال : ( معاوية بمنزلة حلقة الباب من حرّكه اتّهمناه على من فوقه )
فرحم الله السلف ما أذكاهم وأزكاهم, عرفوا الخبث فاجتثّوا أصله, وتفطّنوا للكيد فأسقطوا أركانه! ونقول في هذا الموطن : إنّ التاريخ يكتب حتما ! وخصوصا عن الملوك والخلفاء , فماذا كتب عن معاوية ؟
وهنا لفتة لطيفة : كأن العقّاد يحاسب التاريخ ويعتب عليه ! فهو يلومه على عدم كتابة ما يدور في رأس العقّاد على معاوية, وإلاّ فكيف نفسر قوله لو حاسبه التاريخ ؟!
والحق أن معاوية كتب بأعماله وجهاده وفتوحاته تاريخا نيّرا, لا تراه إلا أبصار أوليائه وأحبابه, وأما أمثال العقاد فلا يغرفون إلا من كتب الجهلة والإخباريين المتّهمين من الرافضة وغيرهم, كأمثال الواقدي والمسعودي وسيف بن عمر ولوط بن يحيى, والذين هم أحسن حالا بكثير من العقاد وأمثاله, فهم مع ضلالهم فقد حفظوا شيئا من فضائل معاوية وبالأخصّ جاهده والله المستعان
وإنّ العقّاد وأشكاله هرعوا لكتب التاريخ فلم يجدوا بغيتهم حتّى في الباطل المرسوم فيها, فلا عجب أن تكون كتب الحيوانات عمدتهم ومرجعهم ككتاب :
( الحيوان للدميري) وكتاب ( الحيوان للجاحظ )
فهم كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : ( فإن الجاهل كالذباب الذي لا يقع إلا على العقير - الجريح- ولا يقع على الصحيح ) (4)
ومن عظيم كيد العقاد وحقده على معاوية رضي الله عنه أنه جعل فصلا في كتابه عن حلم معاوية لا لمدحه بل لتجريده من حقيقة هذه الخصلة الحميدة
فقال كما في صفحة 602 : ( ولابدّ من التفرقة هنا بين الحلم إيثارا للنفع الإنساني أو النفع القومي, وبين الحلم إيثارا للسلامة وعملا بطبيعة الأنانيّة وحبّ الذّات )
التعليق : إنّ هؤلاء المعتدين على الصحب الأخيار لمن أعرف الناس بما قيل في الصحابة من المدح والثناء, فالحجة عليهم قائمة, وذلك أن العقاد ليعلم علم اليقين أن من أعظم ما وصف به معاوية – مدحا- في كل كتب التاريخ والتراجم هو ذلكم الحلم العظيم الذي أصبح علما عليه رضي الله عنه
قال قبيصة بن جابر : ( صحبت معاوية فما رأيت رجلا أثقل حلما, ولا أبطأ جهلا, ولا أبعد أناة منه ) (5)
- قال الإمام أحمد : ( السيد الحليم ) (6)
- قال شيخ الإسلام : ( من المعلوم من سيرة معاوية أنه كان من أحلم الناس , أصبرهم على من يؤذيه وأعظم الناس تأليفا لمن يعاديه ) (7)
فها هو شيخ الإسلام, وعلم الأنام, يخبر أن حلم معاوية شيء معلوم في سيرته, ومن أجل وضوح ذلك لم يستطع العقاد نفيه من أصله ولكن بخبث لا يحسنه إلا أعداء الصحابة أراد أن يستخف عقل القارئ , ويحرف معنى هذا الحلم
ومن شدّة حقده على معاوية ساق أثر الأحنف عندما سئل من أحلم أنت أومعاوية ؟ فقال الأحنف: ( تالله ما رأيت أجهل منكم, إنّ معاوية يقدر فيحلم وأنا أحلم ولا أقدر, فكيف أقاس عليه أو أدانيه )
قال معقّبا كما في صفحة 605 : ( ولو أن الأحنف قال برأيه ذاك اعتقادا ولم يقل به تواضعا أو تحالما لكان على خطأ )
فشاهدوا براعة المكر : فعقلاء الأمة يعرفون أن الأحنف قال هذا معتقدا لا مجاملا ولا لشيء آخر, فلأجل ذلك ذهب العقاد إلى تخطئته لو قال ذلك معتقدا
وكأني بالحافظ ابن أبي الدنيا -رحمه الله- وقد عرف كيد القوم, ورآهم بعينه فألّف كتابه: (حلم معاوية) للردّ عليهم
وإنّ العجب لا ينقضي من هذه العقلية الفريدة التي قامت على حقد لا مثيل له , فيا ترى ما هو سببه, وكيف نفسره وهو واقع بين رجل معاصر لا علاقة له بالعلم الشرعيّ والاستقامة على دينه, وبين صحابي جليل, بينهما قرون من الزمن , و الله المستعان
- قال العقّاد كما في صفحة 619 : ( وشغف بالأكّسية كما شغف بالأطعمة فلبس الحرير و تختّم الذهب والجوهر وولع بالثياب المزخرفة والموشاة وتزيّن بالزّينة التي كرهها الإسلام لعامة الرجال فضلا عن الخلفاء والأمراء ) وقال أيضا كما في صفحة 625 : ( ولكنه لم يكد يملك حتى صنع ما يصنعه القياصرة والأكاسرة من اقتناء الخصيان والجواري والتوسع في بذخ القصور والقدور )
التعليق : إنّ معاوية رضي الله عنه كسائر الصحب الكرام, ضربوا أعجب الأمثلة وأعظمها في الزهد , وإنّ من عظيم إكرام الله لمعاوية أن قيّد له حفّاظا ذكروا أقواله وأفعاله في جملة الزاهدين في كتبهم , ومنها على سبيل المثال :
كتاب ( الزهد الكبير ) للبيهقي –رحمه الله-, حيث دُوّن فيه اسم معاوية رضي الله عنه كما في الأثر رقم : 656
وكذلك كتاب ( الزهد ) لهناد بن السري – رحمه الله - دوّن فيه اسم معاوية في موضعين على الأقل كما في رقم : 837 ورقم : 838
وأما لبس الذهب والحرير فلا شكّ أن ذلك من وضع أعداء الصحابة من الروافض وغيرهم, إذ لا يشكّ من عرف للصحابة قدرا أنهم كانوا من أبعد الناس عن اقتراف مثل هذه الموبقات, فهم على صفاتهم القرآنية, تراهم ركعا سجدا
- قال العقّاد بعد تطرقه إلى مقتل عثمان - رضي الله عنه - وموقف معاوية من هذه الفتنة كما في صفحة 631 : ( لم يتغير موقف معاوية في جميع هذه الروايات وهو موقف الرجل الذي لا يبالي بعد أمانه على ولايته أن تنجم الفتنة حيث نجمت وأن يبتلى بها الخليفة بنجوة منه )
تعليق : تنبهوا يا عباد الله إلى قوله الآثم : ( بنجوة منه ) فهي تهمة خطيرة لمعاوية -رضي الله عنه- بأنه شارك في قتل عثمان رضي الله عنهم , وهذا حتى يعرف أهل الإسلام أن هؤلاء الأدباء قالوا بما لم يسبقوا إليه حتى من الرافضة ! والله المستعان
لأنّ الرافضة يعرفون حقيقة محبة معاوية لعثمان, وأنّ من أجلها وقع ما وقع ومن أجلها طالب معاوية بدم عثمان رضي الله عنهم أجمعين, فهو يجعلون عثمان على رأس الدولة الأمويّة التي يعتبر معاوية من أركانها - رضي الله عن الجميع -
فالعقاد وغيره من المفكرين, لا يعرفون طريقا للتاريخ الإسلامي, ولم ينهلوا من العلوم الشرعية, فهم مجتهدون في إحداث الأقوال, وشرط اجتهادهم : التمكّن في الهوى !
وما سطّره العقاد خير مثال على هذا, وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام في مثل هذا الموضع, حيث قال – رحمه الله - : (والهوى إذا بلغ بصاحبه إلى هذا الحد, فقد أخرج صاحبه عن ربقة العقل فضلا عن العلم والدين, فنسأل الله العافية من كل بليّة, وإن حقّا على الله أن يذلّ أصحاب مثل هذا الكلام, وينتصر لعباده المؤمنين من أصحاب نبيه وغيرهم من هؤلاء المفترين الظالمين) (8)
- قال العقّاد متحدّثا عن وفاة معاوية - رضي الله عنه - كما في صفحة 667 : ( أدركته الوفاة سنة ستين للهجرة وبطل نصفه قبل وفاته كأنه ضرب من الشلل وأصابته لوقة وسقطت أسنانه جميعا, كأنها من أدواء التخمة التي تعجل إلى الكبد والأسنان, ويبدو أثرها على الجلد واللّثة, وكان يخلط في وفاته أحيانا ولكنه كان يصحو ساعة بعد ساعة حاضر الذهن صحيح اللّسان .. )
التعليق : من يقبل بمثل هذا الكلام من أمة الإسلام؟ لأن هذا هذا التشفّي في معاوية - رضي الله عنه - لينبي عن دخيلة سوء تظهر جلية في هذه الأسطر المقرفة !
فأين وجد هذا المفتري هذه الأشياء؟ أفي كتاب الله أم في السنة النبوية؟ أفي البخاري ومسلم , إنّ حقدا كهذا ليزيل الجبال من أماكنها !
وهبّ أنّ معاوية رضي الله عنه مرض في آخر حياته واشتد به حتى أماته! فهل يطعن فيه بسببه؟ وهل تعبر سوء خاتمة؟ بأي عقل تتكلمون و بأي دين تحكمون ؟
وهنا توضيح لأصحاب العقل الصريح : المتمعّن في مقولة العقّاد يعرف أنّه رجل يبغض معاوية أشدّ البغض , وبسبب هذا الحقد تجده يفسّر كلّ ماثبت عن معاوية بتفسيرات حاقدة , فهو يقول : ( أدركته الوفاة سنة ستين للهجرة وبطل نصفه قبل وفاته كأنه ضرب من الشلل وأصابته لوقة وسقطت أسنانه جميعا ) فنقل مثل هذا الكلام قد يعذر فيه ناقله, لأنّه موجود في بعض تراجم معاوية ولا شرّ فيه, لأن هذا البلاء الذي يعرض لأولياء الله, ولكن المؤسف كلام العقاد في شرح وتفسيره لهذا النقل حيث يقول موضحا : (كأنها من أدواء التخمة التي تعجل إلى الكبد والأسنان, ويبدو أثرها على الجلد واللّثة ) فهل تفطّن العاقل لمثل هذا يا ترى ؟! وهل وقف على مثل هذه التحريفات التاريخية , فقاتل الله الهوى
وأما عن خلطه رضي الله عنه في وفاته فهذا حتما من نسيج أهل الكذب والفجور من أعداء الصحابة, فكتب التاريخ قد حفظت لنا حسن خاتمته النيّرة وعظيم إيمانه رضي الله عنه الذي ظهر جليا عند موته رضي الله عنه
- قال محمد بن سيرين - رحمه الله - : ( جعل معاوية لما احتضر يضع خدّا على الأرض ثم يقلب وجهه ويضع الخدّ الآخر ويبكي ويقول : ( اللهم إنّك قلت في كتابك :{ إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء } اللهم فاجعلني فيمن تشاء أن تغفر له ) (9)
- وقال عند موته – رضي الله عنه - : ( اللهم أقلّ العثرة واعف عن الزلّة و تجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك فإنك واسع المغفرة ليس لذي خطيئة مهرب إلا إليك ثم مات, وفي رواية : أغمي عليه ثم أفاق فقال لأهله : ( اتقوا الله فإن الله تعالى يقي من اتقاه , ولا بقي من لا يتقي ) ثم مات ) (10)
وهذا الإمام ابن أبي الدنيا - رحمه الله - يصنّف : (كتاب المحتضرين ) ويسطّر فيه أقوال الأنبياء والصحابة في حسن الخاتمة, وينقل العجب من قصص المحتضرين ولا شكّ أن معاوية -رضي الله عنه- كان له نصيب من هذا الكتاب, حيث ذكره تحت باب : ( مقالة الخلفاء عند حضور الموت ) وذكر له أقوالا كثيرة, ساعة احتضاره فلتراجع من رقم : 54 إلى 74
وذكره أيضا تحت باب ( من تمثّل بالشعر عند الموت ) برقم : 253
ومن تلكم لآثار : قوله رضي الله عنه عند موته : ( فإذا أدرجتموني في جريدتي, ووضعتموني في حفرتي, فخلّوا معاوية وأرحم الراحمين ) (11)

فيا أيها الطاعن : خلّ معاوية وأرحم الراحمين

- قال محمود العقّاد في صفحة 672 : ( وخرج معاوية من الملك بالأيام التي قضاها في نعمته وثرائه, ولا نقول في صولته وعزّه, فقد كان يذلّ لكلّ ذي بيعة منشودة ذلاّ لم يصبر من بايعوه على مثله )
التعليق : فوالله إن صاحب هذا الكلام لهو الذليل الحقير, أمّا معاوية فقد أكرمه الله بنعم حسده الحاسدون لأجلها, والعزّ الذي عاشه في حياته لا ينكره إلا الرافضة الزنادقة وذيولهم من المفكرين الجاهلين, أما أهل الإسلام وزمرة الإيمان فيصدعون - بكرامة وعزّ معاوية ويعتقدونه والحمد لله
يقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله - : ( ولم تزل الفتوحات والجهاد قائما على ساقه في أيامه في بلاد الروم والفرنج و غيرهما ... والجهاد في بلاد العدوّ قائم وكلمة الله عالية والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض ) (11)
و من المناسب أن أنبّه على أنّ الرافضة لا تنكر فتوح وجهاد معاوية ! بل تجدهم يثبتون هذا ولكن يعتبرونه من سيئاته, لأنه على زعمهم قاد الناس إلى الإسلام بالسيف وكانت قد وقعت جرائم في البلدان التي فتحها, أما العقّاد وإخوانه في الحقد, فلا إلى الرفض لحقوا, ولا مع السنّة بقوا! والله حسيبهم









 


رد مع اقتباس
قديم 2014-11-17, 15:28   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B8

يتبع ان شاء الله










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-17, 18:48   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B18

درء الأحقاد المتهاوية ونصرة كاتب الوحيّ معاوية -رضي الله عنه-

لأبي معاذ محمد مرابط -سدّده الله-

الجزء الثاني

الوقفة الثانية مطاعن حسن كمال الملطاوي في كاتب الوحي


فهذه وقفة أخرى مع معول من معاول هدم تاريخ الصحابة الأسياد,وواحد من المعتدين على عرض معاوية -رضي الله عنه- وهو أيضا من كتّاب الأمّة ومفكّريها كما يزعم له الجاهلون, وهو: حسن كمال الملطاوي, الذي ألّف كتابا في موضوع يروق لهم كثيرا ويجد الواحد منهم فيه هواه, مشابهة بالرافضة الأخباث,وهو كتابه تاريخ خامس الخلفاء )
وتأسف أشدّ الأسف أنّ مثل هذه الكتب تطبع في معاقل أهل السنة وبلادهم, ولا تجدها تطبع في إيران وطهران, كما هو الشأن مع هذا الكتاب الذي طبعته :

( وزارة الأوقاف المصرية ) (لجنة التعريف بالإسلام )

نعم لجنة التعريف بالإسلام !! هذا هو الإسلام الذي سيعرّف به الكفار وسائر الخلق , إسلام : فيه أن من كتّاب وحيه رجل ظالم عدوّ له , إسلام فيه : شهوده الذين بلّغوه للبشرية لا إيمان لهم ولا صدق عندهم , أهذا هو الإسلام الذي تأمل هذه اللجنة أن تنشره ؟!

- قال الملطاوي في صفحة : 123 – 124 : ( وكان معاوية قد خرج بعد موت الإمام الحسن عن مبدأ الشورى وحمل الناس بالسلطان والسيف على بيعة ابنه يزيد الذي لم يكن أهلا للخلافة )

التعليق : فنحن والله على مثل هذا عاديناكم, وعلى أقلّ من هذا نحذّر منكم ومن كتاباتكم, ولنا أركان نتكئ عليها, وجبال نستظل بها والحمد لله
فقد سئل الإمام أحمد على مثل هذا القول-ولكل قوم وارث- : حيث جاء في كتاب ( السنة ) للخلاّل - رحمه الله - برقم659 : قال أبو الحارث : وجهنا رقعة إلى أبي عبد الله ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصبا ؟ قال أبو عبد الله : ( هذا قول سوء رديء , يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون و نبين أمرهم للناس ) فرحم الله الإمام , في الذب عن الصحابة ما أصلبه! وعلى حبهم ما أعظمه

- قال الملطاوي بعد ذكره لمبايعة الصحابة لعليّ –رضي الله عنه- صفحة 10والتزم معاوية بيعتهم, فما باله لم يلتزم بيعتهم هذه المرّة )

التعليق : لوكان هؤلاء يعتقدون في معاوية شيئا يسيرا من عقيدة أهل السنة ! لما تكلموا عن كاتب الوحي بهذه الطريقة, وبهذا الأسلوب السيئ , وكأني بهم يعتقدون في معاوية ما يعتقده الرافضة الأنجاس , يقول ابن المطهّر الحلّي الرّافضي - قاتله الله - : ( وقد أحسن بعض الفضلاء في قوله: شرّ من إبليس من لم يسبقه في سالف طاعته,وجرى معه في ميدان معصيته) (12)
فوالذي أكرم معاوية إن المتتبع لما كتبه الطاعنون في هذا الصحابي الجليل من المفكرين الجهال ليعتقد جازما أنّهم يعتقدون فيه كما تعتقده الرافضة! والله المستعان
فانظر إلى قوله : ( فما باله لم يلتزم ) كيف وصل سوء الأدب مع عظماء الأمّة وأسياد الملّة , فما دخلك فيه يا ملطاوي إذا لم يلتزم - على قولك - وقد غفر الله للصحابة وتجاوز عنهم, وأين هي ردودكم على الخارجين على عليّ بل وعلى قاتله وسائر الخوارج؟! أين هو نقدكم وبيانكم وغيرتكم على علي - رضي الله عنه - ؟! أم هو الميزان المجحف, والمكيال المتلف ؟!

- قال الملطاوي في صفحة :10 ( وإذا كنّا مطالبين بحفظ حرمة الصحابة فمعاوية و أعوانه من الصحابة مطالبون بكفّ النفس عن الهوى قبل غيرهم من الأجيال التي تليهم )

التعليق : صدق ورب الكعبة أبو توبة الحلبي - رحمه الله - الذي قال :
( معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه ) (3)

فهل تيقن العاقل أن القوم لا يريدون معاوية لذاته ! بل قصدهم سائر إخوانه من المهاجريين والأنصار, ثمّ يالله العجب ! فالقوم يستشعرون منزلة الصحبة وهم يكتبون, فالحجة قائمة عليهم, ويظهر ذلك من قوله : ( أعوانه من الصحابة ) , أولم يكن لهؤلاء ورد من كتاب الله يتلونه ؟ أما وقف هؤلاء على مثل قوله تعالى :{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ }

فلو أنكم من الرافضة تعتقدون تحريف كتاب الله لهان الخطب, ولذهب العجب, ولكنكم للأسف تنتسبون لملّة تعظّم كتاب الله ! وهل علم - الجاهل المفتري - أنه يطعن في اختيار الله تعالى ؟
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه و سلم خير قلوب الناس فاختار محمد صلى الله عليه و سلم فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه ثم نظر في قلوب الناس بعده فاختار له أصحابه فجعلهم أنصار دينه ) (13)

- قال الملطاوي بعد ذكره لتوبة الصحابة الذين قاتلوا عليّ في زعمه صفحة 11: ( أما معاوية فأبى من دونهم إلاّ كيدا ونفورا وأعلنها حربا شعواء صلى المسلمون بنارها ) , نعم صحيح أن معاوية أعلنها حربا شعواء ! لكن صلى الرّوم بنارها ! وأما المسلمون فلم يجدوا من خليفتهم إلا الرحمة والعدل والأمان,قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : ( وكانت سيرة معاوية مع رعيته من خيار سير الولاة وكان رعيته يحبونه وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:خيارأئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم, وتصلّون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم, الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم )(14)

وهبّ أنّ معاوية ظلم وقاتل وقتل ! ألم تكن هداية القرآن تربّي من جاء بعد الصحابة على الاستغفار لهم ؟! أوليس الله يعلم السرّ والعلن ويعلم ما كان وما سيكون!

قال ابن عباس - رضي الله عنها - : ( لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإنّ الله عز وجل قد أمر بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون ) (15)

وأضف إلى ذلك: إنّ سبب ضلالكم, أن عقولكم الضعيفة ونفوسكم المهزوزة, وبعدكم عن العلم الشرعي والمعتقد السنيّ, أرداكم وجعلكم في الحضيض

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - : ( وقتال المسلمين بعضهم بعضا بتأويل, وسب بعضهم بعضا بتأويل, وتكفير بعضهم بعضا بتأويل : باب عظيم, ومن لم يعلم حقيقة الواجب فيه, وإلا ضلّ ) (16) نعم وإلا ضلّ كما ضلّ الملطاوي, والله الهادي

- قال الملطاوي كما في صفحة 12 : ( فكيف بالله أجاري من يقول إنّ معاوية كان مجتهدا )

التعليق : يلاحظ من هذا القول أن مثل هذا من الكتّاب يعرفون الحق ويخالفونه, فقوله هذا يثبت أنهم على دراية بأقوال أهل الإسلام الذين دافعوا عن معاوية, وجعلوه إماما مجتهدا والمسكين لا يدري أنّه يقابل نصوص الدّين وإجماع المسلمين, لأنّ معاوية مجتهد قطعا
قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله- (ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفا وخلفا)(17)
بل في صحيح البخاري (3764) ما يثبت ذلك, فعن عكرمة قال : قلت لابن عباس : إن معاوية أوتر بركعة, فقال : ( إنه فقيه, إنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) , قال العلاّمة عبد العزيز بن حامد - رحمه الله - قال الشرّاح أي : مجتهد) (18)

- قال الملطاوي كما في صفحة 13 : ( وإني أقول بعدما سردت كارها لمعاوية وعمرو تلك المساوئ كما نقلها ثقات المؤرخين :ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )

التعليق : إن مكر هؤلاء لمدروس, وكيدهم لمقصود! فكيف يفسّر قوله هذا مع ما جاء في كتابه من طعن خبيث, يُظهر ذلكم الحقد الدفين ثم يختم بقوله هذا التمسكن ؟!
إنه الضحك على عقول الناس, وإنه بهذا الأسلوب يستخف عقول بعض الجهلة, وأما عقلاء الإسلام وجمهور أهل السنة فلا ينطلي عليهم هذا المكر الكبار

أويظنّ هذا الأفّاك أن كتب التاريخ لم تؤلّف إلا له ولأتباعه ؟! ولم تجعل إلا في مكاتبهم ! حتى يصل بهم الكذب والفجور إلى هذا الحدّ , أتريد أن تُفهم الناس أن كتب التاريخ لم تحفظ لمعاوية إلا هذه المساوئ؟!كلاّ - والذي أخزاكم وأكرم معاوية - والملاحظ أنّ الراّفضة الأوائل من أهل التواريخ التالفة والذين يعتبرون من أعداء الصحابة, لأحسن حالا من هذا الكاذب وأمثاله, فتجد الواحد منهم يروي شيئا من محاسن معاوية, بخلاف هؤلاء المعتدين, الذين شابهوا اليهود في جحدهم الحق وكتمانهم له بعد ما عرفوه:{ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

ولنترك كتب التاريخ جانبا ونقول : إن حرمة معاوية وعظيم حسناته ليجدها العاقل الغيور في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وحتّى كتب التاريخ لتشهد صارخة بكذب هذا الأفاك, قال ابن كثير : ( وكان يغزو الروم في كلّ سنة مرّتين مرّة في الصيف ومرّة في الشتاء و يأمر رجلا من قومه أن يحجّ بالنّاس ) (19)

- قال الحافظ أبو نعيم - رحمه الله - : ( ملك الناس كلهم عشرين سنة منفردا بالملك يفتح الله به الفتوح ويغزو الروم, ويقسم الفيء والغنيمة, ويقيم الحدود, والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا ) (20)

قال شيخ الإسلام : ( وكانت سيرة معاوية مع رعيته من خيار سير الولاة و كان رعيته يحبونه وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : خيار أئمتكم الذين تحبونهم و يحبونكم , و تصلّون عليهم و يصلون عليكم وشرار أئمتكم , الذين تبغضونهم و يبغضونكم و تلعنونهم و يلعنونكم ) (21)
فكيف بالله لا تذكر هذه الحسنات ؟ولماذا هذه الحرب المقصودة ؟! فرحماك ربي

- قال الملطاوي في صفحة 85 : ( وكان لمعاوية أكبر ضلع في تلك الفتنة المشؤومة )
قال تعالى : {الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} هلك - والله - من كان خصمه معاوية يوم القيامة !
إن هذه الشهادة الآثمة ليستحق صاحبها أشدّ أنواع التعزيرات, هذا إذا قالها في آحاد الناس فكيف إذا قيلت في صحابيّ جليل ؟! لكن في زمن عمر بن عبد العزيز !
قال إبراهيم بن ميسرة : ( ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانا قط إلا إنسانا شتم معاوية فإنه ضربه أسواطا ) (البداية والنمهاية 8 /535)
- قال الملطاوي في صفحة 96: ( وقد ذهب المال وذهب الرجال وسجّل التاريخ موقفا مخزيا لكلّ من معاوية وعبيد الله بن عبّاس )
إنّ عين الباطل لا تبصر في الحق شيئا, ولسان المفكّر لا يعرف أن يقول الحسنى في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم , وهل يعقل بحال أن نختزل تاريخ معاوية - رضي الله عنه - في واقعة مخزية كما يسمّيها هذا المفتري ؟!

هذا بيان للملطاوي وغيره :

قال الإمام البخاري - رحمه الله - ( باب ما قيل في قتال الروم ) ثمّ ساق حديث أمّ حرام -رضي الله عنها- (2924) أنّها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
( أوّل جيش من أمّتي يغزون البحر قد أوجبوا )
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : ( وقوله : قد أوجبوا, أي فعلوا فعلا وجبت لهم به الجنة ) وقال أيضا : ( قال مهلب : في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر ) (22)
فكيف تترك هذه المنقبة الرهيبة يا ملطاوي, والتي مصدرها البخاري وما أدراك ما البخاري ؟! ثم تلجأ إلى مغارات التواريخ التالفة, فتخرج منها من الأخبار الواهية ما تشوّه به تاريخ معاوية , فلا حرمنا الله نعمة الإيمان و العقل
- قال الملطاوي كما في صفحة 104 : ( ولقد غلب على معاوية في سياسته جانب الدنيا على جانب الدين )
من باب تذكير القارئ أقول :إن صاحب هذا الكلام رجل من المحسوبين على أهل السنة وأهل الإسلام,و هذا حتى لا يفهم القارئ أن صاحب الكلام رافضي أو زنديق !
ونقول للملطاوي : من أين لك هذا الإستقراء الدقيق, وأي مصدر تكلّم على سياسة معاوية بكل تفصيل ؟! و الذي ما جعلك تنقل وتستخلص من نقولاتك سياسة معاوية ؟!
أوليس من أسس منهجكم الأدبي النقدي ما سطّره سيدكم قطب وأبانه, حيث قال في كتابه ( النقد الأدبي ) صفحة : 167 – 168 : ( فالاستقراء الناقص يؤدّي بنا دائما على الخطأ في الحكم ومن الاستقراء الناقص ,الاعتماد على الحوادث البارزة والظواهر الفذة التي لا تمثل سيرة الحياة الطبيعي, فألمع الحوادث وأبرز الظواهر ليست أكثر دلالة من الحوادث العامة و الظواهر الصغيرة, وما نراه نحن أكثر دلالة قد لا يكون كذلك في ذاته, بل ربما كان انجذابنا الخاص للإعجاب به أو عليه هو علة ما نرى فيه من دلالة بارزة! والأسلم أن نجمع أقصى ما نستطيع الحصول عليه من الظواهر والدلائل : حادثة أو نصا أو مستندا ...وألاّ نصدر أحكامنا إلاّ بعد الانتهاء من جميع هذه الأسانيد, فذلك أضمن وأكفل وأصوب )
إن مثل هذا الكلام لم يجد تطبيقا في الواقع لا من قائله ولا من أتباعه وخلاّنه , لأّنه من الشدائد على أنفسهم الضعيفة الظالمة ! والله المستعان




يتبع ان شاء الله










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-18, 00:11   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B18

درء الأحقاد المتهاوية ونصرة كاتب الوحيّ معاوية -رضي الله عنه-

لأبي معاذ محمد مرابط -سدّده الله-

الجزء الثالث


الوقفة الثالثة مع الكاتب الفلسطيني صالح عوض

إنّ هذا الكاتب يعتبر حلقة من تلكم القلادة البالية, التي شغلت نفسها في سبيل النيل من هذا الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه
فقد طلع علينا هذا الكاتب بمقالات أدبية وكتابات سياسية في جريدة الشروق الجزائرية ومن تلكم المقالات مقال كتبه بعنوان :

( الحسين بن علي : رمز الإنسانية دفاعا عن حقوقها ) (23)

وإذا رأيت مثل هذه العناوين, من أمثال هذا الأفاك فاعلم أن الطّعن في معاوية مرسوم تحتها , كشأن هذا المقال
قال المفتري صالح عوض : (عندما اغتصب معاوية بن أبي سفيان الحكم ودمر النسيج الإسلامي الرائع في الخلافة الراشدة أرسي أسس الحكم بالجبر متصديا بذلك للتصور الإسلامي في الحكم ومخالفا لجمهرة علماء الأمة وقادتها من كبار الصحابة..وكانت الطامة عندما أخذ البيعة لابنه يزيد بقوة السيف من رجال كثير من علماء الأمة..فجاء ابنه يزيد حاكما لأمة محمد بغير ما عهدته في دين الإسلام)

التعليق:

أبقلم رافضي كتب هذا أم بقلم معتوه ؟! إنّها والله أقلام الرافضة تجري على صفحات هؤلاء الجهّال, فأيّ حكم اغتصبه معاوية يا هذا ؟! وأي جبر وأي قوة استعملها ؟! أخرجوا لنا أخباركم يا مثقفين !
ونقول لهذا الكاتب ما قاله هو لغيره : ( أصبح التصنيف سريعا ولا يراعي الموضوعية والعلمية ولا المصالح العليا للأمة)(24)
وإلاّ فليظهر لنا أسانيده لو كان صادقا هو وأمثاله وأشياعه ؟! ولن يستطيعوا إظهار المعدوم, لأننا واثقون ببطلانه وكذبه , يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - : ( نحن نطالب بصحة هذا الحديث فإن الاحتجاج بالحديث لا يجوز إلا بعد ثبوته, ونحن نقول هذا في مقام المناظرة , وإلا فنحن نعلم قطعا أنه كذب ) (25)
وأما عن بيعة معاوية وطريقة ولايته فمحفوظة مبثوثة في كتب أهل الحديث فلا داعي للكذب والفجور
يقول ابن كثير-رحمه الله - أجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين كما قدمنا فلم يزل مستقلا بالأمر في هذه المدّة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته) (26)
ويقول الحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله - : ( واجتمع الناس عليه حين بايع له الحسن بن علي رضي الله عنه و جماعة ممن معه ) (27)
فالقارئ الكريم يجد البون الشاسع بين أقوال الأئمة و بين هذيان هؤلاء الجهلة
ومن محاسن الزمان أن عاما سمّي : (بعام الجماعة) كان سببه الصّلح بين الحسن ومعاوية -رضي الله عنهما- فدخل الناس طوعا تحت إمرة معاوية, فما هو السبب يا ترى من قلب هؤلاء لتاريخ الأمة وجعل حسناته مساوئ
يقول الإمام المحدّث المؤرخ خليفة بن خياط - رحمه الله - وهو يتحدّث عن حوادث سنة إحدى وأربعين : ( فيها سنة الجماعة : اجتمع الحسن بن علي بن أبي طالب ومعاوية , فاجتمعا بمسكن من أرض السواد من ناحية الأنبار فاصطلحا وسلّم الحسن بن علي على معاوية .... واجتمع الناس على معاوية ) (28)
فأين هو ذكر القوّة والتجبر والتسلط ؟! أم هي عقول الرافضة تذرف ضلالها !
إن أمثال هذا الدعيّ ليعتمدون على أكاذيب الرافضة وأسيادهم من أتباع تلكم الملة الخبيثة والنحلة الكافرة , بل هم جزء من التربية الرافضية
وها هو هذا الكاتب يعترف ويصرح بقوله في أحد كتاباته : ( وقد منحني الله فرصا عزيزة التقيت فيها برجالات ذوي قامات عالية من الشيعة واستمعت لأقوالهم ودرست كتبا جمة من كتب مفكريهم وعلمائهم، ولكثير منهم قيمة علمية فائقة لن أنسى أبدا المرحوم العلامة آية الله محمد حسين فضل الله الذي كان مثالا للإحساس بالمسئولية والأمانة ) (29) فهل بقي شكّ لمتريّث فيما ذكرته ؟!
وانتبهوا يا أولي الأبصار إلى قوله : ( واستمعت لأقوالهم ودرست كتبا جمة من كتب مفكريهم وعلمائهم ) حتى تعرفوا سبب تسطيره لتلكم المفتريات الخبيثة عن معاوية -رضي الله عنه- وأرضاه وهذا بعد دراسة الكتب الجمّة في دين الرافضة ! فهل نحن منتبهون ؟!
والدّارس الفصيح : يعرف الفرق بين ( الدّراسة) و( القراءة )
وملاحظة هامّة عن هؤلاء الأفّاكين : أنّ أسلوبهم - الهجوميّ - في حق الصحابة يُمسخ إلى أسلوب دفاعيّ في حق الشيعة الرافضة, فهم لا يقبلون أي طعن في سبّابة الصحابة, وتجدهم عند الكلام في قضية إيران و (حزب أعداء الله ) من أعقل الناس وأعرفهم بمصالح الأمة , وهذا الكاتب ضرب أعظم الأمثلة في هذا
فهاهو يقول مدافعا عن إيران : (ولنسلم بكل ما يقول الملأ من أنصاف المتعلمين وأنصاف الساسة وأنصاف المثقفين عن إيران الفارسية الشيعية..ولنسأل أسئلة عديدة وهل إسرائيل عربية سنية؟؟!! )(30)
الملاحظة الأولى : كل من عرف حقيقة إيران المجوسية - فهو من الأنصاف - سواء في السياسة أوالثقافة, أوالعلم الشرعي!, أما الطعن والنيل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عين الكمال .

الملاحظة الثانية :

هل يا ترى في مسألة معاوية يا عوض : لا نسأل الأسئلة العديدة الذي طالبت بها في قضية إيران ؟ أم هي القسمة الظالمة
وقال أيضا في نفس العدد : ( لماذا إذن كل هذا العداء وهذه الحساسية من إيران؟؟ صحيح إيران ليست نحن بالضبط ولكن ما بيننا وبينها قواسم مشتركة عديدة بيننا وبينها تاريخ حضارة طويل مشترك أسهم الإيرانيون فيه بكثافة بيننا وبينهم تقديس الإسلام وأركانه والتوجه لقبلة واحدة وتعظيم نبي واحد ومحبة لآل بيته )
إنّ لسان الغيور يقول : ولماذا يا عوض كل هذه الحساسية من معاوية ؟؟! ولماذا كل هذا العداء على كاتب الوحيّ ؟! أوليس بيننا وبين معاوية قواسم تحفظ له حرمته ؟! أوليس التاريخ الذي تبكي عليه قد صنعه معاوية وأصحابة ؟سل أهل فلسطين وأهل الشام وأنت منهم! عن تاريخ معاوية وفتوحه, وولايته على الشامّ !
يقول الحافظ الذهبي - رحمه الله - : ( وكان محبّبا إلى رعيّته, عمل نيابة الشامّ عشرين سنة والخلافة عشرين سنة ولم يهجه أحد في دولته, بل دانت له الأمم, وحكم على العرب والعجم, وكان ملكه على الحرمين, ومصر والشام والعراق وخراسان, وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك ) (31)
وحتى نبيّن أن الدفاع عن الرافضة هو منهج يرتسمه أمثال عوض أنقل دافعا آخر عن حزب رافضي خبيث ألا وهو ( حزب - أعداء- الله )
حيث قال : (نرى أن حزب الله اللبناني قاتل إسرائيل شهرا كاملا كان القتال الأعنف في تاريخ إسرائيل .. وكانت الأمة كلها مع حزب الله.. لأنها في تلك اللحظات بحثت عن المشترك الذي يجمعها والشيعة ورأت فيه ما ينوب عنها في معركة الواجب في الحين الذي تطوع الحكام بشن الحرب الضروس على حزب الله واتهامه بتخريب البلاد وإهلاك العباد ومنذ تلك اللحظات بدأت المؤامرات المتنوعة على حزب الله لإسقاط ظاهرة نبيلة كريمة بزغت في الأمة.. ومن هذه المؤامرات الخبيثة أن يزج حزب الله في دوامة الدعاية الطائفية، وأن تلصق به تهم طائفية..) (32) وقال أيضا في نفس العددحزب الله أذل إسرائيل وأعز العرب والمسلمين وأغاظ الأمريكان،وأن هذا لعمري العمل الصالح الذي يرفعه الله ويكرمه )
التعليق : من وقف على مطاعنكم في تاريخ معاوية - وهو يجهل - لقال إنكم من أعلم الناس بخبايا التاريخ ! ومن وقف على مثل هذا الهراء ليتيقن أنكم من أجهل الناس بتاريخ الأمة وماضيها الزاهر
فأيّ ذلّ ألحقه حزب الرافضة باليهود ؟! في أي سنة كان ؟ وفي أيّ بلد وقع ؟ هل يعيش صالح عوض في عالم الغيب ! فلا نرى ما يراه, أم هل يستوطن كوكبا آخر ؟! فاللهم رحماك , ولو فرضنا صدق ما تقول, فهل يقارن هذا بما قام به معاوية الفاتح الغازي المجاهد مذلّ الرّوم وقياصرة الكفر والشرك ؟!
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - وهو يتكلّم عن الفتنة التي وقعت بين عليّ ومعاوية - رضي الله عنهما - : ( لم يقع في تلك الأيام فتح بالكلية, لا على يديه ولا على يد علي وطمع في معاوية ملك الروم بعد أن كان قد أخشاه وأذله وقهر جنده ودحاهم فلما رأى ملك الروم اشتغال معاوية بحرب علي تدانى إلى بعض البلاد في جنود عظيمة وطمع فيه, فكتب معاوية إليه : والله لئن لم تنته, وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحنّ أنا وابن عمي عليك ولأخرجنّك من جميع بلادك, ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت, فعند ذلك خاف ملك الروم وانكفّ وبعث يطلب الهدنة ) (33)
فهل يا عوض وجدت إذلال لأعداء الله أكثر من هذا ؟ وهل تقارن دولة اليهود الجبانة المعاصرة بمملكة الروم ؟! فمالكم لا تعقلون
وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-أيضا : ( وكان يغزو الروم في كلّ سنة مرّتين مرّة في الصيف ومرّة في الشتاء ويأمر رجلا من قومه أن يحجّ بالنّاس )(19)
هل تستشعر يا عوض هذا العزّ الذي لا أظنه يدور بخلدك ! يغزو في كل سنة مرتين! ويغزو من ؟! الرّوم ! الله اكبر , فما أضيق صدوركم وما أصغر عقولكم
وأما ( حزب أعداء الله ) الرافضي فلم نر منهم إلا إذلال أهل السنة ,وكيف يغيب عنك ما صنع بإخوانك الفلسطينين يوم أن كان بتسميته الأولى (حركة أمل) ؟!
إنّك يا عوض لم تعرف للصحابة قدرا, ويظهر ذلك عندما نقف على أقوالك في معظّميك الذين عاصرتهم وانبهرت أمام شخصياتهم المهزوزة
فها أنت تقول وترتعد عند ذكر أسيادك : (عندما يقف المرء أمام قامة عالية مثل العلامة المجاهد الشيخ يوسف القرضاوي لا يملك إلا أن يدعو الله تعالى بأن يهبه مزيدا من اللياقة وحسن الأدب لأن العلماء ورثة الأنبياء، وإن قلة الأدب في حضرتهم ليست إلا تعبيرا عن سوء خلق وفساد جبلة ) (34)
فأيّ قامة يارجل تدعيها لمحبوبك ؟! ونحن بكلامك ندينك, فأنت عبّرت عن سوء خلقك بطعنك في معاوية وأظهرت فساد جبلتك , وهل تجد معتوها يشهد معك على تفضيل القرضاوي على معاوية ؟! وأنّ مقامه أشدّ وأعلى من مقام كاتب الوحيّ
يا مسكين : أسمعت بكبير من كبراء الأمة يقال له : عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - ؟! أتدري مقامه الفاخر أمام مقام معاوية ماذا يساوي عند أئمتنا وكبرائنا ؟! فاسمع وتعلّم
سئل ابن المبارك عن معاوية وعمر بن عبد العزيز أيهما أفضل فقال: (لتراب في أنف منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه و سلم خير و أفضل من عمر بن عبد العزيز)(35)
قال العلامة عبد العزيز بن حامد - رحمه الله - موضّحا : ( فتأمّل في هذه المنقبة, وإنّما يظهر عليك فضيلة هذه الكلمة وإذا عرفت فضائل عبد الله بن المبارك, وعمر بن عبد العزيز وهي لا تحصى ) (36)
وقيل للمعافى بن عمران : معاوية أفضل أو عمربن عبد العزيز ؟ فقال كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبد العزيز ) (37)
فهل عرفت حسن تعليم مثل هذا ؟ ولا أستبعد منك قولا سيئا في ابن المبارك !

أما كان بوسع الإمام ابن المبارك أن يقول جوابا : معاوية أفضل ؟ نعم كان بوسعه, لكن قد عرف مقاصد قوم, وغايات قد لاحت من كلمات وأسئلة, فأراد حسمها وقلعها من أصولها فرحمه الله

فهذا شأن معاوية أما عمر بن عبد العزيز , فكيف الشأن مع القرضاوي ؟!
وإنّك يا عوض لأحوج للدعاء بأن يصفّي الله قلبك من الحقد الأسود على كاتب الوحي وأن ترزق محبة هذا الصحابي الجليل

قال عوض أيضا مثنيا ومفتخرا بأسياده : ( إن تهيبا كبيرا يجتاحني وأنا أقترب من الحديث عن علمين من أعلام نهضة الفكر العربي الإسلامي المعاصر سيد قطب ومالك بن نبي.. وأدرك بداية صعوبة التناول وحساسيته ) (38)

نعم الكلام عن سيد قطب ومالك بن نبي له الحساسية والصعوبة ما يجعله يهابه ويخافه أمّا معاوية فقد (اغتصب الحكم ودمر النسيج الإسلامي الرائع في الخلافة الراشدة أرسي أسس الحكم بالجبر متصديا بذلك للتصور الإسلامي في الحكم ومخالفا لجمهرة علماء الأمة وقادتها من كبار الصحابة )

هكذا بكل سهولة ودون حساسية وصعوبة ؟ أظن أن في هذا كفاية لمن عظّم الصحب الكرام










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-18, 00:16   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










M001

يتبع ان شاء الله










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-18, 15:28   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B18

درء الأحقاد المتهاوية ونصرة كاتب الوحيّ معاوية -رضي الله عنه-

لأبي معاذ محمد مرابط -سدّده الله-

الجزء الرابع

مطاعن المفتري صادق -كاذب- سلايمية


هالني ما وقفت عليه من صفحة فاجرة سوّدها هذا المفتون بطعن خبيث في كاتب الوحي الجليل معاوية رضي الله عنه وأرضاه , فهو بطعنه هذا في معاوية سار بمسيرة الزنادقة من الرافضة وأشياعهم, فبئس السير وبئس المسير
قال الحاقد سلايمية وهو يتحدّث عن الانتخابات والأحزاب التي تجري في عروقه : ( وما صحّ في هذه الانتخابات الملغاة وغير الملغاة لمعاوية لم يصح لعليّ, وما صحّ لمروان بن الحكم لم يصحّ لأبي ذرّ وعمار ) (39)
انظر لشدّة مكر هؤلاء : فقد ذكر معاوية في مقابلة عليّ رضي الله عنهما, وأما مروان بن الحكم فقد ذكره بمقابلة أبي ذرّ ! وكان عليه أن يحسن المشي ويحكم المسير حتى لا يخرج على مضمار الرافضة الذي يرتع فيه ! لأن القضية المفتراة هي بين أبي ذر وعثمان وليست بين مروان ! وبما أنّ الكاتب المفتري يعلم ما في قلوب أهل الإسلام تجاه عثمان لا تجده يغامر, أما في معاوية فيسهل القول السيء , لأنه رضي الله عنه قد جهل حاله الكثير, وضعف عن الدفاع عنه الجمّ الغفير, فلا ضير حالتئذ أن يلمزه ويغمزه , والله الموعد
وحتى لا أطيل مع من لا يصلح معه إلا التعزير, أنقل قصّة معبّرة وفيها ردّ من معاوية-رضي الله عنه- على هذا المفتري الضالّ وعلى كلّ حاقد طاعن فيه وفيها الكفاية
قال الزهري : حدثني عروة : أن المسور بن مخرمة أخبره : ( أنه وفد على معاوية فقضى حاجته، ثم خلا به فقال : يا مسور ما فعل طعنك على الأئمة ؟ قال : دعنا من هذا وأحسن، قال : (لا والله لتكلمني بذات نفسك بالذي تعيب علي، قال مسور : فلم أترك شيئا أعيبه عليه إلا بينت له، فقال : لا أبرأ من الذنب، فهل تعد لنا يا مسور ما نالي من الإصلاح في أمر العامة ؟ فإن الحسنة بعشر أمثالها، أم تعد الذنوب وتترك الإحسان ؟ قال : ما تذكر إلا الذنوب ، قال معاوية : فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك، تخشى أن تهلكك إن لم تغفر؟ قال : نعم ، قال : فما يجعلك الله برجاء المغفرة أحق مني؟ فوالله ما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكن والله لا أخير بين أمرين بين الله وبين غيره، إلا اخترت الله على ما سواه، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل، ويجزى فيه بالحسنات، ويجزى فيه بالذنوب إلا أن يعفو الله عنها، قال : فخصمني ، قال عروة : فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه ) (40)
قال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله - عن هذه القصّة : ( وهذا الخبر من أصحّ ما يروى من حديث ابن شهاب ) (41)
إنّ والله مثل هذا القصّة لتعتبر لجاما حارقا لأفواه المفترين, لأنّ همّة معاوية -رضي الله عنه - كانت في عليّين, ولم يكن يرضى بالدّون من القربات والعبادات , فكان مجاهدا عابدا غازيا , وأما همّة المفتري سلايمية فكانت في أسفل سافلين, وجهاده وغنائمه وأحسن ما ظفر به, وفرح به هو ما حدّث به , قال مخبرا عن محفوظ نحناح :
( وأردف يقول لي : خذ معك التلفاز - الذي كان في مكتبه - وهو ذو حجم صغير بالأبيض والأسود وأعتبره الغنيمة الوحيدة التي صحبتني وآنستني وأصبحت رأس الأثاث في البيت) (42) وأما معاوية فحاله و سجاياه ترتسم في كلام الحافظ ابن كثير – رحمه الله - :
( ولم تزل الفتوحات والجهاد قائما على ساقه في أيامه في بلاد الروم والفرنج و غيرهما ... والجهاد في بلاد العدوّ قائم وكلمة الله عالية والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض ) فليقارن المؤمن بين غنائم معاوية وغنيمة سلايمية , فقوم - التلفاز- يتحدّثون عمّن بالجنّة فاز !! فهل حقيقة هذه أو مجاز










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-20, 20:45   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B18

معاوية رضي الله عنه هو الميزان في حب الصحابة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-

رغبة مني في زيادة المعلومة و التوسع في العنوان الذي أشرقت به سحاب الخير بمقال أخينا المفضال : الواضح (1)

أقول : يلهث الكثير ممن استهوته الشياطين بالطعن في معاوية رضي الله عنه ، وإن لم يطعن قلل من شأنه بأن يسمه بأنه من مسلمة الفتح وأنه من الطلقاء إلى غيرها من الأمور .. حتى وصل بالبعض منهم إلى أن يتوقف في شأنه و يعرضه على ميزان الجرح والتعديل .. ناسياً أو متناسياً أنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الأمة قد أجمعت على تعديلهم دون استثناء من لابس الفتن منهم و من قعد .. و لم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة . انظر حول عدالة الصحابة : الاستيعاب لابن عبد البر (1/19) و فتح المغيث (3/103) و شرح الألفية للعراقي (3/13-14) والإصابة (1/9) و مقدمة ابن الصلاح (ص 147) والباعث الحثيث (ص 181-182) وشرح النووي على صحيح مسلم (15/149) والتقريب للنووي (2/214) والمستصفى للغزالي (ص 189-190 ) وفي غيرها من الكتب .

ذكر النووي في شرح صحيح مسلم (8/231) و ابن القيم في زاد المعاد (2/126) أن معاوية رضي الله عنه من مسلمة الفتح ، أي أنه أسلم سنة ( 8 هـ ) ، في حين ذكر أبو نعيم الأصبهاني كما في معرفة الصحابة (5/2496) و الذهبي كما في تاريخ الإسلام - عهد معاوية - ( ص 308) أنه أسلم قبيل الفتح .

ومرد الاختلاف بين المصادر حول تاريخ إسلام معاوية رضي الله عنه يعود إلى كون معاوية كان يخفي إسلامه ، كما ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات (1/131) ، وهو ما جزم به الذهبي ، حيث قال : أسلم قبل أبيه في عمرة القضاء أي في سنة ( 7 هـ ) وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه .. وأظهر إسلامه عام الفتح . انظر : تاريخ الإسلام عهد معاوية ( ص 308) .

وبعد هذا هل يبقى مطعن في معاوية رضي الله عنه من كونه من مسلمة الفتح وليس في ذلك مطعن - . وإن سلمنا بأنه من مسلمة الفتح ؛ فهل هذا يقلل من شأن صحبته رضي الله عنه ؟!

و لمن لا يعرف معاوية جيداً أعرّفه به : إن معاوية رضي الله عنه كان من كتاب الوحي ، و من أفضل الصحابة و أصدقهم لهجة و أكثرهم حلماً فكيف يعتقد أن يقاتل الخليفة الشرعي و يهرق دماء المسلمين من أجل ملك زائل ، و هو القائل : والله لا أخير بين أمرين ، بين الله و بين غيره إلا اخترت الله على سواه . سير أعلام النبلاء للذهبي (3/151) .

وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفاً في حلم معاوية رضي الله عنه ، ولعل هذا من بركة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاوية . انظر : تاريخ الإسلام للذهبي عهد معاوية ( ص 315) .

روى الترمذي في فضائل معاوية أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه ، فقالوا كيف يتولى معاوية و في الناس من هو خير مثل الحسن و الحسين . قال عمير و هو أحد الصحابة : لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اجعله هادياً مهدياً و اهد به . رواه الإمام أحمد في المسند (4/216) و صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/236) . و زاد الإمام الآجري في كتابه الشريعة (5/2436-2437) لفظة : ( ولا تعذبه ) . إسناده صحيح .

و أخرج الإمام أحمد ، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم علم معاوية الكتاب و قه العذاب . فضائل الصحابة (2/913) إسناده حسن .

و أخرج أبو داود و البخاري في الأدب المفرد من طريق أبي مجلز قال : خرج معاوية على ابن الزبير و ابن عامر ، فقام ابن عامر و جلس ابن الزبير ، فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار . سنن أبي داود (5/398) و الأدب المفرد (ص 339) ، الشريعة للآجري (5/2464) .

و أخرج ابن كثير في البداية والنهاية بسند صحيح ، أن معاوية رضي الله عنه ، كان إذا لقي الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : مرحباً بابن رسول الله وأهلاً ، و يأمر له بثلاثمائة ألف ، و يلقى ابن الزبير رضي الله عنه فيقول : مرحباً بابن عمة رسول الله وابن حواريه ، ويأمر له بمئة ألف . البداية والنهاية (8/137) .

و أخرج الآجري عن الزهري قال : لما قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه و جاء الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى معاوية ، فقال له معاوية : لو لم يكن لك فضل على يزيد إلا أن أمك من قريش و أمه امرأة من كلب ، لكان لك عليه فضل ، فكيف و أمك فاطمة بنت رسول صلى الله عليه وسلم ؟! . أنظر كتاب الشريعة (5/2469-2470) إسناده حسن .

و فضائل معاوية رضي الله عنه كثيرة ثابتة عموماً و خصوصاً ، فبالإضافة إلى ما ذكرت ، أورد شيئاً منها ..

فأما العموم .. فلما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً ( لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولانصيفه ) .

وأهل العلم مجمعون قاطبة على أن معاوية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أنه داخل في عموم هذا النص ، فمن سبه أو طعن فيه آثم بلا ريب بل سب الصحابة رضي الله عنهم من الكبائر .

وأما خصوصاً .. فلما رواه مسلم من حديث ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب ، فجاء فحطأني حطأة وقال : اذهب وادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت هو يأكل ، قال : ثم قال لي : اذهب فادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال : لا اشبع الله بطنه .

قال الحافظ الذهبي في التذكرة (2/699) : لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة و رحمة .

وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (16/156) : قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه ، فلهذا أدخله في هذا الباب ، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاءً له .

قلت : وهذا الحديث أخرجه مسلم تحت الأحاديث التي تندرج تحت باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه ، وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً و رحمة .

ومن فضائله ما قاله ابن عباس رضي الله عنه : ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية ، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب ، و لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب . رواه عبد الرزاق في المصنف (برقم 20985) بسند صحيح . إلى غيرها من الفضائل ..

أما ما يتشدق به البعض من نقلهم عن اسحاق بن راهوية أنه قال : ( لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل معاوية شيء ) .

فلا يثبت عنه ، فقد أخرج الحاكم كما في السير للذهبي (3/132) والفوائد المجموعة للشوكاني ( ص 407) عن الأصم أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثنا أبي ، سمعت ابن راهوية فذكره . و في الفوائد : سقطت ( حدثنا أبي ) ، و هي ثابتة فالأصم لم يسمع من ابن راهوية .

قلت : يعقوب بن يوسف بن معقل أبو الفضل النيسابوري والد الأصم مجهول الحال ، فقد ترجمة الخطيب في تاريخه (14/286) فما زاد على قوله : قدم بغداد وحدث بها عن إسحاق بن راهوية ، روى عنه محمد بن مخلد .

ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وله ذكر في ترجمة ابنه من السير (15/453) ولم يذكر فيه الذهبي أيضاً جرحاً ولا تعديلاً ، وذكر في الرواة عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ولم أجده في الجرح والتعديل ، ولا في الثقات ابن حبان . و بهذا فإن هذا القول ضعيف لم يثبت عن إسحاق بن راهوية رحمه الله .

و الذين لا يعرفون سيرة معاوية يستغربون إذا قلت لهم بأنه كان من الزاهدين و الصفوة الصالحين ، روى الإمام أحمد بسنده إلى علي بن أبي حملة عن أبيه قال : رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس و عليه ثوب مرقوع . كتاب الزهد (ص 172) .

و أخرج ابن كثير عن يونس بن ميسر الزاهد - و هو أحد شيوخ الإمام الأوزاعي - قال : رأيت معاوية في سوق دمشق و هو مردف وراءه وصيفاً و عليه قميص مرقوع الجيب و يسير في أسواق دمشق . البداية و النهاية (8/134) .

و قد أوردت هذه الأمثلة ليعلم الناس أن الصورة الحقيقية لمعاوية تخالف الصورة المكذوبة التي كان أعداؤه و أعداء الإسلام يصورونه بها ، فمن شاء بعد هذا أن يسمي معاوية خليفة ، أو أمير المؤمنين ، فإن سليمان بن مهران - الأعمش - و هو من الأئمة الأعلام الحفاظ كان يسمى بالمصحف لصدقه ، كاد يفضل معاوية على عمر بن عبد العزيز حتى في عدله .

و من لم يملأ - أمير المؤمنين - معاوية عينه ، و أراد أن يضن عليه بهذا اللقب ، فإن معاوية مضى إلى الله عز وجل بعدله و حلمه و جهاده و صالح عمله ، وكان و هو في دنيانا لا يبالي أن يلقب بالخليفة أو الملك . انظر حاشية محب الدين الخطيب على العواصم من القواصم (ص 217) .

و ذكر ابن العربي في كتابه العواصم أنه دخل بغداد و أقام فيها زمن العباسيين و المعروف أن بين بني العباس و بني أمية ما لا يخفى على الناس ، فوجد مكتوباً على أبواب مساجدها خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم معاوية خال المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين . العواصم من القواصم (ص 229-230) .

و قد سئل عبد الله بن المبارك ، أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان ، أم عمر بن عبد العزيز ؟
فقال : و الله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة ، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : سمع الله لمن حمده ، فقال معاوية : ربنا ولك الحمد . فما بعد هذا ؟ وفيات الأعيان ، لابن خلكان (3 /33) ، و بلفظ قريب منه عند الآجري في كتابه الشريعة (5/2466) .

و أخرج الآجري بسنده إلى الجراح الموصلي قال : سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود ؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان ؟! فرأيته غضب غضباً شديداً و قال : لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد ، معاوية رضي الله عنه كاتبه و صاحبه و صهره و أمينه على وحيه عز وجل . كتاب الشريعة للآجري ( 5/2466-2467) شرح السنة لللالكائي ، برقم (2785) . بسند صحيح .

و كذلك أخرج الآجري بسنده إلى أبو أسامة ، قيل له : أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟
فقال : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس بهم أحد . كتاب الشريعة (5/2465-2466) بسند صحيح ، و كذلك أخرج نحوه الخلال في السنة ، برقم (666) .

و قد قال عبد الله بن المبارك رحمه الله : معاوية عندنا محنة ، فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم ، يعني الصحابة . انظر البداية والنهاية لابن كثير (8/139) .

و سئل الإمام أحمد : ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ، ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟
قال أبو عبد الله : هذا قول سوء رديء ، يجانبون هؤلاء القوم ، ولا يجالسون ، و نبين أمرهم للناس . انظر : السنة للخلال (2/434) بسند صحيح .

وقال الربيع بن نافع الحلبي ( ت 241 هـ ) رحمه الله : معاوية ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه . البداية والنهاية (8/139) .

فوائد ..
قال محب الدين الخطيب رحمه الله : سألني مرة أحد شباب المسلمين ممن يحسن الظن برأيي في الرجال ما تقول في معاوية ؟ فقلت له : و من أنا حتى اسأل عن عظيم من عظماء هذه الأمة ، و صاحب من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، إنه مصباح من مصابيح الإسلام ، لكن هذا المصباح سطع إلى جانب أربع شموس ملأت الدنيا بأنوارها فغلبت أنوارها على نوره . حاشية محب الدين الخطيب على كتاب العواصم من القواصم ( ص 95) .

و قبل أن أختم ، أورد رأياً طريفاً للمؤرخ العلامة ابن خلدون في اعتبار معاوية من الخلفاء الراشدين فقد قال : إن دولة معاوية و أخباره كان ينبغي أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين و أخبارهم ، فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة . أنظر هذا القول في العواصم من القواصم ( ص 213) .

و ما ضر المسك معاوية عطره ، أن مات من شمه الزبال والجعل .. رغم أنف من أبى ..

و جزاكم الله خيراً ..


--------------------
(1) معاوية رضي الله عنه هو الميزان في حب الصحابة : هو أحد كتاب الوحي .. وهو الميزان في حب الصحابة .. ومفتاح الصحابة ..!!
رضي الله عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي .. وعن الصحابة أجمعين .. وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ..!!
قال ابن تيمية رحمه الله : كل من كان عن التوحيد والسنة أبعد ، كان إلى الشرك والابتداع والافتراء أقرب


كتبه

أخوكم : أبو عبد الله الذهبي .










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-20, 20:51   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










Hourse

فضل خال المؤمنين معاوية رضي الله عنه

https://www.youtube.com/watch?v=dXQv3d6nP94&feature=youtu.be










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-20, 21:19   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
AMARAGROPA
رحمــــــــه الله
 
الصورة الرمزية AMARAGROPA
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

هناك رسالة مبطنة.










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-20, 21:24   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B11

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في (البداية والنهاية 8 /20) :

(وقد ذكرنا في دلائل النبوة الحديث الوارد من طريق إسماعيل بن إبراهيم ابن مهاجر وفيه ضعف عن عبد الملك بن عمر قال قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لي: «يا معاوية إن ملكت فأحسن» . رواه البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن العباس بن محمد عن محمد بن سابق عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن إسماعيل، ثم قال البيهقي:
وله شواهد من وجوه أخر، منها حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص عن جده سعيد أن معاوية أخذ الإداوة فتبع رسول الله فنظر إليه فقال له: «يا معاوية إن وليت أمرا فاتق الله واعدل» قال معاوية: فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها حديث راشد بن سعد عن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم» قال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفعه الله بها.)










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-20, 21:29   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B18

الذب عن معاوية رضي الله عنه
و إبطال شبهة تبديله للحكم من الشورى إلى الوراثي


للكاتب : بلال بريغث

إنَّ من نكد العيش أن نعيش لنسمع ونرى التطاول على مقام الصحابة الكرام رضي الله عنهم وخاصة ما نشاهده من طعن في الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه و تكفيره ورميه بأبشع الصفات، فهاهي الرافضة التي لم يسلم منها إلا النفر القليل من الصحابة قد فرّخت في أعشاش أهل السنة ليظهر علينا اليوم أقوام ليس لهم نصيب من العلوم الشرعية ليطلقوا ألسنتهم فيمن هو أفضل منهم و أرفعهم درجة عند الله بكثير ، فبدعوى حب نصرة الإسلام و إعادة الخلافة الراشدة زعموا خلطوا الحابل بالنابل و أغرقوا البلاد في الفتن الخلاقة حتى أصبح الناس فيها حيارى لا يفرقون بين الحق و الباطل، وهذا مسلك خطير ومنهج شيعي رافضي بحت رُوج له عبر القنوات الفضائية المقيتة و عبر كتب سيد قطب الذميمة، و بعض الجرائد الجزائرية اليومية، فأصبحنا نسمع من هؤلاء الشباب بل من الصحافيات الكاسيات العاريات التهجم على معاوية رضي الله عنه و كأنه عدو لله بل وصفوه بأنه خارجي و أنه أول من نحى حكم الشورى والخلافة الراشدة كما يزعمون ووضع النظام الملكي الوراثي، وكأن لسان حالهم يقول : «إن معاناة المسلمين سببه معاوية رضي الله عنه» ، لهذا استعنت بالله جل وعلا ورفعت قلمي لأدافع بهذا المقال المتواضع عن هذا الصحابي الجليل وأبين أمر هذه الفرية السمجة مشاركة لإخواني في هذا المنتدى المبارك ونصحا للعامة و لجميع المسلمين حتى يتضح لهم أن معاوية رضي الله عنه و أرضاه لم يبدل شيئا في الإسلام و أن الشورى غير واجبة بل مستحبة سواء في استخراج الرأي أو في أمور الاستخلاف، فنسأل الله تبارك و تعالى أن يوفقنا لهذا العمل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حقيقة الشورى في الإسلام و مفهومها:
[لقد كثر الكلام في هذه الآونة الأخيرة عن الشورى في الإسلام، و هي في حقيقتها لا تعدو أن تكون بذل النصح للمنصوح بطلب أو بدون طلب وهي أمر مشروع في الإسلام و لا يختلف اثنان في مشروعية الشورى؛ لأن الله سبحانه و تعالى جعلها من صفات المؤمنين، بل حث عليها القرآن؛ حيث قال الله تعالى في تعداد كثير من صفات المؤمنين : ï´؟فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَï´¾[الشورى:36-39].
هذه مجموعة من صفات المؤمنين يعرضها القرآن الكريم، حاثا عليها تتوسطها«الشورى»؛ لأن المؤمن من دأبه أن يكون متواضعا غير متكبر، فلا يمنعه كبره من الاستشارة] ([12]). و عرَّفها الراغب الأصفهاني بقوله: « والتشاور والمشاورة والمَشُورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض، من قولهم: شِرْتُ العسل، إذا اتخذته من موضعه واستخرجته منه، قال الله تعالى: ï´؟وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِï´¾ [آل عمران: 159] الذي يتشاور فيه»([13]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «وقد قيل : إن الله أمر بها نبيَّه لتأليف قلوب أصحابه، وليقتدي به مَن بعده، وليَستخرِج منهم الرأي فيما لم يَنزِل فيه وحي، من أمر الحروب، والأمور الحربية وغير ذلك؛ فغيره صلى الله عليه وسلم أَوْلى بالمشورة»([14]).
و مما سبق الإشارة إليه من أن الشورى من صفات المؤمنين و أنها استخراج الرأي فيما لم يَنزِل فيه وحي، من أمر الحروب، والأمور الجزئية وغير ذلك؛ بقي أن نعرف هل الشورى واجبة على السلطان أم لا ؟
إذا أمعن النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم و دققنا في المواقف التي تعرض لها نلاحظ جيدا أنه قام في العديد من المرات بمشاورة أصحابه و لكنه لم يأخذ بها بل كان متوكلا على الله وحده في الأمور التي عزم على تنفيذها، فولي الأمر [إذا حصل لديه عزم على تنفيذ أمر ما لكونه واضحا لا غموض فيه، أو كان المقام مقاما يتطلب الحزم و البت لخطورته، و لديه قناعة كاملة بأن ذلك في صالح المجتمع الإسلامي؛ فعليه أن يبت في الأمر وحده بحزم و ثبات؛ متوكلا على الله، ومعتمدا عليه في نجاح الأسباب، دون استشارة، بل دون قبول لقول المستشار لو قدم رأيه ونصحه دون طلب من ولي الأمر]([15])، ولا يوجد أدل من قول الله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه و سلم :ï´؟ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَï´¾[آل عمرا،159]، قال البغوي في تفسيره : «قوله تعالى:ï´؟فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِï´¾ لا على مشاورتهم أي : قم بأمر الله وثق به واستعنه»([16]).
ومن هنا فاعلم أيها اليائس أن معاوية رضي الله عنه لم يبدل شيئا في الإسلام لأن المواقف التي سأذكرها بإذن الله تبين مدى براءته رضي الله عنه من هذه الفرية القبيحة .
هل الشورى تكون لجميع الناس؟:
اعلم وفقك الله أن الشورى لا تكون لجميع الناس برهم و فاجرهم بل هي لأهل الحل و العقد وهم العلماء و أهل الخبرة و الاختصاص ، ففي صحيح مسلم عن عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: حَدَّثَنِي عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال:«... فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: « مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى ؟».
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا نَبِيَّ اللهِ ! هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ.
فقالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟».
قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ! مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا، فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا.
فَهَوِيَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ.
فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ، جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا !؟
فَقَالَ رسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: «أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم -» وَأَنْزَلَ اللهُ عزّ وجلّ:ï´؟مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *ï´¾[الأنفال:67-68] فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ الْغَنِيمَةَ»([17]).
والشاهد من القصة واضح، فالنبي صلى الله عليه و سلم شاور صاحباه أبو بكر و عمر فاختار صلى الله عليه و سلم رأي أبي بكر و هو العفو عن الأسرى و لم يختر رأي عمر فدل هذا على أن الأمر كان اجتهادا منه بعد مشاورة أصحابه لأنه لم يكن عنده فيه من الله تعالى نص، وزيادة على هذا فهي من رواية ابن عباس ترجمان القرآن و كان تفسيره لقوله تعالى: ï´؟وشاوِرْهُمْ في الأَمْرِï´¾ قال: « أبو بكر وعمر رضي الله عنهما»([18]) و هذا ما يدل إلا على فقه ابن عباس رضي الله عنه إذ تفسيره هذا يدل على أن المشورة لا تكون لجميع الأمة بما فيها من صالح و طالح ، وإنما هي للعلماء وهم بطانة الإمام، و انظر من هي بطانة رسول الله صلى الله عليه و سلم كما في تفسير ابن عباس و الله المستعان.
وَ اَلْرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ:« إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا لَأَخَضْنَاهَا»([19]) قال الإمام النووي :« قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَصَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِبَارَ الْأَنْصَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ لِلْقِتَالِ وَطَلَبِ الْعَدُوِّ وَإِنَّمَا بَايَعَهُمْ عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمَّنْ يَقْصِدُهُ فَلَمَّا عَرَضَ الْخُرُوجَ لِعِيرِ أَبِي سُفْيَانَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ فَأَجَابُوهُ أَحْسَنَ جَوَابٍ بِالْمُوَافَقَةِ التَّامَّةِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَغَيْرِهَا» و قال : « وَفِيهِ اسْتِشَارَةُ الْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ وَالْخِبْرَةِ»([20]).
مواقف رسول الله صلى الله عليه و سلم في صلح الحديبية و غيرها:
فالكل يعرف ما وقع في صلح الحديبية بين سهيل بن عمرو و رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعد انتهاء مع جرى بينهما من صلح ذكر ابن كثير في البداية و النهاية أن عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: " بَلَى ". قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: " بَلَى ". قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَنْ؟! . قَالَ: " إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهُوَ نَاصِرِي ". قُلْتُ: أَوَلَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: " بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: لَا. قَالَ: " فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ ". قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ . قَالَ: بَلَى. قَالَ: قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذَنْ؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ. قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ»([21]).
و الشاهد من القصة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رفض طلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه المتضمن عدم القبول لتلك الشروط القاسية التي وضعها المشركون، و لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلها مع قساوتها و شدتها ولم يلتفت لرأي عمر رضي الله عنه ، بل نفذ الصلح متوكلا على الله عزوجل وحده لأن [أمره صلى الله عليه و سلم إذا ثبت لم يكن لأحد أن يخالفه ولا يتحيّل في مخالفته]([22])
وكذا فعل النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد ، قال الحافظ رحمه الله : «وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المُقام والخروج، فلما لبس لَأْمَته وعزم قالوا: أَقِمْ، فلم يَمِلْ إليهم بعد العزم وقال: لاينبغي لنبي يلبس لَأْمته فيضعها حتى يَحكم الله»([23]).
و كذلك [شاور عليّاً وأسامة فيما رَمَى به أهلُ الإفك عائشة فسمع منهما حتى نزل القرآن، فجلد الرامين ولم يلتفت إلى تنازعهم ولكن حكم بما أمره الله] ([24])
وكذلك فعل في غزوة الفتح [ حيث لم يعلن الرسول صلى الله عليه و سلم عنها لأصحابه، بل أخفى خبرها عنهم جميعا، فضلا عن أن يستشيرهم في أمرها، و لم يعلم أمر الغزو و سببه من الصحابة غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأن الموقف يتطلب الكتمان و التحفظ الشديدين، و هذا من خدع الحرب '' الحرب خدعة''.
وهذا الموقف يدل الذي قبله على أن الشورى لا يجريها ولي الأمر في جميع الأمور، بل عند الحاجة إليها، وعندما يكون الموقف عاديا، أما عند عدم الحاجة، أو عندما يكون الموقف حرجا يتطلب الكتمان أو البت دون استشارة أحد؛ فعليه أن يتوكل على الله، و يبت في الأمر؛ مستعينا بالله وحده] ([25]).
مواقف الصديق رضي الله عنه :
و كذالك مواقف الصديق رضي الله عنه المعروفة التي لا تخفى على الناس جميعا فقد قام بتنفيذ جيش أسامة و قاتل المرتدين و مانعي الزكاة و لم يلتفت لما أشار إليه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، قال ابن كثير في البداية و النهاية : « أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة لاحتياجه إليه، فيما هو أهم الآن مما جهز بسببه في حال السلامة، وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب، فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال: والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أن الطير تخطفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين، لأجهزن جيش أسامة، فجهزه وأمر الحرس يكونون حول المدينة، فكان خروجه في ذلك الوقت من أكبر المصالح والحالة تلك، فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب إلا أرعبوا منهم، وقالوا: ما خرج هؤلاء من قوم إلا وبهم منعة شديدة، فغابوا أربعين يوما، ويقال: سبعين يوما، ثم آبوا سالمين غانمين، ثم رجعوا فجهزهم حينئذ مع الأحياء الذين أخرجهم لقتال المرتدة ومانعي الزكاة»([26]).
و روى الجماعة في كتبهم سوى ابن ماجه عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر: «علام تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها»
فقال أبو بكر: والله لو منعوني عناقا، وفي رواية: عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلنهم على منعها، إن الزكاة حق المال، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.
قال عمر: فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق»([27]).
فالصديق رضي الله عنه لم يخالف أمر الله تعالى في قوله : ï´؟وشاوِرْهُمْ في الأَمْرِï´¾ بل شاور أصحابه تطبيقا لهذه الآية و أخذ برأيه لما رآه الأصوب و في مثل هذا يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله : « وَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُ مَشُورَةِ الْإِمَامِ رَعِيّتَهُ وَجَيْشَهُ اسْتِخْرَاجًا لِوَجْهِ الرّأْيِ وَاسْتِطَابَةً لِنَفُوسِهِمْ وَأَمْنًا لِعَتَبِهِمْ وَتَعَرّفًا لِمَصْلَحَةٍ يَخْتَصّ بِعِلْمِهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَامْتِثَالًا لِأَمْرِ الرّبّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ï´؟وشاوِرْهُمْ في الأَمْرِï´¾ وَقَدْ مَدَحَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ: ï´؟وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْï´¾[ الشورى: 38]»([28]).
هل الشورى واجبة في الاستخلاف؟:
و أما في أمر الاستخلاف و توريث الحكم و ما يدندن حوله المارقين من الدين أن عدم الأخذ بالشورى في تولية الحاكم يعد جريمة و خروجا عن الإسلام كما تقول الرافضة و من هم على طريقتهم ممن ينتسبون لأهل السنة من الفجرة، فإن وافقناهم على كلامهم بأن الشورى ملزمة في الحكم لأبطلنا خلافة أبي بكر و عمر و عثمان ، ولأبطلنا الاستخلاف الذي وردت الأدلة في جوازه ، و مما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : « قِيلَ لِعُمَرَ: أَلا تَسْتَخْلِفُ ؟ قَالَ : إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي ، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ رَاغِبٌ وَ رَاهِبٌ وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ لَا أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا»([29]).
و هذا من أقوى الأدلة على كون أبي بكر استخلف عمر من بعده ، و لم يترك الأمر شورى ، فهل يجرؤ أحد على تخطئة أبي بكر ، و المهاجرون و الأنصار شهود لا ينكرون؟
بل إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لو علم في الأمة اختلافا في تولية أبي بكر لعهد إليه من غير شورى ، فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:« قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ أَنَا أَوْلَى وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ»([30]).
قال ابن أبي العز الحنفي : «و الظاهر و الله أعلم أن المراد أنه لم يستخلف بعهد مكتوب ، و لو كتب عهدا لكتبه لأبي بكر ، بل قد أراد كتابته ثم تركه ، و قال : «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلا أَبَا بَكْرٍ».
فكان هذا أبلغ من مجرد العهد ، فإن النبي صلى الله عليه و سلم دل المسلمين على استخلاف أبي بكر، و أرشدهم إليه بأمور متعددة ، من أقواله و أفعاله ، و أخبر بخلافته إخبار راض بذلك ، حامدا له، و عزم على أن يكتب بذلك عهدا ، ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه ، فترك الكتاب اكتفاء بذلك»([31]).
قال أبو يعلى: «يجوز للإمام أن يعهد إلى إمام بعده ، و لا يحتاج في ذلك إلى شهادة أهل الحل والعقد، و ذلك لأن أبا بكر عهد إلى عمر رضي الله عنهما ، و عمر عهد إلى ستة من الصحابة رضوان الله عليهم ، و لم يعتبرا في حال العهد شهادة أهل الحل و العقد»([32]).
و قال الماوردي : «وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله فهو مما انعقد الإجماع على جوازه ، ووقع الاتفاق على صحته لأمرين عمل المسلمون بهما و لم يتنكروهما :
- أحدهما : أن أبا بكر رضي الله عنه عهد بها إلى عمر رضي الله عنه فأثبت المسلمون إمامته بعده ولم ينكروها.
- و الثاني : أن عمر رضي الله عنه عهد بها إلى أهل الشورى ، فقبلت الجماعة دخولهم فيها ، و هم أعيان العصر اعتقادا لصحة العهد بها ، و خرج باقي الصحابة منها ، و قال علي للعباس رضوان الله عليهما حين عاتبه على الدخول في الشورى : « كان أمرا عظيما من أمور الإسلام، لم أر لنفسي الخروج منه » فصار العهد بها إجماعا في انعقاد الإمامة »([33]).
وكذلك هناك أمر مهم وهو أن علي رضي الله عنه لم يشاور أحدا قبل موته بل بايع المسلمون الحسن بن علي رضي الله عنه دون إقامة الشورى ثم تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه، فبايعه الناس جميعاً، وسمي ذلك العام بعام الجماعة، فلم لم يشاور الحسن أصحابه عند تنازله عن الخلافة فهل نحكم بحكمكم ونقول أن الحسن رضي الله عنه كان مجرما عياذا بالله لأنه لم يطبق الشورى؟ ثم إن تنازل الحسن لا يدل إلا عن إسلام معاوية رضي الله عنه وفضله، وإلا لما كان للحسن رضي الله عنه أن يسلطه على ولاية المسلمين.
قال ابن حزم رحمه الله :« فبويع الحسن ، ثم سلَّم الأمر إلى معاوية ، وفي بقايا الصحابة من هو أفضل منهما ، بلا خلاف ، ممن أنفق قبل الفتح وقاتل ، فكلهم ـ أولهم عن آخرهم ـ بايع معاوية ، ورأى إمامته ، وهذا إجماع متيقن ، بعد إجماعٍ على جواز إمامة مَن غيره أفضل ، بيقين لا شك فيه ، إلى أن حدَث من لا وزن له عند الله تعالى ، فخرقوا الإجماع بآرائهم الفاسدة بلا دليل ، ونعوذ بالله من الخذلان»([34]).
فهل يبقى للقول بوجوب الشورى محل من هذه الأدلة القوية؟ و هل معاوية رضي الله عنه بدل الدين أم أنتم الذين خرقتم الإجماع بآرائكم الفاسدة بلا دليل و لا برهان؟ و هل هؤلاء العلماء الأجلاء فكرهم فكر سعودي بحت؟ و إن دل هذا فلا يدل إلا على حقدكم على الإسلام و المسلمين و أنكم لا تريدون نصرته بل تريدون القضاء عليه لأمر يعرفه كل عاقل وهو تنفيذ مخططاتكم الماسونية فنسأل الله أن يجعل كيدكم في نحوركم و أن يخزيكم في الدنيا و الآخرة و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-20, 21:36   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B10

عن الجراح الموصلي قال:

سمعتُ رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود ؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان ؟ فرأيته غضب غضباً شديداً ، وقال : لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد ، معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل .

" الشريعة " للآجري ( 5 / 2466 ، 2467) .










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-20, 21:39   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B11

سئل أحمد بن حنبل : ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ، ولا أقول أنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصبا ؟ قال أبو عبد الله : هذا قول سوء ردي ، يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ونبين أمرهم للناس . سنده صحيح السنة للخلال 659 .










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-20, 21:42   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B18

الكلام عن الحديث الموضوع: معاوية فرعون هذه الأمة!

عن عبدالمجيد بن أبي روَّاد عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة معاوية بن أبي سفيان”.

موضوع. ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية في (الأحاديث الواهية1/280 ).

ويلزم منه أن الخلفاء الراشدين الثلاثة ولوا على بلاد الشام فرعونا. وهو في الحقيقة طعن يعود عليهم بالطعن رضي الله عنهم. والصحيح أن أبا جهل هو فرعون هذه الأمة كما صح عن رسول الله وعن ابن مسعود. ولا يمكن ان يكون فرعون الأمة كاتب وحيها.

وهذا الحديث دلسه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد. وهذا يذكرنا بتلفيقه لحديث (حياتي خير لكم) وخلطه بحديث (إن لله ملائكة سياحين).

” ولا يُعرف هذا الحديث في أحاديث عبيد الله، ولم يسمع عبد المجيد بن أبي روّاد من عبيد الله شيئاً، ينبغي أن يكون عبد المجيد دلّسه، سمعه من إنسان فحدّث به. وعبد المجيد بن أبي روّاد مكي توفي سنة ست ومئتين، وقد سمع من مالك، وابن جريج ومعمر. في حين أن عبيد الله العمري قد توفي سنة سبع وأربعين ومئة.

ونص أحمد ويحيى على عدم سماع عبد المجيد من العمري، وقد أدركه، لأنه أدرك ابن جريج وبين وفاته ووفاة العمري نحو خمس سنين، وأما اللقاء فلا يوجد ما يدل عليه، إلا أنه ممكن لأنه لقي مالكاً وسمع منه.

وهذا والذي قبله أقرب ما يستدل به على إطلاق الإمام أحمد للتدليس على رواية الراوي عمن لقيه ولم يسمع منه، أو عمن أدركه ولم يسمع منه، ويمكن توجيهه بأن إطلاقه مبني على ما عرفُ به هشيم واشتهر به من التدليس عمن سمع منه ومن لم يسمع منه. قال المروذي: “وذكر ـ يعني أحمد بن حنبل ـ هُشيماً فقال: كان يدلِّس تدليساً وحشاً، وربما جاء بالحرف الذي لم يسمعه فيذكره في حديث آخر إذا انقطع الكلام يوصله”.

“وأما في عبد المجيد فقد اعتمد العلائي هذا النقل لجعله عبد المجيد بن أبي روّاد في المدلسين (جامع التحصيل ص107). وتبعه عليه ابن حجر (تعريف أهل التقديس ص94.).

وهذا من أظهر ما يستدل به على إطلاق التدليس على ما صورته الإرسال الخفي عند الإمام أحمد”. وقد جاء عن بعض المتقدمين غير الإمام أحمد إطلاق التدليس على هذه الصورة، من ذلك ما رواه الدُّوري عن ابن معين أنه قال: “دلّس هشيم عن زاذان ولم يسمع منه” وقال البخاري: “لا أعلم لسعيد بن أبي عروبة سماعاً من الأعمش، وهو يدلس ويروي عنه” (5علل الترمذي الكبير 2/877).

وقال الفسوي: “قد روى سعيد بن أبي عروبة عن عبيد الله بن عمر، وعن هشام بن عروة، وعن أبي بشر ولم يسمع منهم، إنما دلس عنهم، ولعمري إن ما روى عنهم مناكير” وقال الفسوي أيضاً: “ولم يسمع سالم من ثوبان، إنما هو تدليس” (المعرفة والتاريخ 2/123).

(عن كتاب: منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث2/724).

ونقل الزبيدي حكم الحافظ العراقي على الحديث بأنه « ضعيف لأن فيه عبد المجيد بن عبد العزيز، فهو وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون. ورواه الحارث ابن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف » (المغني عن حمل الأسفار2/1051 على هامش الإحياء).

وهذا استحسان من الزبيدي لتضعيف الحافظ العراقي.

غير أن الحافظ العراقي وهم في تجويد إسناد الرواية في طرح التثريب، والراجح أنه ذهل عما فصله في كتابه الآخر. ولا يعرض عن حكم جماهير أهل الجرح والتعديل ويتمسك بخطأ العراقي إلا محروم من إنصاف أهل الحديث.

ولنا من هذه الرواية مواقف:

وقال فيه ابن حبان « منكر الحديث جداً يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير: فاستحق الترك» (كتاب المجروحين2/205). وقال الحافظ في التقريب « صدوق يخطئ وكان مرجئاً» (4160).

وذكر الزبيدي طريقا أخرى عند ابن سعد في الطبقات عن بكر بن عبد الله المزني مرسلاً (إتحاف السادة المتقين 9/ 176 – 177 وانظر الإحياء 4/ 148). ولما قاله الحافظ البزار « لم نعرف آخره يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه» وإنما رواه النسائي (رقم 1282) من دون هذه الزيادة.

والحديث ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد 9/ 24) وقال « رواه البزار ورجاله رجال الصحيح».

وهذه العبارة لا تفيد صحة الإسناد أو الحديث كما هو معروف عند أهل الحديث، فلا يجوز أن يقال « صححه الهيثمي» فهذه تمويه وتلبيس على العامة، فان صحة الإسناد ليست لازمة لصحة الحديث، لا يلزم منه صحة الرواية كما بينه الحافظ في التلخيص3/19) بل بينهما مراتب، فكم من سند صحيح رواته ثقات وهو شاذ أو معلل، وشرط الحديث الصحيح أن يبرأ من الشذوذ والعلة.

2) الرواية غير متواترة لمن يطالبون باشتراط المتواتر في العقائد. بل ضعيفة لا آحاد فقط، وهم قد تجاهلوا ترك عمر للتوسل بالنبي e بعد موته، وآثروا الضعيف على المتواتر.

3) أنها تحث على الإرجاء وراويها عبد المجيد بن عبد العزيز مبتدع متهم بالدعاية للإرجاء حتى أدخل أباه فيه. وهو الذي روى الرواية الموضوعة عن ابن عباس « وما نعلم الحق إلا في المرجئة» (ميزان الاعتدال2/648 وانظر العلل لأحمد 2/113 الجرح والتعديل 6/46 تهذيب التهذيب6/381 الضعفاء الصغير للبخاري 239).

وقد شهد عليه أحمد والبخاري بأنه من غلاة المرجئة. قال « كان فيه غلو في الإرجاء». وقال أبو داود: « كان داعية في الإرجاء» (تهذيب التهذيب 6/381).

ومن المقرر عند علماء الحديث أن المبتدع إذا تفرد برواية تؤيد بدعته وان داعية لها فإن روايته مردودة. وهذا جرح مفسر مقدم على التوثيق.

وهذا الحديث يؤيد مذهبه في الإرجاء. فإنه ما دام العمل معروضا على النبي e فيستغفر فلا تضر المعاصي حينئذ كبيرة كانت أو صغيرة إذ جاء الاستغفار في الحديث مطلقا من سائر الأعمال السيئة.



منقول للأمانة










رد مع اقتباس
قديم 2014-11-20, 21:48   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
أبو هاجر القحطاني
عضو فضي
 
الصورة الرمزية أبو هاجر القحطاني
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










Hourse

الأجوبة الهادية في درء شبهة عن الصحابي معاوية

للشيخ مصطفى قالية -حفظه الله-




بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ والصَّلاةُ والسلامُ على أشرفِ المرسلينَ نبيِّنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابِه أجمعينَ ,أمَّا بعدُ:
فإنَّ أعداءَ الدِّينِ يَسلُكونَ طُرُقًا كثيرةً قذِرَة، وأساليبَ متنوعةً فاجِرَة فِي مُحاربتِه ومحاولةِ طمسِه والقضاءِ عليه، ومن أشهرِ طرقهِم وأسهلِها –عندهم- الطَّعنُ في رموزِه ونقلتِه، فإنَّ الطعنَ فيهِم يقتضِي الطَّعنَ في جميعِ ما نقلُوه وقالُوه، إضافةً إلى ما يحملُه هذا الطَّعنُ من تشويهٍ لأعلامِ المسلمين وخيرتِهم.
ولا بدَّ أن يُعلم أنَّ الطَّعنَ فِي المسلمين عموما-بغير الحق- جرمٌ عظيم، ومنكرٌ كبير، ويعظُم هذا الْمُنكر ويقبُح كلَّما عظُمتْ مرتبةُ الْمَطعونِ وارتفعَتْ، لذلك كان الطَّعنُ في الصّحابةِ من أعظمِ الطُّعونِ وأفحشِها، وأسوئِها عند الله وأقبحِها، كيفَ وربُّنا -سبحانَه وتعالَى- يقول في الْحَديثِ القُدسي: ((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ،...))[البخاري(6502)], والصحابة-رضوان الله عليهم- خِيرَةُ الأولياء، وصفْوةُ الأصفياء.
ومن الصَّحابة الذين كثُر فيهم طعنُ الطَّاعنين، وظهر فيهم كَلَبُ الجاهلين: كاتبُ وحي النَّبي الكريم-صلَّى الله عليه وسلَّم- معاويةُ بنُ أبي سفيان-رضي الله عنه- فإنَّه لا تزال رماح الغَدر والفُجر تنهال عليه لَيْلَ نَهَار، سواء من الْمُستشرقين الذِين أظهَرُوا الكُفْرَ ولم يُخْفُوه، أو من الرَّوافض الْخُبثَاء الذين يتكَلَّمُونَ باسمِ الدِّينِ وهو منهم برِيء.
ولئن كان الطَّعن من هذين الصِّنفَيْنِ أمرٌ مألوفٌ معرُوف، فإنَّ الذي يحزُّ في النَّفس أن ترى بعضَ المستغفَلِين من الْمُسلمين بقول الطاعنين يقولُون، وعلى خُطَاهم يسيرُون، وهؤلاء لُبِّس عليهم الْحَقُّ فما عرفُوه، وزُيِّن لهم الباطل فرأوه حسَنًا واتَّبعُوه. والله المستعان.
ولقد تنوَّعت الطُّعون في هذا الصَّحابي الكريم وتعدّدت- وهذا يدلُّ على مِقْدَار الْحِقد الذي يكنُّه بل ويظهرُه هؤلاء لأسيادهم الفضلاء- فمرةً يضعُون الأحاديثَ على نبيِّنا بأنَّه قد لعنه، وأمر بقتله، أو بأنه يموت على غير السُّنَّة، وغير هذا، وتارة يضعون الآثار عليه بأنَّه قرَّب الأشرار، أو قتل فلانا وفلانا من الصَّحابة والأخيار.
ومن التُّهم والشُّبه التي أردت -من خلال هذا الجمع- كشفَها وبيانَ وجه الحقِّ فيها هي:

اتهامُ الصحابي الكريم معاوية بن أبي سفيان بأنَّه :
1. قتَلَ الصَّحابيَّ حُجْرَ بنَ عَدِي.
2. بسَبَبِ تشيُّعِه وولائِه لعلي بن أبي طالب ليس غيرُ.
3. مع أنَّ النَّبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- قد شهِد – في زعمهم - لِحُجْر بنِ عدي ومن قُتِل معه بالْخَيْرِ وبظلمِ قاتِلِهم.
4. وإنكارُ الصَّحابة على معاوية-رضي الله عن الصَّحابة أجمعين-، وبكاؤُهم على فقد حُجْر بن عدي.
وسيكون الردُّ على هذه الشُّبهة-بإذن الله- من خلال التَّعرض للمسائل الأربع المذكورة بالتَّرتيب، وقبل الشروع في المقصود لا بدَّ من التَّذكير بأمرين:
الأول: أنَّ سبَبَ كتابتِي في هذه الجزئية بالذَّات هو طلبُ أحدِ إخواني الأعزّاء مني ذلك لحسن ظنِّه بي-غفر الله لي وله- وما كنت لأردَّ له طلبا خاصَّةً في مثل هذه الْمَواضيع التي أتشرَّف بالكتابة فيها.
والثاني: أنَّ هناك من طلبة العلم من أجاب على هذه الشُّبهة، فلذلك الأجوبة في الْمُجمل لن تخرج عمَّا ذكروه، ولكن الاختلاف سيكون في الأسلوب، وطريقة العرض والطرح، فلهذا أنا لست أدعي أنِّي لم أسبق إلى هذا، وإنَّما أرجو أن يكتب الله لنا الأجر جميعا. و الله الموفق.

الردُّ على الشُّبهة الأُولى
قتل معاوية بن أبي سفيان للصَّحابي حُجْر بنِ عَدِي

أولا : من هو حُجْر بن عدي؟
هو أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ حُجْرُ بنُ عَدِيِّ بنِ جَبَلَةَ بنِ عَدِيِّ بنِ رَبِيْعَةَ الكِنْدِيُّ بْنِ مُعَاوِيَةَ الأَكْرَمِيْنَ بنِ الحَارِثِ بنِ مُعَاوِيَةَ الكِنْدِيُّ الكُوْفِيُّ، وَهُوَ حُجْرُ الخَيْرِ، وَأَبُوْهُ عَدِيُّ الأَدْبَرُ, وَكَانَ قَدْ طُعِنَ مُوَلِّياً، فَسُمِّيَ الأَدْبَرَ.
وهو مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ,والأكثرُون على أنه من التَّابعين
فقد نقل الْحَافظُ ابنُ حجر رحمه الله في الإصابةِ عن ابن سعد وغيره أنهم أثبتوا له الصُّحبة ثم قالأمَّا البخاريّ وابنُ أبي حاتم عن أبيه وخليفةُ بنُ خياط وابنُ حبان فذكروه في التَّابعين,وكذا ذكره ابنُ سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة،فإمَّا أن يكون ظنَّه آخروإما أن يكون ذهل) [الإصابة(2/32-33)].
وهذا يدلُّك على تدليسِ الطَّاعنين ومكرِهم، فقد جزمُوا بصحبةِ حجر بنِ عدي ولم يشيروا إلى الخلاف، والصَّواب أنَّ فيه خلافاً، بل الأقرب أنَّه من ثقاتِ التابعين.
وسبب هذا الجزم هو حرصُهم على إظهار عِظَمِ صنيعِ معاويةَ من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى يريدون أن يُظهروا أنَّ الصَّحابة ما كانوا على اتفاقٍ، بل كان بينَهم من العداءِ ما جعلهم يقتُل بعضُهم بعضاً بغيرِ سببٍ ولا تأويل.
وعلى فرض إثبات الصُّحبة له-كما قالوا- لماذا لم يسعهم قول نبي الأمة-صلَّى الله عليه وسلَّم-: ( إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا...) [الطبراني في الكبير(1427)، وهو في الصحيحة(34)].
ولماذا لم يقيموا لإجماع الأمَّة على عدالتِهم وعدمِ الخوضِ فيما شجر بينهم وزنا.
قال النَّووي-رحمه الله-[التَّقريب والتَّيسير لمعرفة سنن البشير النذير(92)] : (الصَّحابة كلُّهم عدول، من لابس الفتن وغيرهم، بإجماع من يعتدُّ به )
وقال ابنُ كثير-رحمه الله-: ( والصَّحابة كلهم عدول عند أهل السُّنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السُّنة النَّبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -رغبة فيما عند الله، من الثَّواب الجزيل، والجزاء الجميل)[الباعث الحثيث (181)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- وَأَمَّا ما شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فقَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَائِشَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ» .
وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ العاص وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ هُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَهُمْ فَضَائِلُ وَمَحَاسِنُ.
وَمَا يُحْكَى عَنْهُمْ فكَثِيرٌ مِنْهُ كَذِبٌ، وَالصِّدْقُ مِنْهُ - إنْ كَانُوا فِيهِ مُجْتَهِدِينَ، فَالْمُجْتَهِدُ إذَا أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِن أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَخَطَؤُهُ مغفور لَهُ.
وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ لَهُمْ ذُنُوبًا فَالذُّنُوبُ لَا تُوجِبُ دُخُولَ النَّارِ مُطْلَقًا إلَّا إذَا انْتَفَتْ الْأَسْبَابُ الْمَانِعَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ عَشْرَةٌ: مِنْهَا التَّوْبَةُ، وَمِنْهَا الِاسْتِغْفَارُ، وَمِنْهَا الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ، وَمِنْهَا الْمَصَائِبُ الْمُكَفِّرَةُ، وَمِنْهَا شَفَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهَا شَفَاعَةُ غَيْرِهِ، وَمِنْهَا دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْهَا مَا يُهْدَى لِلْمَيِّتِ مِنْ الثَّوَابِ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ عنهم، وَمِنْهَا فِتْنَةُ الْقَبْرِ، وَمِنْهَا أَهْوَالُ الْقِيَامَةِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ«خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»وَحِينَئِذٍ فَمَنْ جَزَمَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ لَهُ ذنوبًا يَدْخُلُ بِها النَّارَ قَطْعًا فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ لَكَانَ مُبْطِلًا، فَكَيْفَ إذَا قَالَ مَا دَلَّتْ الدَّلَائِلُ الْكَثِيرَةُ عَلَى نَقِيضِهِ،فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ بما نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ ذَمِّهِمْ أَوْ التَّعَصُّبِ لِبَعْضِهِمْ بِالْبَاطِلِ فَهُوَ ظَالِمٌ مُعْتَدٍ)[مجموع الفتاوى(4/431-432)].

الردُّ على الشُّبهة الثَّانية

أنّه قتله بسبب تشيعه وولائه لعلي بن أبي طالب ليس غيرُ

هذه هي النُّقطة التي كثُرتْ فيها الأقوال، وسالتْ فيها الأقلام، وهي قولُهم وادِّعاؤُهم أنَّ جُرمَ وجنايةَ حجرِ بنِ عدِيّ الوحيدةَ هي ولايتُه وحبُّه الكبيرُ لعلي بنِ أبي طالب-رضي الله عنه-، حتى إنَّهم لقَّبوه بـ (شهيد الولاء).
وممَّا ينبغي أن يعلم ولا ينكر هو أن حجر بن عدي كان من المقربين من علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - وأمراءه، وهذا أمرٌ محمود، وشرفٌ مرغوب، ولكنَّ الْمَفتونين استغلُّوا هذه الجزئية، مع ما جرى بين علي ومعاوية -رضي الله عن الجميع- ليدَّعُوا ما ادَّعَوْه، وحشدوا -كعادتهم- الأحاديث والآثار الباطلة والقصص الواهية ليثبتوا التهمة الشنيعة لمعاوية-رضي الله عنه وأرضاه-.
أمَّا ما يخصُّ سبب القتل فإن الذي يذكره أهل التَّاريخ والسِّيَر في سبب مقتل حجر بن عدي هو أنَّه –رحمه الله- كان شديد الإنكار على الولاة أمام النَّاس، بل كان يجمع النَّاس على ذلك، حتى أنَّه خرج مرَّة مع جماعةٍ بالسِّلاح ثم رجع.
والقطرةُ التِّي أفاضت الكأس أنَّ زيادَ بنَ أبِيه- أميرَ الكوفة من قِبَل معاوية- خطب خطبةً أطال فيها، فقام حُجْر بنُ عدي في المسجد مناديا بالصَّلاة، فمضى زياد في الخطبة، فما كان من حجر إلاَّ أن حَصَبَهُ هو وأصحابُه بالْحَصا، فكتب زيادٌ إلى معاويةَ ما كان من حُجر، وقد كان حجرٌ يفعل مثل ذلك مع المغيرةَ بنِ شعبةَ والي الكوفة قَبْلَ زياد، فلمَّا أُخِذ إلى معاوية رأى-رضي الله عنه- أنَّ من المصلحة قتلَه.
وسبب تشدُّد معاويةَ في قتل حجر هو محاولة حُجر البغي على الجماعة، وشقّ عصا المسلمين، وذلك يعتبر من السَّعي بالفساد في الأرض، وخصوصاً في الكوفة التِّي خرج منها جزء من أصحاب الفتنة على عثمانَ-رضي الله عنه- فأراد معاويةُ استئْصالَ الفتنةِ بقتلِ حجر، وهذا يعدُّ من السِّياسة الشرعية، خاصَّة من رجلٍ يُوصف بأنَّه من دُهاة العرب([1]).
ومعلوم أنَّ التَّعزير من الإمام قد يصل إلى القتل إذا كانت المصلحة في ذلك، وهذا هو مذهبُ واختيارُ جمعٍ من أهل العلم, يقول ابن القيم-رحمه الله- مبينا مذاهب العلماء في التَّعزير بالقتل: (وَأَبْعَدُ الْأَئِمَّةِ مِنْ التَّعْزِيرِ بِالْقَتْلِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيُجَوِّزُ التَّعْزِيرَ بِهِ لِلْمَصْلَحَةِ، كَقَتْلِ الْمُكْثِرِ مِنْ اللِّوَاطِ، وَقَتْلِ الْقَاتِلِ بِالْمُثْقَلِ.
وَمَالِكٌ: يَرَى تَعْزِيرَ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ بِالْقَتْلِ، وَوَافَقَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَيَرَى أَيْضًا هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ: قَتْلَ الدَّاعِيَةِ إلَى الْبِدْعَةِ )[الطرق الحكمية(224)].
ويقول ابنُ فرحون المالكي-رحمه الله-: ( وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجَاوِزَ الْحُدُودَ فِي التَّعْزِيرِ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِالتَّعْزِيرِ الْقَتْلَ أَوْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَعِنْدَنَا يَجُوزُ قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ يَتَجَسَّسُ بِالْعَدُوِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَأَمَّا الدَّاعِيَةُ إلَى الْبِدْعَةِ الْمُفَرِّقُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَقَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي قَتْلِ الدَّاعِيَةِ كَالْجَهْمِيَّةِ وَالرَّوَافِضِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِقَتْلِ مَنْ لَا يَزُولُ فَسَادُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ)[تبصرة الحكام(2/297)].
ويقول ابنُ عابدين الحنفي-رحمه الله-[حاشية ابن عابدين(4/243)].: ( وَالْمُبْتَدِعُ لَوْ لَهُ دَلَالَةٌ وَدَعْوَةٌ لِلنَّاسِ إلَى بِدْعَتِهِ وَيَتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنْ يَنْشُرَ الْبِدْعَةَ - وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ - جَازَ لِلسُّلْطَانِ قَتْلُهُ سِيَاسَةً وَزَجْرًا، لِأَنَّ فَسَادَهُ أَعْلَى وَأَعَمُّ حَيْثُ يُؤَثِّرُ فِي الدِّينِ. وَالْبِدْعَةُ لَوْ كَانَتْ كُفْرًا يُبَاحُ قَتْلُ أَصْحَابِهَا عَامًا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ كُفْرًا يُقْتَلُ مُعَلِّمُهُمْ وَرَئِيسُهُمْ زَجْرًا وَامْتِنَاعًا)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: (وَمَنْ لَمْ يَنْدَفِعْ فَسَادُهُ فِي الْأَرْضِ إلَّا بِالْقَتْلِ قُتِلَ، مِثْلَ الْمُفَرِّقِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالدَّاعِي إلَى الْبِدَعِ فِي الدِّينِ، قَالَ تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: ((إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا)) وَقَالَ: ((مَنْ جَاءَكُمْ وَأَمْرُكُمْ عَلَى رَجُلٍ وَأَحَدٍ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ)). ((وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ رَجُلٍ تَعَمَّدَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ))، ((وَسَأَلَهُ ابْنُ الديلمي عَمَّنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ؟ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْهَا فَاقْتُلُوهُ))، فَلِهَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد إلَى جَوَازِ قَتْلِ الْجَاسُوسِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إلَى قَتْلِ الدَّاعِيَةِ إلَى الْبِدَعِ)[مجموع الفتاوى(28/108-109)].
قال الذَّهبي-رحمه الله- [سير أعلام النبلاء(3/463)] في ترجمة حجر بن عدي: (كَانَ شَرِيفاً، أَمِيْراً مُطَاعاً، أَمَّاراً بِالمَعْرُوفِ، مُقْدِماً عَلَى الإِنْكَارِ؛ مِنْ شِيْعَةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - شَهِدَ صِفِّيْنَ أَمِيْراً، وَكَانَ ذَا صَلاَحٍ وَتَعَبُّدٍ.
قِيْلَ: كَذَّبَ زِيَادَ بنَ أَبِيْهِ مُتَوَلِّي العِرَاقِ وَهُوَ يَخْطُبُ، وَحَصَبَهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَكَتَبَ فِيْهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ.
فَعَسْكَرَ حُجْرٌ فِي ثَلاَثَةِ آلاَفٍ بِالسِّلاَحِ، وَخَرَجَ عَنِ الكُوْفَةِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، وَقَعَدَ، فَخَافَ زِيَادٌ مِنْ ثَوْرَتِهِ ثَانِياً، فَبَعَثَ بِهِ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ) .
وقال محبُّ الدِّين الْخَطِيب-رحمه الله-[العواصم من القواصم(212)]. ملخصًا الكلامَ حول هذِه الْمَسألة: (حجر بن عدي الكندي عدَّه البخاري وآخرون من التابعين. وعده البعض الآخر من الصحابة. وكان من شيعة علي في الجمل وصفين. وروى ابن سيرين أن زيادا - وهو أمير الكوفة - خطب خطبة أطال فيها، فنادى حجر بن عدي " الصلاة! " فمضى زياد في خطبته، فحصبه حجر وحصبه آخرون معه. فكتب زياد إلى معاوية يشكو بغي حجر على أميره في بيت الله، وعد ذلك من الفساد في الأرض. فكتب معاوية إلى زياد أن سرح به إلي... فلما جيء به إلى معاوية أمر بقتله.
فالذين يريدون أنَّ معاوية قتله بحق يقولون: ما من حكومة في الدُّنيا تعاقب بأقلَّ من ذلك من يحصب أميره وهو قائم يخطب على المنبر في المسجد الجامع، مندفعا بعاطفة الحزبية والتشيع. والذين يعارضونهم يذكرون فضائل حجر ويقولون: كان ينبغي لمعاوية أن لا يخرج عن سجيته من الحلم وسعة الصدر لمخالفيه. ويجيبهم الآخرون بأن معاوية يملك الحلم وسعة الصدر عند البغي عليه في شخصه، فأما البغي على الجماعة في شخص حاكمها وهو على منبر المسجد فهو ما لا يملك معاوية أن يتسامح فيه، ولا سيما في مثل الكوفة التي أخرجت العدد الأكبر من أهل الفتنة الذين بغوا على عثمان بسبب مثل هذا التسامح، فكبدوا الأمة من دمائها وسمعتها وسلامة قلوبها ومواقف جهادها تضحيات غالية كانت في غنى عنها لو أن هيبة الدولة حفظت بتأديب عدد قليل من أهل الرعونة والطيش في الوقت المناسب. وكما كانت عائشة تود لو أن معاوية شمل حجرا بسعة صدره، فإن عبد الله بن عمر كان يتمنى مثل ذلك. والواقع أن معاوية كان فيه من حلم عثمان وسجاياه، إلا أنه في مواقف الحكم كان يتبصر في عاقبة عثمان وما جر إليه تمادي الذين اجترأوا عليه)
ومن عجيب صنيعهم وصريح كذبهم ادعاؤُهم أنَّ سبب حصب حجر وأصحابه لزياد أثناء خطبته هو شتمه لعلي وسبّه في خطبته، وهم كعادتهم يستدلون بآثار أسانيدها واهية أو لا أسانيد لها أصلا.
والأقبح من هذا قولهم بأن معاوية-رضي الله عنه- كان يأمر ولاته بسب علي وآله ولعنهم فوق المنابر، ودون إثبات هذا خرط القتاد، بل الثابت عنه-رضي الله عنه- التصريح بفضلهم ومنزلتهم.
أما ما يذكره بعض المؤرخين من الروايات فلا يلتفت إليه لأنهم أوردوها بأسانيد واهية وأغلبها من روايات الشيعة الرَّوافض، وعذرهم أنهم أوردوها بأسانيدها، ومن أبرز هؤلاء المؤرخين الطبري –رحمه الله- الذي يقول في مقدمة تاريخه:
( فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا)[تاريخ الطبري(1/8)].
وقد عقد الآجري-رحمه الله- في كتابه العظيم الشريعة بابا بعنوان: (بَابُ ذِكْرِ تَعْظِيمِ مُعَاوِيَةَ لِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِكْرَامِهِ إِيَّاهُمْ) وأورد تحته عدة أحاديث تدل على حسن صنيع معاوية-رضي الله عنه- مع أهل البيت، ومما أورده فيه:
-ما أخرجه بسنده الصحيح(1959) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- إِذَا لَقِيَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, قَالَ: مَرْحَبًا بِابْنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلًا, وَيَأْمُرُ لَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفٍ، وَيَلْقَى ابْنَ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَيَقُولُ: مَرْحَبًا بِابْنِ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنِ حَوَارِيِّهِ وَيَأْمُرُ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ.
- وما أخرجه بسنده الحسن(1961)عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَ فَضْلٌ عَلَى يَزِيدَ إِلَّا أَنَّ أُمَّكَ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَأُمَّهُ امْرَأَةٌ مِنْ كَلْبٍ لَكَانَ لَكَ عَلَيْهِ فَضْلٌ, فَكَيْفَ وَأُمُّكَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟.

الردّ على الشبهة الثالثة

أنَّ النَّبي-صلّى الله عليه وسلّم- قد شهد لحجر بن عدي ومن قُتِل معه بالخير وبظلم قاتلهم

والجواب أن هذا الحديث المستشهد به لذلك ضعيف لا يصح، وهو ما رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ(3/320)، ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة(6/457) وابن عساكر في تاريخ دمشق(12/226) قال: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، قَالَ: دَخَلَ مُعَاوِيَةُ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: مَا حَمَلَكَ عَلَى قَتْلِ أَهْلِ عَذْرَاءَ: حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي رَأَيْتُ قَتْلَهُمْ صَلَاحًا لِلْأُمَّةِ، وَإِنَّ بَقَاءَهُمْ فَسَادٌ لِلْأُمَّةِ فَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
(سَيُقْتَلُ بِعَذْرَاءَ نَاسٌ يَغْضَبُ اللهُ لَهُمْ، وَأَهْلُ السَّمَاءِ).
قال الألباني-رحمه الله- مخرجا هذا الحديث: (وهذا إسناد ضعيف. رجاله كلهم ثقات، لكنه معضل، فإن أبا الأسود هذا - واسمه: محمد بن عبد الرحمن بن نوفل - من أتباع التابعين، ولذلك قال ابن كثير عقبه في "البداية" (6/55): "وهذا إسناد ضعيف منقطع". وبالانقطاع أعله الحافظ أيضاً في ترجمة حجر من "الإصابة". وأعله الحافظ ابن عساكر بعلة أخرى وهي الوقف، فقال عقبه: "ورواه ابن المبارك عن ابن لهيعة فلم يرفعه". ثم ساق إسناده إليه عن ابن لهيعة: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال: أن معاوية حج فدخل على عائشة -رضي الله تعالى عنها- فقالت يا معاوية! قتلت حجر بن الأدبر وأصحابه؟! أما والله! لقد بلغني أنه سيقتل بـ (عذراء) سبعة رجال يغضب الله تعالى لهم وأهل السماء. قلت وهذا منقطع أيضاً سعيد بن أبي هلال من أتباع التابعين أيضاً، على أن أحمد وغيره رماه بالاختلاط)[سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة(13/712)(6324)].
وأوردوا كذلك أثرا عن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- أخرجه كذلك سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ(3/320)، ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة(6/456)، و ابن عساكر في تاريخ دمشق(12/227) قال: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَقُولُ: (يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ, سَيُقْتَلُ مِنْكُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ بِعَذْرَاءَ, مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ فَقُتِلَ حُجْرٌ وَأَصْحَابُهُ).
قال ابن كثير بعد إيراد هذا الأثر في البداية والنهاية(8/55): (ابْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ).

الردّ على الشبهة الرابعة
أنَّ الصحابة-رضوان الله عليهم- أنكرُوا على معاوية-رضي الله عنه- وبكوا على فقد حُجْر بن عدي

أغلب ما يذكره الفتّانون في هذا الباب لا يصلح، غاية ما في الأمر أن عائشة-رضي الله عنها- تمنت لو أن معاوية عفا وصفح عن حجر وعامله بحلمه، فأجابها معاوية بأنه رأى المصلحة في قتله حقنا للدماء وإخمادا للفتنة.
فقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق(12/239) بسنده من طريق الإمام أحمد عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: (أَقَتَلْتَ حُجْرًا؟) فَقَالَ: (يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي وَجَدْتُ قَتْلَ رَجُلٍ فِي صَلَاحِ النَّاسِ خَيْرًا مِنِ اسْتِحْيَائِهِ فِي فَسَادِهِمْ).
فهذا الأثر يبين لك أن معاوية لم يقتل حجرا لهوى أو حبا للقتل, كما يحلو لبعض الجهلة أن يصوره، وإنما قتله حفاظا على مصلحة المسلمين من الفتنة والفساد.
وأما ما أوردوه من بكاء ابن عمر-رضي الله عنهما- لما سمع بموت حجر بن عدي[2]، فليس فيه ما يقتضي تجريم معاوية بل إنما بكى –رحمه الله- لما يقع في الأمة من الفتن وقد كان-رضي الله عنه- من أشد الصحابة نفورا عنها حتى إنه لم يدخل فيما جرى بين علي ومعاوية –رضي الله عن الجميع-.
كما أنه بكى من حبه لحجر بن عدي، فقتل معاوية لحجر من باب التعزير والمصلحة لا يقتضي أنه رجل سوء، فهناك من أقيم عليهم الحد من الصحابة ومع ذلك نترضى عنهم ونعتقد محبتهم.
وفي الأخير أختم بكلام قيّم لأبي بكر ابن العربي – رحمه الله - وهو يبين هذه القضية أتم التوضيح، حيث قال-رحمه الله-: ( فإن قيل: قتل حجر بن عدي - وهو من الصَّحابة مشهور بالخير-صبرًا أسيرًا، يقول زياد: وبعثت إليه عائشة في أمره فوجدته قد فات بقتله، قلنا: علمنا قتل حجر كلنا، واختلفنا: فقائل يقول قتله ظلمًا، وقائليقول قتله حقًا .
فإن قيل: الأصل قتله ظلمًا إلا إذا ثبت عليه ما يوجب قتله: قلنا:الأصل أن قتل الإمام بالحق، فمن ادعى أنه بالظلم فعليه الدليل. ولو كان ظلمًا محضًا لما بقي بيت إلا لعن فيه معاوية. وهذه مدينة السلام دار خلافة بني العباس - وبينهم وبين بني أمية ما لا يخفى على النَّاس - مكتوب على أبواب مساجدها: "خير الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم معاوية خال المؤمنين رضي الله عنهم".
ولكن حجرًا - فيما يقال - رأى من زياد أمورا منكرة فحصبه، وخلعه، وأراد أن يقيم الخلق للفتنة، فجعله معاوية ممن سعى في الأرض فسادًا.
وقد كلمته عائشة في أمره حين حج، فقال لها: دعيني وحجرًا حتى نلتقي عند الله. وأنتم معشر المسلمين أولى أن تدعوهما حتى يقفا بين يدي الله مع صاحبهما العدل الأمين المصطفى المكين، وما أنتم ودخولكم حيث لا تشعرون، فما لكم لا تسمعون؟).
فو الله إن كلامه الأخير منهج سار عليه أهل السُّنة فنجَوا، وضلَّ عنه المبدِّلون فهلكوا
قال الأوزاعي-رحمه الله-: ( اصْبِرْ نَفْسَكَ عَلَى السُّنَّةِ, وَقِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ, وَقُلْ بِمَا قَالُوا, وَكُفَّ عَمَّا كَفُّوا عَنْهُ, وَاسْلُكْ سَبِيلَ سَلَفِكَ الصَّالِحِ, فَإِنَّهُ يَسَعُكَ مَا وَسِعَهُمْ,... وَلَوْ كَانَ هَذَا خَيْرًا مَا خُصِصْتُمْ بِهِ دُونَ أَسْلَافِكُمْ, فَإِنَّهُ لَمْ يُدَّخَرْ عَنْهُمْ خَيْرٌ خُبِّئَ لَكُمْ دُونَهُمْ لِفَضْلٍ عِنْدَكُمْ, وَهُمْ أَصْحَابُ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ وَبَعْثَهُ فِيهِمْ, وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ, فَقَالَ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29])[شرح اعتقاد أصول أهل السنة والجماعة(1/174)].
وفي الأخير لا بدَّ أن نتنبه لمسألة مهمة جدا وهي أنَّ معاوية-رضي الله عنه وأرضاه- عالم من علماء المسلمين، له-كما لهم- حقُّ الاجتهاد
وهو في ذلك إمَّا: مصيبٌ له أجران، أو مخطئ له أجر الاجتهاد، وعليه فلو سلَّمنا أنَّ معاوية-رضي الله عنه- أخطأ في اجتهاده هذا لما جاز لأحد كائنا من كان أن يتكلم عليه بسوء، أو يجعل ذلك سببا للقدح فيه، ومن عجيب صنيع القوم أنَّهم يبيحون لغير الصَّحابة الاجتهاد في مسائل الدِّين الكبار، ولا ينكرون عليهم اختلافهم، في حين أنَّهم ينكرون على أعلم النَّاس بكلام الله وكلام رسوله-صلى الله عليه وسلم- ذلك.
قال ابن حزم-رحمه الله- وهو يتكلم عن معاوية-رضي الله عنه- واجتهاده : (فَلهُ أجر الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك وَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِيمَا حُرِم من الْإِصَابَة كَسَائِر المخطئين فِي اجتهادهم الَّذين أخبر رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- أَن لَهُم أجرا وَاحِدًا وللمصيب أَجْرَيْنِ.
وَلَا عجبَ أعجبُ مِمَّن يُجِيز الِاجْتِهَاد فِي الدِّمَاء وَفِي الْفروج والأنساب وَالْأَمْوَال والشَّرائع الَّتِي يدان الله بهَا من تَحْرِيم وَإِيجَاب، ويعذر المخطئين فِي ذَلِك، وَيرى ذلك مُبَاحا لليث، وأبي حنيفَة، وَالثَّوْري، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، وَدَاوُد، وَإِسْحَاق، وَأبي ثَوْر، وَغَيرهم كزفر، وَأبي يُوسُف، وَمُحَمّد بن الْحسن، وَالْحسن بن زِيَاد، وَابْن الْقَاسِم، وَأَشْهَب، وَابْن الْمَاجشون، والمزني، وَغَيرهم، فواحد من هَؤُلَاءِ يُبِيح دم هَذَا الْإِنْسَان، وَآخر مِنْهُم يحرمه، كمن حَارب وَلم يقتل أَو عمل عمل قوم لوط وَغير هَذَا كثير، وَوَاحِد مِنْهُم يُبِيح هَذَا الْفرج، وَآخر مِنْهُم يحرمه، كبكر نَكَحَهَا أَبوهَا وَهِي بَالِغَة عَاقِلَة بِغَيْر إِذْنهَا وَلَا رِضَاهَا وَغير هَذَا كثير، وَكَذَلِكَ فِي الشَّرَائِع والأوامر والأنساب، وَهَكَذَا فعلت الْمُعْتَزلَة بشيوخهم كواصل وَعَمْرو وَسَائِر شيوخهم وفقهائهم، وَهَكَذَا فعلت الْخَوَارِج بفقهائهم ومفتيهم، ثمَّ يضيقون ذَلِك على من لَهُ الصُّحْبَة وَالْفضل وَالْعلم والتقدم وَالِاجْتِهَاد كمعاوية وعمروا وَمن مَعَهُمَا من الصَّحَابَة -رَضِي الله عَنهُم- وَإِنَّمَا اجْتهد فِي مسَائِل دِمَاء كَالَّتِي اجْتهد فِيهَا الْمفْتُون، وَفِي الْمُفْتِينَ من يرى قتل السَّاحر وَفِيهِمْ من لَا يرَاهُ، وَفِيهِمْ من يرى قتل الْحر بِالْعَبدِ، وَفِيهِمْ من يرى قتل الْمُؤمن بالكافر، وَفِيهِمْ من لَا يرَاهُ، فَأَي فرق بَين هَذِه الاجتهادات، واجتهاد مُعَاوِيَة وَعَمْرو وَغَيرهمَا لَوْلَا الْجَهْل والعمى والتخليط بِغَيْر علم)[الفصل في الملل والأهواء والنحل(4/124)].


هذا والله تعالى أعلى وأعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وأصحابه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
مصطفى قالية
04/ ذو القعدة / 1432


الهامش :

[1]انظر: طبقات ابن سعد(6/217) وما بعدها، والاستيعاب(1/329) وما بعدها، وأسد الغابة(1/697) وما بعدها، والإصابة(2/32) وما بعدها.
[2]أخرجه الحاكم في المستدرك(3/532)(5975) عن ابن عون عن نافع عنه، وذكر ابن كثير في البداية والنهاية(11/242) أنه رواه الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ به.










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
معاوية, المتهاوية, الأحقاد, الوحيّ, ونصرة, كاتب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 20:47

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc