المفهوم الشرعي للزواج
الزواج
تعريفه ــ حكمته ــ وصفه الشرعي
اولا :ــ تعريف الزواج
الزواج لغة هوالاقتران فهو اقتران أحد الشيئين بالآخر وارتباطهما بعد أن كان كل واحد منهما منفصلا عن الآخر ومنه قوله تعالي ( وزوجناهم بحور عين ) الاية 54 من سورة الدخان ومعناها قرناهم بهن
وقد ذاع استعمال كلمة الزواج في اقتران الرجل بالمرأة علي سبيل الدوام لتكوين المنزل والاسرة بحيث اذا أطلق الزواج لا يقصد منه الا هذا المعني
والزواج شرعا هو عقد يقصد به حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر وائتناسه به طلبا للنسل علي الوجه المشروع ويطلق علي عقد الزواج ايضا عقد النكاح وتطلق كلمة النكاح في اللغة علي الوطـء وعلي العقد وعلي الضم حسيا كان أو معنويا كضم الجسم الي الجسم والقول الي القول وذهب الاحناف الي ان لفظ النكاح حقيقة في الوطـء ومجاز في العقد وذهب علي عكس ذلك الشافعيه واذا ورد لفظ النكاح في الكتاب أو السنة مجردا عن القرينه يراد به الوطـء عند الاحناف ويراد به النكاح عند الشافعيه
ثانيا :ــ حكمة الزواج
ليس الغرض من الزواج هو قضاء الوطر فقط بل للزواج أغراض أخري تسمو علي هذا الغرض منها :ــ
1) ان الزواج رابطه روحيه تجمع بين الزوجين اساسها المودة والرحمة اذ يسكن الرجل الي امرأته فتكون أمينه علي سره وحافظة لماله في غيبته وصاحبته في خلواته وهوما يشيع الائتناس والبهجه في حياة الزوجين ويكون ذخيرة لهما في مواجهة أعباء الحياه ومتاعبها وفي هذا يقول الحق تبارك وتعالي ( ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لأيات لقوم يتفكرون ) سورة الروم الاية 21 وفي حكم لمحكمة الخليفة الجزئية في الدعوي رقم 273 لسنة 58 وهي دعوي طاعه اورده المستشار محمد عزمي البكري علي النحو التالي فقد دفعت فيها الزوجة " المدعي عليها " بأنها طعنت في السن وانتابتها الامراض وتراكمت عليها العلل وفقدت بصرها وشبابها وصارت حطاما باليا لا تصلح لأغراض الزوجيه ومقاصدها الشرعيه التي شرعها الله سبحانه وتعالي وعلي ذلك فلا طاعة لزوجها " المدعي " عليها وصار من الواجب تسريحها بأحسان وردت المحكمة بأسباب حكمها علي هذا الدفع فقالت ان الزواج كما يقصد به للمتعه وابتغاء النسل فمن مقاصده أيضا أن يأنس الزوج بزوجته وأن تكون أمينه علي سره وحافظة لماله في غيبته وصاحبته في خلواته وهذا المقصد متحقق سواء كانت الزوجه شابة أم عجوزا , صحيحه ام مريضة , مبصرة أم عمياء وقد تأيد هذا الحكم استئنافيا بتاريخ 16/11/1959
2) ان الزواج هو الوسيلة المنظمة الدقيقه لأنجاب الاولاد وزيادة النسل حفاظا علي استمرار النوع البشري مع الحفاظ علي الانساب فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم " تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الانبياء يوم القيامه "
ويروي أن الاحنف بن قيس دخل علي معاويه بن أبي سفيان ويزيد ابنه بين يديه وهو ينظر اليه اعجابا به فقال يا أبا عمر ما تقول في الولد فعلم ما أراد فقال يا أمير المؤمنين هم عماد ظهورنا وتسر قلوبنا وقرة أعيننا بهم نصول علي اعدائنا وهم الخلف لمن بعدنا فكن لهم أرضا ذليله وسماءا ظليلة فان سألوك فأعطهم وأن استعتبوك أي طلبوا منك الرضي فأعتبهم لا تمنعهم رفدك " عطاءك " فيملوا قربك ويكرهوا حياتك ويستبطئوا وفاتك فقال معاوية لله درك يا أبا عمر هم كما وصفت
3) ان الزواج هو أساس الاسرة والاسرة هي الخلية الاولي في بناء المجتمع وفي هذه الاسره يتربي الفرد ويعرف فيها ما له وما عليه من الحقوق والواجبات فاذا صلحت الاسرة صلح المجتمع كله لأنه يتكون من جماع ما به من أسر
4) ان الزواج يكفل توزيع الاعباء بين الزوجين بما يحقق راحة كل منهما وانتظام المعيشة والعمل
من أجل هذه المعاني الطيبة للزواج حث الاسلام علي الزواج في الكتاب والسنة فقال تعالي ( والله جعل لكم من انفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون) من سورة النحل الآية 73 وقال أيضا (وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وامائكم ان يكونوا فقراءيغنهم الله من فضله والله واسع عليم ) من سورة النور الآية 32
والايامي جمع مفردها أيم وهو الذي لا زوجه له ويصح ان يطلق هذا اللفظ علي المرأة ايضا وهي التي لا زوج لها
وقال صلي الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فأنه أعض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فأنه له وجاء ) ومعني وجاء وقاية وقال صلي الله عليه وسلم ايضا " اذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الثاني " وقال ايضا" الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة
ثالثا :ــ الوصف الشرعي للزواج
الوصف الشرعي للزواج في اصطلاح الاصوليين هو ما يعرف بالحكم التكليفي أي ما يحكم به الشرع علي افعال الانسان أو أقواله من وجوب أو حرمة أو ندب أو أباحه ويختلف الوصف الشرعي للزواج في طبيعته البشرية وقدرته الماليه , فقد يكون الزواج فرضا أو واجبا أو حراما أو مكروها
متي يكون الزواج فرضا :ــ
يكون الزواج فرضا اذا كان المكلف متأكد الوقوع في الزني اذا لم يتزوج وكان قادرا علي مطالب الزواج المالية من مهر ونفقه وواثقا من العدل في المعامله مع زوجته اذا تزوج
واساس ذلك أن ترك الزني فرض وعدم الزواج يوقع فيه حتما فيلزم الزواج لأن من المقرر في الشريعه أن ما لا يتحقق الفرض ألا به فهو فرض
متي يكون الزواج واجبا :ــ
يكون الزواج واجبا اذا كان المكلف قادرا علي مطالب الزواج الماليه وأقامته العدل مع زوجته اذا تزوج ويغلب علي ظنه الوقوع في الزني اذا لم يتزوج والالزام هنا أقل من الحالة السابقة اذ اللزوم في الواجب اقل مرتبه من اللزوم في الفرض
متي يكون الزواج حراما :ــ
يكون الزواج حراما اذا كان المكلف غير قادر علي مطالب الزواج المالية أو متيقنا أنه سيظلم زوجته اذا تزوج بها والزواج حرام في هذه الحالة لأنه سيؤدي الي الاضرار بالزوجه والاضرار بالغير حرام شرعا وكل ما يوصل الي الحرام فهو حرام
وحرمة الزواج هنا ليست لذات الزواج ولكن لغيره وهو الزوجه لأنه سوف يؤدي الي الايذاء والظلم لها وهذا الايذاء وذاك الظلم لها هو حرام لذلك فالزواج في هذه الحالة حرام لأنه يؤدي الي الحرام
متي يكون الزواج مكروها :ــ
يكون الزواج مكروها اذا كان المكلف قادرا علي مطالب الزواج الماليه ويغلب علي ظنه أنه يقع في الظلم في معاملته لزوجته اذا تزوج
متي يكون الزواج مندوبا :ــ
يكون الزواج مندوبا اذا كان المكلف في حال اعتدال وقادر علي مطالب الزواج المالية ولا يقع في الظلم مع زوجته ولا يقع في الزني لو لم يتزوج ولا يخشي الوقوع فيه وهذه الحال هي الاصل لذلك قال فقهاء الحنفيه أن الاصل في النكاح أنه سنه أو مندوب أو مستحب أما الفرضية والوجوبيه والكراهة والتحريم فتجيء لأمور نفسية عارضة ترفع النكاح الي مرتبة اللزوم أو تنزل به الي مرتبة المحرم
اما اذا تعارض ما يجعل الزواج فرضا وما يجعله حراما كما اذا تيقن المكلف أنه سيرتكب معصية الزني ان لم يتزوج وتيقن ايضا انه سيظلم زوجته ان تزوج ففي هذه الحالة يجب علي المكلف أن يجاهد النفس لكي يعدل مع زوجته اذا اختار الزواج وعليه أن يجاهد نفسه ويكبح جماح شهوته اذا اختـــار عـــدم الــــزواج ويـــدل علي ذلك قولــه تعــالي ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتي يغنيهم الله من فضله ) وقول الرسول عليه الصلاة والسلام " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فأنه أعض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فأنه له وجاء "
المراجع:ــ
موسوعة الفقه والقضاء للمستشار محمد عزمي البكري
دكتور عبدالعزيز عامر ــــ دكتور علي حسب الله