هل الاستدلال بقاعدة: ( الوسائل لها أحكام المقاصد ) صحيح في تجويز الاحتفال بمولد النبي-صلى الله عليه وسلم- بمعنى: أن محبتَه وتعظيمَه-صلى الله عليه وسلم- واجبة ومقصد شرعي، وكلُ وسيلة تؤدي إلى ذلك الواجب فإنها من الواجبات..
والجواب: الاستدلال بهذه القاعدة على هذه المسألة استدلالٌ غير صحيح بالمرّة لأنه يقال : هل تحقيق محبة النبي- صلى الله عليه وسلم- من الواجبات؟ والجواب : قطعاً هي من أعظم الواجبات، لذا قال -عليه الصلاة والسلام- : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين، فإذا عُلِمَ أن محبةَ النبيِّ-صلى الله عليه وسلم- واجبةٌ أكثرَ من محبة النفس والولد فسيكونُ الاحتفالُ بمولد النبي-صلى الله عليه وسلم- بناءً على تلك القاعدة واجباً، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وعلى هذا هل تَرَكَ الصحابةُ والتابعون وتابعوهم والأئمةُ الأربعةُ ومَنْ بعدهم هذا الواجب حتى هُدِيَ إليه العبيديون والباطنيون؟! سبحانك هذا بهتان عظيم..
ثم..
هل تحقيق محبة النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يتم إلا بالاحتفال بمولده ؟ والجواب : قطعاً لا. فإذا كان الاحتفالُ بالمولد بناءً على تلك القاعدة وسيلةً لزيادة القرب من الله ولزيادة محبةِ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فإن وسائلَ تحصيلِ محبة النبي-صلى الله عليه وسلم- والتقربَ إلى الله كثيرةٌ ولكن لهذه الوسائل شروط:
أولا : أن تكون الوسيلةُ مشروعةً لا محدثة،والوقع أن الاحتفالَ بالمولد محدثٌ إذ لم يعرفه أهلُ القرونِ الثلاثةِ الأولى، ولا الأئمة الأربعة إنما أحدثه العبيديون الفاطميون ..
لذا قال تاج الدين عمر بن علي المالكي " لا أعلمُ لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ولا يُنقل عمله عن أحد من علماء الأمة.
ثانياً : من شروط الوسائل المشروعة ألا تكونَ موجودةً في زمن النبي-صلى الله عليه وسلم- أو موجودة ولكن لمانع.،، والواقع أن هذه الوسيلةَ موجودةٌ في زمن النبي-صلى الله عليه وسلم- وليس هناك مانعٌ يمنع مِنْ فِعلِها ومع ذلك تركها-عليه الصلاة والسلام- عن قصد وعمد..
ثم ثالثا : ألاّ يكون سببُ إحداثِ الوسيلةِ تفريطَ الناس بالوسائل المشروعة، والواقع أنه لما ثقُلَ على كثيرٍ من المسلمين اتباعُ المشروعات والمستحبات والتي هي حقيقة المحبة عمَدوا إلى المحدثات والمُبتدعات، والله المستعان..
وقد ذكر أهل التفسير عند قوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) أن أقواماً في زمن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ادعوا محبة الله فأنزل الله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله). فعلامة المحبة الصادقة هي الإتباع لما جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم- وليس الابتداع.
لذا كان من الأصول المهمة التي ينبغي أن تُعلم أن التشريعَ حقُ الله وكذلك تخصيصُ العبادة بوقت أو حال أو عدد أو صفة أو هيئة هو أيضاً حقُ الله تعالى.
يقول عليه الصلاة والسلام : ((لَا تخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي , وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ).
قال الله (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)).
ويقول عليه الصلاة والسلام ( وكلَ محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
فكما أن التشريع حقُ الله تعالى فكذلك تقييد العبادة وتخصيصها بوقت أو عدد أو صفة هو حقُ الله تعالى.
ولذلك كان تخصيصُ الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام للاحتفال والابتهاج بمولده-عليه الصلاة والسلام- من الإحداث في الدين.
ومتى كان تخصيصُ وقت ما بعبادة أو ما يُشبه العبادة مقترناً باعتقاد الأفضلية والفضل كان هذا التخصيصُ منهياً عنه إذ لا ينبعث التخصيص والالتزام والاعتياد إلا عن اعتقاد الاختصاص، فلا يصدر الاحتفال بالمولد على وجهٍ معتاد إلا عن اعتقاد الفضل لهذا الاحتفال بهذا اليوم دون سائر الأيام ،، ولهذا كان داخلاً في حدِّ البدعة خارجاً عن حدّ المصلحة المرسلة.
فإن قال قائل : أنا لا أعتقد الفضلَ للاحتفال بالمولد في هذا اليوم،، قيل : لا يمكن مع هذا الحال من التخصيص والاعتياد والفرح والابتهاج إلا أن يقع في القلب من التعظيم والإجلال لهذا الاحتفال بهذا اليوم ما يكون من جنس الأعياد والاعتقاد بالأفضلية، ما يجعله تخصيصاً ممنوعاً للعبادة أو ما يشبه العبادة.
فإن قيل : بناء على ما سبق أليس تخصيصُ يومٍ معين-مثلاً- لعقد الدروس من البدع ؟
فالجواب : ليس هذا من البدع ولا من التخصيص المُحدث إلا إذا اقترن به اعتقاد الفضل للتدريس في هذا اليوم المعين، فتخصيص العبادة كقيام الليل أو عقد الدروس إن كان صادراً بحكم الفراغ والنشاط والموافقة فلا بأس به، وأما إذا اقترن به اعتقاد الفضل من غير دليل شرعي كان داخلاً في حدِّ البدعة..
والحمد لله رب العالمين..
كتبه
محمد خشان (طالب علم)