ما يحصل في ليبيا الآن من انفصال واقتتال بين الأشقاء، عزز من جديد موقف الجزائر، ليس فقط من القضية الليبية التي وجهت إليها بسببها الكثير من الانتقادات والاتهامات، بل أيضا موقفها مما بات يعرف اعتباطا بـــ "الربيع العربي"، والذي ما هو في الحقيقة إلا فوضى عارمة أرادتها أمريكا للمنطقة لتقضي على حلم بناء دول قوية بصناعتها وتعليمها وفكرها، وبشعوبها المتطورة التي تنافس الغرب في كل الميادين.
ما حدث في ليبيا، وما يحدث يوميا في مصر، وفي سوريا من محاولات القضاء على الدولة الوطنية، يجعلنا هنا في الجزائر نحتاط لنحمي أنفسنا من هذا المخطط المبيد للمنطقة العربية والذي يحمينا من تبعات المشروع الأمريكي الذي هو سايكس بيكو جديد، هو خصوصيتنا الجزائرية، فقد عرفت الجزائر أحداثا أبشع من التي عرفها الشارع العربي بمباركة قطر والجزيرة وأبواق الفتنة السعودية. فانتفاضة الجزائر ضد الحزب الأحادي والفكر الأحادي وضد دكتاتورية الحكام، سبقت حتى انتفاضات بلدان أوربا الشرقية بأكثر من سنة، فقد جاءت أحداث أكتوبر، قبل انتفاضة الشعب الروماني واليوغسلافي وانتهت بتعددية حزبية شملت كل ألوان الطيف السياسي من ديمقراطي ووطني ويساري وإسلامي، لكن العرس الديمقراطي آنذاك لم يتم، بعدما بدأ التيار الإسلامي المتطرف يهدد ليس فقط مصير العباد، بل مصير البلاد كلها، ولو أن الجزائر سقطت وقتها تحت راية السلفية، لما صمدت البلدان العربية وبقيت في منأى عن هذا الخطر طوال عشريتين.
الجزائر يوم تعيش خصوصية تميزها عن باقي البلدان العربية، مثلما استشهد بذلك السفير الفرنسي منذ أيام، فالتعددية الحزبية مكسب تحقق منذ أزيد من عشريتين، والإسلام "المعتدل" الذي تحاول هيلاري كلينتون فرضه على البلدان العربية التي داستها عجلة الثورات الأمريكية والناتو، ممثل في المؤسسات الدستورية للدولة منذ بداية التعددية، ومن أيام فقط سمح لأحزاب إسلامية جديدة بدخول معترك السياسة.
فالجزائر كانت دائما وماتزال تعيش خصوصية تميزها عن باقي دول المنطقة منذ الاستعمار الذي كان وضعها خاصا تحت وطأته، فقد كان استعمارا مباشرا جعل من التراب الجزائري جزءا من فرنسا، في حين كان مجرد حماية بالنسبة للجارين المغرب وتونس، وكانت للثورة التي حررت البلاد خصوصية أيضا من حيث المجازر المرتكبة، ومن حيث العدد الهائل من الشهداء، ومن آلة الحرب التي خصصتها فرنسا للجزائر، بحيث سارعت بإعطاء الاستقلال للمغرب وتونس، لتتفرغ للجزائر التي كانت أهم بالنسبة لفرنسا، من حيث ثرواتها وشساعة مساحتها، فكان الفضل للثورة الجزائرية في تحرير البلدان الشقيقة.
الخصوصية الأخرى، هي خصوصية حربنا على الإرهاب الذي واجهناه بمفردنا طوال أزيد من عشرية، بحيث سدت في وجهنا كل أبواب الدنيا، ورفضت القوى الغربية التي تتحجج اليوم بحربها على الإرهاب، بيعنا ولو رصاصة واحدة، وانتصرنا على أبشع أنواع الإرهاب والتطرف الأصولي.
كل هذه الخصوصيات تجعلنا في منأى عما يحدث اليوم في سوريا ..لكن هذا لا يكفي ما لم تتصد لذلك بمشاركة قوية للقوى الديمقراطية والوطنية في الانتخابات، لأننا الأكثر تجذرا في المجتمع، ولتحقيق ذلك هناك أمور لابد منها سأتناولها في مقالاتي القادمة.