ظاهرة عجيبة وغريبة، مشينة ومستفزة، ما تزال تثير الاستفزاز والاشمئزاز، فالمسؤولون على المستوى المحلي، ومنهم أميار ورؤساء مصالح، لا يتحرّكون إلاّ إذا سمعوا الوزير أو الوالي قادم، ولأنهم يدركون أن قاموس المسؤوليات عندنا لا يتضمن مصطلح اسمه زيارة تفتيش مفاجئة وغير رسمية، فإنهم ينامون في شهور العسل ويُوكلون المواطنين البصل ولا تهمهم لومة لائم!
المواطن المغلوب على أمره، على مستوى بلديته ومنطقته، أصبح يتمنى زيارة الوزير الأول أو أيّ وزير في الحكومة أو الوالي، حتى يتم تنظيف الطرقات وتعبيدها وحمل الأوساخ والقمامة وطلي الجدران وإصلاح كلّ المفاسد التي عمّرت لأشهر وربما سنوات من دون أن يلتفت إليها أحد!
من العيب، أن يغطي بعض المسؤولين المحليين الشمس بالغربال، ومن العار التستـّر على المهازل، وعدم أداء المهمة الموكلة إليهم مثلما هو مطلوب من سيادتهم، لكنهم عندما يعلمون بقدوم الأكبر منهم منصبا، يتحوّلون إلى آلات "بيلدوزير" لا تتعب، وتعمل ليل نهار، وتـُصلح خلال ساعات قليلة ما لم يُصلح طوال سنوات متتالية!
مثل هذه الظواهر المقيتة، لا يُمكنها بأيّ حال من الأحوال، سوى تغيير الأوضاع من السيّئ إلى الأسوأ، والتقدّم أيضا نحو الوراء، ولكم أن تتصوّروا كيف بإمكان مير "يلعب" على رئيس دائرة، أو رئيس دائرة "يلعب" على وال، أو وال "يلعب" على وزير، أو وزير "يلعب" على رئيس حكومة، كيف يُمكن بهذا الفلكلور دفع المشاريع وتحقيق نتائج!
عندما تتحوّل الزيارات الفجائية، إلى مجرد محاولة فاشلة لترويع الفاشلين والعاجزين والمحتالين على المستوى المحلي، فمن الطبيعي أن ينتبه هؤلاء إلى "الدرس" ويحفظونه عن ظهر قلب، وهذا هو الذي يجعلهم يرقدون على كلّ شيء، ولا يستيقظون إلاّ إذا جاءهم "المرسول" بنبإ قدوم "المسؤول الكبير" الواجب على "المسؤول الصغير" فرش له البساط الأحمر ولو باعتماد المثل الشعبي القائل: "يا ألـّي مزوّق على برّا واش حالك على الداخل"!
للأسف، هذا المرض استشرى وانتقل من العدوى إلى الوباء، والسبب غياب وتغييب المراقبة والمحاسبة والمعاقبة، ومن الطبيعي أن تتأزّم الأمور وتفوح، فماذا يُمكن انتظاره إيجابا من غرس أشجار ميتة أو نصب أعمدة كهرباء بلا تيار أو تعبيد طريق بزفت منتهي الصلاحية، وكلّ هذه "التضحية" من أجل استقبال "السيّد المسؤول" لساعات، وبعدها "ربي يرحمها"!
المسؤولية مشتركة، هي مسؤولية المسؤول الصغير الذي مارس النصب للبقاء في مكانه، وهي مسؤولية المسؤول الكبير الذي لم يحقق في تفاصيل تحضير زيارته، والمسؤولية كذلك في "الحاشية" التي ترى المنكر ولا تـُعلم وليّ نعمتها بالحقيقة حتى لا تتكرر الفضيحة!
icon-tags