الحكم الراشد...مقاربات ومفارقات - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الأخبار و الشؤون السياسية > النقاش و التفاعل السياسي

النقاش و التفاعل السياسي يعتني بطرح قضايا و مقالات و تحليلات سياسية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الحكم الراشد...مقاربات ومفارقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-03-15, 16:44   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
malek 34
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية malek 34
 

 

 
إحصائية العضو










B2 الحكم الراشد...مقاربات ومفارقات

بقلم : مالك ش
منذ قرون ماضية طويلة ، كان ’’ أبو يعقوب الكندي ‘‘ الملقب بـحكيم العرب يقول : ’’إنه ينبغي لنا أن لا نستحيي من استحسان الحق ، واقتناء الحق من أين أتى ، فإنه لاشيئ أولى بطالب الحق من الحق ، وليس ينبغي بخس الحق ولا تصغير قائله ، ولا الآتي به ، فلا أحد يخس بالحق بل كل شرفه الحق‘‘

كم هو جدير بنا نحن ـ كجزائريين ـ أن نتأمل في أبعاد هذه الحكمة من عقل حكيم ، ثم نحاول بعد ذلك إعادة مراجعة كل المواقف التي كانت هي السبب الذي كتب علينا الدخول في في سراديب ومتاهت مظلمة ، طولها خمسون سنة من عمر استقلالنا ، يبدوا فيه حالنا أشبه بحال تلك الأمة المريضة والتائهة ... فها نحن ـ كــدولة وشعب ـ نسـحــق السنين تلــو السنين ، في تعمــيق جــراحاتنا بحـد ســيوف بعـضنا البعض ، وهــدير أقــدامنا يـراوح مكانه ، فأمـرنا وأمـر المنبت سـواء ــ لاأرضا قطع ، ولا ظهرا أبقى ــ فمـــا المخـــرج ياتـــــــرى ؟
كان المفروض أن لانتساءل عن المخرج من وضع حالنا المتأزم اليوم ، بعد مرور خمسة عقود على استقلالنا ، ولكن كان الأجدر أن نتساءل عن أين وصلنا في طريق مسيرة نهضتنا الحضارية ؟ وماذا حققنا فيها ؟ وماذا يجب تحقيقه في المستقبل القريب والبعيد ؟ إلخ ... ولكن هيهات ...
فالوضع الذي نعيشه جميعا ــ كجزائريين ــ يفرض علينا أن نقف وقفة تأمل وإعادة مراجعة لمسيرتنا الإستقلالية ، والتي وجدنا فيها أنفسنا نعيش عدة مفاراقات ، تعبرعنها كلها حالتنا النفسية التي يغلب عليها الشعور بالإحباط واليأس والتشاؤم أحيانا ، نتيجة تلك الإخفاقات والإرهصات المتتالية التى عشناها ، ما زلنا نعيشها إلى اليوم ، والشعور يالرضوالأمل والتفاؤل أحيانا أخرى ، تلك الطموحات نحو مستقبل واعد أفضل ، وعليه فالمواطن الجزائري اليوم يعيش مفارقة نفسية مضطربة ، تتمازج فيها الرغبات الممزوجة بالآلام والآمال في آن واحد .
فالآلام مصدرها وسييها تلك الضروف المعيشة الصعبة والقاهرة التي أصبح يعيشها المواطن والناتجةعن تلك القرارات السياسية والإقتصادية الخاطئة ، التي لم يستشر فيها ، ولكنه تحمل وزرها ، ووزر المتسببين فيها ، والآمال مبعثها ـ ربما ـ طبيعة نفسية المواطن الجزائري التي يحكمها إيمانه بالله ، و ثقته بنفسه في قدرته على الصبر والتحدي للصعاب ، كما كان آباؤه وأجداده الأوائل .
إنه وفي خضم هذه المفارقات التي أصبحت لاتفارق وعي المواطن ، فإن منطق الواقع إذن يفرض القول : بأن المشاكل التي يعاني منها الشعب الجزائري ، هي فعلآ مشاكل خطيرة وعويصة ، تستدعي إيجاد حلول جذرية وعاجلة ، ومن الخطإ الفادح الإستمرار في تلك الحلول الشكلية الترقيعية والتجميلية ، التي تغير المظهر وتبقي على الجوهر ، فالوضع لم يعد يحتمل أكثر إن على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي.
فالخطوة الأولي في طريق الحل تبدأ أولا بضرورة إعادة مراحعة الذات من خلال الإعتراف بأن كل مشاكلنا ، هي مشاكل جزائرية أولا ، وتتعلق بنا كجزائريين خاصة ، وأن معالجتها لاتتم بمعزل عنا كمواطنين جزائريين كذلك ، وإنطلاقا من هذه القناعة العامة قد نصل إلى أن المعالجة الحقيقية تتطلب مشاركة الجميع في تحديد ملامح الخروج من الأزمة ، لأن الماضي القريب قد أثبت عدم جدوى تلك الحلول الجزئية الضيقة والمفروصة ، التي إرتبطت بمصالح ضيقة خاصة لا بمصالح وطنية عامة فإنقاذ سفينة الجزائر هو إنقاذ للجميع وتركها تغرق هو غرق للجميع .
لقد حان الوقت - بعد خمسين سنة من الإستقلال - ضرورة إعادة التفكير قي مشروع بناء كيان المجتمع الجزائري ، الذي أوشك على السقوط ، مادام المواطن الجزائري اليوم قد أصبح مهددا في وجوده وماهيته وهويته ، كفرد يعيش واقعا صعبا متأزما ، تتسارع فيه الأحداث وتتفاقم معها المـخاطر ، وتزداد المخاوف إلى درحة تهدده في وجوده و حياته .
والخطوة الثانية في طريق الحل هي في ضرورة إعادة ثقة المواطن الجزائري بمؤسسات دولته ، التي يجب أن تكون معبرة عن إرادته وإختياره ، حتى تصبح تلك المؤسسات منه وإليه ، لكي يحدث التفاعل الإيجابي المطلوب بينه وبين نظام حكمه ، فالأمر إذن يتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة والتحلي بالموضوعية في تحليل الواقع المتأزم ، بكل تبصر عميق ورؤى متفتحة ومتعددة ، بعيدا عن كل المواقف الأحادية المفروضة التي كانت سببا في صنع هذا الواقع المأزوم.
إن كل تامل حيادي وعميق يستلزم الإنطلاق من معطيات واقع الحال كمقدمات وإستشراف الحلول الكامنة في صلب المستقبل القريب والبعيد كنتائج لذلك التأمل ، وهذا يفرض على الجميع الإقتناع التام ، بأنه لابد من أن يتنازل الجميع من اجل الجميع ، قصد الوصول إلى رسم معالم ذلك المجتمع الراشد الذي يقوده حكم راشد .
والخطوة الثالثة إذن هي في وضع معالم طريق حكم راشد يستمد منهجه من مبادئ هوية المجتمع وإنتمئه الثقافي والحضاري ، ويوظف في نفس الوقت كل إيجابيات الحضارة الإنسانية ، التي نتقاسم معها ذلك المننتوج الحضاري بكل إبـداعاته ، والذي يحق لنا أن نأخذ منه مايفيدنا وماينفعنا في مجال حياتنا السياسية والإقتصادية والعلمية . خاصة إذا أدركنا أننا شعب ينتمي إلى حضارة تدعو إلى التعارف والتعاون في كا مافيه خير للإنسانية جمعاء.
فالحقوق الإنسانية إذن تمثل القاسم المشترك بين كل الشعوب والمطلب المنشود لها كلها ، وهي التي نصت عليها معظم الشرائع الدينية والمواثيق الوضعية والدولية ولعل هذا يستدعي ضرورة توضيح بعض العلاقات بين الحقوق الإنسانية من الزاوية الحضارية الخاصة والعامة ، من خلال المقاربات التالية :
: ـــ مقاربة حقوق الإنسان
لقد ظهرت فكرة حقوق الإنسان منذ قرون بعيدة لدى الحضاراة الإنسانية القديمة ، بدءا من عهد(حامورابي)إلى غاية ظهور نصوص الميثاق العالمي لحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية . ومجمل ماتتضمنه كل هذه النصوص هو ضرورة إحترام كل حقوق الإنسان دون تمييز جنسي أوعرقي أو لغوي أو ديني ، كما حددت أهم حقوق الإنسان الأساسية المتمثلة في : الحق في الحياة والأمن والعمل والتعليم والصحة إلخ .... ولمتابعة هذه الحقوق ومراقبة مدى إحترامها والإلتزام بها وتطبيقها من طرف كل الدول والحكومات ، أنشئت " المفوضية السامية لحقوق الإنسان " والتي ترتكز مهمتها في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان ، وإعداد التقارير السنوية بشأن تدهور هذه الحقوق وإنتهاكها في الكثير من الدول ، قصد متابعة المسؤولين عن إنتهاكها ، لدى المحكمة الجنئية الدولية المنشأة هي بدورها من أجل ردع كل من تسول له نفسه إنتهاك هذه الحقوق الإنسانية .
إن هذه الحقوق وغيرها كانت ومازالت مصونة في الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرن مضى ، حيث رفع الإسلام من شأن الإنسان وفضله على غيره من الخلق وخصه بالكرامة في قوله تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم وفضلناه على كثير من الخلق)
إن هذا التكريم يتجلى في حفظ حقوقه الضرورية الخمس : - الحق في الحياة بتحريم القتل ، والحق في العقل والتفكير بتحريم الخمر والمخدرات - والحق في العرض والشرف بتحريم الزنا والإغتصاب - والحق في العمل والكسب المشروع بتحريم السرقة والغش والربى - والحق الإعتقاد بتحريم الإكراه في الدين أو الكفر .
لقد سما الإسلام بهذه الحقوق الإنسانية إلى درجة القداسة كما يشير إلى ذلك موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين إعتبر حرمة المؤمن أقدس من حرمة الكعبة التي يتجه إليها المسلمون في صلاتهم .
: مقاربة أحترام التنوع الثقافي والحضاري ــ
من بين الحقوق التي ينص عليها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان أيضا ، التنوع الثقافي والحضاري بين الشعوب ، إذ لابد من الإقرار بأن لكل مجتمع خصوصياته الثقافية والحضارية التي هي جزء لايتجزء من مجموع الثقافات والحضارات الإنسانية ككل ، مادامت ثقافة الإنسانبة ماهي إلا فسيفساء رسمتها إبداعات وعبقريات كل الشعوب و الأمم ، ولذلك لابد من الحفاظ على هذا التنوع والثراء الثقافي ، الذي يطبع حياة الشعوب والأمم ، بل ولابد من توظيفه في تعميق التعارف والتقارب بينها من أجل تعايش إنساني سلمي مبني على مبدأ الأخذ والعطاء المتبادل .
فالرجوع إلى حضارتنا الإسلامية نفسها يؤكد بأنها حصيلة ذلك التفاعل الإيجابي فيما بينها وبين الحضارات الأخرى على أساس إحترام الإختلاف الحضاري والعقائدي وهذا مايتجلى في ذلك التحذير الذي حذر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسلم لايحترم غيره من أهل الذمم الأخرى حيث قال : (من أذى ذميا ، فأنا خصمه يوم القيامة ) .
إن هذا التحذير النبوي ينبع من مدلول ذلك التوجيه الذي يتلقاه الرسول (ص) من ربه في قوله تعالى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) وهكذا يتضح مدى حرص الإسلام وحثه على تعزيز التعارف بين الأمم المختلفة ، ومدى نبذه لكل أشكال التعصب العرقي أو الديني ومدى نبذه كذلك لكل أشكال الحقد والكراهيى للغير .
* مقاربة الديموقراطية والشورى :
إن الديموقراطية - كمفهوم سياسي - ماهي إلا وسيلة حضارية تعني تلك الآلية التي تمكن الشعب من حكم نفسه بنفسه عن طريق الإختيار الحر لمن يمثله في الحكم ، وذلك وفق مبادئ وقوانين تحددها مرجـعياتـه الحـضارية ، وبذلك فهذه الآلية ( الديموقراطية ) ماهي إلا وسيلة متحضرة للقضاء على مشكلة الصراع على الحكم والسلطة ، مما يعني أنها تمثل فضاء مفتوحا لممارسة حق الحرية السياسية من خلال الحق في تعدد الأفكار والآراء حول كل القضايا المطروحة في المجتمع ، و الفصل فيها بالرجوع إلى رأي الأغلبية في جو من التنافس الشريف الذي يسوده الامن والإستقرار والعدل ، بعيدا عن كل مظاهر الخوف والقهر والإستبداد والعنف واللاتسامح .
فهذا المفهوم السامي للديموقراطية ، لايتنافى ولايتعارض إطلاقا مع مفهوم (الشورى) في الإسلام والذي تعبر عنه الآيتين الكريمتين : ( وأمرهم شورى بينهم ) (وشارورهم في الأمر) . كما عبر عن هذا المفهوم أيضا أبي هريرة في وصفه لرسول الله (ص) بقوله : (مارأيت أحدا أكثر مشورة من رسول الله الله صلى الله عليه وسلم ) .
وإذا كان المشروع الديموقراطي (الشوري) قد واجه بعض الإخفاقات أو الإنزلاقات في بعض المجتمعات فإن هذا لايعود إلى عيب فيه ، وإنما يعود عيب في من حاولوا تطبيقه بطريقة خاطئة أو رافضوه لأسباب سياسية خاصة ، وفي كلا الحالتين فإن سبب فشل المشروع يعود الى غياب ثقافة متفتحة وسليمة مدركة لعمق العلاقة التكاملية بين الديموقراطية الغربية والشورى الإسلامية .
: مقاربة العدل والحرية ـــ
إن العدل بمفهومه الواسع هو ذلك المبدأالذي يعني الإستقامة في كل شيئ ، وبذلك فإن تطبيقاته تستلزم تحقيق معادلة التوازن بين الحقوق والواجبات لكل افراد المجتمع الواحد ، سواء تعلق الأمر بالحقوق والواجبات المعنوية أو المادية ، إلا أن تحقيق هذه المعادلة يتطلب توفير فضاء مفتوح من الحرية في المطالبة للحقوق والقيام بالواجبات وفق المبدأ القائل ( أنت حر مالم تضر ) او قول الشاعـر الفرنسي فـولتير ( قد أختلف معك في الرأي ، ولكنني سأقاتل من أجـل حريتك) .
هذا المفهوم افنساني لمبدأي العدل والحرية ، لايختلف تماما عن المفهوم الإسلامي لهما ، فالإسلام كله يقوم على أساس العدل والإحسان كما ورد في قوله تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان )... فهذا أمر عام ومطلق يقصد به جميع الناس على أنهم ملـزمون بإحترام العدل والحــرية لأن الإسـلام أيضا يقر بأنـه ( لاإكراه في الدين ) وبذلك ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) . ولعل مايجسد مدلول هاتين الآيتين تلك المقولة الشهيرة للخليفة الراشد عمر بن الخطاب متي إستعبدتم الناس ، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) .
: مفاربة الحوار والتصالح ـــ
إن التسامح شمة النفوس العظيمة لأنه يتطلب همة إنسانية عالية ، ورفعة أخلاقية سامية ، وسلوكا حضاريا تزول أمامه كل عوائق الحوار البناء بين كل الأطراف المتحاورة ، حتى تسود لغة حوارية تصالحية تضع الهدف الأسمى فوق كل الخلافات مما يجعلها تستطيع الوصول إلى قواسم مشتركة يبنى عليها ذلك الحوار الجاد والمؤسس على مبدأ الإختلاف المشروع الذي يجعل من مقولة الإمام الشــافعي ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب ) فالحوار من أجل التصالح يقتضي أولا ضرورة التسامح كما يقول غوبلو إن التسامح لايوجب على المرء التخلي عن معتقداته ، أو الإمتناع عن إظهارها ، أو الدفاع عنها ... بل يوجب عيه الإمتناع عن نشر آرائه بالقوة والقسر والقدح والخداع )
ولعل هذا ما دعى إليه ديننا الإسلامي من خلال أيضا مدلول الآية الكريمة الموضحة لمنهج الدعوة في قوله تعالى : ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، ومايلقاها إلا الذين صبروا ، ومايلقاها إلا ذو حظ عظيم ) .
وكم لنا في رسول الله من إسوة حسنة في مجال التسامح والصفح ... فقد عفى وصفح عن ألد أعدائه الذين تفننوا في إيذائه وإيذاء أهله وأصحابه ويكفي لذلك الصفح ، عفوه عن أهل مكة الذين أجبروه على الهجرة ، وعقده لصلح الحديبية مع من كانوا له كل الحقد والكيد والكراهية ، ولكن ماكان جوابه عن كل ذلك إلا قوله (ص) : ( إذهبوا فأنتم الطلقاء ).
: مقاربة التضامن والتنمية ـــ
إن الجو الذي ينتج عن ذلك الحوار والتصالح سوف يعزز - لامحالة - عرى التضامن والتعاون بين كل فئات المجتمع الواحد ، ويوثق أيضا روابط التعاون مع المجتمعات الإنسانية الأخرى في نفس الوقت ، وهذا مايزيد من فرص العمل والتنمية والإنتاج مما يحقق الرفاهية المنشودة للمجتمع ، فتزول كل مظاهر المعاناة الناتجة عن الشعور بالحيف الإجتماعي والإقصاء السياسي الذي كان سائدا من قبل ... فالتنمية إذا ترتبط مباشرة بضرورة تحقيق الأمن والسلم والطمأنينة للجميع لأنها عوامل ضرورية لإحترام حقوق الإنسان في كل مجالات الحياة ولعل هذا ماأقره تقرير صادر عن الأمم المتحدة حول العلاقة بين السلام والتنمية ، حيث ورد فيه : ( إن السلام والإقتصاد والبيئة والمجتمع والديموقراطية ، كلها أبعاد مرتبطة بالتنمية ، فالسلام يوفر الإطار الأكثر أمانا للتنمية المتواصة ، والإقتصاد النامي يولد الموارد اللازمة للتقدم ، والبيئة المحمية تجعل التنمية مستدامة ، والأوضاع الإجتماعية السليمة تقوي النسيج الإجتماعي ، وبذلك تعزز السلام والتنمية ، والديموقراطية تشجع الإبداع ، والحكم الراشد يحقق الإستقرار الذي يمكنه أن يحاقظ على التقدم نحو تحقيق التنمية على مر الزمن )
: مقاربة القيادة الحكيمة والعبقرية المبدعة ــــ
ونحن على أبواب الذكرى الخمسين لأستقلالنا الوطني ، إن هذه اللحظة التاريخية تستدعي منا إعادة رسم معالم الطريق الذي يجب أن نسلكه في مسارنا الحضاري المستقبلي ، وهذا يتطلب ضرورة بروز قيادة سياسية جديدة تجمع بين الحكم والحكمة في قيادة مسيرة البلاد والعباد ، تحيط بها كل النخب والكفاءات المبدعة والخلاقة .
ولعل أول خطوة في طريق إقلاعنا الحضاري تبدأ من إعادة تصحيح العلاقة بين العقل السياسي ( الحاكم ) ، والعقل العبقري ( المبدع ) ، لان هذه العلاقة كانت على غير حقيقتها ، إذ سيطر فيها العقل السياسي على العقل المبدع مما جعل العلاقة بينهما علاقة تبعية لاحرية ولذلك فإن الأصح هو أن يكون العقل السياسي في خدمة العقل المبدع وليس العكس ، حتى تتوفر للمبدع كل الشروط التي تمكنه من توظيف طاقاته الإبداعية التي يجب على على العقل السياسي أن يحولها إلى مشاريع إستثمارية تساهم في زيادة الثروة الإقتصادية للمجتمع ، مما يزيد من رفاهيته ورخائه .
إن الحقيقة تقول : إن نهضة كل أمة تكمن في عبقرية أبنائها وبذلك فمن قتل هذه العبقرية قتل حضارة أمة بكاملها ولعل هذا ماأشار إليه الفيلسوف الألماني هيغل عندما خاطب الألمانيين قائلا : " قد لاتنفع عقول العالم كلها ، إذا لم نوظف ذكاءنا وعقلنا الخاص ، فالعقل الألماني وحده هو الذي يمكناا من الإشتراك في صنع مصيرنا " .
إذن هذه المقاربة تقتضي إتاحة الفرصة لكل الكفاءات المبدعة أن تتذوق لذة أبداعاتها وإبتكاراتها ، لان سعادة المبدع في كل زمان ومكان ليست في الخصول على المال او الجاه أو المنصب ، بقدر ماهي سعادة معنوية روحية نبيلة ، تتعلق فقط بطموح فضولي يمكن المبدع من ممارسة موهبته الإبداعية ، وبناءا على هذا فإنه يمكن القول بأن معيار نهضة كل أمة لايقاس بتوفير تكنولوجيات جاهزة تستورد ، ولابإيديولجيات سياسية مستعارة تردد ، ولا بثاقافات غربية أو شرقية تقلد ... وإنما تقاس بمدى قدرة الأمة على توظيف وإستغلال كفاءاتها المبدعة بإعتبارها طاقة ذاتية فعالة ومنتجة ، متى توفرت لها شروط الإبداع والإنتاج .
وأخيرا لايسعنا إلا أن نخلص من كل ماسبق إلى التذكير بهاتين الأطروحتين للمفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي الذي يقول في مفارقته الأولى : ( فليس من الواجب لكي ننشئ حضارة ، أن نشتري كل منتوجات الحضارات الأخرى ) ص 47 من كتاب" شروط النهضة " وبمقاربته الثانية التي يقول فيها : ( فمن العبث إذن أن نضع ستارا حديديا بين الحضارة التي يريد تحقيقها العالم الإسلامي ، وبين الحضارة الحديثة ) نفس الصفحة من نفس الكتاب









 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الحكم, الراشد...مقاربات, ومفارقات


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:29

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc