رحل محمد عابد الجابري ، غير أنّ هذا المفكر الاستثنائيّ ، والإشكاليّ على نحو يكاد يكون منقطع النظير ، لم تُغمض عيناه عن شعلة الكون إلاّ بعدما أثار جدلاً حامياً ، في الأوساط الثقافية والفكرية والأكاديمة في العالم العربيّ. كان ذلك بسبب حفره ، عميقاً ، في الآلية التي يعمل بها العقل العربيّ عموماً ، وبخاصة العقل الإسلاميّ. ليس هذا فحسب ، بل إنه ذهب يتفحص الخطاب العربيّ السياسيّ ، واستطاع ـ بألمعية باهرة ـ أنْ يصوغ بنية داهشة لآلية العقل التي تصدر هذا الخطاب ، خاصة الخطاب الذي يتنبنى المشاريع التغييرية ، وفي مقدمته الخطابان: السلفيّ واليساريّ. فبيّن أنّ آلية عملهما واحدة ، وهي سلفية صرفة ، وتقوم على القياس: قياس الغائب على الشاهد أو قياس الشاهد على الغائب. من هنا ، ربما ، لم يكن يرى إمكانية أنْ يحدث تغيير في المجتمع العربيّ ضمن ديناميته الداخلية ، بل رأى أنّ مثل هذا التغيير سيستلزم مؤثراتْ وقوى مصدرها الآخر. ليس هذا فحسب ، بل إنّ الراحل ما كاد يتوصل إلى أيّ من إلماعاته ، حتى يسبب رًجَّة في اوساط الثقافة والفكر العربيينً.
ولد محمد عابد الجابري في الفكيك بالمغرب في السابع والعشرين من كانون الأول عام ,1936 وكان واحداً من أبرز المتخصصين في النقد المعاصر من بين الأكاديميين والباحثين المغاربة ، بالإضافة إلى عمله أستاذاً للفلسفة والدراسات الإسلامية في جامعة محمد الخامس بالرباط. وهو ، أيضاً ، خبير متضلعّ في اللغة والأدب العربيينً. اعتُبًر مثقفاً بارزاً ، وأساسياً ، على مستوى العالم العربيّ المعاصر. واشتُهر بمشروعه الأكاديميّ المعروف "نقد العقل العربيّ". وقد أنجز كثيراً من الكتاب ذات الأثر ، والتأثير ، حول الأعراف الفلسفية العربية.
يقوم منهاجه ومقارباته على استكشاف التضارب ، بل الصراع ، بين الحداثة وبين أعراف التراث في العالم الاسلاميّ والعربي. ركّز في كتاباته على §العقلانية§ لدى الفلاسفة المسلمين في العصور الوسطى ، من مثل: ابن سينا 890( ـ )1037 ، وابن رشد 1126( ـ )1198 ، وابن خلدون 1332( ـ 1406). رفض ما أسماه §الاستقطاب الحالي للفكر العربيّ§ بين الحداثة المستوردة التي تتجاهل الأعراف العربية ، وبين الأصولية التي تسعى إلى إعادة إنشاء الواقع على صورة ماض مثاليّ. وكان يرى أنّ المغرب (الجزء الغربيّ من العالَم العربيّ)
يتمتع بتقليد عقلي منطقيّ مستمد من الفلسفة الإغريقية. مثال كان حالة ابن رشد متمثلة في المدرسة العقلانية للفكر ، في مقابل المشرق (الجزء الشرقي من العالم العربيّ) حيث سادت العرفانية والصوفية ، والتي اعتبرها الجابريّ نفسه ضرباً من اللاعقلانية والجمالية (وهذا يبيّن معرفة الجابريّ غير الكافية في التراث الفلسفيّ لعالم المشرق الإسلاميّ ، ورغبته في تدعيم أفكاره الخاصة من خلال الأفكار الشائعة في الغرب حول هذه المسألة). ولرؤيته أنّ العالم العربي في حاجة إلى تمكين العقل من أجل البقاء في العالم المعاصر ، دعا الجابريّ إلى "رُشدية جديدة".
مشروع فكري متكامل
د.عبد الحميد الأنصاري
إن رحيل مفكر عربي بحجم محمد عابد الجابري يمثل خسارة كبيرة للساحة الفكرية والثقافية فهو من عمالقة الفكر العربي وتميز بأنه وظف المنهجية الغربية فى الدراسات الاجتماعية الحديثة فى نقد التراث العربي بهدف فهمه بشكل عقلاني وتوظيف هذا التراث في بناء الذات العربية ، حاضراً ومستقبلاً ، كما تميز بقدرته على قراءة التراث من الداخل ، وتفوق على أقرانه وعن غيره بقدرته الكبيرة على الإلمام بالتراث حيث كان دارساً له دراسة جيدة وموسوعية ، والمطلع على كتبه ومؤلفاته ، وخاصة "نقد العقل العربي" ، يتضح له كيف استطاع أن يقرأ التراث من الداخل ويوظفه لخدمة الحاضر.
إنه صاحب نظرة شمولية تتميز بالدقة الشديدة والصلابة المنهجية ، وقد أبرز نقد العقلية العربية والثقافة العربية بشكل ممنهج. وكان ـ رحمه الله ـ مهذباً ولا يتحدث إلا من بعد تفكير ، ويتضح ذلك ـ جلياً ـ من ردوده وكتاباته ، وكان يكتب بشكل دوري في العديد من الصحف وأبرزها: صحيفة §الاتحاد الإماراتية§ ، وكان ضيفاً دائماً على معظم الدوريات العربية وجميع وسائل الإعلام ، والتقته الراية كثيراً ، وكتبت عنه كثيراً.
وهو واحد من المفكرين والمثقفين ممن لديهم مشاريع فكرية متكاملة. انبهر كل من قرأ مؤلفاته التي أثَّرت ، كثيراً ، فى الساحة الثقافية العربية والعالمية. كما كان بمثابة حائط صد منيع ضد المد الرجعي المتطرف الذى كان يعود بالفكر العربي إلى الخلف ، وذلك بأفكاره النيرة الممنهجة والمبنية على دراسة وحجة ومنطق لا يستطيع أي فكر ، أو عقل أن يدحضها أو يشكك فيها ، وكان صاحب فكر معتدل وراقْ يستطيع أن يتصدى للفكر المتطرف.
صفحة هامة طويت
الطيـب تيزينـي
هو مفكر كبير أثرى الفكر العربي ، إيجاباً وسلباً. كان حافزاً ، لي ولغيري ، في التوغل في القضايا التي طرحها ، وكنت طرفاً في طرحها. وبهذا المعنى أشعر أن صفحة هامة من الفكر العربي طويت ، أو لعلها نشأت مجدداً لتبقى حافزاً في الفكر العربي.
أشعر ، الآن ، أن مكاناً هاماً قد فرغ بوفاة الجابري. لقد أشغل وأثار مسائل كبرى ، نبقى دائماً مدعوين إلى البحث فيها. وإذا كان لمن اجتهد فأصاب أجران ، ولمن اجتهد فأخطأ أجر ، فإن للرجل أجرين بل أكثر: فقد اجتهد فقدم أشياء هامة ، قسم منها كان جديداً على الفكر العربي. تأثره بالفكر الأوروبي أمدّه بكثير من القضايا الهامة التي تناولها.
أشعر بأسى عميق بوفاته ، مع أننا لن نتركه ـ درساً وتعميقاً وبحثاً. وما علينا أن ننجزه سننجزه مضاعفاً. والجابري اشتغل بطاقة كبيرة ، وبجهد ، بحيث أنه دخل معظم حياة المثقفين والمفكرين العرب ، ومهمتهم الآن تكمن في المتابعة ، بكل أنواع المتابعة. وبهذا نكون قد حققنا شيئاً من الأمانة في متابعته ، وأنا معنيّ بمتابعة ما كتبه: فقد كان ، في الكثير مما كتب ، يتوجه إلي بشكل أو بآخر ، وكنت أفعل الشيء ذاته. لذلك أنا معني بوفاته بالمعنى الإيجابي ، فأنا أكن له كل الاحترام والمودة.
سأتابع الدرب في مزيد من البحث ، وهذا يجب أن يكون حافزاً للمثقفين العرب في التأسيس لعلاقات جديدة بينهم.
أعبر عن أسفي وعمق ألمي بوفاة الأستاذ الجابري.
نمط فلسفي مختلف
علــي حــرب
رباعية الجابري ، حول نقد العقل العربي ، قُرئت على نطاق واسع ، مع بقية أعماله ، ليس فقط من جانب المختصين وطلاب الفلسفة ، بل لدى عموم المثقفين ، وربما تعدت ذلك إلى عموم القراء.
من أسباب ذلك تشكل نمط مختلف من العمل الفلسفي مع أصحاب الموجة الحداثية الجديدة ، جعلهم يخرجون من معاقلهم الأكاديمية وعلى مدرستهم الجامدة ، ليتناولوا قضايا حية وراهنة ، أو يومية ومصيرية. معهم لم تعد الفلسفة مجرد لغة مجردة ، أو مقولة منطقية ، أو أطروحة متماسكة ، وإنما تتعدى ذلك لكي تصبح تشكيلاً خطابياً ينتج المعنى ، أو كتابة فلسفية تبنى بها الأقوال والأفكار ، أو نصاً مفتوحاً هو مساحة للقراءة ، على سبيل التفسير والتأويل أو التحليل والتوكيد ، أو التجاوز وإعادة البناء والتركيب.
وكان ذلك شاهداً على تطور الفلسفة وازدهارها ، عربياً ، كما يشهد على ذلك رواج الأعمال وتكاثر الأعلام والأسماء. ولا مبالغة أن الجابري كان من أكثر الذين مارسوا حضورهم ، وربما نجوميتهم ، بين الفلاسفة والمفكرين ، إلى جانب مشاهير الشعراء والكتاب ، سواء بأعماله ، أو بندواته وحواراته ، أو بكتابته في الصحافة اليومية ، فضلاً عن المجلات الدورية التي كان له الفضل في تأسيس واحدة منها: "فكر ونقد".
قرأت الجابري وكتبت عن أعماله قبل التعرف إليه. وقد التقيته أول مرة ، في مطلع التسعينيات من العقد المنصرم ، ثم كانت لنا لقاءات في الندوات والمؤتمرات الفكرية. وكانت علاقتي به ودية ، لأن نقدي له ، وعلى سبيل الاعتراض والمخالفة ، قد بني على الاعتراف بمنجزه وأثره.
أسفت لموت الجابري المفاجئ. ومع أني كنت سمعت مؤخراً عن مرضه ، إلا أنني لم أكن أحسب أنه سيرحل عن عالمنا بهذه السرعة.
وبعد غيابه ، سوف يبقى يمارس حضوره ، عبر أعماله ، التي ننشغل بها أو نشتغل عليها ، سواء أكنا نتفق معه أم لا نتفق. وكذلك كان الفيلسوف. إنه لا يقبض على الحقيقة ، بل يفتح إمكانات للتفكير نمارس عبرها حيويتنا ، فنختلف عنه ونتغير عما نحن عليه ، باجتراح معان جديدة ، لحياتنا وتجاربنا.
حداثة عبر التراث
ياسـين الحـاج صالـح
بعد كتابين عن قضايا التعليم في الغرب وعن فلسفة العلوم المعاصرة ، دخل محمد عابد الجابري عالم التراث العربي الإسلامي ولم يخرج منه. انتهى إلى مواقف أقل نقدية وأكثر تصالحاً مع التقليد مما بدأ ، لكنه كان مثقفاً مرموقاً وملتزماً ، وواضح الأسلوب.
نال الجابري شهرة عربية سريعة في مطلع عقد الثمانينيات (من القرن الفائت) مع صعود الطلب على الدراسات التراثية على خلفية أزمة الفكرة القومية العربية وصعود الحركات الإسلامية. وقدم كتباً قرئت على نطاق واسع ، بخاصة نقد العقل العربي (1984) ، والعقل السياسي العربي (1990) ، والعقل الأخلاقي العربي (2001). فضلاً عن تآليف أخرى كان آخرها ثلاثة مجلدات عن القرآن وتفسيره. إلى ذلك كتب الجابري عن مسألة الديموقراطية وتحمس لها ، ورأى أنها والعقلانية تغنيان عن العلمانية.
نظريته عن الحداثة عبر التراث ، أو عن وجوب الانتظام في تراث من أجل الحداثة والعقلانية ، تبدو اليوم أقل جاذبية ، هذا لسبب عام تشاركها فيه كل الدراسات التراثية: وضع الاجتماعي والسياسي بين قوسين ، وافتراض المجتمعات ثقافاتْ أو هوياتْ: ولسبب خاص يتمثل في أن الجابري قلما ميز بين التراث على اعتباره معارفَ ومعانيَ وأفكاراً ولدت في الماضي وبين التراث تقليداً ممارساً وحيّاً. تفكيره يفترض استمرارية تاريخية متجانسة لم يبرهن عمله عليها.
في كتبه ، الجابري عروبي ، ومرسى عروبته هو الإسلام. عروبته دفعته إلى موقف متحفظ ، وربما غير منصف حيال المؤثرات الفارسية في الثقافة الإسلامية العربية. ولقد قال يوماً ، في ثمانينيات القرن الماضي ، إن نقد الدين لا يزال متعذراً في الإطار العربي الإسلامي. ويبدو أنه محق ، إنْ حَكَمنا استناداً إلى المتحقق الفكري في هذا المجال.
الآن ، وقد انضم عمل محمد عابد الجابري إلى التراث الذي كرس له عمره الناضج كله ، كيف سيُنظر إليه في المستقبل؟ ليس من السهل تقدير ذلك: فللأعمال الفكرية مصير غير متوقع. لكننا نرجح أن تعتبر نقلة قيمة في تاريخ حركة النهضة الثقافية العربية.
لا يتسع التأبين لأفكاره
الطاهــر لبيــب
مرحلــة التأســيس.
غاب سي محمد ، تاركاً جــيلاً يتآكل. ترك خوفاً من فراغ يتسع. كان علمنا الجمعَ بين المعرفــة والتــواضع والتعــلق بالأمــل بغد يأتـي. كان من أوائل من حوّل النــص إلى خطــاب واقــترح بنية للعـقل العربــي فخـط مســارب جديــدة أخذتــه ، نهــاية المطـاف ، إلــى القــرآن.
وسي محمد الخلدوني الأصل كان ، أيضاً ، من أكثر المغاربة حرصاً وتأثيراً في الربط المعرفي بين المشرق والمغرب. ولقد تبين ، اليوم ، أن تأثيره يتجاوز طلابه إلى فضاءات عربية بعيدة ، منها ما لم يكن منتظراً وصول عقلانيته إليها.
لا يتسع التأبين لأفكــاره. لا يتسع لأكثر من حسرة بفقدان أســتاذ مفكّر ساهم في التأسيس لمرحلة لا ندري ما يصنع بها وبه الزمن العربي.
لم يشكل سفينة نجاة
أحمــد برقــاوي
نمـوذج لمفكـري التـراث.
عندما يغيّب الموت مفكراً ، فإن الحياة تخسر من يضيف إليها جديداً من دون النظر إلى موقفك من هذا الجديد ، فإذا الحياة خاسرة بموت المفكر ، بموت الشاعر ، بموت الرسام ، بموت المبدع بعامة.
والجابري واحد من المفكرين الذين هجسوا بمشكلات الأمة على طريقة مفكري السبعينيات والثمانينيات ، الذين راحوا يفتشون عن خلاص أرضي في تراث الماضي. هو بهذا المعنى مفكر أزمة ـ شأنه شأن حسين مروة ، والطيب تيزيني ، وحسن حنفي ، ومحمد عمارة ، وما شابه ذلك.
وعبثاً كان يحاول أن يخرج من أزمته ، التي هي أزمة فكر لا أزمة شخص: فالكل يعلم أن هؤلاء التراثيين أرادوا أن يجعلوا من التراث حصاناً يجر العربة ، بعضهم مَرْكَسَهُ وبعضهم عقلنه وبعضهم بين بين. والكل يعلم أن جهد الجابري قد انصب على صياغة واكتشاف عقلية نقدية متكئة على عقلية فلسفية وشعرية ، أو ـ إن شئت ـ قل على عقلية توهم أنها مغربية ، مؤسساً صياغته هذه على نقد الخطاب العربي المعاصر ، والحق أن كتابه الخطاب العربي المعاصر ، الذي أراده دراسة تحليلية نقدية ، وأراده قطيعة مع السائد من الأفكار ، أراده نقداً لليبرالية ، وللقومية وللسلفية ، إن كان في خطابها الفلسفي أو خطابها السياسي.
إن هذا الكتاب الذي أراده هكذا لم يستطع أن يحرره من أسر ما أراد نقده: فهو رأى أن أزمة الفكر العربي تكمن في خضوعه لسلطة السلف الغربي ، وسلطة السلف الإسلامي. وبالتالي ، فإنه لا مخرج إلا بالتحرر من هاتين السلطتين ، لكن كل الذي فعله أنه عاد لسلطة السلف الغربي وسلطة السلف الإسلامي ، ليقدم لنا توليفة لعقلانية تأخذ قليلاً من باشلار وقليلاً من ابن رشد: قليلاً من غرامشي وقليلاً من ابن باجه ، لينتهي به المطاف بوصفه مفكًّرَ أزمةْ ، إلى تفسير القرآن ، متجاوزاً تكوين العقل العربي ، وهو الكتاب الأهم ـ من وجهة نظري ـ و بنية العقل العربي ، والعقل السياسي ، وما شابه ذلك.
لقد انتقد الجابري الفكر العربي بوصفه فكر مشروع ، وليس فكر واقع ، مع أن كل فكر واقع هو بالضرورة فكر مشروع. انتقد الجابري التلوث الأيديولوجي للفكر العربي ، ثم قدم أيديولوجيا ، أيضاً. ولهذا لم ينتصر الفيلسوف في فكر الجابري ، بل إن مشروع الفيلسوف الذي كانه قد مات في إهاب الفقيه الذي صاره.
ومع ذلك خسرت الحياة ، بموت الجابري ، شخصاً يسمح لنا أن نتجاوزه ، وعندي أن تجاوز الجابري ـ ومن شابه الجابري ـ أمر على غاية كبيرة من الأهمية: فهؤلاء التراثيون الذين قضوا ، والذين يعيشون بيننا ، أرهقوا الفكر بما ليس بمُجْدْ ، معتقدين أن علة الحاضر ليست في الحاضر ، وليست في الماضي أصلاً ، بل العلة في ماض يجب أن يكون حاضراً على نحو جديد ، وهذا هو منطق الأزمة ومنطق الفكر المأزوم.
رحيل الجابري مناسبة لإقامة قطيعة مع الجابري بوصفه أنموذجاً لفكر الأزمة ، وأقصد انموذجاً لمفكري التراث من كل أنواع مفكري التراث. فإذا كنا غير قادرين على تكنيس تاريخ مادي واقعي بغياب فئات اجتماعية حيوية راديكالية ، فلنقم بالهجوم على أكبر معاقل تأبيد الواقع ، ألا وهي الفكر: فالفكر الذي يؤبد الواقع ، حتى لو لبس إهاباً تجديدياً ، لا ينجب إلا نكوصاً.
في النهاية ، فكرة التجديد التي راودته في لحظة ما. وبالتالي ، ربما كان من الطبيعي أن ينتقل ذاك الذي اشتغل بالتراث مأزوماً إلى ركب النكوصيين المتشبثين والمتعلقين بخشب قديم مرمي في بحر تتقاذفه الأمواج ، لكنه لن يشكل سفينة نجاة.
التاريخ : 07-05-2010