هكذا عرفت الشيخ العربي التبسي
_ رحمه الله _
بقلم تلميذه : إبراهيم روابحية (1)
"... كان أستاذنا رحمه الله مربيا ماهرا بالمعنى الأبعد لمدلول هذا اللفظ، لأنه كان يشعرُ بثقَل المسؤوليّــة و بعظمة الرسالة التي كُتِبَ عليه أن يُؤديها كاملةً، و في أمانة تامَّــة، ثم برحابة الآفاق التي تستهدفها، و بتعدد الميادين التي يجب عليه أن يخوضَ فيها ضُرُوبَ المعارك و ينتصر، و لتكن ما تكن التكاليفُ و التضحيات.
و لعل نجاحهُ يرجع إلى أنه كان مُربيا في الأغلب بسُلوكه الخاصّ، أي بمثالية نزاهة تجاوزت حُدُود الوصف، و إخلاص عزَّ نظيرُهُ في من عرفنا من الرجال. و صلابة في الحق و من أجله لا تلينُ، و شجاعة نادرة انتزع بها احترام الأعداء قبل الأصدقاء.
كُنا نقرأُ عليه و نحنُ صغار، فيَسُوسُنا أبدا بالجد، و يطيبُ له أن يُعاملنا معاملة تختفي معها صبيانيتنا ... و حتى إذا ما بدرت من أحدنا بادرة لنزَق الطفولة و عبثها داخل القسم رماه بنظرة زاجرة، و اتخذ من ذلك مادة دسمة لدرس في حُسن السلوك.....فكنا أبدا نتحاشى حدة نظرته و غيظه، بله قوارع توبيخاته.
لقد كان يحب النبهاء و المجتهدين من تلامذته إلى درجة الافتخار بهم في المجالس و يَطرُبُ أعظم الطرب لتلميذ استظهر واجبا وتلا شيئا بعربيّةٍ فصيحة، لأنه كان يبني صُرُوح الآمال على مثل هؤلاء، و إن كنا يومئذ لا نعلم من ذلك شيئا و لقد كنا نخافهُ شديد الخوف و لكننا مع ذلك نحبهُ حتى و هو يقسو علينا و نُعجبُ به و نقدس شخصيّته، بل لقد كان بيننا من لا يتمنى أن لو كان كأنه هو جسما و محتوى. أما خارج القسم فلقد كان يغضُّ الطرفَ عن هفواتنا، يرى و لكنه يتظاهر بأنه لم يرَ، بل كان يثور بعض الأحيان في وجه من يُخبر عن تلميذ ارتكب خطيئةً أيام كان الكثير من الناس يعتبرون مجرد اللعب في أوقات الراحةِ و حتى بعيد عن جدران المدرسة سُوء تربية، و مدعاة للتهاون و الإهــمال...
كان صديقا لكل واحد منا في مرحلة شبابنا، نجالسه فيتحدثُ إلينا حديث الصديق إلى الصديق، يبوحُ إلينا بأسراره، و يمنحنا حرية مناقشته و ينزل أحيانا إلى الرأي السديد يُبديه أحدنا و إن خالف رأيهُ، و قد يتخلى و لو مكرها عن موقف يتخذه في فترات خاصة يظهر لهُ عدم صلاحية ذلك الموقف...
هذا مظهرٌ خاطف لسلوكه التربوي مع تلاميذه و علاقتهُ بهم، و كان رحمه الله يمنحهم من مجهوداته و من وقته الثمين عناية خاصة، فمن أجلهم أسس ناديا أطلق عليه اسم "نادي الشبان المسلمين" جمعا لشتاتهم و تذكيرا بقداسة اللحمة التي يجب ألا تنفصلَ بين الشباب و إسلاميته و غيظا للأعداء بحمل ذلك الشعار و تدريبا لهم على تعمل المسؤوليات و من هذا المعقل الصامد انتشرت كتائب تتحدى الطغاة، و تغزو ساحات العمل...
رحم الله أستاذنا الجليل الذي ربّى جيلا و قوَّمَ اعوجاجا آخر سبقهُ؛ و أوجد المناخ الصافي لعمل الكل..."
ــــــــــــــ
(1) - إبراهيم روابحيّــة من تلاميذ الشيخ العربي التبسي درس بمدرسة التهذيب من سنة 1936م / 1946م، ثم معلما بها من 1947م / 1956م. كتبها في عام 1967م.نقل بتصرف عن الدكتور أحمد عيساوي من كتابه "مدينة تبسة و أعلامها".110…113
فرغه اخوكم سمير زمال التبسي الجزائري