الفصل الأول: الضمانات المتعلقة بالإجراءات التمهيدية لممارسة الانتخابات:
تتعدد الضمانات المتصلة بالعملية الانتخابية، فمنها سابقة أو ممهدة للتصويت، ومنها ما هو معاصر، ومنها ما هو لاحق للتصويت.ولقد اخترنا في هذا البحث أن تعتبر الفترة الممهدة للعملية الانتخابية هي الفترة التي تتخذ بها جميع الإجراءات التحضيرية من قبل السلطات المعنية بالعملية الانتخابية ولغاية بدء الحملة الانتخابية .
إن المرحلة التي تسبق يوم التصويت هي مرحلة بالغة الأهمية في الإعداد للانتخابات وفيما يتوجب القيام به لضمان حرية ونزاهة هذه الانتخابات، فمن الأخطاء الشائعة أن تزوير وتشويه الانتخابات يجري فقط يوم الاقتراع.أو عند العد أو الفرز بينما ـ وكما سيتوضح لنا من خلال هذا الفصل إن تشويه وسائل المشاركة وعمليات تزوير الانتخابات يمكن القيام بها خلال الفترة الممهدة والسابقة ليوم التصويت ،وتتبين نتائجها في يوم الاقتراع او عند إعلان النتائج .
كما أن الضمانات الممهدة متعددة وكثيرة وتترك أثارا خطيرة على مجمل العملية الانتخابية ، فعملية تقسيم البلد إلى دوائر انتخابية طالما كانت موضوعا هاما بال الفقهاء والمشرعين ،لتحديد الضمانات المتعلقة بالعملية الانتخابية ، ذلك أن هذا التقسيم قد استغل ومنذ أمد بعيد لتشيه المشاركة الانتخابية .
وللإدارة التي تدير وتشرف على العملية الانتخابية دور بارز في توفير الضمانات الحقيقية لنزاهة الانتخابات فقيل كل عملية انتخابية يجب إعداد سجل للناخبين ،يتولى تبيان هيئة الناخبين المؤهلين للإدلاء بأصواتهم يوم الانتخاب ،لذلك يجب أن تتوفر له ضمانات حقيقية كي تكون العملية نزيهة وحيادية .لذلك سنتناول في هذا الفصل مبحثين ،حيث خصص المبحث الأول للدوائر الانتخابية وطرق تقسيمها واهم الضمانات المتعلقة بها .أما المبحث الثاني فقد خصص لضمان حياد الإدارة من حيث صدق الجداول الانتخابية .
المبحث الأول: ضمان الحيدة في تقسيم الدوائر الانتخابية:
تعد مسالة تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية واحدة من أهم العوامل المؤثرة في العملية الانتخابية، وذلك لما يمثله وجوب هذا التقسيم وعدالته من أهمية بالنسبة لها ، التي تأتي من أن الحكومة تستطيع من خلال سيطرتها على عملية تحديد الدوائر الانتخابية في البلاد أن تسيطر على إدارة العملية الانتخابية ونتائجها بوسائل مختلفة ومتنوعة تتركز في جوهرها بالتلاعب بحجم هذه الدوائر عن طريق دمجها أو تمزيقها حسب مقتضيات مصلحة أعضائها ومؤيديها من الناخبين والمرشحين وبما يضمن لها تحقيق الفوز على معرضيها .
فيجب أن تتوفر الضمانات الكافية حتى لا تحقق الحكومة أهدافها ،ومنه سنقسم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب ،الأول يتعلق بالإطار المفاهيمي ، والثاني بطرق تقسيم الدوائر الانتخابية والجهة المختصة في ذلك ،أما المطلب الثالث فخصص للضمانات المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية .
المطلب الأول: الإطار المفاهيمي للدوائر الانتخابية
سنتطرق في هذا المطلب إلى مفهوم الدوائر الانتخابية وأهميتها ،ثم أساليب الدول في تقسيمها :
الفرع الأول: مفهوم الدائرة الانتخابية وأهميتها
يختلف مفهوم الدائرة الانتخابية من دولة إلى أخرى ,حيث عرفها الفقه بما يلي: «الدائرة الانتخابية هي ذلك الجزء من إقليم الدولة الذي يشكل وحدة قائمة بذاتها،والتي يقوم أفرادها المقيدون بالجداول الانتخابية بها بانتخاب مثليهم داخل البرلمان وفقا للمبادئ والإجراءات المنظمة لذلك»
البعض الأخر يعرفها بأنها«عبارة عن وحدة انتخابية قائمة بذاتها،يتيح فيها المشرع للأفراد المقيدون بجداولها الانتخابية بانتخاب ممثل أو أكثر لهم في المجلس النيابي»
ويقصد بالدائرة الانتخابية في كندا بأنها «الإقليم الجغرافي الذي يعيش فيه عدد من السكان يتم إدراجهم تحت قائمة أو لائحة انتخابية واحدة تشكل أساس الديمقراطية البرلمانية الكندية وهو مثبت تاريخيا لأنه مصطلح مطابق للمقاطعات». في اللغة الانجليزية الاسم الرسمي هو المقاطعة الانتخابية على الرغم من انه في أكثر الأحوال يسمى ركوب أو دائرة.
وتكمن أهمية التقسيم في أن التمكين الصحيح لهيئة الناخبين من ممارسة حقها الانتخابي بسهولة ويسر وتحقيق انتخابات حرة وعادلة يستوجب تقسيم البلد إلى مجموعة من الدوائر الانتخابية ،حسب مقتضيات عدد السكان ومساحة الإقليم وطبيعة النظام الانتخابي ،فالتقسيم يعد لازما لإسباغ الجدية والنزاهة على الانتخابات ،وحتى تأتي إرادة الناخبين معبرة تماما عن الإرادة العامة للشعب . كما أن التقسيم يشكل أداة لا غنى عنها لتمكين الناخبين من الاختيار الأمثل بين المرشحين ،الأمر الذي يكون غير متاح أو بالغ الصعوبة بالنسبة لهم في الحالة التي تكون فيها الدولة دائرة انتخابية واحدة مما يعيق الناخبين من التعرف الجيد بالمرشحين ،وما ينجم عنه من صعوبة في الحكم على ما يتمتع به كل منهم من كفاءة.
الفرع الثاني : أساليب الدول في تقسيم الدوائر الانتخابية
تعتمد الدول في تقسيم الدوائر الانتخابية على أسلوبين ،أسلوب الدائرة الواحدة ويشمل الدولة في مجموعها .وأسلوب تعدد الدوائر حسب ظروف كل دولة .
أولا ـ أسلوب الدائرة الواحدة:
هو أسلوب نادر جدا ،إذ أصبح يعتبر في نظر البعض استثناءا على القاعدة العامة وهي تعدد الدوائر ،وظهر أول تطبيق لهذا النظام في ايطاليا بناءا على قانون 17 ماي 1828 كما اعتمد لدى دولة البرتغال في دستور 1933
غير انه ترك انطباعا سيئا في ايطاليا لكونه كان استفتاء أكثر منه انتخاب .أما في البرتغال فلقد شهد نوعا من المنافسة الانتخابية بين عدة قوائم بها.
أما في الوقت الحالي فلم يبقى من تطبيقات لها النظام إلا في دولة إسرائيل من خلال انتخاب البرلمان الإسرائيلي. ـ الكنيست ـ
ثانيا ـ أسلوب تعدد الدوائر:
لقد سلكت الدول اتجاه تعدد الدوائر الانتخابية بالرغم من أن نتائج الانتخابات تعبر عن رأي الأمة، وليس عن الدائرة ولعل ذلك راجع لسببين.
1 ـ السبب التاريخي: في القرن 12م قام ملك انجلترا عام 1254 بدعوة فرسان المقاطعات للمشاركة في المجلس الكبير،بحيث يتم اختيارهم بواسطة الانتخاب المباشر من قبل أهالي مقاطعتهم محاولة منه للتخلص من الضائقة المالية ،ومن ثمة تمكين ممثلي كل مقاطعة من حضور اجتماعات البرلمان .
وما لبث أن ظهرت إصلاحات برلمانية في النظام الملكي في بريطانيا ،بحيث توزع المقاعد في البرلمان على أساس عدد السكان في الدائرة وليس على أساس مصالح اقتصادية.
2ـ السبب العملي: من اجل ضمان نزاهة وجدية الانتخاب يفترض وجود علاقة بين المرشح والناخب.لذلك سلكت الدول اتجاه الدوائر المتعددة . غير أن تحديدها يختلف بحسب النظام الانتخابي المطبق فان كان النظام فردي فتقسم الدولة إلى دوائر صغيرة ويخصص لكل دائرة عدد من النواب يتوافق وعدد سكانها .
أما إذا كنا أمام نظام الانتخاب بالقائمة فتقسم الدولة إلى دوائر كبيرة ويخصص لكل دائرة عدد محدد من المقاعد ويطبق هذا النوع في عدة صور منها:
نظام القائمة المغلقة وفيه يلزم الناخب بالتصويت على إحدى القوائم الانتخابية المتنافسة دون أن يكون له الحق في إجراء أي تعديل أو إعادة ترتيب الأسماء. أما نظام المزج بين القوائم للناخب حرية في تكوين القائمة التي يراها مناسبة عن طريق المزج بين الأسماء الواردة في القوائم الانتخابية المغلقة.
المطلب الثاني : طرق تقسيم الدوائر الانتخابية والجهة المختصة في ذلك:
نتناول في هذا المطلب طرق تقسيم الدوائر الانتخابية،والجهة المختصة بهذا التقسيم وكذا الأساليب المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية.
عدد المقاعد الانتخابية الدوائر الانتخابية الرقم عدد المقاعد الدوائر الانتخابية الرقم
القانون القديم القانون الجديد القانون القديم القانون الجديد
10 12 قسنطينة 25 04 05 أدرار 1
10 11 المدية 26 11 13 الشلف 2
08 09 مستغانم 27 04 06 الأغواط 3
10 12 المسيلة 28 06 08 أم البواقي 4
09 10 معسكر 29 12 14 باتنة 5
06 07 ورقلة 30 11 12 بجاية 6
15 18 وهران 31 07 09 بسكرة 7
04 05 البيض 32 04 05 بشار 8
04 05 ايليزي 33 10 13 البليدة 9
07 08 برج بوعريريج 34 08 09 البويرة 10
08 10 بومرداس 35 04 05 تمنراست 11
04 05 الطارف 36 07 08 تبسة 12
04 05 تندوف 37 11 12 تلمسان 13
04 05 تيسمسيلت 38 11 11 تيارت 14
06 08 الوادي 39 11 15 تيزي وزو 15
04 05 خنشلة 40 32 37 الجزائر 16
05 06 سوق أهراس 41 10 14 الجلفة 17
06 07 تيبازة 42 07 08 جيجل 18
08 10 ميلة 43 16 19 سطيف 19
08 10 عين الدفلة 44 04 05 سعيدة 20
04 05 النعامة 45 10 11 سكيكدة 21
04 05 عين تيموشنت 46 07 08 سيدي بلعباس 22
04 05 غرداية 47 07 08 عنابة 23
09 10 غيليزان 48 05 06 قالمة 24
381 454 المجموع الفرعي
08 08 الجالية الوطنية المقيمة بالخارج
389 462 المجموع العام
الفرع الأول: طرق تقسيم الدوائر الانتخابية : تحديد الدوائر الانتخابية يكون بعدة طرق فالدساتير المختلفة لا تنص على طريقة واحدة بل توجد عدة طرق :
الأولى: قد يحدد الدستور عدد أعضاء البرلمان حيث يكون عددهم ثابتا يوزع على دوائر تتفق بصفة عامة مع الأقسام الإدارية الانتخابية تبعا لنضام الانتخاب السائد فقد يكون نظام الانتخاب فردي أو نظام الانتخاب بالقائمة فان كان نظام الانتخاب الفردي هو السائد فإن عدد الدوائر يكون مساويا لعدد النواب بحيث يمثل كل دائرة انتخابية نائب
واحد في البرلمان ،لكن إذا كان نظام الانتخاب بالقائمة هو السائد فإن عدد الدوائر الانتخابية يكون
مساويا لعدد النواب مقسوما على العدد المحدد لكل قائمة.
الثانية: أن يحدد الدستور عدد أعضاء البرلمان تبعا لعدد السكان، بحيث يحدد عضو لعدد معين من السكان، كأن يكون هناك نائب لكل ألف نسمة، فهنا تقسم الدائرة الانتخابية تبعا لعدد السكان . وهذه الطريقة تختلف عن الطريقة الأولى في أن عدد أعضاء البرلمان لا يظل ثابتا أو جامدا بل إنه يكون محلا للتغير تبعا لمعدلات النمو السكاني أو انخفاضها.
الثالثة: تجمع هذه الطريقة بين الطريقتين السابقتين، بمقتضاها يتم تحديد أعضاء البرلمان لعدد السكان بشرط أن لا يتجاوز هذا العدد الحد الأقصى لعدد أعضاء البرلمان المنصوص عليه في الدستور.
الرابعة: في هذه الطريقة تجرى الانتخابات على أساس أن الدولة دائرة واحدة، وقد يكون ذلك لصغر حجم الدولة
ومن بين هذه الطرق المتعددة ذهب جانب من الفقه إلى تفضيل الطريقة الثانية التي تعتمد على تحديد عدد أعضاء البرلمان تبعا لعدد السكان بتحديد عضو لعدد معين من السكان .
وبالتالي من أجل ضمان نزاهة العملية الانتخابية يجب مراعاة معيار الكثافة السكانية واحترام التواصل الجغرافي كذلك عند تقسيم الدوائر الانتخابية. وبالنسبة للمشرع الجزائري الطريقة التي اتبعها من أجل تحديد الدوائر الانتخابية هي الطريقة الثانية ،أي قام بتوزيع المقاعد في كل دائرة انتخابية بحسب عدد سكان كل ولاية. فنجد المادة 4 من الأمر 12-01 توضح تسمية الدوائر الانتخابية وكذا عدد المقاعد المناسبة لها في انتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني وفق الملحق المرفق بهذا الأمر..
حيث بعد قيامنا بدراسة مقارنة بين قانون الانتخابات الجديد و القديم لاحظنا أن المشرع ظل محافظا على نفس الطريقة في تقسيم الدوائر الانتخابية لأنه قد تم توزيع المقاعد وفقا لعدد سكان الولاية، حيث تم نشر مقال في جريدة الشروق جاء في مضمونه أن عدد المقاعد الخاصة بالبرلمان مرتبط بالكثافة السكانية و ليس بعدد الناخبين.حيث وضحت وزارة الداخلية والجماعات المحلية أن تحديد وتوزيع المقاعد بالمجلس الشعبي الوطني مرتبط حصريا بالكثافة الديمغرافية وأن الإحصاء العام للسكان و السكن لسنة 2008 سجل زيادة سكانية قدرت ب 4 مليون نسمة وهذا ما يؤدي إلى زيادة منطقية لعدد المقاعد الحالية . وأكدت الداخلية بأن توزيع المقاعد ليس مرتبطا بالزيادة في عدد الناخبين بل مرتبط أساسا بالكثافة الديمغرافية.
أما في فرنسا نصت المادة 125 من قانون الانتخابات الفرنسي بأنه يتم مراجعة الحدود الجغرافية لهذه الدوائر الانتخابية بناءا على ازدياد السكان بكل منطقة وذلك تبعا للتعداد السكاني العام .ومن خلال هذا نجد أن المشرع الفرنسي يتفق مع المشرع الجزائري في طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية¹.
أما في لبنان تحدد الدوائر الانتخابية حسب المقاعد التي يتنافس عليها المرشحون .الدائرة الصغرى تضم أقل من5 مقاعد و الدائرة الوسطى تضم مابين 5و10 مقاعد والدائرة الكبرى أكثر من 10 مقاعد وفقا لهذا التحديد تصبح الدوائر الصغرى في لبنان دوائر وسطى و المحافظات كما هي في الوقت الراهن دوائر كبرى.
ومن أجل المحافظة على نزاهة العملية الانتخابية يجب أن تكون هنالك مراجعة فاحصة للمراحل السابقة على العملية الانتخابية أي يجب الأخذ بمبدأ المساواة في تقسيم الدوائر كما يجب على الهيئة التي تتولى عملية تقسيم الدوائر أن تكون هيئة محايدة وعادلة ومستقلة وهذا من أجل ضمان نزاهة وصدق الانتخابات.كما يجب التشجيع على عملية التثقيف الانتخابي والهدف من هذا خلق وعي عام وجعل الناخب مسئولا عن نزاهة الانتخابات ورقيبا على كل مراحلها فيحول بذلك دون الانتهاكات والتلاعب ويعيد الثقة بديمقراطية الانتخابات .
الفرع الثاني: الجهة المختصة بتقسيم الدوائر الانتخابية: حيث نجد أن أغلب الدساتير اتجهت إلى إناطة الاختصاص بتقسيم الدوائر الانتخابية إلى الهيئة التشريعية. ولهذا نجد أن من الضمانات الجوهرية لسلامة العملية الانتخابية ضرورة أن يكون تحديد الدوائر الانتخابية بقانون صادر عن السلطة التشريعية على سبيل الحصر لأجل الحلول دون تدخل السلطة التنفيذية في هذا الشأن وما قد يؤدي إليه هذا التدخل من تعسف وتحيز في تحديد الدوائر الانتخابية على النحو الذي يمكنها من تحقيق أغراضها وفوز مرشحيها . كما تكفل ضمانة تحديد الدوائر الانتخابية من قبل السلطة التشريعية في البلاد مراعاة التقارب إلى أقصى حد ممكن في الوزن النسبي للصوت الانتخابي بين جميع هيئة المشاركة الانتخابية على نحو من شأنه التعبير عن الرأي العام في البلاد بصورة أكثر انضباطا وجدية على الرغم من أن إعطاء الصلاحية في هذا الشأن للسلطة التشريعية لا يعني بحال من الأحوال أن السلطة التنفيذية سوف تفقد القدرة تماما على التدخل في تحديد الدوائر الانتخابية لمصلحتها فتستطيع السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الدولة على سبيل المثال أن تلجأ لفكرة التفويض التشريعي في تنظيم الكثير من المسائل البالغة في الأهمية والخطورة كمسألة تحديد الدوائر الانتخابية بموجب قرارات قانونية .
ففي مصر نص دستور سنة1971على هذه الضمانة الجوهرية حيث أوجب بنص صريح أن تحدد الدوائر الانتخابية في الدولة بموجب قانون ، وقد صدر بالفعل في السنة التالية لصدور الدستور القانون رقم 38 سنة 1972 في شأن تنظيم مجلس الشعب متضمنا تقسيم جمهورية مصر العربية إلى 176 دائرة انتخابية والذي تم تعديله بموجب القانون رقم 114 لسنة 1983 إلى أن أصدر رئيس الجمهورية القرار بقانون رقم 201 لسنة 1990 في شأن تحديد الدوائر الانتخابية لمجلس الشعب وحددها ب222 دائرة انتخابية موزعة على محافظات جمهورية مصر العربية .
الفرع الثالث: أسلوب المشرع في تقسيم الدوائر الانتخابية:
الجزائر منذ الاستقلال عدة مراحل من أجل تقسيم الدوائر الانتخابية ومن بين هذه المراحل نجد في سنة 1997 هنالك مرحلتين بخصوص تقسيم الدوائر الانتخابية. ففي المرحلة السابقة للتعددية الحزبية شهدت الجزائر ثلاث انتخابات تشريعية الأولى كانت في 25/2/1977 وفي ظل هذه الانتخابات نجد أن الأسلوب الذي اتبعه المشرع من أجل تقسيم الدوائر هو اعتماده على السكان كأحد المعايير للتقسيم إلا أن ذلك التقسيم أدى إلى تفاوت كبير في ثقل أصوات الناخبين بين منطقة وأخرى. بمعنى هنالك منطقة توجد فيها كثافة سكانية كبيرة وتم تخصيص لها نائب واحد من أجل تمثيلها ؛ بينما نجد في منطقة أخرى كثافة سكانية قليلة وتم تخصيص لها نائب واحد ليمثلها .
ولهذا نجد أن التفاوت في ثقل الأصوات بين المناطق راجع إلى ربط مسألة التقسيم بالحدود الإقليمية للدوائر الانتخابية حيث كان من الأفضل لو تم الاعتماد الحدود الإقليمية للولايات لأن ذلك سيؤدي إلى تقليص الفارق الكبير في ثقل الأصوات بين المناطق. أما الانتخابات الموالية التي كانت في 5/3/1982 -26/2/1987 فنجد أن مسألة تقسيم الدوائر الانتخابية لم تختلف عما سبق ذكره لأن توزيع المقاعد على الدوائر الانتخابية كان حسب معيار الكثافة السكانية كما تم الاعتماد على الحدود الإقليمية للدوائر الانتخابية في عملية التقسيم وما يمكن الإشارة له أن مسألة تقسيم الدوائر في هذه المرحلة لم تكن لها أهمية لأن جميع المترشحين ينتمون إلى الحزب الواحد وهو الذي يقدمهم للانتخاب كما أن الحديث عن مسألة التلاعب بالدوائر الانتخابية لم يكن وارد في ذلك الوقت .
12-مجموعة من الطلبة،المرجع السابق، ص.47-48.
أما تقسيم الدوائر الانتخابية التعددية الحزبية فنجد خلال التجربة الأولى للانتخابات التشريعية في ظل التعددية الحزبية تم تقسيم الدوائر الانتخابية إلى وحدات جغرافية صغيرة دون مراعاة الاعتبارات السكانية أي تم التقسيم بطريقة تفصيلية وهذا ما أدى إلى إضعاف القوة الصوتية لناخبي بعض المناطق بسبب منح ناخبي المناطق الأخرى قوة تصويتية أكبر حيث تم الاعتماد على المعيار الجغرافي في عملية التقسيم بدلا من الاعتماد على المعيار الديمغرافي ، وهذا التقسيم كان غير عادل ومجحف ولم يحقق المساواة بين الجميع لأن المشرع أعطى قوة تصويتية كبيرة لسكان ولايات الجنوب على حساب سكان المدن الكبرى. فعلى سبيل المثال في ولاية تمنراست وصلت القوة التصويتية إلى ما يزيد عن 06 مرات للقوة التصويتية لسكان ولاية الجزائر العاصمة واستمر الوضع إلى غاية إجراء الانتخابات التشريعية في ظل التعددية لسنة 1997 وخلالها تم الاعتماد على الحدود الإقليمية للولايات لمعيار تقسيم الدوائر الانتخابية مع إمكانية تقسيم الولايات إلى دائرتين انتخابيتين و أكثر وفقا للكثافة السكانية واحترام التواصل الجغرافي حيث تم الاعتماد على معيار السكان لتوزيع كأصل عام و من خلال هذا استطاع المشرع تدارك الأخطاء السابقة و وضع في عين الاعتبار مسالة تطور الكثافة السكانية في تحديد مقاعد لكل دائرة انتخابية . وتم الاعتماد على نفس الأسلوب في عملية تقسيم الدوائر في ظل الانتخابات التشريعية لسنة 2002 و 2007. و في ظل القانون الجديد للانتخابات نجد الأمر 12 – 01 المؤرخ في 13 فبراير 2012 يحدد الدوائر الانتخابية و عدد المقاعد المطلوب شغلها في انتخابات البرلمان و جاء بثمانية مواد , حيث نجد المادة 02 من هذا الأمر تبين أن الدوائر الانتخابية تحدد بالنسبة لانتخابات المجلس الشعبي الوطني بالحدود الإقليمية للولاية . والمادة 3 منه توضح بأن توزيع المقاعد لكل دائرة انتخابية يكون بحسب سكان كل ولاية حيث تحدد عدد المقاعد في كل دائرة انتخابية على أساس تخصيص مقعد واحد لكل حصة تتضمن ثمانين ألف 80000 نسمة على أن يخصص مقعد إضافي لكل حصة متبقية تشمل أربعين ألف 40000 نسمة غير أنه يخصص مقعد إضافي للدوائر الانتخابية التي لم يتغير فيها عدد المقاعد منذ تنفيذ الأمر رقم 97-08 المعدل .كما أن المادة 05 منه تنص بأنه يمثل الجالية الوطنية بالخارج ثمانية 08 أعضاء منتخبين بالمجلس الشعبي الوطني.
ونجد المرسوم التنفيذي رقم 12-86 المؤرخ في 26 فبراير 2012 يحدد كيفيات تطبيق المادة 05 من الأمر 12 -01 وهذا المرسوم جاء بثمانية مواد توضح كيفية تطبيق المادة سالفة الذكر حيث تبين المادة 02 من هذا المرسوم أن الجالية الوطنية المتواجدة في الخارج يمثلها 08 أعضاء منتخبين حسب المقاييس الجغرافية و الكثافة السكانية والمادة 03 منه تبين كيفية توزيع هذه المقاعد حيث تم تأسيس أربع 04 مناطق جغرافية .
فالمنطقة الأولى تضم الدوائر القنصلية لمدن( باريس، نانتير ،بربينبي ،فيتري ،بونتواز، ليل ،ستراسبورغ ،ميتز) وخصص لها مقعدان اثنان 02 ويتم إيداع الترشيحات في هذه المنطقة لدى القنصلية العامة للجزائر في باريس ، أما المنطقة الثانية تضم الدوائر القنصلية لمدن( ليون، نانت، بيزانسون ،غرونوبل نسانت ايتيان ،مرسيليا ،نيس، مونبيليه، تولوز و بوردو )وخصص لها مقعدان اثنان ويتم إيداع الترشيحات لدى القنصلية العامة للجزائر في مرسيليا. أما المنطقة الثالثة تضم الدوائر الدبلوماسية والقنصلية للمغرب العربي والمشرق وإفريقيا واسيا وأقيانوسيا وخصص لها مقعدان اثنان 02 ويتم إيداع الترشيحات لدى السفارة الجزائرية في تونس .
المنطقة الرابعة تضم الدوائر الدبلوماسية والقنصلية لأمريكا وباقي أوروبا وخصص لها مقعدان اثنان02 ويتم إيداع الترشيحات لدى السفارة الجزائرية في واشنطن .
والمادة 04 توضح ضرورة احترام الآجال القانونية المحددة من أجل إرسال الترشيحات المودعة لدى السفارة المعنية بالإيداع أما المادة 05 تبين انه يجب أن تتضمن كل قائمة ترشح عددا من المترشحين يكون مساويا لضعف عدد المقاعد المطلوب شغلها .
وما يمكن ملاحظته على التعديل الأخير لقانون الانتخابات أن المشرع الجزائري ظل محافظا على نفس الأسلوب في تقسيم الدوائر الانتخابية أي ظل معتمدا على معيار الكثافة السكانية في عملية التقسيم مع مراعاة التواصل الجغرافي ومن خلال هذا الأسلوب يمكن أن نلتمس مدى واقعية وعدالة تقسيم الدوائر الانتخابية .
المطلب الثالث: الضمانات المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية
نجد أن مختلف دساتير الدول المعاصرة أقـرت بمجموعة من الضمانات القانونية بهدف تحقيق العدالة المساواة في تقسيم الدوائر الانتخابية وتجنب الآثار السلبية لتمزيق العدم العدالة في توزيع المقاعد على الدوائر الانتخابية، ومن خلال هذا سوف نتعرض لأهم هذه الضمانات وذلك في ثلاثة فروع,سنتطرق في الفرع الأول إلى تحديد الحجم المناسب للدوائرأما في الفرع الثاني نتحدث عن ضرورة المحافظة على التكافؤ النسبي في وزن الأصوات للدوائر الانتخابية،وفي الفرع الثالث نتناول الرقابة القضائية كضمانة من ضمانات عدالة توزيع الدوائر الانتخابية
الفرع الأول: تحديد الحجم المناسب للدوائر الانتخابية
من العوامل الحاسمة في تحديد قدرة أي نظام انتخابي على ترجمة الأصوات إلى مقاعد تناسبية،هو العامل المتعلق بحجم الدائرة الانتخابية، وعدد الأعضاء الذين يتم انتخابهم في كل دائرة انتخابية، فإذا كان من المهم تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية فإنه من الضروري أيضا أن تكون هذه الدوائر بحجم مناسب لكي تكفل سلامة المشاركة الانتخابية و تحقيق الغرض منها، إن المبالغة في ضخامة حجم الدائرة الانتخابية وبالتالي وجود عدد كبير من المقاعد ومن ثم عدد كبير من المترشحين وما يتبع ذلك من كبر المساحة الجغرافية للدائرة .كل ذلك يؤدي إلى نتائج سلبية أهمها عدم تمكن الناخبين من التعرف بيسر على المرشحين و برامجهم السياسية ، الأمر الذي يجعل مشاركة المواطنين في اختيار ممثليهم قائمة على أساس غير سليم بالإضافة إلى ضعف الرابطة بين العضو المنتخب و دائرته. كما أن صغر حجم الدائرة الانتخابية يجعلها هدفا سهلا لمباشرة التأثيرات من قبل الحكومة على هيئة الناخبين مما قد ينحرف بالعملية الانتخابية من تحقيق نتائج نزيهة و تناسبية كما أن للنظام الانتخابي المطبق تأثيرا كبيرا على حجم الدائرة الإنتخابية .ففي حين يكون حجم الدائرة في ظل نظام العضوية المنفردة مثل نظام (الفائز الأول ،التصويت البديل ،نظام الجولتين(
صغيرا ،فان حجم الدائرة في ظل التمثيل النسبي يكون كبيرا نسبيا .وغالبا ما تتبع الدوائر الإنتخابية في العديد من البلدان تقسيمات إدارية موجودة سابقا حدود الولاية أو المحافظة أو حتى القضاء وهو ما يعني إمكانية التنوع الكبير في حجم الدائرة .في حين يمكن أن يشكل بلد بأكمله دائرة انتخابية واحدة يتنافس فيها المرشحون لشغل جميع مقاعد المجلس المنتخب يمكن أن تكون الدائرة على مستوى اصغر يصل حجم الدائرة فيها إلى مقعد واحد فقط .
الفرع الثاني :المحافظة على تكافؤ الوزن النسبي لجميع الاصوات ووسائل تشويه المشاركة الانتخابية
جدية المشاركة الانتخابية وفعاليتها لا تتحقق إلا بمراعاة الحجم المناسب للدائرة الانتخابية ويجب أن يكون هذا الحجم متكافئا بين جميع الدوائر الانتخابية في البلاد بما يضمن تحقيق نوع من المساواة في الوزن النسبي لأصوات الناخبين, والمقصود بالمساواة هنا ليس المساواة الحسابية المطلقة لعدد الناخبين في كل دائرة فان من المنطقي استحالة تحقيق ذلك إنما المقصود هو المساواة النسبية بين عدد الأصوات في كل دائرة بحيث لا يكون هنالك فوارق كبيرة في عدد الهيئة الانتخابية لكل دائرة ومحاولة إيجاد نوع من التقارب النسبي المنطقي فيما بينها جميعا والمساواة في تحديد الدوائر الانتخابية تتعارض في كثير من الأحيان مع الاعتماد على معيار التقسيم الإداري لإقليم الدولة كأساس لتحديد دوائرها الانتخابية وذلك لوجود بعض المناطق الشاسعة في الدولة ذات الكثافة السكانية المحدودة كما هو الحال في المناطق النائية بينما توجد مناطق أخرى مكتظة بالسكان رغم صغر مساحتها كما هو الحال في المدن وإذا كان من الضروري الأخذ بهذا المعيار لاعتبارات تنظيمية أو سياسية معينة فيجب أن يؤخذ إلى جانبه بمعيار عدد السكان في كل دائرة بحيث يمكن أن تكون دائرة معينة ممثلة بنائبين أو أكثر رغم صغر حجم مساحتها إذا ما كانت كثيفة السكان أو تكون دائرة أخرى ممثلة بنائب واحد رغم كبر حجم مساحتها إذا كانت محدودة السكان.
كما أن مبدأ المساواة يتعارض مع التحديد العام لعدد الدوائر على مستوى الدولة بغض النظر عن التغيير الذي يطرأ على سكان الإقليم زيادة أو نقصانا إذ أن ضمان المحافظة على التكافؤ النسبي للأصوات يقتضي عدم إغفال التغيرات التي تطرأ على السكان كزيادة عدد المواليد أو الهجرة السكانية من منطقة إلى أخرى. لذلك ينبغي إعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية من فترة لأخرى تبعا للظروف السياسية و الديمغرافية في البلد حيث أنه في بريطانيا أوجب القانون القيام بمهمة المراجعة العامة كل عشر سنوات أما في الولايات المتحدة الأمريكية بعد كل إحصاء عام للسكانَّ، وسائل تشويه المشاركة الانتخابية عن طريق التلاعب بتقسيم الدوائر الانتخابية ويكون هذا بإحدى الطريقتين إما تمزيق الدوائر الانتخابية، فعندما تتمتع المعارضة بتأييد شعبي كبير في دائرة انتخابية قريبة من حدود دائرة انتخابية أخرى موالية للحكومة فإن الحكومة تتعمد إلى اقتطاع جزء من الدائرة المعارضة وضمها إلى الدائرة المؤيدة لتفتيت أصوات المعارضة و تشتيت خصومها في دائرة متفرقة و تعرف هذه الوسيلة في الولايات المتحدة الأمريكية باسم (جري ماندرنج). أما بخصوص توسيع الدائرة الانتخابية فعندما يتمركز التأييد الانتخابي للمعارضة في منتصف الدائرة الانتخابية مما يصعب معه اقتطاع جزء منها وضمه إلى دائرة أخرى فان بعض الحكومات تلجا إلى ضم مناطق أخرى مؤيدة للحكومة من دائرة مجاورة لتلك الدائرة لتزيد عدد الأصوات المؤيدة لها مما يؤدي إلى عدم حصول المعارضة على الأصوات التي تؤهلها للنجاح في الانتخابات .
الفرع الثالث :الرقابة القضائية:
تعتبر الرقابة القضائية من أهم الضمانات الجوهرية التي من شأنها تحقيق المساواة و العدالة في تقسيم الدوائر الانتخابية و المحافظة على التكافؤ النسبي للأصوات جميع أعضاء هيئة المشاركة الانتخابية في الدول وذلك من خلال قيام الأجهزة القضائية بمراقبة أعمال السلطة العامة لا سيما فيما يتعلق بحق المواطنين بالمشاركة في الشؤون العامة .وفيما يخص المشرع الجزائري نجد أنه أسند مهمة تحديد الدوائر الانتخابية إلى السلطة التشريعية البرلمان وبالرجوع إلى المادة 163من دستور 1996 نجدها أسندت للمجلس الدستوري اختصاصات ضبط النشاط القانوني للسلطات العمومية وحماية حقوق وحريات المواطنين. وما يمكن فهمه للوهلة الأولى أن المجلس الدستوري هو المختص بمراقبة مدى احترام المشرع لمبادئ المساواة في تقسيمه للدوائر الانتخابية ولكن لا يستطيع المجلس ممارسة رقابة دستورية على نص قانوني معين إلا إذا تم عرضه عليه من طرف إحدى السلطات الدستورية الثلاث التي تتمتع بسلطة الإخطار.و بالتالي ما يمكن قوله أن الرقابة على دستورية القوانين المتعلقة بتحديد الدوائر الانتخابية منعدمة حيث تظل مراقبة المجلس مراقبة وثائق وليست مراقبة وقائع في عين المكان
المبحث الثاني:ضمان حياد الإدارة من حيث صدق الجداول الانتخابية
تعتبر إدارة العملية الانتخابية على نحو مستقل وغير متحيز أمرا جوهريا في سير الانتخابات الحرةو النزيهة ، حيث أن قيام تلك الإدارة بمهامها بموضوعية و حيادية من شأنه أن يبعث الثقة في نفـوس الناخبين فيزدادوا بذلك ليس استعدادا للمشاركة في عملية الاقتراع فحسب و إنما أيضا تزداد قدرتـــهم على التعبير بحرية عن إرادتهم السياسية في مراكز الاقتراع دون رهبة أو خوف ، لذالك فإن حياديـة السلطة المشرفة على الانتخابات تلعب دورا أساسيا في نجاح الانتخابات و تحقيق أهدافها الديمقراطية، و الحقيقة إنه لا يكفي أن تكون الإدارة أمينة و نزيهة في إجراء العملية الانتخابية فقط ، وإنما عليها أن تعطي الانطباع للكافـة بتوافـر هذه الأمانة و النزاهة و بكل قوة ، أخذين بنظر الاعتبار أنه مهما كـــان النظام الانتـخابي المراد تطبيقـه في البلـد مثاليا وعادلا فإنه لا يستطيع بمفرده تأميـن انتـخابات نزيهــة و شفافة ما لم تكن الإدارة الانتخابية صادقة و أمينة في تطبيق هذا النظام ، لأنه لا فائدة ترجي من نظام انتـخابي مثالي إذا ما قامت الإدارة الانتخابية بتزوير سجلات الناخبين أو صعبت طريقة التصويـت أو باعدت بين الناخبين و مراكز الاقتراع .
إن حيادية الإدارة الانتخابية تلعب دورا أكثر أهمية في الدول لذلك سيقسم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب ، المطلب الأول خصص للإطار ألمفاهيمي ، أما المطلب الثاني فخصص لعملية القيد الانتخابي ، وسنناقش في المطلب الثالث عملية القيد الانتخابي من حيث الطعون و الجرائم الانتخابية .
المطلب الأول: الإطار المفاهيمي لعملية القيد الانتخابي
يعد القيد في الجداول الانتخابية خطوة ضرورية لكي يتسنى للمواطنين مباشرة حقوقهم السياسية في التصويت، و للبحث في الإطار المفاهيمي نتطرق في هذا المطلب إلي مفهوم القيد و أهميته ، ثم إلـى البطاقة الانتخابية باعتبارها أثر من الآثار المترتبة عن عملية القيد.
الفرع الأول : مفهوم القيد و أهميته
تعرف الجداول الانتخابيـة بأنــها "الكشوف التي تضم أسماء المواطنين المؤهلين للاقتـراع أو التصويت في الانتخابات و ذالك بما يضمن المشاركة في هذه الانتخابات"
وفي نفس الإطار نجد القوائم الانتخابية تعرف علي أنها " الوثيقة التي تحصي الناخبين و ترتب فيـها أسمائهم ترتيبا هجائيا، و تحتوى على البيانات المتعلقة بالاسم الشخصي و العائلي و تاريخ الميلاد و مكانه و مكان الإقامة أو السكن بالدائرة الانتخابة " هذا قريب مما قرره الفقه الفرنسي من أجل الجداول الانتخابية حيث قال بأنها الوثيقة التي تحصي الناخبين و ترتب فيها أسمائهم هجائيا مع ذكر بعض البيانات الأخرى .
كما تعرف أيضا بأنها " جداول مرتبة أبجديا تتضمن أسماء الناخبين في منطقة معينة تتوافر فيهم لحظـة تحريرها الشروط الخاصة بعضوية هيئة الناخبين و ممارسة الحق في التصويت و ترتبط ممارسة هــذا الحق بالقيد في جداول الناخبين التي تراجع سنويا ".
تكمن أهمية التسجيل في اللوائح الانتخابية باستبعاد الأشخاص الذين ليس لديهم الأهلية المطلوبة للعملية الانتخابية و تحديد المواطنين ذوي الأهلية ليتسنى لهم المشاركة في التصويت، كما أن دقة عملية التسـجيل ووجـود سجل انتـخابي كامل و شامل تعد عنصرا حاسـما في إرساء الممارسـة الكاملـة لحــق الاقتراع ، إن هذه الجداول يجب أن يتم تحريرها بطريقة منظمة و دقيقة لضمان المساواة و الديمقراطية فقد يبدو الأمر بسيطا من الناحية النظرية و لكن هذا الأمر من الناحية العملية – يستلـــزم جهدا كبيرا – سواء من الناخب الذي يريد قيد اسمه أو من جهة الإدارة التي تتولي عملية الحــذف و إعادة هيكلة هذه الجداول .
ففي فرنسا يوجد حوالي 6 من الناخبين أي ما يعادل ثلاثة ملايين،لا يتم قيدهم بسبب إهمالــهم التوجه إلى مكاتب التسجيل ، كما يشترط ضرورة التسجيل في القوائم الانتخابية و ذالك للحرص على نزاهة الانتخابات و منع الغش و التزوير و تحقيق المساواة بين المواطنين لتفادي التصويت عدة مرات على حساب أشخاص آخرين ، و هذا ما جاء في المادة 6 من قانون الانتخابات الجديد التي تنص على أن " التسجيل في القوائم الانتخابية إجباري بالنسبة لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية "
و من خلال القيد يمكن معرفة العدد الحقيقي للناخبين و منه حساب كل من الأغلبية العددية أو القاسم الانتخابي اللازم تحقيقه خلال الاقتراع للفوز بمقعد في البرلمان
الفرع الثاني : البطاقة الانتخابية
هي بطاقة تقدمها إدارة الولاية أو مصالح الممثلية الدبلوماسية أو القنصلية للناخب كدليل على حقه في الاقتراع و تكون صالحة لكل العمليات الانتخابية ، و تتضمن البيانات التالية : اسم الناخب و لقبه ، تاريخ و مكان ميلاده و عنوانه، المركز الانتخابي التابع له الناخب، المكتب الـذي يقوم بالتصويت أمامه بحيث تنص المادة 28من قانون الانتخابات الجديـد " تعد إدارة الولايـة بطاقــة الناخب التي تكون صالحة لكل الاستشارات الانتخابيـة و تسلم لكل ناخب مسجـل في القوائم الانتخابيــة و تحدد كيفيات إعداد بطاقة الناخب و تسليمها و استبدالها و إلغائها و مدة صلاحيتها عن طريق تنظيم" ومنه فإن البطاقة الانتخابية هي قرينة علي أن صاحبها مسجل في القوائم الانتخابية و بالتالي فإنه متمتع بالشروط اللازمة للانتخاب و هذا يمنع الغش لكون التصويت شخصي.
المطلب الثاني : عملية القيد الانتخابي
لما كان سير العملية الانتخابية على أسس ديمقراطيـــة صحيحة يتطلب أن تتوافر في الناخـــب شروط معينة لاكتساب صفة النزاهــة فإنه لابد على الإدارة أن تتحقق من توافر هذه الشروط أو عـــدم توافرها قبل اليوم المحدد للاقتراع و ذلك عن طريق تحرير كشوف بأسماء المواطنين الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية، و لتحقيق مبدأ المساواة أمام القانون تسند مهمة تحرير القوائم الانتخابية إلي لجـــان إدارية خاصة يحددها القانون و ينظم كيفية عملها و مواعيد اجتماعها، لذلك تم تقسيم هذا المطلب إلى فرعين ، الأول يتعلق بمراجعة القوائم الانتخابية أما الثاني فسيناقش الموطن الانتخابي و إشكالية القيد المتعدد.
الفرع الأول : مراجعة القوائم الانتخابية من حيث الأحكام المتعلقة بها و إعلاناتها
تختلف الدول بخصوص أساليب التسجيل في القوائم الانتخابية، منـها من تأخذ بأسلوب التسجيــل التلقائي – بقوة القانون- حيث تكون الإدارة ملزمة قانونا بتسجيل كل شخص تتوافر فيه شروط التسجيل بالقائمة الانتخابية معتمدة في ذلك على أساس محل الإقامة المعتادة للمواطن و الاستعانة بكافـة سجلات الحالة المدنية وبالإحصاء السكانــي القائم علي أساس محل الإقامـة و قد أخذت به إنجلترا طبقـا للقانـون الصادر سنة 1989 المتضمن قانون الانتخابات ، كما أخذت به الجزائر في السنـوات الأولي للاستقلال بموجب المرسوم رقم 63 – 306 المتضمن قانون الانتخابات . أما الأسلوب الثاني للتسجيل في القوائم الانتخابية فيتمثل في التسجيل بناءا علي طلب المواطن ، و هـنا يتقدم المـواطن الذي تتوافر فيه الشروط القانونيـة بطلب كتابي موجه للإدارة المختصـة إقليميا ملتمـسا تسجيله في إحدى القوائم الانتخابية ، وقد تم انتقاد هذا الأسلوب لأنه يؤدي إلى قلة عدد الناخبين بسبب إهمال المواطنين و عدم اكتراثهم بأمور السياسة .
قد أخذ بهذا الأسلوب المشرع الجزائري في الأمر97 -07 و يكون بذلك قد تخلي عن أسلوب القيد بقوة القانون علي الرغم من أن المادتين 6 و7 من قانون الانتخابات الجديد تنصان علي إجبارية التسجيل في القوائم الانتخابية ، وعليه نري ضرورة إعادة النظر في طريقة التسجيل و جعلها إلزاميــة و تلقائية بالنسبة للأشخاص الذين بلغو سن الرشد السياسي من قبل الجهات المختصة أي البلدية و يـؤدي هذا إلي توسيع نطاق هيئة الناخبين و يمنع التلاعب بالقوائم،كما أن هذا التزام واقع علي عاتق البلديــة بموجـب الـمادة 70 من قانـون البلديـة رقم 90 – 08 التي تنص " يقوم رئيـس المجلس الشعـبي البلدي بإحصـاء سنـوي لفئات المواطنيـن المعنييـن بالخدمـة الوطنيـة و المولودين أو المقيمين بـها ، و يقــوم كذلك بضبط بطاقــة الخدمة الوطنية " و منه فلا تكلف الخزينـة العموميـة شيئا لأن سن الرشد السياسي مطابق لسن الخدمـة الوطنية و عليه سنتناول في هذا الفرع شروط التسجيل و الجهة المختصة بإعداد القوائم الانتخابية و مراجعتها
أولا : شروط التسجيل في القوائم الانتخابية
نصت الـمواد 5، 6، 7 من قانون الانتخابــات الجديــد1 ، علي أنـه يعد ناخبا كل من تتوافر فيـه الشروط التاليـة : لا يسجل في القوائـم الانتخابيـة كل من : سلك سلوكا أثناء الثورة التحريريـة مضـادا لمصالح الوطن، حكم عليه في جناية و لم يرد اعتباره ، حكم عليه بعقوبة الحبس في الجنح التي يحكـم فيها بالحرمان من ممارسة حق الانتخاب وفقا للمواد 9 و 9 مكرر و 14 من قانون العقوبات ، أشهر إفلاسه و لم يرد اعتباره ، المحجوز و المحجور عليه كما تنص المادة 6 علي أن التسجيل في القوائم يكون وفقا للشروط المطلوبة قانونا، كالجنسية و بلوغ سن 18 سنة كاملة و غيرها، و تضيف المادة 7 أن يكون متمتعا بحقوقه السياسية و المدنية.
و عليه إذا توافرت هذه الشروط يحق للمواطن التسجيل في القوائم الانتخابية علي مستوي البلديــة محل الإقامة علي أن هذا الحق شرط لممارسة الحقوق السياسية و ليس شرطا لاكتسابها فالقيد ليس منشئا للحق في الانتخاب أو الترشح و إنما هو مقرر و كاشف لحق سبق وجوده ، لكن ما يعاب علي المــشرع أنه ساوي في هذه الشروط بين الناخـب و المنتخـب حيث أن الـدور الذي يلعبـه الناخب – يقتصر علي الإدلاء بصوته- ليس كدور المترشح.
ثانيا : الجهة المختصة بإعداد القوائم الانتخابية و مراجعتها
نصـت المادة 16 من قانون الانتخابات الجديد علي أن الجهـة المختصـة هي لجـان إداريـة عـلي مستوي كـل بلديـة مشكلـة من قاضي يعينـه رئيـس المجـلس القضائي المختص إقليـما (رئيسا)، رئيــس المجلـس الشعـبي البلدي (عضوا)، ممثـل عـن الوالي (عضوا)، كاتبـة دائمـة للجنـة ينشطـها الموظــف المسؤول عن الانتخابات علي مستوي البلدية .
ما يعاب علي المشرع أنه وضع رئيس اللجنة الإدارية قاضي، و هذا يعد عدم احترام لمبدأ الفصل بين السلطات .
أما علي المستوي الخارجي فقد إستحدثة لجنة إدارية و التي تتشكل من : رئس الممثلية الدبلوماسيـة أو رئيس المركز القنصلي يعينه السفير (رئيسا)، ناخبان (عضوان)، موظف قنصلي كاتب اللجنة .
تقوم هذه اللجنـة بمراجعـة القوائـم الانتخابيـة في الثلاثي الأخير من كل سنة في إطار المراجعــة العادية بناءا علي قرار من الوالي يتضمن تسمية تشكيلة اللجنة و تاريخ ابتداء المراجعة و نهايتها و يأمر رئيس المجلس الشعبي بتعليق إشعار فتح مراجعة القوائم الانتخابية خلال الشهر الموالي للإعلان، إبتداءا من الفاتح أكتوبر من كل سنة، ثم تقوم اللجنة بدراسة طلبات تسجيل أو شطب الناخبين،كما ألزم المشرع السلطات القضائيـة المختصـة بإخطار البلديـة المعنيـة بأحكام الإدانات النهائيـة التي صدرت ضد بعـض المواطنيـن و التي ترتب عنها حرمانـهم من مباشرة الحقوق السياسيـة و المدنيـة لأن اللجنة معنيـة بـهذا الإخطار، إضافة إلي ما يقدمـه الوالي مـن تعديلات أثناء إعداد القوائـم الانتخابيـة النهائيـة علي مستوي الولاية حسب المادة 27 من قانون الانتخابات الجديد .
كما يمكن مراجعة القوائم الانتخابية استثناءا بمقتضي المرسوم الرئاسي المتضمن استدعاء الهيئة الناخبة المتعلق باقتراع ما، حسب الفقرة 2 من المادة 16 من قانون الانتخابات الجديد، و تقوم اللجنـة بنفس الإجراءات المقررة في المراجعة العادية من شطب و تسجيل لكن خلال فترة زمنية قصيرة جدا بحيث لا تتعدى 15 يوما.
و قد أثبت الواقع العملي أن الإقبال علي التسجيل في المراجعة العادية ضعيف مقارنة مع المراجعة الاستثنائية الأمر الذي يثير شبح التلاعب بهذه القوائم بسبب عدم إمكانية فرض اللجنة الإدارية لرقابتـها علي القوائم بصورة دقيقة أثناء المراجعة الاستثنائية نظرا لقصر المدة المقررة لذلك .
الملاحـظ في هذا المقام أن المشرع الفرنـسي قد تفادى هذا الانتـقاد بنصـه علي أن المراجعـة الاستثنائية تتم عن طريق القضاء و هذا بعد تقديم طلب التسجيل لرئيس البلدية حيث يقوم هذا الأخير بإرساله إلي المحكمـة الابتدائيـة التي تبت في الأمر خلال 15 يوما و علي الأكثر 4 أيام قبل تاريـخ الاقتراع.
و رجوعا إلي المشرع الجزائـري فبعد نهايـة المراجعـة يأمر رئس المجلس الشعبي بتعليـق إشـعار اختتام عملية المراجعة وفقا لما نصت عليه المادة 17 من قانون الانتخابات الجديد، و هـناك من يعـيب علي المشرع الجزائـري هـذا الإجراء علي أساس أنـه لـيس مـن المنطــق أن تعطي صلاحيات افـــتتاح و اختتام عملية مراجعة القوائم الانتخابية لعضو في اللجنة الإدارية في حين تسحب هذه الصلاحيات من رئيس اللجنة، كما أن وجود رئيس البلدية ضمن أعضاء اللجنة الإدارية قد يؤدي في بعض الأحيان إلي التلاعب في قوائم الناخبين و هو ما يترتب عليه تشويه الإرادة الشعبيـة و إفراغ العمليـة الانتخابيـة مـن محتواها السياسي.
و عليه، بعد تعليق إشعار اختتام مراجعة القوائم يحق لكل مواطن ناخب الإطلاع علي القائمة التي تعنيه وفقا لما جاء في الـمادة 18 من قانون الانتخابات، كـما نجـد وفقا لـهذه المادة أنه يحق للممثلين المعتمدين قانـونا للأحزاب السياسيـة المشاركة في الانتخابات و كذا المترشحين الأحرار الإطلاع علي القائمة الانتخابيـة للبلدية و كذا الحصول علي نسخة منها . و حسب رأي المجلس الدستوري " اعتبارا أن هدف المشرع حين مـكن بعض الأشخاص مــن الحصول علي نسخـة من القائمة الانتخابيـة للبلديـة كان لتقرر حق للأطراف المشاركة في الانتخابات، اعتبارا أن تقريـر هـذا الحـق لا يمكن ممارستـه دون التقيد باحترام الحقوق المعترف بها للغيـر بموجب أحكام الدستور لاسيما المادة 63 منه، و اعتبارا أن المواد 35، 36، 39 الفقرة الأولي من الدسـتور قــد أسسوا لمبدأ عدم انتهاك الحياة الخاصـة للمواطنين و أقروا حمايته بموجب القانون لتكون بذلك المخالفـة المرتكبة ضد الحقوق المكرسة في هذا المبدأ معاقبا عليها قانونا، و اعتبارا أن المشرع لم يضمن القانون العضوي للانتخابات الأحكام الجزائيـة لمعاقبة استعمال المعلومات الخاصـة بالناخبين لأهداف غير تـلك المقــررة بمـوجب القانـون العضوي المتعلق بنظام الانتـخابات و لم يضبط شروط و مـجال و كيفــيات استعمال القوائم الانتخابية " .
الفرع الثاني: الموطن الانتخابي و إشكالية القيد المتكرر
الموطن الانتخابي هو الجهة التي يقيم فيها الناخب عادة، حيث يتم القيد في القوائم الانتخابية للبلدية محل الإقامة حسب المادة 6 من قانون الانتخابات الجديد، و بالرجوع إلي المادة 36 من القانون المدني التي تحدد الموطـن بأنـه " موطن كل جزائــري هو المـحل الذي يوجـد فيه سكناه الرئيسي و عند عــدم وجود سكن يقوم محل الإقامة العادي مقام الموطن و لا يجوز أن يكـون للشخص أكثر من موطن واحــد في نفس الوقت" ، و هــذا الموطن كأصل إلا أنه فرض عليـه استثناءات، حيث يرد الاستثناء الأول علي الجزائرييـن المقيميـن بالخارج و المسجلين لدي الدبلوماسيـة و القـنصليـة الجزائريـة فيمكنهم أن يطلبـوا تسجيلـهم بمناسبـة الانتـخابات إما في بلد مسقط رأس أحد الأصـول، أو في بلـد إقامـة الناخـب، و هـناك استثناء أخر يتعلق بأعضاء الجيش الشعبي و أسلاك الأمن حيث يمكنهم أن يطلبوا تسجيلهم إما في بلديـة مسقط رأس المعني أو بلديـة أخر موطن للمعني أو بلدية مسقط أخر موطن للأصول و هذا إذا لـم تكــن تتوفر فيه الشروط المحددة قانونا.
و قد يسجل الشخص في أكثر من قائمة انتخابية في دوائر انتخابية و هذا ما يسمى بالقيد المتكرر، فمعلـوم أن القيد في الجـداول تحكمـه قاعدة و هي وحدة القيد فلا يستطيع الشخـص التسجيل في جــدول انتخابي لدائرة أخرى ما دام قيده الأول قائـما و إذا قام بذلك فيكـون قـد ارتكب جريمـة انتخابيـة يعاقـب عليها.
المطلب الثالث : عملية القيد الانتخابي من حيث الطعون و الجرائم الانتخابية
لـما كانت مرحلة القيد في القوائـم الانتخابيـة هي التي تحدد المركـز القانـوني للناخب و بالتالي بتطبيق أحكام قانون الانتخابات بقرارات إدارية تؤثر في هذا المركز سلبا أو إيجابا الأمر الذي يستدعي وجـود ما يسمي بالطعون الانتخابية أي الرقابـة القضائيـة و التي أحاطها المشرع بجملة من الضـمانات الجنائية و ذلك بتجريمه لبعض الأفعال المخلة بها و بإجراءاتها و التي تسمي بالجرائم الانتخابية.
و عليه سوف نقسم هذا المطلب إلي فرعين، الأول يتعلق بالطعون الانتخابية و الثاني بالجرائم الانتخابية
الفرع الأول : عملية القيد الانتخابي من حيث الطعون الانتخابية المتصلة بها
في إطار تحقيق سلامة القوائم الانتخابية فقد مكن المشرع المواطنين من الاعتراض علي ما جــاء في هذه القوائم بتقديم شكاوي إلي رئيس اللجنة الإداريـة في الحالات المنصوص عليها في المادتيـن 19 و 20 و التي تتمثل فيما يلي : 1) كل مواطن أغفل تسجيله في قائمة انتخابية له الحق في الاعتراض و ذلك بطلب تسجيله.
2) كل مواطن مسجل في احدي القوائم الانتخابية له أن يطلب كتابا شطب شخص مسجل بغير حق.
3) كل مواطن مسجل في احدي القوائم الانتخابية له أن يطلب كتابا تسجيل شخص أغفل تسجيل نفسه في نفس الدائرة.
و يلاحظ أن حق الفرد في طلب التسجيل يعتبر نوعا من الرقابة الشعبية علي أعمال اللجنة الإدارية كما تزداد هذه الرقابة في إطار التعدديـة الحزبية أين توكل مهمة الطعن في القوائم إلي ممثلي الأحــزاب و المرشحين الأحرار، كما أن تقديم الاعتراض إلي رئيس اللجنة الإدارية يعد مساسا بمبدأ التقاضي علي درجتين باعتبار أن رئس اللجنة الإدارية له صفة القاضي .
و لقد حدد المشرع الجزائري أجلا لهذه الطعون سواء للتسجيل أو للشطب من القوائم الانتخابيــة، و ذلك في المواد 21 و 22 من قانون الانتخابات الجديد2 و هي علي الشكل التالي:
يجب أن يقدم الاعتراض خلال 10 أيام الموالية لتعليق إعلان اختتام عملية التسجيل في القوائم و يخفض هذا الأجل إلي 5 أيام في المراجعة الاستثنائية. تقوم بعد ذلك اللجنة الإدارية بالبت في الطعون المرفوعة إليها بموجب قرارات كتابية جلال 3 أيام و علي رئيس المجلس الشعبي البلدي أن يبلغ المعنيين بموطنهم خلال 3 أيام كاملة بكل وسيلة قانونية. وتضيـف المادة 22 من قانون الانتخابات الجديـد أن للأطراف المعنيـة الطعن في هذه القرارات خــلال 5 أيام كاملة إبتداءا مـن تاريخ التبليغ، و في حالة عـدم التبليغ يمكـن تسجيل الطعن في أجل 8 أيام مــن تاريخ الاعتراض، فيسجل الطعن بمجرد تصريح لدي كتابة الضبط و يقدم أمام المحكمة المختصة إقليميا التي تبت بحكم في ظرف أقصاه 5 أيام و يرسل إلي الأطراف المعنية قبل 3 أيام و يكون حكم المحكمـة غير قابل لأي شكل من أشكال الطعن.
الفرع الثاني : عملية القيد الانتخابي من حيث الجرائم الانتخابية المتصلة بها
لم يكتفي المشرع الانتخابي بإقرار الرقابة القضائيــة و الإدارية علي مرحلة القيد بل أحاط هــذه المرحلـة كذلك بضمانات جنائية من خلال تجريم بعض الأفعال الماسة به – القيد - و المخلة بإجراءاتـــه و هذا ما يعرف بالجرائم الانتخابية الواردة في الباب الخامس من قانون الانتخابات الجديـد، من بينــها جريمـة القيد أو الشطب من الجـدول الانتـخابي باستعمال تصريـحات مزيفـة أو شـهادات مزورة سـواء كانت صادرة من رجل الإدارة أو الغير دون وجه حق، هذا ما نصت عليه المادة من قانون الانتخابات الجديد.
كذلك القيد المتعدد أو المتكرر في أكثر من جدول انتخابي حسب المادة من قانون الانتخابات الجديد، حيث تقوم الجريمة عند التصريح المزيف أو إخفاء حالة من حالات فقدان الأهلية.
و قد قرر المشرع الجزائري لكل جريمـة عقوبـة تتمثل في الحبس من 3 أشهر إلي 3 سنــوات و بغرامة مالية من 1500 إلي 15000 دج، و قد شدد العقوبة بالنسبة للموظف، و يلاحظ أنه لم ينص علي عقوبة الشروع في جريمة الاعتداء علي الجداول الانتخابية كالمشرع المصري.
-خاتمة الفصل الأول –
وبهذا الصدد نخلص الى تقديم جملة من النتائج والاقتراحات كما يلي
أولا- النتائج:
ـ أصبح مطلب إجراء انتخابات حرة ونزيهة مطلبا داخليا ودوليا لما له من تأثير على الاستقرار السياسي ،في المحيط الإقليمي والدولي.
ـ إن تقسيم البلد إلى دوائر انتخابية يمثل عاملا أساسيا في التهيئة المسبقة لانتخابات عادلة ونزيهة، ولهذا يجب إحاطة عملية التقسيم بالضمانات الكافية لذلك .
ـ إن وجود إدارة انتخابية محايدة وشفافة من أهم العوامل التي تساعد للوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة. ومع اختلاف دول العالم في تطبيق هذا الأسلوب إلا أن التطبيق الدولي يتجه نحو إسناد هذه المهمة إلى هيئات مستقلة تزود بالإصلاحات الكافية للقيام بمهمتها مع تكفل الدولة بحياديتها وعدم التعرض للضغوط المختلفة .
ـ ان دقة وصحة الجداول الانتخابية تعد من العوامل المهمة والحاسمة في أي انتخابات يراد بها أن تكون حقيقي تعبير عن إرادة الناخبين ،ولذلك وجب رفع الوعي الانتخابي للمواطن وإتباع
طرق فعالة لنشر المفاهيم الديمقراطية والوطنية.
ثانيا - الاقتراحات :
ـ ونقترح ضرورة تحديد الإطار الإقليمي للدائرة الانتخابية الخاصة بالمجلس الشعبي الوطني،والمجلس الشعبي الولائي بالحدود الإقليمية وذلك حتى تتوثق الصلة بين الناخب والمرشح .
ـ إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية من قبل السلطة التشريعية مع اعتمادها على مبدأ المساواة التقريبية ، ومبدأ تكافئ الفرص.
ـ أما بخصوص الجداول الانتخابية فنقترح إعادة النظر في سن التسجيل بالقوائم الانتخابية وجعله متطابقا مع الأهلية المدنية، وهذه هي السن التي يكتسب فيها الشباب الخبرة والكفاءة والاختيار.
ـ تعليق القوائم الانتخابية يوم الاقتراع بمراكز الانتخاب والتصويت وفي أماكن يستطيع المواطن الاطلاع عليها وهو إجراء يضفي مصداقية وشفافية أكثر.
ـ نشر الوعي الانتخابي لدى المواطنين, وحثهم على مراقبة القوائم الانتخابية من تسجيل وشطب في الدورات العادية، والسماح للمنظمات الوطنية المستقلة بمراقبة مختلف مراحل العملية الانتخابية.