بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين ، اللهم صل عليه عدد ما نعلم وعدد مالا نعلم وعدد ما خط القلم ، وعدد ما أنعمت من نعم ، وعدد ما سبق به علمك ، وعدد ما في الكون وعدد ما تقول له كن فيكون.
أيها الأحبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
قلت أن الحارس بدأ بالحديث عن نفسه وقال كنت ألازم والدك طيلة حياته وكانت أمك من أنبل النساء ، وكنت أنا وزوجتي رحمة الله عليهم جميعا نقطن بذلك المنزل الذي ترى والذي لازلت أقطن به لحد اليوم وأشار بيده له وهو منزل يقابل منزل الفتى اليتيم من الجهة الأخرى للحديقة وكانت العائلتان لا تفترقان وكنا أسرة واحدة وعشنا سنين ولما حملت أمك بك وكانت زوجتي حاملا بابنتي مع أنها كانت تشتهي صبيا ورزقني الله قرة عين ببنت وهي في مثل عمرك ، ولما ولدتما كانت زوجتي لا تفارق أمك وقد أرضعتكما زوجتي كما أرضعتكما أمك وكان أبوك لا يشتري شيئا لك إلا واشترى شيئا لابنتي ، وكانت له عبقرية بناء وعقل واسع كما أنه عابد لربه وزاهد وله مخيلة كبيرة في فن البناء ، ولقد أنجز لك هذا البيت وأوصاني بك وابنتي وعلى أن تعيش به وترعى ابنتي التي هي أختك هذا بعد موتي ، لكن ابنتي أخذتها خالتها لتعيش معها وتربيها وبقيت أنت وحيدا بعد وفاة والديك فاعتنيت بك وذهبت إلى مسئول المدينة ثم المحكمة وتكفلت بك بناءا على وصية مكتوبة بخط والدك ومحررة عند فلان الموثق المشهور والمعروف حتى تكبر وتتحمل مسؤوليتك بنفسك ، ولقد عمدت على تركك تتصرف بفطرتك لتبيع الشاي والفستق لكن هذا كله تحت عيني ومتابعتي ، وهذا لتعتمد على نفسك أما الرسائل التي وجدت فهي من كتابة أستاذك فلان الذي اتصلت به وأعلمته بحالتك وطلبت منه خط هذه الرسائل لعلك تعي معانيها وترسم طريقا لتنتهجه بحياتك ، وأما الروائح الطيبة والمأكولات الشهية والتنظيف الذي رأيته فهو من أحد العاملات التي قمت بتوظيفها بمساعدة مسئول المدينة لخدمتك وكل ذلك من أموال والدك التي حفظت لك بخزينة الدولة ولا يتم الصرف إلا بإذن المحكمة لتسديد كل ما يلزم من رعاية لك ولتسديد أجر عاملة التنظيف والطباخة و ما هو مطلوب ولازم ووفقا لتعليمات صادرة من مسئول المدينة ، وأنا لم ولن أأخذ شيئا ولم أطلب شيئا فملح والداك وصحبتهما كانت أغلى من أن أخذ دينارا عن العناية بك ولن تحتاج شيئا وانأ على قيد الحياة وكل الأوراق ألازمة والمتعلقة بك محفوظة بصندوق الأمانات بالبنك وليس عندي ولن أعطيك رقمه السري إلا عند بلوغك سن الرشد وتصبح مؤهلا للتصرف به وإن حضر أجلي فأتصل بقاض المحكمة أو مسئول المدينة فسوف تتحصل على كل حقوقك فهم أيضا من رفقة والدك رحمة الله عليه.
هذا كله والفتى اليتيم صامتا ، وبعد انتهاء حارس الحديقة من حديثه قال له الفتى اليتيم ، يا عماه إذا لي أخت ، وأنا صاحب أموال ، فقال له الحارس نعم يا ولدي ، فقال الفتى اليتيم يا عم لما عرفت ما عرفت فلن أبيع بعد اليوم لا شاي ولا فستق بل سأتفرغ لدروسي ، ولن أتركك أبدا وتعالى معي إلى المنزل ولن تبق وحدك بمنزلك واستدعي أختي للعيش معنا وستكون أبا لنا حتى يفتح الله لنا ونرسلك إلى تأدية فريضة الحج ولم يبق القليل يا عماه حتى أصبح راشدا وأتصرف في أموالي ، فقال له الحارس الطيب ، لا يا ولدي لم أخبرك بهذا لتغير ما كان قد لازمته سنينا بل نترك كل
الأمور على حالها أما عن بيع الفستق والشاي فهذا يرجع لك إذا أردت امتنعت وإن أردت استمريت ، وعندما تتحصل على كل ثروتك عندها حدد مصيرك لوحدك وأ بحث عن أختك ،وأوصيك بها ،و عند مماتي اذكر والداك واذكرني وترحم علينا وادعوا لنا ، وعندما تجد أختك فقل لها عاش أبوك مناضلا ومكافحا وحرا و لقد منع من رأيتك وهو راض عنك وما كان يرضى لان تعيشي بعيدة عنه لولا حضانة خالتك ، وبدأ هذا الحارس الطيب بذرف الدموع، لكن الفتى اليتيم ، مسح دموعه بيده ثم قال له يا عماه لقد عوضك الله بي ورعيتني ولن يحين أجلك إن شاء الله حتى نجتمع نحن الثلاثة تحت سقف بيت واحد وإن شاء الله يكون خير ، ثم قال يا عماه إن روايتك للقصة ألهمتني العديد من الأفكار وسأبدأ بتنفيذها فهل أنت مستعد للمغامرة ،فقال حارس الحديقة الطيب ولما لا فلنبدأ، فقال الفتى اليتيم غدا يا عماه بعد خروجي من المدرسة نلتقي أمام منزلك وعندها سوف أقول لك ما الذي سنقوم به.
وفي اليوم التالي وبعد خروج الفتى من المدرسة ذهب الى منزل حارس الحديقة الطيب فوجده جالسا على أريكة فقال له : وهذا ما سنعرفه بالجزء الخامس من هذه القصة وللقصة تتمة أيها الأحبة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخوكم المهذب.