الشبهة الثانية
2- روى أبو داوود فى سننه عن أم عطية الأنصارية (أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل ) و هو حديث ضعيف قال فيه صاحب عون المعبود (14/122) : وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها .اهـ و ضعفه أبو داوود نفسه بعد ذكره له, والأمر فى الحديث ليس للوجوب و الإستحباب بل للإرشاد .
الجواب :
1- هذا الحديث اُختلف فيه فمن العلماء من صححه و منهم من ضعفه و الراجح أنه صحيح لأنه له وجه فى التصحيح من بعض طرقه ومن الذين قالوا بصحته الإمام الهيثمى فى المجمع (2/335) قال : رواه الطبرانى فى الأوسط بإسناد حسن اهـ . و أيضاً الشيخ الألبانى فى كتبه و غيرهما .
2- قول الإمام محمد شمس الحق صاحب عون المعبود يقصد به أن هذا الحديث ضعيف عنده , و ليس معنى ذلك أنه ينكر ختان الإناث حيث أتى فى شرحه لهذا الحديث بمذاهب العلماء التى تدور بين الواجب و المستحب , و لم يتعقب عليهم و ذكر أيضاً فوائد لختان الإناث و لم يذكر أضرار له و مع تضعيفه للحديث ذكر نصوص تدل على أن العمل على ما ذكر فى الحديث .
3- الأمر فى الحديث ليس للإرشاد بل للوجوب , لأن الأصل فى الأمر الوجوب مالم يأتى صارف و ذلك عند جماهير الأصوليين , فأين الصارف ؟! و الوجوب المقصود هنا هو طريقة الختان فى قوله صلى الله عليه وسلم (اشمى ولا تنهكى) .
الشبهة الثالثة
3- قالوا : قال ابن المنذر : ليس في الختان (أى للإناث) خبر يرجع إليه ولا سنة يتبع .
- قال ابن عبد البر في التمهيد : والذي أجمع عليه المسلمون أن الختان للرجال (فقط) .
الجواب :
1- اعلم أن نقولهم تلك لم ينقلوها من مصدرها , و لعلهم نقلوها من عون المعبود ,فأما قول الإمام ابن المنذر فقد نقلها صاحب عون المعبود هو و الإمام الشوكانى من الحافظ ابن حجر- فيما يتضح- فحدث هذا الخطأ فى النقل الذى نحسبه غير مقصود من الإمام شمس الحق و الشوكانى و الحافظ , وعموماً هم لم يقصدوا بها ما قصد هؤلاء فكل هؤلاء الأئمة يقر بمشروعية الختان . ( ذكرت ذلك حتى لا يشكل على من شاهد تلك الجمل فى تلك الأماكن )
2- قول ابن المنذر هذا محرف تحريفاً شنيعاً من حيث اللفظ و المعنى
-و الخلاصة أن ذلك القول لابن المنذر ذكره فى كتاب الإشراف بعد ما اثبت مشروعية الختان بالأدلة ثم تكلم على وقت الختان فقال جزء مما قالوا .
قال الإمام ابن المنذر فى كتاب الختان من كتاب الإشراف (3/423-424) ط.مكتبة مكة الثقافية :
ثبت أن رسول اله صلى الله عليه و سلم قال اختتن إبراهيم بعد ما مرت به ثمانون سنة , و اختتن بالقدوم )
وروينا عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال ( الختان سنة للرجال , مكرمة لنساء )
و ثبت عنه أنه قال ( من الفطرة خمس أو خمس من الفطرة , الختان , و الاستحداد , و تقليم الأظفار , و نتف الإبط , و قص الشارب ) .
و قد اختلفوا فى وقت الختان ( أى أنهم لم يختلفوا فيما سبق مع أنه اثبت مشروعية الختان للنساء ) , فكرهت طائفة أن يختن الصبى وقت أسبوعه ( أى يومه السابع و ليس السبوع المعروف فإنه بدعة منكرة لا يماري فى ذلك أحد من أهل العلم لما فيه من منكرات )
كره ذلك الحسن البصري , و مالك خلافاً لليهود و ......(ثم ذكر أقوال أخري ثم رجح فقال) ليس فى باب الختان نهى ثبت , و لا لوقته خبر يرجع إليه , ولا سنة تتبع , و تستعمل الأشياء على إباحة (هكذا فى المطبوع) , و لايجوز حظر شىء منها إلا بحجة , و لا نعلم مع من منع أن يختن الصبى لسبعة أيام حجة . اهـــ
-فهو يعنى أن الختان لم يأتى في وقت فعله حديث صحيح أو خبر عن السلف كما لم يثبت النهى عن فعله فى وقت معين , فلا يمنع فى وقت ما ولا يستحب كذلك , بل هو على الإباحة , من حيث التوقيت , و ليس الختان نفسه حيث أنه اثبت مشروعيته ثم تكلم على وقته فقال ما ذُكر .
3- أرادتهم نفى الختان بجملة ابن المنذر كما ذكرها هى عليهم و ليست لهم , لأن قول الختان بدون تقيده بالذكر و الأنثى يدل على شمول الجنسين و هم يقولون بمشروعيته للذكر , فإن قيل هم فسروا لفظ الختان هنا بالإناث , فيقال من أين أتوا بهذا التفسير والنقول التى نقلوا منها لم تقل به , وابن المنذر نفسه قال كما رأيت .
4- و جدلاً لو صح ما قالوا فإن ابن المنذر يعبر بتلك الطريقة عن بعض الأحكام , و لا يفهم كلامه إلا إذا قرىء سياقه .
قال بن المنذر فى الأوسط (7/168) :... وإذا لم يثبت الحديث(حديث التربع فى الصلاة) فليس في صفة جلوس المصلي قاعدا سنة تتبع ، وإذا كان كذلك كان للمريض أن يصلي فيكون جلوسه كما سهل ذلك عليه ، إن شاء صلى متربعا ، وإن شاء محتبيا اهــ .
تنبيه :
صح حديث التربع فى الصلاة , فعن عن عائشة قالت ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا ) ( رواه النسائى(1643) , قال الحافظ :صححه ابن خزيمة و الحاكم (بلوغ المرام :ص106و160) , وصححه الألبانى فى السنن ) .
-أما قول ابن عبد البر فهو كسابقه و بيانه كالأتى :
قال ابن عبد البر فى التمهيد (21/59): والذي أجمع المسلمون عليه الختان في الرجال على ما وصفنا اهـ .
-فبعد ما ذكر أن من العلماء من يقول بفرضية الختان على الذكور و منهم يقول بسنيته قال بأن إجماع العلماء ينحصر فى هذين القولين , وهذا الذى قلت هو ما وصف , و ينبنى على ذلك تعقب :
1- منهم من قيد الجملة التى أوردوها بقوله (فقط) أى على الرجال فقط , و هذه اللفظة لك الحكم عليها , و بعضهم لم يكتبها .
2- ذكر الإمام ابن عبد البر فى سياق كلامه على الختان شىء من أدلة مشروعيتة للإناث, و ذكر أيضاً قول أو أكثر للإمام مالك فى مشروعيته (ولم ينكر مشروعيته فى أثناء كلامه) , فقال (21/61) : وقال ابن القاسم قال مالك من الفطرة ختان الرجل والنساء قال مالك وأحب للنساء من قص الأظفار وحلق العانة مثل ما هو على الرجال . اهــ
فلا وجه للإستدلال .