مجموع البشير فيما قيد من عقائد سلطان الجزائر الأمير عبدالقادر - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجزائر > قسم الأمير عبد القادر الجزائري

قسم الأمير عبد القادر الجزائري منتدى خاص لرجل الدين و الدولة الأمير عبد القادر بن محيي الدين الحسني الجزائري، للتعريف به، للدفاع عنه، لكلُّ باحثٍ عن الحقيقة ومدافع ٍعنها، ولمن أراد أن يستقي من حياة الأمير ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مجموع البشير فيما قيد من عقائد سلطان الجزائر الأمير عبدالقادر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2022-10-04, 12:01   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي مجموع البشير فيما قيد من عقائد سلطان الجزائر الأمير عبدالقادر

مجموع البشير فيما قيد من عقائد سلطان الجزائر الأمير عبدالقادر



جمعه راجي عفو ربه
بشير بن سلة الجزائري



[1] المدخل :
المجاهد الأمير عبدالقادر الجزائري بين تقويم المنصف وإختلاقات المفتري

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد :
فهذا جامع في سيرة المجاهد العالم الأمير عبدالقادر الجزائري ـ رحمه الله ـ الذي عاش ومات عليها ، جمعته من مقالات وكتابات أحفاده وأقاربه الذين تكلموا عن حياته العلمية والعملية عن علم وكثب ، وإلا فالأمير قد كتب فيه الكثير ، وتكلم عنه الصغير والكبير ، ما بين غالي وجافي حقود ، وما بين محب وعدو لدود ، وما بين جاهل ومقلد بليد ، وكل واحد من هؤلاء قد تكلم وغطى صفحات هذا المجاهد الإمام الكبير على حسب أوامر اتجاهه الذي يتبناه وينقاد إليه ، وقد حملتهم الجرأة على القول فيه بدون تحقيق ، ورميه بما لا يليق ، فقد رموه بالتهم الشنيعة ، والأقوال الفظيعة ، بدون ترو ولا تثبت ولا تدقيق .
ومما نأسف منه أن هذا الخلق الذميم قد أصاب حتى بعض المتعلمين وممن ينتسب إلى المنهج السلفي ، فأصبحوا يقلدون العامة في كل شائعة ، بل والمصيبة حتى الكفرة وأعداء الأمة ، ويطلقون ألسنتهم بما لا يليق من القول على غير علم ولا بصيرة ، وبلا تفكير في عاقبة ذلك ونتيجته في الدنيا والآخرة ، ولا واقفين عند قول الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[ الحجرات :6] ، وقوله تعالى :{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 18] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل فيما رواه أحمد والترمذي والنسائي :" أمسك عليك لسانك فقال : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم" [1]
فألبسوا هذا المجاهد العارف لباسا متلطخا بالنجاسات بعضها أغلظا من البعض :
من أنه ماسوني ...!
وأنه صاحب وحدة الوجود ، وصوفي غالي...!
وأنه خادم فرنسا وصديقها ...!
وأنه عدو للمنهج السلفي ، وحقود على شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم ووو ...!!
فما من فضيلة إلا وسلبوها من حياة هذا المجاهد ، وكأن لا حسنة له تعد من المحامد ، مما كان سببا في تنفير الناشئة والأمة عنه ، وتسويد صفحاته البيضاء ، ولكن لما ترجع إلى نشأته وبيئته وحياته العلمية والعملية والجهادية ، وتنظر في ثمرات أعماله ، تتهاوى تلك الأكاذيب ، وتفتضح تلك الأغاليط والألاعيب التي نسجت حوله ، وتشرق الشمس على ظلمات تلك الافتراءات والمجازفات الباطلة فتضمحل .
الأمير عبدالقادر اسم كان له دوي العاصفة القوية في عصره ، وأشاد به أهل مصره ، فقد حلق هذا الاسم العالم الإسلامي والعالم الغربي بأسره ، فقد رفرف جناح مجده سماء ذلك العصر ، حتى ما بقي قلب مسلم وقتئذ على الأرض إلا وصفق له ، ولا بقي قلب فرنسي إلا وارتجف رعبا منه ، حتى وصل بهم الأمر أنه وجد منهم من كان يتمنى وينتظر موته ليحاول تشويه شيء من أطراف سمعته ، أو ينزع ريشة من جناح مجده ، وقد تحقق لهم ذلك الأمل بعد وفاته ، إذ كثير ممن كتب عن الأمير خريجي مدرسة الماسونية وفرنسا والغرب ، لتشويه سمعته الدينية ، وإخفاء تاريخ جهاده ، وطمس بطولاته الإسلامية ، ليحال بينه وبين أبناء الإسلام المستقبل ، وكان لهم الأمر كما خططوا له .
إني أصدقك الحديث يا أيها القارئ الكريم ، أنه لم يكن يخطر ببالي يوما من الأيام أن أكتب عن الأمير عبدالقادر ـ رحمه الله ـ ، فقد ولدت ونشأت بمعسكر وبذات ( وادي الحمام / القيطنة ) التي هي مسقط رأس عائلة والدتي التي مسكنها بجانب المدرسة القرآنية معهد الأمير عبدالقادر سابقا ، وكنت من صغري اسمع عن الأمير وبطولاته وشجاعته ، وقرأت في الابتدائية عن حياته ولكن لا تتجاوز بعض الأسطر مع ما فيها من التهميش وقلب الحقائق مما لا يستفاد منها الناشئة ، من أنه رجل جزائري شجاع جاهد فرنسا ثم تخلى عن الجهاد واستقر بالشام حتى مات ، فمات معه تاريخه وجهاده ، فلازلت على هذا التصوير والنظر للأمير حتى بلغت العشرينات من عمري ، إذ بي أسمع عن الأمير عبدالقادر أنه كان صوفيا ، من أتباع ابن عربي الحلولي ، ماسونيا وأنه ...
وإلى غير ذلك من الطعونات الجائرة ، فصدقت تلك الأكاذيب من باب حسن الظن الزائد في قائلها إذ كنت أراه أنه من أهل العلم ، ومن المنافحين عن مجد بلاد الجزائر، ومما قوى تمكن هذه الأغلوطة فيّ ، هو ما لقنونا في الصغر ، أن الأمير تخلى عن الجهاد واستقر في الشام حتى مات ، ولكن شاء الله تعالى أن يظهر لنا الحق في شخصية الأمير قبل أن نقف أمام الله تعالى ونحن خصوم للأمير يوم القيامة ، فوقفت على كتابات خلدون بن مكي الحسني التي بيّن فيها الافتراءات التي نسجت حول الأمير ، ودك حصون شبهها مما لا يترك مجالا للشك في نزاهة وبراءة الأمير مما رمي به .
فعرفت حينها أن شأن الأمير شأن غيره من علماء الإسلام ممن قد سبقه ، وأتى بعده كالنووي وابن حجر وابن باديس وغيرهم ، فمنهم من غالى في حقهم ، ونفى عنهم كل خطإ ، ومنهم من جفا في حقهم فرماهم بكل عظيمة .
وأيقنت حينها أن الكلام في الرجال يفتقر قبل الهجوم عليه إلى مقدمات تالية :
المقدمة الأولى : التثبت إلى ما ينسب إليهم من مدح أو قدح
ويترتب على هذه المقدمة ، مطالب تالية :
المطلب الأول : قد يتهم الرجل بالبدعة ولا يصح ذلك عنه .
المطلب الثاني : قد يتهم الرجل بغلو في البدعة ولا يثبت ذلك عنه .
قال محمد الثاني بن عمر بن موسى في رسالته ماجستير "ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي "(ص 326) : من الأمور التي يجب على الناظر في تراجم الرجال مراعاتها ، أنه قد يتهم الرجل بنوع بدعة ، ثم لا يثبت ذلك عنه ، إما لضعف في طريق نقلها عنه ، أو ضعف مستند من نسبها إليه ، واتهمه بها .
وقد راعى الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ هذا الضابط في تحريره لكثير من التراجم ، ومراعاة ذلك يكون على وجهين :
الوجه الأول : أن يتهم الراوي ببدعة ، ولا يصح ذلك عنه أصلا ، ومن أمثلة ذلك :
1 ـ ميمون بن مهران الجزري الرقي الكوفي (ت 117) ، وثقه ابن سعد[2]، وأحمد[3]، و أبوزرعة[4]، والنسائي[5]، وابن حبان[6]، وغيرهم .
وأما أحمد بن عبدالله العجلي فقال : جزري تابعي ثقة وكان يحمل على علي - رضي الله عنه - [7]
فتعقبه الحافظ الذهبي بقوله : لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ حَمْلٌ، إِنَّمَا كَانَ يُفَضِّلُ عُثْمَانَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا حَقٌّ. [8]
2 ـ الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي (ت 115 هـ ) وثقه جماعة من الأئمة منهم عبدالرحمن بن مهدي[9] ، ويحيى بن سعيد القطان[10]، وابن سعد[11]، ويحيى بن معين[12]، وأحمد بن حنبل[13]، و أبوحاتم[14] وغيرهم
أما سليمان الشاذكوني قال : حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: كَانَ الحَكَمُ يُفَضِّلُ عَلِيّاً عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
فتعقبه الحافظ الذهبي قائلا : الشَّاذَكُوْنِيُّ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ، وَمَا أَظُنُّ أَنَّ الحَكَمَ يَقعُ مِنْهُ هَذَا.[15]
3 ـ الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ ) ، أورد الحافظ الذهبي في ترجمته خبرا عن علي بن أحمد بن النضر الأزدي أنه قال : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ - وَسُئِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ - فَقَالَ: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِهِ، لَقَدْ كُنَّا تَعَلَّمْنَا كَلاَمَ القَوْمِ، وَكَتَبْنَا كُتُبَهُمْ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا سَمِعْنَا كَلاَمَهُ، عَلِمْنَا أنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ جَالَسْنَاهُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ، فَمَا رَأَيْنَا مِنْهُ إِلاَّ كُلَّ خَيْرٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَانَ يَحْيَى وَأَبُو عُبَيْدٍ لاَ يَرْضَيَانِهِ - يُشِيْرُ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَأنَّهُمَا نَسَبَاهُ إِلَى ذَلِكَ -.
فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا نَدْرِي مَا يَقُوْلاَنِ، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ إِلاَّ خَيْراً .
قال الحافظ الذهبي معلقا على هذا الخبر: مَنْ زَعَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَتَشَيَّعُ، فَهُوَ مُفْتَرٍ، لاَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ ، قَدْ قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الإِسْتِرَابَاذِيُّ: أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ، فَمَا ارْتَقَى شَرَفاً، وَلاَ هَبَطَ وَادِياً إِلاَّ وَهُوَ يَبْكِي، وَيُنْشِدُ:
يَا رَاكِباً قِفْ بِالمُحَصَّبِ مِنْ مِنَى
وَاهْتِفْ بِقَاعِدِ خَيْفِنَا وَالنَّاهِضِ

سَحَراً إِذَا فَاضَ الحَجِيْجُ إِلَى مِنَىً
فَيْضاً كَمُلْتَطِمِ الفُرَاتِ الفَائِضِ

إِنْ كَانَ رَفْضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ
فَلْيَشْهَدِ الثَّقَلانِ أَنِّي رَافِضِي [16]

وقال في موضع أخر مدافعا عن الإمام ، ومبينا المنهج الذي ينبغي أن يسلكه طالب العلم إذا وقف على ما فيه التحامل على أهل العلم والصلاح : كَلاَمُ الأَقْرَانِ إِذَا تَبَرْهَنَ لَنَا أَنَّهُ بِهَوَىً وَعَصَبِيَّةٍ، لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، بَلْ يُطْوَى، وَلاَ يُرْوَى، كَمَا تَقَرَّرَ عَنِ الكَفِّ عَنْ كَثِيْرٍ مِمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَقِتَالِهِم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أَجْمَعِيْنَ - وَمَا زَالَ يَمُرُّ بِنَا ذَلِكَ فِي الدَّوَاوينِ، وَالكُتُبِ، وَالأَجْزَاءِ، وَلَكِنْ أَكْثَرُ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ، وضَعِيْفٌ، وَبَعْضُهُ كَذِبٌ، وَهَذَا فِيْمَا بِأَيْدِيْنَا وَبَيْنَ عُلُمَائِنَا، فَيَنْبَغِي طَيُّهُ وَإِخْفَاؤُهُ، بَلْ إِعْدَامُهُ، لِتَصْفُوَ القُلُوْبُ، وَتَتَوَفَّرَ عَلَى حُبِّ الصَّحَابَةِ، وَالتَّرَضِّي عَنْهُمُ، وَكُتْمَانُ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ عَنِ العَامَّةِ، وَآحَادِ العُلَمَاءِ، وَقَدْ يُرَخَّصُ فِي مُطَالعَةِ ذَلِكَ خَلْوَةً لِلْعَالِمِ المُنْصِفِ، العَرِيِّ مِنَ الهَوَى، بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَغفرَ لَهُم، كَمَا عَلَّمَنَا اللهُ -تَعَالَى- حَيْثُ يَقُوْلُ: {وَالَّذِيْنَ جَاؤُوَا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُوْلُوْنَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِيْنَ سَبَقُونَا بِالإِيْمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوْبِنَا غِلاَّ لِلذِيْنَ آمَنُوا} [الحشرُ: 10] ، فَالقَوْمُ لَهُم سَوَابِقُ وَأَعْمَالٌ مُكَفِّرَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُمُ، وَجِهَادٌ مَحَّاءٌ، وَعُبَادَةٌ مُمَحِّصَةٌ، وَلَسْنَا مِمَّنْ يَغْلُو فِي أَحَدٍ مِنْهُم، وَلاَ نَدَّعِي فِيْهِم العِصْمَةَ، نَقْطَعُ بِأَنَّ بَعْضَهُم أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَنَقْطَعُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَفْضَلُ الأُمَّةِ.
ثُمَّ تَتِمَّةُ العَشْرَةِ المَشْهُوْدِ لَهُم بِالجَنَّةِ، وَحَمْزَةُ، وَجَعْفَرٌ، وَمُعَاذٌ، وَزَيْدٌ، وَأُمَّهَاتُ المُؤْمِنِيْنَ، وَبنَاتُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُ بَدْرٍ، مَعَ كَوْنِهِم عَلَى مَرَاتِبَ.
ثُمَّ الأَفْضَلُ بَعْدَهُم مِثْلَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَائِرِ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، الَّذِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم بِنَصِّ آيَةِ سُوْرَةِ الفَتْحِ .
ثُمَّ عُمُوْمُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، كخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَالعَبَّاسِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، وَهَذِهِ الحَلْبَةُ.
ثُمَّ سَائِرُ مَنْ صَحِبَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَاهَدَ مَعَهُ، أَوْ حَجَّ مَعَهُ، أَوْ سَمِعَ مِنْهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ أَجْمَعِيْنَ - وَعَنْ جَمِيْعِ صَوَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُهَاجِرَاتِ، وَالمَدَنِيَّاتِ، وَأَمِّ الفَضْلِ، وَأَمِّ هَانِئٍ الهَاشِمِيَّةِ، وَسَائِرِ الصَّحَابِيَّاتِ.
فَأَمَّا مَا تَنْقُلُهُ الرَّافِضَةُ، وَأَهْلُ البِدَعِ فِي كُتُبِهِم مِنْ ذَلِكَ، فَلاَ نُعَرِّجُ عَلَيْهِ، وَلاَ كرَامَةَ، فَأَكْثَرُهُ بَاطِلٌ، وَكَذِبٌ، وَافْتِرَاءٌ، فَدَأْبُ الرَّوَافِضِ رِوَايَةُ الأَبَاطِيْلِ، أَوْ رَدُّ مَا فِي الصِّحَاحِ وَالمسَانِيْدِ، وَمتَى إِفَاقَةُ مَنْ بِهِ سَكْرَانٌ؟!
ثُمَّ قَدْ تَكَلَّمَ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ بَعْضُهُم فِي بَعْضٍ، وَتحَارَبُوا، وَجَرَتْ أُمُورٌ لاَ يُمْكِنُ شَرْحُهَا، فَلاَ فَائِدَةَ فِي بَثِّهَا، وَوَقَعَ فِي كُتُبِ التَّوَارِيْخِ، وَكُتُبِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ أُمُورٌ عَجِيْبَةٌ، وَالعَاقِلُ خَصْمُ نَفْسِهِ، وَمِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ، وَلُحُومُ العُلَمَاءِ مَسْمُومَةٌ، وَمَا نُقِلَ مِنْ ذَلِكَ لِتَبْيِينِ غَلَطِ العَالِمِ، وَكَثْرَةِ وَهْمِهِ، أَوْ نَقْصِ حِفْظِهِ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ، بَلْ لِتَوضيحِ الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ مِنَ الحَسَنِ، وَالحَسَنِ مِنَ الضَّعيفِ.
وَإِمَامُنَا فَبِحَمْدِ اللهِ ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، حَافِظٌ لِمَا وَعَى، عَدِيْمُ الغَلَطِ، مَوْصُوفٌ بِالإِتْقَانِ، مَتِيْنُ الدِّيَانَةِ، فَمَنْ نَالَ مِنْهُ بِجَهْلٍ وَهوَىً، مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُنَافسٌ لَهُ، فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، وَمَقَتَتْهُ العُلَمَاءُ، وَلاَحَ لِكُلِّ حَافِظٍ تَحَامُلُهُ، وَجَرَّ النَّاسَ بِرِجْلِهِ، وَمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ، وَاعْتَرفَ بِإِمَامَتِهِ وَإِتقَانِهِ، وَهُمْ أَهْلُ العَقْدِ وَالحَلِّ، قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، فَقَدْ أَصَابُوا، وَأَجْمَلُوا، وَهُدُوا وَوُفِّقُوا.
وَأَمَّا أَئمَّتُنَا اليَوْمَ، وَحُكَّامُنَا، فَإِذَا أَعْدَمُوا مَا وُجِدَ مِنْ قَدْحٍ بِهوَىً، فَقَدْ يُقَالُ: أَحْسَنُوا، وَوُفِّقُوا، وَطَاعَتُهُم فِي ذَلِكَ مُفْتَرَضَةً، لِمَا قَدْ رَأَوهُ مِنْ حَسْمِ مَادَةِ البَاطِلِ وَالشَّرِّ.
وبِكُلِّ حَالٍ فَالجُهَّالُ وَالضُّلاَّلُ، قَدْ تَكَلَّمُوا فِي خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَفِي الحَدِيْثِ الثَّابتِ، لاَ أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذَىً يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلداً، وَإِنَّهُ لَيَرْزُقُهُم وَيُعَافِيَهُمْ .
وَقَدْ كُنْتُ وَقَفْتُ عَلَى بَعْضِ كَلاَمِ المغَارِبَةِ فِي الإِمَامِ -رَحِمَهُ اللهُ- فَكَانَتْ فَائِدتِي مِنْ ذَلِكَ تَضْعِيفُ حَالِ مَنْ تَعَرَّضَ إِلَى الإِمَامِ، وَللهِ الحَمْدُ. وَلاَ رَيْبَ أَنَّ الإِمَامَ لَمَّا سَكَنَ مِصْرَ، وَخَالَفَ أَقْرَانَهُ مِنَ المَالِكيَّةِ، وَوَهَّى بَعْضَ فُرُوْعِهِم بِدَلاَئِلِ السُّنَّةِ، وَخَالَفَ شَيْخَهُ فِي مَسَائِلَ، تَأَلَّمُوا مِنْهُ، وَنَالُوا مِنْهُ، وَجَرَتْ بَيْنَهُم وَحْشَةٌ، غَفَرَ اللهُ لِلْكُلِّ.
وَقَدِ اعتَرَفَ الإِمَامُ سُحْنُوْنُ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي الشَّافِعِيِّ بِدْعَةٌ.
فَصَدَقَ وَاللهِ، فَرَحِمَ اللهُ الشَّافِعِيَّ، وَأَيْنَ مِثْلُ الشَّافِعِيِّ وَاللهِ فِي صِدْقِهِ، وَشَرَفِهِ، وَنُبلِهِ، وَسَعَةِ عِلْمِهِ، وَفَرْطِ ذَكَائِهِ، وَنَصْرِهِ لِلْحَقِّ، وَكَثْرَةِ مَنَاقبِهِ - رَحِمَهُ اللهُ تعَالَى -. [17]
4 ـ في ترجمة أحمد بن أبي الحواري عبدالله بن ميمون الثعلبي الدمشقي (ت 246 هـ) ، نقل الذهبي قول أبي عبدالرحمن السلمي في ( محن الصوفية) : أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ شَهِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ أَنَّهُ يُفَضِّلُ الأَوْلِيَاءَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ، وَبَذَلُوا الخُطُوطَ عَلَيْهِ، فَهَرَبَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى مَكَّةَ، وَجَاوَرَ حَتَّى كَتَبَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ يَسْأَلُهُ أَنْ يَرْجِعَ، فَرَجَعَ.
قال الذهبي ـ عقيب هذه الحكاية ـ : إِنْ صَحَّتِ الحِكَايَةُ، فَهَذَا مِنْ كَذِبِهِم عَلَى أَحْمَدَ، هُوَ كَانَ أَعْلَمَ بِاللهِ مِنْ أَنْ يَقُوْلَ ذَلِكَ [18]
وقال في "تاريخ الإسلام "(5/ 1006) : هذا من الكذِب على أحمد، فإنّه كان أعلم بالله من أن يقع في ذلك، وما يقع في هذا إلا ضالٌّ جاهل. ا.هـ
ولعل وجه تشكيك الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ في صحة هذه الحكاية ، إنما كان ذلك لمكان أبي عبدالرحمن السلمي ، فإنه معروف بإيراد الحكايات المكذوبة والأحاديث الموضوعة في تصانيفه من غير بيان ، مما جعل بعضهم يرميه بوضع الحديث .
قال الخطيب البغدادي : قَالَ لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري: كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة، ... وكان يضع للصوفية الأحاديث. [19]
وقال الذهبي: وَللسُّلَمِيِّ سُؤَالاَتٌ للدَارَقُطْنِيِّ عَنْ أَحْوَالِ المَشَايخ الرُّوَاةِ سُؤَالَ عَارِفٍ، وَفِي الجُمْلَةِ فَفِي تَصَانِيْفِهِ أَحادَيثٌ وَحكَايَاتٌ مَوْضُوعَة، وَفِي (حَقَائِقِ تَفْسِيْره) أَشْيَاءُ لاَ تسوَغُ أَصْلاً، عَدَّهَا بَعْضُ الأَئِمَّة مِنْ زَنْدَقَةِ البَاطِنيَّة، وَعَدَّهَا بَعْضُهُم عِرْفَاناً وَحَقِيْقَةً، نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الضَّلاَلِ وَمِنَ الكَلاَمِ بهوَى، فَإِنَّ الخَيْرَ كُلَّ الخَيْرِ فِي مُتَابَعَةِ السُّنَّة وَالتَّمَسُّكِ بِهَدْي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ رَضِي الله عَنْهُم. [20]
فمثله لا يوثق بما يحكيه في حق عالم معروف العدالة من الطعن في عدالته وأمانته ولذلك شكك الذهبي في صحة الحكاية ونقد متنها لبعده عن واقع حال أحمد بن أبي الحواري رحمه الله والله أعلم .

الوجه الثاني : أن يتهم الرجل بغلو في بدعة ، ولا يثبت ذلك عنه وإن كان يعتقد أصل تلك البدعة ، ومن أمثلة هذا الوجه :
1 ـ أبوعروبة الحسين بن محمد بن أبي معشر الحراني (ت 318 هـ) ، قال فيه الحافظ ابن عساكر : كَانَ أَبُو عَرُوْبَةَ غَالِياً فِي التَّشَيُّعِ، شَدِيْدَ المَيْلِ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ.
فرد عليه الحافظ الذهبي قائلا : كُلُّ مَنْ أَحَبَّ الشَّيْخَيْنِ فَلَيْسَ بِغَالٍ، بَلْ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ تَنَقُّصٍ فَإِنَّهُ رَافِضِيٌّ غَالٍ، فَإِنْ سَبَّ، فَهُوَ مِنْ شِرَارِ الرَّافِضَةِ، فَإِنْ كَفَّرَ فَقَدْ بَاءَ بِالكُفْرِ، وَاسْتَحَقَّ الخِزْيَ، وَأَبُو عَرُوْبَةَ فَمِنْ أَيْنَ يَجِيْئُهُ الغُلُوُّ وَهُوَ صَاحِبُ حَدِيْثٍ وَحَرَّانِيٌّ؟ بَلَى لَعَلَّهُ يَنَالُ مِنَ المَرْوَانِيَّةِ، فَيُعذَرُ. [21]
2 ـ محمد بن عبدالله أبي عبدالله الحاكم النيسابوري (ت 405) ، قال أبو إِسْمَاعِيْل عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيَّ فيه َ: ثِقَةٌ فِي الحَدِيْثِ رَافضيٌّ خَبِيْث .
رده الذهبي بقوله : كَلاَّ لَيْسَ هُوَ رَافِضِيّاً، بَلَى يَتَشَيَّع [22]
وقال في "ميزان الاعتدال"(3/ 608) : الله يحب الإنصاف، ما الرجل برافضي، بل شيعي فقط. [23]

المقدمة الثانية : يعرف معتقد الرجل ويحكم عليه من قوله أو فعله وبما كتب ، وإن كان هناك سماع منه يشترط في الناقل عنه العدالة والثقة والضبط والأمانة والورع .
قال محمد الثاني بن عمر بن موسى في رسالته ماجستير "ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي "(ص 139) : ( كان من دأب الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ التنبيه على حال الرجل في دينه ومعتقده من حيث السلامة أو عكسها وذلك بطريقتين :
الأولى : النقل عمن عاصروا الرجل وغيرهم ، من الذين عرفوا حاله ونصوا على عقيدته .
الثانية : الاعتماد على مصنفاته والاستناد إلى ما كتبه .
أما الطريقة الأولى فشهرتها واستفاضتها تغني عن ذكر الأمثلة عليها .
وأما الثانية فمن الأمثلة عليها :
1 ـ قال في ترجمة أبي بكر أحمد بن علي الحنفي (ت 370 هـ) وَقِيْلَ: كَانَ يمِيلُ إِلَى الاِعتزَالِ، وَفِي توَالِيفِهِ مَا يَدلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ وَغيْرِهَا, نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمةَ. [24]
2 ـ وقال في ترجمة سبط ابن الجوزي يوسف بن قزغلي بن عبدالله التركي البغدادي (ت 654) : َصَنَّفَ تَارِيْخ مرَآة الزَّمَان وَأَشيَاء، وَرَأَيْت لَهُ مُصَنّفاً يَدلّ عَلَى تَشيعه [25]
وكذلك سار الحافظ الذهبي على هذه القاعدة في الدفاع عمن رمي بشيء من البدعة بمعارضة ذلك بما ظهر من خلال مصنفاته من السنة والاتباع ، فمن ذلك :
1 ـ ما في ترجمة عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276) عن حماد الحراني أنه سمع السلفي ينكر على الحاكم في قوله : " لا تجوز الرواية عن ابن قتيبة " ويقول :" ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنَ الثِّقَاتِ، وَأَهْلِ السُّنَّةِ.
ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ الحَاكِمَ قَصْدُهُ لأَجْلِ المَذْهَبِ."
ققال الحافظ الذهب : " عَهْدِي بِالحَاكِمِ يَمِيْلُ إِلَى الكَرَّامِيَّةِ، ثُمَّ مَا رَأَيْتُ لأَبِي مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ (مُشْكِلِ الحَدِيْثِ) مَا يُخَالِفُ طَرِيقَةَ المُثْبِتَةِ وَالحَنَابِلَةِ، وَمِنْ أَنَّ أَخْبَارَ الصِّفَاتِ تُمَرُّ وَلاَ تُتَأَوَّلُ، فَاللهُ أَعْلَمُ." [26]
2 ـ وساق في ترجمة يعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277) حكاية تفيد اتهامه بالتشيع فردها قائلا : هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، فَاللهُ أَعْلَمُ، وَمَا عَلِمْتُ يَعْقُوْبَ الفَسَوِيَّ إِلاَّ سَلَفِيّاً، وَقَدْ صَنَّفَ كِتَاباً صَغِيْراً فِي السُّنَّةِ.[27]

المقدمة الثالثة : إحاطة بالحالة الاجتماعية والبيئة التي نشأ فيها هذا الرجل المتكلم عنه
قال محمد الثاني بن عمر بن موسى في رسالته ماجستير "ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي "(ص 272) : المطلب الأول : مراعاة أثر البيئة في تكوين العقيدة :
قال في ترجمة معاوية بن أبي سفيان بن أمية الأموي رضي الله عنه (ت 60 هـ) : وَخَلَفَ مُعَاوِيَةَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ يُحِبُّوْنَهُ وَيَتَغَالُوْنَ فِيْهِ، وَيُفَضِّلُوْنَهُ، إِمَّا قَدْ مَلَكَهُم بِالكَرَمِ وَالحِلْمِ وَالعَطَاءِ، وَإِمَّا قَدْ وُلِدُوا فِي الشَّامِ عَلَى حُبِّهِ، وَتَرَبَّى أَوْلاَدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
وَفِيْهِمْ جَمَاعَةٌ يَسِيْرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَدَدٌ كَثِيْرٌ مِنَ التَّابِعِيْنَ وَالفُضَلاَءِ، وَحَارَبُوا مَعَهُ أَهْلَ العِرَاقِ، وَنَشَؤُوا عَلَى النَّصْبِ - نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الهَوَى -.
كمَا قَدْ نَشَأَ جَيْشُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَرَعِيَّتُهُ - إِلاَّ الخَوَارِجَ مِنْهُم - عَلَى حُبِّهِ، وَالقِيَامِ مَعَهُ، وَبُغْضِ مَنْ بَغَى عَلَيْهِ، وَالتَّبَرِّي مِنْهُم، وَغَلاَ خَلْقٌ مِنْهُم فِي التَّشَيُّعِ.
فَبِاللهِ كَيْفَ يَكُوْنُ حَالُ مَنْ نَشَأَ فِي إِقْلِيْمٍ، لاَ يَكَادُ يُشَاهِدُ فِيْهِ إِلاَّ غَالِياً فِي الحُبِّ، مُفْرِطاً فِي البُغْضِ، وَمِنْ أَيْنَ يَقَعُ لَهُ الإِنْصَافُ وَالاعْتِدَالُ؟
فَنَحْمَدُ اللهَ عَلَى العَافِيَةِ الَّذِي أَوْجَدَنَا فِي زَمَانٍ قَدِ انْمَحَصَ فِيْهِ الحَقُّ، وَاتَّضَحَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَعَرَفْنَا مَآخِذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، وَتَبَصَّرْنَا، فَعَذَرْنَا، وَاسْتَغْفَرْنَا، وَأَحْبَبْنَا بِاقْتِصَادٍ، وَتَرَحَّمْنَا عَلَى البُغَاةِ بِتَأْوِيْلٍ سَائِغٍ فِي الجُمْلَةِ، أَوْ بِخَطَأٍ - إِنْ شَاءَ اللهُ - مَغْفُوْرٍ، وَقُلْنَا كَمَا عَلَّمَنَا اللهُ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِيْنَ سَبَقُوْنَا بِالإِيْمَانِ، وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوْبِنَا غِلاًّ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا} [الحَشْرُ: 10] .
وَتَرَضَّيْنَا أَيْضاً عَمَّنِ اعْتَزَلَ الفَرِيْقَيْنِ، كَسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ، وَسَعِيْدِ بنِ زَيْدٍ، وَخَلْقٍ ، وَتَبَرَّأْنَا مِنَ الخَوَارِجِ المَارِقِيْنَ الَّذِيْنَ حَارَبُوا عَلِيّاً، وَكَفَّرُوا الفَرِيْقَيْنِ.
فَالخَوَارِجُ كِلاَبُ النَّارِ، قَدْ مَرَقُوا مِنَ الدِّيْنِ، وَمَعَ هَذَا فَلاَ نَقْطَعُ لَهُم بِخُلُوْدِ النَّارِ، كَمَا نَقْطَعُ بِهِ لِعَبَدَةِ الأَصْنَامِ وَالصُّلْبَانِ. ا.هـ [28]
1 ـ قال في ترجمة شريك بن عبدالله القاضي النخعي الكوفي (ت 177) : فِيْهِ تَشَيُّعٌ خَفِيْفٌ عَلَى قَاعِدَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ. [29]
2 ـ قال في ترجمة عبيدالله بن موسى بن باذام العبسي مولاهم الكوفي (ت 227 هـ) : كَانَ صَاحِبَ عِبَادَةٍ وَلَيْلٍ، صَحِبَ حَمْزَةَ، وَتَخَلَّقَ بِآدَابِهِ، إِلاَّ فِي التَّشَيُّعِ المَشْؤُوْمِ،فَإِنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ المُؤَسَّسِ عَلَى البِدعَةِ .[30]
3 ـ وقال في ترجمة علي بن المحسن بن علي بن محمد التنوخي (ت 447 هـ) ، قال الخطيب البغدادي : وكان قد قبلت شهادته عند الحكام فِي حداثته، ولم يزل على ذلك مقبولا إِلَى آخر عمره، وكان متحفظا فِي الشهادة محتاطا، صدوقا فِي الحديث [31]
قَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: قِيْلَ: كَانَ رَأْيَهُ الرَّفْض وَالاعْتِزَال.
فقال الحافظ الذهبي ـ معتذرا له ـ : نَشَأَ فِي الدَّوْلَةِ البُوَيْهِيَّةِ، وَأَرْجَاؤُهَا طَافِحَةً بِهَاتَيْنِ البِدْعَتَيْنِ.[32]
4 ـ قال أبو الوليد الباجي في علي بن موسى بن السمسار الدمشقي (ت 433 هـ) : فِيْهِ تشيُّعٌ يُفْضَي بِهِ إِلَى الرَّفْض، وَهُوَ قَلِيْلُ المعرفَة، فِي أُصُوْله سُقْم
قال الحافظ الذهبي معلقا : وَلَعَلَّ تَشَيُّعَهُ كَانَ تقيَّة لاَ سجيَّة، فَإِنَّهُ مِنْ بَيْتِ الحَدِيْث، وَلَكِن غلت الشَّامُ فِي زَمَانِهِ بِالرَّفض، بَلْ وَمِصْرُ وَالمَغْرِبُ بِالدَّوْلَة العُبَيْدِيَّة، بَلْ وَالعِرَاقُ وَبَعْضُ الْعَجم بِالدَّوْلَة البُوَيْهِيَّة، وَاشتدَّ البلاَءُ دَهْراً، وَشَمَخَت الغلاَةُ بِأَنْفِهَا، وَتواخى الرَّفضُ وَالاعتزَالُ حِيْنَئِذٍ، وَالنَّاسُ عَلَى دين المَلِك، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ فِي الدِّيْن. [33]

المقدمة الرابعة : العبرة بكثرة المحاسن .[34]
1 ـ قال الحافظ الذهبي في ترجمة قتادة بن دعامة السدوسي البصري (ت 117 هـ) :
هُوَ حُجّةٌ بِالإِجْمَاعِ إِذَا بَيَّنَ السَّمَاعَ، فَإِنَّهُ مُدَلِّسٌ مَعْرُوْفٌ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَرَى القَدَرَ - نَسْأَلُ اللهَ العَفْوَ - ، وَمعَ هَذَا، فَمَا تَوقَّفَ أَحَدٌ فِي صِدقِه، وَعَدَالَتِه، وَحِفظِه، وَلَعَلَّ اللهَ يَعْذُرُ أَمْثَالَه مِمَّنْ تَلبَّسَ بِبدعَةٍ يُرِيْدُ بِهَا تَعْظِيْمَ البَارِي وَتَنزِيهَه، وَبَذَلَ وِسْعَهُ، وَاللهُ حَكَمٌ عَدلٌ لَطِيْفٌ بِعِبَادِه، وَلاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ.
ثُمَّ إِنَّ الكَبِيْرَ مِنْ أَئِمَّةِ العِلْمِ إِذَا كَثُرَ صَوَابُه، وَعُلِمَ تَحَرِّيهِ لِلْحقِّ، وَاتَّسَعَ عِلْمُه، وَظَهَرَ ذَكَاؤُهُ، وَعُرِفَ صَلاَحُه وَوَرَعُه وَاتِّبَاعُه، يُغْفَرُ لَهُ زَلَلُهُ، وَلاَ نُضِلِّلْهُ وَنَطرْحُهُ وَنَنسَى مَحَاسِنَه ، نَعَم، وَلاَ نَقتَدِي بِهِ فِي بِدعَتِه وَخَطَئِه، وَنَرجُو لَهُ التَّوبَةَ مِنْ ذَلِكَ.[35]
2 ـ وفي ترجمة أبي بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي (ت 365 هـ ) ، قال أبوالحسن الصفار : سَمِعْتُ أَبا سَهْلٍ الصُّعْلُوْكِيُّ، وَسُئِلَ عَنْ تَفْسِيْرِ أَبِي بَكْرٍ القَفَّالِ، فَقَالَ: قدَّسَهُ مِنْ وَجْهٍ، وَدنَّسَهُ مِنْ وَجْهٍ، أَي: دنَّسَهُ مِنْ جهَةِ نَصْرِهِ للاعتزَالِ.
قال الحافظ الذهبي : قَدْ مرَّ مَوْتُهُ، وَالكمَالُ عزيزٌ، وَإِنَّمَا يمدحُ العَالِمُ بكَثْرَةِ مَالَهُ مِنَ الفضَائِلِ، فَلاَ تُدفنُ المَحَاسِنُ لورطَةٍ، وَلَعَلَّهُ رَجعَ عَنْهَا ، وَقَدْ يُغفرُ لَهُ بِاسْتفرَاغِهِ الوسْعَ فِي طلبِ الحَقِّ وَلاَ قوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. [36]
3 ـ وفي ترجمة محمد بن أحمد العثماني (ت 527هـ) ، قال الحافظ ابن الجوزي : سمع الحديث وتفقه وكان غاليا في مذهب الأشعري وكان يعظ بجامع القصر [37]
قال الحافظ الذهبي معلقا : غُلاَةُ المُعْتَزِلَةِ، وَغُلاَة الشِّيْعَة، وَغُلاَة الحَنَابِلَة، وَغُلاَة الأَشَاعِرَةِ، وَغلاَة المُرْجِئَة، وَغُلاَة الجَهْمِيَّة، وَغُلاَة الكَرَّامِيَّة قَدْ مَاجت بِهِم الدُّنْيَا، وَكثرُوا، وَفِيهِم أَذكيَاءُ وَعُبَّاد وَعُلَمَاء، نَسْأَلُ اللهَ العفوَ وَالمَغْفِرَة لأَهْل التَّوحيد، وَنبرَأُ إِلَى اللهِ مِنَ الهَوَى وَالبِدَع، وَنُحبُّ السُّنَّةَ وَأَهْلَهَا، وَنُحِبُّ العَالِمَ عَلَى مَا فِيْهِ مِنَ الاتِّبَاعِ وَالصِّفَاتِ الحمِيدَة، وَلاَ نُحبُّ مَا ابْتدعَ فِيْهِ بتَأْوِيْلٍ سَائِغٍ، وَإِنَّمَا العِبرَةُ بِكَثْرَةِ المَحَاسِنِ.
وهذا المنهج لم ينفرد به الحافظ الذهبي وحده ، بل صرح به غيره من الأئمة ، معتبرا الشروط نفسها ، منهم :
1 ـ ذكر ابن عبدالبر في "جامع بيان العلم وفضله"(2/ 821) عن مَالِك بْن أَنَسٍ أنه روى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لَيْسَ مِنْ عَالِمٍ وَلَا شَرِيفٍ وَلَا ذِي فَضْلٍ إِلَّا وَفِيهِ عَيْبٌ وَلَكِنْ مَنْ كَانَ فَضْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ نَقْصِهِ ذَهَبَ نَقْصُهُ لِفَضْلِهِ كَمَا أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ نُقْصَانُهُ ذَهَبَ فَضْلُهُ»
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَسْلَمُ الْعَالِمُ مِنَ الْخَطَأِ، فَمَنْ أَخْطَأَ قَلِيلًا وَأَصَابَ كَثِيرًا فَهُوَ عَالِمٌ وَمَنْ أَصَابَ قَلِيلًا وَأَخْطَأَ كَثِيرًا فَهُوَ جَاهِلٌ . ا.هـ
2 ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في صدد كلامه على مسألة السماع عند الصوفية : (وَالَّذين شهدُوا هَذَا اللَّغْو متأولين من أهل الصدْق وَالْإِخْلَاص وَالصَّلَاح غمرت حسناتهم مَا كَانَ لَهُم فِيهِ وَفِي غَيره من السَّيِّئَات أَو الْخَطَأ فِي مواقع االأجتهاد وَهَذَا سَبِيل كل صالحي هَذِه الْأمة فِي خطئهم وزلاتهم
قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ أُولَئِكَ هم المتقون لَهُم مَا يشاؤون عِنْد رَبهم ذَلِك جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ليكفر الله عَنْهُم أَسْوَأ الَّذِي عمِلُوا ويجزيهم أجرهم بِأَحْسَن الَّذِي كَانُوا يعْملُونَ} [سُورَة الزمر 33 35] وَذَلِكَ كالمتأولين فِي تنَاول الْمُسكر من صالحي أهل الْكُوفَة وَمن اتبعهم على ذَلِك وَإِن كَانَ المشروب خمرًا لَا يشك فِي ذَلِك من اطلع على اقوال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقوال الصَّحَابَة وَكَذَلِكَ المتأولون للمتعة وَالصرْف من اهل مَكَّة متبعين لما كَانَ يَقُوله ابْن عَبَّاس وَإِن كَانَ قد رَجَعَ عَن ذَلِك أَو زادوا عَلَيْهِ إِذْ لَا يشك فِي ذَلِك وَأَنه من أَنْوَاع الرِّبَا الْمحرم وَالنِّكَاح الْمحرم من اطلع على نُصُوص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم .
وَكَذَلِكَ المتأولون فِي بعض الْأَطْعِمَة والحشوش من أهل الْمَدِينَة وَإِن كَانَ لَا يشك فِي تَحْرِيم ذَلِك من اطلع على نُصُوص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَكَذَلِكَ مَا دخل فِيهِ من دخل من السَّابِقين وَالتَّابِعِينَ من الْقِتَال فِي الْفِتْنَة وَالْبَغي بالتأويل مَعَ مَا علم فِي ذَلِك من نُصُوص الْكتاب وَالسّنة من ترك الْقِتَال وَالصُّلْح فَمَا تَأَول فِيهِ قوم من ذَوي الْعلم وَالدّين من مطعوم أَو مشروب اَوْ منكوح أَو مَمْلُوك أَو مِمَّا قد علم أَن الله قد حرمه وَرَسُوله لم يجز اتباعهم فِي ذَلِك مغفورا لَهُم وَإِن كَانُوا خِيَار الْمُسلمين وَالله قد غفر لهَذِهِ الْأمة الْخَطَأ وَالنِّسْيَان كَمَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وَهُوَ سُبْحَانَهُ يمحو السَّيِّئَات بِالْحَسَنَاتِ وَيقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات )[38]
3 ـ قال الإمام ابن القيم في "مفتاح دار السعادة "(1/529 ـ 531) : ( من قواعد الشرع وَالْحكمَة .. أن من كثرت حَسَنَاته وعظمت وَكَانَ لَهُ فِي الإسلام تَأْثِير ظَاهر فَإِنَّهُ يحْتَمل لَهُ مَالا يحْتَمل لغيره ويعفي عَنهُ مَالا يعفي عَن غَيره فَإِن الْمعْصِيَة خبث وَالْمَاء " إِذا بلغ قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث " بِخِلَاف المَاء الْقَلِيل فَإِنَّهُ لَا يحمل أدنى خبث يقع فيه ، وَمن هَذَا قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم لعمر :"وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم " .
وَهَذَا هُوَ الْمَانِع لَهُ صلى الله عليه وسلم من قتل من جس عَلَيْهِ وعَلى الْمُسلمين وارتكب مثل ذَلِك الذَّنب الْعَظِيم ، فَأخْبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بَدْرًا ، فَدلَّ على أن مُقْتَضى عُقُوبَته قَائِم لَكِن منع من ترَتّب أثره عَلَيْهِ مَاله من المشهد الْعَظِيم ، فَوَقَعت تِلْكَ السقطة الْعَظِيمَة مغتفرة فِي جنب مَاله من الْحَسَنَات .
وَلما حض النَّبِي صلى الله عليه وسلم على الصَّدَقَة فَأخْرج عُثْمَان رضي الله عَنهُ تِلْكَ الصَّدَقَة الْعَظِيمَة قَالَ :"ما ضر عُثْمَان مَا عمل بعْدهَا " .
وَقَالَ لطلْحَة لما تطأطأ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى صعد على ظَهره إلى الصَّخْرَة :" أوجب طَلْحَة "
وَهَذَا مُوسَى كليم الرَّحْمَن عز وَجل ألقى الألواح الَّتِي فِيهَا كَلَام الله الَّذِي كتبه لَهُ ، ألقاها على الأرض حَتَّى تَكَسَّرَتْ ، وَلَطم عين ملك الْمَوْت ففقأها ، وعاتب ربه لَيْلَة الإسراء فِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، وَقَالَ : "شَاب بعث بعدِي يدْخل الْجنَّة من أمته أكثر مِمَّا يدخلهَا من أمتي " ، وأخذ بلحية هَارُون وجره إليه ، وَهُوَ نَبِي الله وكل هَذَا لم ينقص من قدرَة شَيْئا عِنْد ربه ، وربه تَعَالَى يُكرمهُ وَيُحِبهُ ، فَإِن الأمر الَّذِي قَامَ بِه مُوسَى ، والعدو الَّذِي برز لَهُ ، وَالصَّبْر الَّذِي صبره ، والأذى الَّذِي أوذيه فِي الله ، أمر لَا تُؤثر فِيهِ أمثال هَذِه الأمور وَلَا تغير فِي وَجهه وَلَا تخْفض مَنْزِلَته .
وَهَذَا أمر مَعْلُوم عِنْد النَّاس مُسْتَقر فِي فطرهم : أن من لَهُ ألوف من الْحَسَنَات فَإِنَّهُ يسامح بِالسَّيِّئَةِ والسيئتين وَنَحْوهَا حَتَّى أنه ليختلج دَاعِي عُقُوبَته على إساءته ، وداعي شكره على إحسانه ، فيغلب دَاعِي الشُّكْر لداعي الْعقُوبَة كَمَا قيل:
وَإِذا الجيب أتى بذنب وَاحِد
جَاءَت محاسنه بِأَلف شَفِيع
وَقَالَ آخر:
فَإِن يكن الْفِعْل الَّذِي سَاءَ وَاحِدًا
فأفعاله اللَّاتِي سررن كثير
وَالله سُبْحَانَهُ يوازن يَوْم الْقِيَامَة بَين حَسَنَات العَبْد وسيئاته فأيهما غلب كَانَ التَّأْثِير لَهُ فيفعل بأهل الْحَسَنَات الْكَثِيرَة وَالَّذين آثروا محابه ومراضيه وغلبتهم دواعي طبعهم أحيانا من الْعَفو والمسامحة مَالا يَفْعَله مَعَ غَيرهم )
وقال في "إعلام الموقعين "(3/ 220) مَعْرِفَةُ فَضْلِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَقَادِيرِهِمْ وَحُقُوقِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ، وَأَنَّ فَضْلَهُمْ وَعِلْمَهُمْ وَنُصْحَهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُوجِبُ قَبُولَ كُلِّ مَا قَالُوهُ، وَمَا وَقَعَ فِي فَتَاوِيهِمْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَفِيَ عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَالُوا بِمَبْلَغِ عِلْمِهِمْ وَالْحَقُّ فِي خِلَافِهَا لَا يُوجِبُ إطْرَاحَ أَقْوَالِهِمْ جُمْلَةً وَتَنَقُّصَهُمْ وَالْوَقِيعَةَ فِيهِمْ؛ فَهَذَانِ طَرَفَانِ جَائِرَانِ عَنْ الْقَصْدِ، وَقَصْدُ السَّبِيلِ بَيْنَهُمَا، فَلَا نُؤَثِّمُ وَلَا نَعْصِمُ، وَلَا نَسْلُكُ بِهِمْ مَسْلَكَ الرَّافِضَةِ فِي عَلِيٍّ وَلَا مَسْلَكَهُمْ فِي الشَّيْخَيْنِ، بَلْ نَسْلُكُ مَسْلَكَهُمْ أَنْفُسَهُمْ فِيمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُؤَثِّمُونَهُمْ وَلَا يَعْصِمُونَهُمْ، وَلَا يَقْبَلُونَ كُلَّ أَقْوَالِهِمْ وَلَا يُهْدِرُونَهَا.
فَكَيْفَ يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا فِي الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ مَسْلَكًا يَسْلُكُونَهُ هُمْ فِي الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ؟ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لِمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَتَنَافَيَانِ عِنْدَ أَحَدِ رَجُلَيْنِ: جَاهِلٍ بِمِقْدَارِ الْأَئِمَّةِ وَفَضْلِهِمْ، أَوْ جَاهِلٍ بِحَقِيقَةِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، وَمَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالشَّرْعِ وَالْوَاقِعِ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الرَّجُلَ الْجَلِيلَ الَّذِي لَهُ فِي الْإِسْلَامِ قَدَمٌ صَالِحٌ وَآثَارٌ حَسَنَةٌ وَهُوَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِمَكَانٍ قَدْ تَكُونُ مِنْهُ الْهَفْوَةُ وَالزَّلَّةُ هُوَ فِيهَا مَعْذُورٌ بَلْ وَمَأْجُورٌ لِاجْتِهَادِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْبَعَ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُهْدَرَ مَكَانَتُهُ وَإِمَامَتُهُ وَمَنْزِلَتُهُ مِنْ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ.) ا.هـ .
فبناء على هذه المقدمات سأتناول ـ إن شاء الله تعالى ـ شخصية الأمير عبدالقادر الجزائري ، وأكتب ما له وما عليه مما قيل فيه مما تناقلته الأخبار ، ودونته الأسفار ، وأظهر ما وافق فيه الحق ، وخالف فيه الحق من غير تعصب أو هوى ، مستفيدا في ذلك من كتابات خلدون بن مكي الحسني وغيره من أقارب الأمير الذين حققوا وحرروا شخصية الأمير عن علم وإنصاف وخبرة وإطلاع ، فهم في ذلك لم يحابوا أحدا ولو كان أقرب قريب لهم ممن حرف وغير حقائق شخصية الأمير عبدالقادر ، إما عن جهل أو عمد ، كما ستقف على ذلك يا أيها القارئ في طيات هذه الترجمة .
ونأمل بإعانة الله تعالى وتوفيقه أن تكون هذه الترجمة باعثة على حياة مبادئ الأمير عبدالقادر ، وإنماء أهدافه السامية ، وإحياء معهده الحديثي العلمي الذي كان قائما عليه بالقيطنة ، ومن خلال هذه الصفحات ، سنحيي تاريخ مدينة معسكر (الراشدية) ، بل إحياء تاريخ النهضة الجزائرية الإسلامية الحديثة .
وذلك بالاستفادة من إصلاحه .[39]
وهذه النهضة الدينية الإصلاحية الجهادية قد أشاد بذكرها وتمجيدها علماء الجزائر .
فجاء في مقدمة آثار الإمام ابن باديس منوها بنهضة الأمير عبدالقادر، ذاكرا أنها بمثابة أول بذرة زرعت في قلب الشعب الجزائري ، فلازالت تنمو حتى طاب ثمرها باندلاع الثورة ، واستقلال الجزائر ، قال : (تعتبر محاولة الأمير عبد القادر الفكرية من أهم المحاولات الجزائرية الحديثة في ميدان النهضة ... والواقع أن الأمير عبد القادر أول من أثار الضمير الشعبي الجزائري، وبذر بذوراً بقيت تنمو في القلوب، وتمتد جذورها في الأرض الطيبة التي يجدر بالعالم الإسلامي أن يفخر بها، ويسميها بحق "أرض الشهداء" وبجانب ما للأمير من ثورة سياسية فإنه أضاف إليها ثورة فكرية، تتمثل في تلك الأبحاث الدينية والتاريخية والفلسفية والكلامية والصوفية [40] التي قام بها) [41]
وقال الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في مقدمة " آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي"(1/ 6) منبها أن شخصية الأمير قد أثرت في أبه الإمام محمد البشير الإبراهيمي[42] وفي دعوته الإصلاحية والجهادية : ( كانت صورة الأمير عبد القادر الجزائري ماثلة أمامه دائما، لأن عبد القادر كالإبراهيمي كان لا يفصل بين العلم والعمل، ولا يفرق بين النضال والتفكير.) ا.هـ
والحمد لله رب العالمين .
كتبه : بشير بن عبدالقادر بن سلة كان الله له

[1] استفدت هذه الحروف من مقدمة كتاب " أثر الدعوة الوهابية في الإصلاح الديني والعمراني في جزيرة العرب وغيرها"للعلامة محمد حامد الفقي
[2] الطبقات (8/477)
[3] العلل ومعرفة الرجال (1/320)
[4] الجرح والتعديل (8/234)
[5] تهذيب الكمال (29/214)
[6] الثقات (5/417)
[7] نفس المصدر ( 2/307)
[8] سير أعلام النبلاء (5/ 77)
[9] الجرح والتعديل (3/124)
[10] نفس المصدر
[11] الطبقات (6/332)
[12] الجرح والتعديل (3/125)
[13] العلل ومعرفة الرجال (3/352)
[14] الجرح والتعديل (3/125)
[15] سير أعلام النبلاء (5/ 209)
[16] سير أعلام النبلاء (10/ 58)
[17] سير أعلام النبلاء (10/ 92 ـ 95)
[18] سير أعلام النبلاء (12/ 93)
[19] تاريخ بغداد (3/ 42)
[20] سير أعلام النبلاء (17/ 252)
[21] سير أعلام النبلاء (14/ 511)
[22] سير أعلام النبلاء (17/ 174)
[23] انتهى النقل من كتاب "ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي "(ص 326 ـ 344) مع التصرف والاختصار
[24] سير أعلام النبلاء (12/ 344)
[25] سير أعلام النبلاء (16/ 449)
[26] سير أعلام النبلاء (13/ 299)
[27] سير أعلام النبلاء (13/ 183)
[28] سير أعلام النبلاء (3/ 128)
[29] سير أعلام النبلاء (8/ 202)
[30] سير أعلام النبلاء (9/ 555)
[31] تاريخ بغداد (13/ 604)
[32] سير أعلام النبلاء (17/ 650)
[33] سير أعلام النبلاء (17/ 507)
[34] انظر كتاب "ضوابط الجرح والتعديل عند الحافظ الذهبي "(ص 307 ـ 313)
[35] سير أعلام النبلاء (5/ 271)
[36] سير أعلام النبلاء (16/ 285)
[37] المنتظم (17/279)
[38] الاستقامة (1/297 ـ 299)
[39] هذا هو المنهج الوسط القويم السديد في معاملة علماء الإسلام من غير الإفراط ولا التفريط ، فما وافقوا فيه الحق أخذنا به ، وما خالفوا فيه الصواب رددناه وتركناه مع حفظ كرامتهم وصون منزلتهم ، ونعتذر لهم لبلوغهم مرتبة الاجتهاد ، لا أن نسعى إلى تنجيس بحرهم بقطرة وقطرتين من النجاسة سقطت فيه ، ونهدر مكانتهم ، ونهدم جهادهم الذي لا يطيقه ويتحمله إلا الرجال العمالقة من أمثالهم .
يقول الإمام المحدث ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ مبينا ومقررا هذا المنهج عمليا مع الإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ: ( ... هل تستطيعون أن تحددوا لنا نوعية الكفر الذي كفر به أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ واستتيب منه , لا سبيل لهم إلى ذلك إلا ما رووه عن تلميذه أبي يوسف أنه قضى شهورا ربما ستة أشهر وهو على رأي المعتزلة في القرآن , فمن الممكن وأنا الآن أقول بتحفظ ، من الممكن أن تكون هذه الرواية يعني من طريق تلميذه أبي يوسف تكون صحيحة , ففي هذا الظرف الذي ألم بأبي حنيفة , هذا الوسواس وهو الشك في كون كلام الله عز وجل هو صفة من صفاته , وأنه بحرف وبصوت كما عليه أهل السنة وليس كما عليه الأشاعرة والماتردية الكلام النفسي الذي بيسموه الكلام النفسي ، ممكن في هذا الوقت لقوة شوكة أهل الحديث وأهل السنة في ذلك الزمان استطاعوا أن يأتوا به ويتوبوه ويحكموا على أن الذي يقول كلام الله مخلوق مثل الماتريدي أن هذا كفر فيستتاب منه ..., ولذلك نحن مثل هذه الرواية بلا شك نأخذ منها شيئا , يعني يأخذ على أبي حنيفة , لكن ما هو هذا الشيء ؟
لا نستطيع أن نأخذه من هذه الكلمة المجملة لأنها غير مفسرة , أظن جوابي واضح في هذا ؟
أنا بطبيعة حالي لا أدافع عن أبي حنيفة , لأني أراه أنه هو ليس من أهل الحديث يعني في الفقه , فيكفي أنه معروف أنه إمام أهل الرأي , لكن في الوقت نفسه أنا لا أريد أن أتحامل على الرجل ، وأن لا نعرف قدره وفضله في الفقه , لكن هذا أيضا ما يحملنا على أن نتعصب له ونتحمس له وأي رواية تروى فيها طعن فيه , نطعن في الرواة ولو كان البخاري ومسلم وأحمد إلى آخره كما يفعل متعصبة الحنفية في هذا الزمان , أبو غدة ومثاله , لكن نحن في الواقع نحاول أن نتأدب بقول الله عز وجل:{ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } فأنا مثلا لا أتعصب لأبي حنيفة وأنا الذي إن كان لي أن أفاخر ولا فخر في الإسلام , أنا الذي أشعت بين الناس وقامة قيامة المتعصبة أنه أبو حنيفة ضعيف في الحديث , العالم الإسلامي كان في غفلة منه , طبعا أنا ما جبت شيء من عندي , مكتوب , لكن من يقرأ هذا المكتوب , خاصة فيما يتعلق بأبي حنيفة الإمام الأعظم , فأنا كنت بفضل الله أول من أشهر موقف علماء الحديث بالنسبة للإمام أبي حنيفة في رواية الحديث , فهو ضعيف في الحديث , فقامت قيامة المتعصبة, لماذا ؟ لأنهم لا ينقدون بعقل وفكر ووعي ودين , وإنما بعصبية جاهلية , فهذه الجملة لا شك فيها طعن في أبي حنيفة , لكن ما يجوز نحن أن نكفره ، ما هو سبب التكفير؟
سبب التكفير مجهول, علما أنه الخلاف المشتد بين علماء الحديث من جهة , وعلى رأسهم ابن تيمية في عصره وبين المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من جهة أخرى , علماء الحديث أنفسهم لا يقولون فلان كافر , ممن يعرفون أنه حاد عن طريق السنة , ولذلك تجد الإمام البخاري يروي عن بعض المعتزلة ويروي عن بعض الخوارج ونحو ذلك من الحديث ، ويحتج بحديثهم , فلو كانوا هؤلاء بسبب انحرافهم في العقيدة عن خط السنة كفارا , ما روى لهم هذه الأحاديث ولا وافقوهم , فحينما يقال الشيء الفلاني كفر أو فلان كفر, إنما يعنون التحذير مما وقع فيه , ولا يعنون الختم عليه بأنه مرتد عن دينه , حاشاهم من ذلك ) .ا.هـ انظر سلسلة الهدى والنور (ش 56 / د1)
[40] سأتكلم - إن شاء الله - في ثنايا صفحات هذه الترجمة عن حقيقة صوفية الأمير عبدالقادر ، ويعني بها صوفية الفقهاء الذين عرفوا بالتنسك وسلامة المعتقد .
[41] آثار ابن باديس (1/ 15 ـ 16)
([42]) لقد أشاد الإمام محمد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ بثورة الأمير عبدالقادر وجهاده العظيم في كثير من المواطن من كتاباته ، وبيّن في ثنايا طياتها من خذل جهاد الأمير للمستعمر الفرنسي، مما يدل أن علماء الجزائر ، بل علماء العالم الإسلامي من المحدثين وغيرهم في عصر الأمير وبعده ، كان المجاهد العالم الأمير عبدالقادر يحظى من طرفهم إلا بعظيم التبجيل والاحترام ، وما طعن فيه إلا المتأخرون الذين استقوا مادة طعنهم من أخبار خريجي مدرسة الماسونية وفرنسا والغرب ، والنقول المصطنعة والمختلقة والمكذوبة والمقطوعة والمجهولة !!! ، كما سأبين ذلك في صفحات هذه الترجمة









 


رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:11   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي





[2] الوجيز في سيرة الأمير عبدالقادر لأبنائنا في المدارس النظامية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه الكرام
أما بعد : فهذا بحث وجيز مختصر في ترجمة السلطان المجاهد العالم العامل الشاعر الأمير عبدالقادر الجزائري ـ رحمه الله ـ أقدمه لأبنائنا الذين يدرسون في المدارس النظامية (الابتدائية ـ المتوسطة ـ الثانوية) ، ليستفيدوا منه في بحوثهم التي تطلب منهم عن أعلام الأمة الإسلامية وبخاصة الأمة الجزائرية ، وما حملني على هذه الإفادة ، هو أن ابني "أنسا" طلب منهم في المدرسة " السنة الأولى من المتوسطة" ، بحثا عن علم من أعلام الأمة الجزائرية ، فاستشارني في هذا الأمر ، فأشرت عليه أن يقدم بحثا عن سيرة الأمير عبدالقادر ، فتوجه أحد زملائه إلى مقهى من مقاهي الانترانت التي ابتليت بها الأمة الإسلامية ـ والله المستعان ـ ، فجاء ببضاعة مزجاة قد ملئت بالهراء والكذب ، تدل على أن صاحبها لا يحسن إلا اللصق والنسخ من مستنقعات الانترنت ، وأنه أجهل من حمار أهله ، وأن بغيته من هذا الصنيع المقذع ما هو إلا جمع المال .

فأجمعت أمري ، واستعنت بالله على تهيئة لأبنائنا هذا البحث المتواضع المختصر ليأخذوا منه بغيتهم من مورده العذب الزلال، فنسأل الله تعالى التوفيق والسداد وتحصيل المنال .

➖ فقلت ( بن سلة ) : إن الكلام عن أعلام وأمجاد الأمة الإسلامية ، هو كلام عن تراثها ، وإحياء لتاريخها العريق ، فالأمة تُعتبر وتوزن برجالها ، وتقوم وتبقى بأبطالها ، فالرجال هم روح الأمة ونبضات قلبها ، فالكلام عن الأمة الإسلامية هو كلام عن رجالها ، فسقوط الرجال ، هو سقوط الأمة ، ولهذا تجد أعداء الأمة الإسلامية يسعون في كل زمان وبما أوتوا من قوة وأقلام وألسنة وأفهام إلى إسقاط وتشويه رجال ورموز أمة الإسلام ، التي خلد الله ذكرها ، وأبقى خيرها إلى قيام الساعة ما إن قامت وعملت بسنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم .

ومن أولئك الأمجاد الأبطال الذين رفعوا لواء الجهاد بالقلم والسيف ، وخلدوا تاريخا عظيما عريقا لهذه الأمة الإسلامية المجيدة ، وبخاصة الأمة الجزائرية الخالدة ، الأمير عبدالقادر الجزائري .
فالكلام عن هذا الرجل العظيم ، هو كلام عن تاريخ الجزائر العلم ، وكلام عن قيم الإسلام، وعن النهضة العلمية التي قام بها في الشام .
فالكلام عن عبدالقادر ، هو كلام عن جهاد فرنسا ، عدوة الإسلام واللغة العربية ، وعدوة القيم الحميدة ، والمبادئ المجيدة ، فالأمير قد أضر بفرنسا وبجيشها ، وأفسد عليها مخططاتها في بلاد الجزائر ، وفي الشام لما قامت فتنة الدروز ، بل نهضة الأمير عبدالقادر الجهادية قد أتت أكلها بعد وفاته ، وأثمرت ثمارا طيبة حينها .

جاء في مقدمة آثار الإمام عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله ـ :" تعتبر محاولة الأمير عبد القادر الفكرية من أهم المحاولات الجزائرية الحديثة في ميدان النهضة والواقع أن الأمير عبد القادر أول من أثار الضمير الشعبي الجزائري، وبذر بذوراً بقيت تنمو في القلوب، وتمتد جذورها في الأرض الطيبة التي يجدر بالعالم الإسلامي أن يفخر بها، ويسميها بحق أرض الشهداء وبجانب ما للأمير من ثورة سياسية فإنه أضاف إليها ثورة فكرية، تتمثل في تلك الأبحاث الدينية والتاريخية "

فالكلام عن الأمير ، هو الكلام عن النهضة العلمية التي قام بها في الشام ، إذ قد تخرج على يديه نخبة فاضلة من العلماء ممن خدم العلم الإسلامي من التفسير والحديث والفقه واللغة العربية والأصول خدمة عظيمة تعتز بها الأمة الإسلامية ، ووقفوا في وجه الاستعمار الصليبي الذي كان يجتاح المجتمعات المسلمة في ذلك الوقت وقفة صارمة ، نددوا بها مخططاته وفندوها ، وبينوا ما للإسلام من المزايا الحسنة والمصالح الرفيعة التي كان الاستعمار الغاشم المتوحش يسعى إلى طمسها وتخريبها .
ومن أبرز ممن تخرج على يديه المحدث طاهر السمعوني الجزائري ، والمحدث المؤرخ عبدالرزاق البيطار ، والمحدث المفسر الأصولي جمال القاسمي ، ومحب الدين الخطيب
وغيرهم من المحدثين والفقهاء والمفسرين والنحاة والشعراء ، فهؤلاء يعدون في النهضة العلمية الإسلامية منارة من مناراتها العالية البارزة ، تفتخر بهم الأمة الإسلامية ، لما قدموه كما قلت من الجهاد القلمي واللساني العظيم القوي الذي حطم حصون المستعمرات الصليبية وأزهق أباطيله ، ودفع الله بهم شره ووحشيته عن المجتمعات المسلمة حتى أضحت المجتمعات المسلمة تتمتع بحريتها واستقلالها وشخصيتها الدينية الإسلامية في ربوع أرضها ، وتتنفس عقيدتها السلفية من غير ضيق ولا حرج لمن أراد الله تعالى به الهداية والاستقامة ، وتعتز بأعلى صوتها بلغتها وعروبتها العربية ، فلا ينكر هذا إلا جحودا مجحفا ، أو متغطرسا مطفِّفا ، ونحن لما نقر ونثبت لهم هذه الخدمة العظيمة التي قدموها للإسلام ، فإننا لا نثبت لهم العصمة من الأخطاء ، فلكل جواد كبوة ، ولكل عالم هفوة ، ولله العصمة وحده ، فالخطأ يرد على كائن من كان مع حفظ الكرامة لمن كان له لسان الصدق في الأمة .
نعود على بدئ : فلولا للأمير عبدالقادر إلا هذه حسنة لكفاه شرفا وفخرا .

فالأمير عبدالقادر ، مثله مثل رجال الأمة الإسلامية العظماء من الأنبياء والصحابة والعلماء والصلحاء ، لم يسلم من ألسنة أعداء الإسلام في تشويه سمعته وتاريخه ، فقد نسب إليه بأنه ترك الجهاد خدمة لفرنسا !!
وأنه كان في منظمة ماسونية !! ، وأنه صوفي غالي ، وإلى غير ذلك من الهراء الذي ألصق به مما هو منه برئ براءة الذئب من دم يوسف ، فجهاده لأكبر إمبراطورية في زمانها ، ووقوفه في وجهها كالجبل الشامخ بسيفه وقلمه ينافي ما ألصقوه به .

وليكون في العلم أن هذه الإلصاقات التي نسبت إليه ، هي من صنع كُتاب الغرب الكافر ، الذين سطروا وخططوا سيرة الأمير عبدالقادر على مقاصدهم وأذواقهم، والمصيبة العظمى أنه قد أخذها عنهم بعض المسلمين مسلمة ، وأشاعوها في المجتمعات المسلمة وكأنها كتابة معصومة لا يجوز نقدها ، أو تبديلها ، أو النظر فيها ، وويحك ، وويل لك أن فعلت ذلك ، فسوف يشنع عليك وتمقت من طرف بني جلدتك ، قبل أن تصلك سهام خصومك من أعداء الإسلام الذين أرادوا أن يصبغوا الأمير عبدالقادر بهذه الصبغة وينسجوه على هذا الطراز !!

وليعلم أبناء الإسلام أن الغرب الكافر ما أراد بهذا المصنع الذي آلاته إلا الكذب والتحريف والتضليل والتلبيس إلا طمس ودفن تاريخ الأمة الجزائرية وإسقاط رموزها ، وإلا فبالله عليكم يا من تريدون وتسعون إلى إسقاط الأمير عبدالقادر ، ماذا تفعلون بالجزائر في العهد العثماني ؟ هل تمحونها من الوجود بما فيها من العلماء وشعبها الباسل المجاهد وشخصيتها الوطنية؟
وذلك إذا كان الأمير عبدالقادر الذي قدم أضعاف أضعاف مما قدمه ممن كان قبله في العهد العثماني تسعون إلى إسقاطه ـ وأنى لكم ذلك ـ ، فما قيمة للجزائر في العهد العثماني عندكم ؟!
لأنه إذا قمنا بعملية التقويم بين أهل العهد العثماني وبين الأمير عبدالقادر لوجدنا تقدما وتفوقا للأمير عبدالقادر على ممن سبقه ( 1) في القلم والسيف والسياسة مع ما كان فيه من الضيق والشدة وتكالب الأعداء عليه من كل حدب وصوب ، والتخذيل من القريب والبعيد ، وزد على ذلك أن دولته قد قامت على ضعف الدولة الجزائرية وتشتت أقاليمها وتشرد وتفتت شعبها ، ونهيك عن وحشية العدو الصليبي ـ الذي كان يواجهه ويحاربه ـ الذي جاء بجيش جرار مؤيدا ومشجعا من طرف الصليبية الأوروبية بأجمعها لنسف الشعب الجزائري المسلم من الوجود وذر رماده في البحر الأبيض المتوسط انتقاما لصليبيتهم ومخططاتهم، إذ كانت سياسة فرنسا نحو الشعب الجزائري هي الإبادة والمجازر الجماعية والأرض المحروقة وتدمير المدن والقرى واغتصاب ممتلكاته ، وحرب هوجاء عمياء على القرآن والسنة واللغة العربية ، وهذا لا ينكره أو يجهله كل من عرف تاريخ الجزائر ودرسه بالتمحيص والتفحص .

فإني في هذا المقام انتهز الفرصة وأشق قلمي على بعض الأسطر من هذه السيرة المتواضعة اليسيرة للأمير عبدالقادر ، باذر فيها نصيحة إلى أبناء الأمة الجزائرية ، إلى أن يدرسوا تاريخهم المجيد بالتمعن والتفحص ، ونطلب منهم نفض أقلامهم من غبار التقليد الأعمى والتبعية التي تدل على الخور والضعف وعدم الإنتاج والبناء المتين ، وأن يتحلى مداد صفحات كراريسهم بالتحقيق والتحرير المبني على المنهج العلمي القويم المنين ( 2)، وأن يعطر منه مسك الإنصاف والتقويم الرزين .
وليعلم أننا نحن المسلمون لما ندرس ونقرأ عن هؤلاء الأعلام والأبطال ونتصفح ترجمتهم ، ليس بغيتنا أن نتبرك بهم وبآثارهم ، فهذا عمل من لا خلاق لهم من أهل الضلال والبدع ، ولا أن نملأ فراغ وقتنا ، ونأكل باسمهم كما هو عليه كثير من الجمعيات الكاسدة والطرق الفاسدة ، بل ندرس سيرتهم ونتعطر بمنهجهم لنقتدي بمبادئهم السامية ونقتفي آثارهم الحميدة ونسير بسيرهم ونتخلق بأخلاقهم .

فهذا تنبيه لطيف وتذكير يسير ما لأعلامنا ورجالنا من الحظ في أنفسنا ، وما لهم من القيمة في أمتنا ، وأن الكلام فيهم هو كلام في شخص أمتنا ، وهذا الأمر جلي في الأمير عبدالقادر ، فبحق عليك يا أيها الشاب الجزائري المسلم أن تدرس تاريخ عبدالقادر وتعرف أيامه وأحواله ، وتفتخر بجهوده وأعماله ، وتعتز بنضاله ، وتترسم خطاه في الجهاد والنضال والعزيمة والتقوى والنزاهة .

✅نسب الأمير عبدالقادر : هو عبدالقادر بن محي الدين بن مصطفى بن محمد بن المختار بن عبدالقادر بن أحمد بن محمد بن عبدالقوي بن علي بن أحمد بن عبدالقوي بن خالد بن يوسف بن أحمد بن بشار بن محمد بن مسعود بن طاوس بن يعقوب بن عبدالقوي بن أحمد بن محمد بن إدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه

✅مولده ونشأته : قالت حفيدته الأميرة بديعة الحسني الجزائري في كتابها "الأمير عبدالقادر حقائق ووثائق"(ص 42) : ولد الأمير عام (1807م) في مزرعة القيطنة بوادي الحمام في ضواحي وهران ـ أي : في معسكر ـ ، ولقد ذكر هذه المعلومة كل من أرخ لهذا الرجل ، وتناقلت الأقلام كلمة " قرية القيطنة" ويبدو بديهيا أن ذلك المكان كان يغص بالبيوت المتراصة والأزقة التربية والأسواق وحوانيت الباعة والسكان الذين لا تربطهم أي قرابة أو نسب بالضرورة مثل أي قرية في العالم ، ولكن عندما تذكر الحقيقة ،يتبادر إلى ذهن القارئ أن هذا المكان كان يختلف عن مخطط القرى والواقع أن القيطنة كانت مزرعة حوت عدد قليل من الدور وسكانها كانوا من عائلة واحدة ، وأما العمال الزراعيون الذين كانوا يساعدون أصحاب هذه المزرعة ، فأكثرهم لم يكن مقيما فيها ، وإنما في أماكن مختلفة قريبة منها ، ويذكر المؤرخون : أن أحد أجداد الأمير عبدالقادر وهو سيد أحمد المختار هو من خطها عام (1204هـ) وزرع في واديها الخصيب الذي كانت تكثر فيها الينابيع الأشجار المثمرة ، وأسس فيها مدرسة وليس زاوية ومازالت آثارها باقية حتى اليوم ، فكان لهذه الطبيعة الغناء التي ولد الأمير بين أحضانها ، والتي تفتحت براعم طفولته فيها أكبر الأثر في نضوج عبقريته الشعرية وزرعت في أعماقه أهمية كبرى للتفكير بكل ما أبدعه الله سبحانه وتعالى في هذه الطبيعة .
وبعد أن أنهى المراحل الأولى من التعليم في مدرسة القيطنة أرسله والده للالتحاق بأخواته في معهد وهران وتونس الزيتونة وغيرها في فاس لاستكمال علومه ، فنهل من كل العلوم ولكنه لم ينس تلك الطبيعة التي نشأ في أحضانها والبيئة الإسلامية التي نشأ فيها ، فجعل لها الدور الأول في إستراتيجيته العسكرية والسياسية عندما أستلم حكم البلاد وقيادة المقاومة بعد تنازل والده له عن البيعة عام (1832م) ، وهو لم يكد يبلغ من العمر الحادية والعشرين وسرعان ما أصبح سلطانا لدولة أجبرت فرنسا على التعامل معها ندا لند وقائدا لجيش نظامي وقف في وجه أكبر دولة برية في العالم مدة سبعة عشر عاما ، وكان لدور الطبيعة التي أمره
الله بالتفكر فيها العامل الأساس في إستراتيجية الأمير .

✅مؤلفاته : أول كتاب ألفه عام (1833م) وأطلق عليه اسم "وشاح الكتائب وزينة الجند المحمدي الغالب" يتكلم عن قوانين دولته وكيفية تسيير نظامها .
ـ وله رسالة " المقراض الحاد لقطع لسان الطاعن في دين الإسلام بالباطل والإلحاد" ، يرد فيها على شبه أهل الإلحاد ويبين فيها محاسن شريعة الإسلام ، وهو في سجن أمبواز بفرنسا .
ـ وله رسالة "حسام الدين لقطع شبه المرتدين " محتواها الدعوة إلى وجوب الهجرة من دار الكفر إلى أراضي الإسلام ونصرة الدين وأهله .
ـ وله رسالة "ذكرى العاقل وتنبيه الغافل" وجهها إلى علماء فرنسة يدعوهم فيها إلى الإسلام
ـ وله عدة أسئلة بعث بها إلى علماء مصر والمغرب الأقصى يستفسر فيها عن أحوال تسيير دولته .
ـ وله عدة القصائد الشعرية في نصرة الدين والحث على النهوض بجهاد أعداء الإسلام وفي الأخلاق ، تتجلى فيها قوة البلاغة والأدب العربي الرفيع النقي .

وكانت مجالسه في الشام عامرة بالتوجيه والنصح وتدريس صحيح البخاري وغيره من العلوم ، وخدم العلم خدمة عظيمة لا يستهان بمقامها بماله ولسانه وجاهه، مع ما كان يتميز به من الحنكة الثاقبة والسياسة القوية في مواجهة الفتن التي كانت تحدث في الشام ، فيتصدى لها حتى تنطفئ وتندثر وتتلاشى ويخسأ أهلها .

فهذه بعض أعماله ومشاريعه التي قام بها والتي لم نأت عليها كلها وبتفصيل أحداثها وأحوالها ، إنما نبهت على بعضها تنبيها يسيرا مما يدل على ما له من غيرها ، نفع الله بها .
فهذا مما ثبت عنه وقام به ، أما ما لم يثبت عنه ونسب إليه ، فهو كثير كغيره من رجال الأمة الإسلامية الذين نُسب إليهم ما ليس من أعمالهم إما تشويها لسمعتهم أو خدمة لأغراضهم ومطامعهم ومما لهم فيه شهية .

✅فمما نسب إليه ولم يثبت عنه :
ـ كتاب " المواقف " وفيه من الهراء والأباطيل مما يتنزه عنه قلم الأمير عبدالقادر
ـ أيضا " مذكرات الأمير عبدالقادر " وهي من صنع جاك شوفالييه الفرنسي
ـ وأيضا " أسئلة دوماس"
ـ وأيضا نسب إليه عدة من الأبيات الشعرية فيها من الغلو والإتحاد والوحدة الوجود والركاكة في الصناعة الشعرية مما يتنزه عنه قلم الأمير عبدالقادر.

✅وفاته : توفي يوم السبت التاسع عشر من رجب سنة ثلاثمائة ألف ، والرابع والعشرين من أيار(مايو) سنة ثلاث وثمانيين وثمانمائة ، بعد مرض شديد أصابه ، ومع ما كان يقاسيه من شدة الألم ويعانيه في معالجته لم يظهر ضجرا ولا رأيته ـ هذه رواية ابنه محمد ـ تأوه قط ولا ترك الصلاة في وقت من الأوقات

➖قلت (بن سلة ) : هذه الرواية والحالة ذكرها محمد بن الأمير عبدالقادر الذي كان ملازما له في مرضه الأخير الذي توفي فيه ، انظر كتابه "تحفة الزائر"(2/247) .
وهذه الرواية نستنتج منها أن الأمير عبدالقادر ليس من أولئك الذين يتكلون على نسبهم الشريف في ترك العمل ، أو أنه من أصحاب الفناء والإتحاد والغلو في الشهود الذين عطلوا الأمر والنهي بقوله تعالى :{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر: 99] وَيُفَسِّرُونَ الْيَقِينَ بِشُهُودِ الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ، وَهِيَ الْحَقِيقَةُ عِنْدَهُمْ(3 )
حاشاه من ذلك ، فهو واقف عند الأمر والنهي في جميع أحواله التي مر بها في إمارته وفي سجنه وفي شامه وفي مرضه .
الأمير عبدالقادر يتنزه عن أولئك الذين نُقل خبرهم إلى الإمام العامل الجنيد ـ رحمه الله ـ إذ قيل له : أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ يَصِلُونَ إِلَى تَرْكِ الْحَرَكَاتِ مِنْ بَابِ الْبِرِّ وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ
فقال : إِنَّ هَذَا كَلَامُ قَوْمٍ تَكَلَّمُوا بِإِسْقَاطِ الْأَعْمَالِ عَنِ الْجَوَارِحِ ، وَهُوَ عِنْدِي عَظِيمَةٌ ، وَالَّذِي يَزْنِي وَيَسْرِقُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الَّذِي يَقُولُ هَذَا.ا.هـ
ثم بيَن حال أهل المعرفة الحقيقية ـ ولا نحسب الأمير عبدالقادر إلا منهم إن شاء الله ـ ، قال : إِنَّ الْعَارِفِينَ بِاللَّهِ أَخَذُوا الْأَعْمَالَ عَنِ اللَّهِ ، وَإِلَيْهِ رَجَعُوا فِيهَا ، وَلَوْ بَقِيتُ أَلْفَ عَامٍ لَمْ أُنْقِصْ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ ذَرَّةً، إِلَّا أَنْ يُحَالَ بِي دُونَهَا.
وَقَالَ: الطُّرُقُ كُلُّهَا مَسْدُودَةٌ عَلَى الْخَلْقِ، إِلَّا عَلَى مَنِ اقْتَفَى أَثَرَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَحْفَظِ الْقُرْآنَ، وَيَكْتُبِ الْحَدِيثَ لَا يُقْتَدَى بِهِ فِي طَرِيقِنَا هَذَا؛ لِأَنَّ طَرِيقَنَا وَعِلْمَنَا مُقَيَّدٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَقَالَ: عِلْمُنَا هَذَا مَشِيدٌ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.ا.هـ ( 4)
وسُئِلَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ: مَا الَّذِي لَا بُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْهُ؟ فَقَالَ: مُلَازَمَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى السُّنَّةِ، وَدَوَامُ الْمُرَاقَبَةِ (5 )

🌹وفي الختام ـ نسأل لنا ولكم الخاتمة الحسنة ـ هذا ما جمعته من سيرة الأمير عبدالقادر في هذه الأسطر اليسيرة ، وأحسبها أنها لا تفي بالغرض وبمقام الأمير من بداية نشأته إلى وفاته ، فهي تحتاج إلى كراسة ضخمة ، ونحن في طريق إلى إنجاز هذا المشروع الضخم بجمع معلوماته ، فهو يحتاج إلى وقت كثير ومجهود كبير ، ونحن في مشروعنا هذا وغيره نترسم خطى مقالة الأستاذ الكبير الجهبذ الأديب المجاهد محمود محمد شاكر ـ رحمه الله ـ:"ولهذه الفصول غرض واحد ، هو الدفاع عن أمة برمتها ، هي أمتي العربية الإسلامية ، فصار حقا عليّ واجبا أن لا أتلجلج أو أحجم أو أجمجم أو أداري ، ما دمت قد نصبت نفسي للدفاع عن أمتي ما استطعت إلى ذلك سبيلا "( 6) ، نسأل الله تعالى التوفيق والسداد ، والحمد لله رب العالمين .

كتبه الفقير إلى الله : بشير بن عبدالقادر بن سلة الحسيني المعسكري / الراشدية
تم اليوم : الأربعاء 15 صفر 1438 هـ / 16 نوفمبر 2016 م
الهامش :
( 1) ونحن في ذلك لا نهدر جهود أولئك الأبطال الفرسان الذي دمروا وحطموا بأقدامهم وخيولهم وأسطولهم جيوش الإسبان والتحالف الأوروبي الصليبي الذي كان يسعى في عدة من المرات إلى احتلال الجزائر ، وكان في كل مرة يخيب سعيه حتى سنحت له الفرصة عام (1830م) ووجد جوا مهيئا إلى ما أراد من احتلال الجزائر، والله المستعان .
(2 ) تدل هذه اللفظة على القوي والضعيف ، وأردْتُ بها أنا هنا " القوي" كما لا يخفى عليكم ، انظر "لسان العرب " (13/ 415) ، وغيره من معاجم اللغة العربية
( 3) "مدارج السالكين"(1/ 182)
( 4) "مدارج السالكين"(2/ 99 ـ 100)
( 5) "مدارج السالكين "(3/ 116)
( 6) أباطيل وأسمار (ص 10 ـ 11)










رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:15   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي




[3] جهود الأمير عبد القادر الحسني في بناء الدولة الجزائرية العربية السنية ، وبعث النهضة العلمية الحديثية

بسم الله الرحمن الرحيم

إن دولة الأمير عبدالقادر الجزائرية - رحمه الله - تأسست على الكتاب والسنة والبيعة على ذلك ، ولم تتقيد بأي فكر من أفكار الرجال ، أو أي طريقة من طرائقهم المصنوعة ، بل طريقته هي طريقة السلف الصالح في الحكم وتدبير شؤون حكومته .
جاء في كتاب ( تحفة الزائر في مأثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر )( ١/١٠٢ ) لابنه محمد باشا - رحمه الله - : ( ولما انقرضت الحكومة الجزائرية من سائر المغرب الأوسط واستولى العدو على مدينتي الجزائر ووهران .. قام من وفقهم الله للهداية وظهرت عليهم العناية من رؤساء القبائل وكبرائها وصناديدها وزعمائها فتفاوضوا في نصب إمام يبايعونه على الكتاب والسنة يسمعون لأمره ونهيه ويتابعونه في جميع أحواله .. فلم يجدوا لذلك المنصب الجليل إلا ذا النسب الطاهر والكمال الباهر رأس الملة والدين قامع أعداء الله الكافرين أبا المكارم السيد عبد القادر ابن مولانا السيد محيى الدين ..فبايعوه على كتاب الله العظيم وسنة نبيه الكريم ) ا.هـ
وقال عن أعمال حكومة الأمير ( تحفة الزائر ) (١١٨/١) : ( وبنوا ذلك على أساسات شرعية مؤيدة بنقول فقهية وأعمال سلفية ) ا.هـ
وقال المؤرخ أبو القاسم سعد الله - رحمه الله - في كتابه ( الحركة الوطنية الجزائرية ) : ( .. لأن دولة الأمير كانت دولة عربية سلفية شريفة لو انتصرت لكانت خطرا عظيما على مخططات الماسونية الصهيونية في الشرق )
وجاء في مقدمة آثار الإمام ابن باديس - رحمه الله - : ( والواقع أن الأمير عبدالقادر أول من أثار الضمير الشعبي الجزائري وبذر بذورا بقيت تنمو في القلوب وتمتد جذورها في الأرض الطيبة التي يجدر بالعالم الإسلامي أن يفخر بها ويسمها بحق أرض الشهداء ) ا.هـ

➖ قلت ( بن سلة ) : الأمير عبد القادر كان رجل دولة وديانة ودعوة ، فلقد طبق السنة النبوية ومنهج السلف الصالح في حكومته وقضائه والشورى ، وبين رعيته ، وفي نفسه ، فسيرته وأعماله تذكر بالرعيل الأول في الإمامة والديانة والدعوة والسياسة ، فهو لم يهمل شأن دولته ولا مصالح رعيته ولا الدعوة إلى الله ، فكان يدعو بحاله ولسانه ، فهو في الغزو والحالة هذه يتفقد أحوال دولته في الشرق والغرب كان ينتهز الوقت والفرص فيسمع صحيح البخاري على طريقة أهل الحديث الأوائل ، ويدرس العقيدة لجلسائه في المسجد ويحضر مجالسه الخاصة والعامة لسماع هذه الشروحات .

✅ ومن أكبر الإنجازات التي قام بها في الدعوة إلى الله وفي بيان العقيدة السلفية كتابة رسالته ( المقراض الحاد ) وهو في السجن في فرنسا واجه فيها أصحاب عقيدة الطبيعيين والإلحاد وأهل الكلام والتصوف المتكلمة الغلاة ، وبين فيها العقيدة السلفية بكل الوضوح .

✅ أما في الشام فلقد أسس مدرسة الحديث تربى فيها طلبته وأشهرهم : عبد الرزاق البيطار ، طاهر الجزائري ، جمال الدين القاسمي ، محب الدين الخطيب ، فهؤلاء هم رواد النهضة السلفية والحديث في العصر الحديث ، وهم رواد العروبة ، وتصحيح قضايا السياسة للأمة ، ولقد تأثروا بشيخهم الأمير عبد القادر وتبنوا منهجه ونهضته في تجديد الدعوة ومواجهة الاستعمار والتتريك ، وقاموا بنشر الدعوة السلفية هم وتلامذتهم من بعدهم الذين ناصروا دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ونشروا عقيدة الإمام ابن تيمية ، فالإمام ابو يعلى الزواوي وابن باديس والألباني حسنة من حسناتهم – رحمهم الله -

- ثناء علماء السنة على الأمير عبد القادر سلطان الجزائر :

١- قال الإمام ابن باديس : ( ولكن هذا المغرب العربي رغم التجاهل والتناسي من إخوانه المشارقة كان يبعث من رجال السيف والقلم من يذكرون به ويشيدون باسمه ويلفتون نظر إخوانهم المشارقة إلى ما فيه من معادن للعلم والفضيلة ومنابت للعز والرجولة ومعاقل للعروبة والإسلام ، ناهيك بالأمير عبد القادر المجاهد الجزائري وأبنائه الذين شاركوا مشانق جمال وثورة الغوطة وبحفيده الأمير خالد زعيم الجزائر الذي مات بمنفاه بالشام ) ا.هـ ، انظر ( آثار الإمام )(٤/١٤٤)

٢ - قال الإمام بشير الإبراهيمي : ( سنوات جهاد عبد القادر بن محيي الدين المختاري، ومقاومته الرائعة للفرنسيين، وبطولة ذلك الأمير، وصدق جهاده، وقوّة دفاعه عن الجزائر، وعظمته في العلم والرأي والحرب، ووقائعه التي انتصر في كثير منها على الجيش الفرنسي، كل أولئك أمور اشتهرت حتى غنيت عن البرهان، وحتى لقد شهدت بها فرنسا وقادتها قبل غيرهم.
وبعد تسليم الأمير عبد القادر خُيّر في محل الإقامة فاختار الشرق وانتقل بأهله وحاشيته إلى اسطمبول، ثم إلى دمشق مشتغلًا ببث العلم والقيام على أسرته وعلى المهاجرين الذين التحق به آلاف منهم، إلى أن مات بدمشق في شهر مايو عام 1883.)

٣-وجاء في مقدمة كتاب تاريخ الزواوة للإمام أبي يعلى الزواوي : ( أما دار الحديث فقد سمح الأتراك بتحويلها إلى خمارة فاشتراها الأمير عبد القادر وارجعها إلى سابق عهدها ، دار علم ويمكن الرجوع في ذلك إلى كتاب حلية البشر أما المدرسة الجقمقية فقد تولى الأمير نفسه التدريس فيها وتلميذه فيها الشيخ طاهر الجزائري )
وقال أبو يعلى الزواوي : ( واعتبروا - أي الزواوة - في الشام بالمغاربة وأظن أن ذلك بدهاء المرحوم الأمير عبد القادر ذلك الرجل العظيم الذي يعرف كيف يؤكل الكل الكتف ) ا.هـ

٤- قال القاسمي في الاستئناس لتصحيح أنكحة الناس ( ص ٢١) : ( هذا السيد المجاهد عبد القادر الحسني الجزائري الذي ملأت شهرة فضله الدنيا ) ا.هـ

٥ - عبد الرزاق البيطار فهو يعد من أبرز طلابه وقد أطال وبالغ في المدح والثناء على شيخه الأمير عبد القادر في كتابه حلية البشر ، فليرجع إليه

٦ - العلامة محمد بهجة البيطار قال في تعليقه على حلية البشر : ( العالم المجاهد الكبير وعين الشام وهامها وسيدها وهمامها )
ونشر رشيد رضا في مجلة المنار مقالة بهجة البيطار في ترجمة جده عبد الرزاق البيطار قائلا : ( لازم - أي عبدالرزاق - فقيدنا المرحوم الأمير وأخذ عنه الفصل بالعدل في القضايا العامة .. ولقد استفاد المرحوم من أخلاق السيد - أي الأمير - وآدابه حتى عد ثاني الأمير في حياته )

وصاحب كتاب ( دعاوى المناوئين لدعوة محمد بن عبد الوهاب ) نشر كلام العلامة بهجة البيطار في الهامش ( ص ١٠٩) فيه التنبيه على شهرة الأمير عبدالقادر

➖ قلت ( بشير ) : هذا الكتاب من مراجع تاريخ نجد ودعوة محمد بن عبدالوهاب عند علماء السنة في السعودية وغيرها ،فلو كان الأمير عبد القادر ماسونيا حلوليا عدوا لدعوة التوحيد وأئمتها ، فلماذا لم ينبه عليه في ذلك الكتاب مع أنه استقصى وجمع خصوم الدعوة من الحجاز والشام والعراق ومصر والمغرب الأقصى وذكرهم بأسمائهم ، ولكن الأمير لم يذكره معهم بل ذكر طلابه أنهم من أنصار دعوة التوحيد .

٧- رشيد رضا في مجلة المنار قال : ( الأمير عبد القادر له منزلة سامية في العالم ) ا.هـ

➖ قلت ( ابن سلة ) : هذه هي نظرة علماء السنة والحديث في الأمير عبد القادر ، فهؤلاء هم من حارب التقليد وغلاة التصوف الطرقية والتتريك والماسونية ، وقرر السلفية ، وكما ترى هم من أبرز تلاميذ الأمير عبدالقادر ، وهم من قام بالدعوة بعده ونشر علم الإمام ابن تيمية وابن القيم وعلم الحديث في الشام ومصر والمغرب والحجاز ، وقاموا بمناصرة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ، والوقوف مع دولة آل سعود والنصح لها .

أما مدرسة المستشرقين من بريطانيا وفرنسا فقد نصبوا العداء للإمام الأمير عبد القادر وتظاهروا بالصداقة والأخذ عنه ، فصنعوا تاريخا للأمير على وفق مشروعهم الاستعماري التدميري ، فتأثر به الجهلة من المسلمين ممن يطعن في نزاهة الأمير وعلمه وديانته وعقيدته .

والحمد لله شاء الله تعالى أن نطلب علم العقيدة ، ونقف على منهج أهل الحديث وقوانينه فعرفنا الحقيقة ، فمن الغش للأمة أن نخفي هذه الحقيقة ، ولا نجبن أن نترك الصدع بها موافقة للجهل ، فالجاهل يعلم لا أن يسكت عن جهله ، ويُقر ما هو عليه من الضلال والانحراف ، ولله الحمد والمنة .

كتبه الفقير إلى الله : بشير بن سلة الجزائري











رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:18   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي




[4] بيان ما نسب وألصق بالأمير
عبد القادر الحسني الجزائري
من الأقوال والعقائد الباطلة


الحلقة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم .
كلما عظمت الشخصية الإسلامية في الأمة إلا وعظم وتضخم الكذب عليها ، كما هو الشأن في الأنبياء عليهم السلام ، وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن اتبعهم بإحسان ، وما ذاك إلا لتغيير مقصد دعوتهم ، وتحريف دينهم ، ولحد مسار وإبعاد أتباعهم عنهم ، أو للتنفير منهم ، فهذه هي بواعث الكذب على أهل الحق .
ومن أولئك الذين كذب عليهم ، وألصق به ما ليس من عقيدته ، ونسب إليه ما ليس من أقواله وكتبه ، المجاهد الإمام الأمير عبد القادر الحسني الجزائري - رحمه الله - ، فكم كذب على هذا الرجل الشريف !! ، وألصق به ما ليس منه !!
فقد كثر الكذب على الأمير عبد القادر من عصره إلى يومنا هذا ، ما لم يكذب على غيره من العلماء وأهل الدعوة والإمارة في العالم الإسلامي ، وفي مصره .
ومن أعظم الكذبات عليه وأضخمها وأفسدها وأشرها :
١ - نسبة كتاب ( المذكرات ) إليه - أي : مذكرات الأمير عبدالقادر - : وهذا الكتاب ليس من إنتاج الأمير ، ولا من أقواله ، ولا يصح نسبته للأمير ، والاستدلال به ، والأخذ منه ما يخص الأمير عبد القادر .
قالت الأميرة بديعة : ( مصدر المذكرات هو فرنسي جاك شوفالييه )
وذكرت أن المخطوط فيه أخطاء لغوية وتاريخية كثيرة لا تمت بصلة للأمير عبد القادر ، وقد أهتم به الفرنسيون .
وقالت : ( ولا أدري لماذا تصل بنا ثقافتنا نحو كل ما يقدم لنا من محتلي بلادنا سابقا ؟! )
وقالت : أريد من هذا المخطوط هدم أعمال الأمير وعقيدته وتشويه سمعته .
وقالت : أرادوا منه الاعتراف بأن الجزائر أصبحت مملكة لفرنسا ، وليست أرض محتلة ، وجعلوه في هذا الكتاب يمدح ويثني على فرنسا ، ويذم ويسب الشعب المغربي وكأنه ليس منهم .
وقالت : ( مع العلم أن الأمير لم يخط بخطه ولو سطرا واحدا بهذا المخطوط الذي خطط لغايات سياسية استعمارية واضحة المعالم .. فهل المكتبة الوطنية في بلادنا بحاجة إلى مثل هذا المخطوط المفبرك ؟! ) .

٢ - نسبة كتاب ( المواقف ) إليه ، فقد ذكرت الأميرة بديعة وخلدون بن مكي حفيد الأمير ، أنه لا يصح نسبة هذا الكتاب إلى الأمير ، إنما أريد منه إلصاق مذهب ابن عربي ووحدة وجوده بالأمير ، مع ما فيه من الأحاديث الموضوعة ، والأخطاء الجسيمة في العقيدة والتفسير يتنزه منها معتقد وعلم الأمير عبد القادر .
بل في هذا الكتاب - المواقف - ما يبطل القول بأن الأمير عبد القادر يقول بالحلول ووحدة الوجود، إذ جاء فيه قوله : ( واحذر أن ترميني بحلول أو اتحاد أو امتزاج أو نحو ذلك، فإني بريء من جميع ذلك، ومن كل ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ) .
وهذه حجة على من نسب وحدة الوجود إلى الأمير ، وأنه من اتباع ابن عربي ، بهذا الكتاب .

وإلا فنحن في غنية عن هذا الكتاب ، وما فيه من الأباطيل والهراء ، والأمر كما قال خلدون بن مكي عن علم الأمير ومصدره : ( وما كان يذكره العلماء والشيوخ عن عقيدة الأمير وفكره ومشربه ، كان مأخوذا من حاله التي عرفوها وعاينوها ، أو من رسائله وأجوبته التي بين أيديهم ، ولم يرد عن أحد من العلماء المعاصرين له من جميع أصقاع المعمورة ، أنه كان قائلا بوحدة الوجود أو يدافع عنها ، أو أنه ينتحل مذهب ابن عربي الفلسفي ) .

٣ - نسبة الشعر الذي يدعو إلى وحدة الوجود والحيرة إليه ، وإلى غير ذلك من الضلالات .
قالت الأميرة بديعة : ( وفي هذا العصر تمسّك بإصرار عجيب كتّاب وأكاديميين وأصدروا المجلات كمجلة " مسالك "التي تصدرها المؤسسة التي نسبوها إلى اسمه وأقاموا الندوات على مستوى الجامعات عن تصوّف هذا المجاهد الكبير، وأصدروا كتباً ككتاب " الحياة الروحية للأمير عبد القادر" ، في هذا الكتاب وصفه الدكتور ركيبي بالأمير الحائر مستنداً إلى أبيات شعرية لا تمت بصلة إلى الأمير الشاعر المبدع التقي الصالح المؤمن الذي قدّم قصائد شعرية تشهد على قوة إيمانه وعقيدته وعدم حيرته أو ضلاله، لأن الحيرة ضلال كما ذكر الأمير عبد القادر في كتابه " المقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالكفر والإلحاد" ) ا.هـ

➖ قلت ( بن سلة ) : هذه بعض التنبيهات على ما نسب إلى الأمير من كتب وأقوال وهي ليست من معدنه ، وكما تعلمنا من مدرسة الحديث والأثر ، أن نقد الرجال والمناهج والكتب يفتقر إلى قوانين علوم الحديث ، من ذكر الأسانيد ، وأقوال القوم التي تنسب إليهم ، من مصادرهم الموثوقة المشهورة عنهم من كتبهم وسماعهم ، وأن لا تنقل إلا عن عدول ثقات مشهورين بالعلم والعدالة لا عن المجاهيل والكذبة وأعداء الإسلام ، أما وأن نبني الأحكام على خيرة المسلمين في عصره ومصره ، من مصادر الكفار وفرنسا والمستشرقين ، ومن ينتحل مذهبا يخالف السنة يريد الانتصار له ، فهذا من الشطط والظلم ، ولا يعول عليه في ميزان نقد الرجال والمناهج كما هو معلوم من التحقيق العلمي السلفي .
كتبه : بشير بن سلة الجزائري











رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:21   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي



[5] بيان ما نسب وألصق بالأمير
عبد القادر الحسني الجزائري
من الأقوال والعقائد الباطلة

الحلقة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
مما اشتهر على ألسنة أعداء السنة ، فضلا
عن من يدعي محبته ونصرته من الأكاديميين والدكاترة وغيرهم ، قولهم أن عقيدة الأمير الجزائري عبد القادر أشعرية ، أي من نفاة الصفات المعطلة !!
وقد أخذ الناس هذا القول مسلما بدون بحث ، ولا تحرير وتحقيق ، ومعرفة ما مصدره ؟

فلما راجعت وقلبت ما وصل إلينا من كلامه الموثق الثابت عنه ، وهي الرسالة الوحيدة التي كتبها وخطها بأنامله في العقيدة والأخلاق ، رسالة ( المقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد ) ، حققتها حفيدته السيدة الأميرة بديعة الحسني .
وجدت أن عقيدة الأمير عبد القادر في هذه الرسالة هي عقيدة السلف الصالح أهل الحديث ، التي خالفها أهل الكلام ممن يدعي اتباع الإمام أبي الحسن الأشعري .
فالأشاعرة في الحقيقة هم اتباع ابن كلاب والمعتزلة ، لا لأبي الحسن الأشعري ، إذ الإمام أبو الحسن الأشعري كان أخر أمره رجوعه إلى عقيدة السلف الصالح ، وإلى عقيدة الإمام أحمد بن حنبل كما وضح ذلك في كتابه (الإبانة) ، وكذا كان أخص تلامذته واتباعه على طريقة السلف الصالح في توحيد الصفات .

وعليه : إذا نسب الأمير عبد القادر إلى الأشعري فإلى مذهبه الأخير والذي استقر عليه ، وهو مذهب السلف الصالح .

فلا نطيل على القراء الكرام ونبين أهم الأصول التي قررها الأمير في رسالته ( المقراض ) التي تدعو إلى السنة ، والتي خالفها الأشاعرة المتكلمة :

الأول : مصدر التلقي :
قال الأمير عبد القادر مبينا مصدر عقيدته :
( وأذكر كلام الله سبحانه وتعالى ، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام التابعين والخلفاء الراشدين ، لأنها أمور مرتب بعضها على بعض ) ا.هـ

➖ قلت ( بن سلة ) : هذا أصل من أصول أهل السنة ، في تقرير عقيدتهم وأحكامهم ، وهو الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة ، قد خالفه الأشاعرة إذ أصل عقيدتهم واستدلالهم هو تقديم العقل على النقل ، وما أصله لهم ابن كلاب ، إذا أراد نصرة السنة والرد على المعتزلة بحجج عقلية .
قال الإمام السجزي في رسالته ( الرد على من أنكر الحرف والصوت ) : ( فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق العقل وهم لا يخبرون أصول السنة ولا ما كان السلف عليه ، ولا يحتجون بالأخبار الواردة ، ذلك زعما منهم أنها أخبار آحاد وهي لا توجب علما ) ا.هـ

الثاني : قال عن العقل ردا على الفلاسفة والأشاعرة : ( قسم الفلاسفة العقل إلى عشرة أقسام ولم يقدموا الدليل ، زعموا أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد والصادر هو العقل الأول ، وردي عليهم ...)
وقال عنه : ( العقل المهيأ لمعرفة الأشياء )
وقال عنه : ( لا ينكر الأسباب ولا المسببات ، قابل للاعتراف بمفهوم التكليف ، إذ لو لم يكن هناك تكليف لما كان جزاء أو عقاب ، أو السعي لطلب الرزق ، والعمل الصالح ، ولسادت الفوضى في المجتمعات الإنسانية )
وقال : ( العقل عند الإنسان إدراك وعلم وتمييز بين الجائز والمستحيل ) .

➖ قلت ( بن سلة ) : هذه هي مرتبة العقل في الشرع ، ولكن الأشاعرة المتكلمة غلوا في العقل وقدموه على الشرع ، وأضافوا له من الخصائص والحقوق ما ليس للشرع ، وما قرره الأمير الجزائري هنا هو عين ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في ( الفتاوى ) وغيرها من كتبه ورسائله .
قال ابن تيمية : ( وقد يراد بالعقل نفس الغريزة التي في الإنسان التي بها يعلم ويميز ويقصد المنافع دون المضار ، كما قال أحمد بن حنبل والحارث المحاسبي وغيرهما )
وقال في موضع أخر : ( العقل الغريزة التي جعلها في العبد التي ينال بها العلم والعمل )


➖ قول الأمير الجزائري : ( قسم الفلاسفة العقل إلى عشرة أقسام ولم يقدموا الدليل ، زعموا أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد والصادر هو العقل الأول ، وردي
عليهم ...)
هذا الكلام هو كلام الملاحدة ، والفلاسفة ممن ينتسب إلى الإسلام ، ممن عطل أفعال الله تعالى وصفاته ، وهدم الأسباب والإرادة والاختيار ، من الجبرية وغيرهم .
ولقد أجاد الأمير عبد القادر في الرد عليهم في هذه الرسالة – المقراض الحاد – ببيان عقيدة الأسباب وتأثيرها ، وإرسال الرسل ، وحكمة التشريع ويحتوي من أعمال الإسلام ، وصنع الكون وما هو عليه من النظام والإحكام .
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته التدمرية : ( أنه ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه، ولا بدّ له من مانع يمنع مقتضاه إذا لم يدفعه الله عنه، فليس في الوجود شيء واحد يستقل بفعل شيء إلا الله وحده، قال تعالى: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي: فتعلمون أن خالق الأزواج واحد .
ولهذا من قال: إن الله لا يصدر عنه إلا واحد ، لأن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد ، كان جاهلا، فإنه ليس في الوجود واحد صدر عنه وحده شيء، لا واحد ولا اثنان، إلا الله الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون، فالنار التي جعل
الله فيها حرارة، لا يحصل الإحراق إلا بها وبمحل يقبل الاحتراق، فإذا وقعت على السَّمَنْدَل والياقوت ونحوهما لم تحرقهما، وقد يُطلى الجسم بما يمنع إحراقه، والشمس التي يكون عنها الشعاع لا بد من جسم يقبل انعكاس الشعاع عليه، وإذا حصل حاجز من سحاب أو سقف لم يحصل الشعاع تحته، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا : أنه لا بدّ من الإيمان بالقدر، فإن الإيمان بالقدر من تمام التوحيد، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: " هو
نظام التوحيد، فمن وحّد الله وآمن بالقدر تم توحيده، ومن وحّد الله وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده. "
ولا بدّ من الإيمان بالشرع، وهو الإيمان بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، كما بعث الله بذلك رسله، وأنزل كتبه )
الثالث : قال الأمير الجزائري : ( وبواسطة العقل يدرك الإنسان الكثير من أخطاء الحواس ، أي إن المعرفة لا تكون بالإحساس وحده ، وإنما بالعقل والإدراك ... ولولا العقل لما تبين الخطأ من الصواب والخيال من الحقيقة ) ا.هـ
➖ قلت ( بن سلة ) : هذا فيه رد على المتصوفة المتكلمة الذين يعتمدون في إثبات الأحكام الشرعية على الذوق والكشف والإلهام والفيوض ، فيأتيك أحدهم فيهرف بالجنون قائلا :" حدثني قلبي عن ربي"! ، ولا يخفى على أهل السنة أن رؤوس المتكلمة هم متصوفة .
لقد وثق هؤلاء المتصوفة المتكلمة في حواسهم واستسلموا لها وإن كان مصدر نقولاتها من الخيال وتلبيس الشياطين ، وقدسوا المنامات والكشف والفيوض ! وفي مقابل ذلك طعنوا في المنقول ، وعطلوا المعقول .


كتبه الفقير إلى الله : بشير بن سلة الجزائري











رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:24   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي


[6] بيان ما نسب وألصق بالأمير
عبد القادر الحسني الجزائري
من الأقوال والعقائد الباطلة


الحلقة الثالثة : المجدد المربي الأمير عبد القادر الحسني الجزائري يزلزل المعتزلة والصوفية المتكلمة في أصل أصولهم ، ويهدم حصونهم .

قال الله تعالى : ( قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَٰنَهُم مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَىٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ )

➖ قلت ( بن سلة) : هذا حال أهل الشر والبدع والضلال في كل زمان ومكان ، أنهم أسسوا عقائدهم على الضلال والكذب ومخالفة السنن ، وعلى المكر والخديعة ، وإلصاق ضلالهم بخيرة الأمة ومرجعيتها ، للتلبيس والتمويه على العامة ، ولكن إذا عرض مقالاتهم وأقوالهم على ميزان الكتاب والسنة ، وخبر أمرها سقطت عليهم ، وانكشف أمرهم .
فكم لبست وكذبت الطرقية والمدرسة الفرنسية على الأمة الجزائرية ، وزعمت أن الأمير عبدالقادر على نهجهم في تقرير العقيدة ، ولكن شاء الله أن يظهر الحق ، وتظهر عقيدة الأمير الجزائري على حقيقتها التي تدل على شرف أصله ونسبه ، وعلى علمه وجهاده .
فمن يقرأ تاريخ الأمير وسيرته ، وينظر في أقواله الثابتة عنه ، من مصادرها الموثوقة الصحيحة ، سيقف على أن الأمير على عقيدة السلف الصالح في تقريرها والعمل بها ، والرد على من خالفها .
وقد بينت في ( الحلقة السابقة الثانية ) ، عقيدة الأمير في مصادر استدلاله ، وحكم العقل عنده ، مما خالف ذلك الصوفية المتكلمة.
وفي هذه الحلقة نبين عقيدة الأمير في الأسباب والعلة ، وهي من أهم المسائل التي خالف فيها المعتزلة وأفراخها من المتصوفة المتكلمة التي تنسب نفسها – زورا وكذبا - إلى الإمام
أبي الحسن الأشعري لأهل السنة .

الأصل الأول : رد الأمير على الصوفية في تعطيلها الأسباب وعدم مباشرتها .
قال في رسالته ( المقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد ) :
( عالم الأسباب : قال علماء الإسلام : من العرش إلى منتهى الشرع كله عالم الأسباب ) .

➖ قلت ( مقيده عفا الله عنه ) : ثم ذهب يجول ويصول ويقرر ويذكر الأدلة السمعية - أي : القرآن - والأدلة العقلية على تقرير هذا الأصل وهو في ذلك يرد على غلاة الصوفية ، وعلى النصارى التي زعمت وقالت : ( أن المسلمين لا يعترفون بالأسباب ) .
فأتى بما يكفي ويشفي من عجائب وأسرار الكون ، بما يتعلق من تقرير هذه المسألة ، ما يخرس ألسنة النصارى والفهامة ، مما يدل على تبحره في علوم الشريعة والطبيعة .
وفي ذلك هدم أصل الصوفية الغلاة من تعطيلها الأسباب والعبادات ، وما عابت النصارى المسلمين إلا من جهة الطرقية المتصوفة وزبالاتها ، فالقول الذي نسبته النصارى إلى المسلمين هو قول غلاة الصوفية ، والذي لا يمت بصلة للإسلام وأحكامه .
فبهذا الأصل المحدث عطلت الطرقية المتصوفة جهاد الكفرة ، وأسقطت أحكام الشريعة ، وميعت عقيدة الولاء ، وذهبت تدعو إلى وحدة الأديان الذي ينافي رسالة الأنبياء التي تدعو إلى الإسلام وتوحيده ، فوقعت في غلو الإرجاء ، وبدعة القدرية ، واستسلمت لمخططات الاستعمار والماسونية ، بل أصبحت منابرها بأراضي الأمة الإسلامية ولسانها !
ونطوي بيان هذا الأصل ما قرره الأمير عبدالقادر في رسالته هذه – المقراض الحاد- قائلا : ( قال حجة الإسلام الغزالي :" من قال بترك الأسباب يلزمه أن لا يحمي نفسه من العقرب ولا يزيل العطش بشرب الماء ولدغ البرد بلباس الجبة " .
فجميع الأسباب نظمها مرتب الأسباب والدليل على عدم الجواز بترك الأسباب وأنه ليس عملا من التوكل على الله ، ما يرى سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وصحابته ، عندما أرادوا السفر إلى بلاد الشام، وسمعوا بأن وباء قد انتشر فيها ، فعدل سيدنا عمر عن السفر ، فقال له صحابته : أتنفر من قضاء الله ؟! فأجابهم : " نعم أنفر من قضاء الله إلى قضاء الله " .
وقال العارف بالله ابن أبي جمرة في شرح صحيح البخاري :" ليس الكمال في ترك الأسباب لأن الله ربط الأسباب بالمسببات ، فالله خلق الداء ، وخلق لكل داء دواء ، فإن شاء الشفاء يسر ذلك الدواء "
فالاهتمام بالسبب أمر هام )

الأصل الثاني : رده على الأشاعرة المتكلمة في تعطيلها الأسباب وإبطالها للحكمة ، وعلى المعتزلة في مسألة ( الجوهر ) .

قال في رسالته ( المقراض ) بعدما ذكر الأسباب وتأثيره : ( وهنا دليل على خطأ من نسب الجهل إلى علماء الطبيعة المتقدمين .
وبيانه : أن الجوهر عند الفلاسفة وبعض المتكلمين ممكن موجود ، وعند المتكلمين حادث متميز بالذات ، قال الفلاسفة : الجوهر منقسم لخمسة : هيولى ، والصورة الجسمانية والنوعية ، والجسم ، والنفس ، والعقل .
وذلك لأن الجوهر إما أن يكون محلا لجوهر آخر فهو هيولى ، أو حالا في جوهر فهو الصورة ، أو مركبا منهما فهو الجسم ، أو لا يكون حالا ، ولا مركبا منهما فهو المفارق .
وقال المتكلمون : كل جوهر هو متحيز ، وكل متحيز إما يقبل القسمة سواء كان في جهة واحدة أو أكثر فهو الجسم ، أو لا يقبل القسمة وهو الجوهر الفرد ، وهذا عند الأشاعرة ، فأقل ما يتركب الجسم منه جوهران عندهم .
وأما عند المعتزلة : الجوهر إن لم يقبل القسم فهو الجوهر الفرد ، وإن قبل القسمة في جهة فقط فهو خط ، وإن قبل القسمة في جهتين فهو السطح ، وإن قبلها في ثلاث جهات فهو الجسم .
فالجوهر الفرد : المسمى بالجزء الذي لا يتجزأ ، لا كسرا لصغره ، ولا قطعا لصلابته ، ولا وهما لامتناع تميبزه ، ولا فرضا لاستلزام انقسام ما لا ينقسم )

➖ قلت ( مقيده عفا الله عنه ) : ثم قال – الأمير الجزائري - محققا ومقررا لقول أهل السنة في المسألة : ( والحقيقة لا يوجد شيء لا ينقسم ولا يتجزأ )

والذي قرره الأمير عبدالقادر هنا من مسألة تأثير الأسباب ، ومن نفي وإبطال من قال بالجوهر الفرد الذي منتهاه تعطيل صفات الله تعالى وأفعاله والمعاد والطبائع والحكمة والاستحالة ، هو عين ما قرره الإمام ابن تيمية - رحمه الله - في كتبه في رده على الفلاسفة والمعتزلة والأشاعرة المتكلمة
قال الإمام المحقق محمد خليل هراس - رحمه الله - في كتابه ( باعث النهضة الإسلامية ابن تيمية السلفي ) : ( وإذا رجعنا إلى ابن تيمية وجدناه ينكر أن يكون الجسم مركبا من الهيولا والصورة كما يقول الفلاسفة ، أو من الجواهر الفردة كما يقول المتكلمون ، بل هو يرى أن الجسم شيء واحد في نفسه ، وأنه إذا قبل التفريق والتجزئة ، فإنما يقبل ذلك إلى غاية يكون بعدها صغيرا جدا بحيث لا يقبل التفريق الفعلى ، بل يستحيل إلى جسم آخر كما يوجد في أجزاء الماء إذا تصاعدت فإنها تستحيل هواء ، والهواء إذا تصاعد استحال جسما آخر ، وهكذا تتصاعد الأجسام ثم تستحيل إذا تصاعدت أجساما أخرى .
وابن تيمية إن خالف الفلاسفة في القول بالصور النوعية المستلزمة لآثارها فهو يوافقهم في القول بتأثير الأسباب الطبيعية في مسبباتها ، ويرى أن الله إنما يخلق السحاب بالرياح وينزل الماء بالسحاب ، وينبت النبات بالماء ونحو ذلك ، وينكر أن تكون الطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها بل هو يرى أنها مؤثرة في مسبباتها لفظا ومعنى .
ويعيب ابن تيمية على الأشاعرة أنهم لا يثبتون في المخلوقات قوى الطبائع ويقولون إن الله يفعل عند الأسباب لا بها ، ويرى أن هذا القول يفضى إلى إبطال حكمة الله في خلقه)

➖ قلت ( بن سلة ) : الأمثلة التي ضربها الإمام ابن تيمية في تأثير الأسباب في مسبباتها هي عين الأمثلة التي ضربها الأمير عبد القادر وأتى بها في تقرير هذه المسألة ، فارجع يا أيها القارىء إلى رسالته ( المقراض الحاد ) ، لتقف على زيادة بيان المسألة ،فهي مبسوطة في الرسالة .

كتبه : أبو أنس بشير بن سلة الجزائري











رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:27   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي


[7] بيان ما نسب وألصق بالأمير
عبد القادر الحسني الجزائري
من الأقوال والعقائد الباطلة


الحلقة الرابعة : المجدد المربي الأمير عبد القادر الحسني الجزائري يزلزل المعتزلة والصوفية المتكلمة في أصل أصولهم ، ويهدم حصونهم

من أهم المسائل في أصول الدين ، والتي تكلم فيها أهل السنة وردوا فيها على المعتزلة والأشاعرة المتكلمة : ( مسألة النبوة ، والتحسين والتقبيح العقليان ) .

✅ فالأشاعرة عندهم العقل لا يحسن ولا يقبح ، وأن الله يشرع لمحض الإرادة لا لأجل حكمة ومصلحة ، فإنه يفعل لا لشيء ، وهذا مبني على تعطيل الحكمة عندهم والعلل كما بينت ذلك في الحلقة السابقة الثالثة .

✅ أما المعتزلة فالعقل عندهم يحسِّن ويقبِّح، ويستحق العقاب بذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه القيم ( درء تعارض النقل والعقل ) مبينا هذه المسألة بأوضح البيان : ( - طائفة تقول : إن الأفعال لا تتصف بصفات تكون بها حسنة ولا سيئة البتة وكون الفعل حسنا وسيئا إنما معناه أنه منهي عنه أو غير منهي عنه ، وهذه صفة إضافية لا تثبت إلا بالشرع وهذا قول الأشعري ومن اتبعه من أصحاب مالك والشافعي و أحمد كالقاضي أبي يعلى وأتباعه ، وهؤلاء لا يجوزون أن يعذب الله من لم يذنب قط ، فيجوزون تعذيب الأطفال والمجانين
- وطائفة تقول : بل الأفعال متصفة بصفات حسنة وسيئة وأن ذلك قد يعلم بالعقل ويستحق العقاب بالعقل وإن لم يرد سمع كما يقول ذلك المعتزلة ومن وافقهم من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم : أبي الخطابي وغيره
- وطائفة تقول : بل هي متصفة بصفات حسنة وسيئة تقتضي الحمد والذم ولكن لا يعاقب أحدا إلا بلوغ الرسالة كما دل عليه القرآن في قوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " ، وفي قوله : " كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير "
وهذا أصح الأقوال وعليه يدل الكتاب والسنة فإن الله أخبر عن أعمال الكفار بما يقتضي أنها سيئة قبيحة مذمومة قبل مجيء الرسول إليهم وأخبر أنه لا يعذبهم إلا بعد إرسال رسول إليهم ، وقوله تعالى : " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" حجة على الطائفتين ) ا.هـ

➖ قلت ( بن سلة ) : ما قرره الإمام أبو العباس الحراني هو الذي عليه علماء السنة قاطبة ، كما قرر ذلك أيضا تلميذه ابن القيم - رحمه الله - .
وهذا عين ما قرره الأمير عبد القادر الجزائري في رسالته القيمة ( المقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد ) ، من بيان الحكمة من التشريع ، وذكر تعلق الأسباب بمسبباتها ، وعلاقة العقل بالشرع .

قال الأمير عبد القادر : ( اعلم أن العقل وإن خصه الله تعالى بخصوصية الاطلاع على حقائق الأشياء والوصول إلى معرفته تعالى بالاستدلال بالعلم وأحواله ولكنه قاصر عن معرفة الطاعة والمعصية والحسن والسيئ إما أن يرجع إلى الملائمة والمنافرة للطبع كاستحسان الجميل والنفور من القبيح ، وإما أن يرجع إلى صفات الكمال والنقص كحسن العلم وقبح الجهل ، وما ذكر من الأشياء الحسنة المقربة إلى الله تعالى التي يترتب عليها المدح عاجلا والثواب آجلا كالإيمان والطاعة ، والأشياء المبعدة عن الله تعالى التي يترتب عليها الذم عاجلا والعقاب آجلا كالكفر والمعصية ، فلا يصل العقل إلى شيء من ذلك ولا يعرفه إلا بتعريف الله تعالى له .)

➖ قلت ( بن سلة ) : هذا فيه رد على المعتزلة ، فقيده يا أيها القارئ .

ثم قال الأمير الجزائري : ( وبيان كون العقل لا يعرف الطاعة من المعصية ولا يوجب هذه وينهي عن تلك ، فإن العقل لو أوجب الطاعة إما أن يوجهها لغير فائدة وهو محال ، فإن العقل لا يوجب العبث ، ولكنه لا يدرك الثواب أو العقاب )

➖ قلت ( بن سلة ) : هذا فيه رد على الأشاعرة الذين طعنوا في العقل ، فإن الأمير قال ( إن العقل لا يوجب العبث ) .
وعجبا من أمر الأشاعرة وتناقضهم ، فمن أصولهم ، بل مبنى عقيدتهم أن مصدر الأحكام والاستدلال عندهم هو العقل ، ولكن في هذه المسألة خالفوا أصلهم ، فعطلوا العقل .

◾المبحث الثاني من هذه الحلقة : مسألة النبوة .
قالت المعتزلة واجب على الله بعثة الرسل .

أما الأشاعرة فهي جائزة عندهم ، ولا يعرف العقل حسنها وضرورتها ، وأنها على أصلهم راجعة لمجرد المشيئة ولا يوجد هناك حكمة وعلة .
أما أهل السنة فالنبوة عندهم ضرورية والناس بحاجة إليها أعظم من غيرها ، وأنها ثابتة بالعقل ويرجع إثباتها للحكمة ، وليس إلى إيجاب شيء على الله كما تقول المعتزلة .

قال الإمام ابن تيمية في ( الأصفهانية ) : ( ثم المتكلمون من المعتزلة وغيرهم يوجبون النبوة على الله تعالى على طريقتهم في إيجاب ما يوجبون عليه )
وقال في الفتاوى : ( .. فيقولون أنه قد يعرف بالعقل أنه لا بد من إرسال الرسل وأن ذلك واجب في حكمه وحكمته ..
ومنهم من يقول لا يعلم شيء من ذلك إلا بالخبر وهذا قول الجهمية والأشعرية ، وذاك قول المعتزلة والكرامية والحنفية - الماتريدية - أو أكثرهم .
وأما أصحاب مالك والشافعي وأحمد فمنهم من يقول بهذا ، ولكن جمهور الفقهاء من السلف يثبتون الحكمة والتعليل )
وقال الإمام السفاريني في ( لوامع الأنوار) : ( أعلم أن حاجة الخلق إلى الرسل وبعثه الأنبياء ضرورية )
وقال : ( وقالت المعتزلة بوجوب ذلك على الله تعالى بالنظر إلى ذاته ، والحق أنه جائز عقلا في حقه تعالى واجب سمعا وشرعا ) .

➖ قلت ( بن سلة ) : ما قرره علماء السنة ابن تيمية والسفاريني من أمر النبوة ، هو عين ما قرره الأمير عبد القادر في رسالته
( المقراض ) ، قال : ( فالعقل لا يهتدي إلى الأفعال المنجية في الآخرة إلا بواسطة الرسل كما لا يهتدي إلى الأدوية المفيدة للصحة إلا بواسطة الأطباء ، فحاجة الخلق إلى الرسل كحاجتهم إلى الأطباء )
وقال : ( .. فكذلك مرض الجهل لا يمكن علاجه إلا بأدوية مستفادة من الرسل فمن لا يداوي جهله بمعالجة الرسل واكتفى بالعلوم العقلية تضرر كما يتضرر المريض بالغذاء غير المناسب له ومن يظن أن العلوم العقلية مناقضة الشرعية أخطأ )
وقال : ( وحيث ثبت هذا ، ثبت احتياج العقل إلى الرسول .. وإذا جاز هذا ولم يمنعه العقل )

➖ قلت ( بن سلة ) : لا أوضح من هذا البيان ، بهذا تعرف نقاء وسلامة عقيدة الأمير عبد القادر ، وعصمته عند عتبة عقيدة السلف الصالح التي خالفها المعتزلة والأشاعرة والطوائف المتكلمة .

ومن زلات وأخطاء الأشاعرة في هذا الباب قولهم أن النبوة تثبت إلا بالمعجزة
قال الجويني في الإرشاد : ( لا دليل على صدق النبي غير المعجزة ) .

➖ قلت ( بن سلة ) : وهذا خلاف ما عليه معتقد أهل السنة في تقرير ثبوت النبوة ، فالنبوة تثبت بالمعجزة وصدق النبي ، وعاقبة النبي ونصرته على عدوه ، وإخباره بالغيب وإلى غير ذلك من طرق إثبات النبوة وقد بينها الأمير عبد القادر في رسالته .

قال الأمير : ( وجاءت الرسل بما دل على صدقهم من معجزاتهم وجب تصديقهم في جميع ما أتوا به )
وقال : ( القول الثاني في إثبات الرسالة : أن نقول إننا لا نعرف أولا الحق والصدق في الاعتقاد ما هو فإذا رأينا إنسانا يدعو الخلق إلى الدين الحق ، ورأينا لقوله أثرا قويا في صرف الخلق عن الباطل إلى الحق عرفنا أنه رسول صادق واجب الإتباع ، وهذا الطريق أقرب إلى العقل )

➖ قلت ( بن سلة ) : قوله ( وهذا الطريق أقرب إلى العقل ) بعدما ذكر المعجزة فيه إشارة أنه يريد الرد على الأشاعرة المتكلمة بأوضح البيان .
قال الأمير أيصا مقررا طريقة إثبات النبوة :
( ومن علامة رسالته ما جمعه الله له من المعارف والعلوم وخصه بها من الإطلاع على جميع مصالح الدنيا والآخرة ...)
وقال : ( ومن علامة رسالته ودليل صدق أخباره بالمغيبات )
وقال : ( ومعجزة القرآن باقية ثابتة إلى يوم القيامة ، بينة الحجة لكل أمة ) ا.هـ

➖ قلت ( بن سلة ) : هل تجد أبين من هذا البيان في تقرير النبوة ؟ فهذا لا تجده إلا عند السلفي من مدرسة أهل الحديث ، شرق وغرب عند الطوائف الضالة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية والصوفية المتكلمة ، فتحلم ويعز عليك أن تجد هذا التقرير الذي قرره الإمام السلفي الأمير عبد القادر ، ثم يأتي السفهاء والجهلة ممن منتهى أحكامه التقليد الأعمى ولو من المدرسة الفرنسية والمستشرقين ! ، فيقولون : أن الأمير عبد القادر صوفي أشعري متكلم – أي من غلاتهم - !! والله المستعان .

كتبه الفقير إلى الله : بشير بن سلة الجزائري











رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:42   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي




[8] بيان ما نسب وألصق بالأمير
عبد القادر الحسني الجزائري
من الأقوال والعقائد الباطلة


الحلقة الخامسة : المجدد المربي الأمير عبد القادر الحسني الجزائري يزلزل المعتزلة والصوفية المتكلمة في أصل أصولهم ، ويهدم حصونهم

بسم الله الرحمن الرحيم
قد أظهر وأبان المجدد الأمير عبد القادر - رحمه الله - عن عقيدته في رسالته ( المقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد ) ، والتي تستمد أصولها من عقيدة السلف الصالح ، وصدع بما يخالف عقيدة الدولة العثمانية - اي : الماتريدية الصوفية - ، وبما كان عليه تلك المجتمعات في عهده من العقيدة - أي : الأشعرية الصوفية المتكلمة - ، ومن الإلحاد في المجتمعات الغربية الكافرة .
فأظهر العقيدة الإسلامية الصحيحة ، والأخلاق المرعية ، والعلوم الدنيوية التي تميز بها الإسلام .
فيصح أن نجعلها متنا تدرس في المدارس النظامية والمعاهد ، وفي المساجد ، وتلقن للطلبة ، فتعرف من خلالها عقيدة مؤسس الدولة الجزائرية ، بل عقيدة السلف الصالح والإمام أبي الحسن الأشعري .

ومن أهم الأصول التي ختم بها عقيدة الرسالة ، كلامه عن كلام الله تعالى لموسى عليه السلام ، وعن القرآن ، ونزول عيسى عليه السلام ، وعن المسيح الدجال ، وهذه الأصول قد اضطرب فيها المعتزلة والأشاعرة والخوارج ، وخالفوا فيها السنة ، وعقيدة السلف الصالح ، فنبين هذه الأصول على النحو التالي :

الأصل الأول : الكلام :
الكلام صفة من صفات الله تعالى الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع السلف .
قال الله تعالى : ( وكلم الله موسى تكليما )
قال الأمير عبد القادر عن موسى عليه السلام : ( رسالته كانت رسالة التوحيد ، فهو عبد الله ورسوله ، وكليمه ، أنزل الله عليه التوراة ) .
وقال عن القرآن : ( والقرآن تلقاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما هو متلو بكلماته وتراكيبه )
وقال : ( وأما القرآن فناظمه الله تعالى ) .

➖ قلت ( بن سلة ) : فهذا من أوضح اللسان ، وأبلغ البيان في الرد على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة المتكلمة فيما يخص أصل كلام الله تعالى .
إذ قالت الجهمية : الكلام ليس من صفات الله تعالى ، بل هو خلق من مخلوقاته ، يخلقه الله في الهواء أو في المحل الذي يسمع منه ، وإضافته إلى الله إضافة خلق أو تشريف مثل : ناقة الله ، وبيت الله .
وقالت الأشاعرة : كلام الله معنى قائم بنفسه لا يتعلق بمشيئته ، وهذه الحروف والأصوات المسموعة مخلوقة للتعبير عن المعنى القائم بنفس الله .
وقالوا : إن المعبر والمنظم لهذه الكتب السماوية هو جبريل عليه السلام ، وذلك أن جبريل فهم كلام الله النفسي القديم ، وقام جبريل عليه السلام بدوره فأفهم الرسول كلام الله القديم .
فيكون جبريل هو الذي عبر ونظم الكتب السماوية .
هذا هو مأخذ الأشاعرة المتكلمة ممن انحرف في عقيدة الكلام ، وشيخهم في ذلك ابن كلاب ، فهو أول من ابتدع الكلام النفسي ، وأن كلام الله تعالى لا يتعلق بمشيئته ، واتبعه في ذلك الأشاعرة المتكلمة ، ولكن محققي الأشاعرة وممن يرجع إليهم في مقالات الأشعري ، فإنهم لا يقولون بهذه المقالة المبتدعة ، ومن ثبت منهم أنه قال بها :
فإما أنه رجع عن هذا القول إذا ثبت ذلك عنه ، أو لم يقل به ، ومنهم : أبو الحسن الأشعري ، والحارث المحاسبي ، وأبو بكر الباقلاني .

قال الإمام أبو نصر السجزي في رسالته إلى أهل زبيد ( ص ٨٠ ) : ( اعلموا ـ أرشدنا الله وإياكم ـ أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري.. في أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً ذا تأليف واتساق وإن اختلفت به اللغات ... فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل وهم لا يخبرون أصول السنة ولا ما كان السلف عليه .. فالتزموا ما قالته المعتزلة وركبوا مكابرة العيان وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافة المسلم والكافر وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام وإنما يسمى ذلك كلاماً على المجاز لكونه حكاية أو عبارة عنه وحقيقة الكلام: معنى قائم بذات المتكلم )
من أولئك الأشاعرة الذين ينسب إليهم قول الأشاعرة المتكلمة في أن " كلام الله معنى قائم بنفسه لا يتعلق بمشيئته .." ، ألا وهو الإمام أبو بكر الباقلاني ، ولايزال من هناك من يصر على إضافة هذا القول إليه مع أنه رجع عنه !، وقرر عقيدة أهل السنة في كلام الله ، قال في كتابه ( الإنصاف / ص ٦٧ ) : ( اعلم أن الله تعالى متكلم ، له كلام عند أهل السنة والجماعة ، وأن كلامه قديم ليس بمخلوق ولا مجعول ولا محدث ، بل كلامه قديم صفة من صفات ذاته كعلمه وقدرته وإرادته ونحو ذلك من صفات الذات .
ولا يجوز أن يقال: كلام الله عبارة ولا حكاية)
وقال : ( اعلموا أن مذهبنا ومذهب أبي الحسن الذي سطره في سائر كتبه الكبار والمختصرات هو مذهب الجماعة وسلف الأمة وما مضى عليه الصالحون من الأئمة من أن كلام الله صفة من صفات ذاته غير محدث، ولا مخلوق، وأنه لم يزل متكلما، وذكر الحجة في ذلك‏ ) ، نقله الإمام ابن القيم في كتابه ( اجتماع الجيوش الإسلامية/ ج٢ص٣٠١)

فمن التلبيس والإضلال ، وعدم إنصاف الرجال أن ينسب إليهم مقالات قد رجعوا عنها ، أو لا تثبت عنهم ، أو يلحد في أقوالهم وتحمل على غير مرادهم ، فهذا من الظلم والجور وعدم العدل ، فكم ضل من الخلق بسبب عدم إقامة ميزان الحق ، وإدراك الصدق !!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( منهاج السنة النبوية / ج٦ص ٣٠٣) : ( وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب ، لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس ، ويتعذر على بعضهم )

➖ قلت ( بن سلة ) : تعبير الأمير الجزائري بقوله ( فناظمه الله تعالى ) يرد على الأشاعرة في ضلالتهم هذه ، وهو يجعل كلام الله تعالى حقيقة .
قال : ( والإنجيل المنزل كلام الله حقيقة )
وقال : ( فالتوارة والألواح كلام الله حقيقة )

إلا أنه ننبه على شيء ، يذكر ليعرف : أن الأمير عبد القادر - رحمه الله - خالف أهل الحديث في مسألة ، وهي قوله أن موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام هما من عبر عن كلام الله ، مما كان سببا في تحريف كتابهما ، فيكون قد خالف السلف في هذه الجزئية ، إذ لا فرق بين القرآن وبين التوراة والإنجيل فكلهم من عند الله ، إنما التحريف وقع في لفظهما أو معناهما ممن جاء بعدهما عليهما الصلاة والسلام وليس هذا مقام بيان ذلك ، وليرجع كتب العقائد والتفسير ليقف على كيف وقع التحريف للكتب السابقة .
وكما يقال " لكل جواد كبوة " ، فالعالم يصيب ويخطيء ، فالعصمة للأنبياء ، ما من عالم إلا ويصيب ويخطيء ، وقد وقع في زلات أئمة عظام في الحديث والتفسير كأمثال ابن حجر والنووي والسفاريني وغيرهم ، ولكنهم هم على خير كبير وعظيم ، نفع الله بهم الأمة الإسلامية - رحمهم الله -

الأصل الثاني : ذكر فتنة المسيح الدجال ، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام .

قال الأمير عبد القادر عن عيسى عليه الصلاة والسلام : ( وسينزل قرب يوم القيامة ، ويقتل الأعور الكذاب الدجال ، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ) ا.هـ

➖ قلت ( بن سلة ) : هذا أصل من أصول أهل السنة والحديث خالفهم فيه المعتزلة والخوارج والملاحدة .
قال المحدث شيخ الأئمة حمود التويجري - رحمه الله - في كتابه ( الفتن والملاحم ) : ( والحامل لأبي عبية على هذا التحريف إنكاره لما تواترت به الأحاديث من خروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان ، وقد تلقى رأيه هذا عن الذين أنكروا خروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة ) .
وقال الإمام السفاريني في كتابه ( البحور الزاخرة ) عن عيسى عليه الصلاة والسلام : ( قد أجمعت الأمة على نزوله ، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة ، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ) .

الأصل الثالث : حديث افتراق الأمة ، وذكر طوائف أهل البدع .
قال الأمير عبد القادر ذاكرا فرق الأمة : ( وافترقت بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على ثلاث وسبعين فرقة ، وأصول الفرق ستة : حرورية - أي : الخوارج - وقدرية وجهمية ومرجئة ورافضة وجبرية ، وانقسمت كل منها إلى اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنتي وسبعين ، وتمام الثلاث والسبعين الفرقة الناجية وهم أهل السنة ) ا.هـ

➖ قلت ( بن سلة ) : حديث افتراق الأمة ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي – وفي رواية - : هي الجماعة.) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم
فأهل البدع ودعاة التقارب يسعون للطعن في هذا الحديث النبوي ، وعدم ذكره ، والتكلف لدفنه ، والتشغيب حوله ، وهدم أصوله وما يترتب عليه من الأحكام والفقه الإسلامي الذي يعصم أهله من الفتن والإحداث ، فلا تكاد تسمعه على منابرهم ، ولا في مجالسهم العامة ، وإذا ذكروه ، خصوا الفرقة الناجية ما هم عليه من الحزبية الضيقة والخروج !
ففي كلام الأمير عبد القادر ما يقطع وينسف كذبهم إذ ذكر أن الفرقة الناجية هم أهل السنة ، وعلامة أهل السنة هي أخذهم بالسنة علما وعملا ، ظاهرا وباطنا ، وتحكيمها في العقائد والأعمال ، فمن لم يكن كذلك فليس من أهل السنة .
جعلنا الله وإياكم من هذه الفرقة الناجية في الدنيا والآخرة .

كتبه : بشير بن سلة الجزائري










رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:45   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي



[9] بيان ما نسب وألصق بالأمير
عبد القادر الحسني الجزائري
من الأقوال والعقائد الباطلة


الحلقة السادسة : بيان الفرية التي ألصقت بالأمير عبد القادر أنه حرق كتب الإمامين ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله

بسم الله الرحمن الرحيم
لانزال نجول ونصول ونسل قلمنا في بيان الشبه والافتراءات الباطلة التي ألصقت بالأمير عبد القادر الحسني الجزائري ، ومن أنكرها وأفضحها قولهم أن الأمير عبد القادر كان يتتبع كتب ابن تيمية وابن القيم ، يجمعها ويحرقها !!!

هذه الفرية كل عاقل يسمعها يضحك من غباوة أهلها وسفههم ، وتسلطهم على رموز الأمة وسلاطينها وعلمائها بالكذب والافتراء .
ولا ندري ما مصدر قولهم هذا ؟!
وأين وجدوه ؟!
ومن نقل لهم هذا الخبر عن الأمير الجزائري ؟!
فكل العلماء والشخصيات التي كتبت عن الأمير الجزائري سواء من محبيه ، أو من أعدائه وخصومه ، أو ممن يريد التكاثر بالتاريخ والأدب ، لم ينقل عنهم أنهم ذكروا هذه الحادثة ، فلا ندري من أين أتوا بها ؟!
وكما تعلمنا في مدرسة الحديث وعلومه ، أن إصدار الأحكام على الرجال والمناهج ، ونقد كتبهم جرحا وتعديلا ، يفتقر إلى أدلة ، وقول مصدق موثق عن أهله ، وممن ينسب إليه القول ، إما من كتابه أو قوله .
وهذا لا يوجد في هذه القضية الغريبة التي ألصقوها بالأمير عبد القادر .
فعلماء المالكية وسلاطين المغاربة أمروا بحرق كتب ابن عربي كالعلامة شرف الدين عيسى الزواوي المالكي وابن خلدون المالكي ، وأيضا أمروا بحرق كتاب " إحياء علوم الدين " لأبي حامد الغزالي ، وهذا من طرف السلطان علي بن يوسف بن تاشفين وكان ذلك بإجماع الفقهاء الذين كانوا عنده .
وكل هذا ذكر في كتب السير والتاريخ والتراجم ككتاب ( العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ) ، وكتاب ( المعيار المعرب ) ، لأن مثل هذا الحدث عن مشهور ، ومن مؤثر لا يجهل ، أو أن يهمل !

فأين النقل عن الأمير عبد القادر أنه كان يحرق كتب الإمامين ابن تيمية وابن القيم ؟!
ومثل هذه الحادثة ينقب عنها أعداء الأمير الجزائري بالمناقيش لإخراجها ، ويطيرون بها كل مطار لو ثبتت عنه ، بل ولو تحركت تهمة عنه منها ، لتوسعوا فيها وضخموها وزادوا فيها ونفخوا ، لتقبل وتروج !
بما أنها لا وجود لها ولم تثبت ، وأن واقع الأمير الجزائري وعلمه ونهضته على خلاف ذلك ، طرحها المستشرقون وفرنسا ولم تلتفت إليها ، وجاء الأغبياء ممن ينتسب إلى الإسلام فاختلقها من أوهامه شأن العنقاء المغرب ، وروجها في مواقع الانترنت ، والمصيبة العظمى ، والبلية الكبرى أن الذي يروج لهذه الكذبة هم يدعون السلفية التي أصولها أصول أئمة الحديث ؟! فكم شوهوا سمعة أئمة الحديث ؟! وهدموا أصول مدرستهم التي تبنى على علم وعدل .

➖ قلت ( بن سلة) : نهضة الأمير عبد القادر وعلمه تأبى إلا تعظيم علم السنة والحديث وأئمته المجددين وعلى رأسهم ابن تيمية
فالأمير عبد القادر كانت مجالس علمه في الشام على طريقة المحدثين السابقين الأوائل وهي العرض والسماع لم يكن يؤلف ، ففي تلك المجالس الحديثية تخرج علماء الحديث كطاهر الجزائري والبيطار والقاسمي ، ومنهم تلامذتهم وهؤلاء هم من خدم كتب ابن تيمية وابن القيم واستخرجوها للعالم ونوهوا بشأنها وأشادوا بعلومها ، وأصبحت نواة دعوتهم وتجديدهم للنهضة العلمية في المشرق والمغرب كما لا يخفى على أهل العلم .

فهذا التأثير والانبعاث منهم ما جاء إلا من وعلى لسان الأمير عبد القادر وتربيته لهم ، بل عائلة الأمير عبد القادر ما عرف عنها إلا إجلالها وتعظيمها لكتب الإمامين ابن تيمية وابن القيم .

قال د. خلدون بن مكي في الحلقة الأولى من رد الشبهات المثارة حول الأمير : ( لقد وُجد مجموع فتاوى ابن تيمية بتمامه تقريباً في دمشق ، موطنِ الأمير عبد القادر ومكان نفوذه وسلطته ، في المكتبة الظاهريّة غير البعيدة عن دار الأمير عبد القادر! فكيف يزعمون أنه أحرقها؟
أم أنهم سيقولون إنها فاتته ، إذن ماذا كان يحرق؟! وكيف لم يستحوذ عليها كما ادّعى السائح التركي ، مع أنها تحت يده في دمشق؟
إذن بعض كتب شيخ الإسلام كانت في بلاد الحرمين قديماً ، ولكن عُثر على معظم تراثه في دمشق! حيث كان يعيش الأمير عبد القادر ، وحيث كانت دار الكتب الظاهرية التي أنشأها ومدّها بالمخطوطات والكتب أحدُ ألمع تلامذة الأمير عبد القادر والمقرّبين منه إنه الشيخ طاهر الجزائري السمعوني السَّلَفي ، والأمير كان يمدّه بالمال والمخطوطات ، ومعظم المخطوطات التي كانت عند الأمير أعطاها للشيخ طاهر ، والمكتبة الظاهرية أُسِّسَت سنة 1879م يعني قبل وفاة الأمير بخمسة أعوام . والشيخ طاهر يُجلّ الأمير كثيرًا ورثاه بمرثيّة من أبدع ما قيل.
والذي أرشد الشيخ عبد الرحمن العاصمي إلى مجموع فتاوى ابن تيميّة ، هو الأمير عبد المجيد حفيد الأمير عبد القادر ، الذي كان أمينًا للمكتبة الظاهرية قرابة أربعين سنة!
وللفائدة فإن الأمير عبد المجيد هو الذي كان يقدم التسهيلات للشيخ المحدّث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ، أثناء وجوده في المكتبة الظاهرية .
وكان الأمير عبد المجيد يأخذ برأي الإمام ابن تيمية في بعض المسائل )

- وكان أحمد بن محيى الدين الأخ الأصغر للأمير وتلميذه يثني على ابن تيمية ويصفه بالعلامة المحقق الشيخ ابن تيمية ، ويترحم عليه .
ويقول عن ابن القيم : ( وما أحسن قول العلامة محمد بن أبي بكر المعروف بابن القيم الدمشقي الحنبلي في وصف الحور العين في نونيته المشهورة - رحمة الله عليه - ) ا.هـ

➖ قلت ( بن سلة) : هذا شأن ومنزلة الإمامين ابن تيمية وابن القيم عند عائلة الأمير عبدالقادر وطلابه .
وكما يعلم أن نونية ابن القيم هي في بيان اعتقاد أهل السنة والرد على المخالفين من الأشاعرة المتكلمة وغيرهم .
فلو كان هناك نفرة من الأمير الجزائري لهذين الإمامين لزرع حقده عليهم في قلوب عائلته وطلابه كما يفعل خصوم الإمامين فكل عصر ، وبكل مصر .
بل جاء الاستدلال بابن القيم في رسالة أجوبة التسولي على أسئلة السلطان الأمير الجزائري في الجهاد ، وتعد هذه الرسالة من مراجع حكومة الأمير عبد القادر وقانون دولته كما لا يخفى ممن عرف سيرة الأمير وحروبه ، فلماذا لا يضرب الأمير عبد القادر على ابن القيم ويحذف نصه إذا كان عنده من المتروكين كما هو صنيع أهل الحديث مع من لا يرجى عدالته وعقيدته ؟!
فبهذا يتبين فضيحة الكذبة التي ألصقت بالأمير الجزائري أنه كان يحرق كتب الإمامين ابن تيمية وابن القيم ، وهو ما عرف عنه إلا تعظيمه لأهل الحديث وعلمهم ، والحمد لله رب العالمين .


كتبه : بشير بن سلة الجزائري











رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:47   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي



[10] تساؤلات حول كتاب
( المواقف ) التي تنفي نسبته للإمام المجدد الأمير عبدالقادر الحسني الجزائري

أقول :

الوجه الأول : لماذا المستشرقون والمدرسة الفرنسية بعد وفاة الأمير عبد القادر تسعى وتتكلف لإلصاق كتاب ( المواقف ) به ؟!!!

الوجه الثاني : الكتاب ليس من تأليف الأمير ولا من خطه ، ولم يوجد أثره أو نسخة منه عند عائلة الأمير وخاصة طلابه .
فهو كما قال خلدون بن مكي : ( طبع أول مرة سنة ١٣٢٩ هـ أي بعد وفاة الأمير بـ" ٢٩" سنة طبعة محدودة جدا ووزع مجانا لبعض الجهات والأشخاص لا في المكتبات ، وطبع بمصر وبإشراف ونفقة امرأة مصرية ودون إذن من أحد ، وكان ذلك بعد وفاة أصحاب الأمير وتلامذته .
واعترض بعض علماء الشام وبعض رجال الأسرة على تلك الطبعة )
وقال : ( الثابت وباعتراف الخاني والذين ينقلون عنه أنه لا وجود لمخطوط بخط الأمير )

➖قلت ( بن سلة ) : وهذه المرأة يقال لها نبيهة هانم زوجة محمود باشا الأرناؤطي وشقيقة أحمد فؤاد عزت باشا عضو مجلس الشيوخ ، وعزيز عزت باشا سفير مصر في بريطانيا .

فما علاقتها بكتاب المواقف الذي ينسب إلى الأمير ؟ ولماذا هذا الحرص منها على طبعه ؟

الوجه الثالث : دار اليقظة أصدرت كتاب المواقف وذكرت في الصفحة الأولى : ( أنها كلفت لجنة من أكابر وأفاضل علماء دمشق بمراجعتها والوقوف على أصلها وتصحيحها )
فعلق عبد الرحمن الحسني حفيد الأمير على ذلك فكتب بخطه : ( من هي اللجنة العلمية التي قامت بالتصحيح والمراجعة يا حضرة الناشر الظالم ؟!)

الوجه الرابع : عبد المجيد الخاني وابنه محمد كانا مشهورين بانتصارهما لابن عربي ، والخاني هو من جمع المواقف وهو من رتبها ودونها حتى جمع لديه ثلاث مجلدات وأنه ذيل الجزء الثالث بعد وفاة الأمير عبد القادر .

➖قلت ( بن سلة ) : هذا يدل أنه كتبه بمعناه وبما فهمه هو ، ويزيد وينقص فيه ، ويحمل كلام الأمير على ما يريد هو .
مع أن مجالس الأمير الجزائري كانت في التفسير والحديث والفقه واللغة والأدب ، وهذا لم يأت في هذا الكتاب إلا ما كان من تصوف ابن عربي الذي ينزه منه علم وعقيدة الأمير التي عرف بها في رسالته ( المقراض الحاد ) .

الوجه الخامس : قال خلدون بن مكي : ( إن الناظر في كتاب الشيخ عبد المجيد الخاني يجد أن هناك خللا في كتاب المواقف المطبوع لأن الخاني عندما عرض بعض المواقف في كتابه " الحدائق الوردية " قمت بمقابلتها مع كتاب المواقف المطبوع فوجدت أن هناك خللا وسقطا تجاوز الأربع صحائف !!
إذن كتاب المواقف المطبوع لا يمكن الاعتماد عليه لأنه غير موافق حتى لنسخة الخاني الأصلية لهذا الكتاب ! )

الوجه السادس : ذكر خلدون بن مكي أن جواد المرابط أنه نقل عن عمه يوسف وهو معاصر للأمير عبد القادر أنه قال : أن الذي كان يحضر مجالس الأمير في داره هم : البيطار ومحمد الخاني والطنطاوي ، وأن جمع معلومات مجالس المواقف كان منهم جميعا .
ولكن عبدالمجيد الخاني ذكر أن ذلك الجمع كان إلا من والده محمد .
وأن مواضع مجالس المواقف كما قلنا كانت في شتى العلوم والفنون من الحديث والفقه والتفسير واللغة وعلومهم مع أن كتاب المواقف مادته كلها إلا في التصوف فأين العلوم الأخرى ؟! ولماذا لم يذكر غير أبيه ؟!

فهذا النوع من النقل فهو من الغريب الشاذ الذي يطعن فيه بحسب وضع قوانين علوم الحديث والرواية ، والعلم الموثوق كما قال الإمام مالك هو ما اشتهر على ألسنة أهله ، وتعدد مخارجه .
فكيف يتفرد الخاني عن أبيه هذه المسائل ؟!! أين النقل عن بقية تلاميذ وجلساء الأمير عبدالقادر ؟!!

الوجه السابع : في كتاب المواقف من التناقض والتضارب والكفريات والركاكة في الأسلوب ما يتنزه منه أصغر طلبة العلم فما بالك الأمير عبد القادر الذي عرف باللسان والعلم وسعة الإطلاع كما توضحه رسالته ( المقراض الحاد ) ، وخاصة أنه تربى في مدرسة القيطنة التي كانت مرجع الأمة الجزائرية ودولتها ، والمعروفة بالحديث والسنة والتفسير والفقه وشتى علوم الدين والدنيا .

الوجه الثامن : قالت الأميرة بديعة وهي ممن كانت حريصة على جمع تراث الأمير وخدمته ، وسماع أخباره ، وتتبع أحواله أنه لم تسمع من عائلتها أنهم تكلموا عن هذا الكتاب مطلقا ، أو نسبوه إليه ، مع أن دواعي نقله وذكره والافتخار به تقتضي ذلك .
فلماذا أُهمل ذكره في العائلة ، ولم يوجد أصله ، ولو نسخة واحدة منه ؟!

الوجه التاسع : ذكروا أن الأمير عبدالقادر لم يكن له الوقت الكافي ليتفرغ للتأليف لما كان من قيامه بمصالح المغاربة في الشام ، وإنما كانت له مجالس العرض والإسماع على طريقة المحدثين الأوائل .
ونقلت الأميرة بديعة أن الأمير كان يتمنى لو تسمح له الظروف والوقت لتأليف كتاب يرد فيه على بعض الكتب المنحرفة الضالة والعقائد الفاسدة ، اسمه ( الإعلام بأغاليط الأعلام ) .

➖قلت ( بن سلة ) : لا نبعد أن يكون هذا الكتاب على منهج رسالته ( المقراض الحاد ) التي رد فيها على المعتزلة وغلاة الصوفية والملاحدة الصهيونية ، وهو قد وقف على نظريات ابن عربي في تلك الفترة فلما لا يكون هذا الكتاب رد على ابن عربي وعلى التيارات المحدثة .

الوجه العاشر : الخاني الذي جمع كتاب المواقف كما عرفتم فهو من تصرفه ، ومن كان كذلك فهو يزيد في كلام إمامه وينقص ويحمله على ما يريده هو ويفهمه لا كما يريد إمامه ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) أن سبب ضلال أهل الكلام الذين ينتسبون إلى الأئمة أنهم نقلوا نصوص الأئمة بمعناها فحرفوا مفهومها وعقيدتها كما تريد أصولهم المبتدعة .
فلا يمنع أن يكون أصل المواقف سلك معه هذا المسلك .

على كل حال التحقيق العلمي ، وما أثبته أئمة السنة كعبد الرزاق البيطار والقاسمي وطاهر الجزائري وابن باديس والإبراهيمي وأبو يعلى الزواوي من ثناء وتبجيل للأمير عبد القادر يقضي بنفي نسبة كتاب ( المواقف ) إليه ، والحمد لله رب العالمين .

كتبه الفقير إلى الله : بشير بن سلة الجزائري











رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:51   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي



[11] ما حقيقة علاقة الأمير عبد القادر الحسني الجزائري بابن عربي الاتحادي ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
قد أزبد وأرغد غلاة الصوفية الطرقية ، بل بعض الجهلة الغوغاء ممن ينتسب إلى السنة فصاحوا وطاروا كل مطار بقولهم : أن سلطان الجزائر الإمام الأمير عبد القادر الحسني كان من اتباع ابن عربي ، وكان من الدعاة إلى معتقده وخليفته في المعتقد ؟!

أقول :
الرد على هذه الكذبة الملعونة والمقولة المطعونة يكون على الوجوه التالية :

الأول : مصدر مقولتهم هذه هو كتاب
( المواقف ) !
وقد عرف القراء من مقالاتنا ضعف هذا المصدر ، وأن كتاب ( المواقف ) مختلق لا يثبت نسبته عن الأمير عبد القادر ، فضلا عن ما فيه من العقائد الباطلة التي ألصقت بالأمير عبدالقادر.
فالذي يريد أن يثبت الحكم أن الأمير عبد القادر ينتصر لعقائد ابن عربي ، فنقول له : أثبت العرش ثم انقش

الثاني : لم يكن مذهب ابن عربي منتشرا مهتما به عند المغاربة وهذا لسببين :

١ - إنه كان يتبنى مذهب الظاهرية ولا يخفى على الفقهاء والمحدثين النزاع الذي كان بين المالكية والظاهرية عند المغاربة والتضييق عليهم

٢ - علماء المالكية قد حذروا من كتب ابن عربي كما جاء ذلك عن شرف الدين عيسى الزواوي وابن خلدون ، وأمروا بحرقها ، فهذا مما منع من انتشارها ، فلا يوجد ذكره في كتبهم ومعاهدهم في الجزائر .

الثالث : كتاب ( الفتوحات ) لابن عربي كان منتشرا في الشام ، وكان علماء الشام مهتمين بالنظر فيه ودراسته ، ويعلم ذلك من نظر في تراجم علمائها .
الأمير عبد القادر لما هجر وانتقل إلى الشام ، وقف على هذه الحقيقة ، وذكر حفيده خلدون بن مكي أنه لم ينظر إلى بضاعة ابن عربي ولم يلتفت إليها إلا بعد إقامته في الشام مدة (١٥) سنة .
وفيما يبدو أن هذا الالتفات منه لهذا الكتاب كان بعد طلب تلاميذته ومن يجلس إليه أن يشرح لهم بعض عباراته ويفسرها لهم لغربتها وألغازها وغموضها .
إذ عبارات ابن عربي لا يقف على حقيقتها ويفتت عباراتها إلا الجهابذة في العلم من طرز الإمام ابن تيمية وابن القيم وكان الأمير عبد القادر من هذا الطرز ، ولهذا اعتمد عليه علماء الشام في معرفة بضاعة ابن عربي .

وكان الأمر كذلك ، فلما نظر في مطبوع الكتاب المنتشر في الشام استغرب عباراته وعقائده فطلب من تلميذه محمد الطنطاوي أن يذهب ويسافر إلى ( قونية ) فيقابل النسخة المطبوعة بالنسخة المخطوطة الأصلية ، فكان الأمر أنه وجد الاختلاف بينهما .

➖ قلت ( بن سلة ) : هذا يدل على تحري الأمير عبد القادر لعقائد الكتب وعدم الاطمئنان إليها إلا بمقابلة أصولها للحكم عليها بعلم وعدل ، وهذا هو منهج أهل الحديث في الحكم على العقائد والملل والنحل وعلى رجالها ، وفي دراسة المخطوطات وتحقيقها .

الأمير عبد القادر لقوة علمه ، وسعة إطلاعه ، وتمكنه من الكتاب والسنة ومنهج السلف ، ومعرفة أقوال المذاهب والملل ، كان يرجع إليه في العقائد والسياسة ، وقد شهد له بذلك علماء الحديث في عصره .

الرابع : كتاب ( الفتوحات ) هو لم يكن من الكتب التي يجيزها الأمير عبد القادر لطلابه ، أو يدرسها ويشرحها في المجالس العامة ، بل كان يعرضه بعض طلابه عليه في مجالسه الخاصة في بيته ، وهذا بالطلب منهم لحل بعض ألفاظه ، فهذا يدل أن تلك المجالس من باب العرض ، وكانت من باب النقد وليس من باب الطلب ، ويعرف هذا الفرق أهل العلم والتحصيل ومن تغذى بالعلم من بدايته إلى نهايته وتمرس فيه ، وهو ما يعرف بالفقه المقارن ، فهذه مجالس النقد لا يجلس إليها إلا من تمكن من العلوم والعقيدة فيعرض عليه مقالات المخالف ويبين له الصواب منها ، أما المبتدئ فلا يقدم له إلا العقيدة السلفية الصافية النقية ، ولا يجوز أن يعرض عليه الشبه ثم يتكلف لبيانها والرد عليها ، فضلا أن تعرض في مجالس العوام ، والمجالس العامة ، فهذا يستهجن في باب التحصيل والدعوة .

على كل الحال فارجع يا طالب العلم إلى ما قاله عبد الرزاق البيطار والقاسمي في حلية البشر وطبقات الدمشقيين لتقف على هذه الحقيقة ، وأن تلك المجالس التي كان الأمير عبد القادر يعقدها مع طلابه فيما يخص بيان مسائل ابن عربي كانت في مجالس خاصة وليست للعوام

الخامس : كتاب ( الفتوحات ) صاحبه في باب الفقه كان متأثرا بابن حزم ويدعو إلى الاجتهاد ، ونفي التقليد والجمود ، فعلماء الشام في تلك الفترة وخاصة من كان يميل إلى الحديث ونفسه تتشوق إلى الاجتهاد ، وتتطلع لذلك ، ويريد قطع حبال التقليد وأسر الجمود ، كانوا يرون كل من يدعو إلى الاجتهاد وينفي التقليد يظن به أنه من اتباع ابن عربي في هذا الباب !

وإلا فالأمير عبد القادر ومشايخ المغاربة كأمثال أبي راس الناصري والتسولي وابن العنابي وغيرهم كانوا في أواخر العهد العثماني يدعون إلى الاجتهاد والرجوع إلى الكتاب والسنة ومحاربة التقليد والجمود .
ظهور الاجتهاد والدعوة إلى منهج أهل الحديث في ذلك العهد بدأ ينتشر في الشرق والمغرب العربي .

السادس : ابن عربي من يحسن به الظن ولا يدرس كتبه ويكتفي منها إلا بـ( الفتوحات ) ، ولا ينظر فيها بالتحري والتحقيق ويفتت عباراتها قد يغتر بابن عربي ، وهذه الحقيقة قد نبه عليها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -
قال في مجموع الفتاوى ( ٤٦٤/٢ ) عنه : ( وإنما كنت قديما ممن يحسن الظن بابن عربي ويعظمه لما رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثير من الفتوحات والكنة والمحكم المربوط والدرة الفاخرة ومطالع النجوم ، ولم نكن بعد اطلعنا على حقيقة مقصوده ولم نطلع الفصوص ونحوه ، وكنا نجتمع مع إخواننا في الله نطلب الحق ونتبعه ونكشف حقيقة الطريق فلما تبين الأمر عرفنا نحن ما يجب علينا ) ا.هـ
وقال مقدم كتاب ( إبطال القول بوحدة الوجود ونقض فصوص ابن عربي ) في مقدمته : ( ومع وضوح كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وقوة حجته ، فقد أحسن الظن به الكثيرون ، ومنهم من عرف بالعلم والمكانة كابن الزملكاني ) ا.هـ

السابع : ابن عربي الحلولي ليس بإمام عند المسلمين فهو من غلاة الصوفية ودعاة وحدة الوجود وتعطيل النبوة والشرع الإسلامي ، وعنده زندقة .

والإمام الأمير عبد القادر ليس من أتباع ابن عربي ولم يعرف بدراسته كتب ابن عربي والتتلمذ عليها كما نبهت في النقاط السابقة .

➖ وأيضا مما ينبغي أن ينبه عليه ، أن الأمير عبد القادر لم يوص أن يدفن بجانب قبر ابن عربي ، ولا درس عند مقامه .
قال خلدون بن مكي حفيد الأمير : ( إن الأمير قد اشترى أرضا بجانب مقبرة الدحداح القريبة من حي العمارة شمال الجامع الأموي وجعلها مقبرة وأوقفها على أسرته ولما ماتت أمه دفنها في وسطها وأوصى أن يدفن إلى جوارها ، وهذا ثابت ومشهور عند أفراد أسرته إلى اليوم .. ولكن عندما مات الأمير أشار بعض الشيوخ على أولاده أن يدفن إلى جوار ابن عربي وترددوا في الأمر إلى أن اجتمعت الآراء على دفنه بجوار ابن عربي ..) ا.هـ

➖ وأيضا مما ينبغي أن يتنبه إليه في هذا المقام لا يقال لفلان أنه من أتباع فلان أو أنه من مدرسته إلا إذا نصر أصوله ودعا إليها وقررها .
هل الأمير عبد القادر قرر أصول ابن عربي ودعا إليها ؟
الجواب : لا ، لأن من أصول ابن عربي
1- أنه يفضل الولي على النبي
2- يدعو إلى عقيدة التشبيه
3- يدعي ابن عربي أن فرعون مات مؤمنا
4- ابن عربي من منهجه تنقص الأنبياء والطعن فيهم
5- من عقيدة ابن عربي وحدة الوجود والحلول
6- ابن عربي لا يكفر من يقول : إن المسيح هو الله ، بل جعل الكفار يتلذذون بالنار
7- ابن عربي عقيدته تدعو إلى تعطيل الشرع والأسباب .

➖ قلت ( بن سلة ) : هل هذه عقيدة الأمير عبد القادر ودعا إليها ؟!
لماذا الكذب على الإمام الأمير عبد القادر السني الأثري الذي عرف بتقرير المنهج السلفي ومنهج أهل الحديث في رسائله بكل وضوح ، وهو من أسس مدرسة أهل الحديث في الشام وتخرج عليها عمالقة الحديث والسنة في هذا العصر الحديث .
في الخاتمة لم نر أي علاقة الأمير عبد القادر بابن عربي ، بل الأمير عبد القادر في رسالته ( المقراض الحاد ) قرر النبوة وتفضيلها ومحاسنها ، وبين فضائل الشرع وحسن العقل ، وأن الثواب لا يكون إلا بالأعمال ومباشرة الأسباب ، وأن حسن الشرع وثوابه لا يدرك إلا بالرسالة والعقل وليس بالذوق والكشف والخيال ، وكل هذا مما عطله ابن عربي في كتبه .
ابن عربي كان يدعو إلى الحلول والباطنية ويقدم أولياء الشيطان على أولياء الرحمن ، وهذا عين عقائد المجوس والصهيونية الباطنية ، وكل هذا رد عليه الأمير عبد القادر في رسالته ( المقراض الحاد ) وفي عدة رسائله ، والحمد لله رب العالمين .

كتبه : بشير بن سلة الجزائري











رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:54   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي



[12] مخرج كذبة إلصاق الإمام سلطان الجزائر الأمير عبدالقادر بابن عربي الاتحادي الحلولي !

أقول :
لم يكن في فترة تلاميذ الإمام الأمير الجزائري عبدالقادر ( طاهر الجزائري، جمال الدين القاسمي ، عبدالرزاق البيطار ) ، وعلماء الجمعية الجزائرية ( الإمام ابن باديس وإخوانه ) ، يشتهر ويعرف أن السلطان الأمير عبدالقادر من أتباع ابن عربي .
إنما هذه الفرية بدأت تنتشر بعد وفاة علماء الجمعية الكبار ، أي بعد استقلال الجزائر ، تفرغت المدرسة الفرنسية في التشكيك في أصل نشأة دولة الجزائر الحديثة، فربطت نشأتها وسلطانها الأمير عبدالقادر الهاشمي بابن عربي الاتحادي الحلولي .

➖ قلت ( بن سلة ) : والذي روج لهذه الفرية هو الفرنسي المستشرق ميشيل شودكفيتش النصراني الذي دخل إلى الإسلام كما يدعي من بوابة إحياء عقائد ابن عربي وخدمتها ، فمثله مثل الجاسوس ليون روش .
فهذا الشخص هو من روج لهذه الفكرة ونفخ فيها المؤرخ الفرنسي برونو إتيين !!

➖ قلت ( بن سلة ) : المدرسة الفرنسية تعلم أن ما تنشره عن الأمير عبدالقادر من العقائد المكذوبة ، لن يتقبله المجتمع الجزائري لأنها تتنافى مع فطرته وعقيدته .
فقد قال برونو إتيين : ( تبدو لي بعض مقولات الأمير غير مقبولة من قبل الإسلام التقليدي ، وكذلك الوطنيين الجزائريين يشككون في هذه الحياة الصوفية السرية ) ا.ه

قلت : يريد بهذه العقائد عقائد ابن عربي التي نسبوها إلى الأمير عبدالقادر، لن يقبلها الشعب الجزائري ، والأمر كذلك ، ولهذا يستعملون اللف والدوران والإجمال والتقية لما يتكلمون عن ناحية تصوف الأمير عبدالقادر .
وليعلم أن عقائد ابن عربي هي من مصنع دين النصارى المحرف كما قرر وحقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.

وهذا ابن عربي حتى أرباب التصوف العصري وشيوخه تحظر وتمنع العامة ، وطلبتهم ومريدهم من النظر في كتبه وقرأتها لأنها تفسد دينهم إلا النقاد والعلماء الكبار لهم النظر فيها كما صرح بذلك شيخهم محمد زكي إبراهيم المصري .

➖ قلت ( بن سلة ) : يا من تنسب السلطان الجزائري الأمير عبدالقادر إلى ابن عربي بناء على مصدر المدرسة الفرنسية والمستشرقين ، صحح مرجع دينك واستدلالك ! "أثبت العرش ثم انقش"
فمن كان دينه وأحكامه على الإسلام والمسلمين وعلى تاريخ المسلمين من النصارى واليهود فماذا بقي له من الإسلام ، فضلا أن يزبد ويرغد وينتفخ ، فيقول : أنا سلفي !!
يا مسكين ، أصول ديننا صحة الاستدلال ، وعدول النقلة ، "إنّ هذا العلم دين؛ فانظروا عمّن تأخذون دينكم ".
يا هذا ، هذا الميدان له رجاله " فَخَلِّ عَنْكَ العَنَاءَ، وَأَعطِ القَوسَ بَارِيَهَا ".

كتبه : بشير بن سلة الجزائري











رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 12:58   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي




[13] حقيقة قادرية الأمير عبد القادر وتصوفه

بسم الله الرحمن الرحيم .
قد أزيد وأرغد علينا الطرقية المتصوفة ، بل المدرسة الفرنسية ، وطاروا بها كل مطار بأن الأمير عبد القادر - رحمه الله - كان قادريا صوفيا !!
وللبيان هذه الشبهة وما فيها من المغالطة والمجانبة للحق ، نقول :

الوجه الأول : إن الطريقة التي ينسب إليها الأمير عبد القادر هي طريقة الإمام عبد القادر الجيلاني - رحمه الله - في التعبد والتنسك والزهد ، وكما يعلم عند أهل العلم أن طريقة الإمام عبد القادر الجيلاني كانت على السنة وقد حرص علماء السنة على معرفتها وشرحها ، حتى الإمام المحقق المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - شرح رسالة الجيلاني ( فتوح الغيب ) وكان ينقل من كتابه ( الغنية ) ليبين لاتباعه - أي : اتباع الجيلاني - عقيدته التي كانت على عقيدة السلف الصالح في الأسماء والصفات وعلى مذهب إمام السنة أحمد بن حنبل - رحمه الله - .
وكما يعلم أن الطرق والمناهج التي سلكها المتنسكة واجتهاداتهم هي من جنس اجتهادات الفقهاء ما لم تخرج عن السنة والكتاب ، فهي يسوغ التسمي بها ما لم يعقد عليها الولاء والبراء وتخالف الشرع .
قال الإمام ابن تيمية في الفتاوى ( ٣/٣١٦) : ( بل الأسماء التي قد يسوغ التسمي بها مثل انتساب الناس إلى إمام كالحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي أو إلى شيخ كالقادري والعدوي ونحوهم أو مثل الانتساب إلى القبائل : كالقيسي واليماني وإلى الأمصار كالشامي والعراقي والمصري .
فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بها ولا يوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفة كان .
وأولياء الله الذين هم أولياؤه : هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ) ا.هـ
وقال أيضا ( ١١/ ١٤) : ( .. وكذلك ما يذكر عن أمثال هؤلاء من الأحوال من الزهد والورع والعبادة وأمثال ذلك قد ينقل فيها من الزيادة على الصحابة رضي الله عنهم وعلى ما - في - سنة الرسول .. والتحقيق : أنهم في هذه العبادات والأحوال مجتهدون كما كان جيرانهم من أهل الكوفة مجتهدين في مسائل القضاء والإمارة ونحو ذلك .. والصواب : للمسلم أن يعلم أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وخير القرون القرن الذي بعث فيهم ، وأن أفضل الطرق والسبل إلى الله ما كان عليه هو وأصحابه ) ا.هـ

➖ قلت ( بن سلة ) : هل - والحالة هذه - يعاب على الأمير عبد القادر إذا لقن بعض كتب الشيخ الجيلاني وشروحاتها كما صنع الإمام ابن تيمية مع رسالته ( فتوح الغيب ) ؟
وهي على الطريقة السلفية ، وهي من كتب الرقائق والتعبد والأخلاق التي ينصح بها أهل العلم ، قبل التوجه لطلب العلم كما قال بعض الأئمة : ( من أراد الفقه والعلم بغير أدب فقد اقتحم أن يكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ) .

وهذا الذي نلتمسه في الواقع ، وعرفناه في مسيرتنا الدعوية أنه دخل بعض الشباب في العلم ، وأخذهم بعض مسائله بغير الآداب والتنسك ، فضلوا وأضلوا وانحرفوا وانقطعوا ، وتتطاولوا على العلم وأهله ، وأفسدوا وخربوا وكانوا أسوة سيئة في مجتمعاتهم ، والله المستعان

الوجه الثاني : لم يعرف عن الأمير عبد القادر ولا جاء في سيرته أنه كان يبايع على الطريقة القادرية ، أو كانت هي شغله الشاغل ، ويقدم الإجازات والأذكار فيها ، بل كانت حياته وتأسيس دولته على الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح ، ويوصي بذلك ويقرره في رسائله ويقدم الإجازات في صحيح البخاري ، وكانت كلمة التوحيد هي نقش جيشه ، ولم يذكر أنه كان يذكر القادرية أو يعقد عليها الولاء والبراء ويتعاهد عليها .
قال المؤرخ سعد الله في كتابه ( الحركة الوطنية ) : ( إن الأمير عبد القادر فوق الطرق الصوفية كلها ، أي إنه كان يعمل من أجل فكرة أشمل وهي الدين والوطنية ) ا.هـ
وقالت الأميرة بديعة نقلا عن جدتها زينب بنت الأمير عبد القادر أنها قالت عنه : ( كان والدي يردد أمامنا هذا البيت :
عليك بشرع الله فالزم حدوده
حيثما سار سر وإن وقف قف ) ا.هـ

أما إذا جئت إلى الدعوات الأخرى من التيجانية والأحمدية والرفاعية وغيرهم من الجماعات المبتدعة المعاصرة ، فشغلهم الشاغل هو البيعة على أصولهم ولرجالهم وتلقين أذكارهم المنحرفة المبتدعة ، فمثلا إمام الإخوان المسلمين حسن البنا لقن الطريقة الحصافية ووظائفها وأورادها وكان يواظب على الحضور حضرتها ، انظر كتابه ( مذكرات الدعوة والداعية )
وأيضا أبو الحسن الندوي الذي هو من كبار مشايخ التبليغ أنه كان يبايع على الطريقة الجشتية النقشبندية القادرية السهروردية ويعمل عليها ، وقد بايع على يديه في المسجد النبوي بعض طلبة الجامعة ، ولهم في ذلك أوراد وأذكار يتواصون عليها ، وهي مخالفة للسنة ، انظر كتاب ( القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ ) .

الوجه الثالث : الطريقة القادرية في الجزائر قد اخترقتها فرنسا واستعملتها لحسابها كما ذكر ذلك المؤرخ المحقق سعد الله - رحمه الله - في كتابه ( تاريخ الجزائر الثقافي ) والذي كان يحركها هو الضابط ريبورتر الذي يدعى " المواطن الصحراوي ) ، وهو من حصد الشعب الجزائري ، وكان يعمل في جهاز استخبارات الفرنسي ، انظر كتاب ( الأمير عبد القادر حقائق ووثائق ) .

➖ قلت ( بن سلة ) : هل هذه الطريقة والجنود الأوفياء لفرنسا تمثل الأمير عبد القادر ؟!! إذا كان عندك مسكة عقل فتبرأ من هذا الهراء ، أما إذا كنت من حزب فرنسا فلا حيلة لنا معك ، إلا أن نقول : قطع الله لسانك ، وكشف خبثك ومكرك أمام الأمة .

الوجه الرابع : ظهر في زمان الأمير عبد القادر ، في إقليم الجزائر محمد بن عبد الله البغدادي القادري وكان يدعي أنه من أحفاد الجيلاني ، وبدأ يجمع الناس حوله ، فما كان من الأمير عبدالقادر إلا أن يقمعه هو وأتباعه ويحصد ثورته وفكرته .
لو كان الأمير عبد القادر ممن يتعصبون للقادرية لقدم محمد بن عبد الله القادري على الدولة الجزائرية السنية ودخل تحت بيعة هذا عبد الله القادري حفيد الجيلاني ، تعظيما للطريقة القادرية ولأحفاد إمامها !
ولكن لم يكن هذا ، بل كان جهاد السلطان الجزائري الأمير عبدالقادر هو أن يلتحق وينضم جميع الشعب الجزائري بمدارسه ، وجماعاته ، وجمعياته ، وقبائله إلى وطنية الجزائر واحدة ، وقومية واحدة ، تحت راية واحدة ، وعد السلطان الأمير عبد القادر كل من عدى هذه الراية ، ولم يلتحق بهذه الوطنية الجزائرية من الخوارج ، ومن الخونة وعملاء فرنسا ، فكل من درس سيرة الأمير عبدالقادر الجهادية والفترة الجزائرية ، وقف ما كان من الأمير الجزائري من قمعه للمتمردين ، وتنكيله بالخونة ، ومن أظهرهم الطائفة التيجانية والبغدادي القادري .
فمن رسائل الدولة الجزائرية في التنديد ما كان من تمرد الخوارج ما كتبه الخليفة محمد بن علال ولي ولاية ( مليانة ) إلى الخوارج الذين انضموا إلى معسكر محمد البغدادي القادري الخارجي ، وجاء فيها بعد الحمدلة وذكر من خرج من القبائل : ( ... ومن والاهم ووافقهم على الخروج عن طاعة حضرة الأمير ، أنه لما بلغه أيده الله خبر عتوكم وشقكم عصى المسلمين بخروجكم عن الطاعة ومخالفتكم لأهل السنة والجماعة ، وإعلانكم بالعدوان ومجاهرتكم بالعصيان ، صدر أمره العالي المطاع بالله تعالى باعذاركم وانذاركم ، وبذل النصيحة لكم ،فإن رجعتم عن غيكم وارتكاب ما أداكم إليه جهلكم ومرض قلوبكم وضعف دينكم وجئتم إليه تائبين وعن أفعالكم الشنيعة مقلعين فذلك ، وإلا فإنه نصره الله يقاتلكم وينتقم بسيف الله ورسوله منكم ، ولا يخفى أنكم بانتقاضكم عليه وخروجكم عن طاعته التي أجمع عليها أهل المغرب الأوسط وبايعوه عليها صرتم ممن أباح الله دماءهم وأموالهم ، فالمقتول منكم مصيره إلى النار ، والمقتول من العساكر المحمدية المنصورة مآله إلى الجنة ، فيجب عليكم أيها الناس أن تتوبوا إلى الله تعالى وترجعوا عما أنتم عليه من الضلال وتعلنوا بالطاعة والدخول في سلك الجماعة ...)
وقال السلطان الأمير عبد القادر بعدما قمع خروج التيجاني برسالة إلى خلفائه : ( الحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده :
وبعد فإن الله تعالى منذ ولانا أمر المسلمين والنظر في مصالحهم لم نزل نجتهد ونسعى في تأليف قلوبهم على الاتحاد والخضوع لشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لقوله عز وجل :{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } .
وقد توجهنا هذه المرة إلى بلاد الأغواط لجمع كلمتهم وإصلاح فسادهم ، فاظهر عامة أهلها غاية الطاعة والانقياد إلا ما كان من التيجني ومن انتمى إليه فإنهم تجاهزوا بالشقاق وتظاهروا بالتصدي عن الوفاق فأمرناهم بالرجوع إلى الحق وحذرناهم من شق عصا المسلمين غير مرة وناشدناهم الله في صون دمائهم وأعراضهم ، فلم يرجعوا عن غيهم بل صمموا على قتالنا واستعدوا لمحاربتنا فخفنا أن أهملنا أمرهم من سريان هذا الفساد إلى غيرهم فيفوت المقصود الذي هو جمع الأمة على كلمة واحدة وطريقة متحدة ، فأخذنا في حصار حصنهم والتضييق عليهم ، ولما استشرفوا على الردى وكادت أن تعمل فيهم المدى طلبوا منا الأمان مع أنهم خدعونا مرات عديدة ، فمنحناهم الصفح الجميل صونا لدمائهم وحفظا لاعراضهم لقوله تعالى :{ فاعفوا واصفحوا } ...) ، انظر النصين في كتاب ( تحفة الزائر في مآثر الأمير عبدالقادر/ ج١ص ١٨٧ – ١٩٧)
➖ قلت ( بن سلة) : في هذين النصين أظهر البيان ما كان عليه السلطان الأمير عبد القادر من سعيه إلى إقامة دولة راشدة على أصول الخلافة الراشدة ، ليس غرضها إلا وطنية جزائرية واحدة ، فهو لم يخطر بباله هذه الطرق المحدثة ، ولم تأت رسومها بباله ، لما هي عليه من التفرق ومضادة الوحدة الوطنية الجزائرية ، فانتبه لهذا رعاك الله وأرشدك لطاعته ، وإدراك حقيقته .

الوجه الخامس : لماذا الطرقية الحلولية دائما تدندن إلا حول التصوف ونسبته إلى عظماء الأمة من الفقهاء والمحدثين والأمراء والعباد والزهاد وهم من أهل السنة في التوحيد والأسماء والصفات والعبادة كأحوال الجنيد وابن أدهم والجيلاني ؟
فلفظة التصوف ألصقت بهم وهم ما أرادوها شأن لفظة المالكية و الأحناف والشافعية والحنابلة ، هل أولئك الأئمة العظام أطلقوا على أنفسهم تلك الألقاب أم هي مجرد اصطلاحات أطلقها عليهم اتباعهم ؟

قرر الإمام ابن تيمية في الفتاوى في ( ١١ / ١٦ ) : ( أن التصوف هو طريق يسلكه العباد والزهاد مما فيه اجتهاد ، وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة وهي لباس الصوف ، وليس طريقهم مقيدا بلباس الصوف ولا هم أوجبوا ذلك ، ولا علقوا الأمر به ، لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال ، وإنما التصوف هو حقائق وأحوال ، فما وافق الشرع أقر ، وما خالفه رد على صاحبه ، وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم كالحلاج مثلا ) ، ونحو ذلك .
وقال في ( ١١ / ٧٠ ) : ( وأما المستأخرون: فالفقير في عرفهم عبارة عن السالك إلى الله تعالى، كما هو الصوفي في عرفهم أيضا ، ثم منهم من يرجح مسمى الصوفي على مسمى الفقير لأنه عنده الذي قام بالباطن والظاهر ، ومنهم من يرجح مسمى الفقير لأنه عنده الذي قطع العلائق ولم يشتغل في الظاهر بغير الأمور الواجبة ، وهذه منازعات لفظية اصطلاحية .
والتحقيق بأن المراد المحمود بهذين الاسمين داخل في مسمي الصديق والولي والصالح ونحو ذلك من الأسماء التي جاء بها الكتاب والسنة، فمن حيث دخل في الأسماء النبوية يترتب عليه من الحكم ما جاءت به الرسالة ، وأما يتميز به مما بعده صاحبه فضلا وليس بفضل أو مما يوالى عليه صاحبه غيره ونحو ذلك من الأمور التي يترتب عليها زيادة الدرجة في الدين والدنيا ، فهي أمور مهدرة في الشريعة ، إلا إذا جعلت من المباحات كالصناعات فهذا لا بأس به بشرط ألا يعتقد أن تلك المباحات من الأمور المستحبات .
وأما ما يقترن بذلك من ألأمور المكروهة في دين الله من أنواع البدع والفجور فيجب النهي عنه كما جاءت به الشريعة، ) ا.هـ

➖ قلت ( بن سلة ) : فهذه هي نظرة الإمام المجدد الأمير عبد القادر للتصوف ، وهي عين نظرة كل علماء السنة في جميع الأعصار والأمصار ، فالكبار من الفقهاء والمحدثين من أهل السنة نسبوا إلى التصوف بهذا المصطلح ، فالعبرة بأعمالهم وأقوالهم ومعتقداتهم ، فمن كان على الطريقة السلفية فهو من أهل السنة ، وأما من كان يعتقد وحدة الوجود ويدعو إليها ويقررها ويدعو إلى الحلول ووحدة الأديان والقبورية وتعطيل الشرع والأسباب ، والغلو في الدين ، ويقدم الأولياء على الأنبياء ، ويقدم أذكاره على القرآن وأصوله على أصول السنة ، فهذا ليس سلفه عبد القادر الجيلاني والجنيد ، وهو ليس من تلك المدرسة وإن نسب نفسه إليها ، كما هو الشأن في المعتزلة والأشاعرة الكلابية المتكلمة الذين انتسبوا إلى الأئمة الأربعة وإلى الإمام أبي الحسن الأشعري ، وهم على غير عقيدتهم ، وعلى غير أصولهم ، فتنبه يا أيها المسلم لذلك ، بصرك الله بخبث ومكر أهل البدع والأهواء

كتبه : بشير بن سلة الجزائري











رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 13:19   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي


[14] الفلاسفة الدهرية الحلولية

قال عنهم الإمام الأمير عبد القادر : ( ومنهم من يقول بالمحسوس والمعقول ، ولا يقول بحدود وأحكام ، وهم الفلاسفة الدهرية القائلون لا إله للعالم إنما هي أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكنا إلا الدهر ) ا.هـ ، انظر قسم الأجوبة من كتاب ( تحفة الزائر ) .

➖ قلت ( بن سلة ) : هذه هي العقيدة التي عليها الشيوعية وغلاة الصوفية المتكلمة ممن يقول بالاتحاد ووحدة الوجود أتباع
ابن عربي ، بل هي عقيدة فرعون التي دافع عنه ابن عربي ، وذهب ينتصر له !!
ومن ذلك قوله عن فرعون أنه مات مؤمنا ، وقبض طاهرا مطهرا !!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ذاكرا مقالة ابن عربي في ( مجموع الفتاوى / ج٢ص١٢٥) :
(وَيَكْفِيك مَعْرِفَةً بِكُفْرِهِمْ: أَنَّ مِنْ أَخَفِّ أَقْوَالِهِمْ أَنَّ فِرْعَوْنَ مَاتَ مُؤْمِنًا؛ بَرِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ كَمَا قَالَ: وَكَانَ مُوسَى قُرَّةَ عَيْنٍ لِفِرْعَوْنَ بِالْإِيمَانِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِنْدَ الْغَرَقِ فَقَبَضَهُ طَاهِرًا مُطَهَّرًا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْخُبْثِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عِنْدَ إيمَانِهِ قَبْلَ أَنْ يَكْتَسِبَ شَيْئًا مِنْ الْآثَامِ وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ أَهْلِ الْمِلَلِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: أَنَّ فِرْعَوْنَ مِنْ أَكْفَرِ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ؛ بَلْ لَمْ يَقُصَّ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ قِصَّةَ كَافِرٍ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ أَعْظَمَ مِنْ قِصَّةِ فِرْعَوْنَ وَلَا ذَكَرَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ مِنْ كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ وَعُلُوِّهِ: أَعْظَمَ مِمَّا ذَكَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ )

➖ قلت ( مقيده عفا الله عنه) : هل الأمير عبد القادر يعتقد هذا المعتقد ، ويقرره في رسائله ومجالسه ، ولشعبه وطلبته ؟!
إن قلت : لا ، فكيف ترمي الأمير عبد القادر بأنه من أتباع ابن عربي ؟!! أم أنك تأخذ مقالاتك في الحكم على الأمير الجزائري من مصادر مكذوبة ، ومجاهل ، ومن المدرسة الفرنسية !!
إن كان أمرك كذلك ، فنجاستك مغلظة اغسلها سبع مرات أولها بالتراب ، أو بك الصرع !
يا مسكين ، يا مسكين أنت تتغذى من النجاسات ، وتتنفس في النتن ، وتحسب نفسك أنك على شيء !، ترفع وطهر نفسك من التسول في شوارع الملحدين ، وتعال وتكلم عن أعلام الأمة الإسلامية ، والذي رفع راية الجهاد في وقته بلا منازع ، الأمير عبد القادر الذي عرف قلمه وسيفه بحصد الوثنية ومواجهة عقائد ابن عربي وتوضيحها كما في هذه المقالة .

لقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عقائد الفلاسفة الدهرية في كتبه بأوضح البيان بما لا تجده عند غيره وشرح وبسط ، وقال أن الاتحادية أتباع ابن عربي وابن سينا على هذا المذهب الإلحادي .
قال في كتابه ( درء تعارض العقل والنقل ) :
( ومن طريقهم - أي : الدهرية - دخل القائلون بوحدة الوجود وغيرهم من أهل الإلحاد القائلين بالحلول والاتحاد كصاحب الفصوص - ابن عربي - وأمثاله الذين حقيقة قولهم : تعطيل الصانع بالكلية والقول بقول الدهرية الطبيعية دون الإلهية ) ا.هـ
وقال أيضا : ( المتفلسفة الدهرية كالفارابي وابن سينا يزعمون أن العقل يحيل معاد الأبدان فيجب تقديم العقليات على دلالة السمع - أي : الكتاب والسنة - ) ا.هـ

قلت ( بن سلة ) : تأمل ماذا يقدمون في مدارسنا ، ويعظمون في منابر إعلامنا ؟! ، ابن سينا وابن عربي وأشكالهم !!!
ويظهرونهم بأنهم أعلام الأمة ، وما هم إلا ملاحدة دهرية معطلة للرب والصانع ولصفاته سبحانه وتعالى ، ومعطلة للمعاد واليوم الآخر .
فتقديم العقل على دلالة السمع الذي هو الكتاب والسنة ، فهو عقيدة الأشاعرة المتصوفة المتكلمة التي تأثرت بالجهمية وغلاة الصوفية ، فالإمام أبو الحسن الأشعري بريء من مقالاتهم المعتزلة الضالة .
فإذا أردت أن تتكلم في الأمير عبد القادر يا جويهل وترميه بغلاة الصوفية المتمشعرة المتكلمة ، فعليك أولا بدراسة هذه العقائد وأصولها ، وانظر في مقررات الأمير عبد القادر الصحيحة التي وصلت إلينا هل تجد عقائدها وأصولها أو لا، ثم احكم .

كتبه : بشير بن سلة الجزائري











رد مع اقتباس
قديم 2022-10-04, 13:21   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
أبو أنس بشير
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي



[15] عقائد الصابئة التي يتبنى أصولها غلاة المتصوفة المتكلمة

قال الإمام الأمير عبد القادر - رحمه الله - مبينا عقائد الصابئة المنحرفة : ( وأولئك هم الذين أخبر القرآن عنهم بأنهم عبدة الكواكب والأوثان ، فأصحاب الهياكل وهي السيارات السبع هم عبدة الكواكب لأنهم قالوا بأنها آلهة .
وأصحاب الأشخاص وهم عبدة الأوثان لأنهم سموها آلهة في مقابلة الآلهة السماوية .
والطائفة اولى هم عبدة الأرواح والملائكة .
وقد ناظر الخليل عليه السلام هاتين الفرقتين كما أخبر القرآن بذلك ، فابتدأ بمحاجة أصحاب الأشخاص فقال : {أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون } وقال لآزر : { أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} ، وقال : { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا } .
وهذه الحجة هي التي قال الله تعالى فيها : { وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ } .
ثم عمد إلى أصحاب الهياكل السبعة بعد أن أطلعه الله تعالى على ملكوت السموات والأرض كما أخبر تعالى بقوله :{ وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } .
فاطلعه الله تعالى على ملكوت الكونين والعالم تشريفا له على الرهبانية وهياكلها .
وترجيحا لمذهب الحنفاء على مذهب الصابئة .
وتقريرا أن الكمال في الرجال ، فأقبل على إبطال مذهب الهياكل السيارة السماوية فلما جن عليه الليل رأى كوكبا فقال : { هذا ربي } على وجه الإلزام ، وإلا فما كان الخليل عليه السلام مشركا .
ثم استدل بالأفول والزوال والتغير والانتقال بأنه لا يصلح أن يكون ربا إلاها فإن الإله لا يتغير ، فلو اعتقدتموه واسطة ووسيلة فالأفول والزوال غير عز الكمال إلى آخر القصة وهي مذكورة في القرآن ) ا.هـ ، انظر قسم الأجوبة من كتاب تحفة الزائر .

➖ قلت ( بن سلة ) : لا عطر بعد عروس ، بالله عليك يا موحد هل تجد بيانا للتوحيد بعد هذا البيان ؟!
فقد جال وصال الإمام الأمير عبد القادر الحسني في بيان العقيدة السلفية بأوضح البيان ، وشرح عقائد الإيمان من خلال قصة الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام .
وليعلم أن قصة الخليل عليه الصلاة والسلام هي أصل التي يقرر بها أهل العلم التوحيد ، ويقرر بها طرق مناظرة المشركين والمخالفين .
وهي أصل التوحيد وتقريره وحجته ، وتثبت أن أصل رسالة الأنبياء هي التوحيد .
وقد نبه الأمير عبد القادر على ذلك عند قوله : ( وهذه الحجة هي التي قال الله تعالى فيها : { وتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ } .)
وهذا بخلاف ما عليه عقائد اليهود والنصارى والجهمية وغلاة الصوفية المتكلمة إذ جعلوا الشرك وتعطيل صفات الله تعالى هو التوحيد ، أما توحيد إبراهيم عليه السلام فجعلوه هو الشرك والضلال !!
أما المكفرة الخوارج فجعلوا أصل توحيدهم هو الحاكمية ومنازعة الحكام على الكرسي .

ثانيا : الأمير عبد القادر في هذا النص أثبت صفة الخلة التي عطلتها الجهمية .

ثالثا : أثبت شرف الأنبياء وأن النبوة والعبودية هي تشريفا لهم وهذا بخلاف ما عليه الرهبانية وهياكلها التي تدعيها غلاة الصوفية والفلاسفة الذين يستمدون أصولهم من الدهرية والصابئة .

رابعا : قرر ونص على أن الكمال في الرجال وهو أراد بهذا نسف أباطيل الصابئة وغلاة الصوفية والفلاسفة ممن جعلوا الوسائط بينهم وبين الله تعالى غير الأنبياء ، وجعلوا أن الشرع يأتيهم من غير طريق الأنبياء ، وهذا الضلال قد تفوه به الحلولي الاتحادي ابن عربي الضال ، وهو الذي عليه غلاة الصوفية ، فقد جعلوا المنامات والمكاشفات هي حجتهم في تقرير الشرع ، وتلبس عليهم الشيطان بكل لباس ، فيكلمه الشيطان فيظن أن ربه كلمه وأوحى عليه !!

خامسا : أثبت الكمال لله تعالى في ربوبيته وآلهيته وصفاته وذلك لما ذكر حجة إبراهيم عليه السلام في تغير أحوال الكواكب ، والله تعالى منزه عن هذا التحول والانتقال والزوال فهو كما قال : كامل وعزيز .

سادسا : نبه الأمير عبد القادر في هذا النص على أصل من أصول المناظرة ، وإقامة الحجة ، وهو أصل ( إلزام الخصم ) ، وذلك لما قال : ( أقبل على إبطال مذهب الهياكل السيارة السماوية فلما جن عليه الليل رأى كوكبا فقال : { هذا ربي } على وجه الإلزام ، وإلا فما كان الخليل عليه السلام مشركا ) .

قلت : وهذا من فنون المناظرة ، ومن مقررات آدابها ينبغي مراعاتها عند المحاجة والمناظرة .

كتبه : بشير بن سلة الجزائري










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:06

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc