الفصل الثالث والعشرون
الحقيقة المرة
أوقف تمام شاحنته الصغيرة والتفت إلى جودي ملقيا نحوها نظرة طويلة لاحظ خلالها مدى ضيقها وتوترها وهي تنظر عبر النافذة إلى مدخل المطعم .. قال بهدوء :- لقد وصلنا
أدركت هذا .. ولكنها لم تتوقع عندما وعدها بأن يأخذها إلى مكان مميز أن يعيدها إلى حيث التقيا أول مرة .. إلى مكان يرتاده طارق ومعارفه بانتظام .. سمعته يقول بحزم لطيف :- جودي .. انظري إلي
التفتت إليه على مضض .. فآخر ما أرادت إظهاره له هو خوفها وجبنها من مرافقته علانية .. ولكنها وجدت التفهم في عينيه وه يقول :- ما من مبرر لقلقك .. أعدك بهذا
صدمتها ثقتها الكبيرة به .. فقد أومأت برأسها مصدقة إياه بكل بساطة .. وترجلت معه من السيارة .. لاحظت بأنه لم يدخل من البوابة الرئيسية .. بل دار بها حول المبنى وأدخلها من باب جانبي صغير .. توقفت عندما صعد إلى درج ضيق وقالت بتوتر :- إلى أين تأخذني ؟
استدار إليها قائلا بنفاذ صبر :- هلا توقفت عن الشك بكل ما أقوم به .. فقط جارني قليلا ولن تندمي .. وأعدك بأنني سأوصلك إلى منزلك فور أن تطلبي مني هذا
ترددت للحظات ثم حسمت رأيها .. منذ أيام وهي تخرج مع تمام بانتظام وفي كل مرة كان يفاجئها بأخذها إلى مكان مميز أو القيام بعمل مجنون لم يخطر لها أبدا .. باختصار كانت تستمتع بوقتها دون أن يفرض عليها شيئا .. لا لمسات .. لا تلميحات مثيرة .. ولا حتى قبلات
لم يقترب منها بشكل حميم ولو مرة منذ قبلها ذلك اليوم فوق الجبل .. وذلك لكسب ثقتها وعدم ترك حجة لها تمنعها من رؤيته.. ولكن السؤال الذي كانت تطرحه على نفسها باستمرار هو كيف ستكون ردة فعلها إن حاول تقبيلها مجددا ؟
صعدت معه حتى وصلا إلى السطح .. وقفت في وسط المكان الفسيح والهواء البارد يلفحها بقوة فضمت معطفها إليها وجالت ببصرها حولها .. فلم تجد شيئا سوى غرفة صغيرة في نهاية السطح .. تسرب الضوء من أسفل الباب الخشبي المغلق فعرفت بأنها مقصدهما
شعرت بيده على ظهرها تحثها على السير .. فأخفت جاهدة الخوف والريبة اللذين تسللا إلى نفسها .. وسارت معه نحو باب الغرفة .. فتحه وأفسح لها الطريق لتدخل أمامه ..
تسمرت مكانها بعد خطوة واحدة من دخولها .. وأطلقت شهقة قصيرة .. فما رأته داخل الغرفة لم يكن متوقعا على الإطلاق .. همست بدون وعي :- يا إلهي
لم تكن الغرفة صغيرة كما ظنت .. بل فسيحة ورحبة .. بهرت نظرها بديكورها البديع الذي تجلى بالنوافذ المقنطرة الكبيرة المطلة على مشهد رائع للمدينة .. الجدران ذات اللون القوي التي توزعت عليها لوحات فنية بديعة .. ميزت من بينها اللوحة التي اشترياها معا منذ أسابيع .. وبعض الرفوف الخشبية التي تراصت عليها الكتب .. أما أثاث الغرفة فقد كان عبارة عن طنافس وثيرة على الأرض .. وسجادة شرقية متعددة الألوان مما جعل المكان يبدو كمشهد خارج من كتاب ألف ليلة وليلة .. أما إضاءة المكان .. فقد كانت معتمدة على مصابيح تقليدية قديمة الطراز .. منح نورها الأصفر الشاحب بالإضافة إلى النيران المشتعلة داخل موقد قرميدي جميل الشكل المكان طابعا خياليا
همست مجددا :- تمام .. ما هذا المكان بالضبط ؟
ارتسمت على شفتيه ابتسامة رضا للتأثر الواضح عليها وقال :- مكان صمم ليثير ردة فعلك هذه بالضبط
التفتت إليه قائلة بتأنيب :- تمام محفوظ .. هذا مكان صمم خصيصا للتأثير على النساء وإفقادهن عقولهن .. ومن الأفضل أن تكون نواياك سليمة
أطلق ضحكته الرجولية الجذابة وهو يداعب شعرها الناعم الذي جمعته على شكل ذيلي حصان وقال :- ما أنويه حاليا هو منحك وجبة عشاء شهية ووقتا ممتعا لن تنسيه أبدا
نظرت إلى المائدة المنخفضة التي توسطت الغرفة والتي امتلأت بما لذ وطاب من الأطعمة الساخنة .. وزينتها باقة أزهار ناعمة في المنتصف .. فابتسمت قائلة :-من الواضح بان زملائك في المطعم مشتركون معك في إعداد هذه المؤامرة .. منذ متى وأنت تحضر لهذه الأمسية ؟..أم أنك معتاد على القيام بهذه الترتيبات مع كل صديقاتك ؟
أدارها إليه ونظر إلى عينيها قائلا بحزم :- ليس هناك صديقات يا جودي .. أنت أول امرأة أدعوها إلى هنا
ارتبكت جودي وضاعت بين الصدق في عينيه وقناعتها بأن شابا بوسامته وجاذبيته لا يمكن ان تخلو حياته من النساء .. فأسلوبه العفوي في إفقادها عقلها ينم عن خبرة واسعة في معاملة الجنس الآخر
قادها إلى المائدة وساعدها على الجلوس فوق الوسائد الوثيرة فيما قالت :- قد تكون صادقا .. ولكنني لن أصدق بأن نوايا صاحب المطعم كانت سليمة عندما صمم المكان .. بالمناسبة .. هل يعلم بأنك تستعمل عش الغرام الخاص به لأغراضك الشخصية ؟
جلس إلى جانبها والتسلية تطل من عينيه وكانه يستمتع بسماع رأيها السلبي في مديره . ومع هذا قال :-أنت تظلمين الرجل يا جودي .. قهو ليس سيئا إلى هذا الحد .. لماذا لا تصدقين بان رجلا قد يصمم مكانا جميلا كهذا لأجل الهروب إليه من مشاكل الواقع والانفراد بنفسه قليلا .. أو الاجتماع بأصدقائه المقربين بعيدا عن ضجيج المطعم وازدحامه ؟
هزت رأسها بعدم اقتناع قائلة :- حبيبي تمام .. إما انك بريء للغاية أ, انك تكن ولاءا غير عادي لرئيسك
وعندما لم يمنحها ردا نظرت إليه لتجد انفعالا في عينيه فسألته بقلق :- ما الامر ؟ هل قلت ما أغضبك ؟
ابتسم بدفء قائلا :- لا .. ولكنك ناديتني بحبيبي دون أن تشعري
احمر وجهها عندما أدركت ما قالته .. فأشاحت بوجهها منشغلة بتناول ما امامها من طعام متجاهلة التوتر الذي أخذ يتصاعد بينهما .. ثم قالت مغيرة الموضوع :- من الواضح ان رئيسك يكن لك مودة خاصة إذ سمح لك باستخدام مكان خاص كهذا
هز كتفيه قائلا :- إنه معجب بمواهبي .. وبما انني من قام بتصميم المكان .. منحت امتيازا عن باقي زملائي
عادت تتأمل المكان بطريقة مختلفة وهي تقول باستغراب :- أنت موهوب بشكل ملحوظ .. أما فكرت يوما بامتهان هذا العمل ؟
:- تقصدين كمصمم للديكور ؟
:- نعم
هز رأسه ماطا شفتيه بلا اقتناع :- ما قمت به هنا كان للمتعة فقط .. ولكنني لا اجد نفسي أقوم بهذا العمل لكسب الرزق
كان الطعام شهيا بالفعل .. ولكن عقلها كان مشغولا بكلامه .. لم تعرف إن كان سيتقبل منها ما ستقوله أم لا .. ولكن على احد ان يفتح عينيه ليرى الواقع .. قالت :- ألا ترى بانك تهدر طاقاتك بما تقوم به حاليا ؟
عقد حاجبيه قائلا :- ماذا تقصدين ؟
:- أقصد كعازف غيتار
ضاقت عيناه الداكنتان وهما تنظران إليها بتعبير غير مفهوم وقال :- أهذا رأيك ؟
:- انت تملك الكثير من المواهب والطاقات .. والشهادات العليا .. بالإضافة إلى شخصية مثيرة للاهتمام .. تستطيع كسب ثروة إن استثمرت ما لديك جيدا
برقت عيناه بغضب واضح .. ولكن صوته حافظ على بروده وهو يقول :- أعرف بانني لا أقارن بخطيبك الثري يا جودي .. ولكنني لم أخجل يوما من عمل قمت به ما دام شريفا .. أم انك تجدين عملي حقيرا إلى هذا الحد؟
أسرعت تقول بذعر :- لا .. أنا لم أقصد هذا
لم ينتظر منها تفسيرا .. بل قفز واقفا وابتعد عنها .. فعرفت بانها قد لمست وترا حساسا بإشارتها غير المتعمدة غلى الفروقات بينهما
لحقت به إلى حيث وقف ينظر عبر النافذة بنظرات واجمة .. وقالت :- لو لم أكن لك ما يكفي من الاحترام لما كنت هنا معك يا تمام
وضعت يدها فوق ذراعه وقالت بتوسل طفولي :- لا تغضب مني ... أرجوك
وعندما لم يتحرك أكملت بتردد :- أنت تعرف بانني أهتم لأمرك مهما كانت طبيعة عملك
استدار إليها ورمقها بنظرات غامضة وهو يقول :- أثبتي هذا إذن
اتسعت عيناها بريبة .. وقبل ان تفهم قصده أحاط خصرها بذراعيه وشدها إليه بقوة ... كتم شهقتها المذعورة بفم جائع ومتلهف .. فحاولت ان تبعده عنها مقاومة قبلته الشرسة فلم تستطع .. ولكن ما ان مرت ثوان قليلة حتى تبخرت مقاومتها ووجدت نفسها تقترب منه أكثر لتبادله قبلاته بنفس الحرارة واللهفة .. دارت الغرفة من حولها واختفت معالمها .. وسرى في جسدها إحساس لذيذ ومخيف من الإثارة .. شعرت بكل جزء منها يتوق إليه بجنون .. أحاطت عنقه بذراعيها واستسلمت تماما لشفتيه اللتين امتلكتا شفتيها ولم تبتعدا حتى قدرتا حاجتها إلى التقاط أنفاسها .. نظر إلى عينيها التائهتين وشفتيها المرتعشتين .. واهتز جسده بعاطفة جياشة وهو يهمس من بين أنفاسه اللاهثة :- لو تعلمين كم أحبك .. لو تعلمين كم أريدك
كلماته جعلتها تهبط إلى أرض الواقع شيئا فشيئا .. حتى تمكنت من انتزاع نفسها من قلب الغيبوبة التي سيطرت عليها بدفعه بعيدا عنها وهي تصيح بعنف :- توقف
نظر كل منهما إلى الآخر لاهثا .. هو برغبة وحشية كادت تضعفها مجددا .. وهي بذهول مما حصل
تمكن أخيرا من أن تهمس :- كيف تجرؤ على إهانتي بهذا الشكل ؟
رمشت عيناه وكأن ردة فعلها قد فاجأته .. قال بتوتر :- آخر ما قصدت فعله هو إهانتك أو إيذائك يا جودي
ولكنها لم تستمع إليه .. بدت وكأنها تتحدث إلى نفسها وهي تقول باضطراب :- أهذا هو ردك على إشارتي السابقة حول عملك .. أم أنه ما خططت له منذ البداية بإحضاري إلى هذا المكان الشاعري والمنعزل ؟
صاح بحدة ليوقف سيل الأفكار والوساوس من التدفق إلى رأسها :- جودي
نظرت إليه بذهول وهي تردد :- هذا صحيح أليس كذلك ؟ لقد أحضرتني إلى هنا لتنهي ما بدأته قبل أسابيع .. إنه الفصل الأخير من المسرحية الشاعرية الحمقاء التي ضممتني إليها بإلحاحك المستمر .. فكرت بأنني ما دمت سأرفض الارتباط بك .. فلم لا تستغل افتتاني الأحمق بك لتقضي وقتا ممتعا معي
تصلب جسده الطويل .. وارتسم غضب شديد في عينيه .. لم يسمح لها انفعالها بأن تدرك مدى قسوة كلماتها .. ولكنها لاحظت تغير ملامحه فتراجعت بقلق بينما قال هو بجفاف :- أتنعتينني بالانتهازي يا جودي ؟ وماذا عنك أنت ؟ .. من منا يستغل الآخر برأيك .. أنا أم أنت ؟ أنت هي الفتاة الثرية المدللة المخطوبة لرجل آخر ومع هذا لا تجد ضررا في قضاء الوقت مع عازف حقير مثلي
اقترب منها وقد قست ملامحه بشكل لم تعهده جودي منه أبدا .. مما زرع الخوف في أعماقها ودفعها للتلفت حولها بحثا عن مهرب .. قال بقسوة :- تحتقرين كوني فقيرا .. ولن تفكري أبدا بالارتباط بي ... ولكنك لم تترددي في مرافقتي عدة مرات .. ومبادلتي القبلات
صاحت بيأس :- هذا غير صحيح
لوى فمه بابتسامة ساخرة وقال :- حقا ؟ إن لم تخني ذاكرتي فقد كنت منذ لحظات قليلة بين ذراعي .. تبادلينني القبلات بحرارة ورغبة .. إن لم يكن هذا استغلال لي .. وخيانة لخطيبك .. فأنا لا أعرف له تسمية أخرى
تجمعت الدموع في عينيها وقد جرحتها الحقيقة المرة في كلماته .. هزت رأسها محاولة الدفاع عن نفسها وهي تصيح بألم :- لا تجعل من نفسك الضحية هنا .. فأنا ما كنت بالنسبة إليك أكثر من تحدي كدت تنجح في تحقيقه .. لم تكن تفكر بالزواج مني حتى لو اختلفت الظروف
صاح بعنف :- أنت محقة .. لن أتزوج أبدا بفتاة لا تستطيع معرفة ما تريده حقا .. ولا تجد الشجاعة الكافية حتى لتفسخ خطوبتها برجل لا تحبه
انكمشت وقد أخافها عنفه فخفت الحدة في لهجته وهو يقول :- لا تتوقعي مني أن أطلب منك تركه إن لم تفعلي من تلقاء نفسك .. ولا تلوميني على استغلالي لك في الوقت الذي لا تقلين فيه سوءا عني
اغرورقت عيناها بالدموع .. وبدون أي كلمة .. اندفعت عبر باب الغرفة مسرعة .. فلحق بها قبل أن تصل إلى الدرج وأمسك بذراعها .. وأدارها إليه لتنظر إلى عينيه .. وقال ضاغطا على حروفه :- لن تستفيدي شيئا من هروبك هذا يا جودي .. إنما أنت تهربين من نفسك .ومشاعرك .. ومن الحقيقة التي تحاولين إنكارها .. ستدركين في النهاية أننا قد خلقنا من طينة واحدة .. وأنك لن تجدي أنسب لك مني
انتزعت نفسها من بين يديه وقد علت وجهها نظرة اشمئزاز ... ثم تابعت طريقها خارجة من المكان دون أن يعترض طريقها هذه المرة .. وبينما هي تقطع طريقها شبه راكضة فوق الرصيف .. انهمرت دموعها بغزارة مترافقة مع نشيج مكتوم لم تستطع السيطرة عليه .. لم تكن تبكي بسبب إهانة تمام لها .. ولا بسبب الحقيقة التي ألقاها في وجهها .. بل كانت تبكي بسبب اكتشافها بأنها رغم اتضاح سوء نية تمام ونذالته .. فهي تحبه بجنون
تحبه بلا أمل
الفصل الرابع والعشرون
ندبة في روحها
ارتفع رنين هاتف اماني المحمول .. فأقفلت الكتاب الذي كانت تقرأه ونهضت الأريكة لتلتقط الهاتف من حيث ألقته فوق طاولة الطعام متسائلة عمن يتصل في هذا الوقت المتأخر .. سمعت صوت سمر عندما اجابت يقول بمرح :-
:-هل أيقظتك من النوم أيتها العروس؟
قالت أماني ساخرة :- لم أتحول إلى دجاجة بعد.. مازال الوقت مبكرا على النوم .. فالساعة لم تتجاوز العاشرة
:- ممم..... ما الذي تفعلينه إذن ؟ بالتأكيد تنتظرين اتصالا من هشام .. أخبريني كيف هو كخطيب ؟ هل تستمر مكالماتكما حتى الصباح كباقي العشاق؟
احمر وجه أماني لسماعها هذا الوصف البعيد جدا عن وضعها مع هشام ..وكادت تنفي لولا تذكرها بأن سمر كغيرها تظن بأن هذه الخطوبة حقيقية فقالت :- ليس بهذا الشكل أنت تعرفين بأن ابن اختك لا يحب الثرثرة
نجحت في أداء دور الخطيبة الشاكية فقد ردت سمر :- أنت محقة .. ولكنك لا تقلين عنه سوءا .. يجب على أحدكما أن يتنازل قليلا....
استمرت سمر في حديثها مع أماني حتى دوى صوت جرس الباب منقذا أماني من سؤال سمر عن فستان الزفاف .. قالت بسرعة :- إنه صوت جرس الباب ..سأفتحه وأعود إليك
ما إن ادارت قبضة الباب حتى خطر لها بانها لا تنتظر أحدا .. وان الوقت متأخر على زيارة مفاجئة .. ولكن الاوان كان قد فات عندما دفع الباب بقوة حتى كادت اماني تفقد توازنها .. ثم انتابها ذعر شديد لرؤية صلاح يدخل الشقة ويقفل الباب ورائه بإحكام .. ثم يستدير إليها .. أطلقت شهقة مكتومة وهي ترى نار الغضب المشتعلة في عينيه .. فتراجعت إلى الخلف وهي تفكر بأنها لم تر صلاح من قبل بهذه الحالة من الانفعال .. وبدون هدوءه المعتاد ..فقالت بتوتر:-
:- ما الذي تريده يا صلاح؟ لقد سبق وأخبرتك بأنك غير مرحب بك هنا
لمح الهاتف الذي تحمله فسار نحوها بسرعة وانتزعه من بين أصابعها ليقفله ويرميه جانبا كي لا تفكر بطلب النجدة .. أدركت بغريزتها بأن هذه المرة مختلفة فحاولت التزام الهدوء والتعقل وعدم استفزازه وهي تخاطبه :- ماذا تريد ؟
قال بصوت خرج منه أشبه بالفحيح :- ما الذي تظنيني أريده ؟
كانت على وشك فقد اعصابها .. فملامح صلاح الوسيمة فقدت وقارها وغرورها لأول مرة .. وبدا من انفعاله وغضبه أنه في حالة لا تسمح له بحديث مهذب .. قالت محاولة إظهار القوة :- ما من فائدة ترجى من محاولاتك يا صلاح ..أنا امرأة مخطوبة الآن ..وإن عرف .....
صرح مقاطعا إياها :- كاذبة
انتفضت وتراجعت تحتمي خلف أريكة صغيرة وقد اخذ جسدها يرتعش بخوف لم تعرفه سوى مرة واحدة .. راقبته وهو يحل ربطة عنقه بإرهاق وهو يقول :- كاذبة لعينة .. هل ظننتني أحمقا إلى هذا الحد ؟ وأنني لن أكتشف لعبتك بطريقة ما
سألته بحذر :- أي لعبة ؟
:- لعبة الخطوبة المزيفة التي كدت تقنعينني بها .. أنت لست مخطوبة إلى هشام عطار ..إنها تمثيلية الهدف منها إبعادي
أحست أماني وكأن صفعة قوية قد اصابت وجهها .. حدقت به بذهول فضحك بمرارة :- تتساءلين عن الطريقة التي عرفت بها الحقيقة ..أنسيت بأن لدي مصادري داخل مقر عملك ؟ ليس هناك أسهل من معرفة ما يدور بينك وبين مديرك عندما تنفردان داخل مكتبه
أول اسم خطر في ذهن أماني هو لندا .. سكرتيرة هشام الرقيقة الطبع والملامح .. وتذكرت شجارها الدائم مع هشام كلما انفردت معه داخل مكتبه .. وبالذات شجارهما صباح اليوم .. هل كانت لندا تستمع إلى أحاديثهما بطريقة ما لحساب صلاح ؟
تابع حديثه ببغض :- كان علي أن أعرف بأن هشام عطار لن يتزوج بك بعدما أصبحت حديث المدينة بأكملها .. وبالتأكيد لن يورط نفسه معك دون أن يحصل على شيء في المقابل
اقترب منها قائلا بصوت جمد الدماء في عروقها :- ما الذي منحته لهشام عطار مقابل مساعدته لك يا أماني؟
تصاعد الخوف في أعماقها حتى وصل إلى حدود الهستيريا .. وجدت أطرافها ترتعش تكاد تصاب بالشلل ..ركزت بصرها على الباب القريب منها وفكرت بانها إذا فاجأته فإنها تستطيع الهرب قبل ان يمنعها .. ولكنه قرأ أفكارها فأمسك بها قبل أن تصل إلى الباب
قاومته بشراسة وهي تصيح :- اتركني وإلا صرخت وجمعت الجيران في لحظة
ولكنه بدا وكأنه لم يسمعها عندما هزها بعنف وهو يكرر:- ما الذي أعطيته لذلك الرجل ؟
صاحت به وقد طفح بها الكيل :- هذا ليس من شأنك .. وإن كنت مصرا فلتعلم بانني أعطيته شيئا لم ولن تحصل عليه أبدا
لم تكن تنوي استفزازه .. ولكن غضبها منه وخوفها شلا تفكيرها .. وعندما تجد اماني نفسها في موقف ضعف تتفوه عادة بما تندم عليه لاحقا .. وهذا ما حدث عندما فسر صلاح عبارتها بالأسوأ... فاحمرت عيناه .. واحتقن وجهه وهو يقول من بين أسنانه :- أيتها الفاسقة .. كان يجب ان أحصل عليك قبل سنوات خلت .. لما استطعت أن تتحديني بهذا الشكل .. على أي حال لم لا نكتشف معا ما حصل عليه هشام عطار
أحنى رأسه محاولا الوصول إلى شفتيها ... فأشاحت بوجهها وتلوت بين ذراعيه محاولة الافلات وهي تصيح بيأس :- اتركني يا صلاح .. أرجوك
ولكنها لم تزد بمقاومتها إلا من جنون غضبه إذ قال بحدة :- تختارين دائما الطريق الأصعب ..أليس كذلك ؟لا بأس .. لك ما تريدين
صرخت برعب عندما حملها ودخل بها إلى غرفة النوم .. ألقاها فوق السرير وثبتها فوقه مثبتا تفوقه الجسدي عليها .. تحول رعبها إلى جنون هستيري وهي تحاول إبعاده بيديها وقدميها دون فائدة .. تفجرت ا لدموع من عينيها وهي تبكي متوسلة إليه أن يتركها ..
هذا ما عاشت حياتها كلها خائفة من حدوثه .. أنه أبشع كوابيسها يتحقق على أرض الواقع وبأقسى طريقة .. وللحظات اختفت معالم الغرفة من حولها .. وبدأ الظلام يخيم حول وعيها المصدوم .. ولم تعد إلى الواقع إلا عندما تحررت من مهاجمها فجأة.. فتحت عينيها لتدرك بأن صلاح إنما قد انتزع من فوقها انتزاعا ..رات غير مصدقة هشام يمسك بتلابيب قميص صلاح وقد حوله الغضب إلى وحش مخيف لم تره منه من قبل .. قال بصوت أشبه بالرعد :-
:- أيها الجبان الحقير .. لقد حذرتك من الاقتراب منها
حاول صلاح التخلص منه وهو يصرخ :- أنت هو الغريب هنا .. أنا أعرف بانك لا تنوي الزواج بها .. إنها ابنة عمي وأنا اولى حتى بالفتات الذي تركته
إذ بصلاح يطير عبر الغرفة ليصطدم بمنضدة الزينة ويسقط ما عليها بدوي قوي .. بعد ان لكمه هشام بقبضته غير قادر على السيطرة على غضبه .. تفجرت الدماء من أنف صلاح بينما هدر صوت هشام :- إياك أن تهين المرأة التي ستصبح زوجتي
مسح صلاح الدماء بكم قميصه وهو ينهض ويقول لاهثا :- انت تكذب .. ما بينكما مجرد خطبة زائفة .. انت لن تتزوج بها أبدا
ولكن غضب هشام الكبير من مرأى تهجمه على اماني لم يبرد بعد .. عاد يمسك بقميص صلاح وقد بدا عليه الإجرام .. عرفت اماني وهي تجر نفسها فوق السرير لتحيط نفسها بالبطانية مخفية ما طهر من جسدها عبر ملابسها الممزقة .. بان هشام يبذل جهدا كبيرا كي لا يفتك بصلاح في تلك اللحظة .. لم يكن صلاح غبيا .. فالفرق في القوة الجسدية بينه وبين خصمه كان كبيرا .. فلم يحاول استفزازه اكثر بينما قال هشام بصرامة :- أنا واماني سنتزوج خلال أسبوعين .. وإن جرؤت على الاقتراب منها مجددا أقسم بأن أتجاهل القرابة التي تجمعك بها .. وأقتلك بدون تردد
ثم سحبه إلى خارج الغرفة تاركا أماني الذاهلة .. العاجزة عن التفكير بحقيقة ما حدث .. أو بما جاء بهشام إلى هنا وكيفية دخوله إلى الشقة .. كانت في حالة من الصدمة وبالكاد أحست بان الهدوء التام قد ساد المكان
ظهر هشام على باب غرفتها لاهثا .. نظر إليها حيث كانت تجلس منكمشة على نفسها فوق السرير .. وأجبر نفسه على استعادة الهدوء .. ونسيان المشهد الذي كاد يبخر كل ذرة عقل لديه .. والتفكير بانه وصل في الوقت المناسب على الأقل ..
وبالفتاة التي لم تصحو من صدمتها بعد .. قال بهدوء:- لقد رحل يا أماني
لم تمنحه ردا .. بل لم تستطع النظر إليه بينما تابع :- لقد تحطم قفل الباب أثناء دخولي إلى الشقة .. ولكنني سأصلحه لك صباح الغد .. ذلك الرجل لن يعود مجددا
همست :- بل سيعود .. إنه يعود في كل مرة .. وفي المرة القادمة .. في المرة القادمة ..
كانت قد توقفت عن البكاء .. ولكنها كانت ترتعش وبدت على وشك الانهيار .. انقبضت عضلات جسده الطويل عندما أدرك معنى كلماتها .. فقال بغضب :- هل سبق لذلك الحيوان أن تهجم عليك ؟
أشاحت بوجهها وقد عادت دموعها تتدفق بغزارة فوق وجنتيها .. اقترب منها فانكمشت مبتعدة بشكل غريزي .. جلس إلى جانبها على طرف السرير وقال بهدوء :- أنا لست صلاح يا اماني .. تعرفين جيدا بانني لن أؤذيك .. انظري إلي ..
كانت تتحاشى النظر إليه منذ البداية .. خوفا واضطرابا .. وحرجا أيضا مما حدث .. ولكن عندما امرها .. رفعت بصرها إليه فقال :- انت بخير الآن
هذا صحيح .. ما دام موجودا .. بطريقة ما أحست اماني بان هذا الرجل هو ما يمثل الأمان في حياتها .. عندما أحس بتشنجها يخف .. مد يده نحوها فترددت للحظات قليلة .. قبل ان تجد نفسها بين ذراعيه .. ووجهها مدفون في صدره العريض .. تبخر الخوف فجأة من أعماقها ليحل محله الضعف .. الضعف التام .. عادت تبكي من جديد مستسلمة لحاجتها الشديدة منذ سنوات غلى صدر تبكي عليه .. فربت على شعرها الناعم برفق .. وهمس في أذنها بكلمات مهدئة .. غير قادر على استيعاب التغيير الذي وجده فيها .. لقد سقط أخير قناع القوة الذي ارتدته لسنوات .. وظهرت الطفلة الضعيفة الخائفة التي حرصت على إخفائها عن الآخرين
عندما هدأت قليلا . ابتعدت عنه لتمسح دموعها بظهر يدها قائلة :- آسفة .. لقد بللت قميصك
قال واجما :- لا مشكلة
لم تستطع النظر إليه وهي تقول :- اعرف بانني سأبدو ناكرة للجميل .. ولكنني أتساءل عما جاء بك في هذا الوقت بالذات
قال :- اتصلت بي سمر واخبرتني بانك ربما تواجهين مشكلة .. ولحسن الحظ كنت انا قريبا من هنا
رفع ذقنها بسبابته ليجبرها على النظر إليه وردد سؤاله بإصرار:- منذ متى وصلاح يشكل لك هذا النوع من التهديد يا أماني ؟
صمتت للحظات فبدت وكأنها سترفض الإجابة .. ولكنها تمتمت أخيرا:- طوال حياتي .. ولكن الأمر لم يبدأ حقا إلا منذ خمس سنوات
أي منذ بدأت تعمل لديه تقريبا .. أكملت :- كان أبي قد فقد صبره عندما أصريت على رفضي لصلاح .. حتى الآن لا اعرف إن كان هو من شجع صلاح .. أو ان صلاح هو من بادر بتلك الخطوة من تلقاء نفسه
أحست وهي تتكلم وكأنها تعيش ما حصل مجددا .. فارتعش صوتها وهي تتابع :- كنت نائمة عندما أحسست بأحد داخل غرفتي .. لم اعرف من كان في البداية بسبب الظلام .. ولكن عندما أمسك بي عرفته .. كانت صدمتي شديدة في البداية إلى حد أنني لم أفهم ما كان يحصل .. ثم بدأ ذهولي يتحول إلى ذعر .. قاومته .. صرخت طلبا للعون ..فلم يسمعني أحد .. وعندما تحررت منه أخيرا ركضت إلى خارج الغرفة لأجد أبي هناك
لا يمكنها أن تنسى كيف كان والدها ينظر إليها .. ببرود كالثلج وكأنه يعرف ما كان يحصل
:- صرخت به يائسة .. افعل شيئا .. قل شيئا على الأقل .. ابنتك كادت تتعرض للاغتصاب على يد الرجل الذي تثق به أكثر من نفسك .. ولكنه رد بكل هدوء بأن صلاح سيصبح زوجي في النهاية .. وأن حصوله على ما هو له ليس اغتصابا
كبت هشام غضبه من ذلك الأب الذي لم يراع شعور ابنته .. ولكنه كتم أفكاره مدركا بأنها لن تحتمل أي تعاطف منه .. بل استمع إليها وهي تكمل :-
:- كانت صدمتي شديدة وغضبي أشد .. فوجدت نفسي أواجه أبي بكلمات لم أتخيل أبدا أن أوجهها إليه
لقد واجهته برأيها الصريح به .. بأنه قاسي القلب بلا رحمة .. لا يعرف كيف يحب أحدا .. واجهته بما عرفته من خلال قراءتها ليوميات والدتها .. بأنها لا تستغرب وفاة والدتها تعيسة بعد أن فشلت في أن تحب طاغية مثله
لم يحتمل والدها الحقيقة التي ألقتها في وجهه.. الحقيقة التي كان أذكى من ألا يعرفها منذ سنوات .. تمتمت :-
:- فقد سيطرته على نفسه .. ورفع عصاه في لحظة أعماه فيها الغضب وضربني بها
توتر وقد بدأت الصورة تتضح له .. وسألها :- أين ؟
مدت يدها لتلمس رأسها حيث استقرت الندبة التي لن تزول أبدا .. أزاح بيده شعرها الأشقر .. ونظر إلى الندبة البيضاء .. كانت هذه المرة الأولى التي يراها فيها عن قرب
لم تشعر أماني هذه المرة بالحرج من ندبتها أو بالارتباك .. بل شعرت بشيء آخر لم تعرفه بينما كانت يده تلمس الأثر الباقي من الجرح .. نظرت إلى عينيه لتجده مقطبا يفكر .. كان أذكى من أن يظن بأن الضربة لم تخلف إلا جرحا سطحيا .. سألها :- ما الذي حدث ؟
تنهدت وقالت :- لم أعرف ساعتها ما حدث .. ولكنني أفقت لاحقا لأجد نفسي في المستشفى .. وعرفت بأنني نتيجة للضربة دخلت في غيبوبة لمدة 3 أسابيع دون أن يعرف أحد إن كنت سأفيق مجددا أم لا .. وطبعا .. لم يزرني أبي خلال إقامتي في المستشفى ولو لمرة واحدة .. وعندما عدت إلى البيت .. كان كل شيء قد انتهى بيننا كأب وابنته
دخلت يومها إلى البيت فوجدته واقفا في وسط الصالة في انتظارها .. نظر كل منهما إلى الآخر في انتظار الحصول على اعتذار ما .. ولكن ما حدث هو أن تركها واقفة حيث هي .. ودخل إلى مكتبه .. وأقسمت هي يومها على ألا تأخذ منه شيئا بعد ذلك على الإطلاق
أمسك هشام بيدها لتشعر بتفهمه وقال :- لابد أن الأمر كان صعبا عليك
قالت بمرارة :- لم أستطع أبدا تجاوز عدم حبه لي .. لطالما فهمت حبه الشديد لجودي .. فهي صغيرته .. وشبيهة أمي التي أحبها كثيرا .. ولكنني لم افهم لماذا فضل صلاح علي إلى حد أن رخصني بذلك الشكل .. لقد كنت ابنته .. ابنته
كانت على وشك فقد أعصابها مجددا .. فأسرع هشام يشد على يدها قائلا :- أظنه أحبك بطريقته الخاصة يا أماني ... وأنا لا ادافع عنه .. والدك كان رجلا قاسي القلب وعديم الضمير .. ولكنني متأكد بأن عدم اهتمامه بك بعد الحادث كان بسبب شعوره بالذنب .. فوالدك كان رجلا مغرورا إلى حد عدم اعترافه بأخطائه .. أما ما حدث مع صلاح فأظن بـأن كل ما طلبه منه والدك هو إخافتك فقط .. فما من رجل قادر على التفريط بكرامة وشرف ابنته حتى لأجل ابن أخيه
تمتمت :- وماذا عما حدث هذه الليلة ؟
:- هنا يتضح الخطأ الذي ارتكبه والدك .. لقد منح صلاح صلاحيات كثيرة حتى اختلطت على ابن عمك الأمور وظن بأنه قد امتلكك حقا
لمس وجنتها .. فسرى داخلها شعور مريح بالهدوء .. قال :-
:- لا وجود للأب المثالي يا أماني .. فالآباء بشر مثلنا يخطئون أيضا .. فوالدك مثلا قد اتبع الطريقة الخاطئة لفعل ما ظنه صوابا .. فأنا متأكد بأن نية والدك من كل قسوته معك هو تأمين حياتك ومستقبلك .. ربما كان مؤمنا بأنك ستجدين السعادة مع ابن عمك .. هناك آباء يديرون ظهورهم لعائلات بأكملها دون الاهتمام بمصير أي فرد منها أو مستقبله
تذكرت ما عاناه في حياته وبسبب والده أيضا .. قالت بخفوت :-
:- لابد أنني أبدو سخيفة في هذه اللحظة مقارنة بما عانيته أنت وعائلتك من مشاكل
قال بحزم :- ليس هناك مشاكل سخيفة .. أنت امرأة وقد اضطررت وحدك لمواجهة ظروف كانت لتسبب الانهيار لأي امرأة طبيعية
تنهدت قائلة :- هذا ما يجعلني أتمنى لو أنني ولدت رجلا
لوى فمه بابتسامة صغيرة حركت شيئا لم تعرف ماهو داخل أعماقها .. وقال :- ماكنت امتلكت وقتها الشخصية الفريدة التي تتمتعين بها .. وربما ما كنا التقينا على الإطلاق
بدت لها نظراته حميمة للغاية وهو يتأمل وجهها المتورد .. لأول مرة منذ زمن طويل تحمر أماني خجلا .. فأخفضت عينيها بحرج مستغربة من اضطراب مشاعرها ..فهذه الجلسة بينهما قد غيرت الكثير من نظرة كل منهما إلى الآخر .. وبالنسبة إليها أحست بأنه أقرب إليها من أي وقت مضى .. خاصة وقد نجح في تهدئة نفسها .. وتخفيف الضغينة التي لطالما حملتها اتجاه والدها .. فهي الآن – لدهشتها – تعذر والدها على بعض تصرفاته .. فلطالما كانت مسببة للمشاكل .. وبعد تورطها السابق مع شخص طماع وغير جدير بها كفراس كان قلق والدها مبررا ..
لم يكن الصمت الذي ساد بينها وبين هشام مريحا .. فقد تشبع جو الغرفة بالتوتر .. وغزت الحرارة اماني وهي تشعر بقرب جسد هشام منها .. كانت هذه المرة الأولى التي يجتاحها هذا النوع من المشاعر .. من الحرارة والتوق إلى شيء مجهول لم تستطع اكتشافه .. وبحركة لا إرادية .. مدت يدها لتسدل شعرها فوق ندبتها فسارع ليمسك بمعصمها يمنعها وهو يقول بلطف :- لست مضطرة إلى إخفائها يا اماني .. على أي حال .. هي ليست بالبشاعة التي تظنين
التقت عيناهما .. فتسارعت أنفاس اماني .. كما احس هو بنبضها المضطرب من حيث يمسك بها .. أطلت من عينيه الداكنتين شعلة من اللهب أخافتها واثارتها في الوقت نفسه .. ولسبب ما أدركت بان مشاعره أوضح بالنسبة إليه من مشاعرها المجهولة إليها
سحبت يدها وقد قررت ألا تسمح له باكتشاف ما يسببه لها من اضطراب .. وقالت بابتسامة مرتجفة :-
:- أشكرك .. ماكنت أظنها بشعة على الإطلاق قبل الآن
ابتسم .. وكالعادة غيرت ابتسامته من ملامح وجهه .. فبدا أصغر سنا .. وازدادت جاذبيته خطورة
لاحظ النعاس الذي بدأ يداعب جفنيها فقال بهدوء :- من الأفضل ان تنامي الآن .. فانت متعبة وقد مررت بيوم عصيب .. يمكنك اخذ يوم الغد إجازة
ما إن تحرك حتى قالت قبل ان تمنع نفسها :- هل سترحل ؟
نظر إليها مطولا قبل ان يسألها :- هل تريدينني ان أرحل ؟
ازدردت ريقها وقد عجزت عن الرد عليه بالإيجاب .. بل وجدت نفسها تهمس :- ابقى قليلا .. قليلا فقط
عرف سبب خوفها .. فما زال احتمال عودة صلاح قائما .. فقال مطمئنا :- لن أذهب حتى اتأكد من انك نائمة بأمان
حثها على التمدد فوق سريرها .. وغطاها جيدا .. نظرت إليه من بين رموشها وهو جالس على طرف السرير .. وقد اخفت إضاءة الغرفة الخافتة نصف ملامح وجهه .. فقالت بصوت ناعس :- قد أندم على ما سأقوله فيما بعد .. ولكنني حتى الآن .. أظنك أفضل ما حدث في حياتي يا هشام عطار
ثم أغمضت عينيها .. وخلال ثوان كانت قد استغرقت في النوم
ظل هشام لدقائق يتأمل وجهها المستسلم والمسترخي .. بوجه عابس لا تعبير فيه .. قبل أن يحمل نفسه على الخروج من غرفتها وإغلاق الباب خلفه جيدا