طحين المجاملة
بقلم : حسين الأقرع / ولاية الوادي - الجزائر
النّقد باب الجودة ، ولن تقوم القائمة لأيّ عمل إذا لم يـمرْ على صراط الأخذ والرّدّ ، فبالرَّغم من المكاره التي تحفّه، إلاّ أنّ العاقبةَ خيرٌ وأبقى ... من هنا تبدأ الخاتمة .
العلقم مُرّ ، وتبًّا لمن أصرَّ على أنَّه أحلى من السُّكَّر ، ونِتَاج النِّفاق أمر، حين تقتحمُ الرَّداءةُ عرينَ التَّميُّز ، فما رأيت , وما سمعت ، وما خطر على بالي مصيبة أعظم من مصيبة المجاملة في غير موضعها ، أو المبالغة فيها حتى لمن يستحقّها , فهي بحسب التَّشخيص وتكرار الفحص والتَّمحيص لَداء فقدان الإبداع ، تُشِلُّ الفكر وترسم الصِّفر ولها مزَالق أخرى .
وعندما نتحدَّث عن إفرازات المجاملة , وشَرَرِ الجهل الذي ترميه على عجل , فلا يمكن أن نحصرها في جانب معين , فالشَّاعر وقرضه للشِّعر , والجامعي وتصفبفه للشَّعر !! والسّاسة والسِّياسة ... إلخ ... فكلّ ما يتعلق بالحياة الإنسانية فهو في حيِّز الخطر إذا نفثت المجاملة سُـمَّها عليه ، فالمجاملة من أجل جَلب مصلحة على حساب فِكر له ما بعده ... لهي الهاوية بحقِّ اليقين وعلم اليقين وعين اليقين ، وإنها والله موت للمُجَامَل لا بعث بعده .
فاللَّبيب من يرسم لِـخطواته معلمًا متعامدًا متجانسًا ، ولا يسمع إلاّ من مختصّ ، ولا يحسب أنّ مقياس الاختصاص الشّهادة ، فقد يَجدُ حمارا في جلد إنسان ويحمل من الشّهادات الكثير !! ، وعلى النّاقد أن لا يُبَدِّل النُّون راءً فيصبح بِحدِّ ذاته علامة استفهام ، وأن يجعل الضَّمَّة منهاج حياته ، فقيمته بِـحسب ثقل شخصيّته ، فالقوي الأمين من يؤثّر بإيجابية لا متناهية , لِيكون الـحُمَام لا الـحِمَام .
فما الانحطاط الذي تسبح فيه الأمّة العربية في جميع المجالات إلاّ نتيجة للتّصفيق وإرسال التَّهاني والأماني للفاشلين على حساب النَّاجحين ، فهيهات أن يتقمَّص الغراب شخصيَّة الطاووس ...
فالمجاملة لها حدّ ، وتكون من باب التّشجيع للمبتدئين ولو أخطأوا ، وهذا حسب معايير تحدّدها الأخلاق ، أمّا من له في القوم نحو فخطأ منه له عطبه ، فالأحسن التّشديد من غير تعنيف ولا يمكن نسيان أنَّ آخر العلاج الكي ، فالحقّ أحق وما خاب من صدق ، ولو تَسبَّب الصِّدق في نَتْف ريشه ، وتكدير عيشه ، وتعجيل نعشه ... فالنّجاح فعل وقول ، لأنّ النّاجحين أفعالهم تسبق أقوالهم ، وقد يُغْني الفعل عن الحديث ... هنا تنتهي المقدمة .