استمتع بحياتك .....بقلم د.محمد بن عبد الرّحمن العريفي - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام > أرشيف القسم الاسلامي العام

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

استمتع بحياتك .....بقلم د.محمد بن عبد الرّحمن العريفي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-17, 14:08   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي




100 طريقة لكسب قلوب الناس


كل صاحب هم يتفنن في صيد ما يريد ..
عاشق المال يتفنن في جمعه وتنميته .. ويحرص على تعلم مهارات التجارة والربح ..
القنوات الفضائية تتفنن في اصطياد الناس بتنويع البرامج واختيار الأساليب المتجددة .. وتدريب مقدمي البرامج على مهارات تجذب الناس لمتابعتها ..
وقل مثل ذلك في وسائل الإعلام المقروءة .. والمسموعة ..
ومثله مروجو البضائع المختلفة سواء كانت حلالاً أم حراماً ..
كلهم يحرصون على إتقان المهارات التي تفيدهم في مجالهم الذي يحبونه ..
وكسب القلوب فن من الفنون له طرقه وأساليبه ..


هب أنك دخلت مجلساً فيه أربعون رجلاً .. فمررت بالناس تصافحهم ..
فالأول مددت يدك إليه مسلماً فناولك طرف يده .. وقال ببرود : أهلاً .. أهلاً ..
والثاني كان مشغولاً بحديث جانبي .. ففاجأته بالسلام .. فرد ببرود أيضاً وصافحك دون أن ينظر إليك ..
والثالث كان يتحدث بهاتفه .. فمد يده إليك دون أن يتلفظ بكلمة ترحيب .. أو يبدي لك أي اهتمام ..
أما الرابع .. فلما رآك مقبلاً قام مستعداً للسلام .. فلما التقت عينك بعينه ابتسم وأظهر البشاشة بلقياك ..
وصافحك بحرارة .. واحتفى بقدومك .. وأنت لا تعرفه ولا يعرفك !!
ثم أكملت سلامك على الناس .. وجلست ..
بالله عليك ! ألا تشعر أن قلبك ينجذب نحو ذلك الشخص ؟
بلى .. ينجذب إليه .. وأنت لا تعرفه .. ولا تدري عن اسمه .. ولا تعلم وظيفته ولا مركزه .. ومع ذلك استطاع أن يسلب قلبك .. لا بماله .. ولا بمنصبه .. ولا بحسبه ونسبه .. وإنما بمهارات تعامله ..
إذن القلوب لا تكسب بالقوة ولا بالمال ولا بالجمال ولا بالوظيفة .. وإنما تكسب بأقل من ذلك وأسهل .. ومع ذلك فقليل من يستطيع كسبها ..


أذكر أن أحد طلابي في الكلية أصيب بمرض نفسي .. كان نوعاً صعباً من الاكتئاب ..
كان والده ضابطاً يشغل منصباً عالياً .. جاء مراراً إلى الكلية وقابلني وتعاونّا على علاج ابنه ..
كنت أذهب إلى بيتهم أحياناً فأراه قصراً منيفاً .. وأرى مجلس الأب مليئاً بالضيوف .. لا تكاد تجد فيه مكاناً فارغاً ..
كنت أعجب من محبة الناس لهذا الرجل وإقبالهم عليه ..


مضت سنوات وتقاعد الأب من منصبه ..
فذهبت إليه زائراً .. دخلت القصر .. ثم دلفت إلى المجلس وفيه أكثر من خمسين كرسياً .. فلم أر في المجلس إلا الرجل يتابع برنامجاً في التلفاز .. وخادماً يخدمه بالقهوة والشاي .. جلست معه قليلاً ..
فلما خرجت جعلت أتذكر حاله لما كان في وظيفته .. وحاله الآن .. ما الذي كان يجمع الناس فيما مضى ؟
ما الذي كان يجعلهم يلتمون عليه مؤانسين متحببين ؟!
أدركت عندها أن الرجل لم يكسب الناس بأخلاقه ولطفه وحسن تعامله .. وإنما كسبهم بمنصبه ووجاهته وسعة علاقاته ..
فلما زال المنصب زالت معه المحبة ..


فخذ من صاحبنا درساً .. وتعامل مع الناس بمهارات تجعلهم يحبونك لشخصك .. يحبون أحاديثك وابتسامتك ورفقك وحسن معشرك .. يحبون تغاضيك عن أخطائهم .. ووقوفك معهم في مصائبهم ..
لا تجعل قلوبهم معلقة بكرسيك وجيبك !!


الذي يوفر لأولاده وزوجته المال والطعام والشراب لم يكسب قلوبهم .. وإنما كسب بطونهم ..
والذي يغدق على أهله الأموال .. مع سوء التعامل .. لم يكسب قلوبهم .. إنما كسب جيوبهم ..
لذلك لا تستغرب إذا وجدت شاباً تقع له مشكلة فيشكوها إلى صديق أو إمام مسجد أو مدرس .. ويترك أباه .. لأن الأب لم يكسب قلبه .. ولم يحطم الأسوار بينهما .. بينما كسب هذا القلب مدرس أو صديق .. وربما كسبه عدو حاقد !!


وأمر آخر مهم ..
ألا تلاحظ معي أن بعض الناس إذا دخل مجلساً مزدحماً .. وجعل يتلفت باحثاً عن مكان يجلس فيه .. رأيت الجالسين يتسابقون عليه كل يناديه ليجلس بجانبه !.. لماذا؟
هل دعيت يوماً إلى عشاء .. وكان بنظام ( البوفيه المفتوح ) .. بحيث إن كل شخص يأخذ طعامه في طبق ويجلس على إحدى الطاولات الدائرية .. ألم تر بعض الناس ما إن يملأ طبقه بالطعام حتى يتهافت عدد من الناس يشيرون إليه بوجود مكان فارغ .. ليجلس معهم ..
بينما آخر يملأ طبقه بالطعام .. ويتلفت ولا أحد يناديه أو يقبل عليه .. حتى تسوقه قدماه إلى إحدى الطاولات ..
لماذا حرص الناس على الأول دون الثاني ..
ألا تشعر أن بعض الناس تقبل عليه القلوب أينما كان .. وكأن في يده مغناطيس يجذبها به جذباً !!
عجباً ! كيف استطاع هؤلاء جميعا كسب الناس ؟!
إنها طرق ذكية يستطيع بها الشخص أن يصيد بها القلوب ..




قرار ..

قدرتنا على أسر قلوب الآخرين .. وكسب محبتهم الصادقة .. تمنحنا جانباً كبيراً من المتعة بالحياة ..














 


قديم 2011-02-17, 14:11   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


أحسن النية.. لوجه الله ..

جعلت أتأمل أساليب تعامل بعض الأشخاص .. وعشت معهم سنين .. لا أذكر أني رأيت منهم ابتسامة .. بل ولا حتى مجاملة بضحك على طرفة .. أو تفاعل مع متحدث .. كنت أظن أنهم نشئوا هكذا ولا يستطيعون غيره ..
ثم تفاجأت برؤيتهم في مواطن معينة .. ومع بعض الناس – من الأغنياء وأصحاب النفوذ تحديداً – يحسنون الضحك والتلطف ..
فأدركت أنهم ما يفعلون ذلك إلا لمصلحة .. فيفوتهم بذلك أجر عظيم ..
إذن المؤمن يتعبد لله تعالى بأخلاقه ومهارات تعامله .. مع جميع الناس .. لا لأجل منصب أو مال .. ولا لأجل أن يمدحه الناس .. ولا لأجل أن يزوج أو يسلف مالاً .. وإنما ليحبه الله ويحببه إلى خلقه ..
نعم .. من اعتبر حسن الخلق عبادة .. صار يتعامل بأحسن المهارات مع الغني والفقير .. والمدير والفرّاش ..


لو مررت يوماً بعامل مسكين يكنس الشارع .. ومد يده إليك ؟ ودخلت يوماً آخر على مسئول كبير فمد يده .. هل هما متساويان ؟ في احتفائك بهما .. وتبسمك وبشاشتك ؟
لا أدري !!
أما رسول الله صلى الله عليه و سلم فكانا عنده متساويين في الاحتفاء والنصح والشفقة ..
وما يدريك لعل من تزدريه وتتكبر عليه يكون عند الله خيراً من ملء الأرض من مثل الذي تكرمه وتقبل عليه ..
قال صلى الله عليه و سلم ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ) ([1]) ..
وقال للأشج بن عبد قيس : ( إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله ) ..
فما هما الخصلتان :قيام الليل ! صيام النهار ؟ ..
استبشر الأشج رضي الله عنه .. وقال : ما هما يا رسول الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام ( الحلم .. والأناة ) .. ([2])


وسئل صلى الله عليه و سلم عن البر ؟.. فقال : ( البر حسن الخلق ) .. ([3])
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال : ( تقوى الله وحسن الخلق ) ..([4])


وقال صلى الله عليه و سلم : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) .. ([5])
وقال صلى الله عليه و سلم : ( ما شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق ) ..([6])


وقال صلى الله عليه و سلم : ( إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار ) ..([7])


ومن حسن خلقه ربح في الدارين .. وإن شئت فانظر إلى أم سلمة رضي الله عنها ..
وقد جلست مع رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فتذكرت الآخرة وما أعد الله فيها ..
فقالت : يا رسول الله .. المرأة يكون لها زوجان في الدنيا .. فإذا ماتت .. وماتا ..
فإذا ماتت وماتا ودخلوا جميعاً إلى الجنة .. فلمن تكون ؟
فماذا قال ؟ تكون لأطولهما قياماً ؟ أم لأكثرهما صياماً ؟ أم لأوسعهما علماً ؟ كلا ..
وإنما قال : تكون لأحسنهما خلقاً ..
فعجبت أم سلمة .. فلما رأى دهشتها قال عليه الصلاة والسلام :
ياااا أم سلمة .. ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة ..
نعم ذهب بخيري الدنيا والآخرة ..
أما خير الدنيا فهو ما يكون له من محبة في قلوب الخلق .. وأما خير الآخرة فهو ما يكون له من الأجر العظيم ..


ومهما أكثر الإنسان من الأعمال الصالحات .. فإنها قد تفسد عليه إذا كان سيء الخلق ..
ذُكر للنبي صلى الله عليه و سلم حالُ امرأة ..
وذكر له أنها تصلي وتصوم وتتصدق وتفعل .. لكنها تؤذي جيرانها بلسانها ..( يعني سيئة الخلق ) ..
فقال صلى الله عليه و سلم : ( هي في النار ) ..


وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم الأسوة الحسنة ..
في كل خلق حميد .. كان أكرمَ الناس .. وأشجعَهم .. وأحلمَهم ..
كان أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها ..
كان أميناً صادقاً .. يشهد له الكفار بذلك قبل المؤمنين .. والفساقُ قبل الصالحين ..
حتى قالت خديجة رضي الله عنها أول ما نزل عليه الوحي .. لما رأت تغير حاله .. قالت :
والله لا يخزيك الله أبداً .. ( لمـــاذا ؟؟ ) ..
إنك لتصل الرحم ..
وتحمل الكل ..
وتكسب المعدوم ..
وتقري الضيف ..
وتعين على نوائب الحق ..
وتصدق الحديث ..
وتؤدي الأمانة ..
بل أثنى الله عليه ثناء نتلوه إلى يوم القيامة .. فقال : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ..
وكان صلى الله عليه و سلم خلقَه القرآن ..
نعم خلقه القرآن .. فإذا قرأ ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) .. أحسن .. نعم أحسن إلى الكبير والصغير .. والغني والفقير .. إلى شرفاء الناس ووضعائهم .. وكبارهم وصغارهم ..
وإذا سمع قول الله : ( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ) .. عفا وصفح ..
وإذا تلا : ( وقولوا للناس حسناً ) .. تكلم بأحسن الكلام ..
فمادام أنه صلى الله عليه و سلم قدوتنا .. ومنهجه منهجُنا ..
تأمل حياته صلى الله عليه و سلم .. كيف كان يتعامل مع الناس .. كيف كان يعالج أخطاءهم .. ويتحمل أذاهم ..
كيف كان يتعب لراحتهم .. وينصب لدعوتهم ..
فيوماً تراه يسعى في حاجة مسكين .. ويوماً يفصل خصومة بين المؤمنين ..
ويوماً يدعو الكافرين ..
حتى كبرت سنه .. ورق عظمه .. ووصفت عائشة حاله فقالت :
كان أكثرُ صلاة النبي صلى الله عليه و سلم بعدما كبر جالساً ( لمـــاذا ؟؟ ) ..
بعدما حطمه الناس .. نعم .. حطمه الناس ..


وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام


بل بلغ من حرصه صلى الله عليه و سلم على الخلق الحسن .. أنه كان يدعو الله فيقول – ( اللهم كما أحسنت خَلْقي فأحسن خُلقي ) ([8]) ..
وكان يقول : ( اللهم أهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وأصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ) ([9])
فنحن نحتاج إلى أن نقتدي به صلى الله عليه و سلم في أخلاقه ..
مع المسلمين لكسبهم ودعوتهم ..
بل ومع الكافرين ليعرفوا حقيقة الإسلام ..



إشارة ..

أحسن النية .. لتكون مهارات تعاملك مع الآخرين عبادة تتقرب بها إلى الله ..



( [1] ) رواه الترمذي

( [2] ) رواه أحمد

( [3] ) رواه مسلم

( [4] ) رواه الترمذي

( [5] ) رواه الترمذي

( [6] ) رواه البخاري في الأدب المفرد

( [7] ) رواه الترمذي

( [8] ) رواه أحمد

( [9] ) رواه مسلم


===










قديم 2011-02-17, 14:17   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

استعمل الطُّعم المناسب !!

الناس بطبيعتهم يتفقون في أشياء كلهم يحبونها ويفرحون بها ..
ويتفقون في أشياء أخرى كلهم يكرهونها ..
ويختلفون في أشياء منهم من يفرح بها .. ومنهم من يستثقلها ..
فكل الناس يحبون التبسم في وجوههم .. ويكرهون العبوس والكآبة ..
لكنهم إلى جانب ذلك .. منهم من يحب المرح والمزاح .. ومنهم من يستثقله ..
منهم من يحب أن يزوره الناس ويدعونه .. ومنهم الانطوائي ..
ومنهم من يحب الأحاديث وكثرة الكلام .. ومنهم من يبغض ذلك ..
وكل واحد في الغالب يرتاح لمن وافق طباعه .. فلماذا لا توافق طباع الجميع عند مجالستهم .. وتعامل كل واحد بما يصلح له ليرتاح إليك ؟


ذكروا أن رجلاً رأى صقراً يطير بجانب غراب !! فعجب .. كيف يطير ملك الطيور مع غراب !! فجزم أن بينهما شيئاً مشتركاً جعلهما يتوافقان ..
فجعل يتبعهما ببصره .. حتى تعبا من الطيران فحطا على الأرض فإذا كلهما أعرج !!
فإذا علم الولد أن أباه يؤثر السكوت ولا يحب كثرة الكلام .. فليتعامل معه بمثل ذلك ليحبه ويأنس بقربه ..
وإذا علمت الزوجة أن زوجها يحب المزاح .. فلتمازحه .. فإن علمت أنه ضد ذلك فلتتجنب ..
وقل مثل ذلك عند تعامل الشخص مع زملائه .. أو جيرانه .. أو إخوانه ..
لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم
طبائع لست تحصيهن ألوان


أذكر أن عجوزاً صالحة – وهي أم لأحد الأصدقاء – كانت تمدح أحد أولادها كثيراً .. وترتاح إذا زارها أو تحدث معها .. مع أن بقية أولادها يبرون بها ويحسنون إليها .. لكن قلبها مقبل على ذاك الولد ..
كنت أبحث عن السرّ .. حتى جلست معه مرة فسألته عن ذلك .. فقال لي : المشكلة أن إخواني لا يعرفون طبيعة أمي .. فإذا جلسوا معها صاروا عليها ثقلاء ..
فقلت له مداعباً : وهل اكتشف معاليكم طبيعتها ..!!
ضحك صاحبي وقال : نعم .. سأخبرك بالسرّ ..
أمي كبقية العجائز .. تحب الحديث حول النساء وأخبار من تزوجت وطلقت .. وكم عدد أبناء فلانة .. وأيهم أكبر .. ومتى تزوج فلان فلانة ؟ وما اسم أول أولادهما ..
إلى غير ذلك من الأحاديث التي أعتبرها أنا غير مفيدة .. لكنها تجد سعادتها في تكرارها .. وتشعر بقيمة المعلومات التي تذكرها .. لأننا لن نقرأها في كتاب ولن نسمعها في شريط .. ولا تجدها – قطعاً – في شبكة الإنترنت !!
فتشعر أمي وأنا أسألها عنها أنها تأتي بما لم يأت به الأولون .. فتفرح وتنبسط .. فإذا جالستها حركت فيها هذه المواضيع فابتهجت .. ومضى الوقت وهي تتحدث ..
وإخواني لا يتحملون سماع هذه الأخبار .. فيشغلونها بأخبار لا تهمها .. وبالتالي تستثقل مجلسهم .. وتفرح بي !!
هذا كل ما هنالك ..


نعم أنت إذا عرفت طبيعة من أمامك .. وماذا يحب وماذا يكره .. استطعت أن تأسر قلبه ..


ومن تأمل في تعامل النبي عليه الصلاة و السلام .. مع الناس وجد أنه كان يعامل مع كل شخص بما يتناسب مع طبيعته ..
في تعامله مع زوجاته كان يعامل كل واحدة بالأسلوب الذي يصلح لها ..
عائشة كانت شخصيتها انفتاحية .. فكان يمزح معها .. ويلاطفها ..
ذهبت معه مرة في سفر .. فلما قفلوا راجعين واقتربوا من المدينة .. قال عليه الصلاة و السلام للناس :
تقدموا عنا ..
فتقدم الناس عنه .. حتى بقي مع عائشة ..
وكانت جارية حديثة السن .. نشيطة البدن ..
فالتفت إليها ثم قال : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. وركضت وركضت .. حتى سبقته ..
وبعدها بزمان .. خرجت معه صلى الله عليه و سلم في سفر ..
بعدما كبرت وسمنت .. وحملت اللحم وبدنت ..
فقال عليه الصلاة و السلام للناس : تقدموا .. فتقدموا ..
ثم قال لعائشة : تعاليْ حتى أسابقك .. فسابقته .. فسبقها ..
فلما رأى ذلك ..
جعل يضحك ويضرب بين كتفيها .. ويقول : هذه بتلك .. هذه بتلك ..
بينما كان يتعامل مع خديجة تعاملاً آخر .. فقد كانت تكبره في السن بخمس عشرة سنة ..



حتى مع أصحابه .. كان يراعي ذلك .. فلم يلبس أبا هريرة عباءة خالد .. ولم يعامل أبا بكر كما يعامل طلحة ..
وكان يتعامل مع عمر تعاملاً خاصاً .. ويسند إليه أشياء لا يسندها إلى غيره ..


انظر إليه عليه الصلاة و السلام وقد خرج مع أصحابه إلى بدر ..
فلما سمع بخروج قريش .. عرف أن رجالاً من قريش سيحضرون إلى ساحة المعركة كرهاً .. ولن يقع منهم قتال على المسلمين ..
فقام عليه الصلاة و السلام في أصحابه وقال : إني قد عرفت رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً .. لا حاجة لهم بقتالنا ..
فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله ..
ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله ..
ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يقتله .. فإنه إنما خرج مستكرهاً ..
وقيل إن العباس كان مسلماً يكتم إسلامه .. وينقل أخبار قريش إلى رسول الله عليه الصلاة و السلام .. فلم يحب النبي عليه الصلاة و السلام أن يقتله المسلمون .. ولم يحب كذلك أن يظهر أمر إسلامه ..


كانت هذه المعركة أول معركة تقوم بين الفريقين .. المسلمين وكفار قريش ..
وكانت نفوس المسلمين مشدودة .. فهم لم يستعدوا لقتال .. وسيقاتلون أقرباء وأبناء وآباء ..
وهذا رسول الله عليه الصلاة و السلام يمنعهم من قتل البعض ..
وكان عتبة بن ربيعة من كبار كفار قريش .. ومن قادة الحرب ..
وكان ابنه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة .. مع المسلمين .. فلم يصبر أبو حذيفة .. بل قال :
أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس !! والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف ..
فبلغت كلمته رسول الله عليه الصلاة و السلام .. فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام .. فإذا حوله أكثر من ثلاثمائة بطل ..
فوجه نظره فوراً إلى عمر .. ولم يلتفت إلى غيره .. وقال :
يا أبا حفص .. أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟!
قال عمر : والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بأبي حفص ..
وكان عمر رهن إشارة النبي عليه الصلاة و السلام .. ويعلم أنهم في ساحة قتال لا مجال فيها للتساهل في التعامل مع من يخالف أمر القائد .. أو يعترض أمام الجيش ..
فاختار عمر حلاً صارماً فقال : يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف ..
فمنعه النبي عليه الصلاة و السلام .. ورأى أن هذا التهديد كاف في تهدئة الوضع ..


كان أبو حذيفة رضي الله عنه رجلاً صالحاً .. فكان بعدها يقول : ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ .. ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة .. فقتل يوم اليمامة شهيداً رضي الله عنه ..


هذا عمر .. كان عليه الصلاة و السلام يعلم بنوع الأعمال التي يسندها إليه .. فليس الأمر متعلقاً بجمع صدقات .. ولا بإصلاح متخاصمين .. ولا بتعليم جاهل .. وإنما هم في ساحة قتال فكانت الحاجة إلى الرجل الحازم المهيب أكثر منها إلى غيره .. لذا اختار عمر .. واستثاره : أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟!


وفي موقف آخر ..
يقبل النبي صلى الله عليه و سلم على خيبر .. ويقاتل أهلها قتالاً يسيراً ..
ثم يصالحهم ويدخلها .. واشترط عليهم أن لا يكتموا شيئاً من الأموال .. ولا يغيبوا شيئاً .. ولا يخبئوا ذهباً ولا فضة .. بل يظهرون ذلك كله ويحكم فيه ..
وتوعدهم إن كتموا شيئاً أن لا ذمة لهم ولا عهد ..
وكان حيي بن أخطب من رؤوسهم .. وكان جاء من المدينة بجلد تيس مدبوغ ومخيط ووملوء ذهباً وحلياً .. وقد مات حيي وترك المال .. فخبئوه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
فقال عليه الصلاة و السلام لعم حيي بن أخطب : ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير ؟ أي الجلد المملوء ذهباً ..
فقال : أذهبته النفقات والحروب ..
فتفكر عليه الصلاة و السلام في الجواب .. فإذا موت حيي قريب والمال كثير .. ولم تقع حروب قريبة تضطرهم إلى إنفاقه ..
فقال عليه الصلاة و السلام : العهد قريب .. والمال أكثر من ذلك ..
فقال اليهودي : المال والحلي قد ذهب كله ..
فعلم النبي عليه الصلاة و السلام أنه يكذب .. فنظر عليه الصلاة و السلام إلى أصحابه فإذا هم كثير بين يديه .. وكلهم رهن إشارته ..
فالتفت إلى الزبير بن العوام وقال : يا زبير .. مُسَّه بعذاب ..
فأقبل إليه الزبير متوقداً ..
فانتفض اليهودي .. وعلم أن الأمر جد .. فقال : قد رأيت حُيياً يطوف في خربة ها هنا .. وأشار إلى بيت قديم خراب .. فذهبوا فطافوا فوجدوا المال مخبئاً في الخربة ..
هذا في حاله عليه الصلاة و السلام مع الزبير .. يعطي القوس باريها ..
وكان الصحابة يتعامل بعضهم مع بعض على هذا الأساس ..



لما مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم مرض الموت .. واشتد عليه الوجع .. لم يستطع القيام ليصلي بالناس ..
فقال وهو على فراشه : مروا أبا بكر فليصل بالناس ..
وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً .. وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة و السلام في حياته وبعد مماته .. وهو صديقه في الجاهلية والإسلام .. وهو أبو زوجة النبي صلى الله عليه و سلم عائشة .. وهو .. وكان يحمل في صدره جبلاً من حزن بسبب مرض النبي عليه الصلاة و السلام ..
فلما أمر النبي عليه الصلاة و السلام أن يبلغوا أبا بكر ليصلي بالناس ..
قال بعض الحاضرين عند النبي صلى الله عليه و سلم : إن أبا بكر رجل أسيف .. أي رقيق .. إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس .. أي من شدة التأثر والبكاء ..
وكان النبي عليه الصلاة و السلام يعلم ذلك عن أبي بكر .. أنه رجل رقيق يغلبه البكاء .. خاصة في هذا الموطن ..
لكنه عليه الصلاة و السلام كان يشير إلى أحقية أبي بكر بالخلافة من بعده .. يعني : إذا أنا غير موجود فأبو بكر يتولى المسئولية ..
فأعاد عليه الصلاة و السلام الأمر : مروا أبا بكر فليصل بالناس .. حتى صلى أبو بكر ..
ومع رقة أبي بكر .. إلا أنه كان ذا هيبة .. وله حدة غضب أحياناً تكسوه جلالاً ..
وكان رفيق دربه عمر رضي الله عنه يراعي ذلك منه ..


انظر إليهم جميعاً رضي الله عنهم و أرضاهم .. وقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة .. بعد وفاة النبي عليه الصلاة و السلام .. ليتفقوا على خليفة ..
اجتمع المهاجرون والأنصار .. وانطلق عمر إلى أبي بكر واصطحبا إلى السقيفة ..
قال عمر : فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة .. فلما جلسنا تشهد خطيب الأنصار .. وأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال :
أما بعد فنحن أنصار الله .. وكتيبة الإسلام .. وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا .. وقد دفت دافة من قومكم وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا .. ويغصبونا الأمر ..
فلما سكت أردت أن أتكلم ، وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر .. وكنت أداري منه بعض الحِدّة ..
فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر ..
فكرهت أن أغضبه ..
فتكلم وهو كان أعلم مني وأوقر .. فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته .. أو قال مثلها .. أو أفضل منها حتى سَكَتَ ..
قال أبو بكر : أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل .. ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش .. هم أوسط العرب نسباً وداراً .. وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم ..
وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ..
ولم أكره شيئا مما قاله غيرها .. كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقرّبني ذلك إلى إثم .. أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ..



سكت الناس ..
فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك .. وعذيقها المرجب .. منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش .. <660>
قال عمر : فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف ..
فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ..


نعم .. كل واحد من الناس له مفتاح تستطيع به فتح أبواب قلبه .. وكسب محبته والتأثير عليه ..
وهذا تلاحظه في حياة الناس .. أفلم تسمع زملاء عملك يوماً يقولون : المدير .. مفتاحه فلان .. إذا أردتم شيئاً فاجعلوا فلاناً يطلبه لكم .. أو يقنع المدير به ..
فلماذا لا تجعل مهاراتك مفاتيح لقلوب الناس .. فتكون رأساً لا ذيلاً ..
نعم كن متميزاً .. وابحث عن مفتاح قلب أمك وأبيك وزوجتك وولدك ..
اعرف مفتاح قلب مديرك في العمل .. زملائك ..
ومعرفة هذه المفاتيح تفيدنا حتى في جعلهم يتقبلون النصح الذي يصدر منا لهم .. إذا أحسنا تقديم هذا النصح بأسلوب مناسب ..
فهم ليسوا سواء في طريقة النصح .. بل حتى في إنكار الخطأ إذا وقع منهم ..



وانظر إلى رسول الله عليه الصلاة و السلام وقد جلس يوماً في مجلسه المبارك يحدث أصحابه ..
فبينما هم على ذلك .. فإذا برجل يدخل إلى المسجد .. يتلفت يميناً ويساراً .. فبدل أن يأتي ويجلس في حلقة النبي عليه الصلاة و السلام .. توجه إلى زاوية من زوايا المسجد .. ثم جعل يحرك إزاره !!
عجباً !! ماذا سيفعل ؟!
رفع طرف إزاره من الأمام ثم جلس بكل هدوء .. يبول ..!!
عجب الصحابة .. وثاروا .. يبول في المسجد !!
وجعلوا يتقافزون ليتوجهوا إليه .. والنبي عليه الصلاة و السلام يهدئهم .. ويسكن غضبهم .. ويردد : لا تزرموه .. لا تعجلوا عليه .. لا تقطعوا عليه بوله ..
والصحابة يلتفتون إليه .. وهو لعله لم يدر عنهم .. لا يزال يبول ..
والنبي عليه الصلاة و السلام يرى هذا المنظر .. بول في المسجد .. ويهدئ أصحابه !!
آآآه مااااا أحلمه !!
حتى إذا انتهى الأعرابي من بوله .. وقام يشد على وسطه إزاره .. دعاه النبي صلى الله عليه و سلم بكل رفق ..
أقبل يمشي حتى إذا وقف بين يديه .. قال له عليه الصلاة و السلام بكل رفق :
إن هذه المساجد لم تبن لهذا .. إنما بنيت للصلاة وقراءة القرآن ..
انتهى .. نصيحة باختصار ..
فَهِم الرجل ذلك ومضى ..
فلما جاء وقت الصلاة أقبل ذاك الأعرابي وصلى معهم ..
كبر النبي عليه الصلاة و السلام بأصحابه مصلياً .. فقرأ ثم ركع .. فلما رفع عليه الصلاة و السلام من ركوعه قال : سمع الله لمن حمده ..
فقال المأمومون : ربنا ولك الحمد .. إلا هذا الرجل قالها وزاد بعدها : اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً !!
وسمعه النبي عليه الصلاة و السلام .. فلما انتهت الصلاة .. التفت عليه الصلاة و السلام
فناداه النبي صلى الله عليه و سلم فلما وقف بين يديه فإذا هو الأعرابي نفسه .. وقد تمكن حب النبي عليه الصلاة و السلام من قلبه حتى ود لو أن الرحمة تصيبهما دون غيرهما ..
فقال له عليه الصلاة و السلام معلماً : لقد تحجرت واسعاً !! أي إن رحمة الله تعالى تسعنا جميعاً وتسع الناس .. فلا تضيقها علي وعليك ..
فانظر كيف ملك عليه قلبه .. لأنه عرف كيف يتصرف معه .. فهو أعرابي أقبل من باديته .. لم يبلغ من العلم رتبة أبي بكر وعمر .. ولا معاذ وعمار .. فلا يؤاخذ كغيره ..


وإن شئت فانظر أيضاً إلى معاوية بن الحكم رضي الله عنه .. كان من عامة الصحابة .. لم يكن يسكن المدينة .. ولم يكن مجالساً للنبي عليه الصلاة والسلام ..
وإنما كان له غنم في الصحراء يتتبع بها الخضراء ..
أقبل معاوية يوماً إلى المدينة فدخل المسجد .. وجلس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه .. فسمعه يتكلم عن العطاس .. وكان مما علم أصحابه أن إذا سمع المسلم أخاه عطس فحمد الله فإنه يقول له : يرحمك الله ..
حفظها معاوية .. وذهب بها ..
وبعد أيام جاء إلى المدينة في حاجة .. فدخل المسجد فإذا النبي عليه الصلاة والسلام يصلي بأصحابه .. فدخل معهم في الصلاة ..
فبينما هم على ذلك إذ عطس رجل من المصلين ..
فما كاد يحمد الله .. حتى تذكر معاوية أنه تعلم أن المسلم إذا عطس فقال الحمد لله .. فإن أخاه يقول له يرحمك الله ..
فبادر معاوية العاطس قائلاً بصوت عالٍ : يرحمك الله .
فاضطرب المصلون .. وجعلوا يلتفتون إليه منكرين .
فلما رأى دهشتهم .. اضطرب وقال : وااااثكل أُمِّياه !!.. ما شأنكم تنظرون إليّ ؟ ..
فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ليسكت ..
فلما رآهم يصمّتونه صمت ..
فلما انتهت الصلاة ..
التفت عليه الصلاة و السلام إلى الناس .. وقد سمع جلبتهم وأصواتهم .. وسمع صوت من تكلم .. لكنه صوت جديد لم يعتد عليه .. فلم يعرفه .. فسألهم :
من المتكلم .. فأشاروا إلى معاوية ..
فدعاه النبي عليه الصلاة والسلام إليه ..
فأقبل عليه معاوية فزعاً لا يدري بماذا سيستقبله .. وهو الذي أشغلهم في صلاتهم .. وقطع عليهم خشوعهم ..
قال معاوية رضي الله عنه : فبأبي هو وأمي صلى الله عليه و سلم .. والله ما رأيـت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه .. والله ما كهرني .. ولا ضربني .. ولا شتمني ..
وإنما قال : يا معاوية .. إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس .. إنما هي التسبيح والتكبير .. وقراءة القرآن .. انتهى .. نصيحة باختصار ..
ففهمها معاوية ..
ثم ارتاحت نفسه .. واطمأن قلبه .. فجعل يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن خواصّ أموره ..
فقال : يا رسول الله .. إني حديث عهد بجاهلية .. وقد جاء الله بالإسلام .. وإن منا رجالاً يأتون الكهان ( وهم الذين يدعون علم الغيب ) .. يعني فسألونهم عن الغيب ..
فقال عليه الصلاة و السلام : فلا تأتهم .. يعني لأنك مسلم .. والغيب لا يعلمه إلا الله ..
قال معاوية : ومنا رجال يتطيرون ( أي يتشاءمون بالنظر إلى الطير ) ..
فقال عليه الصلاة و السلام : ذاك شيء يجدونه في صدورهم .. فلا يصدنهم ( أي لا يمنعهم ذلك عن وجهتهم .. فإن ذلك لا يؤثر نفعاً ولا ضراً ) ..
هذا تعامله عليه الصلاة و السلام مع أعرابي بال في المسجد .. ورجل تكلم في الصلاة .. عاملهم مراعياً أحوالهم .. لأن الخطأ من مثلهم لا يستغرب ..


أما معاذ بن جبل فقد كان من أقرب الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .. ومن أكثرهم حرصاً على طلب العلم ..
فكان تعامل النبي عليه الصلاة و السلام مع أخطائه مختلفاً عن تعامله مع أخطاء غيره ..
كان معاذ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم العشاء .. ثم يرجع فيصلي بقومه العشاء إماماً بهم في مسجدهم .. فتكون الصلاة له نافلة ولهم فريضة ..
رجع معاذ ذات ليلة لقومه ودخل مسجدهم فكبر مصلياً بهم ..
أقبل فتى من قومه ودخل معه في الصلاة .. فلما أتم معاذ الفاتحة قال " ولا الضالين " فقالوا " آمين " ..
ثم افتتح معاذ سورة البقرة !!
كان الناس في تلك الأيام يتعبون في العمل في مزارعهم ورعيهم دوابهم طوال النهار .. ثم لا يكادون يصلون العشاء حتى يأوون إلى فرشهم ..
هذا الشاب .. وقف في الصلاة .. ومعاذ يقرأ ويقرأ ..
فلما طالت الصلاة على الفتى .. أتم صلاته وحده .. وخرج من المسجد وانطلق إلى بيته ..
انتهى معاذ من الصلاة ..
فقال له بعض القوم : يا معاذ .. فلان دخل معنا في الصلاة .. ثم خرج منها لما أطلت ..
فغضب معاذ وقال : إن هذا به لنفاق .. لأخبرن رسول الله عليه الصلاة و السلام بالذي صنع ..
فأبلغوا ذلك الشاب بكلام معاذ .. فقال الفتى : وأنا لأخبرن رسول الله عليه الصلاة و السلام بالذي صنع ..
فغدوا على رسول الله عليه الصلاة و السلام فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى ..
فقال الفتى : يا رسول الله .. يطيل المكث عندك ثم يرجع فيطيل علينا الصلاة .. والله يا رسول الله إنا لنتأخر عن صلاة العشاء مما يطول بنا معاذ ..
فسأل الله النبي صلى الله عليه و سلم معاذاً : ماذا تقرأ ؟!
فإذا بمعاذ يخبره أنه يقرأ بالبقرة .. و .. وجعل يعدد السور الطوال ..
فغضب النبي صلى الله عليه و سلم لما علم أن الناس يتأخرون عن الصلاة بسبب الإطالة .. وكيف صارت الصلاة ثقيلة عليهم ..
فالتفت إلى معاذ وقال : أفتان أنت يا معاذ ..؟!
يعني تريد أن تفتن الناس وتبغضهم في دينهم ..
ن
اقرأ بـ "السماء والطارق" ، "والسماء ذات البروج" ، "والشمس وضحاها" ، "والليل إذا يغشى" ..
ثم التفت عليه الصلاة و السلام إلى الفتى وقال له متلطفاً : كيف تصنع أنت يا بن أخي إذا صليت ؟
قال : أقرأ بفاتحة الكتاب .. وأسأل الله الجنة .. وأعوذ به من النار ..
ثم تذكر الفتى أنه يرى النبي عليه الصلاة و السلام يدعو ويكثر .. ويرى معاذاً كذلك ..
فقال في آخر كلامه : وإني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ .. أي دعاؤكما الطويل لا أعرف مثله !!
فقال عليه الصلاة و السلام : إني ومعاذ حول هاتين ندندن .. يعني دعاؤنا هو فيما تدعو به .. حول الجنة والنار ..
فقال الشاب : ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم وقد خبروا أن العدو قد أتوا .. ما أصنع .. يعني في الجهاد في سبيل الله .. سيتبين لمعاذ إيماني وهو الذي يصفني بالنفاق !
فما لبثوا أياماً .. حتى قامت معركة فقاتل فيها الشاب .. فاستشهد رضي الله عنه ..
فلما علم به عليه الصلاة و السلام .. قال لمعاذ : ما فعل خصمي وخصمك ؟ يعني الذي اتهمته يا معاذ بالنفاق ..
قال معاذ : يا رسول الله ، صدق الله وكذبتُ .. لقد استشهد ..
فتأمل الفرق في طبائع الرجال .. ومقاماتهم .. وكيف أدى إلى اختلاف تعامل النبي عليه الصلاة و السلام معهم ..


بل .. انظر إلى تعامله عليه الصلاة و السلام مع أسامة بن زيد .. وهو حبيب رسول الله صلى الله عليه و سلم .. وقد تربى في بيته ..
بعث النبي عليه الصلاة و السلام أصحابه إلى الحرقات من قبيلة جهينة ..
وكان أسامة بن زيد رضي الله عنه من ضمن المقاتلين بالجيش ..
ابتدأ القتال .. في الصباح ..
انتصر المسلمون وهرب مقاتلو العدو ..
كان من بين جيش العدو رجل يقاتل .. فلما رأى أصحابه منهزمين .. ألقى سلاحه وهرب ..فلحقه أسامة ومعه رجل من الأنصار .. ركض الرجل وركضوا خلفه .. وهو يشتد فزعاً ..
حتى عرضت لهم شجرة فاحتمى الرجل بها ..
فأحاط به أسامة والأنصاري .. ورفعا عليه السيف ..
فلما رأى الرجل السيفين يلتمعان فوق رأسه .. وأحسَّ الموت يهجم عليه .. انتفض وجعل يجمع ما تبقى من ريقه في فمه .. ويردد فزعاً : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
تحير الأنصاري وأسامة .. هل أسلم الرجل فعلاً .. أم أنها حيلة افتعلها ..
كانوا في ساحة قتال .. والأمور مضطربة .. يتلفتون حولهم فلا يرون إلا أجساداً ممزقة..وأيدي مقطعة..قد اختلط بعضها ببعض ..الدماء تسيل..النفوس ترتجف ..
الرجل بين أيديهما ينظران إليه .. لا بد من الإسراع باتخاذ القرار .. ففي أي لحظة قد يأتي سهم طائش أو غير طائش .. فيرديهما قتيلين ..
لم يكن هناك مجال للتفكير الهادئ ..
فأما الأنصاري فكف سيفه ..
وأما أسامة فظن أنها حيلة .. فضربه بالسيف حتى قتله ..
عادوا إلى المدينة تداعب قلوبهم نشوة الانتصار ..


وقف أسامة بين يدي النبي عليه الصلاة و السلام .. وحكى له قصة المعركة .. وأخبره بخبر الرجل وما كان منه ..
كان قصة المعركة تحكي انتصاراً للمسلمين .. وكان عليه الصلاة و السلام يستمع مبتهجاً ..
لكن أسامة قال : .. ثم قتلته ..
فتغير النبي صلى الله عليه و سلم .. وقال : قال لا إله إلا الله .. ثم قتلته ؟!!
قلت : يا رسول الله لم يقلها من قبل نفسه .. إنما قالها فرقا من السلاح ..
فقال عليه الصلاة و السلام : قال لا إله إلا الله .. ثم قتلته !! هلا شققت عن قلبه حتى تعلم أنه إنما قالها فرقاً من السلاح ..
وجعل عليه الصلاة و السلام يحد بصره إلى أسامة ويكرر : قال لا إله إلا الله ثم قتلته ..!! قال لا إله إلا الله ثم قتلته ..!! ثم قتلته ..!! كيف لك بلا إله إلا الله إذا جاءت تحاجك يوم القيامة !!
وما زال عليه الصلاة و السلام يكرر ذلك على أسامة ..
قال أسامة : فما زال يكررها علي حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يؤمئذ ..


رأي ..

لا تحسب الناس نوعاً واحداً فلهم
طبائع لست تحصيهن ألوان










قديم 2011-02-17, 14:22   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


اختر الكلام المناسب ..

يتبع ما سبق أيضاً طريقة الكلام مع الناس ونوعية الأحاديث التي تثار معهم ..
فإذا جلست مع أحد فأثر الأحاديث المناسبة له ..
وهذا من طبيعة البشر .. فالأحاديث التي تثيرها مع شاب تختلف عن الأحاديث مع الشيخ ..
ومع العالم تختلف عن الجاهل ..
ومع الزوجة تختلف عن الأخت ..
لا أعني الاختلاف التام .. بحيث إن القصة التي تحكيها للأخت لا يصح أن تحكيها للزوجة ! أو التي تذكرها للشاب لا يصح أن يسمعها الشيخ !! لا ..
وإنما أعني الاختلاف اليسير الذي يطرأ على أسلوب عرض القصة وربما كيانها كله ..
وبالمثال يتضح المقال ..
لو جلست مع ضيوف كبار في السن جاوزت أعمارهم الثمانين أقبلوا زائرين لجدك .. فهل من المناسب أن تقص عليهم وأنت ضاحك مستبشر قصتك لما ذهبت مع زملائك للبر ؟! وكيف أن فلاناً سجل هدفاً أثناء لعب الكرة .. وكيف ثبت الكرة برأسه ثم ضربها بركبته .. لا شك أنه غير مناسب ..
وكذلك لو تحدثت مع أطفال صغار .. من غير المناسب أن تذكر لهم قصصاً تتعلق بتعامل الأزواج مع زوجاتهم ..
أظننا نتفق على ذلك ..
إذن من أساليب جذب الناس اختيار الأحاديث التي يحبونها .. وإثارتها ..
كأب له ولد متفوق .. من المناسب أن تسأله عنه .. لأنه بلا شك يفخر به ويحب أن يذكره دائماً ..
أو رجل فتح دكاناً وكسب منه أرباحاً .. فمن المناسب أن تسأله عن دكانه وإقبال الناس عليه .. لأن هذا يفرحه .. وبالتالي يحبك ويحب مجالستك ..


وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يراعي ذلك ..
فحديثه مع الشاب يختلف عن حديثه مع الشيخ .. أو المرأة .. أو الطفل ..
جابر بن عبد الله رضي الله عنه الصحابي الجليل .. قتل أبوه في معركة أحد .. وخلف عنده تسع أخوات ليس لهن عائل غيره .. وخلف ديناً كثيراً .. على ظهر هذا الشاب الذي لا يزال في أول شبابه ..
فكان جابر دائماً ساهم الفكر .. منشغل البال بأمر دَينه وأخواته .. والغرماء يطالبونه صباحاً ومساءً ..
خرج جابر مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة ذات الرقاع .. وكان لشدة فقره على جمل كليل ضعيف ما يكاد يسير .. ولم يجد جابر ما يشتري به جملاً .. فسبقه الناس وصار هو في آخر القافلة ..
وكان النبي صلى الله عليه و سلم يسير في آخر الجيش .. فأدرك جابراً وجمله يدبُّ به دبيباً .. والناس قد سبقوه ..
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : مالك يا جابر ؟
قال : يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا ..
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أنخه ..
فأناخه جابر وأناخ النبي صلى الله عليه و سلم ناقته ..
ثم قال : أعطني العصا من يدك أو اقطع لي عصا من شجرة ..فناوله جابر العصا ..
برَكَ الجمل على الأرض كليلاً ضعيفاً ..
فأقبل عليه الصلاة و السلام إلى الجمل وضربه بالعصا شيئاً يسيراً ..
فنهض الجمل يجري قد امتلأ نشاطاً .. فتعلق به جابر وركب على ظهره ..
مشى جابر بجانب النبي صلى الله عليه و سلم .. فرحاً مستبشراً .. وقد صار جمله نشيطاً سابقاً ..
التفت عليه الصلاة و السلام إلى جابر .. وأراد أن يتحدث معه ..
فما هي الأحاديث التي اختارها النبي صلى الله عليه و سلم ليثيرها مع جابر ..


جابر كان شاباً في أول شبابه ..
هموم الشباب في الغالب تدور حول الزواج .. وطلب الرزق ..
قال عليه الصلاة و السلام : يا جابر .. هل تزوجت ..؟
قال جابر : نعم ..
قال : بكراً .. أم ثيباً ..
قال : بل ثيباً ..
فعجب النبي صلى الله عليه و سلم كيف أن شاباً بكراً في أول زواج له .. يتزوج ثيباً ..
فقال ملاطفاً لجابر : هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك ..
فقال جابر : يا رسول الله .. إن أبي قتل في أحد .. وترك تسع أخوات ليس لهن راعٍ غيري .. فكرهت أن أتزوج فتاة مثلهن فتكثر بينهن الخلافات .. فتزوجت امرأة أكبر منهن لتكون مثل أمهن ..
هذا معنى كلام جابر ..


رأى النبي صلى الله عليه و سلم أن أمامه شاب ضحى بمتعته الخاصة لأجل أخواته ..
فأراد عليه الصلاة و السلام أن يمازحه بكلمات تصلح للشباب .. فقال له :
لعلنا إذا أقبلنا إلى المدينة أن ننزل في صرار ([1]) .. فتسمع بنا زوجتك فتفرش لك النمارق ..
يعني وإن كنت تزوجت ثيباً إلا أنها لا تزال عروساً تفرح بك إذا قدمت وتبسط فراشها .. وتصف عليه الوسائد ..
فتذكر جابر فقره وفقر أخواته .. فقال : نمارق !! والله يا رسول الله ما عندنا نمارق ..
فقال صلى الله عليه و سلم : إنه ستكون لكم نمارق إن شاء الله ..
ثم مشيا .. فأراد صلى الله عليه و سلم أن يهب لجابر مالاً ..
فالفت إليه وقال : يا جابر ..
قال : لبيك يا رسول الله ..
فقال : أتبيعني جملك ؟
تفكر جابر فإذا جمله هو رأس ماله .. هكذا كان وهو كليل ضعيف .. فكيف وقد صار قوياً جلداً !!
لكنه رأى أنه لا مجال لرد طلب رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
قال جابر : سُمْه يا رسول الله .. بكم ؟
فقال صلى الله عليه و سلم : بدرهم !!
قال جابر : درهم !! تغبنني يا رسول الله ..
فقال صلى الله عليه و سلم : بدرهمين ..
قال : لا .. تغبنني يا رسول الله ..
فما زالا يتزايدان حتى بلغا به أربعين درهماً .. أوقية من ذهب ..
فقال جابر : نعم .. ولكن أشترط عليك أن أبقى عليه إلى المدينة ..
قال صلى الله عليه و سلم : نعم ..


فلما وصلوا إلى المدينة .. مضى جابر إلى منزله وأنزل متاعه من على الجمل ومضى ليصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم وربط الجمل عند المسجد ..
فما خرج النبي صلى الله عليه و سلم قال جابر : يا رسول الله هذا جملك ..
فقال صلى الله عليه و سلم : يا بلال .. أعط جابراً أربعين درهماً وزده ..
فناول بلال جابراً أربعين درهماً وزاده ..
فحمل جابر المال ومضى به يقلبه بين يديه .. متفكراً في حاله !! ماذا يفعل بهذا المال ؟! أيشتري به جملاً .. أم يبتاع به متاعاً لبيته .. أم ..


وفجأة التفت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بلال وقال : يا بلال .. خذ الجمل وأعطه جابراً ..
جبذ بلال الجمل ومضى به إلى جابر .. فلما وصل به إليه .. تعجب جابر .. هل ألغيت الصفقة ؟!
قال بلال : خذ الجمل يا جابر ..
قال جابر : ما الخبر !!..
قال بلال : قد أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أعطيك الجمل .. والمال ..
فرجع جابر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وسأله عن الخبر .. أما تريد الجمل !!
فقال صلى الله عليه و سلم : أتراني ماكستك لآخذ جملك ..
يعني أنا لم أكن أطالبك بخفض السعر لأجل أن آخذ الجمل وإنما لأجل أن أقدر كم أعطيك من المال معونة لك على أمورك ..
فما أرفع هذه الأخلاق .. يختار ما يناسب الشاب من أحاديث .. ثم لما أراد أن يحسن إليه ويتصدق عليه .. غلف ذلك باللطف والأدب ..


وفي أحد الأيام يجلس إلى النبي صلى الله عليه و سلم شاب اسمه جليبيب .. من خيار شباب الصحابة .. لكنه كان فقيراً معدماً ..
وكان رضي الله عنه في وجهه دمامة ..
جلس يوماً عند رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فما هي الأحاديث التي حرص النبي صلى الله عليه و سلم على إثارتها معه ؟ شاب في ريعان شبابه .. أعزب ..
هل يتحدث معه عن أنساب العرب والرفيع منها والوضيع ؟
أم يتحدث عن الأسواق وأحكام البيوع ؟
لا .. فهذا شاب له نوع خاص من الأحاديث يفضله على غيره ..
أثار معه صلى الله عليه و سلم موضوع الزواج والحديث حوله .. فلطالما طرب الشباب لهذه المواضيع ..
ثم عرض عليه رسول الله التزويج ..
فقال : إذن تجدني كاسداً ..
فقال : غير أنك عند الله لست بكاسد ..
فلم يزل النبي صلى الله عليه و سلم يتحين الفرص لتزويج جليبيب ..
حتى جاء رجل من الأنصار يوماً يعرض ابنته الثيب على رسول الله صلى الله عليه و سلم .. ليتزوجها ..
فقال صلى الله عليه و سلم : نعم يا فلان .. زوجني ابنتك ..
قال : نعم ونعمين .. يا رسول الله ..
فقال صلى الله عليه و سلم : إني لست أريدها لنفسي ..
قال : فلمن ؟!
قال : لجليبيب ..
قال الرجل متفاجئاً : جليبيب !! جليبيب !! يا رسول الله !! حتى استأمر أمها ..
أتى الرجل زوجته فقال : إن رسول الله يخطب ابنتك ..
قالت : نعم .. ونعمين .. زوِّج رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
قال : إنه ليس يريدها لنفسه ..
قالت : فلمن ؟
قال : يريدها لجليبيب ..
فتفاجأت المرأة أن تُزف ابنتها إلى رجل فقير دميم .. فقالت : حَلْقَى !! لجليبيب ..؟ لا لعمر الله لا أزوج جليبيباً .. وقد منعناها فلاناً وفلاناً ..
فاغتم أبوها لذلك .. وقام ليأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
فصاحت الفتاة من خدرها بأبويها : من خطبني إليكما ؟
قالا : رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
قالت : أتردان على رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره ؟ ادفعاني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فإنه لن يضيعني ..
فكأنما جلَّت عنهما .. واطمأنّا ..


فذهب أبوها إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله .. شأنك بها فزوِّجها جليبيباً ..
فزوجها النبي صلى الله عليه و سلم جليبيباً ..
ودعا لها وقال : اللهم صب عليهما الخير صباً .. ولا تجعل عيشهما كداً كداً ..
فلم يمض على زواجه أيام .. حتى خرج النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة .. وخرج معه جليبيب ..
فلما انتهى القتال .. وبدأ الناس يتفقد بعضهم بعضاً ..
سألهم النبي صلى الله عليه و سلم : هل تفقدون من أحد قالوا : نفقد فلاناً وفلاناً ..
فسكت قليلاً ثم قال : هل تفقدون من أحد ؟
قالوا : نفقد فلانا وفلانا ..
فسكت ثم قال : هل تفقدون من أحد ؟
قالوا : نفقد فلاناً وفلاناً ..
قال : ولكني أفقد جليبيباً ..
فقاموا يبحثون عنه .. ويطلبونه في القتلى .. فلم يجدوه في ساحة القتال ..
ثم وجدوه في مكان قريب .. إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم قتلوه ..
فوقف النبي صلى الله عليه و سلم ينظر إلى جثته .. ثم قال : قتل سبعة ثم قتلوه .. قتل سبعة ثم قتلوه .. هذا مني وأنا منه ..
ثم حمله رسول الله صلى الله عليه و سلم على ساعديه .. وأمرهم أم يحفروا له قبره ..
قال أنس : فمكثنا نحفر القبر .. وجليبيب ماله سرير غير ساعدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
حتى حفر له ثم وضعه في لحده ..
قال أنس : فوالله ما كان في الأنصار أيم أنفق منها ..
أي تسابق الرجال إليها كلهم يخطبها بعد جليبيب ..
هكذا كان صلى الله عليه و سلم يختار لكل أحد ما يناسبه من أحاديث .. حتى لا تمل مجالسه ..



جلس صلى الله عليه و سلم يوماً مع زوجه عائشة ..
فما الأحاديث المناسب إثارتها بين الزوجين ..؟
هل كلمها عن غزو الروم ؟ ونوع الأسلحة التي استخدمت في القتال ؟ كلا فليست هي أبو بكر !!
أم حدثها عن فقر بعض المسلمين وحاجتهم ؟ كلا فليست عثمان !!
إنما قال لها بعاطفة الزوجية : إني لأعرف إن كانت راضية عني .. وإذا كنت غضبى .. !!
قالت : كيف ؟
قال : إذا كنت راضية قلت : لا ورب محمد ( صلى الله عليه و سلم ) .. وإذا كنت غضبى قلت : لا ورب إبراهيم ( عليه الصلاة و السلام ) ..
فقالت : نعم .. والله يا رسول الله لا أهجر إلا اسمك ..
فهل نراعي هذا نحن اليوم ؟



وجهة نظر ..

تحدث مع الناس بما يستمتعون هم باستماعه .. لا بما تستمتع أنت بحكايته .
.


( [1] ) موضع على بعد 5كم من المدينة










قديم 2011-02-18, 09:46   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل اكمل الكتاب ؟؟؟؟










قديم 2011-02-18, 13:35   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟










قديم 2011-02-18, 13:42   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
نور نسمة
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية نور نسمة
 

 

 
إحصائية العضو










Rosiecheeks

بااااااااااااارك الله فيك اختي على مجهودك
لقد قراته مرة...وهو بالفعل رائع
وكتبت هنا في المنتدى بعض المقتطفات منه
طيب الله ايامك ولياليك اختي









قديم 2011-02-18, 15:07   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
بس يا بحر
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي


جزاك الله خير والشيخ على هذا الموضوع الأكثر من رائع
لا تعرفين كم كانت سعادتي وأنا أقرأه..
قرأت أجزاء ولي العوده بإكماله
وأتمنى أن تكمليه..بارك الله فيك وبالشيخ









قديم 2011-02-18, 15:18   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2011-02-19, 09:11   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

نور نسمة..........بس يا بحر.........لقاء الجنة

مشكورين اخواتي لاهتمامكم بالموضوع

اسعدني كثيرا مروركم










قديم 2011-02-19, 09:17   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


كن لطيفاً عند أول لقاء ..

انتشر في بعض أرياف مصر برهة من الزمن أن الرجل العروس قبيل ليلة عرسه يخبئ في غرفته قطاً ..
فإذا دخل بزوجته إلى مكان فراش الزوجية .. حرك كرسياً ليخرج ذلك القط .. فإذا خرج أقبل العروس يستعرض قواه أمام زوجته .. وقبض على القط المسكين .. ثم خنقه وعصره .. حتى يموت بين يديه ..!!
أتدري لماذا ؟!

لأجل أن يطبع صورة الرعب والهيبة منه في ذهن زوجته من أول لقاء ..
وأذكر أني لما تخرجت من الجامعة .. وتعينت معيداً في إحدى الكليات .. أوصاني معلم قديم قائلاً :
في أول محاضرة لك عند الطلاب .. شُدَّ عليهم .. وانظر إليهم بعين حمراء !! حتى يخافوا منك وتفرض قوة شخصيتك من البداية ..
تذكرت هذا .. وأنا أكتب هذا الباب .. فأيقنت أن من الأمور المقررة عند جميع الناس أن اللقاء الأول في الغالب يطبع أكثر من 70% من الصورة عنك .. وهي ما يسمى بالصورة الذهنية ..


أذكر أن مجموعة من الضباط سافروا إلى أمريكا في دورة تدريبية ..
كانت الدورة في التعامل الوظيفي ..
في أول يوم .. حضروا إلى القاعة مبكرين .. جعلوا يتحدثون .. ويتعارفون ..
دخل عليهم المدرس فجأة فسكتوا .. فوقعت عين المدرس على طالب لا يزال متبسماً ..
فصرخ به : لماذا تضحك ؟
قال : عذراً .. ما ضحكت ..
قال : بلى تضحك ..
ثم جعل يؤنبه : أنت إنسان غير جاد .. المفروض أن تعود لأهلك على أول رحلة طيران .. لا أتشرف بتدريس مثلك ..
والطالب المسكين قد تلون وجهه .. وجعل ينظر إلى مدرسه .. ويلتفت إلى زملائه .. ويحاول حفظ ما تبقى من ماء وجهه ..
ثم حدق المدرس فيه النظر عابساً وأشار إلى الباب وقال : أخرج ..
قام الطالب مضطرباً .. وخرج ..
نظر المدرس إلى بقية الطلاب وقال : أنا الدكتور فلان .. سأدرسكم مادة كذا ..
ولكن قبل أن أبدأ الشرح .. أريدكم أن تعبئوا هذه الاستمارة .. دون كتابة الاسم ..
ثم وزع عليهم استمارة تقييم للمدرس .. فيها خمسة أسئلة :
1. ما رأيك بأخلاق مدرسك ؟
2. ما رأيك بطريقة شرحه ؟
3. هل يقبل الرأي الآخر ؟
4. ما مدى رغبتك في الدراسة لديه مرة أخرى ؟
5. هل تفرح بمقابلته خارج المعهد ؟
كان أمام كل سؤال منها .. اختيارات : ممتاز .. جيد .. مقبول .. ضعيف ..
عبأ الطلاب الاستمارة وأعادوها إليه ..


وضعها جانباً .. وبدأ يشرح تأثير فن التعامل في الجو الوظيفي ..
ثم قال : أوه !.. لماذا نحرم زميلكم من الاستفادة ..
فخرج إليه .. وصافحه وابتسم له .. وأدخله القاعة ..
ثم قال : يبدو أنني غضبت عليك قبل قليل من غير سبب حقيقي .. لكني كنت أعاني من مشكلة خاصة .. أدت بي أن أصب غضبي عليك .. فأنا أعتذر إليك .. فأنت طالب حريص .. يكفي في الدلالة على حرصك تركك لأهلك وولدك ومجيؤك هنا ..
أشكرك .. بل أشكركم جميعاً على حرصكم .. ومن أعظم الشرف لي أن أدرس مثلكم ..
ثم تلطف معهم وضحك قليلاً ..
ثم أخذ مجموعة جديدة من الاستمارات وقال :
ما دام أن زميلكم فاته تعبئة الاستمارة فما رأيكم أن تعبئوها كلكم من جديد ..
ووزع عليهم الأوراق ..
فعبئوها وأعادوها إليه ..
فأخرج الاستمارات التي عبئوها في البداية .. وأخرج الأخيرة وجعل يقارن بينها ..
فإذا الخانة الخاصة بـ ضعيف في التعبئة الأولى كلها مليئة ..
أما الثانية فليس فيها ضعيف ولا مقبول .. أبداً ..
فضحك وقال لهم :
كان ما رأيتم دليلاً عملياً على تأثير التعامل السيء على بيئة العمل بين المدير وموظفيه .. وما فعلته بزميلكم كان تمثيلاً أردت أن أجريه أمامكم .. لكن المسكين صار ضحية ..
فانظروا كيف تغيرت نظرتكم بمجرد تغير تعاملي معكم ..



هذا من طبيعة الإنسان .. فلا بد من مراعاته .. خاصة مع من تلتقي بهم لمرة واحدة فقط ..
كان المعلم الأول عليه الصلاة و السلام يأسر قلوب الناس من أول لقاء ..
بعد فتح مكة .. تمكن الإسلام ..
وبدأت الوفود تتسابق إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في المدينة ..
قدم وفد عبد القيس .. على رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فلما رآهم وهم على رحالهم قبل أن ينزلوا .. بادرهم قائلاً :
مرحباً بالقوم .. غير خزايا .. ولا ندامى ..
فاستبشروا .. وتواثبوا من رحالهم .. وأقبلوا إليه يتسابقون للسلام عليه ..
ثم قالوا :
يا رسول الله .. إن بيننا وبينك هذا الحي من المشركين من مضر ..
وإنا لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام .. حين يقف القتال ..
فحدثنا بجميل من الأمر .. إن عملنا به دخلنا الجنة .. وندعو به من وراءنا ..
فقال صلى الله عليه و سلم : آمركم بأربع .. وأنهاكم عن أربع ..
آمركم بالإيمان بالله .. وهل تدرون ما الإيمان بالله ؟
قالوا : الله ورسوله أعلم ..
قال : شهادة أن لا إله إلا الله .. وإقام الصلاة .. وإيتاء الزكاة .. وأن تعطوا الخمس من الغنائم ..
وأنهاكم عن أربع : عن نبيذ في الدباء .. والنقير والحنتم .. والمزفت ([1]) ..


وفي موقف آخر ..
كان عليه الصلاة و السلام مسافراً مع أصحابه ليلة .. فساروا في ليلهم مسيراً طويلاً .. حتى إذا كان آخر الليل .. نزلوا في طرف الطريق ليناموا ..
فغلبتهم أعينهم حتى طلعت الشمس وارتفعت ..
فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر .. ثم استيقظ عمر ..
فقعد أبو بكر عند رأسه عليه الصلاة و السلام .. فجعل يكبر ويرفع صوته .. حتى استيقظ النبي صلى الله عليه و سلم ..
فنزل وصلى بهم الفجر ..
فلما انتهى من صلاته التفت فرأى رجلاً من القوم لم يصل معهم ..
فقال : يا فلان .. ما يمنعك أن تصلي معنا ؟
قال : أصابتني جنابة .. ولا ماء ..
فأمره صلى الله عليه و سلم أن يتيمم بالصعيد .. ثم صلى ..
ثم أمر عليه الصلاة و السلام أصحابه بالارتحال ..
وليس معهم ماء .. فعطشوا عطشاً شديداً .. ولم يقفوا على بئر ولا ماء ..
قال عمران بن حصين :
فبينما نحن نسير فإذا نحن بامرأة على بعير .. ومعها مزادتان ( قربتان ) ..
فقلنا لها : أين الماء ؟!
قالت : إنه لا ماء ..
فقلنا : كم بين أهلك وبين الماء ؟
قالت : يوم وليلة ..
فقلنا : انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
قالت : وما رسول الله ..!!
فسقناها معنا طمعاً أن تدلنا على الماء ..
حتى أقبلنا بها إلى النبي عليه الصلاة و السلام ..
فسألها عن الماء .. فحدثته بمثل الذي حدثتنا به .. غير أنها شكت إليه أنها أم أيتام ..
فتناول صلى الله عليه و سلم مزادتها .. فسمى الله .. ومسح عليها ..
ثم جعل عليه الصلاة و السلام يفرغ من قربتيها في آنيتنا .. فشربنا عطاشاً أربعين رجلاً .. حتى روينا ..
وملأنا كل قربة معنا ..
ثم تركنا قربتيها .. وهما أكثر ما تكون امتلاءً ..
ثم قال عليه الصلاة و السلام : هاتوا ما عندكم .. أي طعام ..
فجمع لها من كسر الخبز والتمر ..
فقال لها : اذهبي بهذا معك لعيالك .. واعلمي أنا لم نرزأك من مائك شيئاً .. غير أن الله سقانا ..
ثم ركبت المرأة بعيرها .. مستبشرة بما حصلت من طعام ..
حتى وصلت أهلها .. فقالت : أتيت أسحر الناس .. أو هو نبي كما زعموا ..
فعجب قومها من قصتها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فلم يمر عليهم زمن حتى أسلمت وأسلموا .. ([2])


نعم .. أعجبت بتعامله وكرمه معها من أول لقاء ..


وفي يوم أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فسأله مالاً .. فأعطاه النبي عليه الصلاة و السلام قطيعاً من غنم بين جبلين ..
فرجع الرجل إلى قومه .. فقال :
يا قوم .. أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة ..
قال أنس : وقد كان الرجل يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يريد إلا الدنيا .. فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه .. وأعز عليه .. من الدنيا وما فيها ([3]) ..



اقتراح ..

أول لقاء يطبع 70% من الصورة عنك .. فعامل كل إنسان على أن هذا هو اللقاء الأول والأخير بينكما ..


( [1] ) رواه البخاري

( [2] ) رواه مسلم

( [3] ) رواه مسلم










قديم 2011-02-19, 09:22   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الناس كمعادن الأرض ..

لو تأملت في الناس لوجدت أن لهم طبائع كطبائع الأرض ..
فمنم الرفيق اللين .. ومنهم الصلب الخشن .. ومنهم الكريم كالأرض المنبتة الكريمة .. ومنهم البخيل كالأرض الجدباء التي لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً ..
إذن الناس أنواع ..
ولو تأملت لوجدت أنك عند تعاملك مع أنواع الأرض تراعي حال الأرض وطبيعتها ..
فطريقة مشيك على الأرض الصلبة .. تختلف عن طريقتك في المشي على الأرض اللينة .. فأنت حذر متأنِّ في الأولى .. بينما أنت مرتاح مطمئن في الثانية ..
وهكذا الناس ..


قال عليه الصلاة و السلام ( إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم :
· الأحمر
· والأبيض
· والأسود
· وبين ذلك
· والسهل
· والحزن
· والخبيث
· والطيب ) .
. ([1])
فعند تعاملك مع الناس انتبه إلى هذا – وانتبهي - سواء تعاملت مع :
قريب كأب وأم وزوجة وولد ..
أو بعيد كجار وزميل وبائع ..
ولعلك تلاحظ أن طبائع الناس تؤثر فيهم حتى عند اتخاذ قراراتهم ..
وحتى تتيقن ذلك .. اعمل هذه التجربة :


إذا وقعت بينك وبين زوجتك مشكلة .. فاستشر أحد زملائك ممن تعلم أنه صلب خشن .. قل له : زوجتي كثيرة المشاكل معي .. قليلة الاحترام لي .. فأشر عليَّ ..
كأني به سيقول : الحريم ما يصلح معهن إلا العين الحمراء !! دقَّ خشمها ! خل شخصيتك قوية عليها !! كن رجلاً !!
وبالتالي قد تثور أنت ويخرب عليك بيتك بهذه الكلمات ..


أكمل التجربة ..
اذهب إلى صديق آخر تعرف أنه هين لين لطيف .. وقل له ما قلت للأول ..
ستجد حتماً أنه يقول : يا أخي هذه أم عيالك .. وما فيه زواج يخلو من مشاكل .. اصبر عليها .. وحاول أن تتحملها .. وهذه مهما صار فهي زوجتك .. وشريكتك في الحياة ..
فانظر كيف صارت طبيعة الشخص تؤثر في آرائه وقراراته ..
لذلك نهى النبي عليه الصلاة و السلام أن يقضي القاضي بين اثنين وهو عطشان ! أو جوعان ! أو حابس لبول أو غائط ! لأن هذه الأمور قد تغير نفسيته .. وبالتالي قد تؤثر عليه في اتخاذ قراره في الحكم ..


كان في الأمم السابقة رجل سفاح !! سفاح ؟! نعم سفاح .. لم يقتل رجلاً واحداً ولا اثنين .. ولا عشرة .. وإنما قتل تسعاً وتسعين نفساً ..
لا أدري كيف نجا من الناس وانتقامهم .. لعله كان مخيفاً جداً إلى درجة أنه لا أحد يجرؤ على الاقتراب منه .. أو أنه كان يتخفى في البراري والمغارات .. لا أدري بالضبط .. المهم أنه ارتكب 99 جريمة قتل !!
ثم حدثته نفسه بالتوبة .. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على عابد في صومعته .. لا يكاد يفارق مصلاه .. يمضي وقته ما بين بكاء ودعاء .. هين لين عاطفته جياشة ..
دخل هذا الرجل على العابد .. وقف بين يديه ثم فجعه بقوله : أنا قتلت تسعاً وتسعين نفساً .. فهل لي من توبة ؟
هذا العابد .. أظنه لو قتل نملة من غير قصد لقضى بقية يومه باكياً متأسفاً .. فكيف سيكون جوابه لرجل قتل بيده 99 نفساً ..
انتفض العابد .. ولم يتخيل 99 جثة بين يديه يمثلها هذا الرجل الواقف أمامه ..
صاح العابد : لا .. ليس لك توبة .. ليس لك توبة ..
ولا تعجب أن يصدر هذا الجواب من عابد قليل العلم .. يحكم في الأمور بعاطفته ..
هذا القاتل لما سمع الجواب .. وهو الرجل الصلب الخشن .. غضب واحمرت عيناه .. وتناول سكينه ثم انهال طعناً في جسد العابد حتى مزقه .. ثم خرج ثائراً من الصومعة ..
ومضت الأيام .. فحدثته نفسه بالتوبة مرة أخرى ..
فسأل عن أعلم أهل الأرض .. فدله الناس على رجل عالم ..
مضى يمشي حتى دخل على العالم .. فلما وقف بين يديه فإذا به يرى رجلاً رزيناً يزينه وقار العلم والخشية ..
فأقبل القاتل إليه سائلاً بكل جرأة : إني قتلت مائة نفس !! فهل لي من توبة ؟!
فأجابه العالم فوراً : سبحاااان الله ..!! ومن يحول بينك وبين التوبة ؟!!
جواب رائع !! فعلاً من يحول بينه وبين التوبة ؟! فالخالق في السماء لا تستطيع أي قوة في العالم ان تحول بينك وبين الإنابة إليه والانكسار بين يديه ..
ثم قال العالم الذي كان يتخذ قراراته بناء على العلم والشرع .. لا بناء على طبيعته ومشاعره .. أو قل على عاطفته وأحاسيسه ..
قال العالم : لكنك بأرض سوء ..
عجباً ! كيف علم ؟ عرف ذلك بناء على كبر الجرائم وقلة الـمُدافع له الـمُنكِر عليه .. فعلم أن البلد أصلاً ينتشر فيها القتل والظلم إلى درجة أنه لا أحد ينتصر للمظلوم ..
قال : إنك بأرض سوء .. فاذهب إلى بلد كذا وكذا فإن بها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم ..
ذهب الرجل يمشي تائباً منيباً .. فمات قبل أن يصل إلى البلد المقصود ..
نزلت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ..
فأما ملائكة الرحمة فقالت : أقبل تائباً منيباً ..
وأما ملائكة العذاب فقالت : لم يعمل خيراً قط ..
فبعث الله إليهم ملكاً في صورة رجل ليحكم بينهم .. فكان الحكم أن يقيسوا ما بين البلدين .. بلد الطاعة وبلد المعصية .. فإلى أيتهما كان أقرب .. فإنه لها ..


وأوحى الله تعالى إلى بلد الرحمة أن تقاربي .. وإلى بلد المعصية أن تباعدي .. فكان أقرب إلى بلد الطاعة فأخذته ملائكة الرحمة ..
حتى المفتين في المسائل الشرعية تجد مع الأسف أن بعضهم تغلبه عاطفته أحياناً ..
أذكر أن أحد جيراني كان كثير الخلافات مع زوجته ..
اشتد الخلاف يوماً فطلقها تطليقه .. ثم راجعها ..
ثم اشتد أخرى .. فطلقها ثانية .. ثم راجعها ..
وكنت كلما قابلته أحذره وأوصيه .. وأذكره بأبنائه الصغار .. وأهمية اعتبارهم والعناية بهم .. وأكرر عليه :
لم يبق لك إلا طلقة واحدة – الثالثة – فإن أوقعتها لم تحل لك مراجعتها إلا بعد زواجها من آخر وتطليقه لها .. فاتق الله .. ولا تخرب بيتك ..
حتى جاءني يوماً متغير الوجه وقال : يا شيخ تخاصمنا وطلقتها الثالثة !!
وهذا الكلام منه ليس غريباً .. إنما الغريب أنه قال بعدها : ما تعرف لي شيخاً حبيباً يفتيني الآن أراجعها !!
فعجبت منه .. ثم تأملت في الحال فاكتشفت ما تقرر قبل قليل أن كثيراً من الناس تختلف آراؤهم – وربما اختياراتهم الفقهية – تأثراً بعاطفته وطبيعته ..
وبعض الناس تعلم من طبيعته أنه شديد الحب للمال .. فلا تعجب إذا رأيته يذل نفسه لأرباب الأموال .. يهمل أولاده وبيته لأجل جمعه .. يقتر على من يعول .. لا تعجب فهو طماع .. بل إن اتخاذه لقراراته وتبنيه لقناعاته ينبني كثيراً على هذه الطبيعة .. فإذا أردت أن تتعامل معه أو تطلب منه شيئاً فضع في نفسك قبل أن تتكلم أنه محب للمال .. فحاول أن لا تعارض هذه الطبيعة فيه حتى تحصل على ما تريد منه ..


ولأن الأمثلة مفاتيح الفهوم .. خذ مثالاً :
نفرض أنك زرت مستشفى وقابلت مصادفة صديقاً قديماً كان زميلاً لك أيام الجامعة .. فدعوته إلى وليمة غداء في بيتك .. فوافق ..
فذهبت إلى السوق واشتريت حاجات ثم رجعت إلى البيت لتستعد وجعلت تتصل بعدد من زملائكم السابقين تدعوهم لمشاركتكم الوليمة ورؤية صاحبك .. من بين هؤلاء صديق - من البخلاء الذين استولى حب المال على قلوبهم - اتصلت به فرحب وحيَّا .. فلما أخبرته عن الوليمة .. قال : آآه .. يا ليتني أستطيع الحضور ورؤية فلان .. لكني مرتبط بشغل هااام .. فبلغه سلامي .. ولعلي أراه في وقت آخر ..
فأدركت أنت من معرفتك بطبيعته أنه يخشى أن يجيء .. فيضطر إلى أن يدعو الضيف إلى بيته ويصنع له وليمة تكلفه مبلغاً وقدره .. !! وهو يريد التوفير ..
فقلت له : عموماً هذا الضيف لن يبقى في البلد سيسافر بعد الغداء مباشرة .. فقال : آآآ .. إذن سأؤجل شغلي وآتي لرؤيته !!
وبعض من تخالطهم من الناس يكون اجتماعياً أسرياً .. يحب أسرته .. لا يصبر على فراقهم .. اطلب منه أي شيء إلا أن يبتعد عن أولاده بسفر أو نحوه .. فلا تكلفه ما لا يطيق ..
إلى غير ذلك من طبائع الناس ..


يعجبني بعض الناس الذي يملك فن اصطياد جميع القلوب ..
فإذا سافر مع بخلاء اقتصد حتى لا يحرجهم فأحبوه ..
وإن جالس عاطفيين زاد من نسبة عاطفته فأحبوه ..
وإن مشى مع فكاهيين مرحين ضحك ومزح وجاملهم فأحبوه ..
يلبس لكل حالة لبوسها .. إما نعيمها وإما بؤسها ..


وعُد بذاكرتك قليلاً معي .. وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أقبل بالكتائب لفتح مكة ..
كان أبو سفيان قد خرج إلى النبي عليه الصلاة و السلام قبل أن يدخل مكة .. فأسلم ..
في قصة طويلة .. الشاهد منها أنه لما أسلم قال العباس :
يا رسول الله .. إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً ..
فقال صلى الله عليه و سلم : " نعم .. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ..
ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .. ومن دخل المسجد فهو آمن ..
فلما ذهب أبو سفيان لينصرف إلى مكة ..
نظر إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
فإذا هو الذي استنفر قريشاً لحربه في بدر ..
واستنفرها لحربه في أحد ..
ثم استنفرها لحربه في الخندق ..
وإذا رجل قائد .. قد طحنته الحرب وطحنها ..
وإذا هو حديث عهد بإسلام ..
فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يريه قوة الإسلام ..
فقال عليه الصلاة و السلام : " يا عباس ..
قال : لبيك يا رسول الله ..
قال : احبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها ..
أي أوقفه على طريق الجيش وهو يدخل مكة ..
فخرج العباس بأبي سفيان .. حتى وقف معه بمضيق الوادي .. حيث تتدفق الكتائب كالسيل إلى مكة ..
وجعلت الكتائب تمر عليه براياتها .. فلما مرت الكتيبة الأولى قال : يا عباس من هؤلاء ؟
قال العباس : سليم ..
قال : مالي ولسليم ..!!
ثم مرت به الثانية ..
قال : يا عباس من هؤلاء ؟
قال : مزينة ..
قال : مالي ولمزينة ..!!
حتى نفدت الكتائب .. وهو ما تمر كتيبة إلا سأل العباس عنها ..
فإذا أخبره .. قال : مالي ولبني فلان ..
حتى مر رسول الله صلى الله عليه و سلم في كتيبته الخضراء .. وفيها المهاجرون والأنصار .. قد غطوا أجسادهم بالحديد .. فلا يرى منهم إلا عيونهم ..
فقال : سبحان الله يا عباس ! من هؤلاء ؟
فقال العباس : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم في المهاجرين والأنصار ..
قال : هذا الموت الأحمر .. والله ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة ..
ثم قال : والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً !
قال العباس : يا أبا سفيان .. إنها النبوة ..
فقال أبو سفيان : فنعم إذن ..
فلما تجاوزتهم الخيل .. صاح به العباس .. النجاءَ إلى قومك ..
فمضى أبو سفيان سريعاً إلى مكة ..
وجعل يصرخ بأعلى صوته :
يا معشر قريش .. هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به .. فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ..
قالوا : قاتلك الله ! وما تغني عنا دارك ؟
قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .. ومن دخل المسجد فهو آمن ..
فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد ..
فلله در نبيه عليه الصلاة و السلام كيف أثر في نفس أبي سفيان بما يصلح له ..
ومما يحسن ههنا .. أن تعرف طبيعة الشخص ونفسيته قبل أن تتكلم معه .. فإن معرفة طبيعته .. وماذا يناسبه .. يفيدك عند التعامل أو الكلام معه ..


في غزوة الحديبية ..
خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم .. بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب ..
كانوا ألفاً وأربعمائة ..
ساقوا معهم الهدى وأحرموا بالعمرة ليعلم الناس أنهم إنما خرجوا زائرين لهذا البيت معظمين له ..
وساق عليه الصلاة و السلام معه سبعين من الإبل .. هدياً إلى البيت الحرام ..
وصلوا مكة .. فمنعتهم قريش من دخولها ..
عسكر النبي عليه الصلاة و السلام بأصحابه في موضع اسمه الحديبية ..
جعلت قريش ترسل إليه الرجل تلو الرجل للتفاوض معه ..
فبعثوا إليه أولاً مكرز بن حفص ..
كان مكرز رجلاً من قريش .. لكنه لا يلتزم بعهد ولا ميثاق .. بل هو فاجر غادر ..
فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم مقبلاً قال : هذا رجل غادر ..
فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .. كلمه بما يصلح لمثله ..
وأخبره أنه ما جاء يريد حرباً .. إنما جاء معتمراً .. ولم يكتب معه عهداً لأنه يعلم أنه ليس أهلاً لذلك ..
رجع مكرز إلى قريش فأخبرهم ..
فبعثوا حليس بن علقمة .. سيد الأحابيش ..
وكان الأحابيش قوم من العرب سكنوا مكة تعظيماً للحرم وعناية بالكعبة ..
فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
إن هذا من قوم يتألهون . أي يتعبدون .. فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ..
فلما رأى الهدي من إبل وغنم .. تسيل عليه من عرض الوادي في قلائده وحباله مربوطاً مهيئاً ليذبح في الحرم ..
قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله .. قد أضناه الجوع والعطش ..
لما رأى سيد الأحابيش ذلك .. انتفض .. ولم يقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى .. وكيف يمنع المعتمرون عن البيت الحرام !!
رجع إلى قريش .. فقال لهم ذلك .. فقالوا له : اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك ..
فغضب الحليس .. وقال :
يا معشر قريش .. والله ما على هذا حالفناكم .. ولا على هذا عاهدناكم ..
أيصد عن بيت الله من جاءه معظماً له ؟
والذي نفس الحليس بيده .. لتخلن بين محمد وبين ما جاء له من العمرة .. أو لأنفرن بالأحايش نفرة رجل واحد ..
قالوا : مَهْ .. كُفَّ عنا .. حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به ..
ثم أرادوا .. أن يبعثوا رجلاً شريفاً .. فاختاروا عروة بن مسعود الثقفي ..
فقال : يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذ جاءكم .. من التعنيف وسوء اللفظ .. وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد ..
قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمتهم ..
فخرج عروة .. وكان ملكاً في قومه .. له شرف ومكانة .. وله ترفع على الناس ..
فلما أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم جلس بين يديه ثم قال :
يا محمد !! أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم ؟
إنها قريش .. قد خرجت معها العوذ المطافيل .. قد لبسوا جلود النمور ..
يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبداً .. وأيم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً ..
وكان أبو بكر خلف النبي عليه الصلاة و السلام .. واقفاً ..
فقال أبو بكر : امصص بظر اللات ! أنحن ننكشف عنه ؟
تفاجأ ملك قومه بهذا الجواب .. فلم يتعود على مثله .. لكنه في الحقيقة كان يحتاج إلى جرعة كهذه تخفض ما في رأسه من كبرياء ..
فقال عروة متأثراً : من هذا يا محمد ؟
قال : هذا ابن أبي قحافة ..
قال : أما والله لولا يد كانت لك عندي لكفأتك بها .. ولكن هذه بهذه ..



وجعل عروة يلين العبارات بعدها .. ويكلم النبي صلى الله عليه و سلم ..ويلمس لحية النبي .. والمغيرة بن شعبة الثقفي واقف وراء رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم .. قد غطى وجهه الحديد ..
فكان كلما قرب عروة يده من لحية رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
قرعها شعبة بطرف السيف ..
ثم يمدها ثانية .. فيقرعها شعبة بطرف السيف ..
فلما مدها الثالثة .. قال شعبة : اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل ألا تصل إليك يدك .. أي أقطعها !!
فقال عروة : ويحك ما أفظك وأغلظك ! ومن هذا يا محمد ؟
فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم .. وقال ..
هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة الثقفي ..
فقال عروة : أي غدر وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس !
ثم قام عروة من عند النبي صلى الله عليه و سلم .. وعاد إلى قريش ..


فاسمع ما قال :
قال : يا معشر قريش .. والله لقد رأيت كسرى وقيصر والنجاشي .. والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً ..
فوقع في قلب قريش من الرهبة ما لم يقع من قبل ..
فأرسلت قريش سهيل بن عمرو ..
فمضى يمشي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم .. قال : سهل أمركم .. ثم كتبوا بينهم صلح الحديبية ..


هذا جانب من معرفته عليه الصلاة و السلام لأنواع الناس .. واستعمال المفتاح المناسب في التعامل مع كل أحد ..
وهذه الأنواع من طباع الناس تلاحظها حتى في إلقاء الكلمات أو السواليف معهم ..
ويمكنك أن تشاهد دليل ذلك بنفسك ..


حاول أن تلقي قصة مبكية أمام جمع من الناس .. وانظر إلى أنواع تأثرهم ..
أذكر أني ألقيت يوماً خطبة ضمنتها قصة مقتل عمر رضي الله عنه .. ولما وصلت إلى كيفية طعن أبي لؤلؤة المجوسي لعمر رضي الله عنه .. قلت – بصوت عالٍ - :
وفجأة خرج أبو لؤلؤة من المحراب على عمر .. ثم طعنه ثلاث طعنات ..
وقعت الأولى في صدره
والثانية في بطنه ..
ثم استجمع قوته وطعن بالخنجر تحت سرته ..
ثم جررررر الخنجر حتى خرجت بعض أمعائه ..
لاحظتُ وأنا أنظر في الوجوه أن الناس تنوعوا في كيفية تأثرهم ..
فمنهم من أغمض عينيه فجأة وكأنه يرى الجريمة أمامه ..
ومنهم من بكى ..
ومنهم من كان يستمع دون أدنى تأثر وكأنه ينصت إلى حكاية ما قبل النوم !!
قل مثل ذلك لو عرضت قصة حمزة رضي الله عنه لما وقع شهيداً في معركة أحد .. وكيف شقوا بطنه فأخرجوا كبده .. وقطعوا أذنيه .. وجدعوا أنفه .. وهو سيد الشهداء وأسد الله ورسوله ..



وعموماً ..
علمتني الحياة أن الناس لا يخلون من أن يوجد من بينهم غليظ غبي ..!! لا يحسن ضبط عباراته .. ولا مجاملة السامعين ..
أذكر أن رجلاً من هذا الصنف جلس مرة في مجلس عام .. فذكر قصة وقعت له مع أحد البائعين .. فقال في معرض حديثه : وهذا البائع ضخم جداً كأنه حمار .. ثم قال : يشبه خالد !! وأشار إلى رجل بجانبه !!
فلا أدري كيف صار يشبه خالداً .. وهو كأنه حمار !!



وقبل الختام .. هنا سؤال كبير ..
هل يمكنك تغيير طباعك لتتناسب مع طباع من تخالطه ..؟
نعم .. كان عمر رضي الله عنه مشهوراً بين الناس بقوته وصرامته ..
وفي يوم من الأيام .. اختلف رجل مع زوجته .. وجاء يسأل عمر كيف يتعامل معها ..
فلما وقف عند بيت عمر وكاد أن يطرق الباب سمع زوجة عمر تصرخ به .. وعمر ساكت .. لم يصرخ .. لم يضرب ..
فولى الرجل ظهره للباب وكرّ راجعاً متعجباً ..
أحس عمر بصوت عند الباب فخرج ونادى الرجل : .. ما خبرك ؟
قال : يا أمير المؤمنين .. جئت أشتكي إليك امرأتي فسمعت امرأتك تصرخ بك !!
فقال عمر : يا رجل إنها امرأتي .. حليلة فراشي .. وصانعة طعامي .. وغاسلة ثيابي .. أفلا أصبر منها على بعض السوء ..


وعموماً : بعض الناس لا علاج له فلا بد من التكيف معه ..
يشتكي إليَّ بعض الناس من شدة غضب أبيه .. أو بخل زوجته .. أو ..
فأَعْرضُ عليه بعض طرق العلاج فيفيدني أنه جربها كلها ولم تنفع ..
فما الحل ..؟! الحل أن يصبر على أخلاقهم .. ويغمرَ سيء أخلاقهم في بحر حَسَنِها .. ويتكيف مع واقعه قدر المستطاع ..
فبعض المشاكل ليس لها حل ..



نتيجة ..

معرفتك بطبيعة الشخص الذي تخالطه تجعلك قادراً على كسب محبته ..


( [1] ) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح










قديم 2011-02-19, 09:30   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


أستاذ الرياضيات ..

كان يدرس مادة الرياضيات لطلاب المرحلة الثانوية .. السنة الأخيرة .. كان يلاحظ على عدد منهم الإهمال وعدم المتابعة .. فأراد أن يؤدبهم ..
دخل عليهم يوماً ..
وأول ما استقر على كرسيه فاجأهم بقوله : كل واحد يضع كتابه جانباً ويخرج ورقة وقلماً !!
قالوا : لماذا يا أستاذ ؟!
قال : اختبار .. اختبار مفاجئ ..
بدأ الطلاب بنوع من التذمر ينفذون ما طلب .. ويتهامسون باستياء ..
كان من بينهم طالب كبير الجسم صغير العقل .. مشاكس كثير المشاكل سريع الغضب متهور .. صاح بأستاذه :
يا أستاذ .. لا نريد أن نختبر .. نحن بالكاد نجيب ونحن مذاكرون .. بالله كيف إذا كنا ما ذاكرنا ؟!!
قالها الطالب بنبرة حادة ..
ثار المدرس وهاج .. وقال : ما هو على كيفك .. تختبر غصباً عنك .. فاهم ؟! إذا ما هو عاجبك اطلع بَرّا !!!
ثار الطالب .. وصاح : أنت اللي تطلع بَرّا ..
توجه المدرس إلى الطالب وهو يصيح ويردد : يا قليل الأدب .. يا عديم التربية .. يا .. ويقترب أكثر وأكثر ..
نهض الطالب واقفاً .. ثم ..
كان ما كان مما لست أذكره فظن شراً ، ولا تسأل عن الخبر!!
وصل الأمر إلى إدارة المدرسة .. عوقب الطالب بخصم درجتين وكتابة تعهد بالتزام الأدب ..
أما المدرس فصار حديث القاصي والداني .. وأصبح مضرب الأمثال .. ومثار أحاديث الطلاب في كل المدرسة .. يمشي في ممراتها ويسمع التعليقات والهمسات .. حتى انتقل بعدها إلى مدرسة أخرى ..


بينما مدرس آخر وقع له الموقف نفسه لكنه أحسن التصرف معه ..
دخل على طلابه .. وفاجأهم بقوله : أخرج ورقة وقلماً .. اختبار مفاجئ ..
وكان من بينهم طالب كذاك الطالب .. صاح : يا أستاذ !! ما هو على كيفك ..
كان المدرس جبلاً يحس بثقل الرجل التي يحاول أن يصعد عليه !!.. يفهم أن العصبي لا يقابل بعصبية ..
ابتسم ونظر إلى الطالب وقال : يعني يا خالد ما تريد أن تختبر ؟
فقال - صارخاً - : لا ..
فقال المدرس بكل هدووووء : خلاص .. اللي ما يريد يختبر نتعامل معه بالنظام ..
اكتبوا يا شباب : السؤال الأول : أوجد نتيجة هذه المعادلة : س + ص = ع + 15 .. ومضى يسوق الأسئلة ..
لم يصبر الطالب المشاكس وقال : أقولك ما أريد أن أختبر .. نظر إليه المدرس وابتسم بهدوووء .. وقال : وهل ألزمتك أن تختبر .. أنت رجل ومسئول عن تصرفاتك ..
لم يجد الطالب ما يثير غضبه أكثر .. فهدأ وأخرج ورقة وقلماً .. وبدأ يكتب الأسئلة مع زملائه .. ثم بعدها تمت محاسبته على سوء أدبه عن طريق إدارة المدرسة ..


تذكرت هذه المفارقة في القدرة على التعامل مع المواقف وأنا أتأمل في مهارات الناس على إذكاء النيران وإخمادها ..
فالتعامل مع العصبي بعصبية يؤدي إلى تفجر الموقف واحتدام الخلاف ..
فمن الأمور المسلمة عند العقلاء .. أن من يلاقي النار بالنار يزدها شرراً واحتداماً ..
وفي الجهة المقابلة تجد أحياناً أن من يقابل البرود – دائماً – ببرود .. لا تستقيم له الأمور ..


فليكن رابطك مع الناس شعرة معاوية ..
فقد سئل معاوية رضي الله عنه كيف استطعت أن تحكم الناس أميراً عشرين سنة .. ثم تحكمهم خليفة عشرين سنة ؟
فقال : جعلت بيني وبينهم شعرة .. أحد طرفيها في يدي والآخر في أيديهم .. فإذا شدوها من جهتهم أرخيت من جهتي حتى لا تنقطع .. وإذا أرخوا من جهتهم شددت من جهتي ..
صدق رضي الله عنه .. ما أحكمه !!


أظن من المسلَّمات في حياتنا أنه لا يمكن أن يهنأ بالعيش زوجان كلاهما عصبي غضوب .. كما لا يمكن أن تطول علاقة صاحبين كلاهما كذلك ..
أذكر أني ألقيت محاضرة في أحدى السجون .. وكان قدري أن تكون المحاضرة في العنبر الخاص بمرتكبي جرائم القتل .. لما انتهيت من محاضرتي .. تفرقوا إلى مهاجعهم وأقبل إلي أحدهم شاكراً .. وعرفني بنفسه وأنه المسئول عن الأنشطة الثقافية في العنبر ..
سألته عن سبب ارتكاب جريمة القتل عند أكثر هؤلاء ..
فقال : الغضب .. الغضب .. والله يا شيخ إن بعضهم قتل لأجل حفنة ريالات تخاصم عليها مع عامل في بقالة أو محطة وقود ..
تذكرت عندها قول النبي صلى الله عليه و سلم : ( ليس الشديد بالصُّرَعَة .. إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) ([1]) ..
نعم ليس البطل هو قوي البدن الذي ما يصارع أحداً إلا غلبه .. لا .. فلو كان هذا هو مقياس البطولة لأصبحت الحيوانات والوحوش أفخر من الآدميين ..
إنما البطل هو العاقل الذي يعرف كيف يتعامل مع المواقف بمهارة .. يتعامل مع زوجته .. أولاده .. مديره .. زملائه .. دون أن يفقدهم ..
وفي الحديث : لا يقضي القاضي وهو غضبان ([2]) ..
وأمر عليه الصلاة و السلام بتدريب النفس على الحلم فقال : إنما الحلم بالتحلم ([3]) ..



نعم بالتحلم .. يعني عند كظم الغضب في المرة الأولى ستتعب 100% ولكن في الثانية ستتعب 90% ثم في الثالثة إذا كظمت غضبك ستتعب 80% وهكذا حتى تتدرب ويصبح الحلم والهدوء عندك طبيعة ..


ومن طرائف قصص الغضب أني ذهبت يوماً لمدينة أملج ( 300ك جنوب جدة ) لإلقاء محاضرة ..
كان من بين الحاضرين شاب سريع الغضب ثائر الأعصاب جداً ..
هذا الشاب سافر مرة بسيارته ولم يكن مستعجلاً فكان يمشي ببطء .. كان وراءه سيارة مسرعة تريده أن يفسح لها الطريق .. وهو يزداد بطئاً ويشير لهم بيده أن خففوا السرعة ..
ضاق صاحب السيارة الأخرى بصاحبنا ذرعاً .. وتعداه بسرعة وانحرف عليه بسيارته مؤدباً .. ثم مضى .. ولم يصب أحد منهما بضرر ..
ثارت أعصاب صاحبنا – وهي تثور على أقل من ذلك بكثيييير – فزاد سرعة سيارته .. وأخذ يصرخ ويزمجر .. ويشير لهم بأضواء السيارة مراراً حتى توقفوا .. فألقى غترته جانباً .. وتناول قطعة حديد - هي في الأصل مفك لفتح براغي العجلات عند الحاجة - .. ونزل من السيارة متوجهاً إليهم .. والغضب بادٍ عليه وقطعة الحديد في يده ..
فإذا بالسيارة المقابلة ينزل منها ثلاثة شباب قد ضاقت ملابسهم بعضلاتهم .. وتباعدت أيديهم عن جنوبهم من عرض أكتافهم ..
أقبلوا يركضون بانفعال إلى صاحبنا .. وقد رأوه تهيأ للقتال !!
فلما رآهم انتفض .. وغص بريقه .. وهم ينظرون إليه وإلى ما في يده ..
فلما لاحظ أنهم يحدون النظر إلى قطعة الحديد .. رفعها برفق وقال :
عفواً .. أردت أن أنبهكم إلى أن هذه سقطت منكم .. !!
فتناولها أحدهم بانفعال .. وولوا إلى سيارتهم .. وهو يشير بيده إليهم مودعاً ..!!



معادلة ..

عصبي + عصبي = انفجار










قديم 2011-02-19, 09:32   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


ماذا تستفيد من هذه المهارة ؟

كل باب له مفتاح .. والمفتاح المناسب لفتح قلوب الناس هو معرفة طبائعهم ..
حل مشاكل الناس .. الإصلاح بينهم .. الاستفادة منهم .. اتقاء شرورهم ..
كل ذلك تصبح فيه بارعاً إذا عرفت طبائعهم ..


افرض أن شاباً وقع بينه وبين أبيه خلاف .. اشتد الخلاف حتى طرده أبوه من البيت .. حاول الابن العودة مراراً لكن الأب كان عنيداً مصراً ..
دخلت للإصلاح بينهما .. حدثت الأب بالنصوص الشرعية .. خوفته من إثم القطيعة ..
لم يلتفت إليك .. كان مشحوناً غاضباً جداً ..
أردت أن تستعمل أساليب أخرى للإصلاح ..
عرفت من طبيعة هذا الأب أنه عاطفي جداً .. جئت إليه وقلت :
يا فلان .. أما ترحم ولدك .. يفترش الأرض .. ويلتحف السماء ..!!
أنت تأكل وتشرب .. والمسكين يبيت طاوياً ويصبح جائعاً ..
أما تذكره إذا رفعت كسرة الخبز إلى فمك .. أما تذكر مشيه في حر الشمس ..
أما تذكر لما كنت تحمله صغيراً .. وتضمه إلى صدرك .. وتشمه وتقبله ..
أيرضيك أن يستجدي الناس وأبوه حي!! ..
تجد أن عاطفة الأب تهيج بهذا لكلام .. ويقترب أكثر من نقطة الالتقاء ..


وإن كان أبوه بخيلاً محباً للمال .. قلت له :
يا فلان أنتبه لا تورط نفسك .. أرجع الولد تحت نظرك وتصرفك .. أخشى أن يسرق أو يعتدي .. فتلزمك المحكمة بسداد ما أخذ .. وإصلاح ما خرب .. فأنت أبوه على كل حال .. انتبه ..
تجد أن الأب البخيل سيبدأ يعيد موازينه من جديد ..



وإن كان كلامك موجهاً إلى الابن .. وكان جشعاً محباً للمال ..
قلت له : يا فلان .. لن ينفعك ألا أبوك .. غداً ستحتاج أن تتزوج .. من يسدد مهرك ؟
لو تعطلت سيارتك من يصلحها ؟
لو مرضت .. من سيحاسب المستشفى ؟
إخوانك يستفيدون كما شاءوا .. مصروف .. هدايا .. وأنت جالس هكذا ..
ما يضرك أن تصلح ذلك كله بقبلة تطبعها على جبين أبيك .. أو كلمة أسف تهمس بها في أذنه ..



وكذلك لو دخلت للإصلاح بين زوجة وزوجها .. فعلت مثل ذلك .. وفتحت باب كل واحد منهما بالمفتاح المناسب ..
ومثله لو أردت إجازة من مديرك في العمل ..
وعرفت أنه لا يلتفت إلى العواطف ولا الأمور الاجتماعية .. وإنما عمل ( وبس ! ) ..
فقلت له : أحتاج إلى إجازة ثلاثة أيام أجدد فيها نشاطي .. وأستعيد حيويتي .. أشعر أن إنتاجيتي مع ضغط العمل تنحدر تدريجياً .. أعطني فرصة لإراحة ( رأسي ) فقط ثلاثة أيام .. لأعود أنشط وأقدر ..
وإن كان اجتماعياً .. تلحظ من خلال تعاملاته .. أنه حريص على الأسرة والعائلة .. قلت له :
أريد إجازة لأرى والديَّ .. أولادي .. أشعر أنهم في واد وأنا في واد آخر .. إلى غير ذلك ..
أتقن هذه المهارة .. وستسمع الناس غداً يقولون : ما رأينا أبرع فلاناً في القدرة على الإقناع ..!!




نتيجة ..


كل إنسان له مفتاح .. ومعرفة طبيعة الإنسان تدلّك على معرفة مفتاحه المناسب ..



د.محمد بن عبد الرحمن العريفي










قديم 2011-02-19, 09:43   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
شـ أسماءــروق
عضو محترف
 
الصورة الرمزية شـ أسماءــروق
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مراعاة النفسيات ..

تتقلب أمزجة الناس في حياتهم بين حزن وفرح .. وصحة ومرض .. وغنى وفقر .. واستقرار واضطراب ..
وبالتالي يتنوع تقبلهم لبعض الأنواع من التعاملات .. أو ردهم لها بحسب حالتهم الشعورية وقت التعامل ..
فقد يقبل منك النكتة والطرفة ويتقبل المزاح في وقت استقراره وراحة باله .. لكنه لا يتقبل ذلك في وقت حزنه ..
فمن غير المناسب أن تطلق ضحكة مدوية في عزاء ..!! لكنها تحتمل منك في نزهة برية ..
وهذا أمر مقرر عند جميع العقلاء وليس هو المقصود بحديثي هنا ..
إنما المقصود هو مراعاة النفسيات والمشاعر الشخصية عند الحديث مع الناس أو التصرف معهم ..


افرض أن امرأة طلقها زوجها وليس لها أب ولا أم .. قد ماتا .. وجعلت تجمع أغراضها لتعيش مع أخيها وزوجته ..
فبينما هي كذلك إذ دخلت عليها جارتها في الضحى زائرة .. فرحبت المطلقة بها .. ووضعت لها القهوة والشاي .. فجعلت الزائرة تبحث عن أحاديث لتؤانسها .. فسألتها المطلقة :
بالأمس رأيتكم خارجين من المنزل ..
فقالت الجارة : إي والله .. أبو فلان أصر علي أن نتعشى خارج البيت فذهبت معه .. ثم مر السوق واشترى لي فستاناً لعرس أختي .. ثم وقف عند محل ذهب ونزل واشترى لي سواراً ألبسه في العرس ..
ولما رجعنا إلى البيت رأى الأولاد في ملل فوعدهم آخر الأسبوع أن يسافر بهم ..
والمطلقة المسكينة تستمع إلى ذلك وتتخيل حالها بعد قليل في بيت زوجة أخيها !!
السؤال : هل يناسب إثارة هذا النوع من الأحاديث مع امرأة فشلت في مشروع الزواج ؟!!
هل تظن أن هذه المطلقة ستزداد محبة لهذه الجارة ؟.. ورغبة في مجالستها دائماً ؟.. وفرحاً بزيارتها لها ؟..
نتفق جميعاً على جواب واحد نصرخ به قائلين : لاااااا ..
بل سيمتلئ قلبها حقداً وقهراً ..
إذن ما الحل ؟ هل تكذب عليها ؟
لا .. ولكن تتكلم باختصار .. كأن تقول : والله كان عندنا بعض الأشغال قضيناها .. ثم تصرف الكلام إلى موضوع آخر تصبرها به على كربتها ..


أو افرض .. أن صديقين اختبرا نهاية المرحلة الثانوية .. فنجح أحدهما وتخرج بتفوق ..
والثاني رسب في عدد من المواد .. أو تخرج بنسبة ضعيفة لا تؤهله للقبول في شيء من الجامعات ..
فهل تَرَى من المناسب عندما يزور المتفوقُ صاحبه أن يسهب في الحديث حول الجامعات التي تم قبوله فيها .. والميزات التي ستمنح له ..؟
قطعاً جوابنا جميعاً : لا ..
إذن ما الحل ؟
الحل أن يذكر له عموميات يخفف بها عنه .. كأن يشتكي من كثرة الزحام في الجامعات .. وقلة القبول .. وخوف كثير من المتقدمين إليها من عدم القبول .. حتى يخفف عن صاحبه مصابه .. فيرغب عند ذلك في مجالسته أكثر .. ويحبه ويأنس بقربه .. ويشعر أنه قريب من قلبه ..


وقل مثل ذلك لو التقى شابان أحدهما أبوه كريم يغدق عليه الأموال ..
والآخر أبوه بخيل لا يكاد يعطيه ما يكفيه ..
فمن غير المناسب أن يتحدث ابن الكريم بإغداق أبيه عليه .. وكثرة المال لديه .. و ..
لأن هذا النوع من الكلام يضيق به صدر صديقه .. ويذكره بمأساته مع أبيه .. ويستثقل الجلوس مع هذا الصديق ويشعر ببعده عنه في همه ..
لذلك نبه النبي عليه الصلاة و السلام إلى مراعاة مشاعر الآخرين ونفسياتهم .. فقال : لا تطيلوا النظر إلى المجذوم .. والمجذوم هو المصاب بمرض ظاهر في جلده قد جعله مشوهاً في منظره .. فمن غير المناسب أنه إذا مر بقوم أن يطيلوا النظر إلى جلده .. لأن هذا يذكره بمصيبته فيحزن ..


وفي موقف غاية في المراعاة واللطف يتعامل عليه الصلاة و السلام مع والد أبي بكر رضي الله عنه ..
فإنه عليه الصلاة و السلام لما أقبل بجيوش المسلمين إلى مكة لفتحها ..
قال أبو قحافة أبو أبي بكر رضي الله عنه .. وكان شيخاً كبيراً .. أعمى .. قال لابنة له من أصغر ولده :
أي بنية .. اظهري بي على جبل أبي قبيس لأنظر صدق ما يقولون .. هل جاء محمد ؟..
فأشرفت به ابنته فوق الجبل .. فقال : أي بنية ماذا ترين ؟
قالت : أرى سواداً مجتمعاً مقبلاً ..
قال : تلك الخيل ..
قالت : وأرى رجلاً يسعى بين يدي ذلك السواد مقبلاً ومدبراً ..
قال : أي بنية ذلك الوازع الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ..
ثم قالت : قد والله يا أبتِ انتشر السواد ..
فقال : قد والله إذاً دفعت الخيل ووصلت مكة .. فأسرعي بي إلى بيتي .. فإنهم يقولون من دخل داره فهو آمن ..
فانحطت الفتاة به مسرعة من الجبل ..
فتلقته خيل المسلمين .. قبل أن يصل إلى بيته ..
فأقبل أبو بكر إليه ..
فاحتفى به مرحباً ..
ثم أخذ بيده يقوده .. حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد ..
فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم .. فإذا شيخ كبير .. قد ضعف جسمه .. ورق عظمه .. واقتربت منيته ..
وإذا أبو بكر رضي الله عنه .. ينظر إلى أبيه .. وقد فارقه منذ سنين .. وانشغل عنه بخدمة هذا الدين ..
التفت إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال مطيباً لنفسه .. ومبيناً قدره الرفيع عنده :
هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟!
كان أبو بكر يعلم أنهم في حرب .. قائدهم رسول الله صلى الله عليه و سلم .. وأن وقته أضيق .. وأشغاله أكثر من أن يتفرغ للذهاب لبيت شيخ يدعوه للإسلام ..
فقال أبو بكر شاكراً: يا رسول الله .. هو أحق أن يمشي إليك .. من أن تمشي أنت إليه ..
فأجلس النبي عليه الصلاة والسلام .. أبا قحافة بين يديه .. بكل لطف وحنان ..
ثم مسح على صدره ..
ثم قال : أسلم ..
فأشرق وجه أبي قحافة .. وقال : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
انتفض أبو بكر منتشياً مسروراً .. لم تسعه الدنيا فرحاً ..
تأمل النبي صلى الله عليه و سلم في وجه الشيخ .. فإذا الشيب يكسوه بياضاً .. فقال صلى الله عليه و سلم : غيروا هذا من شعره .. ولا تقربوه سواداً ..


نعم كان يراعي النفسيات في تعامله ..
بل إنه عليه الصلاة و السلام لما دخل مكة قسم جيشه إلى كتائب .. وأعطى راية إحدى الكتائب .. إلى الصحابي البطل سعد بن عبادة رضي الله عنه ..
كانت الراية مفخرة لمن يحملها .. ليس له فقط بل له ولقومه ..
جعل سعد ينظر إلى مكة وسكانها .. فإذا هم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه و سلم .. وضيقوا عليه .. وصدوا عنه الناس ..
وإذا هم الذين قتلوا سمية وياسر .. وعذبوا بلالاًُ وخباباً ..
كانوا يستحقون التأديب فعلاً ..
هز سعد الرايية .. وهو يقول :

اليوم يوم الملحمة ** اليوم تستحل الحرمة ..


سمعته قريش فشق ذلك عليهم .. وكبر في أنفسهم .. وخافوا أن يفنيهم بقتالهم ..
فعارضت امرأة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يسير .. فشكت إليه خوفهم من سعد .. وقالت :
يا نبي الهدى إليك لجائيُّ قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأرض وعاداهم إله السماء
إن سعداً يريد قاسمة الظهـر بأهل الحجون و البطحاء
خزرجي لو يستطيع من الغيـظ رمانا بالنسر والعواء
فانهينه إنه الأسد الأسـود والليث والغٌ في الدماء
فلئن أقحم اللواء ونادى يا حماة اللواء أهل اللواء
لتكونن بالبطاح قريش بقعةَ القاع في أكف الإماء
إنه مصلت يريد لها القتل صموت كالحية الصماء
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم .. هذا الشعر .. دخله رحمة ورأفة بهم ..
وأحب ألا يخيبها إذ رغبت إليه ..
وأحب ألا يغضب سعداً بأخذ الراية منه بعد أن شرفه بها ..
فأمر سعداً فناول الراية لابنه قيس بن سعد .. فدخل بها مكة.. وأبوه سعد يمشي بجانبه ..
فرضيت المرأة وقريش لما رأت يد سعد خالية من الراية ..
ولم يغضب سعد لأنه بقي قائداً لكنه أريح من عناء حمل الراية وحملها عنه ابنه ..
فما أجمل أن نصيد عدة عصافير بحجر واحد ..


حاول أن لا تفقد أحداً .. كن ناجحاً واكسب الجميع .. وإن تعارضت مطالبهم ..



اتفاق ..

نحن نتعامل مع القلوب .. لا مع الأبدان ..










د.محمد بن عبد الرحمن العريفي










 

الكلمات الدلالية (Tags)
استمتع بحياتك

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:16

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc