المذاهب الأدبية الغربية الكبرى
و أثرها في الأدبالعربي
نص استهلالي: ورد في كتاب (في الأدب والنقد) للدكتورمحمد مندور ما يأتي:''....ونقصد بالمذاهب الأدبية من الناحية النظريةالمذاهب التي وضع أصولها الشعراء والكتّاب أو النقّاد وبيّنوا الأصول النظرية التيتقوم عليها .... وذلك لأنّ الحقيقة التاريخية هي أنّ المذاهب الأدبية حالات نفسيةعامّة ولّدتها حوادث التاريخ وملابسات الحياة في العصور المختلفة, فجاء الشعراءوالكتّاب و النقاد فوضعوا للتعبير عن هذه الحالات النفسية أصولا وقواعد يتكون منمجموعها المذهب . أو ثاروا على هذه القواعد والأصول لكي يتحرّروا منها وبذلك خلقوامذهبا جديدا ". فما هي أهم هذه المذاهب ؟ وما هي آثارها المباشرة على الأدب العربي؟
المذهـب الكلاسيكـي Le Classicisme
1- تعريف المذهب
أ- لغــة:المذهب مصدر للفعل ذهب , فنقول: ذهب ذهابا وذهوبا ومذهبا, في المسألة إلىكذا؛ أي رأى فيها ذلك الرأي ؛ ونقول تمذهب فلان بالمذهب :اتبعه . والمذهب جمعهمذاهب وهو المعتقد و الطريقة والأصل,مثل مذاهب الإسلام الأربعة:المذهب الحنفي والشافعي و الحنبلي والمالكي , لذا نقول: ذهب فيالدين منها : رأى فيها رأيا.
ب- إصطلاحا:هي تلك الاتجاهات والمسارات الفنية والنفسية العامة التي تسببت في وجودهاحوادث تاريخية وظروف حياتية عامة في العصور السالفة ،واتفق الأدباء والنقاد فوضعواأصولا وقواعد للتعبير عن هذه الحالات النفسية ،فالمذاهب تيارات فكرية وفنيةواجتماعية تعاونت الآداب العالمية على انتشارها وعكس كل مذهب روح العصر الذي نشأفيه .
2- تعريف المذهب الكلاسيكي "الاتباعي"
أ- لغــة: كلمة- كلاسيكية- منحيث الأصل اللغوي مأخوذة من كلمة classis التي كانت تدل على معنى وحدة الأسطول ، ثماستعملت بمعنى وحدة دراسية أو فصل دراسي ، ثم أصبحت تطلق على مذهب أدبي محدد الصفاتوالخصائص وقيل :"إنها من اللفظة اللاتينية((classicus))" وتطلق على الطبقة العليافي المجتمع حيث كان المجتمع في أوربا ينقسم إلى 6 طبقات أعلاها طبقة الكلاسيك .
ب- اصطلاحا:هو مذهب أدبي يتمسك بالأصول القديمة الموروثة عن الأدب اليونانيالقديم ، ويحرص على المحافظة على الأصول اللغوية السليمة في رتابة وعناية بالغتينباعتماد نظرية المحاكاة .
3- نشأة الكلاسيكية
ليس غريبا أن تكون الكلاسيكيةالأسرع ظهورا وانكشافا من المذاهب الأخرى ،وسبب ذلك ميل الخلف على السجية إلىالسلف. وارتباطهم بما ألفوا عليه آباءهم .فنشأت الكلاسيكية في أوربا بعد حركة البعثالعلمي renaissance التي ظهرت خلال القرن 15م، بعد سقوط القسطنطينية سنة1453 على يدالأتراك تحت قيادة – محمد الفاتح – إذ رحل أدباء وعلماء القسطنطينية (بيزنطة) وهميحملون معهم المخطوطات اللاتينية القديمة إلى إيطاليا ثم سرعان ما انتشر هذا المذهببفرنسا .
وقد ظهرت الكلاسيكية تلبية للظروف الفكرية التي عاش في كنفها الأدبالأوربي في القرنين 17م و 18م حيث كان للنزعة العقلية سلطان واسع على الإبداعالأدبي.
4- تطور الكلاسيكية وخصائصها
تعتمد الكلاسيكية على النزعة العقليةالتي قادها" ديكارت " في الفلسفة و"بوالو" في النقد ، ذلك أن العقل هو الذي يقودالقلب والخيال ويكبح جماعهما .
إن الكلاسيكية تستجيب لحاجات الطبقة الأرستقراطيةوتعبر عن الحالات النفسية التي كانت سائدة في القرن 15م .وهي تقديس إبداع القدامىخاصة ما أبدعه اليونان واللاتين ، وتمثل جماعة البيلياد la pleiadesالتي يتزعمهارونسار(1524-1585م) بمساعدة دي بيليه (1522-1560م) وترى هذه الجماعة أنه يجب علىالأدباء الناشئين أن يتمرسوا بشعر قدماء اليونان واللاتين من أجل بلوغ الإبداعالحقيقي . يلتزم الكلاسيكيون بمحاكاة القدامى في إطار من الاهتمام المطلق والصارمبأصولهم وقواعدهم ،وعلى هذا نجدهم يقتبسون موضوعاتهم من التاريخ القديم ، فانتشربذلك الشعر المسرحي واختفت النزعة الذاتية .
لقد وضع الأديب الفرنسي – بوالو – أسس الكلاسيكية في كتابه "فن الشعر " سنة 1648م وبذلك يكون قد أعلن عن نضجالكلاسيكية .
يحرص الكلاسيكيون على تناول الجانب الباطني في الإنسان ؛ أي يغوصونفي دواخل النفس الإنسانية ، من ذلك حين يتناول – موليير – (1622-1673) في مسرحيته " البخيل " ظاهرة البخل فإنه يحاول من خلالها الكشف عن أعماق نفسية البخيل .
إنالكلاسيكية وإن كانت تقدس العقل فإنها لا تسمح بوجود العواطف الإنسانية إلا تحتقيادة العقل فهي تحرص كل الحرص على جودة الصياغة اللغوية والفصاحة في التعبير لأنهذا الأدب عرف بأنه أدب الصنعة .ومن أهم خصائص الكلاسيكية الغربية:
- الاعتمادعلى القديم من شعر القدماء كالرومان والإغريق في الحرص على تقليدهم .
- تعظيمالعقل : فهم يرون أن الأديب يعتمد على العقل الواعي المتزن والمتميز بالاعتدال فيالتفكير لذا وجب عليه الابتعاد عن العواطف الذاتية .
- الحرص على جودة الصياغةاللغوية وفصاحة التعبير .
- تقيّد أعمالهم وإنتاجهم الأدبي بقانون الوحداتالثلاث لاعتقادهم أن المسرحية إذا تعددت مواضيعها وامتدت أحداثها عبر الزمن الطويلوتنوعت أماكنها تصدع بناؤها وتفككت عناصرها .
5- أثر الكلاسيكية الغربية فيالأدب العربي
إن تأثير المذهب الكلاسيكي في الأدب العربي الحديث محدود؛ حيثاقتصر على الشعر المسرحي ؛ وذلك عندما اتصل كتاب المسرح العربي بالمسرح الفرنسيالكلاسيكي وفي مقدمة هؤلاء أمير الشعراء -أحمد شوقي - من مصر والأديب - مارونالنقاش- من لبنان . وتتمثل في الأعمال العربية الأدبية الكلاسيكية في بعض الترجماتالتي قام بها مارون النقاش الذي ترجم أعمالا للأديب الفرنسي – موليير – كمسرحيتي (البخيل) و(الثري النبيل) . كما قام أيضا- سليم النقاش - بترجمة مسرحية (هوراس) التي ألفها صاحبها –كورناي– سنة 1640 وقد ظهر هذا التأثير البسيط بصفة جلية فيمسرحيات -أحمد شوقي - الذي كان قد اتصل بالأدب الفرنسي الكلاسيكي واحتك بمسرحه عندذهابه إلى فرنسا للدراسة . ونلمح هذا التأثير في عنصر الصراع بين الحب والواجب فيمسرحية (مصرع كليوباترا) إذ جعل الأديب كليوباترا ملكة مصر (67 ق.م- 30 ق.م ) تغارعلى وطنها ولا يهمها أن يعزلها الروم أو أن تلقى المنية في سبيل مملكتها وهي مع ذلكمهتمة بجمالها حية أو ميتة ، متمسكة بعلاقتها بأنطيوس القائد الروماني الذي خاصمقومه من أجل كليوباترا ،كما نجد في مسرحية ( قمبيز) وبطلتها نتيتاس نوعا آخر منالصراع حيث لم تستطع أن تتغلب على حقدها على قاتل أبيها الفرعون أمازيس .
وإذاكانت مسرحيات شوقي محاولة رائدة في الشعر العربي فقد تبعتها بعد ذلك محاولات أخرىناجحة في الإتقان الفني والنضج الفكري مثل مسرحية "مصر الجديدة "لـفرج أنطون كماظهرت فرق أخرى كانت أعمالها المسرحية متميزة .إلا أن تأثير الكلاسيكية في الأدبالعربي بقي محدودا ولم تلق رواجا كبيرا لأسباب أهمها:
- اعتماد المذهبالكلاسيكي الغربي على الأدب الموضوعي بينما نجد الأدب العربي عموما أدبا عاما .
- إن المذهب الكلاسيكي وثيق الاتصال بالمسرح سواء منه اليوناني والرومانيالقديم أو الأوروبي الحديث وليس للعرب مسرح في عصورهم القديمة ، وحين اتصل بعضأدبائهم بالمسرح الغربي حديثا كان ذلك التأثير محدودا.
- عدم بقاء الكلاسيكيةوتعميرها طويلا في أوروبا في فترة كان الاتصال فيها بين الأدب العربي والآدابالأوروبية في مرحلة الطفولة . فليس من الطبيعي أن يتأثر العرب بمذهب أدبي هجرهأهله.
المذهـب الرومانسـي Le Romantisme
نص استهلالي: قالالدكتور محمد مندور في كتابه -الأدب ومذاهبه- : "...يمكن القول أنها قد كانت فيجوهرها ثورة تحريرية للأدب من سيطرة الآداب اليونانية واللاتينية القديمة ومن كافةالقواعد والأصول التي استنبطت من تلك الآداب " .
1- تعريف الرومانسية
أ - لغــة :الرومانسية من حيث الجذر اللغوي مشتقة من كلمة "رومانيوس" وقد أطلقت هذهالكلمة على اللغات والآداب التي تفرعت عن اللغة اللاتينية القديمة ، ويرى البعض أن "رومانس" لفظة اسبانية تدل على نوع من الصياغة الشعرية مؤلفة من مجموعة أبياتثمانية المقاطع تكون فيها الأبيات الزوجية مشتركة في القافية والأبيات الفرديةمطلقة .
ب- اصطلاحا:هي ثورة على المذهب الكلاسيكي بأصوله وقواعده وقد رفضت فيهإغراقه في الصنعة ومبالغته في تعظيم العقل وإمعانه في تمجيد العظماء والسير علىمنوالهم. فالرومانسية تفتح المجال واسعا للسليقة الحرة وترفض العقل وتدعم الإحساسالمنطلق والشعور المتدفق والطبع الوثاب .
2- نشأتها
نشأت الرومانسية في فرنسافي أواخر القرن 18م وبلغت قمة ازدهارها في منتصف القرن 19م وقامت على أساس فلسفي هيالفلسفة العاطفية التي مثلها - جون جاك روسو- الفيلسوف الفرنسي الذي توفي سنة 1778وعلى أساس اجتماعي وهو بروز الطبقة البورجوازية التي عبرت عنها الرومانسية مصورةحالة الكآبة والتشاؤم التي سادت تلك الفترة .
كما اتسع نطاق الرومانسية من خلالبعض الأعلام البارزين مثل الفرنسي فيكتور هيغو "1806 - 1895" إلا أن وليام شكسبير "1564-1616" يعد بحق واضع القاعدة الأولى للرومانسية الغربية في مسرحه الشهير فيإنجلترا وتميزت أعماله بتحليل عواطف القلب البشري من حب وبغض . ومن رواد هذا المذهبأيضا الشاعران الإنجليزيان واردزوارث"1770-1850" وكلوريدج "1772-1834" اللذان نظماوأصدرا ديوانهما "المواويل الغنائية" وقد جعلا الإنسان بهمومه واهتماماته محورالشعرهما في هذا الديوان وقد شهدت إنجلترا أيضا أدباء رومانسيين آخرين نالوا شهرةواسعة وتركوا بصماتهم في الأدب الإنجليزي الرومانسي منهم: وليم بلاك "1757-1827" وجامس طومسون "1700-1742" .
3- تطور الرومانسية وخصائصها
لقد شهدتالرومانسية تطورا كبيرا في إنجلترا من خلال أدباء وشعراء تركوا بصمات بارزة فيالأدب الرومانسي. وقد شهدت ألمانيا نهضة في مجال الأدب الرومانسي بفضل الأديب -غوث- صاحب كتاب "آلام الشاب وارذر" وقد صدر سنة 1774م وترجم بعد ذلك إلى الإنجليزيةوالفرنسية سنة 1775م . وقد اعتبر في أوروبا بطل الرواية "وارذر" بطلا للرومانسية . أما عن الرومانسية بفرنسا فإنها جاءت متأخرة عن الرومانسية الإنجليزية والألمانيةحيث ظهر تأثيرها خاصة في حروب نابليون بونابرت "1769-1821" واحتلاله بجيشه لعدة دولأوروبية كإيطاليا وألمانيا وإسبانيا ،ورجوع المغتربين الفرنسيين من هجرتهم إلىبلدهم فرنسا وهم محملون بأفكار ومبادئ الرومانسية .
وقد ظهر هذا التأثير بوضوحسنة 1830 بعد سفر كل من –لامارتين- "1790-1869" والأديب فيكتور هيجو -اللذان أعتبرامن أعلام الحركة الرومانسية بفرنسا- إلى بعض الدول الأوروبية ، وقد أخذ هذانالأديبان أسس المذهب الرومانسي ومبادئه وحملاها إلى فرنسا قادمين بها في رحلاتهمامن ألمانيا وإنجلترا وإسبانيا . ومن أعمال فيكتور هيجو (البؤساء - وهرناني -وعمالالبحر) وغيرها من الأعمال الفنية الشعرية والنثرية . وهو صاحب المقولة الشهيرة " يجب أن نخلص الشعر من الموضوعات المأخوذة من عصور غربية عنا ". وقد اهتمتالرومانسية بالعواطف الذاتية وخصت أدبها بالطبقات الوسطى والدنيا من المجتمع . لذاجاءت تعبيرا عن هذا المجتمع الجديد الذي عرفه العالم الغربي ، ومن هنا فقد سعتالرومانسية بأعمالها الأدبية إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة لشعوبها .
4- أهـم خصائــص الرومانسيــــة
من أهم خصائص الرومانسية :
- بروزالذاتية في الأعمال الأدبية لأن الأدب في نظرهم أدب ذاتي وشخصي .
- اتخاذالطبيعة مادة خاما لأعمالهم الأدبية والهروب إليها لصياغة التجارب الشعرية .
- تسعى الرومانسية إلى التعمق في أسرار الكون عن طريق تقديم الخيال وتفضيله على العقلوتقديس النزعة العاطفية إلى حد الإسراف .
- التعبير عن معاناة الضعفاء ومظاهرالقلق والحزن والتفاؤل والتشاؤم . وقد طمحت إلى عالم تسوده مبادئ العدل والمساواة ،معلنين عن تعاطفهم مع الضعفاء والمحرومين ، وقد نادت الرومانسية بتحطيم القيودوالقواعد المفروضة على الأدب وركزت على التلقائية والسليقة الحرة .
5- أثرالرومانسية في الأدب العربي
أشرنا أن الكلاسيكية لم يكن لها تأثير واسع في الأدبالعربي الحديث . إلا أننا نجد أن الرومانسية قد أثرت تأثيرا بالغا على الأدب العربيوقد ظهرت بوادر هذا التأثير على يد المهجريين أمثال (جبران خليل جبران و إيليا أبيماضي) وغيرهما من شعراء المهجر الذين أجادوا اللغة الإنجليزية إلى جانب لغتهمالأصلية فتمكنوا من الإطلاع على عيون الأدب الغربي عامة والأمريكي خاصة .
كمانلاحظ تعدد الترجمات العربية للمصطلح الأجنبي romonticismفيقابله " الوجدانية- الذاتية- الرومانسية- الرومانتيكية - الإبداعية - الإبتداعية ..."
أ- عواملظهور الرومانسية في الأدب العربي :
- تأثيرات الغرب : بدأ الاتصال بالثقافةالغربية منذ المنتصف الثاني من القرن19 م فأخذت البعثات العلمية تقصد أوروبا لتغترفمن الحضارة الجديدة وعادت تحمل هذا التأثير من المثقفين العرب فتأثر معظم الشعراءبنظرائهم في الغرب وفي مقدمتهم خليل الخوري توفي سنة 1907 الذي كان على اتصالتراسلي مع –لامارتين- .
- معاناة الجيل العربي ما بين الحربين : يعزو بعضالنقاد أسباب ظهور المذهب الرومانسي إلى ما عاناه الجيل العربي أثناء الحربالعالمية الأولى وبعدها، من كبت للحريات والعواطف والقيود ومصادرة الأفكار الحرةوممارسة القمع والتعذيب فانطوى الشاعر على نفسه وانسحب إلى دنيا الأحلام متقلبا بيناليأس والأمل .
- الرغبة في التجديد : لقد ضاق الأدباء ذرعا بالموضوعات القديمةوالصور التقليدية وأرادوا التحرر من القيود القديمة التي كبلت حرية الشاعر فيالإبداع .
ب- مظاهر الرومانسية في الأدب العربي :
ظهرت الرومانسية في الأدبالعربي على صورة مذهب نظري نقدي ثائر قبل أن يجسدها الأدباء في إنتاج فني وقد تبلورهذا الاتجاه في كتابين نقديين هما : الديوان سنة 1921 لكل من عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني.
وكتاب الغربال الذي صدر سنة 1922"ميخائيل نعيمة" وتحت هذا المذهب النظري نشأت عدة تنظيمات أدبية أهمها :
1- مدرسة الديوان أو" مدرسة التجديد الذهني " : دعا إليها- العقاد والمازني - ومن شعرائها عبد الرحمانشكري وقد حملت لواء التجديد والثورة على الأدب المحافظ متأثرة بالمدرسة الرومانسيةالإنجليزية وقد نهجت في كتابها "الديوان" المنهج ذاته الذي نهجته" مجموعة الكنزالذهبي"وشعارها هو بيت "عبد الرحمن شكري"في قصيدته "ضوء الفجر" :
ألا يــــاطـــائـر الفــــردو س إن الشــــعر وجــــدان .
وقد قامت هذه المدرسة علىدعامتين أساسيتين هما :
• سعة ثقافة أصحابها : فقد عكفت هذه المدرسة على التراثالعربي الأصيل وأعطته حقه من التحصيل والتحليل والدراسة
• الإطلاع الواسع علىالأدب الغربي : لقد اهتمت هذه الجماعة بعيون الآداب الأوروبية الغربية وخاصة الأدبالإنجليزي الذي نال قسطا وافرا من الاهتمام . وقد تميزت أعمال جماعة الديوان ببعضالخصائص الفنية نجملها فيما يأتي :
* كان أدبهم إنسانيا يحمل رسالة سامية ،ويرون أنه يجب على الأديب أن يطيل التفكير في الحياة وما تحمله من قسوة وهموم .
* البعد عن الصنعة والتكلف حتى يكون الأدب مفعما بالمشاعر القوية والأحاسيسالذاتية .
* دعوتهم إلى الشعر المرسل وتعدد القافية في القصيدة على خلاف النظامالقديم.
* الصدق الفني في التجربة الشعورية لأن القصيدة عندهم تنقل بصدق ما فينفس الشاعر من معان وانفعالات وأحاسيس .
2- الرابطــــة القلميــة : تمثل شعراءالمهجر الشماليين وهي مدرسة قائمة بخصائصها في التعبير والتفكير . تأسست فيالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1920 ، برئاسة الشاعر جبران خليل جبران ومن أبرزأعضائها ميخائيل نعيمة رشيد أيوب وإيليا أبي ماضي ونسيب عريضة وغيرهما من أدباءالمهجر . تتميز هذه الرابطة بدعوتها إلى التجديد ومبالغتها في ذكر الأوطان كما أنهالا تلتزم بالدقة اللغوية وقواعد الصرف والنحو .
3-جمـاعــة أبـولـو (أبولو ربالشعر والموسيقى عند اليونان ) : هي جماعة أدبية تأسست سنة 1932 دعا إليها أحمد زكيالمعروف بأبي شادي ، وقد ترأسها أمير الشعراء أحمد شوقي وبوفاته في شهر أكتوبر مننفس السنة تزعمها الأديب خليل مطران ، وقد انضم إليها علي محمود طه توفي سنة 1949والشاعر أبو القاسم الشابي توفي سنة 1934 وكذلك الأديب إبراهيم ناجي ومحمود حسناسماعيل ، وحسن الصيرفي والتيجاني يوسف البشير .
لقد اتخذت الجماعة لنفسها مجلةفنية حملتها لسان حالها دعتها مجلة "أبولو" برئاسة الدكتور أحمد زكي (أبو شادي) وراحت تروج لشعر دي موسيه، وشيلر، وجورج ملتون ، وبودلير وغيرهم من الشعراءالأوروبيين المجددين . وهذا الشاعر أحمد شوقي يصور آلام ومعاناة عاشها إخوانه فيسوريا :
بني سوريا اطرحـوا الأماني وألقـوا عنكم الأحلام ألقوا
فمن خدعالسياسة أن تغروا بألقــاب الإمارة وهي رق
نصحت ونحن مختلفون دارا ولكــن كلنافي الهم شرق
ومن أهم خصائص هذه الجماعة : التجربة الشعرية ، الوحدة العضوية ،الانغماس في الطبيعة ، التجديد في القوالب والأوزان الشعرية .
4- جماعات أدبيةأخرى :
• العصبة الأندلسيـة : ومن أبـرز شعرائهـا رشيد سليم الخوري .
• عصبةالعشـــرة : // // // إلياس أبو شبكة .
• النادي الفينيقــي : // // // ميشالمعلوف .
• الثالـوث الرومانسي: // // // أبو القاسم الشابي .
المذهـب الـواقعـي Le Réalisme
نص استهلالي : ورد في كتابالأدب ومذاهبه للدكتور محمد مندور ما يلي : " إن الواقعية ليست الأخذ عن واقعالحياة وتصويره بخيره وشره كالآلة الفوتوغرافية كما أنها ليست معالجة لمشاكلالمجتمع ومحاولة حلها أو التوجه نحو هذا الحل ، كما أنها ليست ضد أدب الخيال أوالأبراج العاجية ، وإنما هي فلسفة في فهم الحياة والأحياء وتفسيرهما أو هي وجهة نظرخاصة ترى الحياة من خلال منظار أسود " ويرون : " أن الشجاعة والاستهانة بالموت لونقبنا عن حقيقتها لوجدناها يأسا من الحياة أو ضرورة لا مفر منها ، والكرم في حقيقتهأثرة تأخذ مظهر المباهاة ، والمجد والخلود تكالب على الحياة وإيهام للنفس بدوامهاأو استمرارها . وهكذا الأمر في كافة القيم المثالية التي نسميها قيما خيرة ، فهيليست واقع الحياة الحقيقية وإنما الواقع هو الأثرة وما ينبعث عنها من شرور وقسوةووحشية " .
1- تعريف الواقعية
تمثل الواقعية الجانب الواقعي من المجتمعوالحياة ، فهي ترى أن الحياة كلها شر ووبال وأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا إذاكان ماكرا ومخادعا .
2- نشأتها
نشأ هذا المذهب في الثلث الثاني من القرن 19متحت تأثير الحركة العلمية والفلسفية ونتيجة رد فعل للإفراط العاطفي الذي اتسمت بهالرومانسية ؛ فقد ازدهرا معا وتجاورا . وقد عمد الواقعيون إلى تشخيص الآفاتالاجتماعية وتصوير معاناة الطبقة الدنيا وبالغوا في ذلك حتى اتسم أدبهم بطابعتشاؤمي ومسحة سوداء .
يعدّ بالزاك Balzac « 1850-1799 »الرائد الأولللواقعية في فرنسا وقد خلف أكبر موسوعة في الأدب الواقعي وهي تشمل نحو 150 قصة أطلقعليها اسم الكوميديا البشرية وتمثل قطاعات مختلفة من الحياة ، كما نجد عدة أدباءآخرين من فرنسا في مجال الواقعية مثل غوستاف فلوبار"1821-1880 " وهو صاحب الأعمالالأدبية المتميّزة مثل السيدة بوفاري Bovary Madame وقصة أخرى عنوانها Salammbo وغيرهما من الأعمال الأدبية القيمة .
3- تطور الواقعية وأشهر أعلامها
أشرناإلى نشأة الواقعية في فرنسا وريادة بالزاك في هذا المجال ، أما في إنجلترا فإننانجد ريشار شيريدان"1751-1816 " وكذلك تشالز ديكينز "1822-1870" الذي قدم وصفا صادقاوعميقا للمجتمع الإنجليزي في رواياته التي تركت آثارا جلية في الواقعية الإنجليزيةمثل (صحائف بكويك و دافيد كوبرفيلد) وكذلك (دمنى وولده) .
4- خصائص الواقعية
يرى النقاد أن الواقعية تنقسم من حيث خصائصها الفنية إلى ثلاثة اتجاهات :
*الواقعية الانتقادية : تقف موقفا انتقاديا إزاء أوضاع المجتمع فظهر هذا المذهبجليا أكثر في الأدب الفرنسي عند بالزاك وستيندال وكذلك تجلى في الأدب الروسي عنددوستويفيسكي و تولستوي "1828-1910" صاحب القصة المشهورة (حرب وسلم) وإلى جانب هؤلاءالأدباء ذاع صيت الأديب الأمريكي هيمينغواي "1898-1960" ومن رواياته " الشيخ والبحر " و " لمن تقرع الطبول " .
* الواقعية الطبيعية : لقد عملت على توثيق صلة الأدببالحياة لتصوير الواقع الاجتماعي بمختلف أشكاله مع الاستعانة بالعلوم التجريبيةالعصرية وعلى هذا اعتقد الفرنسي ايميل زولا "1840-1902" أن الأديب يطبق مكتشفات (داروين) صاحب نظرية "أصل الأنواع " و(كلود بيرنارد) صاحب نظرية "الأثر الحاسمللبيئة" وبذلك نفى هذا الاعتقاد على الإنسان حرية الإرادة والاختيار، واعتبر أنأفكاره وأحاسيسه وسلوكه نتاج الجانب العضوي والمادي فيه .
* الواقعيةالاشتراكية : هي واقعية جديدة طغت عليها النظرة الماركسية إلى الفن الأدبي ، وترىأن الأدب يجب أن يخدم هذه النظرة ويعبر عن الطبقة العاملة ، بالدفاع عن حقوقهاومصالحها .
- إن الواقعية الاشتراكية أفرزتها ظروف تاريخية واجتماعيةمعارضة للرومانسية والمثالية الطبيعية . إن الواقعية الاشتراكية تعتمد على تحليلالواقع تحليلا دقيقا ثم تقبل ما يوافقها وتطرح ما عدا ذلك . كما تؤمن الواقعيةالاشتراكية أن الواقع يمكن تغييره لأن الإنسان مالك لمصيره لذا باستطاعته أن يستعملهذه الظروف لصالحه في تغيير الواقع ومن ثمّ تغييره لنفسه .
وهذه الفكرة تعتبرمن صميم النظرية الاشتراكية فقد قال زعيمها ماركس : " الإنسان يعمل في الطبيعةالخارجية ويغيرها ، وفي الوقت نفسه يغير طبيعته ويطور الملكات الكامنة فيه ... " .
5- أثر الواقعية الغربية في الأدب العربي الحديث
إن الواقعية الغربيةبنظرتها المتشائمة لم تستطع فرض نفسها على الأدب العربي الحديث ، فقد رسم أدبنانهجا خاصا به استوحاه من الواقع العربي بمشكلاته الاجتماعية وقضاياه السياسية ، وإنكان بعض الأدباء قد تأثروا في بداية الأمر بالواقعيين الغربيين ومن هؤلاء "محمودتيمور" الذي تأثر بالواقعية الفرنسية حيث كانت أعماله القصصية لوحات لأوضاعاجتماعية غلب عليها شيء من التخيل .
أما الواقعية الحقيقية في أدبنا العربيالحديث فقد تجلت عند الدكتور طه حسين في كتابه المعذبون في الأرض وقد عبر عن رفضهلمظاهر الحرمان والفقر مطالبا بالعدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية للفرد . وخيرما أثمرته الواقعية في أدبنا ما كتبه "توفيق الحكيم" في روايته (يوميات نائب فيالأرياف) سنة 1937 قدم وصفا دقيقا لحياة الفلاحين في الريف المصري مستعرضا مظاهرالجهل والمرض والحرمان والذل بين أجيال من الإقطاعيين المستبدين وقد ترجمت هذهالرواية إلى أغلب لغات العالم وبذلك بلغ مرتبة سامية في سلم الأدب العالمي .
كما ظهرت الواقعية في أدبنا في أعمال "يوسف إدريس" في روايته(الحرام) التي نالترواجا واسعا وترجمت إلى لغات عالمية كثيرة . كما نلمح الواقعية عند الأديب "عبدالرحمان الشرقاوي" في روايته "الأرض" وكذلك الأديب "يحي حقي" في مجموعته القصصية (ماء وطين) أما الواقعية في الأدب الجزائري فقد تجلت في الرواية المكتوبة باللغةالفرنسية التي تناولت الحياة الجزائرية عامة والريفية بوجه خاص ونجد ذلك في رواية (ابن الفقير) لـ "مولود فرعون" إذ صور فيها نشأته المعذبة ، كما وصف أيضا حياةالفلاحين البائسة ومعاناتهم اليومية ، فالفلاح يقضي في حقل الإقطاعي قرابة ست عشرةساعة يوميا فهو يخرج من كوخه قبل بزوغ الفجر ولا يعود إليه إلا بعد غروب الشمسويقول في ذلك : " يسكنون بيوتا بدائية فقيرة ، تتسلق قمما مرتفعة يعلو كل منهاالآخر ، وكأنها عظام عمود فقري هائل لحيوان رهيب من حيوانات مل قبل التاريخ ... " .
كما صور الأديب الجزائري هذه الواقعية المؤلمة بكل صدق وإيمان نظرا لتجاربه فيالحياة ومعاناته اليومية ، فهو صورة لهذا المجتمع المتألم من نير عبودية الاستعماروسياسته الاستيطانية والاستعبادية وهذا ما نجده في رواية "محمد ذيب" (الحريق) الذيعبر قائلا : "لقد استولوا على كل شيء ، إنهم يريدون أن يصبحوا سادة أيضا ، لقدجعلوا من واجبهم الحقد علينا.وهاهم أولاء ينتزعون كل يوم قطعة من لحمنا ، فيبقىمكانها جرح عميق لتسيل من حياتنا ... " .
كما نجد الشعر قد صور واقع الحياةالاجتماعية لهذا الشعب وهذا "محمد الأمين العمودي" يقول :
نفسي تريد العلاوالدهر يعكسها بالقهر والزجر إن الدهر ظلاّم
أبكي إذا اشتد إرزام الحوادث بيوللحوادث مثل الرعـد ارزام
إن حل عام جديـد قمـت أسأله قل لي : بماذا أتيت أيهاالعام؟
إني وإن حط سوء الحظ منزلتي وقد علا شرفـي بالظلم أقوام
كما نجدالأديب "محمد الصالح خبشاش" يعبر عن واقع المرأة الجزائرية المؤلم داعيا إلىتربيتها وتعليمها قائلا :
تركـوك بين عبـاءة وشقـاء مكؤوبـة في الليلـة الليلاء
دفنوك من قبل الممـات وحبذا لو مـت قبـل تفاقـم الأدواء
مسجونـة مزجـورةمحرومة محفوفـة بمـلاءة سـوداء
وإلى جانب هذين الشاعرين هناك شعراء آخرون ، لميقلّ شعرهم أهمية ولا مكانة في وصف الواقع الجزائري المزري نذكر منهم "محمد العيدآل خليفة ، الشيخ إبراهيم أبي اليقضان ..."
المذهـب الرمـزي LeSymbolisme
نص استهلالي : يقول جورج صيدح : "إن الرمز هو غير اللغز فاللغزلا يفهم ولا يوحي ، أما الرمز فأنت تفهم إيماءته أضعاف ما تفهم من كلمته ... والإغراق في الإيهام يسد منافذ الجو ، ويخلق أمام القارئ فراغا لا يستحث الفكر ولايوقظ الشعور"
ويقول الدكتور حامد حقي داود : " ... هذا الرمز والغموض هو ما أشارإليه النقاد العرب القدامى كقول بن سنان الخفّاش : أفخر الشعر ما غمض عنك فلم يعطكإلا بعض ما طلب منه " .
1- تعريف الرمزية
أ- لغـة : يعود أصل الكلمة إلىعصور قديمة لا يعرف مداها التاريخي ولكنها موحدة المعنى لدى الشعوب القديمة فهي عنداليونانيين تدل على قطعة الفخار أو الخزف تقدم إلى الزائر الغريب علامة على حسنالضيافة .
وعند العرب شرح المعجم اللغوي لسان العرب لابن منظور الرمز بحركاتتقوم بها العينان والشفتان لتؤدي معنى خفيا لا يؤدى تأديته باللفظ الصريح .
ب- اصطلاحا : المدرسة الرمزية حركة أدبية ظهرت في النصف الأخير من القرن 19م اعتمدتالرمز لغة والموسيقى إيقاعا والجمال غاية ومحورا .
والرمز هنا معناه الإيحاء أيالتعبير غير المباشر عن النواحي النفسية المستترة التي لا تقوى اللغة على أدائها فيدلالتها الوضعية ، بحيث تتولد المشاعر عن طريق الآثار النفسية لا عن طريق التسميةوالتصريح .
2- نشأتها
ظهرت الرمزية في النصف الثاني من القرن 19م وقداعتمدت في أصولها الفلسفية على "مثالية أفلاطون" ومنظّرو الرمزية يشيرون إلى أن هذهالحركة تأثرت في نشأتها بالحركة الدينية والأسطورية التي قامت في تلك الحقبة ، كمالا يخلو الأدب الرمزي من تأثيرات ومقدمات فلسفية رصدت دوافعه ومن الفلاسفة الذينكتبوا ومهدوا للرمزية كانط المؤثر المباشر، وهربرت سبنسر الإنجليزي مؤسس الفلسفةالتطورية .
وإذا ما استندنا إلى مثالية أفلاطون فإن الرمزية تنكر الأشياءالخارجية المحسوسة ، ونراها في الحقيقة رمزا للحقائق المثالية البعيدة عن عالمناالمحسوس .
3- تطور الرمزية وأشهر أعلامها
من حيث الإطار الإعلامي الفعلي فإننشأة الرمزية في الأدب الغربي الحديث يعود إلى سنة 1886م عندما أصدر "مورياس" رسالةأدبية تتضمن تعريفا مفصلا بهذه المدرسة واعتبرت هذه الرسالة بمثابة أول منشورللرمزية وقد صدر هذا البيان في الملحق الإداري لجريدة "الفيغارو" الفرنسية حيث قدمتعريفا بالمذهب الجديد وحدد ممثليه ورواده وهم شارل بودلار "1821-1867" وهو شاعروكاتب فرنسي ولد عاش بباريس من مؤلفاته "زهور الشرles fleurs du mal /" وله مجموعةشعرية تعبيرية وترجم قصص لـ"ادغار آلامبو" ، ويعد بودلار الرائد الأول للرمزية فيفرنسا و "ملارميه" المنظر الحقيقي الذي وهب الشعر معنى الغموض والأسرار الخارقةالتي لا توصف أما الثالث فهو "فرلين" لأنه كسر قواعد الشعر المألوفة إلى نوع جديدهو الشعر الحر .
بعد ذلك بأسابيع ظهرت مجلة الرمزي lesymboliste في أربع أعدادوقد أوضحت كثيرا من قواعد الرمزية ورسخت اتجاهاتها . ومن أبرز رواد الرمزية خارجفرنسا ويليام بلاك ، ويليام بيتلرياتس من ايرلندا وريزماريار يلكه وإلكسندر بلوك منروسيا أيضا وتوماس ستريس إليوت من أمريكا إلا أنه يحمل الجنسية الإنجليزية خاصة فيمجموعته الشعرية المسماة "الأرض الخراب the wasteland " .
يرى الرمزيون أناللغة لا قيمة لها في ألفاظها إلا ما تثيره هذه الألفاظ من الصور الذهنية التيتلقيناها من الخارج وعلى هذا الأساس تصبح اللغة وسيلة للإيحاء ، كما يرى الرمزيونأن الأدب يسعى إلى نشر الصورة الفنية ونقل خيال الكاتب إلى القارئ كما اهتم أصحابالمذهب الرمزي بالإيقاع الموسيقي في شعرهم ويرون أن الموسيقى وحدها هي التي توقظ فيالسامع أو القارئ مشاعره العاطفية التي تهز نفسه .
4- خصائص الرمزية
من أهمخصائص المذهب الرمزي نذكر ما يأتي :
* انتفاء الواقع والتحري عن الروح في قلبه : فالرمزية اعتبرت الواقع الهادي زائفا في الدلالة على الحقيقة وإنه قناع يسترها،ذلك أن الشاعر إذا ما رنا إلى البحر فإنه لا يذكر زرقته وموجه الهادر وإنما يتخذالبحر مادة للتأمل ، إنه يرنو إلى ميتافيزيقية البحر من حيث غاياته وغاية الإنسانوالوجود فيتحول الإنسان البحر والبحر الإنسان كما يقول بودلار :
أيها الإنسانالحرّ
ستحبّ البحر
البحر مرآة
* الغموض : يشكل الغموض العمود الفقريللأدب الرمزي والمقصود بالغموض ما يخيّم على القطعة الأدبية فتصبح مقتصرة على ذويالاحساسات الفنية المرهفة ، فالرمزيون يكتفون بالإشارة إلى الحالة النفسية الغامضةبوسائل رمزية .
* الإيحاء : إذا كانت الكلاسيكية تنقل المعاني عن طريق العقلوالرومانسية عن طريق الانفعال "العاطفة" فإن الرمزيين قد اهتموا بنوع آخر من هذهالمشاركة الوجدانية ما بين الكاتب والقارئ تقوم على نقل حالات نفسية من الكاتب إلىالقارئ وهو الإيحاء ومن هذه الكلمات الموحية : "الضوء الخافت- التموج- الألوانالهاربة-الأنغام- الغروب-الرحيل ... " كما أنهم يقربون بين الصفات المتباعدة (السكون المقمر-الضوء الباكي-الشمس المرة المذاق-القمر الشرس) . كما اهتموابالألوان من ذلك أن "رامبو" قد جعل لكل لون معنى :
اللون الأحمر يرمز إلىالحركة والحياة الصاخبة والقتال والثورة والغضب والأعاصير .
اللون الأخضر يرمزإلى السكون والطبيعة والانطلاق وفكرة المستحيل والخلاص من عالم المادة .
اللونالأزرق يرمز إلى العالم الذي لا يعرف الحدود وفيه انطلاق إلى ما وراء المادةالكونية .
اللون الأصفر لون المرض والشعور بالحزن والضيق والتبرم بالحياة .
اللون الأبيض يمثل الطهر المثالي وهدوء السكينة ويرمز إلى الفراغ والجمود .
اللون البنفسجي لون الرؤى الصوفية .
* النغمة الموسيقية : الرمزية في نظر "فاليري" هي :" نية عدد من عائلات الشعراء في أن ينهلوا من الموسيقى" فالموسيقى لاتقرر أفكارا بل تعبر تعبيرا نغميا عما يشعر به الفرد ، وتنتقل هذه المشاعر منالمؤلف والعازف إلى المستمع وهذا "بودلار" في ديوانه (أزهار الشر) يكتب مقطوعةصغيرة عنوانها الموسيقى صور فيها الأثر العميق الذي تحدثه الموسيقى :
تأخذنيالموسيقى غالبا مثل بحر
نحو نجمتي الشاحبة
تحت سقف ضبابي أو أثير واسع
أرفع الشراع
صدري إلى الأمام ورئتاي منفوختان
كالشراع
ويقول "فرلين " في الموسيقى في قصيدته الفن الشعري : عليك بالموسيقى قبل كل شيء قم بالموسيقىأولا وأخيرا
وليكن شعرك مجنحا
حتى لا يحسّ أنه منطلق من الروح عابرا نحوسماوات أخرى
* تراسل الحواس : فاللمس والشم والسمع والبصر وسائل تعبيرمتداخلة ومتبادلة فبعضها ينوب عن بعضها الآخر في التأثير النفسي كوصف أحد الرمزيينللون السماء بقوله : "وكأن لون السماء في نعومة اللؤلؤ" وكقصيدة بودلار الشهيرةمراسلات التي يقول فيها :
ثمة عطور ندية كجسد الأطفال
عذبة كآلة موسيقية
خضراء كالمروج
وهكذا شاهد الشاعر لون الاخضرار في العطر وسمع نغم المزمارولامسه في جسد الأطفال .
* الرمزية أدب الصفوة : فهم لا يحفلون بسواد الشعبويتوجهون إلى الصفوة بحيث يغدو فهم الأدب الرمزي مقصورا على الذين تمكنوا من بعضالعلوم الإنسانية كعلم النفس الجماعي الذي شرحه كل من "يونغ" و"أدلر" وعلم التحليلالنفسي الذي اكتشفه وعرفه العالم النمساوي "فرويد" .
* الإيمان بالصنعة دونالإلهام : وفي ذلك يقول فاليري : "إذا آمن الشاعر بالوحي قتل الإبداع " .
* اللجوء إلى الأساطير : وذلك عندما يصرفون موضوعات إنسانية لها علاقة مباشرةبالفلسفة أو الأخلاق .
وعليه انقسمت الرمزية إلى ثلاثة اتجاهات نجملها فيمايأتي :
- الرمزية اللغوية : وعملها نقل الصورة اللغوية من نفس إلى أخرى ، ويرىأصحاب هذا الاتجاه وعلى رأسهم "شارل بودلار" أن معطيات الحواس متداخلة أي أن كافةالحواس تستطيع أن تولّد وقعا نفسيا واحدا ، وأن جزء منها ينوب عن الآخر في التأثيرالنفسي ، ويتضح هذا في وصف أحد الكتاب سماء مغطاة بالسحب البيضاء حيث يقول : "وكأنلون السماء في نعومة اللؤلؤ" .
- الرمزية الغيبية : وتهتم بطريقة إدراك العالمالخارجي وبالوجود الذهني الذي ينحصر فيه ويترأس هذا الاتجاه الفرنسي "ستيفانمالارميه " .
- الرمزية الباطنية : وهي تسعى إلى اكتشاف العقل الباطن وعالماللاوعي " اللاشعور"
كما ذهب البعض إلى تقديم أقسام أخرى للرمزية مثل :
أ- الرمزية الشعرية : ويظهر هذا الاتجاه في الشعر الغنائي والشعر التمثيلي حيثتسعى إلى إحداث حالة نفسية خاصة، والأداة الأولى عنده للفعل الشعري هي "الكلمة" لتصبح واقعا ملموسا تلونها حروفها الصوتية وتصنع فيها الحياة حروفها الساكنة ،فالعمل الأول للشاعر عندهم هو إعطاء معنى أكثر صفاء للكلمات .
ب- الرمزيةالموضوعية : حيث يلجأ الأدباء إلى معالجة المشاكل الإنسانية والأخلاقية بواسطةالخيال وبذلك تكون بعيدة عن مشاكل الواقع الحياتي ، فهي ترمي إلى تجسيد الأفكارلإيضاح الحقائق الفلسفية والأخلاقية .
5- أثر المذهب الرمزي في الأدب العربيالحديث
كان للترجمة التي قام بها عدد من الأدباء ، ولا سيما تلك التي قامتبنشرها مجلات عربية مشهورة مثل : المقتطف والمكشوف والرسالة والأديب ... أثر واضحفي نقل الآداب الغربية التي أخذت بأساليب المدارس الأدبية .
وقد مهد لهذهالترجمات الإطلاع المباشر على اللغات الأوروبية والأمريكية إثر الهجرات التي قامبها عدد من اللبنانيين والسورية إلى بلاد الغرب ولا سيما الولايات المتحدةالأمريكية .
لقد لقيت الرمزية اهتماما من الشعراء العرب وانتشرت على أوسع نطاق . ولم يكن ظهور الرمزية في أدبنا خاضعا لنفس الظروف التي نشأت في كنفها الرمزية فيالأدب الغربي .
ومن مظاهر ذلك الرمزية الجزئية لـ جبران خليل جبران خاصة فيقصيدته "المواكب" التي اعتمدت في بعض صورها على تراسل الحواس كما في قوله :
هلتحممـت بعطـر وتنشـفـت بنـور
وشربت الفجر خمرا في كؤوس من أثير
وفيهانتقال الحس اللمسي "الاستحمام" مكان الحس الشمي "العطر" والحس البصري "النور" مكانالحس اللمسي "التنشف" والحس الذوقي "الشرب" مكان الحس البصري . وهذا لا يحقق لجبرانرمزية كلية .
لقد أجمع الدارسون لرمزية الأدب العربي أن "أديب مظهر" توفي 1928أول شاعر في العربية أدخل شرارة الرمزية الحقيقية إلى اللغة العربية مع قصيدتهالمسماة (نشيد السكون) وكان يقدّر له أن يبرز إلا أن الموت عاجله وهو في السادسةوالعشرين من عمره كما برز الشاعر اللبناني سعيد عقل "1818-1916" مؤسس صحيفة (البرق) وقد قتلته الأتراك نتيجة مواقفه السياسية المتشددة ، وهو من أوائل الأدباء العربنقلا للرمزية الغربية . كما يرى أن الشعر يجب ألا يخبر بل يؤمن ويوحي ويلمّح وأصرّعلى الإدراك اللامنطقي والحدسي للعالم ، كما اعتبر أن الشعر موسيقى قبل أن يكون فنافكريا . ومن الرمزيين أيضا: (يوسف غصّوب ، جورج صيدح ، إيليا أبو ماضي) . وبعد سنة 1950 شاعت في الشعر العربي حركة جديدة تنتمي إلى الرمزية من أبرز أعلامها : منالعراق (بدر شاكر السيّاب ، عبد الوهاب البياتي ، سعدي يوسف ، نازك الملائكة ) ومنلبنان (خليل الحاوي ، يوسف الخال ، أدونيس) ومن مصر (صلاح عبد الصبور) .