ارتفع صوت الآذان مناديا بصلاة العصر، فلبت القلوب المؤمنة النداء في عجل، و في قاعة الوضوء بلل الماء الطهور الوجوه و المرافق............،" الحاج الطيب" هو واحد من رواد المسجد و يقال أن له مكارم عديدة.....و لكن هذا اليوم كان قائضا مليئا بالملل،و كل سكان الحي تداولوا الخبر السعيد حتى انتشر بسرعة كالوباء:- لقد عبدت البلدية الطريق أخيرا....... و قال مبتهج آخر: حلم ...... و ربي إنه لحلم انتظرته مليون سنة !!.و سرعان ما طلي الرصيف بالأبيض و الأحمر و اشتعلت على جانبي الطريق أضواء ملونة و الناس كانوا في بهجة و حبور، و انتقلت رائحة الزفت عبر النافذة الى بيت الحاج الطيب،حيث كان برفقة حفيده "اسلام".......... يجلس الصبي في حجر جده تارة و يلعب بلحيته البيضاء تارة أخرى و فجأة يصيح الصبي داهشا : جدي ما هذه الرائحة ؟!قال الجد في هدوء : انها رائحة الزفت ....... أنظر من النافذة و سترى بعينك.نظر الصبي من النافذة و قال : جدي ....... لقد شممت مثل هذه الرائحة ليلة وفاة جدتي !!قال العجوز آسفا : رحمها الله.و سرعان ما باغت الفتى جده بسؤال كاد ينساه الآخر:ألن تأخذني معك الى المسجد اليوم ؟و في ذلك اليوم كانت السماء حمراء بالتراب، حتى الطيور لم تطر بجناح في السماء،أما الآذان و العيون فامتلأت برمل مزعج أسال الدموع و أثار في الرأس حكة، حتى الأسنان داخل الفم بدأت تقزقز من اصطكاكها بالتراب، فنزع الجد أسنانه الاصطناعية و غمرها في كوب من الماء و قال : سأصطحبك معي اليوم الى صلاة العصر!!انتظر الفتى بشوق حارق و لهفة متطلعة،و سارت السيارات في الطريق الجديد بسرعة عجيبة، كأن الدنيا ستنتهي هذا المساء، سيسجل الشرطي ابتداءا من اليوم عددا هائلا من المخالفات،و ستنصب على الطريق مطبات كثيرة و لا شك،و اللافتات لن تحترم،و سيموت قانون المرور على الطريق...... و وضع يده الصغيرة في يده ذات البشرة المنكمشة فسارا جنبا الى جنب، و بدى الفتى سعيدا بعباءته البيضاء،و كان شعور غريب ينتابه لأنه استخدم مسك جده، و مشى معه باسما ، يقع الجامع في الجانب الآخر من الطريق و ستقام الصلاة وان فاتتهما فقد فوتا أجرا عظيما، فيقول الجد مستحثا : أسرع يا اسلام.و ظهرت من العدم سيارة كأنها طائرة، و لم تبصرها عيون الجد الضعيفة أما الصغير فلم يكن له منعكس قوي يدفعه للهرب. حتى قالت العجلات المسرعة كلمتها بوفاة الصغير !!شهد الطريق الجديد على ذلك اليوم و شهدت عليه كلماتي البائسة و قال الصبي في نوع من التجلي :- لقد شممت هذه الرائحة يوم وفاة جدتي !!.