توحيد الأسماء والصفات سليمان ناصر العلوان - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

توحيد الأسماء والصفات سليمان ناصر العلوان

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2024-03-13, 07:10   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي توحيد الأسماء والصفات سليمان ناصر العلوان

( فصل )
وأما النوع الثالث من أنواع التوحيد فهو :
( توحيد الأسماء والصفات ) .
ومعرفة هذا النوع من الأصول التي أرسل الله بها رسله ، وأنزل بها كتبه . فإنكار هذا النوع إنكار للخالق وجحد له . ولا يدخل العبد في الإسلام حتى يؤمن بأسماء الله وصفاته .
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله - :
( لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا في الإيمان – حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله ، ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه ، فالإيمان بالصفات وتعرفها : هو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان وثمرة شجرة الإحسان . فمن جحد الصفات فقد هدم أساس الإسلام والإيمان وثمرة شجرة الإحسان ، فضلا عن أن يكون من أهل العرفان .
وقد جعل الله سبحانه منكر صفاته مسيء الظن به . وتوعده بما لم يتوعد به غيره من أهل الشرك والكفر والكبائر فقال تعالى :
وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ فصلت .
فأخبر سبحانه أن إنكارهم هذه الصفة من صفاته : من سوء ظنهم به ، وأنه هو الذي أهلكهم . وقد قال في الظانين به ظن السوء عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً الفتح6.
ولم يجيء مثل هذا الوعيد في غير من ظن السوء به سبحانه ، وجحد صفاته وإنكار حقائق أسمائه من أعظم ظن السوء به ... .) مدارج السالكين (3/363) .
ومذهب سلف الأمة وأئمتها في باب الأسماء والصفات : أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه ، أو بما وصفه به رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ، ولا تمثيل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ الشورى11، وينزهون الله عن مشابهة المخلوقات تنزيها بلا تعطيل ويثبتون لله جميع الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة إثباتا بلا تمثيل ، فإن من نفى عن الله صفة من صفاته فهو معطل ، وإن حرفها وصرفها عن ظاهرها فهو ملحد محرف ، وإن أثبتها وقال : إنها تشبه صفات المخلوقين فهو مشبه ، وإن قال : أفوض علم معاني الصفات إلى الله فهو مفوض وخطره على العقيدة أعظم من خطر الجهمي لخفاء قوله على كثير من المشتغلين بالعلم ، والعجب أن كثيرا ممن تصدى للتصنيف يعزو هذا القول إلى السلف – وهم كثر ممن لم يفقه مذهب السلف على حقيقته منهم : الرازي ، والغزالي ، والسيوطي ، وصاحب ( كتاب مناهل العرفان في علوم القرآن ) فإنه قد عزى مذهب التفويض إلى السلف وارتضى هذا القول وسمى المذهب الصحيح المبني على الكتاب والسنة مذهب الخلف ، وله في كتابه المذكور آراء فاسدة وتصورات خاطئة في العقيدة نذكر ما تيسر منها لاشتهار الكتاب واشتغال الكثير بدراسته وتدريسه ، فمن ذلك أنه زعم ( أن الصفات من المتشابه ) كما في (2/286) ، ويقصد بالمتشابه الذي لا يعلم معناه لأنها عنده مشكلة . وهذا خطأ وضلال فإن باب الأسماء والصفات باب محكم واضح يفهم أصل المعنى كل إنسان لم تتغير فطرته ، وكيف يكون مشتبها أفضل شيء حصلته النفوس واكتسبته القلوب ولم يتوف الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – حتى أكمل به الدين ، وأساس الدين معرفة الله بأسمائه وصفاته وقد بلغه النبي – صلى الله عليه وسلم – بلاغا عاما فعلمه الخاص والعام وفي الصحابة القروي والبدوي والعربي والعجمي ولم يشتبه توحيد الأسماء والصفات على واحد منهم بل آمنوا به وعرفوا المراد منه أعظم معرفة .
وزعم الكاتب في كتابه (2/286) أن ظواهر الصفات غير مرادة للشارع قطعا لأنه مفوض ويظن أن التفويض هو مذهب السلف كما تقدم ، وعنده أن إثبات السمع لله والبصر والعلم والحياة والاستواء ونحو ذلك من الصفات التي وصف الله بها نفسه موهمة للتشبيه ومن ثم قال ( إن ظواهرها غير مرادة لله ) يريد بذلك نفي ما تحمله الصفات من المعاني لأن إمرار الصفات كما جاءت مع فهم معانيها وإثبات حقائقها يوهم التشبيه عنده ، تعالى الله عن قوله علوا كبيرا .
والذي عليه أهل الفطر السليمة أنهم إذا أثبتوا لله السمع والبصر والعلم والحياة والاستواء لم يقتض ذلك أن يكون علمه وبصره وسمعه وحياته واستواؤه ، كعلم المخلوق وبصر المخلوق وسمعه وحياته لأن الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ الشورى11.
وقال في كتابه (2/291) إرشاد وتحذير :
( لقد أسرف بعض الناس في هذا العصر ، فخاضوا في متشابه الصفات بغير حق
وأتوا في حديثهم عنها وتعليقهم عليها بما لم يأذن به الله، ولهم فيها كلمات غامضة تحتمل التشبيه والتنزيه ، وتحتمل الكفر والإيمان ، حتى باتت هذه الكلمات نفسها من المتشابهات ) .
هكذا قال هذا الكاتب وجنى على نفسه وخاض فيما لا يحسنه ومن خاض فيما لا يحسنه أتى بالعجائب وجعل الحق باطلا والباطل حقا وأنكر ما أجمعت الأمة عليه ، وصوب ما اتفق أهل العلم والمعرفة على تخطئته ، وهذا الكاتب جعل إثبات الصفات لله على ما يليق به خوضا بغير حق وقد سبق إبطال زعمه بأن الصفات من المتشابه الذي لا يعلم معناه . وأما قوله: ( ولهم فيها كلمات غامضة تحتمل التشبيه . . . إلخ ) فهو خطأ خطير فليس في إثبات نصوص الصفات ما يحتمل التشبيه أو الكفر ، ومن ظن أن أثبات صفات الكمال لله تعالى يقتضي تشبيها فهو مخطئ في ظنه ضال في عقيدته ، وأهل الكلام لهم عبارة يرددونها في كتبهم وقد تقدم ردها وهي ( أن ظواهر الصفات غير مرادة لله ) فالإيمان بصفات الله عندهم يقتضي الكفر والتشبيه لأنهم يظنون أن إثبات صفات الخالق على وفق ما جاءت به النصوص القرآنية والأحاديث النبوية يقتضي أو يحتمل تشبيه الخالق بالمخلوق وذلك ظن الذين كفروا فلا يظنون إلا المعاني الفاسدة فويل للذين كفروا من النار . وليس في الكتاب ولا في السنة ما ظاهره يقتضي كفرا أو تشبيها ، وتعالى الله عن أن يكون ظاهر كلامه كفرا أو تمثيلا أو تشبيها ، وأهل الباطل يتوهمون في صفات الله أو أكثرها أنها تماثل صفات المخلوق فلا يفهمون من إثبات الصفات إلا هذا الفهم الباطل الناشئ من تعطيل ما يستحقه الرب .
والقرآن مملوء من الرد على من شبه الخالق بالمخلوق قال تعالى: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ
وقال تعالى: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ  ، وقال تعالىهَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً وقال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ الشورى11.
والمسلم يجب عليه أن يثبت أسماء الرب وصفاته من غير تمثيل ولا تشبيه ، ولا يهولنه أقوال المعطلين لأسماء الله وصفاته من أن من أثبت له صفات الكمال فقد شبه .
ثم قال الكاتب بعد ذلك: ( ومن المؤسف أنهم يواجهون العامة وأشباههم بهذا ، ومن المحزن أنهم ينسبون ما يقولون إلى سلفنا الصالح ، و يخيلون إلى الناس أنهم سلفيون ، ومن ذلك قولهم : إن الله يشار إليه بالإشارة الحسية ، وله من الجهات الست : جهة الفوق ويقولون إنه استوى على عرشه بذاته استواء حقيقيا ، بمعنى أنه استقر فوقه استقرارا حقيقيا غير أنهم يعودون فيقولون ليس كاستقرارنا وليس على ما نعرف. . .) .
أقول: وأما قوله ( أنهم يواجهون العامة وأشباههم بهذا . . .) فيقال هذا لا عيب فيه إنما العيب والضلال ، الامتناع من إثبات ألفاظ الصفات وحقائقها ، وأما مواجهة العامة بإثبات الصفات وإمرارها كما جاءت مع فهم أصل المعنى وإثبات حقائقها فهو أمر ضروري وتبليغه من الأمور الضرورية فلا يتم إسلامهم إلا بمعرفة الله بأسمائه و صفاته والإيمان بذلك لأنه أساس الإسلام ومن أنكر مواجهة العامة بذلك وامتنع من قراءة آيات الصفات وأحاديث الصفات فقد أنكر أصل الدين وأتى بقول يضارع قول الجهمية المعطلين وقد كان النبي-- يواجه جميع المسلمين بذلك عربهم و عجمهم لأن ذلك من أعظم دعائم التوحيد والممتنع من مواجهة العامة بذلك ممتنع عن تبليغ أصل الدين والله المستعان .
وأما قوله وينسبون ما يقولون إلى سلفنا الصالح . . .) فجوابه أن يقال نسبتهم
إثبات الصفات للسلف من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تحريف حق لا امتراء فيه ولا
ينازع في ذلك أحد شم رائحة العلم إنما ينازع في ذلك المعتزلة و الجهمية والمفوضة وأشباههم من الصادين عن سبيل الله وأما استعظام الكاتب ، قول من قال: ( إن الله يشار إليه بالإشارة الحسية ) فهذا مبدأ إنكار علو الله على خلقه ، وسيد ولد آدم في أعظم مجمع حضره الناس يشير بأصبعه السبابة إلى السماء ويقول: (( اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات )) والحديث في (( صحيح مسلم )) من حديث جابر الطويل في صفة حج النبي-- فالنبي-- في هذا المجمع العظيم يستشهد ربه الذي فوق العرش و الجهمية المعطلة تنكر ذلك وتزعم أنه أشار إلى السماء مستشهدا لها وهذا الكاتب يوافق الجهميه على أن الله لا يشار إليه بالإشارة الحسية وهذا ليس بمستغرب من الكاتب لأنه لا يؤمن ولا يقر بعلو الله على خلقه ولا باستوائه على عرشه استواء حقيقا يليق به ومن لا يؤمن بهذا فليس بمستنكر منه إنكار الإشاره إلى الله ، وإنكار علو الله على خلقه أصل التعطيل المأخوذ عن الصابئة والمشركين وعندهم أن الله ليس في السماء وليس هناك في السماء إله يعبد ولا يصعد إليه شيء ولا ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ، وأي دين يبقي لمن أنكر علو الله على خلقه وقد اتفقت الرسل على الإقرار به وشهدت به العقول السليمة والفطر وعلم من الدين بالضرورة فجميع المسلمين عند نزول الشدة والكرب وغير ذلك يرفعون رؤوسهم نحو السماء رافعين أيديهم يتضرعون لربهم كشف الكُرب حتى شعراء الجاهلية مقرون به لأن الله فطرهم على أنه فوق السماء ، قال عنترة :
يا عبل أين من المنية مهربي إذ كان ربي في السماء قضاها
وهذا كثير في أشعار أهل الجاهلية فهم أعقل من الجهمية المنكرين لعلو الله على خلقه فهم كابروا المنقول والمعقول قال تعالى :  أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء الملك16 وقال تعالى :  إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ  فاطر10 وقال تعالى : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ  الأنعام18 وقال تعالى:  إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ آل عمران 55 . وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه -عن النبي -  - قال ( إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق أن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش ) . وفي ( صحيح مسلم ) عن معاوية بن الحكم السلمي أن النبي -- قال للجارية : ( أين الله ؟ ) قالت : في السماء قال : (من أنا ؟ ) قالت : أنت رسول الله قال ( أعتقها فإنها مؤمنة ) . والأحاديث في إثبات علو الله على خلقه متواترة فلا ينكر ذلك إلا جهمي مارق خارج عن الدين داخل في زمرة الصابئة والمشركين .
وأما إنكار استواء الله على عرشه فهو أيضا مذهب الجهمية المنكرين للعلو ، وفي سبعة مواضع من القرآن . يثبت الله استواءه على العرش وهذا الاستواء استواء حقيقي معلوم ، ولكن الكيف مجهول ومن أنكر استواء الله على عرشه استواءً حقيقياً فهو جهمي وقد كفر الجهمية خمسمائة عالم من سائر البلدان . قال العلامة المحقق ابن القيم – في ((نونيته )) :
ولقد تقلد كفرهم خمسون في
( عشر من العلماء في البلدان
(
واللالكائي الإمام حكاه عنهم
( بل قد حكاه قبله الطبراني

قال يزيد بن هارون : من زعم أن الرحمن فوق العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي . وعلى هذا المنهج درج علماء السلف ونسبوا منكر الاستواء إلى الجهمية ، هذا وليعلم أنني لم آت على جميع ما في كتاب (( مناهل العرفان في علوم القرآن )) من التعطيل والتفويض فليكن المسلم حذراً مما يقرره صاحب الكتاب في باب العقيدة وليستغن بكتب السلف عن هذا الكتاب فإنه يخاف على مطالعه من الإغترار بشبهاته وأباطيله خصوصاً أنه يعزو ما يأتي به من الباطل إلى السلف ، ولا يستطيع هذا الكاتب ولا غيره ممن عدل عن مذهب السلف وركن إلى مذهب الخلف وارتضى لنفسه مذهب التفويض والتعطيل أن ينقل حرفاً واحداً عن السلف فيما ادعى وليس هناك شيء مما ادعاه قاله السلف لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ولا قاله أحد من الأئمة المشهورين الذين لهم رسوخ في العقيدة وقدم صدق في هذا الباب كمالك ويزيد بن هارون وحماد بن زيد والأوزاعي ونعيم بن حماد وأحمد والشافعي وإسحاق بن راهويه والبخاري ولا من بعدهم من الأئمة المحققين كابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمهم الله وخطأ هذا المفوض جاء من قبل جهله بمذهب السلف وظنه علماء الكلام هم السلف الذين لهم المرجع في مثل هذه المسائل ، وهذا ضلال مبين .
والواجب على كل مسلم يريد نجاة نفسه تدبر القرآن الكريم والسنة النبوية في هذا الباب العظيم ، وعليه بسؤال رب جبريل وميكائيل وإسرافيل الهداية إلى صراط مستقيم فإنه من فهم هذا الباب وأثبت لله ما أثبت لنفسه فقد هدي إلى صراط مستقيم ، فنسأل الله الهداية إلى الصراط المستقيم ونستعيذ به من صراط أهل الجحيم -
وأنه مذهبهم وهذا كذب عليهم أو خطأ ، والسلف برآء من هذا المذهب براءة الذئب من دم يوسف .
فإن مذهب السلف إثبات الصفات لله، وإمرارها كما جاءت ، مع الإيمان بمعانيها وما دلت عليه ، والله جل وعلا إنما أنزل القرآن تبيانا لكل شيء ليتدبر العباد آياته ويتفقهوا في معانيه كما قال تعالى : أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ...  النساء82 ، وقال تعالى : أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ المؤمنون68 ونحو ذلك من الآيات . والتدبر المأمور به عام في آيات الصفات وغيرها فلا يخص شيء دون شيء ، ومن خص التدبر بآيات الأحكام دون آيات الصفات فعليه إقامة البرهان والحجة على هذا التخصيص الذي ما أنزل الله به من سلطان . فالسلف إذا قرأوا قوله تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ الشورى11 ، علموا أن الله لا سمي له ، ولا كفؤ له ، ولا ند له ، ولا يماثله شيء من المخلوقات ، وأنه سميع بصير . فالسميع اسم من أسماء الله تعالى ، فيستفاد منه : إثبات صفة السمع لله تعالى . قال تعالى : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ المجادلة1.
وقال تعالى : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ الزخرف80 .
والقرآن مملوء من إثبات السمع لله ، ومن تدبر القرآن مريدا للحق تبين له طريقه .
وقوله تعالى ( البصير ) يستفاد منه إثبات صفة البصر لله تعالى . وليعلم أن كون الله ( سميعا بصيرا ) والمخلوق سميعا بصيرا ؛ لا يلزم منه مماثلة ، ولا مشابهة ، فليس السمع كالسمع ، ولا البصر كالبصر . فلله تعالى من ذلك صفات الكمال المطلق . أما المخلوق فإن حصل له كمال فهو كمال نسبي وأمره إلى هلاك كما قال تعالى : كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُالقصص88 .
وهذا الباب مهم ، يجب تدبره . وقد غلط فيه بعض المنتسبين إلى العلم ، وزل فيه فئام من الناس ممن تصدى للتعليم والتصنيف ، ونفوا عن الله ما وصف به نفسه ، زاعمين نفي التشبيه ؛ فضلوا في هذا الباب العظيم ، وخالفوا ما دل عليه الكتاب ، والسنة ، وإجماع سلف الأمة .
وليس ولله الحمد فيما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به رسوله -  - تشبيه إنما التشبيه في نفي ما أثبت الله لنفسه ، أو أثبته له رسوله محمد  - - . ومن نفى عن الله ما وصف به نفسه بدعوى تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات ، فقد أعظم على الله الفرية ، وحرف الكلم عن مواضعه ، وسلك مسلك أهل التحريف والإلحاد ، وفارق الجماعة .
وقد مضى سلف الأمة وأئمتها المهتدون على إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات ، ولم يتنازعوا في شيء من ذلك ، واتفقوا على : إمرار الصفات كما جاءت ، مع فهم معانيها ، وإثبات حقائقها .
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله - :
( تنازع الناس في كثير من الأحكام ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد ، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها . و هذا يدل على أنها أعظم النوعين بيانا وأن العناية ببيانها أهم لأنها من تمام تحقيق الشهادتين وإثباتها من لوازم التوحيد . فبينها الله سبحانه وتعالى ورسوله بيانا شافيا ، لا يقع فيه لبس يوقع الراسخين في العلم ، وآيات الأحكام لا يكاد يفهم معانيها إلا الخاص من الناس ، وأما آيات الصفات فيشترك في فهم معناها الخاص والعام ، أعني : فهم أصل المعنى لا فهم الكنه والكيفية ) مختصر الصواعق (1/17) .
أقول : ولا سبيل للخلق إلى معرفة الكنه والكيفية ولم يكلف الله عباده بمعرفة ذلك فيقف المسلم حيث جاءت به النصوص وما عدا ذلك لا يخوض به المسلم وليعلم أن الله تعالى (لََيس كمثله شي وهو السميع البصير ) .
وقاتل الله أهل الباطل فما أدخلهم فيما لا يعنيهم وما لم يكلفوا بعلمه ومعرفته وما أبعدهم وأجهلهم وأضلهم عن معرفة ما أمروا بعلمه ومعرفته .
(( فصل ))
اعلم أن المذاهب المخالفة لمذاهب السلف في باب الأسماء والصفات : كالمعتزلة ، والجهمية ، والأشاعرة ، والماتريدية ، والإباضية ، والمفوضة كثيرة جدا ، وأكثر هذه المذاهب الضالة شيوعا مذهب الأشاعرة ، وكثير من كتب التفسير والحديث والأصول تمتلىء به . وكثير من أتباع هذا المذهب يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة فكثيرا ما يرد في عبارات بعض علماء الأشاعرة : (( اتفق أهل السنة )) ، و (( هذا مذهب أهل السنة والجماعة )) ، ويعنون بذلك مذهب الأشاعرة .
والأشاعرة ليسوا في عداد أهل السنة الجماعة ، لا في باب الأسماء الصفات ، ولا في كثير من أبواب العقيدة ، إنما هم في عداد أهل الفرقة والضلالة ، وفيهم أيضاً ، أو في أكثرهم : إرجاء ، وجبر، وشيء من التجهم .فإنهم يوافقون الجهمية في كثير من أصولهم .
ومن زعم أن الأشاعرة من أهل السنة و الجماعة ؛ فهو إما جاهل بمذهب السلف وحقيقتة . فهذا يجب عليه أن لاَ يقف ما ليس له به علم ، فإن الكلام بلا علم جهل وضلال . وإما صاحب هوى ، وباطل ، يجادل بالباطل ليدحض به الحق .
وكيف يكونون من أهل السنة والجماعة ومصدر التلقي عندهم في باب الأسماء والصفات ، وكثير من أبواب العقيدة هو : العقل ؟! وقد صرح كثير من أئمتهم أنه إذا تعارض النقل والعقل ؛ يقدم العقل . وهذا معلوم لمن عنده معرفة بمذهب القوم . مع أن التعارض بين النقل والعقل لا يمكن على المذهب الصحيح فإن العقل الصحيح يوافق السمع الصحيح ولا يخالفه ، وإن جاء ما يوهم ذلك : فلفساد العقل أو لعدم صحة النقل .
وكثير من أهل البدع يبتدعون بدعا ، ويدعون أن العقل دل عليها . كما يفعل ذلك الأشاعرة وغيرهم .
فلذلك ينبغي التنبه إلى أن العقل لا يستقل وحده أبدا بإثبات أصل من أصول العقيدة أو الأحكام .
وقد ضل كثير من أهل الكلام الفلاسفة والأشاعرة وغيرهم في تأسيس دينهم على العقليات التي تتجلى لهم دون ميزان شرعي ، وما ضل من ضل إلا بتقديم العقل على النقل .
والأشاعرة أيضا لا يثبتون لله إلا سبع صفات : الحياة ، والعلم ، والكلام ، والقدرة ، والإرادة ، والسمع ، والبصر . ومنهم من يثبت صفة اليد لله تعالى ، وأكثرهم على نفيها . وما أثبته الأشاعرة من هذه الصفات السبع حجة على ما نفوه . فلا يأتون بدليل يدل على نفي ما عدا السبع إلا كان دليلا يستدل به على نفي السبع ، ولا يأتون بدليل يدل على إثبات الصفات السبع إلا كان دليلا على إثبات ما عداها .
وإثبات الأشاعرة لسبع صفات ، ونفي ما عداها : من أقوى الأدلة ، وأكبر البراهين على ضلالهم ، وفساد عقولهم ، وتناقضهم ، واضطرابهم .
فإذا بطل قولهم ، واستبان تناقضهم في إثبات سبع صفات دون ما عداها ، لم يبق إلا إثبات جميع ما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به رسوله محمد -  - مما صحت به الأحاديث ، كما عليه سلف الأمة وأئمتها ، وترك السفسطة والتحريف والتأويل الفاسد .
والأشاعرة وغيرهم من أهل البدع : يدعون النصوص الصريحة التي توجب العلم ، ويعارضونها بترهات وشبه تورث الشك ، وهي في غاية من الضعف والاضطراب .
فسبحان من أضلهم ، وأعمى قلوبهم ، فلا يفقهون الحق ، ولا يعونه : كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ الأنعام125 .
وبُعْدُ مذهب الأشاعرة عن مذهب السلف أمر لا يخفى على طالب علم ، فضلا عن عالم عرف حال القوم . وخطورة مذهبهم على العقيدة السلفية فوق ما يخطر ببال الكثير . وقد بينت شيئا كثيرا من خطورتهم على العقيدة في مصنف مستقل يسر الله إتمامه يتضمن تنبيه أهل الإيمان على خطورة تعليقات وتحقيقات واختصارات بعض المعاصرين على كتب السلف ، فإنهم اتخذوا الاختصارات وغيرها سلما لبث بدعهم وضلالهم : إما في صلب الكتاب ، كما يفعل ذلك الصابوني : الذي اتخذ اختصار الكتب سبيلا لنشر مذهب الخلف في كتب السلف . وقد أتيت على بنيان اختصاراته وكتبه من القواعد ، وبينت ما فيها من الأوابد في كتابنا المشار إليه آنفا . وإما في الحواشي مع استعمال المخادعة في بث البدعة . فتجدهم يعزون القول المبتدع إلى بعض المتقدمين من المتكلمين ، أو غيرهم ممن قوله يوافق مذهبهم حتى لا ينكشف أمرهم . وكل هذا سوف استخرجه – إن شاء الله – من كتبهم وتعليقاتهم على كتب السلف ، فإن تنقية العقيدة وكتب السلف من تلاعب الخلف ، - ونعني بالخلف : أهل البدع – أمر مهم تشتد إليه الحاجة في هذا الزمان ، وهو من أفضل الجهاد في سبيل الله ، إذ الوقوف في نحور أهل البدع ، وكشف عوراتهم ، وبيان طرائقهم ومكايدهم ومناهجهم : جهاد من أفضل الجهاد .
نسأل الله الإخلاص في القول والعمل ونعوذ به من أهل الغل والحسد والافتراء .
فصل
إذا عرفت مذهب السلف الصالح في باب الأسماء والصفات ؛ فاعلم أنه قد ضل فيه طوائف من المنتسبين إلى العلم . وسبب ذلك خوضهم مع أهل الكلام ، واشتغالهم بعلومهم ، ومجالستهم ، ومصاحبتهم ؛ لأن أهل الكلام والجدل والخصومات في الدين أهل بدع وضلال .
وما تزعزعت عرى الإسلام ، وانتقضت معظم مبانيه إلا بسبب أهل الكلام وعلومهم ، فهم منشأ الشر ومنبعه .
ومن ثم تتابعت أقوال العلماء والأئمة على ذم الكلام والطعن في أهله ، ورميهم بالابتداع في الدين ، ونشر الفساد بين المسلمين .
فهذا الإمام الشافعي يقول :
( لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه سوى الشرك خير له من الكلام ، ولقد اطلعت من أصحاب الكلام على شيء ما ظننت أن مسلما يقول ذلك ) .
رواه ابن أبي حاتم في ( آداب الشافعي ومناقبه ) : ( ص182) ، وسنده صحيح .
وقال البغوي – رحمه الله – في ( شرح السنة ) : (1/216) :
( واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات ، وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه ) .
ويدخل في علوم أهل الكلام ما فشا في عصرنا هذا مما يعلم في بعض المدارس النظامية من علوم أهل الهيئة كقولهم ( إن الجبال ناشئة من تصادم الصفائح في باطن الأرض ) ، وقولهم ( إن المجموعة الشمسية تكونت من ضباب غاز نتيجة لتجاذب أجزاء الغبار ) ، وقولهم : ( الخسوف من الظواهر الطبيعية التي تنتج عن دوران القمر حول الأرض ودوران كليهما حول الشمس ) ، وقولهم : إن المجموعة الشمسية كانت جسما كالضباب مكون من الغاز وبفضل الجاذبية والطاقة تجمعت عناصر هذا الضباب ضمن كتل ثم انفصلت تدريجيا إلى كتل كبيرة إلى أن تكونت منهما المجموعة الشمسية ) ، وغير ذلك مما يصادم المنقول ويخالف المعقول ، وأصبح تعلمه أمرا ضروريا عند كثير من أهل هذا الزمان ممن غلب عليه إيثار الدنيا على الدين .
وقد قال الذهبي – رحمه الله - :
( فو الله لأن يعيش المسلم جاهلا خلف البقر لا يعرف من العلم شيئا سوى سور من القرآن يصلي بها الصلوات الخمس ويؤمن بالله واليوم الآخر خير له من هذه العلوم ) .
وعلماء الكلام بداية أمرهم في ضلال ، ونهاية أمرهم إلى تباب .
وقد أخبر الشهرستاني وهو أحد المتكلمين بما آل إليه أمره بعدما طاف البلاد وعلم خطورة علم الكلام وعدم ثمرته للإنسان فقال :
لعمري لقد طفت المعاهد كلها
( وسيرت طرفي بين تلك المعالم
(
فلم أرى إلا واضعا كف حائر
( على ذقن أو قارعا سن نادم

وقال شقيقه في الخوض بعلم الكلام والجدل في الدين : الرازي :
نهاية إقدام العقول عقال
( وأكثر سعي العالمين ضلال
(
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
( وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول
عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ، ورأيت أقرب الطرق طريق القرآن .
أقرأ في الإثبات : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى طه5
 إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ فاطر10
واقرأ في النفي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ  [ الشورى:11]
وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً  [طه:110]
ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي - انظر: (( الفتوى الحموية )): (ص7) , و (( سير أعلام النبلاء)) : (21/501) , و ((طبقات الشفاعية)) : (8/96)-
وقد ضل أكثر من خاض في علم الكلام وما استطاعوا التخلص منه فالشبه خطافه , ومن أراد التقرب إلى الله بهذا العلم لم يزدد من الله إلا بعدا . قال تعالى :  فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5].
فإذا عرفت قبح علم الكلام ومضرته , وأنه بدعة وضلالة ؛ فاعلم أن من أصول أهل السنة والجماعة : هجر أهل الكلام والبدع , ومنابذتهم , والتحذير منهم , والتنكيل بهم , سواء كان المبتدع داعية إلى بدعته ,أو لم يكن داعية , إلا أن الداعية أعظم حتى أنه إذا لم يندفع شره إلا بقتله جاز لإمام المسلمين قتله . فإذا كان قطاع الطريق إذا لم يندفع شرهم إلا بقتالهم جاز قتالهم , فكيف بالمبتدع الذي ضرره على الإسلام والمسلمين أعظم من ضررهم !
واعلم أن ما يوسوس به بعض جند الشيطان من أهل هذا العصر على العامة وأشباههم من دعواهم أن مجانبة المبتدعة يوقع الشقاق والاختلاف بين الأمة وهي بحاجة إلى توحيد كلمتها . مخالف لهدي سيد المرسلين وصحابته الأكرمين .
وما ارتدى هذا المنهج أحد إلا خذل لأنه مبني على الجهل والمداهنة بل والنفاق وبئس الاتفاق المبني على مصاحبة أهل البدع ومجالستهم ومداهنتهم وهذا الاتفاق المزعوم ؛ أمره في مريج وآخر مآله إلى شقاق لأن مبناه على المشاقة لله والرسول :
َوَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً [النساء:115]
فهذا وعيد شديد على من اتبع غير سبيل المؤمنين , ومنه مجالسة أهل البدع ؛ لأن سبيل المؤمنين مبني على موالاة المؤمنين , فمن تولى المبتدعين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا .
قال تعالى :لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة22.
ومجالسة أهل البدع محادة لله ورسوله .
وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله فتحب أهل السنة والجماعة وتبغض أهل البدعة والضلالة .
وهذه ملة إبراهيم - عليه السلام - التي من رغب عنها فقد سفه نفسه. ومن أخل بهذا الأصل فقد أخل بأصل من أصول الإسلام, وهدم ملة إبراهيم - عليه السلام – التي مدراها على الولاء والبراء .
قال أبو قلابة : ( لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون ).رواه الدرامي في ((سننه)): (1/1208) , وسنده صحيح . وقال في (1/110) : أخبرنا أحمد ثنا زائدة عن هشام عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم ) . وحديث كعب بن مالك المخرج في ((الصحيحين)) وغيرهما حين تخلف ومن معه عن غزوة تبوك , فيه دلالة ظاهره على هجران أهل المعاصي والإعراض عنهم . فكيف بأهل البدع فإنهم أولى بالهجر حتى يتوبوا فإن تابوا قبل منهم وإلا فهجرهم على التأبيد حتى ينزجر بهم غيرهم لأن النبي -- هجر كعبا وصاحبيه وأمر أصحابه بهجرهم . قال البغوي – رحمه الله – في (( شرح السنة )) 1/227): (وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم ) .
فعلى جميع الخلق الخضوع لهذا المنهج الصحيح الذي درج عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان وترك الجدل والبدع وحذار حذار من رد الحق من أجل شهوتك ورغبتك , أو تعتذر عن اتباعه بفعل علمائك ومشايخك . فإن الحق لا يعرف بالرجال ولا بالكثرة .
فالفرض على جميع الخلق اتباع الكتاب والسنة, ورد المسائل المتنازع فيها إليهما . فالحق يدور على هذين الأصلين لا يخرج عنهما أبدا . فالأخذ بالكتاب من تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله , والأخذ بالسنة من تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله . ولا يعدوا هذين الأصلين إلا من احتوشته أسباب الشقاوة .
قال تعالى : فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً النساء :65
وعلى كل مسلم أن يحرص على تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , ويحصل ذلك بتجريد المتابعة للنبي -  - فالحق دائر معه وجودا وعدما , وأما غيره فيؤخذ من قوله ويرد , فمن جاء بالحق قبل منه وإن كان بغيضا لأنه يخبر عن الله تعالى ورسوله لا عن نفسه .
ومن جاء بالباطل رد عليه وإن كان محبوبا وهذا حقيقة تجريد المتابعة للنبي  ولن يضل المرء ما اتبع الأثر ولن يسأله الله عن كونه لم يتبع فلانا وفلانا ما اتبع الرسول  وقد أخبر النبي  عن وجود التنازع والاختلاف في هذه الأمة فقال : ( إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ) . رواه الترمذي، وأبو داود، وأحمد عن العرباض بن سارية وسنده صحيح .
ففي هذا الحديث إشارة إلى ظهور الخلاف الكثير وقد وقع كما أخبر ولكن بين المخرج منه فقال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) فأمر باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين، وترك ما أحدث الناس بشهواتهم ورغباتهم وتخضيع النصوص الشرعية مسايرة للواقع فإن الواقع لا يحل حراما ولا يحرم حلالاً . فالحلال ما أحله الله ، والحرام ما حرمه الله ، وما سكت عنه فهو عفو .
قال الأوزاعي – رحمه الله-: ( عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوها لك بالقول ) رواه الخطيب ( شرف أصحاب الحديث ) ، وسنده صحيح وقال الإمام أحمد- رحمه الله-: ( أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله  والإقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة ..) وهذا آخر ما كتبته فلله الحمد والمنة على ما يسر .
و أستغفر الله الكريم على ما يقع من الخطأ والزلل .
فلك أيها القارىء غنمه وعلى كاتبه غرمه .
فنسأل الله تعالى أن يهدينا الصراط المستقيم ، وأن يمن علينا بجنات النعيم ، وأن يجعل جميع أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يغفر لنا خطأنا فإنه لا يسلم من الخطأ إلا من عصم الكريم ، ولا عصمة إلا للأنبياء والرسل المصطفين. وحسبنا أننا قصدنا الحق وتحرينا الصواب .
وأعوذ بك اللهم ممن لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، وليس لهم من العلم نور يفرقون به بين الحق والباطل ، فجعلوا الباطل حقا ، والحق باطلا ، والسنة بدعة ، والبدعة سنة.
وأعوذ بك اللهم ممن ضاق بالحسد والغل صدره فلم يستطع كتمه ولا دفعه ، فلجأ إلى البهت والمسبة ، ورمانا بالعظائم وكل قبيح ، واجتهد بالتدليس والتلبيس على خفافيش الورى ، رغبة في التكفير والتفسيق .
اللهم فعياذا بك من هؤلاء الحاسدين والبغاة المعتدين قل حياؤهم ، وانطمس ورعهم ، وقل دينهم ، فكثر بهتهم وارتووا من الظلم والجهل فضاقت مذاهبهم وانقطعت مكايدهم وحيلهم ، فاستراحوا إلى التكفير والتبديع مختلقين الأباطيل والأكاذيب .
وحسبنا الله ونعم الوكيل .
وصلى الله وسلم على أفضل المصطفين محمد الذي ناله من الأذى ما لم ينل نبيا قبله فضلا عن سائر البشر وعلى آله وصحبه الطيبين الذين جاهدوا الكفار والمنافقين وأرغموا أنوف الحاسدين .

تم الفراغ من كتابة هذه الرسالة في شعبان
الموافق 10/8/1413هـ
القصيم – بريدة
بقلم / الفقير إلى الله
سليمان بن ناصر بن عبدالله العلوان









 


رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:56

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc