ثانوية العنصر جيجل الموسم الدراسي 2016/2017
مقالة فلسفية حول نتائج الرياضيات 3ع+3اف
الموضوع : هل الرياضيات علم دقيق في نتائجه.؟
طرح المشكلة :
تعد الرياضيات من أقدم العلوم نشأة ظهرت في بلاد اليونان وهي من أهم المواضيع التي نالت حظها من الدراسة و الاهتمام ضمن مبحث فلسفة العلوم، هي ذلك العلم الذي يهتم بدراسة المقادير القابلة للقياس،والمقدار القابل للقياس يسمى كما،والكم نوعان:متصل موضوعه الهندسة،ومنفصل موضوعه الحساب.وقد شكل موضوع نتائج الرياضيات محور نقاش وجدل بين الفلاسفة والعلماء، إذ أكد بعضهم أن نتائج الرياضيات يقينية ومطلقة في كل الأحوال باعتبار أنها علم مجرد، في حين أكد آخرون أن الرياضيات نسبية من حيث النتائج خاصة مع ما شهدته الرياضيات من تعدد الأنساق. وعليه نتساءل : هل يمكن وصف الرياضيات بالعلم اليقيني في كل الأحوال؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة الأولى: (المفاهيم الرياضية مطلقة في اليقين):يذهب أنصار الرياضيات الكلاسيكية (الإقليدية) للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها أن نتائج الرياضيات هي نتائج مطلقة في اليقين وفي جميع الأحوال. وقد برر هؤلاء الفلاسفة موقفهم بحجج وبراهين أهمها:
ـالمبادئ التي تعتمدها وأساليب البرهنة التي لا تقبل الشك وذلك لاعتمادها فكرة البداهة، والبديهية هي قضية يقينية بذاتها لا تحتاج إلى برهان لأنها تدخل في نسيج الفكر البشري ، ومن أهم البديهيات التي اعتمدها إقليدس نجد "الكل أكبر من الجزء"، "طرح نسب متساوية من نسب متساوية يؤدي إلى الحصول على نسب متساوية حتما"
* أكد ديكارت على قيمة البداهة في بناء المنهج الرياضي ويتجلى ذلك من خلال قوله " لا أتقبل شيئا على أنه صحيح إلا إذا كان بديهيا"
* أكد سبينوزا أنه لا يمكن الشك في فكرة البداهة لأن الشك في البديهية يعني الشك في مبادئ العقل الفطرية، وما دام الجميع ملزم على الإيمان بصدق المبادئ العقل فإن الجميع ملزم بالتصديق بالبداهة، " البديهية هي معيار الصدق والكذب"
* صدق المفاهيم الرياضية مرتبط بطريقة التعريف الرياضي الذي اعتمده إقليدس، " التعريف التحليلي، التعريف التركيبي" والتعريف هو القول الشارح لمفهوم الشيء، يتم بذكر الخصائص الجوهرية للشيء. ومن بين التعريفات الرياضية نجد أن المثلث هو الشكل الناتج عن تقاطع ثلاث مستقيمات فيما بينها، والمستقيم هو مجموعة النقاط على استقامة واحدة، والنقطة هي ما ليس له طول ولا عرض ولا ارتفاع. والذي يثبت صدق المفاهيم الرياضية هو أنه لا أحد يتمكن من إبطال أي تعريف قدمه إقليدس.
* أكد باسكال صدق ومطلقية المفاهيم الرياضية من خلال قوله: "الهندسة هي الوحيدة من العلوم الإنسانية التي تنتج براهين معصوم من الخطأ".
* أصبحت الرياضيات لغة لكل العلوم قال أوغست كونت": "الرياضيات هي الآلة الضرورية لكل علم" وهذا يعني أن الفيزياء مثلا أرادت أن تعتمد المنهج الرياضي قصد بلوغ اليقين الذي حققته الرياضيات.
- النقد: على الرغم من أهمية طرح هؤلاء إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، لأن الرياضيات هي إبداع إنساني ومن غير المعقول أن ينتج العقل النسبي مفاهيم مطلقة، إن الرياضيات الكلاسيكية حتى وإن بدت يقينية فإن يقينها فقط منطقي " الانسجام بين المقدمات والنتائج" وهذا اليقين فنده الواقع الذي يتميز بالتغيير. تحطيم فكرة البداهة التي كانت معيارا لصدق المفاهيم الرياضية يمنحنا اعتقادا بأن للقضية تفسير آخر.
.
نقيض الاطروحة: (المفاهيم الرياضية نسبية في اليقين): يذهب أنصار الرياضيات المعاصرة للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها أن تطور العلوم فرض تأسيس القطيعة مع فكرة المطلقية أو اليقين الرياضي، لأن ظهور النسق الأكسيومي حطم فكرة البداهة وأصبحت كل القضايا الرياضية مجرد أوليات نسبية قابلة للنقاش وهذا ما جعل الرياضيات قادرة على مسايرة تطور العقل .
وقد برر انصار الأطروحة النقيض ذلك بأدلة منها :
* ـ ظهور النسق الأكسيومي جعل من الرياضيات تتميز بتعدد الأنساق والتعدد يعني النسبية في اليقين وهذا ما أكده بولغان من خلال قوله: " إن كثرة الأنظمة في الهندسة لدليل على أن الرياضيات ليست فيها حقائق مطلقة". وهذا التعدد تجلى من خلال نسق العالم الروسي لوباتشوفيسكي الذي افترض المكان أنه مقعر ومن ذلك استنتج أنه من نقطة خارج المستقيم يمكن أن يمر عدد لا نهائي من المستقيمات الموازية، وأن مجموع زوايا المثلث أقل من زاويتين قائمتين. كذلك التعدد تجلى مع العالم الألماني ريمان الذي افترض أن المكان محدب ومن ذلك غير التعريف الذي قدمه إقليدس عن المستقيم حيث أكد أنه مجموعة من النقط تنتهي لتشكل دائرة. واستنتج أنه من نقطة خارج المستقيم لا يمكن أن نمرر أي مستقيم موازي، كما أن مجموع زوايا المثلث أكبر من 180 درجة. كذلك التعدد يتجلى من خلال نظرية المجموعات التي قدمها جورج كانتور الذي أثبت أن الجزء يمكن أن يساوي أو يكبر الكل. وهو بذلك حطم فكرة البداهة التي كانت تعد مقياسا لليقين في الرياضيات الكلاسيكية.
* أكد إدموند هسرل من خلال كتابه "تأملات ديكارتية" أن تطور العلم حطم فكرة البداهة التي تقوم عليها الهندسة الإقليدية.
* انتقد روبير بلانشي المبادئ الثلاث للهندسة الإقليدية حيث أكد أن التعريفات هي لغوية لا علاقة لها بالحقيقة الرياضية، ولا يمكن الحكم عليها أنها صادقة أو خاطئة، لأنها تصف المكان الهندسي كما هو موجود حسيا في الواقع وهي بذلك تشبه التعريفات في العلوم الطبيعية، كما انتقد أيضا من خلال كتابه الأكسيوماتيك فكرة البداهة فاعتبرها خاطئة (الكل أكبر من الجزء) إذ يقول: " لم تعد الرياضيات اليوم تتحدث عن المنطلقات الرياضية باعتبارها مبادئ بديهية لأنها في الحقيقة مجرد افتراضات نابعة لاختيار العقل الرياضي الحر"
إذا كانت الرموز الرياضية المعتمدة في حساب المساحات تقريبية فإنه من غير المعقول أن تكون النتائج الرياضية مطلقة = 22/7 =3,14 بالتقريب.
3- النقد: على الرغم من أهمية طرح هؤلاء إلا أنه لا يمكن التصديق بما ذهبوا إليه، لأنه إذا كان النسق الأكسيومي قد تجاوز النسق الإقليدي فلماذا لا زال الفكر الإنساني يعتمد الهندسة الإقليدية في البحث الحديث، إن تحطيم فكرة البداهة لا يعد تحطيما لقيمة ومطلقية الرياضيات، إنما تجاهلا لقيمة مبادئ العقل الفطرية، وما دامت تلك المبادئ صادقة تغير الزمان والمكان، فمن غير المعقول تحطيم فكرة البداهة.
- التركيب:كتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد أن المفاهيم الرياضية ليست مطلقة دوما كما أنها ليست نسبية بصفة دائمة، إنما هي يقينية من حيث المنهج وأساليب البرهنة، وهذا الصدق يفرضه الانسجام بين المبادئ والنتائج، وهي نسبية من حيث النتائج من جهة ثانية، إذ نجد المفاهيم الرياضية هي مطلقة إذا نظرنا إليها من زاوية الهندسة الإقليدية، ونسبية إذا نظرنا إليها من زاوية النسق الأكسيومي.
حل المشكلة : في الأخير نستنتج أنه يمكن التأكيد على أن المفاهيم الرياضية تتميز بالدقة واليقين المطلق. وهذا ما جعلها لغة لكل العلوم لأنها تعتمد مبادئ انطباق الفكر مع ذاته (الهوية، عدم التناقض والثالث المرفوع) كما أن الرياضيات علم تجردي لا يبحث عن صدقه من الواقع .وما التباين الناتج في الأنساق المعاصرة ليس حجة على أن الرياضيات فقدت الدقة والمطلقية .وإنما انها دقيقة واليقين فيها مطلق فنتائجها لا تتغير داخل النسق الواحد .وعليه فهندسة اقليدس صحيحة وهندسة لوباتشوفسكي وريمان صحيحتان أيضا .وسبب الإختلاف هو السطح المنسوب.
حظ موفق في البكالوريا