حذاء الأستاذ الذي خرج منه طبيب - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات إنشغالات الأسرة التربوية > منتدى الانشغالات النقابية واقوال الصحف

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

حذاء الأستاذ الذي خرج منه طبيب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-11-20, 21:03   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الحرف الأسمر
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










B1 حذاء الأستاذ الذي خرج منه طبيب

حذاء الأستاذ الذي خرج منه طبيب
لم يكن اليوم عاديا كبقية أيام أيلول ، فالضباب كان خفيفا بمسحة من حزن خجول ، قررت الشمس فيه ألا تطل ، ربما لم تر الظرف مناسبا و الناس يشهدون آخرمعارك الصيف مع جحافل الخريف في العُشُر الأول من شهر سبتمبر من سنة 1983.
في صباح اليوم المشهود ، و هو يلج و لأول مرة عتبة الباب ، انتابه شعور غريب و هو يرى ساحة المعهد تستقبله فخالها و كأنها مهربة من احدى ساحات السجون . راح يتنقل فيها لعله يلتقي شخصا يعرفه ، يبادله أطراف الحديث ، و ينشله من وحشته ، و لو لهنيهة قبل أن يدق الجرس . مسح ساحة المعهد ببصره عدة مرات إلا أنه لم يجد وجها مألوفا ، أحس بشعور غريب و ضيق كادا يخنقان أنفاسه : أيعقل من بين كل هذه الوجوه و لعلها عشرات الوجوه لم أعثر على أحد أعرفه !؟ ، الواضح: أنني الوحيد في هذا المعهد من منطقتي : قال في نفسه ، ثم انزوى في احدى زوايا المعهد و شرع يرقب العالم من حوله ثم ما لبث أن غفا و شرع يغوص في ذاكرته غوص أهل الكهف : اذ عاد به الزمان عندما وطأت قدماه عتبة المدرسة أول مرة و هو طفل ،كان ينظر إلى عيني أخيه الأكبر الذي رافقه ولسان حاله يردد : لماذا كل هذا ؟ ألم يكن حريا بكم أن تتركوني في البيت أنعم بدفئه و ألعب كما كنت ألعب !!!؟؟ لماذا قسَتْ قلوبكم إلى هذه الدرجة ؟ لماذا تريدون فصلي عن عالم لطالما أحببته .ألم تشفع لي عندكم طفولتي البريئة !؟.
لم يدم زمن الغفوة طويلا حتى مزّق أغشيته رنين جرس المعهد معلنا الدخول إلى الأقسام ، حينذاك أدرك ألا مناص من مواجهة الواقع فالماضي لا يمكنه أبدا أن يعود .
العام الدراسي انطلق و يقترب شيئا فشيئا من عمقه ، الفروض و الاختبارات تتوالى و العروض و النقاشات ، وحمي وطيس السباق العلمي و اشتدّ التنافس ، فلم يكن من بد إلا أن يثابر و يجتهد و هو يُمَنِّي نفسه بالانتداب كما كان يحصل كل مرة في المعهد مع الطلبة الأربعة الأوائل ليدرسوا في الأقسام العليا ، لأن حديث الانتداب و المراتب الأربعة الأولى لم يخلُ منه حديث الطلبة .
تذكر يوما ناده فيه الأستاذ في حصة تقنيات التعبير أول ساعة يلتقيه فيها ، فسأله : أراك صغير السن ، تبدو أصغر طالب في القسم ، ما سنك ؟: تسع عشرة سنة
أفي هذا السن تريد أن تلج عالم التدريس!؟ ، ألا تراه أكبر منك ؟
انتظر الأستاذ لحظة لمعرفة ردة فعله لكنه بقي صامتا و لم يجب إلا من ابتسامة تعب في رسمها على وجهه ، ثم استرسل يقول : يا بني مادام أن لديك البكالوريا فلماذا لا تريد مواصلة دراستك في أي ميدان المهم أن تكون بعيدا عن هذا العالم المليء بالمتاعب و الأهوال ، أنت الآن تتلقى النصح من فم مجرّب ، هل تعي هذا ؟ تحركْ قبل أن تندم .
بات الانتداب هاجسه الوحيد ، يكافح من أجله ، حتى أنه لم يكن يتصور مستقبله الدراسي إلا من خلال هذا الحلم.
السنة الدراسية كانت تمرّ ، في غفلة منه و هو الذي في زخم الدروس و المراجعة غارق حتى أذنيه ، كان من حين لآخر يجد لنفسه فسحة لممازحة زملائه و قضاء وقت لا بأس به في تبادل النكت و الحكايات ، فكان كثيرا ما يجد لذّة قوية في تلك اللحظات التي تذكره بأرصفة حيّه التي لطالما قضى ردحا من طفولته يجلس فيها مع نظرائه يلعبون لعبة الشاوش أو الغميضة أو الحديث عن نوادر جحا و مغامرات حديدوان تحت أضواء باهتة أقرب إلى الموت منها إلى الحياة ، تنبعث من مصابيح لم تذق طعم الصيانة في حياتها و غاص زجاجها تحت طبقات من الطمي والأوساخ .
لكن سرعان ما تجده يلملم نفسه ، ينظر إلى حوله ، يقطب حاجبيه و تظهر عليه علامات الجد كأنه تذكر أمرا أو شيئا ما ضاع منه ، هذا ربّما انطباع من يراه لأول مرة أما زملاؤه فاعتادوا على مثل هذه الحركات ، الرجل يريد أن يلتحق بالمراجعة و هذا موعده ، لا أحد قادر على منعه أو على الأقل تأخيره ، و لو بَسَطْتَ أمامه طبقا مملوءا مما لذّ و طاب من الحكايات أو النكت ، ينهض من مكانه ثم يودع زملاءه و بعد ذلك يختفي عن الأنظار .و لكن في الرواق الآخر تجده يُسْرِعُ الخطوات إلى حجرة الدراسة الليلية ولا يكترث بضياع لحظات المتعة مع أصحابه في جو الحكايات و النكت ، فهو في قرارة نفسه دائما يردد صبرا آل الكد و الجد على مشاق الدراسة فإن موعدكم العلا و السؤدد. وتذكّرَ في هذه اللحضات و هو يقترب من حجرة الدراسة ما قاله الكاتب مارون عبود في إحدى مقالاته عندما شبه طموحات الانسان بقمم الجبال اذ يقول : هناك من يكتفي بالصعود إلى أخفض القمم و يقتنع بذلك و هنالك من لا يقتنع إلا اذا وصل بطموحه إلى أعلى القمم فيقول في شأنهم : هؤلاء هم العظماء لأنهم اذا ما نظروا إلى البشر من فوق هذه القمة حتما سيرونهم يزحفون و أعلى هؤلاء البشر أَخْفَضُ من مستوى أحذيتهم التي تطأ هذه القمم .
الجماعة تواصل من بعده الحديث ثم ما تلبث هي كذلك أن تنفض.
و كم كانت تروقه اللحظات و هو يصلي في احدى أجنحة المرقد ، وظّبها الطلبة و هيؤها لتكون مسجدا ، كان يحب أن يصلي خلف أحد زملائه عندما يؤمهم ، لأنه كان يحب سماع صوته المؤثر و هو يتلوا أيات من القرآن الكريم خاصة الآيات الواردة في سورة البروج : << وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22) >>
فكانت بحق أجمل اللحظات التي يتوق إليها خلال أيام المعهد . يتذكر يوما قام فيه الطلبة بإضراب عن الأكل منتصف النهار عندما خرجوا كلهم من مطعم المعهد لأن أحد رفقائهم نهض من مكانه و راح يخاطب زملاءه بصوت جهوري و هم جلوس يهمون بالشروع في تناول الفطور : يا جماعة ! انظروا ماذا وجدت في صحن الشلاظة ، رفع يده إلى السماء ، فاتجهت كل الأنظار إلى يده المرفوعة ، و اذ بهم يتبينون أن ما يرفعه زميلهم في يديه هو علبة سجائر(أفراز) فارغة تشوّه شكلها لما تبلّلت في الزيت و الخل . هاج مطعم المعهد قبل أن يقول الجميع بسم الله ، وما كان من مناد وسط هذا الجمع إلا أن ينادي بأعلى صوت : اضراب ، اضراب ، الأكل غير نظيف و هذا استهزاء و احتقار ، هيا لنخرج لا يمكننا تناول مثل هذا الغذاء نحن لسنا حيوانات و لا حشرات احتدت الضوضاء و أصوات التصفير و الضرب على الطاولات و انتهى بهم الأمر إلى الخروج إلى الساحة ثم إلى خارج المعهد و توزع الجمع في شوارع المدينة و هَامَ على نفسه . بعضهم التحق بما وجده مفتوحا من مَقَاهٍ و الآخرون ذهبوا يبحثون عن مطعم أما البقية فلا يدري أين ذهبت .

الأستاذ ب نورالدين
الجزء الأوّل








 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الأستاذ


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:41

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc