عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى))؛ رواه البخاري ومسلم.
منزلة الحديث:
هذا الحديث عظيم جدًّا؛ لاشتماله على المهمات من قواعد دين الإسلام، وهي: الشهادةُ مع التصديق الجازم بأنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقامة الصلاة على الوجه المأمور به، ودفع الزكاة إلى مستحقيها[1].
قال ابن دقيق العيد - رحمه الله -: هذا حديث عظيم، وقاعدة من قواعد الدين[2].
قال ابن حجر الهيتمي - رحمه الله -: هو حديث عظيم مشتمل من قواعد الدين على مهماتها[3].
قال المناوي - رحمه الله -: هو أصل من أصول الإسلام.
هذا الحديث عظيم: ينص على قواعد الدين وأصوله، من توحيد الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والجهاد في سبيله، وإقامة باقي واجبات الإسلام، كما ينص على حرمة دم المسلم وماله[4].
غريب الحديث:
أُمرت: أي أمرني الله تعالى.
الناس: عبدة الأوثان والمشركون.
ويقيموا الصلاة: يأتوا بها على الوجه المأمور.
ويؤتوا الزكاة: يدفعوها إلى مستحقيها.
عصموا: منعوا وحفظوا.
وحسابهم على الله: حساب بواطنهم وصدق قلوبهم على الله.
شرح الحديث:
((أمرت))؛ أي: أمرني ربي؛ لأنه لا آمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الله، قياسه في الصحابي إذا قال: أمرت، فالمعنى: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
((أن أقاتل الناس))؛ أي: بأن أقاتل الناس.
((حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله)) أراد به مشركي العرب من عبدة الأوثان دون أهل الكتاب، فقوله: ((الناس)) من العام الذي يراد به الخاص.
((ويقيموا))؛ أي: حتى يقيموا ((الصلاة)) المفروضة؛ بأن يؤدوها بشروطها وأركانها المجمع عليها، قال النووي: في هذا الحديث أن من ترك الصلاة عمدًا يقتل.
((ويؤتوا الزكاة)) بشروطها وأركانها، ودفعها إلى مستحقيها أو إلى الإمام ليدفعها لهم.
((فإذا فعلوا ذلك)) على ما تقدم ((عصموا))؛ أي: حفظوا ومنعوا، ((مني دماءهم وأموالهم))؛ أي: استباحتهم بالسفك والنهب ((إلا بحق الإسلام))؛ أي: كقتل القاتل، ورجم الزاني، وقطع يد السارق.
((وحسابهم على الله تعالى))؛ أي: أمر أسرارهم موكل ومفوض إلى الله تعالى.
سبب ورود الحديث:
سببه كما في مصنف ابن أبي شيبة، عن أبي هريرة قال: قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لأدفعن اللواء غدًا إلى رجل يحب الله ورسوله، يفتح الله به))، قال عمر: ما تمنيت الإمرة إلا يومئذ، فلما كان الغد تطاولت لها، فقال لعلي: ((قم اذهب وقاتل ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك))، فقال: يا رسول الله، علامَ أقاتل؟ قال: ((حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها حرُمَت دماؤهم وأموالهم إلا بحقها))[5].
الفوائد من الحديث:
1 - وجوب مقاتلة مشركي العرب حتى يدخلوا في دين الله.
2 - أن من امتنع عن الزكاة يجوز قتاله؛ ولهذا قاتل أبو بكر رضي الله عنه الذين امتنعوا عن الزكاة.
3 - أحكام الإسلام تجري على الشخص بحسب الظاهر، والله يتولى السرائر.
4 - كما يؤخذ منه عدم تكفير أهل البدع المقرِّين بتوحيد الله عز وجل، المقيمين للصلاة، المؤتين للزكاة، كما في الحديث ((نُهيت عن قتل المصلين))[6].
[1] الوافي شرح الأربعين (47).
[2] شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (35).
[3] فتح المبين (114).
[4] قواعد وفوائد من الأربعين النووية (96).
[5] مصنف ابن أبي شيبة (7/ 394 ح 36883) البيان والتعريف (1/ 376 ح 440).
[6] رواه أبو داود عن أبي هريرة (4280)، وصححه الألباني في الجامع الصغير (1/ 491 ح 2506).