قال الله تعالى ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7))
❍ بدعة المولد النبوّي كما يزعمُ أصحابها تخالفُ هذه الآية ، كما تخالفها كل بدعةٍ محدثة في الدين ، فكل بدعةٍ هي مخالفةٌ صراط الذين أنعم الله عليهم ؛ من الأنبياء ، والصدِّيقين ، والشهداء ، والصالحين ، وهؤلاء الذين أمر الله بالإقتداء بهم (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ) ، والعاقلُ يرى أن بدعة المولد ليس لها سندٌ صحيح مرفوعا ولا موقوفا ، وهذا مما لا يجادل فيه أصحابها ، بل يقرُّ المنصفون منهم في أنها بدعةٌ على الإبتداء ، لكن ينعتونها بنعتٍ آخر فيقولون بدعةٌ حسنة ، وهذا النعتُ مردودٌ اصطلاحا شرعيا ، فالبدعة هي كل طريقة في الدين على غير هديِّ النبي عليه الصلاة والسلام ، فالدين كامل ، والنعمة تامةً ، والرضا مناطٌ بدين الإسلام لا بغيره من الملل والنحل والفِرق ، فالمبتدأ والمؤَّسسُ لطريقةٍ في الدين على غير مثال سابق ، فهو يعتقدُ أن الدين ناقصٌ والشرائع غير وافية ولا كافية ، وفي هذا ما فيه من الظلمِ والإثم المبين ؛ وكفى به أنه إستدراكٌ على الله ورسوله ، وقوله ﷻ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) بيانٌ في أن الدين والهداية لا تكون ابتداءً من عند العبد ، بل هو طلبٌ لما هو موجودٌ ومُقرَّر ، فالهداية توقفية من حيثُ طلبها ، فلا نطلبُ الهداية من عندِ التوراةِ ولا الإنجيل ، كما لا نطلبها من اليهود ولا النصارى ، ولا غيرهم ، إنما تطلبُ الهداية من الله وكتابه وسنةِ نبيه ﷺ ، وقوله ﷻ ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بيانٌ على أن النعمة والعزّة والمحبة التامة في هذا الصراط المستقيم ، وكذا في الإقتداء بهؤلاءِ المُّنَعمين ، فالاهتداء بكتاب الله وسنة نبيهﷺ ، والاقتداء بمن اهتدى بهما ، فيخرج من المنعم عليهم كل من خالفهم ، وقد تكون النعمة على حسبِ الاهتداء والاقتداء ، لكن النعمة التامة في موافقتهم باطنا وظاهرا. فإن لم تكن بدعة المولد موافقة للهدى ، فهي موافقة لهدى المغضوب عليهم ولا الضالين من اليهود والنصارى والرافضة ، فالقاعدة تقول : إن خالفت الهدىَ وافقت الهوى والعكس كذلك. وأيُّ هوىً أعظم من موافقةِ اليهود والنصارى في العقائد ، أو في العبادات ، أو الأخلاق والعادات ، وإتباع سَنَنِ الذين من قبلنا ، أمرٌ لازمٌ محتم كما أخبر به الصادق المصدوق ﷺ ، ( لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ ؟ ) فهذا بيانٌ على متابعتهم إما في الأصول وإما في الفروع ، إما موافقة قصدية وإما غير قصدية ، وموافقتهم خلافٌ للأمر ، إذ قد أمرنا بمخالفتهم ، وعدم التشبهِ بهم ، والتبرأ منهم وكفى بقوله تعالىﷻ ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) وهذا أصلٌ من الأصول التي لا مرية فيها .
فكيف يكون المولد شعاراً لمحبة اللهﷻ ورسوله ﷺ ، وهو يخالف هدي النبي ﷺ ، وينازع أمر الله بالاقتداء بالذين أنعم الله عليهم وموالاتهم . ثم هومن بعد ذلك يوافق سَنةَ اليهود والنصارى والرافضة ويشابههم حذو القذة بالقذة .، وقد تقدم أنه من الأصول مخالفة المغضوب عليهم والضالين والتبرأ منهم . ويطلبون دليلاً لبطلان هذه البدعة ، فإن لم يكن إلا مشابهة اليهود والنصارى والرافضة فما إذن؟
ثم فوق ذلك ما يحوط تلك المناسبة البدعية من الإطراء والغلو في ذات النبي عليه الصلاة والسلام فيتعدى الأمر من البدعةِ إلى الشرك ، والصوفية بالأخص ورثوا الغلو والاطراء في الانبياء والصالحين من النصارى ، كما شابهوهم فيما يخصُ الألوهية والصفات ، وقد نهى النبي ﷺ عن الإطراء به كما فعلت النصارى بالمسيح ابن مريم ، والمولد النبويُّ من مظاهر الاطراء والغلو البيّنة . وكذلك ما يحوط المناسبة من الكبائر كإختلاط النساء والرجال والمردان ، والمعازف والقيان وغير ذلك مما هو معلوم من لوازم الاحتفال عند القوم . وهؤلاء الصوفية إما مبتدعون طريقة شركية ، وإما مبتدعون طريقة بدعية ، فأعمالهم إما غير خالصةٍ لله ﷻ ، وإما غير متابعة للنبي ﷺ ، ومنهم من جمع بين السيئتين الشرك والابتداع كالغالين منهم كالحلولية والإتحادية . وهؤلاء كلهم يعبدون الله بغير علم والجهل فيهم كثير ، وهذا من الكبائر عبادة الله بالجهل والظّن والأماني والإستحسانات الهوائية الخالية من المتابعة والشواهد . وهؤلاء وغيرهم من الفرق هم المفتنون ، وما فتنوا إلا لمخالفتهم أمر النبي ﷺ ، والفتنة كما نقل عن ابن عمر فتنةُ الدين ، والمخالف لابد أن يذوق وبال مخالفته إن كان على هوىً وبغيِ ، وأن يناله الصَغار والذلُّ سواءً قصد أم لم يقصد فهذا يشترك فيه الجاهلُ وصاحب الهوى .فأما المتعبدُ بالجهل فله شبهٌ بالنصارى وله نصيبٌ من الضلالة ، والمتعبد بالهوى والبغيِّ فله شبهٌ باليهود وله نصيبٌ من الغضب . مصداقا لقوله ﷻ ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .