النسب والنشأة :
لم نعثر في مصادر التراجم والمناقب على ترجمة للشيخ سيدي بلمرسلي، كما أن مخطوطة كتاب الأشراف لا تشير إلى تاريخ ميلاده ووفاته، ولذا فإننا لم نتمكن بعد من معرفة ذلك . غير أن الروايات الشفوية تُجمع كلها على أن القرن الذي عاش فيه هذا الولي وعائلته هو القرن العاشر الهجري (900-1000هـ) الموافق لنهاية القرن الخامس عشر ومعظم القرن السادس عشر الميلاديين ( 1494-1591م)، ولسنا ندري إن كان لهذا التحديد الزماني من علاقة مع حادث سقوط غرناطة وما انجر عن ذلك من هجرة مسلمي الأندلس وتضامن المسلمين معهم في بلاد المغرب .
وإذا كان تاريخ الوفاة مجهولا فإن المكان معلوم، وهو محل اتفاق بين بطون قبيلة الجبلية ، ويقع في عرش مرغنيس بسهل بن وحشية قرب الجبل المعروف بجبل "بومعزة"، ويشار إليه باسم "مغسل بلمرسلي" ، ومنه حُمل النعش على ظهر بغلة شهباء حسب ما يُروى إلى الجبل الأخضر ليُوارى التراب ، وبنى أولاده على ضريحه قبة تم تجديدها فيما بعد على يد أبناء العشيرة أكثر من مرة . ومن الواضح أن الشيخ سيدي بلمرسلي كان كثير التنقل والترحال للتدريس والإفتاء والوعظ ونشر التعاليم الإسلامية بين صفوف العوام، وقد حظي عند هؤلاء بالتقدير والتبجيل إلى درجة الاعتقاد بالكرامات والخوارق .
اشتهر سيدي بلمرسلي في عصره بالعلم والورع والزهد، فكان مقصد الزوار والمريدين وطلبة العلم من مختلف الجهات، وتتداول الروايات بهذا الشأن على أن سيدي عبد القادر بن محمد الذي اشتهر بلقب "سيدي الشيخ"(ت حوالي 1024هـ/ 1615 م) دفين الأبيض سيدي الشيخ كان أحد الذين احتكوا بالشيخ بلمرسلي وأخذوا عنه العلم. ومما يرجح أن يكون ذلكقد تم فعلا هو أن سيدي الشيخ قد زار منطقة بني شقران وغريس وفليتة وبني توجين، وهي كلها مناطق شكلت الفضاء الحيوي الذي كان يتحرك فيه سيدي بلمرسلي شرقا وغربا وشمالا وجنوبا انطلاقا من مركزه في الجبل الأخضر . وإذا كان سيدي الشيخ قد وُلد في حدود 951هـ/1544م ، فإن ذلك يعني أن سيدي بلمرسلي كان لا يزال على قيد الحياة في النصف الثاني من القرن العاشر هجري السادس عشر ميلادي، وربما يكون قد توفي مع نهاية القرن . هذا ونرى أنه من غير المستبعد أن يكون سيدي أحمد بن يوسف الملياني الراشدي دفين مليانة (ت عام 931هـ/1524-1525م) هو أحد أساتذة الشيخ سيدي بلمرسلي البارزين الذين حضر دروسهم وأخذ عنهم العلم الشرعي ومبادئ التصوف بزاويته بقلعة بني راشد قبل أن يتوجه إلى مليانة .
تشير مخطوطة"كتاب الأشراف"في البداية وقبل التطرق إلى نسب سيدي بلمرسلي، إلى مراجع الشرف على وجه الأرض فتذكرها وتحدد بعض الأسماء، حيث جاء فيها على لسان كاتبها : » أذكر السادة الذين تسند منهم الشرف شرقا وغربا قبلة وجوفا وهم عبد الله الكامل وعلي وعالم وهارون « . ثم يتدرج السياق بعد ذلك لتأكيد صلة هذا النسب بالرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها : »كتاب تضمين أنساب سادتنا الأشراف رضي الله عنهم أجمعين وهم سيدي أبو المرسلي وأبنائه وأعمامه وإخوانه ومنه إلى رسول الله عليه السلام « . أما سلسلة النسب التي أوردتها هذه المخطوطة فهي كمايلي :» هو أبو المرسلي بن أبي مدين بن عبد القادر بن عبد الواحد بن علي بن يعقوب بن احمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن يحي بن راشد بن فرقان بن الحسن بن سليمان بن أبي بكر بن موسى بن فرقان بن محمد بن عبد القوي بن احمد بن يزيد بن علي بن موسى بن يسار بن يسار بن موسى بن سليمان بن موسى بن عيسى بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم« .
تنتهي هذه السلالة إلى الإمامين إدريس الأول بن عبد الله وابنه ادريس الثاني، وكان ادريس الأكبر قد هاجر من الحجاز متوجها نحو المغرب بعد ثورة العلويين على العباسيين سنة 169هـ/786م، ولما وصل مدينة وليلي عام 172هـ/788م بايعته القبائل البربرية تباعا خلال عامين من تلمسان شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا .أما ادريس الأصغر فلقد وُلد ببلاد المغرب بعد وفاة أبيه سنة177 هـ/ 793م من أم بربرية الأصل تدعى"كنـزة". ولا تختلف كثيرا هذه السلالة عما تتناقله العائلات فيما بينها وتحتفظ به، فهي تتفق معها على العموم خاصة في الأسماء الأولى .
لا يزال البحث في بدايته، وننوي إثراءه مستقبلا بما جمعناه من شهادات وبما تفيض به مخطوطة "كتاب الأشراف" من معلومات قيمة حول عائلة سيدي بلمرسلي وأقاربه وبطون قبيلة الجبلية وزواياها في التاريخ الحديث والمعاصر .