باسم الله الرحمن الرحيم
الأصمعي وصوت صفير البلبل
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ ï·؛ يَقُولُ: (إنَّ الْعَبْد لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مَا يَتَبيَّنُ فيهَا يَزِلُّ بهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بيْنَ المشْرِقِ والمغْرِبِ). متفقٌ عليهِ.
إن التقول على العلماء والكذب عليهم، والتطاول عليهم -مع كونه محرماً- يهون من قيمة العلم وأهله، وفي هذا من المفاسد ما لا يخفى على أحد.
لقد كان الأصمعي رحمه الله راوية العرب،وحجة الأدب،لقد كان صاحب لغة ونحو، وإماماً في الأخبار والنوادر والـمِلَح والغرائب،كان على رأس الثقات في اللغة،وكان ثقة عند علماء الحديث، قال السيرافي: “كان الأصمعي صدوقاً في الحديث، وعنده القرآن عن أبي عمرو ونافع وغيرهما، ويتوقَّى نفسير شيء من القرآن والحديث عن طريق اللغة”.وأقوال العلماء فيه وفي علمه وصدقه كثيرة معلومة.
لقد انتشر في الآونة الأخيرة قصيدة أقرب ما تكون إلى النثر منها إلى الشعر،ينسبها العوام والجهلة إلى الأصمعي جهلا وسفها بغير علم.هاته القصيدة تسمى (صوت صفير البلبل).
إن هذه القصة لم تذكر في مصدر موثوق،أو تروى عن أحد العلماء الثقات،بل ذكرها بعض القُصاص والمجهولين،الذين يجمعون كل ما هب ودب باسم الأدب والترويح عن الناس،حتى ولو كان الخبر كاذبا.وخلاصتها أن قصة جرت بين الأصمعي والخليفة أبي جعفر،انتهت بإعطاء الخليفة الذهب للأصمعي مقابل هاته القصيدة،وخبر هاته القصة مهدوم من أساسه:
أولا: الذين رووا هاته القصة ليسوا بالعلماء،بل هم مجموعة من القصاصين والمجاهيل والسفهاء.
ثانيا: صلة الأصمعي بالخلفاء كانت بهارون الرشيد،حفيد أبي جعفر المنصور،وليس بالمنصور نفسه،فقد كان الأصمعي في عهد المنصور صبيا يطلب العلم.
ثالثا: أبو جعفر المنصور كان يسمى بالدوانيقي،لشدة حرصه على الأموال،فكيف يعطي الأصمعي الذهب مقابل قصيدة تعتبر مهزلة وأضحوكة.
رابعا: هذه القصيدة ركيكة المبنى تافهة المعنى،أبعد ما تكون عن جلالة الأصمعي وقدره،وهو من هو في رواية الشعر والأدب.
خامسا: كل من له علم بالشعر،يدرك أن هاته القصيدة ليس لها وزن ثابت،فهي متهافتة وزنا ومعنى،وصاحبها لا علم له بالعروض والشعر، هذا،والأصمعي ليس شاعرا بل هو ناقد للعشر.
هذا وغيره كثير مما يمكن أن نستنتجه من هاته القصة التافهة.
إن مثل هذا الكلام الغث السقيم لا يجوز أن يروى،فضلا عن أن ينسب إلى العلماء،ولا يجوز نقله ونشره بحجة الاستمتاع والترويح عن النفس.