**★.• •*.:تفسير القرآن الكريم " صفحة صفحة " الفوج02.:*• •.★** - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > المنتدى الإسلامي للنّساء > قسم علوم القرآن > تفسير القرآن وإعرابُه

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

**★.• •*.:تفسير القرآن الكريم " صفحة صفحة " الفوج02.:*• •.★**

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-03-02, 16:17   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
<نَجْمَاتْ>
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك اختي الحمد لله ربي العالمين









 


رد مع اقتباس
قديم 2015-03-03, 21:53   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
زينب 83
مشرف منتديات الطبخ
 
الأوسمة
أحسن موضوع المرتبة الثالثة افضل تقرير ديكوري نجمة المطبخ 
إحصائية العضو










افتراضي

للرفع،،،،،،،،،،










رد مع اقتباس
قديم 2015-03-03, 22:14   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
قاصِرَةُ الطّرْف
مشرف قسم التجويد
 
الصورة الرمزية قاصِرَةُ الطّرْف
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك ...سنتابع تفسير الايات بحول الله









رد مع اقتباس
قديم 2015-03-05, 23:50   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
زينب 83
مشرف منتديات الطبخ
 
الأوسمة
أحسن موضوع المرتبة الثالثة افضل تقرير ديكوري نجمة المطبخ 
إحصائية العضو










افتراضي



‏[‏17 ـ 20‏]‏ ‏{‏مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏

أي‏:‏ مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارًا، أي‏:‏ كان في ظلمة عظيمة‏,‏ وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره‏,‏ ولم تكن عنده معدة‏,‏ بل هي خارجة عنه، فلما أضاءت النار ما حوله‏,‏ ونظر المحل الذي هو فيه‏,‏ وما فيه من المخاوف وأمنها‏,‏ وانتفع بتلك النار‏,‏ وقرت بها عينه‏,‏ وظن أنه قادر عليها‏,‏ فبينما هو كذلك‏,‏ إذ ذهب الله بنوره‏,‏ فذهب عنه النور‏,‏ وذهب معه السرور‏,‏ وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة‏,‏ فذهب ما فيها من الإشراق‏,‏ وبقي ما فيها من الإحراق، فبقي في ظلمات متعددة‏:‏ ظلمة الليل‏,‏ وظلمة السحاب‏,‏ وظلمة المطر‏,‏ والظلمة الحاصلة بعد النور‏,‏ فكيف يكون حال هذا الموصوف‏؟‏ فكذلك هؤلاء المنافقون‏,‏ استوقدوا نار الإيمان من المؤمنين‏,‏ ولم تكن صفة لهم‏,‏ فانتفعوا بها وحقنت بذلك دماؤهم‏,‏ وسلمت أموالهم‏,‏ وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت‏,‏ فسلبهم الانتفاع بذلك النور‏,‏ وحصل لهم كل هم وغم وعذاب‏,‏ وحصل لهم ظلمة القبر‏,‏ وظلمة الكفر‏,‏ وظلمة النفاق‏,‏ وظلم المعاصي على اختلاف أنواعها‏,‏ وبعد ذلك ظلمة النار ‏[‏وبئس القرار‏]‏‏.‏



فلهذا قال تعالى ‏[‏عنهم‏]‏‏:‏ ‏{‏صُمٌّ‏}‏ أي‏:‏ عن سماع الخير، ‏{‏بُكْمٌ‏}‏ ‏[‏أي‏]‏‏:‏ عن النطق به، ‏{‏عُمْيٌ‏}‏ عن رؤية الحق، ‏{‏فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ‏}‏ لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه‏,‏ فلا يرجعون إليه، بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال‏,‏ فإنه لا يعقل‏,‏ وهو أقرب رجوعا منهم‏.‏

ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ‏}‏ يعني‏:‏ أو مثلهم كصيب، أي‏:‏ كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب‏,‏ أي‏:‏ ينزل بكثرة، ‏{‏فِيهِ ظُلُمَاتٌ‏}‏ ظلمة الليل‏,‏ وظلمة السحاب‏,‏ وظلمات المطر، ‏{‏وَرَعْدٌ‏}‏ وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، ‏{‏وَبَرْقٌ‏}‏ وهو الضوء ‏[‏اللامع‏]‏ المشاهد مع السحاب‏.‏

‏{‏كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ‏}‏ البرق في تلك الظلمات ‏{‏مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا‏}‏ أي‏:‏ وقفوا‏.‏



فهكذا حال المنافقين‏,‏ إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده‏,‏ جعلوا أصابعهم في آذانهم‏,‏ وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده‏,‏ فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم‏,‏ ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد‏,‏ ويجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت‏,‏ فهذا تمكن له السلامة‏.‏ وأما المنافقون فأنى لهم السلامة‏,‏ وهو تعالى محيط بهم‏,‏ قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه‏,‏ بل يحفظ عليهم أعمالهم‏,‏ ويجازيهم عليها أتم الجزاء‏.‏

ولما كانوا مبتلين بالصمم‏,‏ والبكم‏,‏ والعمى المعنوي‏,‏ ومسدودة عليهم طرق الإيمان، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ الحسية‏,‏ ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية‏,‏ ليحذروا‏,‏ فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم، ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏ فلا يعجزه شيء، ومن قدرته أنه إذا شاء شيئًا فعله من غير ممانع ولا معارض‏.‏

وفي هذه الآية وما أشبهها‏,‏ رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى‏,‏ لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏



‏[‏21 ـ 22‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏

هذا أمر عام لكل الناس‏,‏ بأمر عام‏,‏ وهو العبادة الجامعة‏,‏ لامتثال أوامر الله‏,‏ واجتناب نواهيه‏,‏ وتصديق خبره‏,‏ فأمرهم تعالى بما خلقهم له، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ‏}‏

ثم استدل على وجوب عبادته وحده‏,‏ بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم‏,‏ فخلقكم بعد العدم‏,‏ وخلق الذين من قبلكم‏,‏ وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة‏,‏ فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها‏,‏ وتنتفعون بالأبنية‏,‏ والزراعة‏,‏ والحراثة‏,‏ والسلوك من محل إلى محل‏,‏ وغير ذلك من أنواع الانتفاع بها، وجعل السماء بناء لمسكنكم‏,‏ وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم‏,‏ كالشمس‏,‏ والقمر‏,‏ والنجوم‏.‏

‏{‏وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً‏}‏ والسماء‏:‏ ‏[‏هو‏]‏ كل ما علا فوقك فهو سماء‏,‏ ولهذا قال المفسرون‏:‏ المراد بالسماء ها هنا‏:‏ السحاب، فأنزل منه تعالى ماء، ‏{‏فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ‏}‏ كالحبوب‏,‏ والثمار‏,‏ من نخيل‏,‏ وفواكه‏,‏ ‏[‏وزروع‏]‏ وغيرها ‏{‏رِزْقًا لَكُمْ‏}‏ به ترتزقون‏,‏ وتقوتون وتعيشون وتفكهون‏.‏

‏{‏فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا‏}‏ أي‏:‏ نظراء وأشباها من المخلوقين‏,‏ فتعبدونهم كما تعبدون الله‏,‏ وتحبونهم كما تحبون الله‏,‏ وهم مثلكم‏,‏ مخلوقون‏,‏ مرزوقون مدبرون‏,‏ لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ولا ينفعونكم ولا يضرون، ‏{‏وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ أن الله ليس له شريك‏,‏ ولا نظير‏,‏ لا في الخلق‏,‏ والرزق‏,‏ والتدبير‏,‏ ولا في العبادة فكيف تعبدون معه آلهة أخرى مع علمكم بذلك‏؟‏ هذا من أعجب العجب‏,‏ وأسفه السفه‏.‏

وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده‏,‏ والنهي عن عبادة ما سواه‏,‏ وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته‏,‏ وبطلان عبادة من سواه‏,‏ وهو ‏[‏ذكر‏]‏ توحيد الربوبية‏,‏ المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير، فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك‏,‏ فكذلك فليكن إقراره بأن ‏[‏الله‏]‏ لا شريك له في العبادة‏,‏ وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري، وبطلان الشرك‏.‏



وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ يحتمل أن المعنى‏:‏ أنكم إذا عبدتم الله وحده‏,‏ اتقيتم بذلك سخطه وعذابه‏,‏ لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون المعنى‏:‏ أنكم إذا عبدتم الله‏,‏ صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى‏,‏ وكلا المعنيين صحيح‏,‏ وهما متلازمان، فمن أتى بالعبادة كاملة‏,‏ كان من المتقين، ومن كان من المتقين‏,‏ حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏



‏[‏23 ـ 24‏]‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ‏}‏

وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحة ما جاء به، فقال‏:‏ ‏{‏وإن كنتم‏}‏ معشر المعاندين للرسول‏,‏ الرادين دعوته‏,‏ الزاعمين كذبه في شك واشتباه‏,‏ مما نزلنا على عبدنا‏,‏ هل هو حق أو غيره‏؟‏ فها هنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه، وهو أنه بشر مثلكم‏,‏ ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم‏,‏ لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله‏,‏ وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون‏,‏ فأتوا بسورة من مثله‏,‏ واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم‏,‏ فإن هذا أمر يسير عليكم، خصوصًا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة‏,‏ والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله‏,‏ فهو كما زعمتم‏,‏ وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز‏,‏ ولن تأتوا بسورة من مثله، ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم، فهذا آية كبرى‏,‏ ودليل واضح ‏[‏جلي‏]‏ على صدقه وصدق ما جاء به‏,‏ فيتعين عليكم اتباعه‏,‏ واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة ‏[‏والشدة‏]‏‏,‏ أن كانت وقودها الناس والحجارة‏,‏ ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب‏,‏ وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله‏.‏ فاحذروا الكفر برسوله‏,‏ بعد ما تبين لكم أنه رسول الله‏.‏

وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي‏,‏ وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى ‏{‏قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا‏}‏

وكيف يقدر المخلوق من تراب‏,‏ أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب‏؟‏ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه‏,‏ أن يأتي بكلام ككلام الكامل‏,‏ الذي له الكمال المطلق‏,‏ والغنى الواسع من كل الوجوه‏؟‏ هذا ليس في الإمكان‏,‏ ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة ‏[‏بأنواع‏]‏ الكلام‏,‏ إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء‏,‏ ظهر له الفرق العظيم‏.‏



وفي قوله‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ‏}‏ إلى آخره‏,‏ دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة‏:‏ ‏[‏هو‏]‏ الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال، فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق‏.‏

وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه‏,‏ فهذا لا يمكن رجوعه‏,‏ لأنه ترك الحق بعد ما تبين له‏,‏ لم يتركه عن جهل‏,‏ فلا حيلة فيه‏.‏

وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق‏,‏ بل هو معرض غير مجتهد في طلبه‏,‏ فهذا في الغالب أنه لا يوفق‏.‏

وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم‏,‏ دليل على أن أعظم أوصافه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيامه بالعبودية‏,‏ التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين‏.‏

كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ‏}‏ وفي مقام الإنزال، فقال‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ‏}‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ‏}‏ ونحوها من الآيات‏,‏ دليل لمذهب أهل السنة والجماعة‏,‏ أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة، وفيها أيضًا‏,‏ أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار‏,‏ لأنه قال‏:‏ ‏{‏أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ‏}‏ فلو كان ‏[‏عصاة الموحدين‏]‏ يخلدون فيها‏,‏ لم تكن معدة للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة‏.‏

وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه‏,‏ وهو الكفر‏,‏ وأنواع المعاصي على اختلافها

*

تم تفسير الصفحة الثالثة و الحمد لله










رد مع اقتباس
قديم 2015-03-06, 16:54   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
الدر المكنون 7
عضو محترف
 
الصورة الرمزية الدر المكنون 7
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2015-03-07, 22:47   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
عازفة الناي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية عازفة الناي
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز افضل تقرير ديكوري 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2015-03-08, 00:42   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
& هبة الرحمن &
أستاذة عِلم التّجويد "رواية حفْص"
 
الصورة الرمزية & هبة الرحمن &
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










رد مع اقتباس
قديم 2015-03-10, 00:03   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
زينب 83
مشرف منتديات الطبخ
 
الأوسمة
أحسن موضوع المرتبة الثالثة افضل تقرير ديكوري نجمة المطبخ 
إحصائية العضو










افتراضي

"][SIZE="6"]‏[‏‏]‏ ‏{‏وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ

تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏


لما ذكر جزاء الكافرين‏,‏ ذكر جزاء المؤمنين‏,‏ أهل الأعمال الصالحات‏,‏ على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب‏,‏ ليكون العبد راغبا راهبا‏,‏ خائفا راجيا فقال‏:‏ ‏{‏وَبَشِّرِ‏}‏ أي‏:‏ ‏[‏يا أيها الرسول ومن قام مقامه‏]‏ ‏{‏الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ بقلوبهم ‏{‏وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏ بجوارحهم‏,‏ فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة‏.‏

ووصفت أعمال الخير بالصالحات‏,‏ لأن بها تصلح أحوال العبد‏,‏ وأمور دينه ودنياه‏,‏ وحياته الدنيوية والأخروية‏,‏ ويزول بها عنه فساد الأحوال‏,‏ فيكون بذلك من الصالحين‏,‏ الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته‏.‏



فبشرهم ‏{‏أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ‏}‏ أي‏:‏ بساتين جامعة من الأشجار العجيبة‏,‏ والثمار الأنيقة‏,‏ والظل المديد‏,‏ ‏[‏والأغصان والأفنان وبذلك‏]‏ صارت جنة يجتن بها داخلها‏,‏ وينعم فيها ساكنها‏.‏

‏{‏تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ‏}‏ أي‏:‏ أنهار الماء‏,‏ واللبن‏,‏ والعسل‏,‏ والخمر، يفجرونها كيف شاءوا‏,‏ ويصرفونها أين أرادوا‏,‏ وتشرب منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار‏.‏

‏{‏كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ‏}‏ أي‏:‏ هذا من جنسه‏,‏ وعلى وصفه‏,‏ كلها متشابهة في الحسن واللذة، ليس فيها ثمرة خاصة‏,‏ وليس لهم وقت خال من اللذة‏,‏ فهم دائما متلذذون بأكلها‏.‏



وقوله‏:‏ ‏{‏وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا‏}‏ قيل‏:‏ متشابها في الاسم‏,‏ مختلف الطعوم وقيل‏:‏ متشابها في اللون‏,‏ مختلفا في الاسم، وقيل‏:‏ يشبه بعضه بعضًا‏,‏ في الحسن‏,‏ واللذة‏,‏ والفكاهة‏,‏ ولعل هذا الصحيح

ثم لما ذكر مسكنهم‏,‏ وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم‏,‏ ذكر أزواجهم‏,‏ فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه‏,‏ وأوضحه فقال‏:‏ ‏{‏وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ‏}‏ فلم يقل‏:‏ ‏"‏مطهرة من العيب الفلاني‏"‏ ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهرات الأخلاق‏,‏ مطهرات الخلق‏,‏ مطهرات اللسان‏,‏ مطهرات الأبصار، فأخلاقهن‏,‏ أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن‏,‏ وحسن التبعل‏,‏ والأدب القولي والفعلي‏,‏ ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني‏,‏ والبول والغائط‏,‏ والمخاط والبصاق‏,‏ والرائحة الكريهة، ومطهرات الخلق أيضًا‏,‏ بكمال الجمال‏,‏ فليس فيهن عيب‏,‏ ولا دمامة خلق‏,‏ بل هن خيرات حسان‏,‏ مطهرات اللسان والطرف، قاصرات طرفهن على أزواجهن‏,‏ وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح‏.‏



ففي هذه الآية الكريمة‏,‏ ذكر المبشِّر والمبشَّر‏,‏ والمبشَّرُ به‏,‏ والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر‏:‏ هو الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر‏:‏ هم المؤمنون العاملون الصالحات، والمبشَّر به‏:‏ هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك‏,‏ هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة‏,‏ إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة‏,‏ على يد أفضل الخلق‏,‏ بأفضل الأسباب‏.‏

وفيه استحباب بشارة المؤمنين‏,‏ وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها ‏[‏وثمراتها‏]‏‏,‏ فإنها بذلك تخف وتسهل، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان‏,‏ توفيقه للإيمان والعمل الصالح، فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى عند الموت، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم، نسأل الله أن يجعلنا منهم‏.‏



‏[‏26 ـ 27‏]‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مثلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مثلًا يُضِلُّ بِهِ كثيرًا وَيَهْدِي بِهِ كثيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مثلًا مَا‏}‏ أي‏:‏ أيَّ مثل كان ‏{‏بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا‏}‏ لاشتمال الأمثال على الحكمة‏,‏ وإيضاح الحق‏,‏ والله لا يستحيي من الحق، وكأن في هذا‏,‏ جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة، واعترض على الله في ذلك‏.‏ فليس في ذلك محل اعتراض‏.‏ بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم‏.‏ فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ‏}‏ فيتفهمونها، ويتفكرون فيها‏.‏

فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل، ازداد بذلك علمهم وإيمانهم، وإلا علموا أنها حق، وما اشتملت عليه حق، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا، بل لحكمة بالغة، ونعمة سابغة‏.‏




‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مثلًا‏}‏ فيعترضون ويتحيرون، فيزدادون كفرا إلى كفرهم، كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يُضِلُّ بِهِ كثيرًا وَيَهْدِي بِهِ كثيرًا‏}‏ فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ‏}‏ فلا أعظم نعمة على العباد من نزول الآيات القرآنية، ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة ‏[‏وضلالة‏]‏ وزيادة شر إلى شرهم، ولقوم منحة ‏[‏ورحمة‏]‏ وزيادة خير إلى خيرهم، فسبحان من فاوت بين عباده، وانفرد بالهداية والإضلال‏.‏

ثم ذكر حكمته في إضلال من يضلهم وأن ذلك عدل منه تعالى فقال‏:‏ ‏{‏وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ‏}‏ أي‏:‏ الخارجين عن طاعة الله‏;‏ المعاندين لرسل الله‏;‏ الذين صار الفسق وصفهم‏;‏ فلا يبغون به بدلا، فاقتضت حكمته تعالى إضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى، كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف بالإيمان وتحلى بالأعمال الصالحة‏.‏

والفسق نوعان‏:‏ نوع مخرج من الدين، وهو الفسق المقتضي للخروج من الإيمان‏;‏ كالمذكور في هذه الآية ونحوها، ونوع غير مخرج من الإيمان كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏[‏الآية‏]‏‏.‏

ثم وصف الفاسقين فقال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ‏}‏ وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق‏;‏ بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه‏;‏ وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق‏.‏

‏{‏وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ‏}‏ وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة، فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله بالإيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب‏;‏ وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها‏.‏

فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق، وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون، فقطعوها، ونبذوها وراء ظهورهم‏;‏ معتاضين عنها بالفسق والقطيعة‏;‏ والعمل بالمعاصي‏;‏ وهو‏:‏ الإفساد في الأرض‏.‏



فـ ‏{‏فَأُولَئِكَ‏}‏ أي‏:‏ من هذه صفته ‏{‏هُمُ الْخَاسِرُونَ‏}‏ في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم‏;‏ لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم‏;‏ ليس لهم نوع من الربح؛ لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان‏;‏ فمن لا إيمان له لا عمل له‏;‏ وهذا الخسار هو خسار الكفر، وأما الخسار الذي قد يكون كفرا‏;‏ وقد يكون معصية‏;‏ وقد يكون تفريطا في ترك مستحب، المذكور في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ‏}‏ فهذا عام لكل مخلوق‏;‏ إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح‏;‏ والتواصي بالحق‏;‏ والتواصي بالصبر‏;‏ وحقيقة فوات الخير‏;‏ الذي ‏[‏كان‏]‏ العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه‏.‏



‏[‏28‏]‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏

هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار، أي‏:‏ كيف يحصل منكم الكفر بالله‏;‏ الذي خلقكم من العدم‏;‏ وأنعم عليكم بأصناف النعم‏;‏ ثم يميتكم عند استكمال آجالكم‏;‏ ويجازيكم في القبور‏;‏ ثم يحييكم بعد البعث والنشور‏;‏ ثم إليه ترجعون‏;‏ فيجازيكم الجزاء الأوفى، فإذا كنتم في تصرفه‏;‏ وتدبيره‏;‏ وبره‏;‏ وتحت أوامره الدينية‏;‏ ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي‏;‏ أفيليق بكم أن تكفروا به‏;‏ وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه وحماقة‏؟‏ بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه وتخافوا عذابه‏;‏ وترجوا ثوابه‏.‏

‏[‏29‏]‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏

‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا‏}‏ أي‏:‏ خلق لكم‏,‏ برا بكم ورحمة‏,‏ جميع ما على الأرض‏,‏ للانتفاع والاستمتاع والاعتبار‏.‏

وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة‏,‏ لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث‏,‏ فإن ‏[‏تحريمها أيضًا‏]‏ يؤخذ من فحوى الآية‏,‏ ومعرفة المقصود منها‏,‏ وأنه خلقها لنفعنا‏,‏ فما فيه ضرر‏,‏ فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته‏,‏ منعنا من الخبائث‏,‏ تنزيها لنا‏.‏



وقوله‏:‏ ‏{‏ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏

‏{‏اسْتَوَى‏}‏ ترد في القرآن على ثلاثة معاني‏:‏ فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها‏,‏ الكمال والتمام‏,‏ كما في قوله عن موسى‏:‏ ‏{‏وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى‏}‏ وتارة تكون بمعنى ‏"‏علا‏"‏ و ‏"‏ارتفع‏"‏ وذلك إذا عديت ب ـ ‏"‏على‏"‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم استوى على العرش‏}‏ ‏{‏لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ‏}‏ وتارة تكون بمعنى ‏"‏قصد‏"‏ كما إذا عديت ب ـ ‏"‏إلى‏"‏ كما في هذه الآية، أي‏:‏ لما خلق تعالى الأرض‏,‏ قصد إلى خلق السموات ‏{‏فسواهن سبع سماوات‏}‏ فخلقها وأحكمها‏,‏ وأتقنها‏,‏ ‏{‏وهو بكل شيء عليم‏}‏ فـ ‏{‏يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها‏}‏ و ‏{‏يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ‏}‏ يعلم السر وأخفى‏.‏



وكثيرًا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية‏,‏ وكما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ‏}‏ لأن خلقه للمخلوقات‏,‏ أدل دليل على علمه‏,‏ وحكمته‏,‏ وقدرته‏.‏

تم تفسير الصفحة الرابعة و لله الحمد










رد مع اقتباس
قديم 2015-03-11, 14:57   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
جوهرة الإيمان31
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جوهرة الإيمان31
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2015-03-13, 23:22   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
زينب 83
مشرف منتديات الطبخ
 
الأوسمة
أحسن موضوع المرتبة الثالثة افضل تقرير ديكوري نجمة المطبخ 
إحصائية العضو










افتراضي

‏[‏30 ـ 34‏]‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ‏}‏

هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السلام أبي البشر أن الله حين أراد خلقه أخبر الملائكة بذلك‏,‏ وأن الله مستخلفه في الأرض‏.‏



فقالت الملائكة عليهم السلام‏:‏ ‏{‏أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا‏}‏ بالمعاصي ‏{‏وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ‏}‏ ‏[‏و‏]‏هذا تخصيص بعد تعميم‏,‏ لبيان ‏[‏شدة‏]‏ مفسدة القتل، وهذا بحسب ظنهم أن الخليفة المجعول في الأرض سيحدث منه ذلك‏,‏ فنزهوا الباري عن ذلك‏,‏ وعظموه‏,‏ وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة فقالوا‏:‏ ‏{‏وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ‏}‏ أي‏:‏ ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك، ‏{‏وَنُقَدِّسُ لَكَ‏}‏ يحتمل أن معناها‏:‏ ونقدسك‏,‏ فتكون اللام مفيدة للتخصيص والإخلاص، ويحتمل أن يكون‏:‏ ونقدس لك أنفسنا، أي‏:‏ نطهرها بالأخلاق الجميلة‏,‏ كمحبة الله وخشيته وتعظيمه‏,‏ ونطهرها من الأخلاق الرذيلة‏.‏



قال الله تعالى للملائكة‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَعْلَمُ‏}‏ من هذا الخليفة ‏{‏مَا لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ ؛ لأن كلامكم بحسب ما ظننتم‏,‏ وأنا عالم بالظواهر والسرائر‏,‏ وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة‏,‏ أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك‏,‏ إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين‏,‏ والشهداء والصالحين‏,‏ ولتظهر آياته للخلق‏,‏ ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة‏,‏ كالجهاد وغيره‏,‏ وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان‏,‏ وليتبين عدوه من وليه‏,‏ وحزبه من حربه‏,‏ وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه‏,‏ واتصف به‏,‏ فهذه حكم عظيمة‏,‏ يكفي بعضها في ذلك‏.‏

ثم لما كان قول الملائكة عليهم السلام‏,‏ فيه إشارة إلى فضلهم على الخليفة الذي يجعله الله في الأرض‏,‏ أراد الله تعالى‏,‏ أن يبين لهم من فضل آدم‏,‏ ما يعرفون به فضله‏,‏ وكمال حكمة الله وعلمه فـ ‏{‏عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا‏}‏ أي‏:‏ أسماء الأشياء‏,‏ وما هو مسمى بها، فعلمه الاسم والمسمى‏,‏ أي‏:‏ الألفاظ والمعاني‏,‏ حتى المكبر من الأسماء كالقصعة، والمصغر كالقصيعة‏.‏

‏{‏ثُمَّ عَرَضَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ عرض المسميات ‏{‏عَلَى الْمَلَائِكَةِ‏}‏ امتحانا لهم‏,‏ هل يعرفونها أم لا‏؟‏‏.‏

‏{‏فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ في قولكم وظنكم‏,‏ أنكم أفضل من هذا الخليفة‏.‏

‏{‏قَالُوا سُبْحَانَكَ‏}‏ أي‏:‏ ننزهك من الاعتراض منا عليك‏,‏ ومخالفة أمرك‏.‏ ‏{‏لَا عِلْمَ لَنَا‏}‏ بوجه من الوجوه ‏{‏إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا‏}‏ إياه‏,‏ فضلا منك وجودا، ‏{‏إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ‏}‏ العليم الذي أحاط علما بكل شيء‏,‏ فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السموات والأرض‏,‏ ولا أصغر من ذلك ولا أكبر‏.‏

الحكيم‏:‏ من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق‏,‏ ولا يشذ عنها مأمور، فما خلق شيئًا إلا لحكمة‏:‏ ولا أمر بشيء إلا لحكمة، والحكمة‏:‏ وضع الشيء في موضعه اللائق به، فأقروا‏,‏ واعترفوا بعلم الله وحكمته‏,‏ وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم‏;‏ وتعليمه إياهم ما لا يعلمون‏.‏



فحينئذ قال الله‏:‏ ‏{‏يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ أسماء المسميات التي عرضها الله على الملائكة‏;‏ فعجزوا عنها، ‏{‏فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ‏}‏ تبين للملائكة فضل آدم عليهم‏;‏ وحكمة الباري وعلمه في استخلاف هذا الخليفة، ‏{‏قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات وَالْأَرْضِ‏}‏ وهو ما غاب عنا‏;‏ فلم نشاهده، فإذا كان عالما بالغيب‏;‏ فالشهادة من باب أولى، ‏{‏وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ‏}‏ أي‏:‏ تظهرون ‏{‏وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‏}‏

ثم أمرهم تعالى بالسجود لآدم‏;‏ إكراما له وتعظيما‏;‏ وعبودية لله تعالى، فامتثلوا أمر الله‏;‏ وبادروا كلهم بالسجود، ‏{‏إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى‏}‏ امتنع عن السجود‏;‏ واستكبر عن أمر الله وعلى آدم، قال‏:‏ ‏{‏أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا‏}‏ وهذا الإباء منه والاستكبار‏;‏ نتيجة الكفر الذي هو منطو عليه‏;‏ فتبينت حينئذ عداوته لله ولآدم وكفره واستكباره‏.‏

وفي هذه الآيات من العبر والآيات‏;‏ إثبات الكلام لله تعالى‏;‏ وأنه لم يزل متكلما‏;‏ يقول ما شاء‏;‏ ويتكلم بما شاء‏;‏ وأنه عليم حكيم، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالوجب عليه‏;‏ التسليم‏;‏ واتهام عقله‏;‏ والإقرار لله بالحكمة، وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة‏;‏ وإحسانه بهم‏;‏ بتعليمهم ما جهلوا‏;‏ وتنبيههم على ما لم يعلموه‏.‏

وفيه فضيلة العلم من وجوه‏:‏

منها‏:‏ أن الله تعرف لملائكته‏;‏ بعلمه وحكمته ، ومنها‏:‏ أن الله عرفهم فضل آدم بالعلم‏;‏ وأنه أفضل صفة تكون في العبد، ومنها‏:‏ أن الله أمرهم بالسجود لآدم‏;‏ إكراما له‏;‏ لما بان فضل علمه، ومنها‏:‏ أن الامتحان للغير‏;‏ إذا عجزوا عما امتحنوا به‏;‏ ثم عرفه صاحب الفضيلة‏;‏ فهو أكمل مما عرفه ابتداء، ومنها‏:‏ الاعتبار بحال أبوي الإنس والجن‏;‏ وبيان فضل آدم‏;‏ وأفضال الله عليه‏;‏ وعداوة إبليس له‏;‏ إلى غير ذلك من العبر‏.‏
*

‏[‏35 ـ 36‏]‏ ‏{‏وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ‏}‏

لما خلق الله آدم وفضله‏;‏ أتم نعمته عليه‏;‏ بأن خلق منه زوجة ليسكن إليها‏;‏ ويستأنس بها‏;‏ وأمرهما بسكنى الجنة‏;‏ والأكل منها رغدا‏;‏ أي‏:‏ واسعا هنيئا، ‏{‏حَيْثُ شِئْتُمَا‏}‏ أي‏:‏ من أصناف الثمار والفواكه‏;‏ وقال الله له‏:‏ ‏{‏إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى‏}‏

‏{‏وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ‏}‏ نوع من أنواع شجر الجنة‏;‏ الله أعلم بها، وإنما نهاهما عنها امتحانا وابتلاء ‏[‏أو لحكمة غير معلومة لنا‏]‏ ‏{‏فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ دل على أن النهي للتحريم‏;‏ لأنه رتب عليه الظلم‏.‏

فلم يزل عدوهما يوسوس لهما ويزين لهما تناول ما نهيا عنه‏;‏ حتى أزلهما، أي‏:‏ حملهما على الزلل بتزيينه‏.‏ ‏{‏وَقَاسَمَهُمَا‏}‏ بالله ‏{‏إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ‏}‏ فاغترا به وأطاعاه‏;‏ فأخرجهما مما كانا فيه من النعيم والرغد‏;‏ وأهبطوا إلى دار التعب والنصب والمجاهدة‏.‏

‏{‏بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ‏}‏ أي‏:‏ آدم وذريته‏;‏ أعداء لإبليس وذريته، ومن المعلوم أن العدو‏;‏ يجد ويجتهد في ضرر عدوه وإيصال الشر إليه بكل طريق‏;‏ وحرمانه الخير بكل طريق، ففي ضمن هذا‏,‏ تحذير بني آدم من الشيطان كما قال تعالى ‏{‏إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ‏}‏ ‏{‏أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا‏}‏


ثم ذكر منتهى الإهباط إلى الأرض، فقال‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ‏}‏ أي‏:‏ مسكن وقرار، ‏{‏وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ‏}‏ انقضاء آجالكم‏,‏ ثم تنتقلون منها للدار التي خلقتم لها‏,‏ وخلقت لكم، ففيها أن مدة هذه الحياة‏,‏ مؤقتة عارضة‏,‏ ليست مسكنا حقيقيا‏,‏ وإنما هي معبر يتزود منها لتلك الدار‏,‏ ولا تعمر للاستقرار‏.‏

‏[‏37‏]‏ ‏{‏فَتَلَقَّى آدَمُ‏}

‏{‏فَتَلَقَّى آدَمُ‏}‏ أي‏:‏ تلقف وتلقن‏,‏ وألهمه الله ‏{‏مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ‏}‏ وهي قوله‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا‏}‏ الآية، فاعترف بذنبه وسأل الله مغفرته ‏{‏فَتَابَ‏}‏ الله ‏{‏عَلَيْهِ‏}‏ ورحمه ‏{‏إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ‏}‏ لمن تاب إليه وأناب‏.‏

وتوبته نوعان‏:‏ توفيقه أولا‏,‏ ثم قبوله للتوبة إذا اجتمعت شروطها ثانيًا‏.‏

‏{‏الرَّحِيمِ‏}‏ بعباده‏,‏ ومن رحمته بهم‏,‏ أن وفقهم للتوبة‏,‏ وعفا عنهم وصفح‏.‏
*










رد مع اقتباس
قديم 2015-03-13, 23:26   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
زينب 83
مشرف منتديات الطبخ
 
الأوسمة
أحسن موضوع المرتبة الثالثة افضل تقرير ديكوري نجمة المطبخ 
إحصائية العضو










افتراضي

‏[‏38 ـ 39‏]‏ ‏{‏قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏


كرر الإهباط‏,‏ ليرتب عليه ما ذكر وهو قوله‏:‏ ‏{‏فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى‏}‏ أي‏:‏ أيَّ وقت وزمان جاءكم مني ـ يا معشر الثقلين ـ هدى‏,‏ أي‏:‏ رسول وكتاب يهديكم لما يقربكم مني‏,‏ ويدنيكم مني‏;‏ ويدنيكم من رضائي، ‏{‏فمن تبع هداي‏}‏ منكم‏,‏ بأن آمن برسلي وكتبي‏,‏ واهتدى بهم‏,‏ وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب‏,‏ والامتثال للأمر والاجتناب للنهي، ‏{‏فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏

وفي الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى‏}‏

فرتب على اتباع هداه أربعة أشياء‏:‏

نفي الخوف والحزن والفرق بينهما‏,‏ أن المكروه إن كان قد مضى‏,‏ أحدث الحزن‏,‏ وإن كان منتظرًا‏,‏ أحدث الخوف، فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا‏,‏ حصل ضدهما‏,‏ وهو الأمن التام، وكذلك نفي الضلال والشقاء عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه‏,‏ حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى، وانتفى عنه كل مكروه‏,‏ من الخوف‏,‏ والحزن‏,‏ والضلال‏,‏ والشقاء، فحصل له المرغوب‏,‏ واندفع عنه المرهوب، وهذا عكس من لم يتبع هداه‏,‏ فكفر به‏,‏ وكذب بآياته‏.‏

فـ ‏{‏أولئك أصحاب النار‏}‏ أي‏:‏ الملازمون لها‏,‏ ملازمة الصاحب لصاحبه‏,‏ والغريم لغريمه، ‏{‏هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏ لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم العذاب ولا هم ينصرون‏.‏


وفي هذه الآيات وما أشبهها‏,‏ انقسام الخلق من الجن والإنس‏,‏ إلى أهل السعادة‏,‏ وأهل الشقاوة‏,‏ وفيها صفات الفريقين والأعمال الموجبة لذلك، وأن الجن كالإنس في الثواب والعقاب‏,‏ كما أنهم مثلهم‏,‏ في الأمر والنهي‏.‏

ثم شرع تعالى يذكِّر بني إسرائيل نعمه عليهم وإحسانه فقال‏:‏

‏[‏40 ـ 43‏]‏ ‏{‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏

‏{‏يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ المراد بإسرائيل‏:‏ يعقوب عليه السلام، والخطاب مع فرق بني إسرائيل‏,‏ الذين بالمدينة وما حولها‏,‏ ويدخل فيهم من أتى من بعدهم‏,‏ فأمرهم بأمر عام، فقال‏:‏ ‏{‏اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ‏}‏ وهو يشمل سائر النعم التي سيذكر في هذه السورة بعضها، والمراد بذكرها بالقلب اعترافًا‏,‏ وباللسان ثناء‏,‏ وبالجوارح باستعمالها فيما يحبه ويرضيه‏.‏

‏{‏وَأَوْفُوا بِعَهْدِي‏}‏ وهو ما عهده إليهم من الإيمان به‏,‏ وبرسله وإقامة شرعه‏.‏

‏{‏أُوفِ بِعَهْدِكُمْ‏}‏ وهو المجازاة على ذلك‏.‏

والمراد بذلك‏:‏ ما ذكره الله في قوله‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ‏}‏

ثم أمرهم بالسبب الحامل لهم على الوفاء بعهده‏,‏ وهو الرهبة منه تعالى‏,‏ وخشيته وحده‏,‏ فإن مَنْ خشِيَه أوجبت له خشيته امتثال أمره واجتناب نهيه‏.‏

ثم أمرهم بالأمر الخاص‏,‏ الذي لا يتم إيمانهم‏,‏ ولا يصح إلا به فقال‏:‏ ‏{‏وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ‏}‏ وهو القرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأمرهم بالإيمان به‏,‏ واتباعه‏,‏ ويستلزم ذلك‏,‏ الإيمان بمن أنزل عليه، وذكر الداعي لإيمانهم به، فقال‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ موافقا له لا مخالفا ولا مناقضا، فإذا كان موافقا لما معكم من الكتب‏,‏ غير مخالف لها‏;‏ فلا مانع لكم من الإيمان به‏,‏ لأنه جاء بما جاءت به المرسلون‏,‏ فأنتم أولى من آمن به وصدق به‏,‏ لكونكم أهل الكتب والعلم‏.‏




وأيضًا فإن في قوله‏:‏ ‏{‏مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ‏}‏ إشارة إلى أنكم إن لم تؤمنوا به‏,‏ عاد ذلك عليكم‏,‏ بتكذيب ما معكم‏,‏ لأن ما جاء به هو الذي جاء به موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء، فتكذيبكم له تكذيب لما معكم‏.‏

وأيضًا‏,‏ فإن في الكتب التي بأيدكم‏,‏ صفة هذا النبي الذي جاء بهذا القرآن والبشارة به، فإن لم تؤمنوا به‏,‏ كذبتم ببعض ما أنزل إليكم‏,‏ ومن كذب ببعض ما أنزل إليه‏,‏ فقد كذب بجميعه، كما أن من كفر برسول‏,‏ فقد كذب الرسل جميعهم‏.‏

فلما أمرهم بالإيمان به‏,‏ نهاهم وحذرهم من ضده وهو الكفر به فقال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ‏}‏ أي‏:‏ بالرسول والقرآن‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ‏}‏ أبلغ من قوله‏:‏ ‏{‏ولا تكفروا به‏}‏ لأنهم إذا كانوا أول كافر به‏,‏ كان فيه مبادرتهم إلى الكفر به‏,‏ عكس ما ينبغي منهم‏,‏ وصار عليهم إثمهم وإثم من اقتدى بهم من بعدهم‏.‏

ثم ذكر المانع لهم من الإيمان‏,‏ وهو اختيار العرض الأدنى على السعادة الأبدية، فقال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا‏}‏ وهو ما يحصل لهم من المناصب والمآكل‏,‏ التي يتوهمون انقطاعها‏,‏ إن آمنوا بالله ورسوله‏,‏ فاشتروها بآيات الله واستحبوها‏,‏ وآثروها‏.‏

‏{‏وَإِيَّايَ‏}‏ أي‏:‏ لا غيري ‏{‏فَاتَّقُونِ‏}‏ فإنكم إذا اتقيتم الله وحده‏,‏ أوجبت لكم تقواه‏,‏ تقديم الإيمان بآياته على الثمن القليل، كما أنكم إذا اخترتم الثمن القليل‏,‏ فهو دليل على ترحل التقوى من قلوبكم‏.‏



ثم قال‏:‏ ‏{‏وَلَا تَلْبِسُوا‏}‏ أي‏:‏ تخلطوا ‏{‏الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ‏}‏ فنهاهم عن شيئين‏,‏ عن خلط الحق بالباطل‏,‏ وكتمان الحق؛ لأن المقصود من أهل الكتب والعلم‏,‏ تمييز الحق‏,‏ وإظهار الحق‏,‏ ليهتدي بذلك المهتدون‏,‏ ويرجع الضالون‏,‏ وتقوم الحجة على المعاندين؛ لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته‏,‏ ليميز الحق من الباطل‏,‏ ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم‏,‏ فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم‏.‏

ومن لبس الحق بالباطل‏,‏ فلم يميز هذا من هذا‏,‏ مع علمه بذلك‏,‏ وكتم الحق الذي يعلمه‏,‏ وأمر بإظهاره‏,‏ فهو من دعاة جهنم‏,‏ لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم‏,‏ فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ‏}‏ أي‏:‏ ظاهرا وباطنا ‏{‏وَآتُوا الزَّكَاةَ‏}‏ مستحقيها، ‏{‏وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏ أي‏:‏ صلوا مع المصلين، فإنكم إذا فعلتم ذلك مع الإيمان برسل الله وآيات الله‏,‏ فقد جمعتم بين الأعمال الظاهرة والباطنة‏,‏ وبين الإخلاص للمعبود‏,‏ والإحسان إلى عبيده، وبين العبادات القلبية البدنية والمالية‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏ أي‏:‏ صلوا مع المصلين‏,‏ ففيه الأمر بالجماعة للصلاة ووجوبها، وفيه أن الركوع ركن من أركان الصلاة لأنه عبّر عن الصلاة بالركوع، والتعبير عن العبادة بجزئها يدل على فرضيته فيها‏.‏

‏[‏44‏]‏ ‏{‏أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ‏}‏

‏{‏أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ‏}‏ أي‏:‏ بالإيمان والخير ‏{‏وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ تتركونها عن أمرها بذلك، والحال‏:‏ ‏{‏وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ‏}‏ وأسمى العقل عقلا لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير‏,‏ وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يحث صاحبه أن يكون أول فاعل لما يأمر به‏,‏ وأول تارك لما ينهى عنه، فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله‏,‏ أو نهاه عن الشر فلم يتركه‏,‏ دل على عدم عقله وجهله‏,‏ خصوصًا إذا كان عالما بذلك‏,‏ قد قامت عليه الحجة‏.‏

وهذه الآية‏,‏ وإن كانت نزلت في سبب بني إسرائيل‏,‏ فهي عامة لكل أحد لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ‏}‏ وليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أمر به أنه يترك الأمر بالمعروف‏,‏ والنهي عن المنكر‏,‏ لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين‏:‏ أمر غيره ونهيه‏,‏ وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما‏,‏ لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين‏,‏ والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر‏,‏ فليس في رتبة الأول‏,‏ وهو دون الأخير، وأيضًا فإن النفوس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة‏.‏




‏[‏45 ـ 48‏]‏ ‏{‏وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شيئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏

أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها‏,‏ والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور‏,‏ ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان‏,‏ وتنهى عن الفحشاء والمنكر‏,‏ يستعان بها على كل أمر من الأمور ‏{‏وَإِنَّهَا‏}‏ أي‏:‏ الصلاة ‏{‏لَكَبِيرَةٌ‏}‏ أي‏:‏ شاقة ‏{‏إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ‏}‏ فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع‏,‏ وخشية الله‏,‏ ورجاء ما عنده يوجب له فعلها‏,‏ منشرحا صدره لترقبه للثواب‏,‏ وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك‏,‏ فإنه لا داعي له يدعوه إليها‏,‏ وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه‏.‏

والخشوع هو‏:‏ خضوع القلب وطمأنينته‏,‏ وسكونه لله تعالى‏,‏ وانكساره بين يديه‏,‏ ذلا وافتقارا‏,‏ وإيمانا به وبلقائه‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَظُنُّونَ‏}‏ أي‏:‏ يستيقنون ‏{‏أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ‏}‏ فيجازيهم بأعمالهم ‏{‏وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ‏}‏ فهذا الذي خفف عليهم العبادات وأوجب لهم التسلي في المصيبات‏,‏ ونفس عنهم الكربات‏,‏ وزجرهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربه‏,‏ كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشق شيء عليه‏.‏

ثم كرر على بني إسرائيل التذكير بنعمته‏,‏ وعظا لهم‏,‏ وتحذيرا وحثا‏.‏



وخوفهم بيوم القيامة الذي ‏{‏لَا تَجْزِي‏}‏ فيه، أي‏:‏ لا تغني ‏{‏نَفْسٌ‏}‏ ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين ‏{‏عَنْ نَفْسٍ‏}‏ ولو كانت من العشيرة الأقربين ‏{‏شيئًا‏}‏ لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه‏.‏

‏{‏وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا‏}‏ أي‏:‏ النفس‏,‏ شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له‏,‏ ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه، وكان على السبيل والسنة، ‏{‏وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ‏}‏ أي‏:‏ فداء ‏{‏ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب‏}‏ ولا يقبل منهم ذلك ‏{‏وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏ أي‏:‏ يدفع عنهم المكروه، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه، فقوله‏:‏ ‏{‏لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شيئًا‏}‏ هذا في تحصيل المنافع، ‏{‏وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ‏}‏ هذا في دفع المضار‏,‏ فهذا النفي للأمر المستقل به النافع‏.‏

‏ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل‏}‏ هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض‏,‏ كالعدل‏,‏ أو بغيره‏,‏ كالشفاعة، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين‏,‏ لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع‏,‏ وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع‏,‏ ويدفع المضار‏,‏ فيعبده وحده لا شريك له











رد مع اقتباس
قديم 2015-03-17, 08:47   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
هديل نور
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية هديل نور
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك وجزاك الجنة










رد مع اقتباس
قديم 2015-03-21, 19:34   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
زينب 83
مشرف منتديات الطبخ
 
الأوسمة
أحسن موضوع المرتبة الثالثة افضل تقرير ديكوري نجمة المطبخ 
إحصائية العضو










افتراضي

‏[‏58 ـ 59‏]‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ‏}‏

وهذا أيضًا من نعمته عليهم بعد معصيتهم إياه‏,‏ فأمرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا ومسكنا‏,‏ ويحصل لهم فيها الرزق الرغد، وأن يكون دخولهم على وجه خاضعين لله فيه بالفعل‏,‏ وهو دخول الباب ‏{‏سجدا‏}‏ أي‏:‏ خاضعين ذليلين، وبالقول وهو أن يقولوا‏:‏ ‏{‏حِطَّةٌ‏}‏ أي أن يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم إياه مغفرته‏.‏

‏{‏نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ‏}‏ بسؤالكم المغفرة، ‏{‏وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ بأعمالهم‏,‏ أي‏:‏ جزاء عاجل وآجلا‏.‏

‏{‏فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا‏}‏ منهم‏,‏ ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا ‏{‏قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ‏}‏ فقالوا بدل حطة‏:‏ حبة في حنطة، استهانة بأمر الله‏,‏ واستهزاء وإذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى، ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم‏,‏ ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم، قال‏:‏ ‏{‏فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا‏}‏ منهم ‏{‏رِجْزًا‏}‏ أي‏:‏ عذابا ‏{‏مِنَ السَّمَاءِ‏}‏ بسبب فسقهم وبغيهم‏.‏

‏[‏60‏]‏ ‏{‏وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ‏}‏

استسقى‏,‏ أي‏:‏ طلب لهم ماء يشربون منه‏.‏

‏{‏فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ‏}‏ إما حجر مخصوص معلوم عنده‏,‏ وإما اسم جنس، ‏{‏فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا‏}‏ وقبائل بني إسرائيل اثنتا عشرة قبيلة، ‏{‏قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ‏}‏ منهم ‏{‏مَشْرَبَهُمْ‏}‏ أي‏:‏ محلهم الذي يشربون عليه من هذه الأعين‏,‏ فلا يزاحم بعضهم بعضًا‏,‏ بل يشربونه متهنئين لا متكدرين‏,‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ الذي آتاكم من غير سعي ولا تعب، ‏{‏وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ‏}‏ أي‏:‏ تخربوا على وجه الإفساد‏.‏

‏[‏61‏]‏ ‏{‏وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ‏}‏

أي‏:‏ واذكروا‏,‏ إذ قلتم لموسى‏,‏ على وجه التملل لنعم الله والاحتقار لها، ‏{‏لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ‏}‏ أي‏:‏ جنس من الطعام‏,‏ وإن كان كما تقدم أنواعا‏,‏ لكنها لا تتغير، ‏{‏فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا‏}‏ أي‏:‏ نباتها الذي ليس بشجر يقوم على ساقه، ‏{‏وَقِثَّائِهَا‏}‏ وهو الخيار ‏{‏وَفُومِهَا‏}‏ أي‏:‏ ثومها، والعدس والبصل معروف، قال لهم موسي ‏{‏أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى‏}‏ وهو الأطعمة المذكورة، ‏{‏بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ‏}‏ وهو المن والسلوى‏,‏ فهذا غير لائق بكم، فإن هذه الأطعمة التي طلبتم‏,‏ أي مصر هبطتموه وجدتموها، وأما طعامكم الذي من الله به عليكم‏,‏ فهو خير الأطعمة وأشرفها‏,‏ فكيف تطلبون به بدلا‏؟‏

ولما كان الذي جرى منهم فيه أكبر دليل على قلة صبرهم واحتقارهم لأوامر الله ونعمه‏,‏ جازاهم من جنس عملهم فقال‏:‏ ‏{‏وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ‏}‏ التي تشاهد على ظاهر أبدًانهم ‏{‏وَالْمَسْكَنَةُ‏}‏ بقلوبهم، فلم تكن أنفسهم عزيزة‏,‏ ولا لهم همم عالية‏,‏ بل أنفسهم أنفس مهينة‏,‏ وهممهم أردأ الهمم، ‏{‏وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ لم تكن غنيمتهم التي رجعوا بها وفازوا‏,‏ إلا أن رجعوا بسخطه عليهم‏,‏ فبئست الغنيمة غنيمتهم‏,‏ وبئست الحالة حالتهم‏.‏

‏{‏ذَلِكَ‏}‏ الذي استحقوا به غضبه ‏{‏بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ‏}‏ الدالات على الحق الموضحة لهم‏,‏ فلما كفروا بها عاقبهم بغضبه عليهم‏,‏ وبما كانوا ‏{‏يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ‏}‏

وقوله‏:‏ ‏{‏بِغَيْرِ الْحَقِّ‏}‏ زيادة شناعة‏,‏ وإلا فمن المعلوم أن قتل النبي لا يكون بحق‏,‏ لكن لئلا يظن جهلهم وعدم علمهم‏.‏

‏{‏ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا‏}‏ بأن ارتكبوا معاصي الله ‏{‏وَكَانُوا يَعْتَدُونَ‏}‏ على عباد الله‏,‏ فإن المعاصي يجر بعضها بعضًا، فالغفلة ينشأ عنها الذنب الصغير‏,‏ ثم ينشأ عنه الذنب الكبير‏,‏ ثم ينشأ عنها أنواع البدع والكفر وغير ذلك‏,‏ فنسأل الله العافية من كل بلاء‏.‏

واعلم أن الخطاب في هذه الآيات لأمة بني إسرائيل الذين كانوا موجودين وقت نزول القرآن‏,‏ وهذه الأفعال المذكورة خوطبوا بها وهي فعل أسلافهم‏,‏ ونسبت لهم لفوائد عديدة، منها‏:‏ أنهم كانوا يتمدحون ويزكون أنفسهم‏,‏ ويزعمون فضلهم على محمد ومن آمن به، فبين الله من أحوال سلفهم التي قد تقررت عندهم‏,‏ ما يبين به لكل أحد ‏[‏منهم‏]‏ أنهم ليسوا من أهل الصبر ومكارم الأخلاق‏,‏ ومعالي الأعمال، فإذا كانت هذه حالة سلفهم، مع أن المظنة أنهم أولى وأرفع حالة ممن بعدهم فكيف الظن بالمخاطبين‏؟‏‏"‏‏.‏

ومنها‏:‏ أن نعمة الله على المتقدمين منهم‏,‏ نعمة واصلة إلى المتأخرين‏,‏ والنعمة على الآباء‏,‏ نعمة على الأبناء، فخوطبوا بها‏,‏ لأنها نعم تشملهم وتعمهم‏.‏

ومنها‏:‏ أن الخطاب لهم بأفعال غيرهم‏,‏ مما يدل على أن الأمة المجتمعة على دين تتكافل وتتساعد على مصالحها‏,‏ حتى كان متقدمهم ومتأخرهم في وقت واحد‏,‏ وكان الحادث من بعضهم حادثا من الجميع‏.‏

لأن ما يعمله بعضهم من الخير يعود بمصلحة الجميع‏,‏ وما يعمله من الشر يعود بضرر الجميع‏.‏

ومنها‏:‏ أن أفعالهم أكثرها لم ينكروها‏,‏ والراضي بالمعصية شريك للعاصي، إلى غير ذلك من الحِكَم التي لا يعلمها إلا الله










رد مع اقتباس
قديم 2015-03-21, 19:51   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
زينب 83
مشرف منتديات الطبخ
 
الأوسمة
أحسن موضوع المرتبة الثالثة افضل تقرير ديكوري نجمة المطبخ 
إحصائية العضو










افتراضي

‏[‏62‏]‏ ثم قال تعالى حاكما بين الفرق الكتابية‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏

وهذا الحكم على أهل الكتاب خاصة‏,‏ لأن الصابئين‏,‏ الصحيح أنهم من جملة فرق النصارى، فأخبر الله أن المؤمنين من هذه الأمة‏,‏ واليهود والنصارى‏,‏ والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر‏,‏ وصدقوا رسلهم‏,‏ فإن لهم الأجر العظيم والأمن‏,‏ ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأما من كفر منهم بالله ورسله واليوم الآخر‏,‏ فهو بضد هذه الحال‏,‏ فعليه الخوف والحزن‏.‏

والصحيح أن هذا الحكم بين هذه الطوائف‏,‏ من حيث هم‏,‏ لا بالنسبة إلى الإيمان بمحمد‏,‏ فإن هذا إخبار عنهم قبل بعثة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن هذا مضمون أحوالهم، وهذه طريقة القرآن إذا وقع في بعض النفوس عند سياق الآيات بعض الأوهام‏,‏ فلا بد أن تجد ما يزيل ذلك الوهم‏,‏ لأنه تنزيل مَنْ يعلم الأشياء قبل وجودها‏,‏ ومَنْ رحمته وسعت كل شيء‏.‏

وذلك والله أعلم ـ أنه لما ذكر بني إسرائيل وذمهم‏,‏ وذكر معاصيهم وقبائحهم‏,‏ ربما وقع في بعض النفوس أنهم كلهم يشملهم الذم، فأراد الباري تعالى أن يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه، ولما كان أيضًا ذكر بني إسرائيل خاصة يوهم الاختصاص بهم‏.‏ ذكر تعالى حكما عاما يشمل الطوائف كلها‏,‏ ليتضح الحق‏,‏ ويزول التوهم والإشكال، فسبحان من أودع في كتابه ما يبهر عقول العالمين‏.‏

ثم عاد تبارك وتعالى يوبخ بني إسرائيل بما فعل سلفهم‏:‏

‏[‏63 ـ 64‏]‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏

أي‏:‏ واذكروا ‏{‏إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ‏}‏ وهو العهد الثقيل المؤكد بالتخويف لهم‏,‏ برفع الطور فوقهم وقيل لهم‏:‏ ‏{‏خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ‏}‏ من التوراة ‏{‏بِقُوَّةٍ‏}‏ أي‏:‏ بجد واجتهاد‏,‏ وصبر على أوامر الله، ‏{‏وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ‏}‏ أي‏:‏ ما في كتابكم بأن تتلوه وتتعلموه، ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏}‏ عذاب الله وسخطه‏,‏ أو لتكونوا من أهل التقوى‏.‏

فبعد هذا التأكيد البليغ ‏{‏تَوَلَّيْتُمْ‏}‏ وأعرضتم‏,‏ وكان ذلك موجبا لأن يحل بكم أعظم العقوبات، ولكن ‏{‏لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏}‏

‏[‏65 ـ 66‏]‏ ‏{‏وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ‏}‏

أي‏:‏ ولقد تقرر عندكم حالة ‏{‏الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ‏}‏ وهم الذين ذكر الله قصتهم مبسوطة في سورة الأعراف في قوله‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ‏}‏ الآيات‏.‏

فأوجب لهم هذا الذنب العظيم‏,‏ أن غضب الله عليهم وجعلهم ‏{‏قِرَدَةً خَاسِئِينَ‏}‏ حقيرين ذليلين‏.‏

وجعل الله هذه العقوبة ‏{‏نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا‏}‏ أي‏:‏ لمن حضرها من الأمم‏,‏ وبلغه خبرها‏,‏ ممن هو في وقتهم‏.‏ ‏{‏وَمَا خَلْفَهَا‏}‏ أي‏:‏ من بعدهم‏,‏ فتقوم على العباد حجة الله‏,‏ وليرتدعوا عن معاصيه‏,‏ ولكنها لا تكون موعظة نافعة إلا للمتقين، وأما من عداهم فلا ينتفعون بالآيات‏.‏

‏[‏67 ـ 74‏]‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏


أي‏:‏ واذكروا ما جرى لكم مع موسى‏,‏ حين قتلتم قتيلاً‏,‏ وادارأتم فيه‏,‏ أي‏:‏ تدافعتم واختلفتم في قاتله‏,‏ حتى تفاقم الأمر بينكم وكاد ـ لولا تبيين الله لكم ـ يحدث بينكم شر كبير، فقال لكم موسى في تبيين القاتل‏:‏ اذبحوا بقرة، وكان من الواجب المبادرة إلى امتثال أمره‏,‏ وعدم الاعتراض عليه، ولكنهم أبوا إلا الاعتراض‏,‏ فقالوا‏:‏ ‏{‏أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا‏}‏ فقال نبي الله‏:‏ ‏{‏أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ‏}‏ فإن الجاهل هو الذي يتكلم بالكلام الذي لا فائدة فيه‏,‏ وهو الذي يستهزئ بالناس، وأما العاقل فيرى أن من أكبر العيوب المزرية بالدين والعقل‏,‏ استهزاءه بمن هو آدمي مثله، وإن كان قد فضل عليه‏,‏ فتفضيله يقتضي منه الشكر لربه‏,‏ والرحمة لعباده‏.‏ فلما قال لهم موسى ذلك‏,‏ علموا أن ذلك صدق فقالوا‏:‏ ‏{‏ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ‏}‏

أي‏:‏ ما سنها‏؟‏ ‏{‏قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ‏}‏ أي‏:‏ كبيرة ‏{‏وَلَا بِكْرٌ‏}‏ أي‏:‏ صغيرة ‏{‏عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ‏}‏ واتركوا التشديد والتعنت‏.‏

‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا‏}‏ أي‏:‏ شديد ‏{‏تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏}‏ من حسنها‏.‏

‏{‏قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا‏}‏ فلم نهتد إلى ما تريد ‏{‏وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ‏}‏










رد مع اقتباس
قديم 2015-12-25, 17:50   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
زهرة الروابي
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية زهرة الروابي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا جزيلا










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, القران, بالفوج, تفسير, صفحة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:51

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc