الحب.. الزواج.. شريك العمر، كلمات طالما تحلم بها حواء وتنتظرها، إلا أن الانتظار قد يطول، حين ذلك يداهمها هاجس اسمه "العنوسة"، فلا تلبث تلك الأحلام أن تنهار، حين ذلك لا تجد إلا أن تُقدِم على ما يخالف الأعراف والتقاليد المتبعة في الزواج, وهو أن تقدم على تطلب يد آدم.
المرأة مطلوبة لا طالبة
وإذا أردنا أن نستعرض آراء بعض الشباب تجاه هذا الموضوع نجد أن آراءهم قد تراوحت بين التمسك بالعقلانية أو الهوائية، فهذه هي هبة ممدوح تقول: أرفض تمامًا هذه الفكرة؛ لأن كرامتي لا تسمح لي بذلك، كيف أرخص من نفسي أمامهم، فالرجال معروف أنهم هم الذين يبدؤون بهذه الخطوة؟!
أما أميرة أحمد فردت بالنفي التام للفكرة قائلة: مستحيل أقدم على هذه الخطوة؛ لأننا لو حدث وتشاجرنا يومًا ما بعد الزواج أو حدث شيء بيننا فإن أول ما سوف يعايرني به زوجي هو قوله: "أنت التي تقدمت لي!!".
ومن جهة أخرى تقول ملك شهبة: أرى أنه إذا كان إنسانًا يستحق وتأكدت من أنه لن يفهمني خطًا وأنه سيقدِّر مشاعري فسوف لا أتردد أن أخطو هذه الخطوة، لكن يبقى هناك عائق اسمه المجتمع، هذا المجتمع الذي سوف يترجم هذه الخطوة وكأنني قد رخصت من قيمتي أمام هذا الشخص.
وتقول ياسمين حسن: إن الناس في مجتمعنا قد اعتادوا على أن الرجل هو مَن يأخذ هذه الخطوة، حتى لو أن فتاة أرادت أن تخطوها فلن تستطيع التصرف، هذا بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يخدعها هذا الشخص أو يستغل ذلك لغرض في نفسه، أو ربما لأنها لا تعرف شخصيته وحقيقته، حينئذ سوف لا تلوم إلا نفسها، ولن يرحمها أحد.
عقلية الشباب
أحمد جمال –طبيب يقول: رأيي الشخصي: نعم، أقبل، وهو ما حدث بالفعل، فأتذكر أن سبب خطوبتي أن خطيبتي كانت معي بعمل تطوعي ما، وكنت أفكر بشدة في أمر الارتباط بها، ولكن لم أبدِ لها أي شيء، وكنا نلتزم جدًّا في حديثنا الآداب الشرعية والمنطقية العقلية حتى طلبت مني ذات يوم أخذ رأي بتدوينه لها قبل نشرها، وكانت مثل رسالة غير مباشرة نهائيًّا فاستأذنتها حينها بأن لا تنشرها وتقدمت لخطبتها.
ويؤكد أحمد بأن هناك فروقًا فردية، فليس كل شاب يتقبل هذا الأمر ويقدّره، فعقلية العامة من الشباب والغالبية منهم بالنسبة لهم هذا الأمر مرفوض، ويُسقِط الفتاة من نظرِه، والشيطان يلعب برأسه في أمور لا أصل ولا أساس لها أصلًا، ويخاف من الإقدام على مثل هذا الأمر، فالشاب يريد أن يكون طالبًا لا مطلوبًا، فإن طُلب ظن أنه الأعلى.
أما هشام، طبيب أسنان، فيقول: كانت أخت تتابع لديّ، وسألتني عن عدم الزواج إلى الآن، فقلت لها: أبحث عن مواصفات كذا كذا، فكان ردّها بأن تلك الموصفات بها، فطرحت عليها نفس سؤالها، وأنتِ لمَ لمْ تتزوجي حتى الآن؟ فقالت: أبحث عن شخص ذي التزام وخلُق وعلم، فتقدمتُ إلى خطبتها في المساء، والآن نعيش حياةً سعيدة.
إصلاح مفاهيم المجتمع
عبد الرحمن نجم أبدى اعتراضه على العرف السائد بأن الرجل لا بدّ أن تكون المبادرة في هذا الأمر من قِبله هو، معللًا ذلك بقوله: "الرجل طالب ومطلوب والمرأة كذلك"، وإذا كانت من أقدمت على هذه الخطوة غير مناسبة بالنسبة لي فسأخبرها بذلك، لكن بطريقة دبلوماسية حتى لا أجرحها، ولو تمت الموافقة من قِبلي فلن أذكر لها هذا الأمر في المستقبل لأني مشتركٌ معها فيه بموافقتي على طلبها من البداية، فمن المستحيل أن أعايرها بأنها طلبت العفة لها ولي.
لا أحد في إيمان موسى
ويؤكد رجب أبو مليح (أستاذ الشريعة ومستشار شرعي) أنه لا مانع شرعًا أن تقدم الفتاة باللجوء للتعريض بالزواج، ولكن ليس مباشرة، بل عن طريق وسيط، ولكن الواقع والعرف يرفض المسألة، فقد تعارف لدى الشعوب العربية أن المرأة مطلوبة لا طالبة.
وأشار أبو مليح إلى أنه لا أحد سيكون في إيمان سيدنا موسى، سواء قبل أو رفض، ويصون هذا الأمر ولا يتحدث فيه أمام الناس، فإذا لجأت الفتاة لوسيط يجب أن يكون موثوقًا فيه وذا عقل راجح، بحيث لو يرى أن الشاب لا يناسبها يخبرها بذلك، وإذا كان مناسبا فيكون العرض بطريقة لا يظهر فيها الفتاة في الصورة، فإذا قبل الشاب فخيرًا، وإن لم يقبل فنكون قد صُنَّا الفتاة ورفعنا عنها الحرج، فالوسيط يكون شخصا مذللًا للصعوبات والعقبات، بحيث أنه لو وجدهما مناسبين يقنع الشاب بحكمة بتلك الفتاة، حينها سيظهر على أنه هو المتقدم لها وليس العكس، كما كان الوضع، لكن إذا كانت عرضت الزواج هي بنفسها فيمكن لضعاف النفوس من الشباب أن يستغل الأمر ويعدها بالزواج ويتسلى بها ثم يتركها، ولا تستطيع أحد حينها على إجباره بطلب يدها، فهذا سيكون بمثابة إهدار للكرامة.
الأكلشيهات المستوردة المشبوهة
وتؤكد نجلاء محفوظ (استشاريه اجتماعيه) أن بعض الفتيات تقع تحت التأثير السلبي الذي ينادي بتحرير المرأة، تلك الاكلشيهات المستوردة التي يزينوها أمام الفتيات، فيقوم البعض منهن بالإساءة لنفسها، وبذلك يمكن أن تدفع نفسها على شاب "فتي الأحلام" وتعارض وبشدة إذا أخبرها أخوها بأن فتاة طلبته للزواج، وأول كلمة تقولها: "لو تقدم لها أحد غيرك لما أقدمت على هذا"، أو بطريقه أكثر تأدبًا: "احذر منها فإنها جريئة أكثر مما ينبغي".
وتهمس نجلاء بالنصح لأي فتاة تفكر بهذا الأسلوب بكل الود والاحترام وتسألها: لماذا تبخسين من قيمة نفسك وتسمحين لهذا الشاب بالتقرب لك؟ أرى أنك "أغلى"؟.
وتقول محفوظ عن قصة عايشتها امرأة أقدمت على هذه الخطوة وتزوجت: "أهنت نفسي، فهو يُسمعني عند كل خلاف بأني من تقدمت له وجريت خلفه"، فكان أهون عليّ وأكرم أن أظل بدون زواج.
وتشير نجلاء لاستطلاع الرأي من خلال لقاءات تليفزيونيه وإذاعيه، فقد واجهت نسبة كبيرة ممن يدافع عن هذا الأمر ويرحب به من قبل الرجال "طرح الفتاة نفسها للزواج" فكان سؤالي: "هل ترضى لأختك هذا؟" فكانت الإجابة جماعية كما كان القبول جماعيا، لكن مع اختلاف الرد هذه المرة، فكان "لا"، لذا فكان القبول في بادئ الأمر مجرد إرضاء لغرور الرجل، ولكن ماذا بعد إرضاء الغرور البحث عن أخرى لإرضاء الغرور؟ وفي الوقت نفسه إذا أعجبت الفتاة بشاب يجب أن تتأكد إن كان مرتبطًا أم لا، فبعض الشباب العابس يستغل الأمر بشكل مهين عاطفيًا وجسديًا، فيلقي بطعم الزواج على أكبر عدد من التنازلات الجسدية، وأما الفتاة التي تشعر بالإعجاب وصيانة نفسها لا يوجد أمامها سوى حل، ولا أرحب به، ألا وهو وساطة سيدة أمينة للغاية، لكي تلفت نظر الشاب إليها، وأرفض أن تلجأ لرجل مهما كان قربه لأنه سيسيء لها، ولأن من أسس الزواج الناجح أن يبذل الشاب الجهد ليفوز بها ويكون كلا الطرفين مقتنعا.
القدوة الحسنة
وتقول ماجدة شحاتة (استشاريه اجتماعيه): إنه لابد قبل أن نجيب بنفي أو إثبات أن نفهم طبيعة الشيء ومقتضى هذه الطبيعة، ثم بعد ذلك نطبق ما يراد إنزاله على الشيء، من حيث اتفاقه أو اختلافه معه. فالقاعدة العامة هي ما يقاس عليه والاستثناء ليس محلًا للمطالبة بالتعميم، ولا يعد مسوغًا أو مبررًا للإطلاق. فقد خلق الله الإنسان ذكرًا وأنثى، وهيأ فيه كل نوازع ميل كل للآخر، وظل الرجل هو الطالب والراغب، والمرأة هي المطلوبة والمرغوبة على الدوام، مما لا ينافي الفطرة البشرية على مدى عصورها، واختلاف أديانها ومعتقداتها. فالنساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال، وبرغم عدم الاستغناء إلا أن الرجل ظل في مكانه هو الباحث عنها بمقتضى تركيبه الغريزي، وظلت هي لا تبرح مكانها في انتظاره راغبًا وطالبًا.
وتؤكد ماجدة بأنه يجب الاعتداد بابنة سيدنا شعيب، برغم أنها لم تصرح لسيدنا موسى، بل جاءت تزكيتها له في سياق خاص، وهو رغبتها في التخفف من مهمة الخروج للسقيا، وكان هذا على غير عادة القوم، إذن لا يمكن الجزم بأنها أشارت إلى استعماله من أجل أن تتزوجه أو تلميحا لأبيها بالزواج منه، وعلى صحة هذا التوجه فهي لم تتوجه للرجل مباشرة ـ سيدنا موسى ـ بل غلفت رغبتها إن صحت بطلبها استعماله في كفايتها وأختها مئونة الخروج، وكون سيدنا شعيب فطن لذلك من ابنته، فهو أيضًا عرض ابنتيه ليختار هو، هذا هو الصحيح في الاختيار، إذا جاء من أب يتلمس الصلاح فيمن رضيه زوجًا لابنته.
وتشير ماجدة شحاتة إلى أن ما حدث مع أمِّنا خديجة رضي الله عنها هو توفيق إلهي، لكنه سار أيضًا بضبط يحفظ للمرأة حياءها وكرامتها، فقد ارتضته صلى اله عليه وسلم زوجًا لما رجحته فيه نتيجة رصد حي وواقعي من خلال الخير، وأوحت برغبتها لصديقة لها، والأخيرة قامت بالمهمة في وعي تام بما يحفظ لخديجة رضي الله عنها الكرامة. إذن هي حالة خاصة لرسالة إلهية تمت على عين الله وتوفيقه. فلا يقاس عليها إلا بشروطها وكمال ضبطها وحرصها على حياء وكرامة المرأة.
وتؤكد ماجدة أن المسألة ليست إعجابًا، بل يجب أن تكون تحققًا من خلق ودين قام عليه اختيارها وميلها إلى الشاب، ودوافع لجوء الفتاة لهذا يرجع بالطبع إلى انفتاح إعلامي ومجتمعي أدى إلى بروز ظواهر وأخلاق جرأت على خطاب المرأة للرجل وخطابه إليها. ثم انعكست دعاوى المساواة على ممارسات لم تكن معهودة في حدود العلاقة بينهما. ولاشك أن البطالة تسببت في اغتنام الفتاة فرصة شاب مؤهل للزواج، حتى لا يطول أمد انتظارها لقادم قد لا يأتي. وبالطبع فإن الاختلاط يظل السبب الرئيس في تعرف المرأة على الرجل والمقارنة بينه وبين غيره، والوقوف على سلبياته أو إيجابياته، واللجوء للوسيط لابد أن يتسم بوعي وأمانة، لتحقق المهمة في ستر وحفظ للكرامة. وأعتقد أن هذه المهمة محفوفة بكثير من المخاطر، نظرا لسطحية الفتيات ونقص النضج النفسي والعقلي، ليقوم الاختيار على مبادئ وليس على هوى. ثم هي مهمة مهددة بعدم قبول الرجل لامرأة من هذا النوع، فالمجتمع لا يتقبل مثل هذا السلوك، ويسيء الظن بصاحبته إن لم تكن رغبتها كانت عن طريق أحد الوالدين أو الإخوة الذكور. الفتاة وحدها لا تستطيع تقدير ما يناسبها، وخاصة في مسألة الزواج، يمكنها أن تلمح أو تصرح لطرف من أهلها على أن يتولى هو هذه المهمة بشكل محترم.