أنواعُ الصِّفاتِ
يُمكِنُ تقسيمُ صِفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ إلى ثلاثةِ أقسامٍ :
أوَّلًا: باعتبارِ إثباتِها ونَفْيِها.
ثانيًا: باعتبارِ تعلُّقِها بذاتِ اللهِ وأفعالِه.
ثالثًا: باعتبارِ ثُبوتِها وأدلَّتِها.
وكلُّ قسمٍ مِن هذه الأقسامِ الثَّلاثةِ ينقسِمُ إلى نوعينِ:
أولًا: باعتبارِ إثباتِها ونَفْيِها
أ - صِفاتٌ ثُبوتيَّةٌ:
هي ما أثبَتَه اللهُ سُبحانَه وتعالى لنَفْسِه، أو أثبَتَه له رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ كالاستواءِ، والنُّزولِ، والوجهِ، واليَدِ، وكلُّها صِفاتُ مَدْحٍ وكَمالٍ، وهي أغلَبُ الصِّفاتِ المنصوصِ عليها في الكِتابِ والسُّنَّةِ، ويجبُ إثباتُها.
قال عبدُ العزيز الكنانيُّ: (إنَّ على النَّاسِ كُلِّهم جميعًا أن يُثبِتوا ما أثبت اللهُ، ويَنفُوا ما نفى الله، ويُمسِكوا عمَّا أمسك اللهُ عنه) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الرَّبُّ تعالى موصوفٌ بالصِّفاتِ الثُّبوتيَّةِ المُتَضَمِّنةِ لكَمالِه) .
ب- صِفاتٌ سَلبيَّةٌ (مَنفيَّةٌ):
هي ما نفاه اللهُ عن نَفْسه، أو نفاه عنه رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكلُّها صِفاتُ نَقْصٍ؛ كالموتِ، والسِّنَةِ، والنَّومِ، والظُّلمِ... وغالبًا تأتي في الكِتاب أو السُّنَّة مسبوقةً بأداةِ نَفْيٍ، مِثلُ: (لا)، و(ما)، و(ليس)، وهذه تُنفَى عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ويُثبَتُ ضِدُّها مِن الكَمالِ.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (اللهُ موصوفٌ بصِفاتِ الكَمالِ الثُّبوتيَّةِ، كالحياةِ، والعِلْمِ، والقُدرةِ، فيَلزَمُ من ثُبوتِها سَلبُ صِفاتِ النَّقصِ، وهو سُبحانَه لا يُمدَحُ بالصِّفاتِ السَّلبيَّةِ إلَّا لتضَمُّنِها المعانيَ الثُّبوتيَّةَ، فإنَّ العَدَمَ المحْضَ والسَّلْبَ الصِّرْفَ لا مَدْحَ فيه ولا كَمالَ؛ إذ كان المعدومُ يُوصَفُ بالعَدَمِ المحْضِ، والعَدَمُ نَفيٌ مَحْضٌ لا كَمالَ فيه، إنَّما الكَمالُ في الوُجودِ.
ولهذا جاء كتابُ اللهِ تعالى على هذا الوَجهِ، فيَصِفُ سُبحانَه نَفْسَه بالصِّفاتِ الثُّبوتيَّةِ؛ صِفاتِ الكَمالِ، وبصِفاتِ السَّلبِ المُتَضَمِّنةِ للثُّبوتِ، كقَولِه: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255] ، فنَفيُ أخذِ السِّنَةِ والنَّومِ يَتضَمَّنُ كَمالَ حياتِه وقَيُّومِيَّتِه؛ إذ النَّومُ أخو الموتِ؛ ولهذا كان أهلُ الجَنَّةِ لا ينامونَ، مع كَمالِ الرَّاحةِ، كما لا يموتونَ. والقَيُّومُ: القائِمُ المُقيمُ لِما سِواه، فلو جُعِلَت له سِنَةٌ أو نومٌ، لنقَصَت حياتُه وقَيُّوميَّتُه، فلم يكُنْ قائِمًا، ولا قيُّومًا) .
وقال ابنُ عَرَفةَ المالكيُّ: (إنَّ الصِّفاتِ قِسمان: ثبوتيَّةٌ وسَلبيَّةٌ، والصِّفاتُ السَّلبيَّةُ أسهَلُ من الصِّفاتِ الثبوتيَّةِ، ولأجْلِ هذا لم يخالِفْ أحدٌ في السَّلبيَّةِ، واختلفوا في الثُّبوتيَّة؛ فأنكرها المعتَزِلةُ، وأثبتها أهلُ السُّنَّةِ) .
وقال محمود الألوسي في تفسيرِ سورةِ الإخلاصِ: (ذكَرَ بَعضُهم أنَّ الاسمَ الجليلَ اللَّهُ يدُلُّ على جميعِ صِفاتِ الكَمالِ، وهي الصِّفاتُ الثبوتيَّةُ، ويقالُ لها صفاتُ الإكرامِ أيضًا، والأحَدُ يدُلُّ على جميعِ صفاتِ الجَلالِ، وهي الصِّفاتُ السَّلبيَّةُ) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (الصِّفاتُ قِسمانِ:
1 - صِفاتٌ مُثبَتةٌ: وتُسَمَّى عندهم: الصِّفاتِ الثُّبوتيَّةَ.
2 - وصِفاتٌ مُنفيَّةٌ: ويُسَمُّونَها: الصِّفاتِ السَّلبيَّةَ، من السَّلبِ، وهو النَّفيُ، ولا حَرَجَ من أن نسَمِّيَها سَلبيَّةً، وإن كان بعضُ النَّاسِ توقَّفَ، وقال: لا نُسَمِّيها سَلبيَّةً، بل نقولُ: مَنفيَّةٌ.
فنقولُ: ما دام السَّلبُ في اللُّغةِ بمعنى النَّفيِ، فالاختِلافُ في اللَّفظِ، ولا يَضُرُّ) .
ثانيًا: باعتبارِ تعلُّقِها بذاتِ اللهِ وأفعالِه
أ - صِفاتٌ ذاتِيَّةٌ:
هي الَّتي لم يَزَلْ ولا يَزالُ اللهُ متَّصِفًا بها؛ كالعِلمِ، والقُدرةِ، والحياةِ، والوَجْهِ، واليدينِ.
قال الطحاوي: (ما زال بصِفاتِه قديمًا قَبلَ خَلْقِه، لم يَزدَدْ بكَونهِم شيئًا لم يكُنْ قَبْلَهم مِن صِفاتِه، وكما كان بصِفاتِه أزَلِيًّا كذلك لا يَزالُ عليها أبدِيًّا، ليس بعد خَلْقِ الخَلقِ استفادَ اسمَ الخالِقِ، ولا بإحداثِ البَريَّةِ استفادَ اسمَ الباري) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (الرَّبُّ تعالى لم يَزَلْ ولا يَزالُ موصوفًا بصِفاتِ الكَمالِ، مَنعوتًا بنُعوتِ الجَلالِ والإكرامِ، وكَمالُه مِن لوازمِ ذاتِه، فيمتَنِعُ أن يَزولَ عنه شيءٌ من صِفاتِ كَمالِه، ويمتَنِعُ أن يصيرَ ناقصًا بعد كَمالِه. وهذا الأصلُ عليه قَولُ السَّلَفِ وأهلِ السُّنَّةِ: أنَّه لم يَزَلْ متكَلِّمًا إذا شاء، ولم يَزَلْ قادِرًا، ولم يَزَلْ موصوفًا بصِفاتِ الكَمالِ، ولا يزالُ كذلك، فلا يكونُ متغَيِّرًا) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (لا رَيبَ أنَّ اللهَ تبارك وتعالى لم يَزَلْ ولا يَزالُ موصوفًا بصِفاتِ الكَمالِ المشتَقَّةِ أسماؤُه منها، فلم يَزَلْ بأسمائِه وصِفاتِه، وهو إلهٌ واحِدٌ، له الأسماءُ الحُسْنى والصِّفاتُ العُلا، وأسماؤُه وصِفاتُه داخِلةٌ في مُسَمَّى اسمِه، وإن كان لا يُطلَقُ على الصِّفةِ أنَّها إلهٌ يَخلُقُ ويَرزُقُ، فليست صِفاتُه وأسماؤُه غَيرَه، وليست هي نَفْسَ الإلهِ، وبَلاءُ القَومِ مِن لَفظةِ الغَيرِ؛ فإنَّه يُرادُ بها مَعنَيَينِ؛ أحدُهما: المغايِرُ لتلك الذَّاتِ المسَمَّاةِ باللهِ، وكُلُّ ما غايَرَ اللهَ مُغايرةً مَحْضةً بهذا الاعتبارِ فلا يكونُ إلَّا مخلوقًا. ويُرادُ به مُغايرةُ الصِّفةِ للذَّاتِ إذا خرَجَت عنها، فإذا قيل: عِلمُ اللهِ وكلامُ اللهِ غَيرُه، بمعنى: أنَّه غيرُ الذَّاتِ المجَرَّدةِ عن العِلْمِ والكلامِ؛ كان المعنى صحيحًا، ولكِنَّ الإطلاقَ باطِلٌ، وإذا أُريدَ أنَّ العِلْمَ والكلامَ مُغايِرٌ لحقيقتِه المختَصَّةِ التي امتاز بها عن غَيرِه، كان باطِلًا لفظًا ومعنًى) .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (هو الإلهُ الحَقُّ الكامِلُ في أسمائِه وصِفاتِه، الغَنيُّ عمَّا سِواه، الحميدُ المجيدُ بذاتِه قبل أن يَخلُقَ مَن يَحمَدُه ويَعبُدُه ويُمَجِّدُه، فهو معبودٌ محمودٌ حيٌّ قيُّومٌ، له المُلكُ وله الحمدُ في الأَزَلِ والأَبَدِ، لم يَزَلْ ولا يزالُ موصوفًا بصِفاتِ الجَلالِ، مَنعوتًا بنعوتِ الكَمالِ، وكُلُّ شَيءٍ سِواه فإنَّما كان به، وهو تعالى بنَفْسِه ليس بغَيرِه، فهو القيُّومُ الذي قيامُ كُلِّ شَيءٍ به، ولا حاجةَ به في قيوميَّتِه إلى غيرِه بوَجهٍ مِن الوجوهِ) .
وقال ابنُ أبي العِزِّ:
وحُلولُ الحوادثِ بالرَّبِّ تعالى، المنفيُّ في عِلمِ الكلامِ المذمومِ، لم يَرِدْ نَفيُه ولا إثباتُه في كتابٍ ولا سُنَّةٍ، وفيه إجمالٌ؛ فإن أريدَ بالنَّفيِ أنَّه سُبحانَه لا يَحُلُّ في ذاتِه المقدَّسةِ شَيءٌ مِن مخلوقاتِه المُحْدَثةِ، أو لا يَحدُثُ له وَصفٌ متجَدِّدٌ لم يكُنْ؛ فهذا نفيٌ صَحيحٌ. وإن أريدَ به نَفيُ الصِّفاتِ الاختياريَّةِ، مِن أنَّه لا يَفعَلُ ما يريدُ، ولا يتكَلَّمُ بما شاء إذا شاء، ولا أنَّه يَغضَبُ ويرضى لا كأحَدٍ مِنَ الوَرَى، ولا يُوصَفُ بما وَصَف به نَفْسَه من النُّزولِ والاستواءِ والإتيانِ، كما يَليقُ بجلالِه وعَظَمتِه؛ فهذا نَفيٌ باطِلٌ.
وأهلُ الكَلامِ المذمومِ يُطلِقونَ نَفيَ حُلولِ الحوادِثِ، فيُسَلِّمُ السُّنِّيُّ للمتكَلِّمِ ذلك، على ظَنِّ أنَّه نفى عنه سُبحانَه ما لا يَليقُ بجلالِه، فإذا سَلَّم له هذا النَّفيَ ألزَمَه نَفيَ الصِّفاتِ الاختياريَّةِ وصِفاتِ الفِعلِ، وهو لازمٌ له، وإنَّما أُتِيَ السُّنِّيُّ مِن تسليمِ هذا النَّفيِ المُجمَلِ، وإلَّا فلو استفسَرَ واستَفصَلَ لم ينقَطِعْ معه.
وكذلك مسألةُ الصِّفةِ: هل هي زائدةٌ على الذَّاتِ أم لا؟ لفظُها مُجْمَلٌ... والتَّحقيقُ: أن يُفَرَّقَ بين قَولِ القائِلِ: الصِّفاتُ غيرُ الذَّاتِ، وبين قَولِه: صِفاتُ اللهِ غيرُ اللهِ؛ فإنَّ الثَّانيَ باطِلٌ؛ لأنَّ مُسَمَّى اللهِ يدخُلُ فيه صِفتُه، بخِلافِ مُسَمَّى الذَّاتِ؛ فإنَّه لا يدخُلُ فيه الصِّفاتُ؛ لأنَّ المرادَ أنَّ الصِّفاتِ زائدةٌ على ما أثبَتَه المثبِتونَ مِنَ الذَّاتِ، واللهُ تعالى هو الموصوفُ بالذَّاتِ الموصوفةِ بصِفاتِه اللَّازِمةِ) .
فاللهُ تعالى لم يَزَلْ له يدانِ ووَجهٌ وعَينانِ، لم يَحدُثْ له شَيءٌ من ذلك بعد أنْ لم يكُنْ، ولن ينفَكَّ عن شَيءٍ منه، كما أنَّ اللهَ لم يَزَلْ حَيًّا ولا يزالُ حَيًّا، لم يَزَلْ عالِمًا ولا يزالُ عالِمًا، ولم يَزَل قادِرًا ولا يزالُ قادِرًا، وهكذا، فهو موصوفٌ بذلك أزَلًا وأبَدًا، وتجَدُّدُ المسموعِ لا يَستلزِمُ تجَدُّدَ السَّمعِ، فالإنسانُ مثلًا عندما يَسمَعُ الأذانَ الآن فهذا ليس معناه أنَّه حَدَث له سَمعٌ جديدٌ عند سماعِ الأذانِ، بل سَمْعُه موجودٌ منذ خَلَقَه اللهُ، ولكِنَّ الأشياءَ المسموعةَ هي التي تحدُثُ وتتجَدَّدُ .
ب- صِفاتٌ فِعليَّةٌ:
هي الصِّفاتُ المُتعلِّقةُ بمشيئةِ اللهِ وقُدرتِه؛ إنْ شاء فعَلَ، وإنْ شاء لم يفعَلْ؛ كالمَجيءِ، والنُّزولِ، والغضَبِ، والفَرَحِ، والضَّحِكِ.
قال الباقِلَّاني: (بابُ تفصيلِ صِفاتِ الذَّاتِ مِن صِفاتِ الأفعالِ؛ فإن قال قائلٌ: ففَصِّلوا لي صفاتِ ذاتِه من صِفاتِ أفعالِه؛ لأعرِفَ ذلك. قيل له: صفاتُ ذاتِه هي: التي لم يَزَلْ ولا يزالُ موصوفًا بها، وهي: الحياةُ، والعِلمُ، والقُدرةُ، والسَّمعُ، والبَصَرُ، والكلامُ، والإرادةُ، والبقاءُ، والوَجهُ، والعينانِ، واليَدانِ... وصفاتُ فِعْلِه هي: الخَلقُ، والرِّزقُ، والعَدلُ، والإحسانُ، والتفَضُّلُ، والإنعامُ، والثَّوابُ، والعِقابُ، والحَشرُ، والنَّشرُ، وكُلُّ صِفةٍ كان موجودًا قبل فِعْلِه لها) .
وقال البيهقيُّ: (بابٌ: بيانُ صِفةِ الذَّاتِ وصِفةِ الفِعلِ؛ قال اللهُ جَلَّ ثناؤُه: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم [الحشر: 22 - 24] ، فأشار في هذه الآياتِ إلى فَصلِ أسماءِ الذَّاتِ من أسماءِ الفِعلِ على ما نُبَيِّنهُ، إلى سائِرِ ما ذَكَر في كتابِه من أسماءِ الذَّاتِ وأسماءِ الفِعلِ؛ فلله -عزَّ اسمُه- أسماءٌ وصِفاتٌ، وأسماؤُه صِفاتُه، وصِفاتُه أوصافُه، وهي على قِسمَينِ: أحَدُهما صِفاتُ ذاتٍ، والآخَرُ صِفاتُ فِعلٍ) .
وقال الرازي: (النَّوعُ الثَّالِثُ في تقسيمِ أسماءِ اللهِ: أنَّ صِفاتِ اللهِ تعالى إمَّا أن تكونَ ذاتيَّةً، أو معنويَّةً، أو كانت من صفاتِ الأفعالِ) .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (قال ابنُ بَطَّال: أسماءُ اللهِ تعالى على ثلاثةِ أضرُبٍ؛ أحَدُها: يرجِعُ إلى ذاتِه، وهو اللهُ، والثاني: يرجِعُ إلى صفةٍ قائمةٍ به كالحَيِّ، والثالثُ: يرجِعُ إلى فِعْلِه كالخالِقِ، وطريقُ إثباتِها السَّمعُ، والفَرقُ بين صِفاتِ الذَّاتِ وصِفاتِ الفِعلِ أنَّ صِفاتِ الذَّاتِ قائِمةٌ به، وصفاتِ الفِعلِ ثابتةٌ له بالقُدرةِ، ووجودِ المفعولِ بإرادتِه جَلَّ وعلا) .
وقال علي القاري: (هو مَولانا، نِعْمَ المَولى، ونِعْمَ النَّصيرُ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، وهو متَّصِفٌ بأوصافِ الكَمالِ مِن نُعوتِ الجَلالِ وصِفاتِ الجَمالِ الذَّاتيَّةِ والأفعاليَّةِ، والثبوتيَّة والسَّلبيَّة، فهو كما أنَّه موصوفٌ بأوصافِ الكَمالِ مُنَزَّهٌ عن صفاتِ النُّقصانِ والزَّوالِ) .
وقال ابنُ عُثَيمين: (الصِّفاتُ الثُّبوتيَّةُ تَنقَسِمُ إلى قِسمَينِ: ذاتيَّةٍ، وفِعليَّةٍ.
فالذاتيَّةُ: هي التي لم يَزَلْ ولا يزالُ متَّصِفًا بها؛ كالعِلْمِ، والقُدرةِ، والسَّمعِ، والبَصَرِ، والعِزَّةِ، والحِكمةِ، والعُلُوِّ، والعَظَمةِ. ومنها الصِّفاتُ الخَبَريَّةُ: كالوَجهِ واليَدَينِ والعَينَينِ.
والفِعليَّةُ: هي التي تتعَلَّقُ بمشيئتِه؛ إن شاء فعَلَها، وإن شاء لم يفعَلْها، كالاستواءِ على العَرْشِ، والنُّزولِ إلى السَّماءِ الدُّنيا) .
وأفعالُه سُبحانَه وتعالى نوعانِ:
1- لازمةٌ: كالاستواءِ، والنُّزولِ، والإتيان.
2- مُتعدِّيَةٌ:كالخَلْقِ، والإعطاءِ.
وأفعالُه سُبحانَه وتعالى لا مُنتهَى لها، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27] ، ومِن ثَمَّ فصِفاتُ اللهِ الفِعليَّةُ لا حَصْرَ لها.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (مِن أعظَمِ الأُصولِ مَعرِفةُ الإنسانِ بما نَعَت اللهُ به نَفْسَه؛ منه الصِّفاتُ الفِعليَّةُ كقَولِه في هذه السُّورةِ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق: 2] ، و«الخَلْقُ» مذكورٌ في مواضِعَ كثيرةٍ، وكذلك غيرُه مِن الأفعالِ، وهو نوعانِ: فعلٌ متعَدٍّ إلى مفعولٍ به؛ مِثلُ «خَلَقَ»؛ فإنَّه يقتضي مخلوقًا، وكذلك «رَزقَ»، كقَولِه: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ [الروم: 40] ، وكذلك الهُدى والإضلالُ والتعليمُ والبَعثُ والإرسالُ والتكليمُ، وكذلك ما أخبَرَ به مِن قَولِه: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ، فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ [فصلت: 12] ، وقَولِه: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات: 47]، وقَولِه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة: 22] ، وقَولِه في الآيةِ الأخرى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [غافر: 64] ، وهذا في القُرآنِ كثيرٌ جِدًّا. والأفعالُ اللَّازِمةُ، كقَولِه: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [فصلت: 11] ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ [البقرة: 210] ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام: 158] ، وقوله: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ) .
وقال السَّعْديُّ: (يَصِفونَه بما وَصَف به نَفْسَه، ووصَفَه به رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ؛ كالحياةِ الكامِلةِ، والسَّمعِ والبَصَرِ، وكَمالِ القُدرةِ، والعَظمةِ والكِبرياءِ، والمجْدِ والجَلالِ والجَمالِ، والحَمدِ المُطلَقِ، ومن صِفاتِ الأفعالِ المتعَلِّقةِ بمَشيئتِه وقُدرتِه؛ كالرَّحمةِ، والرِّضا، والسَّخَطِ، والكَلامِ، وأنَّه يتكَلَّمُ بما يشاء كيف يَشاءُ، وكَلِماتُه لا تنفَدُ، ولا تَبِيدُ) .
والصِّفاتُ الفِعليَّةُ مِن حيثُ قيامُها بالذَّاتِ تُسمَّى: صِفاتِ ذاتٍ، ومِن حيث تعلُّقُها بما ينشَأُ عنها مِن الأقوالِ والأفعالِ تُسمَّى: صِفاتِ أفعالٍ، ومِن أمثلةِ ذلك: صفةُ الكلامِ؛ فكلامُ اللهِ عزَّ وجلَّ باعتبارِ أصلِه ونوعِه: صفةُ ذاتٍ، وباعتبارِ آحادِ الكلامِ وأفرادِه: صفةُ فِعلٍ .
ثالثًا: باعتبارِ ثُبوتِها وأدلَّتِها:
أ - صِفاتٌ خَبَريَّةٌ:
هي الصِّفاتُ الَّتي لا سبيلَ إلى إثباتِها إلَّا السَّمعُ والخبَرُ عنِ اللهِ، أو عن رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتُسمَّى: (صِفاتٍ سَمعيَّةً أو نَقليَّةً)، وقد تكونُ ذاتِيَّةً؛ كالوجهِ، واليدَينِ، وقد تكونُ فِعليَّةً؛ كالفرَحِ، والضَّحِكِ.
قال ابنُ عُثَيمين: (الصِّفاتُ الخَبَريَّةُ: هي التي نعتَمِدُ فيها على مجَرَّدِ الخبَرِ، وليست من المعاني المعقولةِ، بل هي من الأمورِ المدرَكةِ بالسَّمعِ المجَرَّدِ فقط، ونظيرُها أو نظيرُ مُسَمَّاها بالنِّسبةِ إلينا أبعاضٌ وأجزاءٌ؛ مِثلُ اليَدِ، والوَجهِ، والعَينِ، والقَدَمِ، والإِصبَعِ، فهذه نُسَمِّيها الصِّفاتِ الخَبَريَّةَ؛ لأنَّها ليست معنًى من المعاني، فاليَدُ غيرُ القُوَّةِ؛ القُوَّةُ معنًى، واليَدُ صِفةٌ مِن نوعٍ آخَرَ، مُسَمَّاها بالنِّسبةِ إلينا أبعاضٌ وأجزاءٌ، فاليَدُ بَعضٌ مِنَّا أو جزءٌ مِنَّا، والوَجهُ كذلك، والعَينُ كذلك.
ولكِنْ بالنِّسبةِ للهِ لا نَقولُ: إنَّها جزءٌ أو بعضٌ؛ لأنَّ البَعضيَّةَ والجُزئيَّةَ لم تَرِدْ بالنِّسبةِ إلى اللهِ لا نفيًا ولا إثباتًا) .
ب - صِفاتٌ سمعيَّةٌ عقليَّةٌ:
هي الصِّفاتُ الَّتي يَشترِكُ في إثباتِها الدَّليلُ السَّمعيُّ (النَّقليُّ)، والدَّليلُ العقليُّ، وقد تكونُ ذاتيَّةً؛ كالحياةِ، والعِلمِ، والقُدرةِ، وقد تكونُ فِعليَّةً؛ كالخَلْقِ، والإعطاءِ.
قال ابنُ عُثَيمين: (مِثالُ ذلك: الرَّحمةُ التي أثبَتَها اللهُ تعالى لنَفْسِه في قَولِه: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الكهف: 58] ، وقَولِه: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس: 107] ؛ فإنَّه يمكِنُ إثباتُها بالعَقلِ، كما دَلَّ عليها السَّمعُ، فيقالُ: الإحسانُ إلى الخَلقِ بما ينفَعُهم ويَدفَعُ عنهم الضَّرَرَ يَدُلُّ على الرَّحمةِ، كدَلالةِ التَّخصيصِ على الإرادةِ، بل هو أبيَنُ وأوضَحُ؛ لظُهورهِ لكُلِّ أحَدٍ) .
منقول موقع الدرر السنية بتصرف