إن الله ﷻ قد جعل للوالدين في حياة المسلم حقا عظيما، ومقاما جليلا لا يضاهيه أي حق أو مقام؛ فهما موطن السعادة والأنس، ومنبع الحنان والدفء، وما يقدمانه من إحسان وجميل لا يكافئه أي إحسان وبر، فحقهما واجب معلوم، وبرهما فرض محتوم، وليس في الدنيا من هو أعظم فضلا وأجزل عطاء من الوالدين،
فبر الوالدين من أعظم وأحب العبادات في دين الإسلام ومختلف الكتب السماوية، ناهيك عن كونه عمل إنساني وواجب لرد الدين الذي قدماه لنا في صغرنا من مشقة في تربيتنا وصعوبة في توفير حياة كريمة لنا.
وبر الوالدين خلق من أخلاق أنبياء الله ﷻ ومن صفات الأنبياء والرسل عليهم السلام، قال تعالى حكاية عن يحيى عليه السلام "وبرا بوالديه"، وعن عيسى عليه السلام: "وبرا بوالدتي" مريم
ومما يحصل عليه الابن ببر والديه استجابة دعاءهما له، كما أن رضا الله ﷻ على عبده من رضا والديه عليه، وبين الله ﷻ أن البر بالأم مقدم على البر بالأب، ودليل ذلك قوله: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن)، لقمان
ودأب الصالحين، وهدى المتقين، وبه تفرج الكروب، وتنفس الهموم والخطوب، وهو سبب للتوفيق والسداد في الدنيا والآخرة، وبه تطيب الحياة والعيشة؛ ومن كان بارا بوالديه كان هانئا رضيا تقيا متواضعا،*
وبر الوالدين شيمة من شيم أهل الفضل الكرام، وباب يقود إلى الجنان؛ لما جاء في الحديث عن النبي -ﷺ- قال: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه"
* أوصى الله ﷻ ببر الوالدين، وحض على ذلك، وورد ذلك في العديد من آيات القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) النساء
حيث قرن الله ﷻ في الآية السابقة بين بر الوالدين وتوحيده وعدم الإشراك به، وقال ابن كثير -رحمه الله- إن من الواجب الإحسان إلى الوالدين؛ لأنهما السبب في وجود الأبناء بعد الله تعالى
* قرن الله تعالى عبادته وشكره بالوصية بالوالدين والبر بهما ، يقول ابن عباس: ثلاث آيات نزلت مقرونات بثلاث، لا تقيل إحداهن من غير قرينتها، ومنها "قوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) لقمان ١٤،
حيث جعل الله ﷻ منزلة بر الوالدين بعد عبادته مباشرة، لندرك أهمية الإحسان إليهما، وحث فيها ﷻ على أهمية الشكر لله وللوالدين، فإن الشكر لله يكون على نعمه التي لا تحصى، أما الشكر للوالدين فيكون لتربيتهما لك تربية حسنة. فمن شكر الله ولم يشكر الوالدين لا يقبل منه***************
* إنه الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل "وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا...."
وقد جاءت الوصية بالإحسان إلى الوالدين بصور متعددة
فقد أمر الله ببر الوالدين الكافرين، لعل البر بهما يكون الطريق إلى إسلامهما، حيث قال الله ﷻ: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون)، فقد بينت الآية أن للولد أن يعصي والديه ولا يطيعهما فقط في حال أمراه بأن يشرك بالله ﷻ، أو أمراه بمعصية؛ فطاعة الله ﷻ فوق طاعة المخلوقين،
مع بقاء المعروف والمعاملة بالحسنى، قال -عز وجل-: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
وقال الإمام القرطبي: أن الآية السابقة تدل على بر الوالدين الكافرين، مع الحرص على دعوتهما إلى الإسلام برفق ولين.
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: "قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش، إذ عاهدوا رسول الله ﷺ ومدتهم مع أبيها، فاستفتت رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم صليها" متفق عليه
وقال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ۖ وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ۚ إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون"
قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا ۖ حملته أمه كرها ووضعته كرها ۖ وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ۚ حتىٰ إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلىٰ والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي"
قال تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علىٰ وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير).