في عقـوبة الزنى
أبدأ بسم الله بأني مؤمن أن الزنى حرام، لكن الحـد الشرعي في الدنيا ليس عن الزنى في حد ذاته، لكن على علانية الزنى، وآية ذلك قوله تعالى:
«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» [النور4]؛ ويقول سبحانه بذات السورة: «لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ» [النور13]؛ بما يعني أن أصل الحـد أن يشاهد الزنى أربعة شـهود، فالزنى عندي لا يثبت بالوشاية ولا بالاعتراف.
(1) يقول تعالى في سورة النور: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ» [النور2].
(2) لكن الأئمة يقولون بأن الزناة المحصنين عليهم رجم حتى الموت، وإذا قارعتهم بقوله - تعالى - عن الأَمَة التي تم إحصانها: «... فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» [النساء25] ...
بما يعني أن المحصنات عليهن عذاب وليس عليهن إماتة [مِنَ الْعَذَابِ]، وبما يعني أن الأَمَة التي تزوجت عليها نِصف ما على الحُرَّة من العذاب، وحيث إن القتل المزعوم رجما لا يتم تنصيفه، لذلك فالجلد الوارد بسورة النور هو العقوبة على المحصنة وغير المحصنة، لأن الحد يخص العلانية كما أسلفنا ولا ينصرف إلى فعل الزنى بذاته؛ تراهم يتلونون ويتلقفون الكلام من هنا وهناك ليضمضوا جراح الهزيمة ولينتصروا للفقه القديم.
والأَمَة المُحصنة التي قامت بالفحشاء المعروفة عليها خمسون جلدة، لكنك ترى أشياع الحديث والبُعد عن كتاب الله يسُبون ويلعنون، ويقولون بأنهم يفهمون في المقيد والمطلق والعام والخاص، وأن درايتهم التخصصية فاقت حدود عقلنا البشري.
وهؤلاء قد ألجمهم الصحـابي الجليـل ابن أبي أوفى بصحيح البخاري باب رجم المحصن حين ذكر بأن النبي رَجَم لكنه لا يدري أَرَجَمَ قبل سورة النـور أم بعد سورة النـور.
فهل يقيم الفقه والفقهاء هدمًا وقتلاً للنفس البشرية تحت ذمة عبارة [لا أدري] قيلت من صحابي!!، كما تفعل حركة طالبان بأفغانستان، وبعض شيعة إيران، وسُنّة السعودية؟!، حيث ورد بباب رجم المحصن بالحديث رقم[6428] حدثني إسحاق حدثنا خالد عن الشيباني سألت عبد الله بن أبي أوفى: هل رجم رسول الله r ؟، قال نعم، قلت: قبل سورة النور أم بعد قال لا أدري. يعتي قبل نزول حكم الجلد أم بعده قال لا أدري.
ولابد أن نعلم بأن هناك فرق بين العذاب والإماتة، فيقول تعالى على لسان سيدنا سليمان في شأن الهدهد: «لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ» [النمل21]؛
ألا يدل ذلك أن العذاب الوارد بسورة النور عن الزنى، هو ذاته العذاب الذي قال به سيدنا سليمان، وأنه أمر غير الموت الذي تقول به أفكار القدماء وأشياعهم!!؛ وما ذلك إلا للخلط بين العذاب والذبح في فهمهم.
وإذا ما أضفنا فوق ذلك كلَّه أن الله سبحانه قد استهل سورة النور بأنها كلها فريضة فقال: «سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» [النور1]؛ فهل نعبث بالفريضة!!.
وحجة القائلين بالرجم في الإسلام تبلغ من العار ما يندى له جبين العقلاء، إذ يقولون بأن هناك قرءانا بسورة الأحزاب التي كانت عندهم تعدل سورة البقرة لكنها نُسخت تلاوتها وبقي حكمها، ويذكر ابن ماجه في صحيحه بالحديث رقم2553ــ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ..قال: قال عمر بن الخطاب: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان، حتى يقول قائل: ما أجد الرجــم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة من فرائض الله. ألا وإن الرجــم حق إذا أحصن الرجل وقامت البينــة، أو كان حمـــل أو اعتراف. وقد قرأتها «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» فقد رجم رسول الله ورجمنا بعده.
بل من العار الأكبر أن يقال بأن الرجـم كان آية لكن دخلت ماعز فأكلتها إبان مرض رسول الله الذي توفي فيه، وراجع صحيح بن ماجـه وهو يروي هذا الهراء عن السيدة عائشـة انها قالت: لقد نزلت آية الرجـم، ورضاعة الكبير عشرًا. ولقد كان في صحيفة تحت سـريري. فلما مات رسول الله r وتشاغلنا بموته، دخـل داجن فأكلها.
وكل هذه الأهازيج منسوبة زورا وبهتانا لرسول الله ولعمر بن الخطاب وغيره من الأجلاء حتى تختلط شريعة التوراة بشريعة القرءان.
وإني لأرى هؤلاء وكأنهم لم يقرءوا قوله تعالى: «مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ» [ق29]؛ أو كأني أراهم يعبثون بالقرءان لحساب السُّنَة النبوية تحت مظلة إفك ما أسموه بالناسخ والمنسوخ داخل القرءان، وهو ما أفردنا له تفصيلا بهذا الكتاب فيتم الرجوع له.
والرجم أمر توراتي تم نسخه بالقرءان لكن الفساد الفقهي أعمل أثره، وإليك ما هو مدون بالتوراة سفر اللاويين: اصحاح 20: فقره 10: وإذا زنى رجل مع امرأة فإذا زنى مع امرأة قريبه فإنه يقتل الزاني والزانية.
سفر التثنية: إصحاح 22: فقره - 21: يخرجون الفتاة إلى باب بيت أبيها ويرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتى تموت لأنها عملت قباحة في إسرائيل بزناها في بيت أبيها .. إذا وجد رجل مضطجعًا مع امرأة زوجة بعل يقتل الاثنان .. إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها فأخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا.
فما رأيك أيها القارئ المتدبر؟،... إن الأمر غير مخيف كما يصورونه لك بأنك عاجز عن الفكر والفهم، وأن هناك أمورا خافية لا تعلمها أنت ولا قومك؛ إن الحقيقة بأن الزنى في الإسلام عقوبته الجلد مائة جلدة للمحصن وغير المحصن، وليشهد عذابهما بعض الناس، بشرط أن يكون زناهما في علانية تجرح شعور المجتمع ويشهد أربعة على أنهم شـاهدوا الفاعل والمفعول بها، أما الرجم المزعوم فكان من شـريعة اليهود وقد حكم به سيدنا رسول الله قبل أن ينزل تشريع سورة النور، لأن الجلد ورد بسورة النـور وهي سورة مدنية نزلت إبان فترة الدعوة بالمدينة المنورة، لكن هيهات لمن يتصورون الحديث النبـوي القولي صالحًا لكل زمان ومكان أن يفهموا.
فهم لم يدرسـوا شيء عن أسباب ورود الحديث وأثرها في الفقه الإسلامي، لذلك فهم يتناولـون الأحكام من الحديث القـولي الظني الثبوت والدلالـة تمامًا وكأنهم يتناولون الأحكام من الآيـة من القرءان، بل يعتبرونه [الحديث] صالحًا لكل زمان ومكان، وهذا حضيض التردي الإدراكي والجنـاية على المسلمين، بل تُعَـدُّ من دلائل الإشراك.
مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض ومحكم دولي وكاتب إسلامي