لا تندم على حبٍّ عشته، حتى ولو صار ذكرى تؤلمك، فإذا كانت الزّهور قد جفّت وضاع عبيرها، ولم يبق منها غير الأشواك، فلا تنسَ أنّها منحتك عطراً جميلاً أسعدك.
تركتني، ورحت أنظر إلى صورتك أمامي، أسترجع ذكرياتي الجميلة، والّلحظات الحلوة الّتي جمعتنا معاً، كم فرحنا، وكم بكينا، وكم واجهتنا صعوباتٌ اجتزناها معاً، لكن علّمني هذا الزّمان أنّ الحياة ليست إلّا مجموعة صور.
يا ليت الزّمان يعود، والّلقاء يبقى للأبد، ولكن مهما مضينا من سنين؛ سيبقى الموت هو الأنين، وستبقى الذّكريات قاموساً تتردّد عليه لمسات الوداع والفراق، والوداع والموت هو البقاء.
كَانوا مَعي على رصيف الإنتظار يسردون لي قِصص الغائبين، وبعدَ عَودَة أحبَابهم تَعانَقوا أمَامي، ثُمَ رَحلوا، وبَقيتُ وَحدي أرثي حَالي.
أصعب شيء أن أفارق روحاً ولا تفارقني، ويبقّى صوتك في أذني، وتغيبي وتبقى صورتكِ في عيني، وترحلي وتبقى أنفاسكِ في قلبي، وتختفي، ويبقى طيفكِ خلفي، يمزّقني مع كلّ جبروتكِ.
أيامي سوداء لا ترى الشمس، ويسكنها الصمت والعذاب، وتغمرها ظلمة الليل، ولا تعرف معنى الألوان، أيام غاب فيها القمر، ولم تعد تُتقن سوى لغة البكاء، أيام تحتضر، أيام كالأشباح، أيام انقطعت فيها الأنفاس، وتملّكني فيها اليأس والضياع.
ألا ما أشبه الإنسان في الحياة بالسفينة في أمواج هذا البحر، إن ارتفعت السفينة أو انخفضت أو مادت، فليس ذلك منها وحدها، بل ما حولها، ولن تستطيع هذه السفينة أن تملك من قانون ما حولها شيئاً، ولكن قانونها هي الثبات، والتوازن، والاهتداء إلى قصدها ونجاتها في قانونها، فلا يعتبنّ الإنسان على الدنيا وأحكامها، ولكن فليجتهد أن يحكم نفسه.
لا تندم على حبٍّ عشته، حتى ولو صار ذكرى تؤلمك، فإذا كانت الزّهور قد جفّت وضاع عبيرها، ولم يبق منها غير الأشواك، فلا تنسَ أنّها منحتك عطراً جميلاً أسعدك.
إذا سألوك يوماً عن إنسان أحببته فلا تقل سراً كان بينكما، ولا تُحاول أبداً تشويه الصورة الجميلة لهذا الإنسان الذي أحببته، اجعل من قبلك مخبئً سِرّياً لكل أسراره وحكاياته، فالحُب أخلاق قبل أن يكون مشاعر.
إذا فرقت الأيام بينكما فلا تتذكر لمن كنت تُحب غير كل إحساس صادق، ولا تتحدث عنه إلا بكل ما هو رائع ونبيل، فقد أعطاك قلباً وأعطيته عمراً، وليس هناك أغلى من القلب والعمر في حياة الإنسان.
افتح قلبك ودع مشاعرك تظهر لأنّني في أعماقي لن أدعك ترحل، وسأفعل أيّ شيءٍ من أجلك، انظر ماذا فعلت بي، لقد سبّبت لي الألم وأعيش في هذه اللحظات ببؤسٍ شديد وقلبي لم يعد يحتمل المزيد.
اجعل في أيّامك مجموعة من الصور الجميلة لهذا الإنسان الذي سكن قلبك يوماً، ملامحه وبريق عينيه الحزين، ابتسامته في لحظة صفاء، ووحشته في لحظة ضيق، والأمل الذي كبر بينكما يوماً وترعرع حتّى وإن كان قد ذبل ومات.
تعبت من شكوى همومي، تعبت أن أبكي، تعبت أن أتكلّم عن مآسي روحي، قد قتلني الوقت بأعذاره، وقد ذبحني وعمل على تجفيف نهاري، قد أخبئ أحزاني وآلامي أمامك وبداخلي قد أكون مذبوحاً، وأجامل الآخرين وأبتسم، ولكن أخاف أن تنزل دمعتي وأن تبوح ما بداخلي، وأقول أمامهم أنّني بخير، ولكن بداخلي يوجد جرح كبير.
عندما تحين لحظة الوداع، تمتلئ الأعين بالدموع تتفجر براكين الأسى، فما أصعب لحظات الوداع، خاصّة مع من تُحبّ، وكأنّها جمرة تحرق القلب، وكأنها سارق يسرقُ العقل، عندما تحين لحظة الوداع كلّ شيء يغيب ويموت، ويرحل ويحترق وينسى، ولا يبقى سوى قلبي الذي لا أدري أين هو؟ لا تبقى سوى نار الأشواق، تزداد في مدفأة الحُب ولا يبقى سِّوى قلب حائر وعين باكية.
لا تضع كل أحلامك في شخص واحد، ولا تجعل رحلة عمرك وجهة شخص تحبه مهما كانت صفاته، ولا تعتقد أنّ نهاية الأشياء هي نهاية العالم، فليس الكون هو ما ترى عيناك، ولا تنتظر حبيباً باعك، وانتظر ضوءاً جديداً يمكن أن يتسلل إلى قلبك الحزين، فيعيد لأيامك البهجة، ويعيد لقلبك نبضه الجميل.
رأيت شخصاً يبكي، فقلت ما الخبر؟ قال: الأسهم تلاشت وليس لها أثر، وطلبت من الصرّاف سلفة فاعتذر، وكل شيء زاد سعره إلّا البشر، الأغنام، والجمال، والدجاج، والبقر، والألبان، والأجبان، والفواكه، والخُضر، وابن آدم لا يزال ذليلاً ومحتقر، وازداد الفقر بين العوائل والأسر، والراتب ينتهي قبل نصف الشهر، والدنيا تسير من جرفٍ لمنحدر، فقلت له: إذا ابتليت بالهم والكدر قم وصلِّ لله ركعتين قبل السَحر، فهو يرزق من دعاه بجناتٍ ونهر، وتأمل في الطبيعة، وضوء القمر، واستمتع بشذى الورد ولون الزهر، واعلم بأن الحياة ليست دار مُستقر.
غريبة هي الأيام عندما نملك السعادة لا نشعر بها، ونعتقد أننا من التعساء، ولكن ما إن تغادرنا تلك السعادة التي لم نقدّرها حق قدرها احتجاجاً، ربما علينا حتى تعلن التعاسة عن وجودها الفعلي، فنعلم أنّ الألم هو القاعدة وما عداها هو الشذوذ عن القاعدة ونندم ساعة لا يفيد الندم على ما أضعنا وما فقدنا.
كنّا معاً دائماً نتقاسم الأفراح والأحزان، كنّا دائماً نحاول أن نسرق من أيّامنا لحظاتٍ جميلة، نحاول أن تكون هذه اللحظات طويلة، نحاول أن نحقّق سعادةً وحبّاً دائمين، حاولنا دائماً أن نبقى معاً لآخر العمر، لكن لم يخطر ببالنا أنّ الّلقاء لا يدوم، وأنّ القضاء والقدر هو سيّد الموقف، وأنّه ليس بيدنا حيلة أمام تصاريف القدر، وتقلّباته.
تركتني ورحت أنظر إلى صورتك أمامي، أسترجع ذكرياتي الجميلة، واللحظات الحلوة التي جمعتنا معاً، كم فرحنا، وكم بكينا، وكم واجهتنا صعوباتٌ اجتزناها معاً، لكن علّمني هذا الزّمان أنّ الحياة ليست إلّا مجموعة صور.
الفراق حزن كلهيب الشّمس، يبخّر الذّكريات من القلب، ليسمو بها إلى عليائها، فتجيبه العيون بنثر مائها؛ لتطفئ لهيب الذّكريات.
لكم في الذّكرى شجوني من أجلها تدمع عيوني، فإذا طال الزّمان ولم تروني، فابحثوا عنّي عند من أحبّوني، وإذا زاد الفراق ولم تروني، فهذا كلامي بيه تذكّروني.