انصافا لسيد قطب

[الحسين بن فرج]

انصافا لسيد قطب

جيلالي بن فرج حسين(*)
يدَّعي البعض أنه تكفيري، خارجي، من مؤسسي الإرهاب ومن أبرز منظري التيار المتطرف؟؟
هذا البعض عمل منذ أصدر " سيد قطب" رحمه الله تعالى كتابه الرائع الماتع" معالم في الطريق" على مصادرة الكتاب والنيل من صاحبه، وعندما كان سيد في السجن كانت كثير من الصحف والمجلات وحتى الجرائد اليومية التي تصدر في القاهرة خاصة تهاجم سيدا وتنال منه ومن كتاباته، عندها صار يحلو للبعض ـ إرضاء وتملقا لصاحب الأمر حينها ـ أن ينعت سيد بـ"المفكر الحاقد" و"الطامح الصغير"..


ويسأل البعض عن السبب؟؟ لقد كان ذلك الكتاب هو إعادة بعث للنظرية الإسلامية في الحكم، بعدما ظن الكثير أن لا مكان للإسلام في ظل التيارات التي صارت تلتهم العالم الإسلامي مشرقا ومغربا من شيوعية حمراء أو ليبرالية ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب.
نعم، لقد كان ذلك الكتاب صفعة في وجه أولئك الذين تشربوا الأفكار الغربية واعتنقوها وانتصروا لها، وأرادوا أن يسيِّروا عالمنا الإسلامي وفقها.
لقد عارض سيد قطب استيراد الأفكار من الشرق والغرب، وانتقد بشدة أولئك المعجبين بتلك الأفكار، واتهمهم بالانقلاب على تعاليم ومنهج الإسلام في الحكم والاقتصاد، واتهمهم بالعمالة والخيانة..
لقد أقضَّ مضاجعهم، وقضى على أمانيهم وأحلامهم، فعملوا بكل الطرق على الإطاحة به، وكان لهم ذلك..غير أنهم لم يطيحوا بأفكاره مصداقا لقوله ذات أمل: "إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة".
انه بحق مجدد، لقد أعاد الأمل في الإسلام وبيَّن أنه قادر على قيادة العالم مثلما كان في العصور السابقة، وبيَّن ذلك وبرهن عليه بطريقة فريدة عجيبة، وهذا ما أثار حنق البعض عليه، ذلك البعض الذي لا يسر أولياءه الأمريكان والروس مثل أفكار سيد التي لا هي شرقية ولا غربية. لذلك لا عجب حين نرى اهتمام أمريكا حاليا بتشويه صورة سيد قطب في العالم عامة والعالم الإسلامي خاصة، نعم إنها تخاف أفكاره، لأنه أعاد الثقة في نفوس المسلمين وبيَّن لهم أنهم قادرون على تسيير أمورهم لوحدهم وأن بإمكانهم الاستغناء عن سائر النظريات الوضعية التي لا تساوي شيئا أمام عظمة الإسلام وعظمة أحاكمه ونظامه.
نعم ، انه رجل عاش للإسلام، ولم يكن مفكرا متطرفا قط، بل العجب أن بعض أدعياء السلام والمتمسحين بوثيقة حقوق الإنسان ينتقدون سيد وأفكاره ويصنفونه في خانة "المطلوبين" "والمفكرين الخطرين" وهم مع هذا يعتنقون أفكار ماركس التي تقدس الحقد الطبقي وتدعو إلى ديكتاتورية البروليتاريا، فأي مفارقة عجيبة هذه؟؟
ولكن ..لو كان المتحاملون على سيد من الصنف المذكور آنفا، لهان الخطب، غير أن ما يحز في صدري هو أن أرى بعض أدعياء السلفية وقد صار مبلغ علمهم تتبع سقطات سيد قطب، وأقصى مرادهم أن يبصر كتبه تحرق وتمزق ، فهم لذلك يعملون على تنفير الناس منها، ويتفننون في وصف صاحبها بأبشع وأقذع الأسماء والألقاب، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا؟؟ فسبحان الله ..فهل نجح أدعياء السلفية فيما فشل فيه الماركسيون والحداثيون والليبراليون، وحتى فيما فشلت فيه أمريكا وإسرائيل؟؟
يشنعون على سيد أنه أخطأ في كذا وكذا من المسائل:

ومن ذا الذي ما ساء قط ** ومن له الحسنى فقط

وأكثر ما يشنعون به عليه هو أنه كان من الانقلابيين والتكفيريين ؟؟ ـ نفس التهمة القديمة التي أطلقها الحاقدون على الإسلام من قبل ـ ولعمري إنها تهمة باطلة متهافتة، ما حدَّث سيد قطب بها نفسه يوما، ولا جالت بخاطره، بل المشكلة في فهمهم وليست في أفكار سيد وكلامه.
فها هي كتبه بيننا نقرأها منذ أمد بعيد وما فهمنا منها ولا لمرة واحدة أنها دعوة للانقلاب أو التكفير. وقد يقول البعض أن التكفيريين عمدتهم في طريقتهم هو سيد؟ فنقول أن المشكلة في فهمهم كذلك، وسيد بريء منهم، ومن مذهبهم.
لقد كان منهج سيد في التغيير منهجا نبويا خالصا، فهو يقول تصريحا وتلميحا في أكثر من موضع من كتبه" أن العقيد قبل الحاكمية" وأننا "دعاة ولسنا قضاة" أي همنا دعوة الناس إلى الإسلام وليس الحكم عليهم بالكفر والإيمان، كما نادى بالتربية والتصفية. يقول سيد رحمه الله في كتابه "لماذا أعدموني" ملخصا أفكاره في قضية الحكم وطريقة الوصول إليه:" خرجت من السجن، وفي تصوري صورة خاصة محددة لما يجب أن تكون عليه أية حركة إسلامية في الظروف العالمية والمحلية الحاضرة وصورة لخطوات المنهج الذي يجب أن تسير عليه. ...
المجتمعات البشرية بجملتها قد بعدت عن فهم وإدراك معنى الإسلام ذاته. ولم تبعد فقط عن الأخلاق الإسلامية، والنظام الإسلامي، والشريعة الإسلامية. وإذن فأية حركة إسلامية يجب أن تبدأ من إعادة تفهيم الناس معنى الإسلام ومدلول العقيدة وهو أن تكون العبودية لله وحده. سواء في الاعتقاد بألوهيته وحده، أو تقدير الشعائر التعبدية له وحده، أو الخضوع والتحاكم إلى نظامه وشريعته وحدها .
الذين يستجيبون لهذا الفهم يؤخذ في تربيتهم على الأخلاق الإسلامية وفي توعيتهم بدراسة الحركة الإسلامية وتاريخها وخط سير الإسلام في التعامل مع كل المعسكرات والمجتمعات البشرية، والعقبات التي كانت في طريقه والتي لا تزال تتزايد بشده ، وبخاصة من المعسكرات الصهيونية والصليبية الاستعمارية.
لا يجوز البدء بأي تنظيم إلا بعد وصول الأفراد إلى درجة عالية من فهم العقيدة ومن الأخذ بالخلق الإسلامي في السلوك والتعامل ومن الوعي الذي تقدم ذكره.
ليست المطالبة بإقامة النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية هو نقطة البدء. ولكن نقطة البدء هي نقل المجتمعات ذاتها – حكاما ومحكومين – عن الطريق السالف إلى المفهومات الإسلامية الصحيحة – وتكوين قاعدة إن لم تشمل المجتمع كله فعلى الأقل تشمل عناصر وقطاعات تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله إلى الرغبة والعمل على إقامة النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية .
وبالتالي لا يكون الوصول إلى إقامة النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية عن طريق انقلاب في الحكم يجيء من أعلى، ولكن عن طريق تغير في تصورات المجتمع كله – أو مجموعات كافية لتوجيه المجتمع كله – وفي قيمه وأخلاقه والتزامه بالإسلام يجعل تحكيم نظامه وشريعته فريضة لا بد منها في حسهم !
في الوقت ذاته تجب حماية هذه الحركة، وهي سائرة في خطواتها هذه بحيث إذا اعتدى عليها وعلى أصحابها يرد الاعتداء. وما دامت هي لا تريد أن تعتدي ، ولا أن تستخدم القوة في فرض النظام الذي تؤمن بضرورة قيامه – على الأساس المتقدم وبعد التمهيدات المذكورة – والذي لا يتحقق إسلام الناس إلا بقيامة حسب ما يقرر الله سبحانه ، ما دامت لا تريد أن تعتدى ولا أن تفرض نظام الله بالقوة من أعلى فيجب أن تترك تؤدي واجبها وألا يُعتدى عليها وعلى أهلها . فإذا وقع الاعتداء كان الرد عليه من جانبها ." انتهى النقل من كلام سيد قطب.
فأين وضع أولئك الذين تصدروا لاتهام سيد بأنه تكفيري انقلابي هذا الكلام الواضح وضوح الشمس؟؟ هل من الإنصاف أن نفهم سيد وفق أهوائنا وميولاتنا؟ أليس من العدل الذي أمرنا به شرعا، أن نتدبر هذا الكلام ونمعن النظر فيه قبل أن نطلق أحكاما عشوائية استنادا إلى عبارات موهمة؟؟
بل هناك عبارة أخرى لسيد في كتابه " لماذا أعدموني" يقول فيها صراحة أنه لم يتناول قضية التكفير ولم يخض فيها مطلقا:" وقد حضر من عندهم للعلاج في طره الأخ عبد الرءوف أبو الوفا فأبلغني خبر هذا الانزعاج من ناحية واتجاه المجموعة في الواحة إلى عدم تكفير الناس من ناحية أخرى! وقد قلت له: إننا لم نكفر الناس وهذا نقل مشوه إنما نحن نقول: إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة، وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية، إلى حال تشبه حال المجتمعات في الجاهلية، وإنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية.. فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس!"
فسبحان الله كيف ذهل كل من اتهم سيد بتلك التهم المغلظة عن هذا الكلام؟
هذا كلام سيد وهذه أفكاره التي مات عليها، هل نقول أنها ليست من كلامه؟ هل نستمر في دسها ودفع الناس عن قراءتها؟ هل صار سيد يناقض نفسه؟ هل صار البعض يفهم سيد أكثر مما فهم هو نفسه؟ أرجو من أعماق قلبي أن يعيد كثير ممن يظن بسيد سوءً النظرَ في أحكامه واطلاقاته، وأن لا يصنف الناس على أساس قراءتهم أو عدم قراءتهم لسيد. وليَدَعُوا الفكر الإلغائي الإقصائي الذي يختزل العلم والحق في فلان وعلان فقط دون سواهم. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ملاحظة: سبق نشر المقال في موقع شهاب
(*) باحث جامعي

[علي الجزائري]

الإنصاف هو أن نغلق الموضوع فقد تمّ الكلام حوله مرارا و تكرارا