تذكرة النفس والأخوان بما ينبغي التنبيه له في كل زمان - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

تذكرة النفس والأخوان بما ينبغي التنبيه له في كل زمان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-12-25, 11:33   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

موانع الوصول إلى المطلوب الأعلى

الوصول إلى المطلوب الأعلى موقوف على هجرة العوائد, وقطع العوائق والعلائق.


فالعوائد، السكون إلى الدعة والراحة, وما ألفه الناس واعتادوه من الرسول والأوضاع التي جعلوها بمنزلة الشرع المتبع، بل هي عندهم أعظم من الشرع وربما كفروه أو بدعوه، وضللوه أو هجروه وعاقبوه لمخالفة تلك الرسوم، وأماتوا لها السنن ونصبوها أندادًا للرسول يوالون عليها ويعادون, فالمعروف عندهم ما وافقها والمنكر ما خالفها.


وهذه الأوضاع والرسوم قد استولت على طوائف بني آدم من الملوك والولاة والفقهاء والصوفية والفقراء والمتطوعين والعامة، فربي فيها الصغير ونشأ عليها الكبير، واتخذت سننا بل هي أعظم عند أصحابها من السنن، الواقف معها محبوس والمتقيد بها منقطع عم بها المصاب، وهجر لأجلها السنة والكتاب من استنصر بها فهو عند الله مخذول، ومن اقتدى بها دون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, فهو عند الله غير مقبول، وهذه أعظم الحجب والموانع بين العبد وبين النفوذ إلى الله ورسوله.


وأما العوائق: فهي أنواع المخالفات، ظاهرها وباطنها، فإنها تعوق القلب عن سيره إلى الله وتقطع عليه طريقه، وهي ثلاثة أمور.
شرك وبدعة، ومعصية فيزول عائق الشرك بتجريد التوحيد، وعائق البدعة بتحقيق السنة، وعائق المعصية بتصحيح التوبة, وهذه العوائق لا تتبين العبد حتى يأخذ في أهبة السفر وبتحقق بالسير إلى الله والدار الآخرة فحينئذ تظهر له هذه العوائق ويحس بتعويقها بحسب قوة سيره وتجرده للسفر، وإلا فما دام قاعدًا لا يظهر له كوامنها وقواطعها.


وأما العلائق: فهي كل ما تعلق به دون الله ورسوله من ملاذ الدنيا وشهواتها ورياستها وصحبة الناس والتعلق بهم، ولا سبيل له إلى قطع هذه الأمور الثلاثة، ورفضها إلا بقوة التعلق بالمطلب الأعلى وإلا فقطعها عليه بدون تعلقه بمطلوبه ممتنع.


فإن النفس لا تترك مألوفها ومحبوبها إلا لمحبوب هو أحب إليها منه وآثر عندها منه، وكلما قوي تعلقه بمطلوبه ضعف تعلقه بغيره، وكذا بالعكس، والتعلق بالمطلوب، هو شدة الرغبة فيه، وذلك على قدر معرفته به وشرفه وفضله على ما سواه ([1]).


من جواهر الحكم والفوائد المنثورة

للعبد ستر بينه وبين الله، وستر بينه وبين الناس, فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس.


للعبد رب هو ملاقيه، وبيت هو ساكنه، فينبغي له أن يسترضى ربه قبل لقائه، ويعمر بيته قبل انتقاله إليه.


إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.


الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة فكيف بغم العمر، محبوب اليوم يعقب المكروه غدًا، ومكروه اليوم يعقب المحبوب غدًا.


أعظم الربح في الدنيا، أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها.


كيف يكون عاقلا من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة.


المخلوق إذا خفته استوحشت منه, وهربت منه والرب -تعالى- إذا خفته أنست به وقربت إليه، لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أخبار أهل الكتاب، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين.


إذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ست مشاهد:


أحدها: مشهد التوحيد, وأن الله هو الذي قدره وشاءه وخلقه وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.


الثاني: مشهد العدل, وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه.


الثالث: مشهد الرحمة, وإن رحمته في هذا المقدور غالبة لغضبه وانتقامه ورحمته عفوه.


الرابع: مشهد الحكمة, وإن حكمته سبحانه اقتضت ذلك لم يقدره سدى, ولا قضاه عبثًا.


الخامس: مشهد الحمد, وأن له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه.


السادس: مشهد العبودية, وأنه عبد محض من كل وجه تجري عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية, فهو محل لجريان هذه الأحكام عليه.



([1]) من الفوائد.








 


رد مع اقتباس
قديم 2014-12-25, 11:46   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الاجتماع بالإخوان قسمان:

أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت، فهذا مضرته أرجح من نفعته وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت.


الثاني: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها.


ولكن فيه ثلاث آفات:


إحداها: تزين بعضهم لبعض.
الثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.
الثالثة: أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود.


وبالجملة: فالاجتماع والخلطة لقاح إما للنفس الأمارة وإما للقلب والنفس المطمئنة والنتيجة مستفادة من اللقاح؛ فمن طلب لقاحه طابت ثمرته وهذه الأرواح الطيبة لقاحها من الملك والخبيثة لقاحها من الشيطان وقد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين والطيبين للطيبات وعكس ذلك.


بين العبد وبين الله والجنة قنطرة تقطع بخطوتين خطوة عن نفسه، وخطوة عن الخلق فيسقط نفسه وبلغيها فيما بينه وبين الناس ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبين الله: فلا يلتفت إلا إلى من دله على الله وعلى الطريق الموصلة إليه.


من عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه.


أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالإخلاص وعن نفسك بشهود المنة, فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق.


دخل الناس النار من ثلاثة أبواب، باب شبهة أورثت شكا في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان على خلقه.


أصول الخطايا كلها ثلاثة: الكبر، وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصاره والحرص وهو الذي أخرج آدم من الجنة، والحسد، وهو الذي جرأ أحد ابني آدم على أخيه فمن وقى شر هذه الثلاثة فقد وقى الشر فالكفر من الكبر، والمعاصي من الحرص، والبغي والظلم من الحسد.
جمع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» بين مصالح الدنيا والآخرة.


فالآخرة ونعيمها ولذاتها، إنما تنال بتقوى الله، وراحة القلب والبدن وترك الاهتمام والحرص الشديد والتعب والعناء، والكد والشقاء في طلب إنما ينال بالإجمال في الطلب، فمن اتقى الله فاز بلذة الآخرة ونعيمها، ومن أجمل في الطلب استراح من نكد الدنيا وهمومها فالله المستعان:


قد نادت الدنيا على نفسها



لو كان في ذا الخلق من يسمع


كم واثق بالعيش أهلكته



وجامع فرقت ما يجمع


سر التوكل على الله وحقيقته، هو اعتماد القلب على الله وحده، فلا يضر مباشرة الأسباب مع خلو القلب مع الاعتماد عليها والركون إليها، كما لا ينفعه قوله وكلت على الله مع اعتماده على غيره وركونه إليه وثقته به، فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء. كما أن توبة اللسان مع إصرار القلب شيء وتوبة القلب، وإن لم ينطق اللسان شيء، فقول العبد توكلت على الله مع اعتماد قلبه على غيره، مثل قوله تبت إلى الله, وهو مصر على معصيته مرتكب لها. اتباع ا لهوى وطول الأمل، مادة كل فساد، فإن اتباع الهوى يعمي عن الحق معرفة وقصدًا، وطول الأمل، ينسى الآخرة, ويصد عن الاستعداد لها.


إذا أراد الله بعبد خيرًا جعله معترفًا بذنبه، ممسكًا عن ذنب غيره، جوادًا بما عنده، زاهدًا فيما عند غيره، محتملاً لأذى غيره، وإن أراد به شرًا عكس ذلك عليه.


العقول المقيدة بالتوفيق، ترى أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق الموافق للعقل والحكمة.


والعقول المضرورة بالخذلان، ترى المعارضة بين العقل والنقل وبين الحكمة والشرع.


أقرب الوسائل إلى الله ملازمة السنة والوقوف معها في الظاهر والباطن, ودوام الافتقار إلى الله، وإرادة وجهه وحده بالأقوال والأفعال، وما وصل أحد إلى الله إلا من هذه الثلاثة، وما انقطع عنه أحد إلا بانقطاعه عنها أو عن أحدها.


الأصول التي بنيت عليها سعادة العبد ثلاثة: ولكل واحد منها ضد، فمن فقد ذلك الأصل حصل على ضده، التوحيد وضده الشرك، والسنة وضدها البدعة، والطاعة وضدها المعصية: ولهذه الثلاثة ضد واحد وهو خلو القلب من الرغبة في الله وفيما عنده، ومن الرهبة منه وما عنده، العجب ممن تعرض له حاجة فيصرف رغبته وهمته فيها إلى الله ليقضيها له، ولا يتصدى للسؤال لحياة قلبه من موت الجهل والإعراض، وشفائه من دار الشهوات والشبهات، ولكن إذا مات القلب لم يشعر بمعصيته.


إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم, وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة, فتعرف أنت إلى الله, وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة.


قال بعض الزهاد: ما علمت أن أحدًا سمع بالجنة والنار تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها بذكر أو صلاة أو قراءة أو إحسان. فقال له رجل: إني أكثر البكاء فقال: إنك إن تضحك وأنت مقر بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك. وأن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه، فقال: أوصني فقال: دع الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها، وكن في الدنيا كالنحلة، إن أكلت أكلت طيبًا، وأن أطعمت أطعمت طيبًا، وأن سقطت على شيء لم تكسره, ولم تخدشه.


النعم ثلاثة: نعمة حاصلة يعلم بها العبد، ونعمة منتظرة يرجوها، ونعمة هو فيها لا يشعر بها، فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده، عرفه نعمته الحاضرة وأعطاه من شره قيدًا يقيدها به حتى لا تشرد, فإنها تشرد بالمعصية, وتقيد بالشكر، ووفقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة، وبصره بالطرق التي تسدها وتقطع طريقها، ووفقه لاجتنابها, وإذا بها قد وافته إليه على أتم الوجوه، وعرفه النعم التي هو فيها, ولا يشعر بها.


ويُحكى أن أعرابيًا دخل على الرشيد فقال: أميرَ المؤمنين, ثبت الله عليك النعم التي أنت فيها بإدامة شكرها، وحقق لك النعم التي ترجوها بحسن الظن به ودوام طاعته، وعرفك النعم التي أنت فيها ولا تعرفها لتشكرها: فأعجبه ذلك منه، وقال: ما أحسن تقسيمه.


قال شقيق بن إبراهيم: أغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء: اشتغالهم بالنعمة عن شكرها، ورغبتهم في العلم وتركهم العمل والمسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة، والاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بفعالهم، وإدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها.


قلت: وأصل ذلك: عدم الرغبة والرهبة، وأصله ضعف اليقين، وأصله ضعف البصيرة، وأصله مهانة النفس ودناءتها، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.


الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حط عن رحالهم إلا في الجنة أو النار، والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذة وراحة، إنما ذلك بعد انتهاء السفر، ومن المعلوم أن كل وطأة قدم، أو كل آن من آنات السفر غير واقفة ولا المكلف واقف، وقد ثبت أنه سافر على الحال التي يجب أن يكون المسافر عليها، من تهيئة الزاد الموصل، وإذا نزل أو نام أو استراح، فعلى قدر الاستعداد للسير.


لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمر، وله عليه فيه نهي، وله فيه نعمة، وله به منفعة ولذة، فإن قام لله في ذلك العضو بأمره, واجتنب فيه نهيه، فقد أدى شكر نعمته عليه فيه، وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به، وإن عطل أمر الله ونهيه فيه، عطله الله من انتفاعه بذلك العضو، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته، وله عليه في كل وقت من أوقاته عبودية تقدمه إليه وتقربه منه، فإن شغل وقته بعبودية الوقت، تقدم به إلى ربه، وإن شغله يهوى أو راحة وبطالة، تأخر فالعبد لا يزال في تقدم أو تأخر, ولا وقوف في الطريق ألبتة.


قال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ([1])
([1]) هذه الجواهر والفوائد جمعتها من قواعد وفوائد وفصول متفرقة في كتاب الفوائد لابن قيم الجوزية.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-25, 22:47   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
amirs
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-27, 17:22   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

تذكر القبر وحال ساكنه

أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استحيوا من الله حق الحياء» قالوا: إنا نستحي من الله, والحمد لله قال: «ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وأن تذكر الموت والبلى, ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا, فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».


وأخرج الترمذي والحاكم من حديث أسماء بنت عميس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بئس العبد عبد تخيل واختال ونسي الكبير المتعال، بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى، بئس العبد عبد سها ولها ونسي المقابر والبلى, بئس العبد عبد عتا وطغى ونسي المبتدا والمنتهى، بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين، بئس العبد عبد يختل الدين بالشهوات, بئس العبد عبد طمع يقوده, بئس العبد عبد هوى يضله, بئس العبد عبد رغب بذله».


وخرج الترمذي من حديث ابن عمر قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعدَّ نفسك من القبور» وخرج البخاري أوله.


وروى ابن أبي الدنيا عن سريع الشامي قال: قال عمر بن عبد العزيز لرجل من جلسائه: يا فلان, لقد أرقت الليلة مفكرًا قال: فيم يا أمير المؤمنين فقال: في القبر وساكنه، إنك لو رأيت الميت بعد ثالثة في قبره، لاستوحشت من قبره بعد طول الأنس منك بناحيته، ولرأيت بيتًا تجول فيه الهوام، ويجرى فيه الصديد، وتخترقه الديدان مع تغيير الرائحة, وبلى الأكفان بعد حسن الهيئة وطيب الرائحة ونقاء الثوب, قال: ثم شهق شهقة خر مغشيًا عليه، وعن محمد بن كعب القرظي قال: بعث إليَّ عمر بن عبد العزيز فتقدمت عليه, فأدمت النظر إليه فقال: يا ابن كعب، إنك لتنظر إلي نظراً ما كنت تنظره إلي بالمدينة قال: قلت: أجل يا أمير المؤمنين, يعجبني ما حال من لونك ونحل من جسمك قال: فكيف يا بن كعب لو أتيتني بعد ثلاثة في القبر, وقد نبت حدقتاي على وجهي, وخرج الدود والصديد من منخري لكنت إلي أشد نكرة.


وعن وهيب بن الورد قال: بلغنا أن رجلا فقيهًا دخل على عمر بن عبد العزيز فقال: سبحان الله, كأنه تعجب من أمره الذي هو عليه قال له: تغيرت بعدنا فقال له عمر: وتبين ذلك فقال له: الأمر أعظم من ذلك، فقال له: يا فلان, فكيف لو رأيتني بعد ثلاث، وقد أدخلت قبري، وقد خرجت الحدقتان فسالتا على الخدين, وتقلصت الشفتان عن الأسنان، وانفتح الفم ونبأ البطن فعلى الصدر، وخرج الصديد من الدبر.



وعن سعيد بن أبي حمزة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض مدائن الشام: أما بعد, فكم للتراب في جسد ابن آدم من مأكل، وكم للدود في جوفه من طريق يخترق, وإني أحذركم ونفسي - أيها الناس - العرض على الله عز وجل، وروى أبو نعيم والحاكم بإسناد له أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه شيع جنازة من أهله ثم أقبل الناس, فوعظهم وذكرهم الدنيا وذمها وذكر أهلها وتنعمهم فيها, وما صاروا إليه بعدها من ظلمة القبر, وكان من كلامه أنه قال: إذا مررت بهم فنادهم إن كنت مناديًا وادعهم إن كنت داعيًا ومر بعسكرهم, وانظر إلى تقارب منازلهم، سل غنيهم ما بقي من غناه, وسل فقيرهم ما بقي من فقره، وسل عن اللسان الذي كانوا به يتكلمون وعن الأعين التي كانوا بها إلى اللذات ينظرون، وسلهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة ما صنع بها الديدان محت الألوان, وأكلت اللحمان، وعفت الوجوه، ومحت المحاسن، وكرت القفا, وأبانت الأعضاء, وخرقت الأشلاء أين حجابهم وقيانهم, وأين خدمهم وعبيدهم وجمعهم وكنوزهم, والله ما زودوهم فرشًا، ولا وضعوا هناك مسكًا, ولا غرسوا لهم شجرًا, ولا أنزلوهم من اللحد قرارًا أليسوا في الخلوات، أليس الليل والنهار عندهم سواء أليسوا في مدلهمة مظلمة، قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة, وكم من ناعم وناعمة، أصبحوا ووجوهم بالية، وأجسادهم عن أعناقهم بائنة, وأوصالهم متفرقة، وقد سالت الحدق على الوجنات، وامتلأت الأفواه صديدا, ودبت دواب الأرض في أجسادهم, وتفرقت أعضاؤهم ثم لم يلبثوا والله إلا يسيرًا حتى عادت العظام رميمًا قد فارقوا الحدائق, وصاروا بعد السعة في المضايق، وقد تزوجت نساؤهم وترددت في الطرق أبناؤهم، وتوزعت القرابات ديارهم وميراثهم فمنهم والله الموسع له في قبره، والفظ الناضر فيه، والمتنعم بلذته يا ساكن القبر غدا ما الذي غرك من الدنيا, هل تعلم أنك تبقى لها أو تبقى لك، أين دارك الفيحاء ونهرك الطرد، وأين ثمرتك اليانعة، وأين رقاق ثيابك، وأين طيبك, وأين بخورك, وأين كسوتك لصيفك وشتائك أما والله قد نزل به الأمر, فما يدفع عنه وخلا, وهو يرشح عرقًا, ويتلظى عطشًا يتقلب في سكرات الموت وغمراته جاء الأمر من السماء، وجاء غالب القدر والقضاء هيهات هيهات يا مغمط الوالد والولد وغاسله، يا مكفن الميت وحامله، يا مخليه في القبر راجعًا عنه, ليت شعري, كيف كنت على خشونة الثرى؟ ليت شعري, بأي خديك بدأ البلى؟ يا مجاور الهلكى, صرت في محلة الموتى، ليت شعري, ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا؟ وما يأتيني به من رسالة ربي ثم انصرف, فما عاش بعد ذلك إلا جمعة.


وروى عنه من وجوه متعددة أنه قال في آخر خطبة خطبها رحمة الله عليه: ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، يرثها بعدكم الباقون، كذلك تردون إلى خير الوارثين في كل يوم تشيعون غاديًا ورائحًا قد قضى نحبه تودعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير ممهد ولا موسد، قد فارق الأحباب وقطع الأسباب وسكن التراب وواجه الحساب، غنيًا عما خلف، فقيرًا إلى ما قدم.


ويروى أنه كان في جنازة في مقبرة فرأى قومًا يهربون من الشمس إلى الظل فأنشد شعرًا:


من كان حين تصيب الشمس جبهته




أو الغبار يخاف الشين والشعثا


ويألف الظل كي تبقى بشاشته




فسوف يسكن يومًا راغمًا جدثًا


في ظل مقبرة غبراء مظلمة




يطيل تحت الثرى في عمها اللبئا


تجهزي بجهاز تبلغين به




يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثًا





وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن الحسن أنه مر به شاب وعليه بردة حسنة, فدعاه فقال: ابن آدم معجب بشبابه معجب بجماله، كأن القبر قد دنا ووارى بدنك، وكأنك قد لاقيت عملك، ويحك دَاوِ قلبك، فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم.


وعن عبد الله بن العيزار قال: لابن آدم بيتان على ظهر الأرض وبيت في بطن الأرض, فعمد إلى الذي على الأرض، فزخرفه وزينه, وجعل فيه أبوابًا للشمال وأبوابًا للجنوب، ووضع ما يصلحه لشتائه وصيفه، فأتى عليه آت فقال: أرأيت هذا الذي أراك قد أصلحته كم تقيم فيه قال: لا أدري قال: والذي خربته كم تقيم فيه قال: إلى يوم البعث قال: تقر بهذا على نفسك وأنت رجل تعقل.


وعن الحسن أنه قال: يومان وليلتان لم تسمع الخلائق مثلهن قط: ليلة تبيت مع أهل القبور, ولم تبت قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة ويوم يأتيك البشير من الله, إما بالجنة أو النار، ويوم تعطى كتابك بيمينك أو بشمالك.


وشهد الحسن جنازة فاجتمع عليه الناس فقال: اعملوا لمثل هذا اليوم رحمكم الله وإنما إخوانكم يقدمونكم وأنتم الأثر أيها المخلف بعد أخيه أنت الميت غدًا والباقي بعدك هو الميت في أثرك أولا فأولا حتى توفوا جميعًا قد عمكم الموت واستويتم جميعًا في كربه وغصصه، ثم تخليتم جميعًا القبور ثم تنشدون جميعًا ثم تعرضون جميعًا على ربكم عز وجل.


وقال صفوان بن عمر: وذكروا النعيم فسموا ناسًا فقال رجل: أنعم رجال في التراب، قد أمنوا العذاب, ينتظرون.


وروى عن إبراهيم بن أدهم أنه قرأ على قبر:


ما أحد أكرم من مفرد



في قبره أعماله تؤنسه


منعم الجسم في روضة



زينها الله فهي مجلسه




تزود قرينا من فعلك إنما




قرين الفتى في القبر ما كان يفعل


وإن كنت مشغولا بشيء فلا تكن




بغير الذي يرضي إلهك تشغل


فلن يصحب الإنسان من بعد موته




إلى قبره إلا الذي كان يعمل


إلا إنما الإنسان ضيف لأهله




مقيم قليلا عندهم ثم يرحل([1])









([1]) من أهوال القبور باختصار.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-27, 17:35   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

أصناف أهل الجنة وأصناف أهل النار

في صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: «وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال، وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ له الذين هم فيكم تبع لا يبغون أهلا ولا مالا، والخائن الذي لا يخفى له طمع, وإن دق إلا خانه, ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك» وذكر البخل والكذب والتنظير الفاحش.


ففي هذا الحديث جعل النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجنة ثلاثة أصناف:


أحدها: ذو السطان المقسط المتصدق، وهو من كان له سلطان على الناس, فسار في سلطانه بالعدل ثم ارتقى درجة الفضل.


والثاني: الرحيم الرقيق القلب الذي لا يخص برحمته قرابته بل يرحم المسلمين عمومًا, فتبين أن القسمين أهل الفضل والإحسان.


والثالث: العفيف المتعفف ذو العيال، وهو من يحتاج إلى ما عند الناس, فيتعفف عنهم، وهذا أحد نوعي الجود، أعني العفة عما في أيدي الناس لا سيما مع الحاجة.


وقد وصف الله في كتابه أهل الجنة ببذل الندى وكف الأذى, ولو كان الأذى بحق فقال: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.


فهذا حال معاملتهم للخلق.


ثم وصف قيامهم بحق الحق فقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾.


فوصفهم عند الذنوب بالاستغفار وعدم الإصرار، وهو حقيقة التوبة النصوح.


وقريب من هذه الآية قوله تعالى: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾.


والعقبة قد فسرها ابن عباس بالنار، وفسرها ابن عمر بعقبة في النار.


فأخبر سبحانه أن اقتحامها وهو قطعها ومجاوزتها يحصل بالإحسان إلى الخلق إما بعتق رقبة وإما بالإطعام في المجاعة، والمطعم إما يتيم من ذوي القربى أو مسكين قد لصق بالتراب فلم يبق له شيء، ولا بد مع هذا الإحسان أن يكون من أهل الإيمان والآمر لغيره بالعدل والإحسان، وهو التواصي بالصبر والتواصي بالرحمة، وأخبر سبحانه أن هذه الأوصاف أوصاف أصحاب الميمنة.


وأما أهل النار: فقد قسمهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث خمسة أصناف:


الصنف الأول: الضعيف الذي لا زَبْرَ له، ويعني الزبر: القوة والحرص على ما ينتفع به صاحبه في الآخرة من التقوى والعمل الصالح وخرج العقيلي من حديث أبي هريرة مرفوعًا «إن الله يبغض المؤمن الذي لا زَبْرَ له»: قال بعض الرواة: الحديث يعني الشدة في الحق، ولما حدث مطرف بن عبد الله بحديث عياض بن حمار هذا, وبلغ قوله: «الضعيف الذي لا زبر له» فقيل له: أو يكون هذا؟ قال: «نعم والله لقد أدركتهم في الجاهلية وإن الرجل ليرعى على الحي ما له إلا وليدتهم يطؤها»، وقال ابن شوذب يقال: إن عامة أهل النار كل ضعيف لا زبر له الذين هم فيكم اليوم تبع لا يبغون أهلا ولا مالا. خرجه عبد الله بن الإمام أحمد في الزهد.


وهذا القسم شر أقسام الناس ونفوسهم ساقطة؛ لأنهم ليس لهم همم في طلب الدنيا ولا الآخرة، وإنما همة أحدهم شهوة بطنه وفرجه كيف اتفق له، وهو تبع للناس خادم لهم أو طواف عليهم سائل لهم.


والصنف الثاني: الخائن الذي لا يخفى له طمع, وإن دق إلا خانه، أي: لا يقدر على خيانة, ولو كانت حقيرة يسيرة إلا بادر إليها واغتنمها.


ويدخل في ذلك التطفيف في المكيال والميزان.
وكذلك الخيانة في الأمانات القليلة كالودائع وأموال اليتامى وغير ذلك, وهو خصلة من خصال النفاق، وربما يدخل الخيانة من خان الله ورسوله في ارتكاب المحارم سرًا مع إظهار اجتنابها.


وقال بعض السلف: كنا نتحدث أن صاحب النار من لا تمنعه خشية الله من شيء خفي له.


الصنف الثالث: المخادع الذي دأبه صباحًا ومساء مخادعة الناس على أهليهم وأموالهم، والخداع من أصناف المنافقين كما وصفهم الله -تعالى- بذلك، والخداع معناه إظهار الخير وإضمار الشر لقصد التوصل إلى أموال الناس وأهاليهم والانتفاع بذلك وهو من جملة المكر والحيل المحرمة.


وفي حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم من غشنا, فليس منا، والمكر والخداع في النار.


والصنف الرابع: الكذب والبخل, ولم يحفظ الراوي ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حفظًا جيدًا والكذب والبخل خصلتان، وفي مسند الإمام أحمد في هذا الحديث الكذب أو البخل بالشك، وقد قيل: إنه عدهما واحدًا كذا قاله مطر الوراق, وهو أحد رواة هذا الحديث والكذب و البخل كلاهما ينشأ عن الشح كما جاء ذلك في الأحاديث، والشح هو شدة حرص الإنسان على ما ليس له من الوجوه المحرمة، ينشأ عنه البخل وهو إمساك الإنسان ما في يده والامتناع من إخراجه في وجوهه التي أمر بها, فالمخادع الذي سبق ذكره هو الشحيح، وهذا الصنف هو البخيل، فالشحيح أخذ المال بغير حقه، والبخيل منعه من حقه، كذلك روى تفسير الشح والبخل عن ابن مسعود وطاووس وغيرهما من السلف وفي الأثر: أن الشيطان قال: مهما غلبني ابن آدم فلن يغلبني بثلاث: يأخذ المال من غير حله أو ينفقه في غير وجهه أو يمنعه من حقه، وينشأ عن الشح أيضًا الكذب والمخادعة والتحيل على ما لا يستحقه الإنسان بالطرق الباطلة المحرمة.


وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الكذب يهدي إلى الفجور, وإن الفجور يهدي إلى النار».


وفي المسند عن عبد الله بن عمرو قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما عمل أهل النار: قال: «الكذب إذا كذب العبد فجر, وإذا فجر كفر, وإذا كفر دخل النار»


الصنف الخامس التنظير: وقد فسر بالسيئ الخلق, والفحاش هو الفاحش المتفحش.


وفي الصحيحين عن عائشة عن النبي قال: «إن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه».


وفي الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الله يبغض الفاحش البذي: والبذي الذي يجري لسانه بالسفه ونحوه من لغو الكلام».


وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بحسب امرئ من الشر أن يكون فاحشًا بذيئًا بخيلا جبانا» فالفاحش هو الذي يفحش في منطقة, ويستقبل الرجال بقبيح الكلام من السب ونحوه، ويأتي في كلامه بالسخف, وما يفحش ذكره.


وخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة، وأول ثلاثة يدخلون النار، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة: فالشهيد، وعبد مملوك لا يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه، وفقير متعفف ذو عيال, وأول ثلاثة يدخلون النار أمير متسلط، وذو ثروة من مال يمنع حق الله في ماله، وفقير فخور» وخرج الترمذي أوله, وقال: حديث حسن.
فهؤلاء الأصناف الثلاثة من أهل النار.


وضد الأصناف الثلاثة من أهل الجنة المذكورين في حديث عياض بن حمار، فإن السلطان المسلط ضد العادل المحسن، والغني الذي يمنع حق الله ضد الرحيم الرقيق القلب لذي القربى, وكل مسلم والفقير الفخور ضد المتعفف الصابر على شدة الفقر وضره، وأوصاف هؤلاء الثلاثة هي الظلم والبخل والكبر، والثلاثة ترجع إلى الظلم؛ لأن الملك يظلم الناس بيده، والبخيل يظلم الفقراء بمنع حقوقهم الواجبة، والفقير يظلم الناس بفخره عليهم بقوله وأذاه لهم بلسانه.


وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل ذكر القائل والقارئ والمتصدق الذين يراؤون بأعمالهم, وقال: أولئك أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة يا أبا هريرة.


وقد يجمع بين هذا الحديث والذي قبله بأن هؤلاء الثلاثة أول من تسعر بهم النار، وأولئك الثلاثة أول من يدخل النار، وتسعير النار أخص من دخولها, فإن تسعيرها يقتضي تلهبها وإيقادها, وهذا قدر زائد على مجرد الدخول، وإنما زاد عذاب أهل الرياء على سائر العصاة؛ لأن الرياء هو الشرك الأصغر والذنوب المتعلقة بالشرك أعظم من المتعلقة بغيره.


وقد ورد أن فسقة القراء يبدأ بهم قبل المشركين.


فروى عبد الملك بن إبراهيم الجدي حدثنا عبد الله بن عبد العزيز العمري عن أبي طوالة عن آنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الزبانية أسرع إلى فسقة القراء منهم إلى عبدة الأوثان, فيقولون: يبدأ بنا قبل عبدة الأوثان، فيقال لهم: ليس مَنْ علم كمن لا يعلم» أخرجه الطبراني وأبو نعيم، وقال: غريب من حديث أبي طوالة تفرد به عنه العمري انتهى, والعمري هذا هو أبو عبد الرحمن الزاهد رحمه الله.


وقد ذكرنا أحاديث متعددة في خروج عنق من النار يوم القيامة يتكلم, وأنها تلتقط من صفوف الخلق المشركين والمتكبرين وأصحاب التصاوير، وفي رواية: «ومن قتل نفسًا بغير نفس.. فينطلق بهم قبل سائر الناس بخمس مائة عام.
وروي عن ابن عباس وغيره من السلف أن ذلك يكون قبل نشر الدواوين ونصب الموازين.
وجاء في حديث مرفوع أن ذلك يكون قبل حساب سائر الناس, والله أعلم ([1])
الحزن العظيم على المتخلفين عن رفقة السابقين إلى جنات النعيم:

([1]) من التخريف من النار باختصار.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-27, 17:42   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

خاتمة

العجب كل العجب من أربعة:


أحدها: من عاقل غير عالم، أما يهتم بمعرفة ما بين يديه، أما يتعرف ما هو مطلع بعد الموت عليه بالنظر في هذه الدلائل والعبر، والاستماع إلى هذه الآيات والنذر، والانزعاج بهذه الخواطر والهواجس في النفس، قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ وقال تعالى: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾.


والثاني: من عالم غير عامل بالعلم، أما يتفكر أما يعلم يقينًا مما بين يديه من الأهوال العظام والعقبات الصعاب، وهذا هو النبأ العظيم الذي أنتم عنه معرضون.


والثالث: من عامل غير مخلص أما يتأمل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾.


والرابع: من مخلص غير خائف، أما ينظر إلى معاملاته جل جلاله مع أصفيائه وأوليائه وخدمه الدالة بينه وبين خلقه حتى يقول لأكرم الخلق عليه: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ وهذه ونحوها حتى حكي أنه كان عليه السلام يقول شيَّبتي هود وأخواتها.


ثم جملة الأمر وتفصيله، ما قاله رب العالمين في أربع آيات من الكتاب العزيز قوله -عز وجل- ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾.


ثم قال جل اسمه: ﴿وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.


ثم قال جل من قائل: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾.
ثم أجمل الكل فقال: وهو أصدق القائلين: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾.









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
التنبيه, النفس, تذكرة, ينبغي, زمان, والأخوان


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:32

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc