الاستقامة حقيقتها اسبابها اثارها - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الاستقامة حقيقتها اسبابها اثارها

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-06-15, 19:01   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
til-crazy basma
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية til-crazy basma
 

 

 
إحصائية العضو










B11 الاستقامة حقيقتها اسبابها اثارها

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و براكاته

أَمَّا بَعْدُ :
فإنَّ الاستِقامة على أَمَر الله غَايةٌ جليلة ، وَهَدَفٌ في هذه الحياة ينبغي لِكُلِّ مُسلم أن يسعى إليه ، فإنَّ مِنْ رَحْمَة الله تعالى أَنَّه يَأْمُرنا بالأمر ويبيِّن لنا كيفية الامتثال به .
فيقول الله تعالى: (( فاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)) [هود:112-113].
هذا الأمر مُرَتَّبٌ على ما قبله (( وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) [هود:111] .
كلٌ سَيُوَفَّى عَمَلَهُ، الأخيار والأشرار .
إذًا: فهذا يقتضي أن يأخذ الإنسان بسبب السعادة والفلاح، كلٌ سَيُوَفَّى عمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فمن أراد لنفسه النجاة فهذا هو سبيلها، وهي الاستقامة على أمر الله وهي طريق السعادة والفلاح والفوز .وقوله تعالى : (( فأستم كما أمرت ومن تاب معك ))
الأمر هنا للنبي أولاً : ثم لأتباعه (( ومن تاب معك ))
إي : ومن آمن معك بأن تابوا من الشرك فأمنوا بالله ورسوله وصاروا مع النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنين به وبما جاء به .
إذًا فالموضوع الأساسي هو:
الاستقامة ، حقيقتها ، أسبابها ، آثارها
ونُرَكِّزُ الحديثَ في هذا الموضوع المهم في العناصر التالية :
أولًا : تعريف الاستقامة .
ثانيًا : فضل الاستقامة .
ثالثًا : حقيقة الاستقامة .
رابعًا: ما تحقق به الإستقامة .
خامسًا: القوادح في الإستقامة .
سادسًا: أسباب الاستقامة .
سابعًا: آثار الاستقامة .

* * *
أولاً : تعريف الاستقامة
الاستقامة في اللغة () : ضد الاعوجاج والانحراف فالشَّيء المستقيم هو المعتدل الذي لا اعوجاج فيه، وهذا يأتي في الحسيات، تقول: هذا طريق مستقيم و هذا طريق مُعْوَجٌّ.
الاستقامة في الشرع : التي أمر الله بها نبيه والمؤمنين، كما في الآيةالمتقدمة وهي وصيَّة النبي للذي قال له: ((قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ ؟ قَالَ : قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثم اسْتَقِمْ ))() .
* * *

ثانيًا : فضل الاستقامة
قد ذكر الله فضل الاستقامة، وأنها سبيل السعادة في غير ما موضع من كتابه :
قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [الأحقاف:13-14].
فالله تعالى قد أثنى على أهل الاستقامة، وَوَعَدَهُم بالأجر الجزيل.
وقال : (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [فصلت:30].
قال الله تعالى: (( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ)) .
الأمر هنا للنبي أولًا، ثم لأتباعه، (( وَمَن تَابَ مَعَكَ)) .
أَيْ: ومن آمن معك؛ بأن تابوا من الشرك، فآمنوا بالله ورسوله، وصاروا مع النبي مؤمنين به، وبما جاء به .

* * *
ثالثًا : حقيقة الاستقامة
الاستقامة تتضمن في الشرع أمرين:
السَّير على الطريق.
الاستمرار و الثبات عليه حتى الممات .
فالأول: السير على الطريق :
وهذا المعنى يُفَسِّرُهُ قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ )) [آل عمران:102] .
اتقوه حق التقوى بحسب الاستطاعة ، قال تعالى: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) [التغابن:16].
والثاني: الاستمرار والثبات عليه حتى الممات:
وذلك في قوله تعالى: (( وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) [آل عمران:102] .
فهذا يتضمن الأمر بالدوام والاستمرار .
والمعنى: استقيموا واثبتوا على التقوى حتى يأتيكم الموت وأنتم على ذلك، كما في الحديث الصحيح: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فلتأته مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْتِي إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ )) ()
* * *

رابعًا : ما تتحقق به الاستقامة
وتتحقق الاستقامة بأمور :
الأول: أداء الفرائض والواجبات .
وهذه الفرائض والواجبات التي فرضها الله على عباده على مراتب:
أولًا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
فالتوحيد هو أوجب الواجبات، وأعظم الحسنات، وأفضل الطاعات، وهو أول ما أمر الله به عباده، وهو حقه عليهم، وهو مفتاح دعوة الرسل، وتحقيق ذلك بعبادة الله وحده لا شريك له وإخلاص الدين له ويتبع ذلك تحقيق متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ذلك مقتضى الشهادتين .
ثانيًا: الصلوات الخمس : وهي قرينة التوحيد في الكتاب والسُّنَّة.
ثالثاً: الزكاة، والصيام، الحج، هذه أركان الإسلام .
رابعاً: الواجبات الأخرى كـ"الجهاد في سبيل الله، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحقوق العباد" كلها تدخل في الفرائض، فتكون مما يتحقق الاستقامة.
إذًا: الاستقامة إنما تتحقق بأداء حقوق الله، وحقوق العباد.
الأمر الثاني مما يحقق الاستقامة : النَّوافل .
ولاشك أَنَّ الْمُحَافَظَة عَلى النَّوافل مِنْ كمال الاستقامة، ومِنْ حكمة الله أَنْ شَرَّع لعباده نوافل الطاعات في جميع العبادات "الصلاة، الصدقة، الصيام، الحج" وسائر الطاعات التي فرضها الله على عباده، شرع من جنسها ما هو تطوع .
الثالث : اجتناب المحرمات .
واجتناب المحرمات يكون بامتثال المأمورات، واجتناب المحظورات، فالتوحيد – مثلاً- لابد فيه مِنْ تَرك الشِّرك، والشِّرك أعظم الذنوب، وتأتي بعده كبائر الذنوب، وتأتي بعده ذنوب على مراتبها في القبح والتحريم التي لابد من تَوَقِّيْها لتحقيق الاستقامة.
ويدخل في الاستقامة ترك الحرام البَيِّن، وترك المتشابه! كما قال صلى الله عليه وسلم (( إ ن الحلال بين وإن الحرام بين و بينهما أمور مشتبهات لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ))() .
كثيرٌ مِنْ النَّاس لا يبالي إذا لم يكن الشيء من الحرام البَيِّن، وممن يُقَال فِيهِ إِنَّ هذا حرام ، أو يُفْتَى بِأَنَّه حرام فَإِنَّه لَا يَدَعَهُ !!
وهذا ينبئ عن ضعف الإيمان وضعف التقوى .
فإن صحيح الإيمان، وصحيح التقوى هو مَنْ تَجَنَّب الحرام، واتقى الوقوع في الشبهات، فضلًا عن الوقوع في الحرام ؛ فاجتناب الذرائع، وما يُقَرِّبُ إلى الحرام مطلوب ((فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ))() .
الرابع: ترك المكروهات وترك فضول المباحات .
بعد ما علمنا أن حقيقة الاستقامة تشمل امتثال جميع المأمورات، واجتناب جميع المحرَّمات، ومن كمالها أداء النوافل، وهي أيضًا على مراتب في الفضل وفي التأكد، أيضًا من كمالها ترك المكروهات، وترك فضول المباحات .
إذًا: أهل الاستقامة ليسوا على مرتبة واحدة، فيهم المقربون، وفيهم المقتصدون، وهم لا يخرجون عن وصف الاستقامة، أما الظالمون لأنفسهم فإنهم ليسوا من أهل الاستقامة المطلقة؛ لأنهم مُخَلِّطون (( خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً)) [التوبة:102] .
فلم يكونوا مستقيمين الاستقامة التي أمر الله بها، عندهم تفريط، وبهذا نعلم أن الاستقامة تتفاوت، ويتفاضل فيها أهلها .
الخامس: الاستمرار على طريق الاستقامة حتى الموت .
فمن المعلوم أن كثيراً من الناس ممن يسير على طريق طالباً لأمر يستطيل الطريق فلا يطيق السير وأضرب لهذا مثلاً في السير على الطريق الحسي فمن المعلوم قد ينطلق جَمْعٌ كثيرٌ من الناس للوصول إلى مطالب وحظوظ، فمنهم من يكون عنده صدق في الطلب، وعزم صادق، وعنده يقين بحصول المطلوب، وهو من مطالب الحياة، ومنهم من يكون ضعيف فيتقاعس، وربما رجع من الطريق، وربما سار ببطء، فمِن مفهوم الاستقامة التي أمرنا الله بها، وأثنى بها على المؤمنين الثبات والدوام إلى الممات، فالذي آمن، وسار على الطريق، ثم انحرف يمينًا، أو شمالًا بإفراط، أو تفريط، أو رجع فما استقام، لابد لتحقق الاستقامة من الاستمرار؛ لأن من تراجع لا يصل إلى مطلوبه، ولهذا أكَّد الله هذا بقوله( وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ، وفي الحديث، ((فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ))() .
بما يشتمل عليه اسم الإيمان من الأفعال أو التروك.
السادس: عدم الانحراف:
وتتضمن الاستقامة أيضًا-وهو مما يدخل في السير على الطريق- عدم الانحراف .
والانحراف : خلاف الاستقامة .
والانحراف في طريق الدين: إما أن يكون إلى إفراط أو إلى تفريط، وإما أن يكون هناك تجاوز لحدود الله "غلو، طغيان" وإما تفريط، وتقاعس، وتراجع، وانحراف .
فأما الإفراط: فإنه يكون بتعدي حدود الله ، قال تعالى: (( تلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا)) [البقرة:229] .
هذا في الأوامر، ولا تتعدى المباح، ولا تتجاوز ما شَرَعَ الله إلى الغلو والابتداع في الدين.
ومن الإفراط: الغلو في الدين في كل شرائعه، لابد من الوقوف عند الحدود، (( تلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا)) [البقرة :229].
وأيضًا: قال (( تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا)) [البقرة:187] .
فالقُرب من حدوده التي نهانا عنها تفريط، وتعدِّي الحدود إفراط، وكلاهما خلاف الاستقامة.
فالاستقامة تقتضي الوقوف عند حدود الله التي أذن فيها من واجب، ومستحب، ومباح، وَتَجنُّب الحدود التي نهى الله عنها، فنهى عن القرب منها .
إذًا: السَّير إلى الله لابد أن يكون في الطريق الوسط، وهو الذي يُسمَّى في النصوص الصراط.
ما هو الصراط ؟
الصراط : هو دين الله، هو الإسلام، هو القرآن.
دين الله هو الصراط الذي نَصَبَهُ الله للعباد طريقًا يسيرون عليه إليه تعالى
فالعبد في ضرورة إلى هداية الله، وهدايةُ الله لهذا الصراط يتضمن الاستقامة (( اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ))[الفاتحة:6].
اهدنا: أَوْجَبَ الله علينا أن نستهديه الصراط في كل ركعة ، ((اهدِنَا)) هذا أوجب وأفضل وأنفع دعاء .
الهداية هنا تشمل نوعين:
هداية الدلالة والإرشاد.
هداية التوفيق، وهداية التوفيق تتضمن الثبات على الطريق .

* * *
خامسًا : القوادح في الاستقامة
لمَّا أمر الله نبيه بالاستقامة ، نهاه عن ضِدِّها، وهو الطغيان، والمَيْل إلى الكافرين والظالمين، والفاسقين والمنافقين، فقال: (( وَلاَ تَطْغَوْاْ)) .
الطغيان ضد الاستقامة، تجاوز، وإفراط، وتعدِّي لحدود الله، وإمعان أيضًا في الباطل، قال: (( وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) .
فقوله تعالى : (( وإنه بما تعملون بصير )) فيه وعد ووعيد، وإذا كان الله بصيراً بما يعمله العباد، فإنه سيجزيهم بما علمه، ورآه من أعمالهم التي وقعت منهم حقيقة، على الخير خيرًا، وعلى الشرِ بما يستحقون .
قال تعالى: ((وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)) .
الركون : هو المَيْل، وهو أيضًا ضد الاستقامة .
والاستقامة تتضمن مفاصلة أعداء الله، وبُغْضَ أعداء الله، والحذرَ من طاعة أعداء الله، قال تعالى: (( وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)) [الأحزاب:48].
وطاعتهم من الركون إليهم .
قوله تعالى : ((فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)) [هود:113]. فيه وعيد شديد وتهديد لمن ركن إلى الظالمين وينبغي أن يُعلم أن أكثر ما يطلق عليه اسم الظلم في القرآن الشرك، قال تعالى: (( وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ)) [يونس:106] .
وقال: (( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان:13] .
ويشمل الظلم أنواع الظلم، وقد يُراد به في بعض المواضع ما دون الشرك، مثل الآية التي أَشَرْتُ إلى معناها، قال تعالى: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ)) [فاطر:32].
هذه الأصناف هي أصناف المؤمنين بالكتاب وبالرسول، منهم الظالم لنفسه المُخلِّط، ومنهم المقتصد وهو المتوسط، ومنهم السابق بالخيرات وهم المقربون .
* * *

سادسًا : أسباب الاستقامة
1 - صحة الإيمان واليقين :
لأن الانحراف والفتور والتراجع ينشأ عن ضعف اليقين، كلما كان الإيمان أقوى كلما تحققت الاستقامة، وتكاملت، وتمت، قال تعالى: (( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقّ))[الروم:60].
فاليقين يحمل على الصبر، والصبر هو قاعدة الاستقامة ، فكل من الصبر واليقين عماد للاستقامة .
فالاستقامة والسير على الطريق، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي تفتقر إلى اليقين والصبر.
فما يُؤْتَى الإنسان إلا من ضعف إيمانه، ومن ضعف يقينه، ومن ضعف صبره.
2 - التبصر بالدين :
والعلم بما جاء به الرسول من الكتاب والحكمة والتبصر فيهما، التدبر لهما، تدبر القرآن يُورِث معرفة بما أمر الله به وبما نهى عنه، وفي القرآن الترغيب والترهيب والوعد والوعيد.
فالعلم بهذه النصوص واستشعارها واستحضارها من أسباب الاستقامة، أن تَعْلَم أن الله أمرك، أن تعلم عاقبة الطاعة، وعاقبة المعصية وعاقبة تركها، فالعلم بذلك واستشعاره من أسباب الطاعة .
الانحراف إما أن يكون لعدم العلم أو لعدم اليقين، وعدم الإيمان التام، ولهذا قال : (( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) () .
الزاني المسلم ما يَكْفُر بزناه، لكنه يفتقد الإيمان الوازع، فالزاني ما زنى والشارب ما شرب والسارق ما سرق إلا عندما زال عنه الإيمان الرادع، الذي يحمل على الكفِّ، فقد يتوفر هذا الإيمان فتحصل الاستقامة باجتناب ما حَرَّمَ الله، وهكذا في المأمورات، فالإيمان هو الوازع، وهو يقوم على العلم .
3- الدعاء :
فيسأل الإنسان ربه الثبات "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم اهدني الصراط المستقيم" فالدعاء الواجب والمستحب يتضمن سبب من أسباب الاستقامة.
ومن الأدعية: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى))() ، (( اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي)) () .
فسؤال الهداية، وسؤال الثبات، واستمداد العون من الله هي من أسباب الاستقامة ((اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) () ، فبدون هداية الله وعونه وتوفيقه لا يصل الإنسان إلى شئ، ولا يقوى على شيء، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
4- اختيار الصحبة الصالحة :
فالصحبة الصالحة الذين يُذَكِّرون الإنسان إذا نسي، ويأمرونه بما يجب عليه، وينكرون عليه إذا انحرف، ويعينونه إذا كَسُلَ، قال تعالى: (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) [التوبة:71].
المؤمن إن أصابه شيء احتسبه: قال : ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ))() .
سابعًا : آثار الاستقامة
إن أعظم آثار الاستقامة مغفرة الله ورحمته وكرامته ورضوانه، قال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [فضلت:30].
يأتي المؤمن يوم القيامة وهو آمن، والناس يخافون ويفزعون، قال تعالى: (( أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) [فصلت:40].
أمن وهدى، قال تعالى( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ)).
في الآية الأخرى: (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا)) [فصلت:30].
يُقَيِّض الله لهم الملائكة في أصعب الأحوال، تطمئنهم في الدنيا، وأيضًا تُقَوِّي فيهم الثقةَ بالله، والتوكلَ عليه، وحُسْنَ الظن به، لا حُسْن الظن الذي هو اغترار وأماني، إنما حُسْنُ الظن المبني على مجاهدة النفس، والجد، والاجتهاد في طاعة الله، فتنزل عليهم عند الموت وفي القبر، وتتلقاهم يوم القيامة ألا تخافوا ولا تحزنوا ، قال تعالى: (( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَلَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) [الأنبياء :101-103] .
إِنَّ مِن عاقبة الاستقامة : السعادة في الدنيا والآخرة، فأهل الإيمان هم في نعيم في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة.
كما قال ذلك ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى: (( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ)) [الانفطار:13] .
نعيم في الدنيا؛ بما يجعله الله في قلوبهم من السرور وقرة العين، والفرح بالإسلام، وبالإيمان وبالقرآن، وفي البرزخ يفتح للمؤمن باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويصير عليه قبره روضة من رياض الجنة ، وفي الآخرة في جنات النعيم ، في نعيم مقيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
فنسأل الله لنا ولكم الاستقامة، والثبات على دينه، وأن يعصمنا وإياكم من مُضِلَّات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.









 


رد مع اقتباس
قديم 2013-06-15, 19:15   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
mohprod
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

الف شكر لك اخيييييي










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الاستقالة, اثارها, اسبابها, حقيقتها


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:11

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc