جان بياجيه و الحياة العقلية للطفل:
عالم نفس سويسري ، بدأ حياته كباحث في وقت مبكر للغاية، تحصل على الدكتوراه في البيولوجيا في سن الثانية والعشرين وبعدها اتخذ التحليل النفسي مسلكا له ، كانت نظريته حول النمو العقلي للطفل .
يعتبر بياجيه وفريد من أكبر مفكري القرن العشرين. أفكار بياجيه كانت حول العالم العقلي للطفل في حين ذهب فريد إلى الحديث عن الحياة الانفعالية للطفل.
أحدث بياجيه ثورة في دراسته لتطور اللغة والتفكير لدى الطفل كما لم يتلخص تفكيره في النظرة السلبية لتفكير الطفل مقارنة مع تفكير الكبار ، بل اتجه الى النظرة الايجابية للطفل وتفكيره.
الأسئلة التي كانت تستقطب الباحثين دائما:
ما الذي لا يوجد عند الطفل في تفكيره ؟ وما الذي ينقصه بالمقارنة مع الكبار؟
فالطفل لا يملك القدرة على التفكير المجرد، تكوين المفاهيم ،ربط الأحكام وكذا الاستنتاج..
استنتج بياجيه الأسئلة على النحو التالي :ما الذي يوجد عند الطفل ؟وما الذي يتصف به تفكيره من خصائص وصفات تميزه ؟
تمحورت دراسات بياجيه حول عقل الطفل على أنه نشيط وايجابي منذ الصغر،فالطفل في صراع مستمر مع هذا العالم المعقد يحاول اكتشافه وإزاحة الغموض عن أشياء عديدة.
كانت تجارب بياجيه في بادئ الأمر حول أطفاله الثلاثة ولما تأكد من تجاربه أجراها على أطفال اخرين من عدة مجتمعات وثقافات.
الذي ميز بياجيه أنه كان يملك نظرة ثاقبة للأمور فهو يستنبط قمة الذكاء في تصرفات الطفل في حين يراها آخرون أنها تصرفات سلبية خاطئة.والجدير بالذكر أن هذه الأخطاء كانت لب دراسات بياجيه حيث يحللها ويتحصل على نتائجه.
من بين إحدى تجارب بياجيه أنه وضع أمام طفل صغير إناءين أحدهما طويل وضيق والأخر متسع وصغير،يحتويان على نفس الكمية من الماء. وقد توصل بياجيه إلى أن الأطفال كانوا يميلون إلى الإناء الأطول ظنا منهم أنه الأكثر حيث كمية الماء ولا يمكن تغيير رأيهم مهما تعددت وسائل الفهم ،الغريب في الأمر أن نفس الأطفال وفي سن السادسة أو السابعة يدركون بمحض إرادتهم أن السائل ليس له أي علاقة بالشكل الموجود فيه (الإناء)، فنفس الكمية تبقى ثابتة مهما تعددت الأشكال.
في تجربة أخرى يؤكد بلاجيه ان : "الأطفال في سن الخامسة أو السادسة يعتقدون أن ستة بنسات موضوعة فوق بعضها البعض تكون أقل في كميتها منها حين تكون موضوعة في صف أفقي". وفي سن السابعة أو الثامنة يدرك الأطفال أن العدد لا يتغير بتغير طريقة الترتيب.فتصرفات الطفل وليدة الخبرة والفعل المكتسب.
حسب بياجيه الخبرة مردها الى العامل الوراثي لكل طفل حيث الذكاء الفطري.فكل طفل يبني واقعه الشخصي ويرسم نموذجا خاصا به خلال نموه العقلي.
تناول بياجيه مراحل النمو العقلي للطفل على النحو التالي :
1/ مرحلة الذكاء الحسي الحركي: تبدأ من ميلاد الطفل حتى العام الثاني، يتمركز نموه العقلي تدريجيا معتمدا على الحواس فيفصل نفسه كذات عن العالم الخارجي محاولا إدراك الأشياء المحيطة به.يشير بياجيه أيضا إلى أن الطفل الرضيع إذا شاهد الزجاجة وهي بعيدة عنه فهذا يعني بالنسبة له أنه فقدها إلى الأبد.وإذا كان يشاهد نقطة من الضوء في مستوى نظره فهو يستجيب ،ويفقد الاستجابة إذا خرجت النقطة عن حيز أو مستوى نظره.
2/ مرحلة ما قبل المفاهيم : تبدأ من العام الثاني إلى العام الرابع،ينظر الطفل إلى الأشياء من وجهة نظره هو،يسميه بياجيه التفكير المتمركز حول الذات (يرى الأشياء من زاويته)
3/ مرحلة التفكير الحدسي : تبدأ من سن الرابعة إلى سن السابعة ،الطفل في هذه المرحلة لا يزال أسير الإدراك أكثر من التفكير اي أنه يميل إلى التركيز على جانب واحد وإهمال جوانب أخرى،فمثلا تركيزه على طول الإناء أو ضيقه (في التجربة السابقة)
4/ مرحلة العمليات العيانية : من سن السابعة حتى الحادية عشر يستجمع الطفل عدة مفاهيم ويربطها بالتفكير المنطقي في نسق متماسك،فيستجيب نتيجة استيعابه لعدة قواعد من العالم الخارجي.
5/ مرحلة العمليات الصورية :تستمر حتى سن الخامسة عشر،يميل إلى البرهان المنطقي الذاتي ،أي معتمدا على التفكير المجرد،وبذلك نجد المراهق ميالا الى النقد والاستنتاج.
كانت أفكار بياجيه تنبع من مصب واحد هو " كيف يتعلم الكائن الإنساني ؟ ،يجيب عن سؤاله بأن هذا الكائن له زاويتان فالأولى يتعلم بفضل طبيعته وما ورثه ، والثانية أنه يكتسب خبرات من البيئة (العالم الخارجي) .يلخص بياجيه أفكاره في أن الطفل يحتوي على برنامج وراثي وأخر بيئي.
(141-136 مجلة العربي،جامعة الكويت،1982، )
بتصرف....imane ha