السلام عليكم
القانون الدولي العام
المبحث الاول : ماهية القانون الدولي العام
1/ مفهوم القانون الدولي
اختلف فقهاء القانون الدولي حول تعريف القانون الدولي
ــ يعرفه اوبنهايم الفقيه الانجليزي الذي كان يعد من انصار الفكر التقليدي (( مجموعة القواعد العرفية والاتفاقية التي تعتبرها الدول المتمدينة ملزمة لها في تصرفاتها ))
ـ في قضية اللوتس 1928 تبنت المحكمة الدائمة للعدل التعريف التقليدي الذي يعتبر الدول وحدها اشخاص القانون الدولي
فالقانون الدولي بمنظور المحكمة الدائمة هو الذي يحكم العلاقات بين الدول المستقلة
ـــ اما الفقيه الفرنسي دوجي فهو من انصار الفكر الحديث ـ حيث انكر الشخصية القانونية للدولة
واعتبر ان الافراد هم وحدهم يمثلون اشخاص القانون الدولي
ـــ اما لويس دليبز ــ وشتروب ــ وروسو هم ايضا من انصار الفكر الحديث ، لكنهم خالفوا دوجي في تعريفه للقانون الدولي العام ، فهم لا ينكرون كون الدولة الشخص الرئيسي للقانون الدولي ، الا انهم يرون وجود اشخاص اخرين للقانون الدولي
فروسو عرف القانون الدولي : انه ذلك الفرع من القانون الذي يحكم الدول في علاقاتها المتبادلة
ـ او هو القانون الذي ينظم العلاقات بين اشخاص القانون الدولي
ـــ اما باسيد الذي يعد هو الاخر من انصار الفكر الحديث عرف القانون الدولي العام بانه مجموعة من القواعد القانونية المطبقة في المجتمع الدولي سواء اكان ذلك في العلاقات بين الدول ذات السيادة ام بين المنظمات الدولية في علاقاتها مع الدول
من خلال هذه التعريف العديدة والمختلفة للقانون الدولي العام ــ يمكن استخلاص تعريف للقانون الدولي العام بأنه مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الاشخاص القانونية الدولية في وقتي السلم والحرب والحياد
المبحث الثاني : اساس الالزام في القانون الدولي
اختلف الفقهاء في اساس القانون الدولي العام وعن التزام الدول بتطبيق قواعده ومبادئه
المذهب الارادي : يرى اساس التزام الدول بتطبيق قواعد القانون الدولي نابع من ارادة الدول المنفردة ام المشتركة
المذهب الموضوعي : يرى اساس التزام الدول بتطبيق قواعد القانون الدولي مبني على اسباب مادية وموضوعية ليست لها علاقة بإرادة الدول
المذهب المبني على الفقه الماركسي : يرى اساس التزام الدول بتطبيق قواعد القانون الدولي نابع من عوامل اقتصادية
الفقه الارادي :
يمثله الالمان ـــ على رأسهم هيجل ــ الذي اعتبر ان القانون الدولي وليد الاتفاقات التي تعقدها الدول بمحض ارادتها وفقا لمصالحها
والفرنسي جان جاك روسو الذي له نفس الفكرة ـــ حيث يعتبر ان القانون الدولي ما هو الا تعبير عن الرغبة العامة للجماعة
1/ المذهب الارادي :
يرى ان اساس التزام الدول بقواعد القانون الدولي يرتكز على ارادة الدول ذات السيادة التي تكون صريحة او ضمنية
فاذا كان القانون الدولي ما هو الا تعبير عن الرغبة العامة للجماعة ، فهو يستند الى ارادتها دون غيرها
الا ان الارادة المقصودة التي تعتبر اساس التزام بقواعد القانون الدولي ، اختلف حولها انصار هذا المذهب وانقسم الى فريقين ـــ فريق ينادي بنظرة الارادة المنفردة او التحديد الذاتي ، وفريق اخر ينادي بنظرية الارادة المشتركة
سؤال : كيف يمكن لدولة ذات سيادة ان تلزم نفسها بالخضوع للقانون الدولي طالما انه لا يوجد سلطة اعلى منها في العلاقات الدولية تجبرها على احترام وتنفيذ ما انشأته من قواعد ؟
الاجابة :
أ / نظرية التحديد الذاتي ( او نظرية القيد الذاتي للإرادة ) théorie de l’autolimitation
تقرر ان القانون الدولي مرتبط بالإرادة ارتباطا فعليا وضروريا اذ هو يدين لها بالوجود ويستمد من وصفها وسلطانها قوته الالزامية
زعيم هذا المذهب جورج بلينك الذي قال : ( عندما تتعارض ارادة الدولة مع القانون الدولي العام فيجب ان يتوارى هذا الاخير ، لان الدولة في مركز اسمى من كل المبادئ القانونية )
اذن لا يوجد فوق ارادة الدولة ارادة تفوقها سلطانا وتبعا لذلك يجد القانون الدولي العام في ارادة الدولة المستقلة الاساس الذي يقوم عليه
الدولة وفقا لهذا المذهب تتمتع بالسيادة الكاملة ولا تخضع لأية سلطة عليا ، وهي تملك بموجب ما لها من سيادة ان تقيد ارادتها بنفسها ، وهذا يحدث عندما تدخل الدولة في علاقات مع غيرها من الدول
اذن ارادة الدولة وفق لهذا المذهب هي المصدر الوحيد لقواعد القانون الدولي العام ، رغم ان ارادة الدولة ليست مطلقة في خلق تلك القواعد
فان هذه النظرية واجهت نقدا شديدا
اذا كانت تقيد ارادتها بنفسها ينتج حتما امكان تحللها من الالتزامات والقيود التي قبلتها متى رات ذلك الا يعد هذا هدما لفكرة القانون الدولي ؟ لان القيد الذي يوكل مفاتحه لنفس الشخص المقيد لا يعد قيدا
ب / نظرية الارادة المشتركة :
زعيم هذه المدرسة الفقيه الالماني ـــ تريبل triepel العلامة الالماني عميد لكية الحقوق برلين سابقا يرى ان قواعد القانون الدولي العام نشأت نتيجة للرضا العام اي لتوافق ارادات الدول المشتركة في انشاء تلك القواعد ـــ معناه اجتماع ارادات متماثلة اي ارادات تهدف كلها الى غرض واحد ــ خلاف لما يحدث في العقود التي تجمع بين ارادات متقابلة ترمي الى اغراض مختلفة ـــ
فهو يعتبر ان ارادة الدول المشتركة هي الاساس الذي منه تستمد منه الدول قوة الالزام في هذه القواعد القانونية
النقد :
تقوم على تحايل لإيجاد سلطة اسمى من ارادة الدولة لإقامة القانون عليها ، وهي اتحاد الارادات
ـ لا يبين الاساس الذي يمتنع بمقتضاه على دولة ما ان تتحلل من الارادة الجماعية
ــ كما لا يفسر سبب التزام الدول التي تدخل حديثا في الجماعة الدولية بجميع قواعد القانون الدولي مع انها لم تشترك بإرادتها في تكوينه
القاعدة القانونية حتى ولو كانت عرفية لا تعتبر ملزمة لمجرد الدول اتفقت على اتباعها بل لأنها تعلو على ارادة تلك الدول
2/ المذهب الموضوعي :
انصار هذا المذهب يعتبرون ان سبب التزام الدول بقواعد القانون الدولي شيء خارج عن ارادة الدول
وقد انقسم فقهاء هذا المذهب الى مدرستين هما :
1/ المدرسة القاعدية النمساوية :
تعتبر هذه المدرسة بان القواعد القانونية انما تستمد قوتها الالزامية بعضها من بعض بالتدرج حسب القوة والاهمية وبشكل هرمي
القانون حسب تصور هذه المدرسة جملة من القواعد على شكل هرم وكل قاعدة قانونية تستند على قاعدة قانونية التي تعلوها
يقول العالم النمساوي كلسن ان اساس صحة كل قاعدة قانونية يرجع الى وجود قاعدة قانونية اخرى تقرها وتأمر باحترامها ــ فاسا صحة النظام مثلا هو القانون الذي اباح اصداره واساس الشرعية التشريع هو الدستور الذي حدد السلطة
القاعدة في قمة الهرم انما تستمد قوتها الالزامية من القاعدة المعروفة بالوفاء بعهود الاتفاق
النقد :
نظرية تحكمية لا يمكن قبولها
اعتمدت على الافتراض كأساس الالتزام بقواعد القانون الدولي العام
القاعدة القانونية في قمة الهرم تفتقر الى اثبات مصدر وجودها وكيفية اكتسابها تلك القوة الالزامية
المدرسة الفرنسية او نظرية التضامن الاجتماعي:
الفقيه الفرنسي ليون ديجي يرى ان القانون ليس وليد سيادة الدولة وارادتها في خلق القواعد القانونية وانما نشأ نتيجة للتضامن الاجتماعي
فاذا كان القانون الوطني ينشأ نتيجة للتضامن الاجتماعي بين الافراد المجتمع الواحد ، فان القانون الدولي العام ينشأ بنفس الطريقة فهو نتيجة حتمية للتضامن بين الشعوب التي تكون المجتمع الدولي
فهو يرى ( ديجي ) ان القوة الالزامية للقاعدة القانونية مستمدة من ضرورات التضامن الاجتماعي اي من شعور الافراد بالتضامن
فجورج سل هو الاخر تأثر بآراء ديجي حيث يرى ان اساس القانون هو الشعور لدى الافراد بالتضامن وهذا ما يؤدي في نظره الى وجود القانون الموضوعي
النقد : ـ
ــ يؤاخذ على ديجي على عدم الاعتراف بوجود الدولة كشخص قانوني رئيسي والتركيز على الفرد كشخص قانوني
ــ تأسيس القانون الدولي على فكرة غامضة غير مضمونة الا وهي فكرة التضامن الاجتماعي
النظرية الاشتراكية :
يتزعمها الاشتراكيون
انصار هذه المدرسة لهم رأي مختلف تماما ، يرون ان قواعد القانون الدولي انما تستمد قوتها الالزامية من حقيقة وجود الصراع والتعايش السلمي بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي
فالتعايش السلمي هو الدي فرض على النظامين الحد الادنى من الاتفاق ساهم في خلق قواعد القانون الدولي العام وتطويرها بما يضن غايات هذه الدول في المحافظة على السلم والامن الدوليين
النقد :
ان القانون الدولي لا يستمد قوته الالزامية فقط من وجود التعايش السلمي ، وانما يستمدها ايضا من عناصر اخرى ذات اهمية ، مثل رضا الدولة نفسها وقبولها لهذه القواعد القانونية بمحض ارادتها وحريتها رغم عدم مشاركتها في صياغتها والسلام