***حركة بوخنتاش في المسيلة والحضنة عام 1860***
المرجع : من مجلة الأصالة مجلة ثقافية تصدرها وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية عدد خاص بمناسبة انعقاد الملتقى 11 للفكر الإسلامي
ب- حركة بوخنتاش في المسيلة والحضنة عام 1860
لقد كان لحركة سي الصادق في منطقة بسكرة تأثير سيئ لدى سكان الواحات والهضاب العليا لان الفرنسيين واجهوها بقسوة بالغة ولم يتورعوا عن قتل واضطهاد حتى رجال الدين الذين ينضرون إليهم على أنهم متعصبون ويعتبرونهم خطيرين على وجودهم بهذه البلاد ولم يمضي عام على حركة سي الصادق حتى اندلعت حركة أخرى مسلحة في غرب المنطقة التي كانت مسرحا لإحداثه وذلك في المسيلة وجبال الحضنة شما الهضاب العليا الشرقية وتزعم هذه الحركة محمد بن بوخنتاش الذي ينتمي الى أولاد سيدي رحاب أشراف أولاددراج الذين يدعون البراكتية ولثورة بوخنتاش هذه جذور قديمة تعود إلى نصف قرن تقريبا قبل ذلك حيث
121
أشيع بان جد البراكتية سي محمد بن سيدي بركات ذكر لا بنائه وتنبأ لهم بأن الفرنسيين سيغزون هذه البلاد في وقت ما وان تحريرها بعد ذلك سيكون على يد احد الأشراف الذي سيقدم اما من المشرق او من المغرب ولكن قدومه من السوس الأقصى بالمغرب الأقصى هو الأرجح وسيكون خليفته ونا ئبه هنا من أولاد سيدي رحاب الذين لم يكونوا تابعين لاية طريقة دينية في البلاد انا ذاك حسب رأي فيرود(7)
وعندما غزا الدوق دومال جبال أولاد سلطان عام 1844 خلال أحداث الحاج احمد باي ومحمد الصغير بن عبد الرحمان (8) عين السيد احمد بن يحي من أولاد رحاب خليفة ونائبا لشيخ بركات فحاول ان يركز نفوذه ويقوي مركزه وبقى يواصل عمله في وضيفته هذه حتى اصبح شيخا كبيرا(9).
وحوالي 10مارس1860 ،ظهر سي محمد بن بوخنتاش من أولاد رحاب ، كزعيم وادعى للناس بأنه مبعوث من شريف بالسوس الأقصى ،على رواية فيرو ، في مهمة لتحرير البلاد تجسيما لتلك الاقصوصة الشائعة منذ عدة سنوات طويلة .فصدقه الناس، آخذو يتجمعون حوله،ويستمعون إلى دعوته للجهاد ، فتأثروا بأفكاره التي كانت ملائمة لاتجاهاتهم الاستقلالية.
على إن مثل هذه الرواية لا يمكن الاطمئنان إليها ،لان بوخنتاش من سكان المنطقة فأين كان غائبا حتى ظهر من جديد ؟ وكيف استطاع إن يقنع الناس بحمل السلاح لمقامة الفرنسيين ؟ ولماذا ربطت حركته بفكرة شريف السوس الأقصى؟ إن مثل هذه الأساطير الشعبية ، على فرض صحة وجودها لا يمكن اتخاذها سببا وذريعة لنشوب حركة مسلحة تحريرية .والفرنسيون عندما يوردون مثل هذه الأقاصيص ، يهدفون
---------------------------
feraud/pp.107-110(7 )
(8)يحيى بو عزيز : من كفاح الجزائر في القرن التاسع عشر أربعة أحداث في ثلاث وثائق .المجلة التاريخية المغربية. عدد2(تونس- جويلية 1974) ص94-102
Feraud /pp.108-109.nemarest(9)
122
إلى إغراض خاصة غير شريفة من ضمنها محاولة إثبات تعصب الجزائريين الديني والعرقي.
وأذن فالتبرير الوحيد لنشوب هذه الحركة هو رفض السكان القاطع والمستمر للسيطرة الفرنسية الأجنبية وتأثرهم بحركة سي الصادق، وما قبلها من الثورات المسلحة .
لقد انتشرت بسرعة أخبار ،ودعاية محمد بن بوخنتاش الى جهات كثيرة من منطقة الحضنة، وانضم إليه سي العربي باش عدل أولاد سحنون بمدينة بريكة، وسي احمد باي من اولاد منصور، وهما اللذان سيلعبان دورا بارزا ورئيسيا في حركته لما لهما من التأثير القوي على سكان المنطقة.
وقد صدق الناس، على رأي فيروا ،في بريكة وغيرها ، بصفة دعواه وتذكروا قصة عام 1844 التي أشاعها احمد بن يحيى خليفة سي محمد بن سيدي بركات ، وتوفدوا على بوخنتاش من كل الجهات ،والكثير منهم أصحاب السمعة، والنفوذ والتأثير ،كالطلبة ،والقضاة، والعلماء ، ورجال الدين .مما جعل حركته تكون اخطر من حركة سي الصادق قبله في بسكرة ، وخنقة سيدي ناجي، واقوي وأكثر انتشارا ، وامتدادا ، وتأثيرا .
فقد تجند لحكته ، اولاد منصور ، وأولاد زميرة ،بزعامة شيوخهم ، وزعمائهم .
وانتشرت دعايته وامتدت الى كل المنطقة الجبلية الممتدة بين سطيف والحضنة .
ورفض أولاد نجاع طاعة قائدهم الموالي للفرنسيين ، ووجه قاضيهم ابنيه الى معسكر بوخنتاش ليحاربا جانبه .ولعب كل من قائد أولاد سحنون سي العربي ، وسي احمد باي دورا موجها في الثورة حتى أصبح بوخنتاش كالدمية في أيديهما.
لقد اهتم سي العربي بجمع المؤن والذخائر والأسلحة، قبل ذلك، كـنه كان يتوقع حدوث ثورة، او انه كان يعد لها مع بوخنتاش مسبقا .وعندما اندلعت ثورة سي الصادق في سفوح الاوراس وبسكرة اواخر عام1858، قال عنه سي العربي هذا ، بأنه ((دجال))، لان الشريف الحقيقي ، حسب زعمه ، وحسبما رواه فيرود سيأتي
123
لربما في السنة القادمة ، وهو يشير الى عام 1860 على ما يظهر .وهذا يدل على حركة الإعداد لثورة بوخنتاش كانت تجري حتى خلال حركة سي الصادق،وعلى سي العربي كتن من ضمن من كان يعد لها ، وان توقيتها قد حدد بعام 1860.
جمع بوخنتاش ، وسي العربي ، واحمد باي ، حوالي ثمان مائة رجل ،وعبورهم للقتال ، بما لديهم من إمكانيات .وتمركزوا بقواتهم في مكانيين على ضفتي : واد ذراع البيضاء .وكان بوخنتاش على الضفة اليسرى .وتولى الشيخ بيبي من أولاد عمر إبلاغ الفرنسيين في مدينة باتنة باستعدادات بوخنتاش ورفاقه هذه . كما استعد المدعو سي الشريف ، القاضي القديم لمنطقة الحضنة ، لمقاومته، وهو صاحب التأثير والسمعة الكبيرة، وذوا الصلات القوية مع السلطات الفرنسية بها.
وعندما اتصل الفرنسيون بهذه التحركات والاستعدادات ،آخذو يستعدون لمواجهته .فزحف الكولونيل : بان pien إلى بريكة على رأس قوات كثيرة من القناصة ، والصبايحية والرماة، وخرج الجنرال : نيم دوما رست nemes demarest من سطيف على رأس قوات أخرى عسكر بها في مكان يدعى شجرة أوادا(الشجرة التحتانية)قريبا من مكان تجمع الثوار.
وعندما تكامل تجمع القوات الفرنسية ، التحم الفريقان في معركة ضارية وحاسمة، صباح يوم 25 مارس 1860.استعمل فيها حتى السلاح الأبيض في مكان دعاه احد الشعراء الملحون ((خنق ام حمام)) وأصبحت المعركة تدعى بهذا الاسم لدى السكان وعلى السنة الناس.
ورغم مقتل عدد لا بأس به من الفرنسيين وأعوانهم ، الا ان المعركة انتهت بتخريب معسكر بوخنتاش ، وتحطيم سكان أولاد عمر ، وأنصارهم .وأرغم أولاد سي عمر على تسليم بوخنتاش نفسه في نفس اليوم وكذلك مساعده سي احمد باي المنصوري الى الجنرال : نيم دوما رست في حين قتل سي العربي باش عدل أولاد سحنون (10)
وطبق الفرنسيون كعادتهم أسلوب القتل ، والتشريد الجماعيين للسكان ، وتخريب عمرانهم وأملاكهم ، وحقولهم ، مبالغة في النكاية ، والاهانة ، والإفقار
--------------------
(10)
Feraud /ilbid .pp .108-110 et le sahara de constantine .notes et souvenirs (alger 1887) pp .420-443
124
وقد سجل احد الشعراء الملحون المعاصرين للثورة ، وقائد معركة، ((خنق ام حمام ))وما صاحبها من القتل والتشريد لأولاد سي عمر ، والبراكتية، وغيرهم ، وكيفية وصول قوات العدو ، والتحامها بالثوار .وذلك في قصيدة طويلة نورد فيما يلي بعض نماذج منها:
يا راعى الملجوم ريض أمهل لي ****وعودك من الأبعاد جاء عرقه يقطر
تعلمني ما صار في الحضنة **** فيما بين النصارة وأولاد عمر
خبر جاني مع النجوع الحق لي **** وحرمة الأبطال عامت على البر
((فتنة خنق أم حمام)) قعدت محكية **** يا معتاه انهار في جر ام عمر
ضاعوا لي سادات طلبة سنية *** ذرية رحاب شريف من النبي الطاهر
هم راحوا وفي فؤادي جاءت كية **** وفرسان المحمول ستين بع ماية قادر
باعوا الحياة من دار الدنيا **** قصدوا الجنة للمقام الأخضر
لهم الطلبة لكل تعطيهم الجزية **** وأهل العلم كبير أغمق من البحر
سيادي علماء خليفة الأنبياء **** ذرية أبو يوسف على وحيدر
خرجوا للجهاد أولاد الرحابية **** وعقلوا رجليهم وراح رخس العمر
من نطحة الأشراف ناضت مسبية **** وكسر وهاد ودات من فوق الوعر
عاد يزغرت عنهم بنات المزاينة **** وريش القرطاس.........
ركبوا الأشراف أولاد الرحابية **** وكالحناش في الأرض يغبر
محمد درغام أسد البراكتية **** واللبة السوداء تصاحبه وتكركر
جاونا زوج محال من العساكرية **** ومعهم الاعراش فزعن من الأخر
فتنة ((خنق أم حمام))قعدت محكية **** يا معتاه انهار في جر ام عمر
وقعت الصبحية جاء وراء الفجرية **** كيف الوديان السيل ضرب العساكر
جاء سرسور كيف نار مقدية **** زمدوا ونطحوا صغار أولاد عمر
125
بدا يضرب كالثلج السفارية **** وغير جبروش طاح مزنة مغزر
تلاقوا الرجال أحمر عراية **** وفي النطحة تعطيه في لوح الصدر
كيف ناض العياط ركبت مشلية **** ورعيان الفراسات سرجوا على ضمر
أهل السيوف مهندة مغاربية **** واللفعت اثنين يجوا على الأيسر
على بيت أولاد عمر قديت الغناية **** وخزنة البارود مازال حاضر(11)
تلك هي حركة محمد بوخنتاش ،وهي لا تختلف عن حركة سي الصادق في كونها عبار عن تمرد محلي جهوي ، ضعيف الاستعداد ، قليل التعبئة ، اعتمد على الحماس الدينية اكثر من غيره ، ولكن الناس لم يترددوا في حمل السلاح لان الاستعمار الفرنسي بالغ في اذلال الجزائريين، وافقارهم ، واهانتهم ، وعزلهم عن كل المجالات
-----------------------
(11)feraud /pp .110-118
126
***حركة بوخنتاش في المسيلة والحضنة عام 1860***
المرجع : من مجلة الاصالة مجلة ثقافية تصدرها وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية عدد خاص بمناسبة انعقاد الملتقى 11 للفكر الإسلامي
من وزارة الشؤون الدينية والتعليم الاصلي 1973—1979 باشراف من وزير الشؤون الدينية والتعليم الأصلي المرحوم : مولود قاسم نايت بلقاسم