بحث حول الأرشيف في الجزائر
بحث حول الأرشيف في الجزائر
1 - مقدمة
يعد حفظ الأرشيف من بين أهم التحديات التي تواجه الأرشيف في الجزائر في الوقت الحالي، نتيجة مجموعة من الأسباب أهمها : الحجم الكبير والمتزايد للأرشيف منذ الإستقلال، وتنوع الأوعية الأرشيفية، وخاصة مع ظهور أوعية جديدة لم يسبق للأرشيفي أن تعامل معها من قبل، وغياب مركز للحفظ المؤقت، تزايد عدد المستفيدين من الأرشيف وتنوعهم ... قلة الإمكانيات المادية - المالية المخصصة لهذا القطاع من قبل الإدارات والمؤسسات المختلفة العمومية منها والخاصة للتكفل بحفظ وحماية الأرشيف، مما أدى إلى عدم تجديد التجهيزات المستعملة في مختلف مصالح الأرشيف، مع ضعف في حجم المساحات المخصصة للحفظ إضافة إلى عدم توفرها على أدنى شروط الحفظ المعمول بها، كذلك يسجل القطاع نقص في تكوين وتأهيل الأرشيفيين في هذا الجانب الخاص، مع قلة وضعف القوانين والنصوص الرسمية، وخاصة الإجراءات التنفيذية التي تساعد الأرشيفي والإداري في القيام بهذه المهمة، مع غياب المتابعة والمراقبة، وهذا بالرغم من المجهودات التي بذلت في السنوات الأخيرة سواء فيما يتعلق بالتشريع للقطاع أم لإحداث عدد من المناصب لتوظيف المتخصصين.
ونظرا لأهمية عملية الحفظ بالنسبة للمؤسسات الأرشيفية المختلفة للحفاظ على الأرشيف حيث تساهم في تحسين أداء المؤسسات وتطوير البحث العلمي في الوقت الذي أصبحنا فيه نسمع عن " إيجابيات الاستعمار" فإن حفظ الأرشيف هو مجموع الإجراءات، والطرق والتقنيات ... التي تهدف إلى الإبقاء على التراث الأرشيفي، أطول مدة زمنية مممكنة، وهذا مهما كان شكل الوثائق وسندها المادي، وتاريخها(1) دون أن تفقد شكلها الأصلي، دفع بالبعض إلى اعتبار الحفظ " فن الاحتفاظ بمختلف أنواع الوثائق الأرشيفية "(2) من أجل استرجاعها في المستقبل عند الحاجة.
وللقيام بهذه المهمة على أحسن وجه، على كل أرشيفي أن يحدد بدقة أهم العوامل التي تساهم بشكل أساسي في إتلاف الأرشيف، ثم بعد ذلك، يبحث عن أنجع السبل للوقاية منها.
وسنتناول في هذا البحث، بعض من هذه العوامل، التي تشكل في الوقت الحاضر، خطرا حقيقيا على الأرشيف الجزائري سواء تعلق الأمر بالأرشيف الذي أنتج قبل الإستقلال أي الأرشيف التاريخي الذي يحميه القانون، أو أرشيف الدولة الجزائرية، أي الأرشيف الوسيط المتواجد داخل المصالح الإدارية في جزء كبير منه، وبالإضافة إلى كيفية الوقاية من هذه الأخطار.
وقد إعتمدنا في هذه الدراسة على التقارير المختلفة لطلبة قسم علم المكتبات التي أنجزت في السنوات الأخيرة من قبل الطلبة في إطار التكوين، والزيارات التي قمنا بها لبعض مصالح الأرشيف، وقد شملت هذه التقارير والزيارات عدد كبير من مصالح الأرشيف في ولايات الشرق الجزائري ( مصالح أرشيف ولائية، بلدية، ومصالح أرشيف المستشفيات والمؤسسات المختلفة، إضافة إلى النص القانوني.
لمعالجة هذا الموضوع، قسمنا البحث إلى محورين، تناولنا في المحور الأول تحليل مختلف النصوص القانونية التي صدرت بالجزائر، وخاصة ما تعلق منها، بكيفية حفظ الأرشيف وحمايته، أما المحور الثاني، فخصصناه لعرض أهم العوامل التي تساهم في إتلاف الأرشيف، والإجراءات الوقائية لحفظه.
2 - تساؤلات الدراسة
تثير عملية حفظ الأرشيف في الجزائر مجموعة من التساؤلات تدور حول مدى مساهمة النص القانوني والإجراءات الفنية العملية في حفظ الأرشيف، من هذه الأسئلة نذكر :
- ما مدى مساهمة النص القانوني الحالي في حفظ الأرشيف ؟.
- هل توفر النصوص الحالية المسيرة للقطاع الشروط والإحتياطات المطلوبة لعملية الحفظ الجيد للأرشيف ؟.
- ما هي الإجراءات الفنية المطبقة حاليا لحفظ الأرشيف ؟.
3 - أهداف الدراسة
إن الهدف الأساسي من هذه الدارسة هو الإجابة على التساؤلات المطروحة من خلال التعرف على محتوى النص القانوني الحالي المسير للأرشيف والتعرف على العمليات الفنية المتبعة حاليا في الحفظ، إضافة إلى هذا فإن البحث يهدف إلى :
- التعريف بأهم النصوص القانونية في الميدان
- التعرف على النصوص القانونية التي تناولت موضوع حفظ الأرشيف في الجزائر
- التعريف بمحتوى أهم النصوص الأرشيفية لإبراز النقائص التي يعاني منها النص الحالي .
- المساهمة في لفت إنتباه المسؤولين إلى أهمية النص في المحافظة على الأرشيف، ومنه ذاكرة الأمة.
- التعريف بالإجراءات العلمية والإدارية المطبقة في مراكز الأرشيف الجزائرية لحفظ هذا الأخير.
4 - منهجية الدراسة
تعتمد هذه الدراسة على المنهج الوصفي والتحليلي من خلال دراسة أهم النصوص القانونية التي صدرت في الارشيف مع تحليل أهمها بهدف التعرف على شروط الحفظ التي وفرتها للأرشيف، كما تتعرض بالوصف والتحليل لمختلف العمليات الفنية والإدارية المطلوبة في عملية الحفظ.
5 - حدود الدراسة ومجالها
مع أن الدراسة تعرج على أهم النصوص القانونية التي صدرت في ميدان الأرشيف إلا أنها تركز على القانون رقم 88-09 باعتباره القانون الساري المفعول حاليا ، إضافة إلى الإجراءات الفنية العملية المطبقة في مراكز الأرشيف على مستوى الشرق الجزائري.
أولا : حفظ الأرشيف في ظل التشريع الجزائري
1.1. التشريع الأرشيفي
لم يعرف الأرشيف ولا مؤسساته بالجزائر صدور نصوص قانونية بالمفهوم الضيق إلا إبتداء من سنة 1972، وهو ما جعل عملية الإعتناء والتكفل بهذا القطاع الحيوي ضعيفة قبل هذا التاريخ برغم توفر مادته الأساسية ( الأرصدة الأرشيفية ) ، وأيضا بعص النصوص المتعلقة ببعض الحالات الخاصة، مثل النص 64-9 المتعلق بإعادة تطوير الرصيد الأرشيفي لصالح العقار الفلاحي(3) أو الرسوم رقم 64-135 المتضمن إحداث شهادة تقنية في تخصص المكتبات والأرشيف، أو الرسوم 66-171 المتعلق بتحويل محفوظات الجهات القضائية إلى كتاب ضبط المجالس القضائية، كذلك المرسوم 70-175 القاضي بإحداث مديرية فرعية للأرشيف بمصالحها تكون تابعة للأمانة العامة ... إلخ(4).
لذلك كان من الطبيعي أن يهتم المشرع الوطني وهو يجتهد في وضع لبنات مؤسسات جزائرية قائمة بذاتها إبتداءا من أعلى هرم في الدولة إلى أبسط مستوى فيه خلال العشرية الأولى من إستقلال البلاد بمؤسسة الأرشيف خاصة بعدما بدأت هذه الهيئات تنشط وتمارس مهامها، وتنتج وثائق ، أصبحت فيما بعد وثائق أرشيف باعتبارها المنتوج الطبيعي لتلك المؤسسات، من هنا تنبه المسؤولون كذلك إلى أهمية تأسيس الرصيد الوطني للأرشيف وكان ذلك سنة 1971 عندما اصدر الرئيس الراحل هواري بومدين الأمر رقم 71-36 القاضي بإحداث مؤسسة للوثائق الوطنية(5) ضمن مادته الأولى والثانية، مع إعتبار الأرشيف ملك عمومي للشعب.
وهو الأمر الذي أعطى دفعا قويا لميدان الأرشيف واعتبره جزءا من التراث الوطني والشخصية الوطنية وعنصر هام وضروري للتطور الطبيعي للدولة العصرية(6).
وعلى العموم فإن عدد النصوص التي صدرت في مجال الأرشيف والمنشورة بالجريدة الرسمية منذ سنة 1962 إلى مارس 2005 بلغ حوالي خمسة وستون (65) نصا جاءت موزعة بين أوامر، قوانين، مراسيم، وقرارات، يضاف إليها طبعا عددا كبيرا من المناشير Circulaires والتعليمات Instructions(*).
لكن وإذا كان البعض يعتبر هذا العدد من النصوص مكسبا مهما في الميدان، وهو بالفعل كذلك فإن هناك في المقابل عددا كبيرا من المهنيين والمتخصصين من يرى عكس ذلك بالنظر إلى أهمية الوثيقة الأرشيفية في حياة الفرد ( إثبات الحقوق ) والجماعة ( أداة لكتابة التاريخ ) ويطالبون بمزيد من النصوص القانونية اللازمة التي تضمن التسيير الجيد والمحافظة المثلى للأرصدة الأرشيفية، وهذا أمام ضعف ما هو متوفر من نصوص قانونية التي برهنت على إحتوائها على نقائص كبيرة كان لها تأثير سلبي على إدارة الأرشيف وتسييره بطريقة علمية، ويمكن تقسيم التشريعات الأرشيفية بالجزائر حسب الفترات إلى ثلاثة مراحل :
المرحلة الأولى
تمتد من 1962 – 1970 وتميزت هذه الفترة بانتقال مصلحة المحفوظات، كما كانت تدعى آنذاك من وصاية إلى وصاية، كما تميزت بظهور عدد من المشاريع الخاصة بالأرشيف، منها على سبيل المثال ، فتح مناصب شغل خاصة بالأرشيفيين، أو تكوين متخصصين في حفظ الأرشيف ... إلخ، إضافة على تسجيلها لبطئ في حركية التشريع، ذلك أن القوانين الفرنسية كانت لاتزال سارية المفعول خلال هذه الفترة(7).
المرحلة الثانية
وتمتد من 1971 – 1978 طبعها الأمر الرئاسي رقم 71-36 الذي أعتبر طلائعيا وأساسيا بالنسبة للأرشيف الوطني ، كما تميزت بإصدار نصوص مهمة خاصة بالوثائق الأرشيفية وضرورة حفظها، وبإحداث مراكز حفظ على المستوى الوطني منها الرسوم 77-67.
المرحلة الثالثة
وتبتدء من 1979 إلى يومنا هذا، خصوصية هذه المرحلة تتمثل في عودة الوصاية على الأرشيف إلى وزارة الثقافة، ثم إلى رئاسة الجمهورية، كما شهدت إنجازات هامة تعود على السبعينات منها مشروع بناية الأرشيف الوطني والتي تعتبر اليوم تحفة في الميدان ، وأيضا إنشاء المركز الوطني للأرشيف كذلك، التحضير لمشروع القانون الخاص بالأرشيف في فترة الثمانينيات والذي صدر في يناير من عام 1988.
وعلى العموم فإن أول نص قانوني ذا أهمية بالغة في تاريخ الأرشيف الجزائري هو الأمر رقم 71-36 السالف الذكر الذي وضع المبادئ الأولية في ميدان الأرشيف، كما يعتبره المختصون في مجال الأرشيف أول نص تشريعي على الإطلاق كان له الفضل في لَمِّ شَمْلِ الوثائق التاريخية التي سلمت من نهب المستعمر سواء عن طريق الترحيل أم الحرق، كما شكل أول تدبير لصيانة التراث الإداري، والتاريخي والثقافي، وكان له الفضل في تكوين ما يمثل اليوم الرصيد الأرشيفي الوطني المتواجد بمركز الأرشيف الوطني، حيث إشتمل على سبع مواد تعتني بعملية جمع، حفظ الوثائق مع ضمان حق الإطلاع عليها للإدارة والمواطن حسب ما تسمح به النصوص، لكن وأمام عدم وضوح هذا النص صدر منشور رئاسي في 08 نوفمبر 1971 أوضح بعض المفاهيم، منها أهمية الوثيقة العادية والقديمة في تسيير الإدارة تسييرا سليما وفائدتها المقبلة للتاريخ، لذلك فلقد حمل بعض التدابير والتعليمات الخاصة بتنظيم وتسيير الأرشيف تسييرا علميا مع إبراز الفوائد العلمية والتاريخية له خاصة إستعماله في كتابة التاريخ(8).
كذلك صدرت نصوص قانونية أخرى بعد سنة 1971(9) أهمها المرسوم 77-67 الخاص بالمحفوظات الوطنية(10) الذي عالج الأرشيف الوطني من خلال مواده المائة وثلاثة، من حيث المهام والصلاحيات وتنظيم مؤسسة الأرشيف الوطني الجديدة على المستوى الوطني، الجهوي، والمحلي، ويعتبر هذا النص، إضافة إلى الأمر 71-67 النصين اللذين وضعا الأسس لسياسة في مجال الأرشيف إستلهمت مبادئها من النصوص الأساسية للثورة الجزائرية، كما يعد من المكتسبات في مجال الأرشيف. ذلك أن غالبية النصوص التي سبقته في الظهور ورغم طموحاتها النظرية لم يتم تفعيلها وتجسيدها على أرض الميدان، نيتجة لأسباب كثيرة(*) .
أما أهم هذه النصوص على الإطلاق فهو القانون رقم 88-09(11) الذي لايزال ساري المفعول، بحكم عدم تعديله أو إلغاءه رغم تجاوز الزمن لبعض مواده، ويعتبر هذا القانون قانونا خاصا بالأرشيف، كما يعتبر المرجع في العديد من المسائل المتعلقة بالموضوع باعتباره النص الرسمي، فهو الذي يحدد القواعد التي تحكم سير الأرشيف الوطني وتنظيمه من جميع الجوانب وبمختلف أنواعه عاما كان أم خاصا، من حيث تعريفه وطرق معالجته، حفظه، دفعه، كيفيات إقصاءه والإطلاع عليه ... إلخ.
وبهذا أصبح هذا المرسوم هو النص القانوني الأساسي المعتمد في مجال الأرشيف، وكل ما يتعلق به برغم صدور مرسوم آخر جاء خاصا بإحداث المديرية العامة للأرشيف الوطني والمديريات التابعة لها مع تحديد المهام والصلاحيات(12)، إضافة إلى النص الخاص بإنشاء المجلس الأعلى للأرشيف الوطني(13) والمفتشية الوطنية للأرشيف اللذان لم يريا النور إلى يومنا هذا، مع أنه كان بإمكان هذه المفتشية مثلا أن تتابع وضع الأرشيف على المستوى الوطني واتخاذ ما يلزم من قرارات وتدابير من أجل التدخل السريع لحفظ الأرشيف.
مما سبق يتبين جليا أنه على المستوى التنظيمي والقانوني إستطاعت الجزائر أن تزود المجال بمجموعة من النصوص القانونية على المستوى المؤسساتي على وجه الخصوص، وهو ما جعلنا وجعل كثير من المهنيين يشيد بمجهودات المشرع الوطني في ميدان الأرشيف، هذه المجهودات تعكس في نظرنا إهتمام السلطات العليا في الدولة بالتراث الأرشيفي، ليس لأنه ذو أهمية بالغة في تحديد الهوية الوطنية، أو باعتباره الذاكرة التي يعتمد عليها في كتابة تاريخ البلاد(*). بل لأنه أداة تساهم في التطور الإقتصادي، والإجتماعي والسياسي من خلال السير الحسن لمؤسسات الدولة.
لكن وبرغم هذا فإن الجميع يتفق كذلك على أن التشريع للأرشيف بصفة خاصة والمجال الثقافي بصفة عامة لم يشكل أولوية الدولة الجزائرية غداة الاستقلال(14) على إعتبار أن أولوياتها واهتماماتها وجهت لمجابهة الوضع الصعب في المجال الإقتصادي والإجتماعي، من هنا غاب التركيز والتفصيل حول مضمون هذه النصوص التي لم تلق التطبيق الفعلي على أرض الواقع نتيجة غموضها من جهة وعدم إشتمالها على التفاصيل التطبيقية المطلوبة من جهة ثانية.
هكذا إذن وبعد هذه الإطلالة السريعة والقصيرة على أهم النصوص التي صدرت في مجال الأرشيف في الجزائر، وبعد إستقرائنا لمختلف محتوياتها ، فإن ما يمكن ملاحظته بخصوصها هو طابع العموم الذي إتسمت به، فبالنسبة للأمر الرئاسي 71-36 السالف الذكر باعتباره أول نص ذو أهمية بالغة في المجال لاحظنا بخصوصه أنه جاء موضوعيا في فلسفته، ولكنه غامضا ومبهما في توجهاته التي ترجمتها مواده السبعة، وما وقع فيه المشرع من خلط في المفاهيم، بحيث يتحدث النص بالعربية على إحداث مؤسسة للوثائق الوطنية، بينما يشير النص باللغة الفرنسية إلى إنشاء رصيد الوثائق الوطنية، وهي العبارة التي تساءل بشأنها كثير من المختصين، فهل يؤخذ بالمصطلح العربي على إعتبار أنه النص الأصلي للقانون؟ أم ينبغي الرجوع إلى النص الفرنسي المترجم على أساس أنه أكثر وضوحا من النص العربي، ولعل التفسير الذي يمكن أن نقدمه في هذا المجال هو جهل المشرع لهذا الميدان، كونه يتعرض له لأول مرة.
أما الملاحظة الثانية التي نبديها بخصوص الحفظ باعتبارها موضوع دراستنا فإن معظم النصوص التي إطلعنا عليها لم تعط أهمية كبيرة لهذه العملية من حيث التوضيح والتفصيل في مفهوم الحفظ ذاته وإجراءاته العملية التي من شأنها أن تساهم في عملية الحفاظ على الوثيقة الأرشيفية أطول مدة ممكنة باعتبارها الهدف النهائي الذي تصبو إليه عملية التسيير العلمي الجيد من خلال النص، ولمزيد من التفاصيل سنحاول فيما يلي تسليط الضوء على القانون 88-09 باعتباره القانون المرجع حاليا ، لنرى ما وفره من شروط للحفظ.
1. 2. الحفظ ضمن القانون 88 - 09
معروف أن عملية حفظ الوثيقة الأرشيفية تتطلب مجموعة من الإجراءات الفنية العملية التي تضمنها الإحتياطات القانونية التي بموجبها يستطيع الأرشيفي أن يحافظ على الرصيد الذي هو في عهدته وتحت مسؤوليته، ذلك أن القيام بهذه العملية على أكمل وجه يتطلب فيما يتطلب ضرورة الإستناد إلى قرارات من قبل الجهة الوصية لتوفير ما يلزم من إمكانيات مادية وتجهيزات، ومخازن ملائمة، وموارد بشرية مؤهلة، كما يتطلب صياغة نصوص قانونية تلزم مختلف المؤسسات المنتجة، وأيضا المراكز المكلفة بالحفظ توفير متطلبات هذا الأخير، الذي يعد من أكبر التحديات المطروحة على الأرشيفي.
لكن وبالرجوع إلى نص القانون المذكور أعلاه لاحظنا إشتماله على ستة أبواب تناول فيها جوانب متعددة، منها الحفظ الذي جرى الحديث عنه ضمن بنود الباب الثاني، حيث تطرق فيه إلى الحفظ والدفع، والمعالجة، والإقصاء وكذلك الإطلاع.
أيضا ورد الحديث عن الحفظ ضمن بنود الباب الرابع الذي عالج فيه تحويل وحفظ الأرشيف إضافة إلى تحديد مهام مؤسسة الأرشيف الوطني، وجاء تناوله لعملية الحفظ بطريقة جد عامة، حيث تحدث عنها باعتبارها مرحلة من مراحل الحفظ، ولم يتعرض لها باعتبارها إجراءات فنية عملية وتنظيمية تهدف على الحفاظ على الأرشيف في ظروف جيدة تسمح بالمحافظة عليه لإستغلاله لأغراض إدارية، ومن ثم ضمان مصالح الدولة ومؤسساتها، وأيضا باعتباره يحوي جزء من التراث الأرشيفي العلمي التاريخي الذي نص القانون على حمايته دون تحديد ما هية هذه الحماية وإجراءاتها كذلك.
لقد جاء النص القانوني خاليا من تحديد الإجراءات الكفيلة بحماية الأرشيف والمحافظة عليه، فلم يتعرض مثلا لعمليات الحفظ داخل المخازن وما يتطلب ذلك من تحديد للشروط والمقاييس الطبيعية المطلوبة والتي تختلف بدورها باختلاف الوعاء ذاته، كما سنرى في صفحات لاحقة من هذا البحث ، أو فيما يتعلق ببناية الأرشيف في حد ذاتها، هذه الأخيرة ورغم أن هناك مرسوم جاء خاصا بمواصفات بناية الأرشيف، ورغم أن النص من الناحية النظرية جد مرضي إلا أننا لاحظنا من الناحية العملية تسجيل غالبية بنايات الأرشيف الحالية لكثير من النقائص، وهو ما يحول دون الحفظ الجيد للأرشيف خاصة إذا علمنا أن أغلب المخاطر التي يتعرض لها الأرشيف تعود إلى بنايته، كذلك لم يتطرق النص الوطني ، وعلى خلاف نصوص قانونية لدول تعد أكثر تطورا في المجال من بلادنا، كفرنسا مثلا إلى إحدى أهم عوامل حفظ الأرشيف، وهي الورق وما يطرحه هذا الأخير من مشاكل كبيرة وكثيرة أهمها على الإطلاق الحامضية في الورق هذه الأخيرة عالجها النص الفرنسي بكثير من الإهتمام، حيث فرض النص على كل مؤسسات الدولة إستخدام ورق من نوعية معينة ومقاييس دولية خاصة بصناعة الورق منها : ISO 9706 إضافة إلى مراقبة التنفيذ(15).
كذلك لم يُعَرف المشرع بالإحتياطات الواجب إتخاذها بمناسبة تداول الأرشيف سواء من قبل الأرشيفي أو الباحث الذي كثيرا ما يحتاج إلى مثل هذه الوثائق ذات الفائدة العلمية، كما أقر بذلك المشرع ذاته، مثل هذه التفصيلات والشروحات لم يشمل عليها النص الحالي لا بالنسبة للأرشيف العام ولا الأرشيف الخاص، بل أنن------ا سجلنا مفارقة ضمن النص بخصوص هذا الأخير الذي من جهة يبيح فيه المشرع للدولة حق الرعاية لأغراض الصيانة في حالة ما إذا كانت ظروف الحفظ تعرض الأرشيف الخاص إلى أخطار التلف والتخريب(16)، ومن جهة ثانية فهو لم يحدد أو يعرف بظروف الحفظ هذه، وهو ما جعلنا نتساءل عن ظروف الحفظ المقصودة بالنص؟.
ثم هل وفرت الدولة مثل هذه الظروف والحماية اللازمة لأرشيفها العمومي؟ سواء من حيث النص القانوني الذي يفترض فيه تحديد مثل هذه الظروف والتعريف بها، أم الإجراءات الفنية والمتطلبات المادية والموارد البشرية؟ كما سنرى في صفحات لاحقة من هذا البحث .
نشكك في هذا كثيرا ، ثم ومن الناحية القانونية من سيقوم بعملية النزع المؤقت هذه ؟ وكيف للدولة أن تعلم بظروف حفظه ؟ ما هي وسائلها في ذلك ؟ فالنص لم يتطرق لها . هذه التساؤلات وغيرها تجعلنا نقول أن النص الحالي يحتاج إلى مزيد من التوضيح والتحديد لكثير من المبادئ العامة التي إشتمل عليها عن طريق مراسيم تنفيذية أو مناشير أو غيرها .
لقد جرى الحديث عن عملية الحفظ بصورة عامة دون تركيز أو تفصيل لما تتطلبه هذه العملية الحساسة من توصيف وتحديد للإجراءات والوسائل المادية والفنية، ومن ثم الحفاظ على الأرصدة وحمايتها خاصة في العصر الحالي وما تشهده الوثيقة من تغيرات سواء في صناعتها وإنتاجها أم تداولها والإطلاع عليها، مع دخول التكنولوجيا الحديثة مجال الأرشيف من بابه الواسع .
من جهتنا فإننا نرجع ضعف إهتمام المشرع الوطني بالتفصيل في قضية حفظ وحماية الأرشيف إلى الإستعمال الضعيف للأرشيف في مجال البحث العلمي بصفة خاصة في الأرشيف بسبب ضعف هذا التخصص والمتخصصين في مجالاته، إضافة إلى أن الأرشيف الوطني وإلى يومنا هذا لايتوفر على فرقة للبحث العلمي، تجمع الكفاءات الوطنية القليلة في الميدان لدراسة المشاكل المطروحة، وإيجاد الحلول المناسبة لعرضها على أصحاب القرار أو المهنيين في المجال وفي ذات الوقت للإستفادة من نتائجها بمناسبة آدائهم لعملهم المتمثل أساسا في حفظ الأرصدة الأرشيفية .
لذلك فإن الوقت قد حان لتناول المشرع لهذا الميدان الحيوي الهام من جميع جوانبه بواسطة نصوص قانونية تمتاز بالدقة والتفصيل، وألا يترك الأمر كما هو عليه الآن للجهة الوصية لتصدر تعليمات بخص--------وص قضايا حساسة ومهمة في إدارة وتسيير الأرشيف، لأن هذه التعليمات ورغم أهميتها فإنها لم تأت بالتفصيلات المطلوبة لهكذا قضايا ، كما سنرى في صفحات لاحقة من هذا البحث، وأيضا لأنها لاترقى إلى مرتبة النص القانوني ، من جهة ثانية فإن عملية تطبيقها عند التعرف عليها تبقى دائما نسبية نتيجة أسباب كثيرة لامجال لذكرها هنا.
ثانيا : الإجراءات الفنية لحفظ الأرشيف
2 .1. عوامل إتلاف الأرشيف وسبل الوقاية منها
تختلف العوامل التي تساهم بدرجات مختلفة في إتلاف الأرشيف، والإجراءات المختلفة المتخذة للوقاية منها، باختلاف نوعية الأوعية الأرشيفية نفسها، والإمكانيات المتاحة لدى الأرشيف، لدلك لابد أن يأخذ هدا الجانب بعين الإعتبار في كل الخطوات التي تتبع من أجل توفير الشروط الضرورية لحفظ الأرشيف وخاصة أثناء التفكير في إنشاء بناية خاصة بالأرشيف، أو تحويل بناية قديمة على الرغم من صعوبة المهمة في الحالة الثانية، أو إقتناء تجهيزات جديدة، أو أثناء تداول الوثائق.
ومن أهم العوامل التي تساهم بشكل كبير في إتلاف الأرشيف والتي لاحظناها في مختلف مصالح الأرشيف بالشرق الجزائري نذكر ما يلي :
2. 2. درجة الحرارة والرطوبة
يكون من المهم جدا إحترام درجة الحرارة المناسبة، ونسبة الرطوبة الملائمة المعمول بها داخل المخازن بشكل دائم ومستمر، وتجنب التغيير المفاجئ ، لأنه يلحق الضرر الكبير بالأرشيف.
ونقصد بنسبة الرطوبة كمية الماء الموجود في حجم معين من الهواء، وقدرة إمتصاص الهواء، حسب درجة حرارة معينة، وهذه القدرة تتزايد حسب درجة الحرارة.
والمعدل الأنسب لدرجة الحرارة والرطوبة المعمول بهما دوليا، نوضحه في الجدول التالي :
طبيعة الوعاء
درجة الحرارة
نسبة الرطوبة
الورق
18° c + - 2° c
55% + - 5%
الأقلام
12° c - 2° c
45% + - 5%
الصور الفوتوغرافية (الأبيض والأسود )
12° c + - 1° c
35% + - 5%
الصور الفوتوغرافية ( بالألوان )
5° c + - 1° c
35% + - 5%
الأوعية الممغنطة
18° c + - 1° c
40% + - 5%
جدول خاص بدرجة الحرارة المناسبة، ونسبة الرطوبة الملائمة لحفظ كل نوع من أنواع الأوعية الأرشيفية(17)
إن عدم احترام هذه المعدلات من قبل أغلبية المصالح الأرشيفية، وخاصة مصالح أرشيف الجماعات المحلية ( البلديات والولايات ) قد ساهم في جفاف الورق وتشققه وفقدان نعومته مما سيتسبب في أضرار كبيرة بالأرشيف، وخاصة أرشيف ما قبل الاستقلال يصعب معالجتها إدا ترك الأرشيف على هذا الحال.
كما أن نسبة الرطوبة داخل بعض المخازن والمعمول بها دوليا غير محترمة في كثير من الأحيان، بسبب افتقار معظم مصالح الأرشيف لأجهزة القياس، مما يجعل مراقبتها غير واردة على الإطلاق، وحتى في حالات ظهور بقع سوداء على الوثائق لايتخذ أي إجراء لمقاومة الرطوبة.
كما يلاحظ في بعض مصالح الأرشيف، تسرب المياه داخل المخازن وخاصة التي تتواجد في الأقبية، وتحت الأرض، ومرور قنوات صرف المياه بداخلها أو بالقرب منها، مما أدى إلى رفع نسبة الرطوبة وجعل الوثائق تمتص الماء فتكون لها قابلية أكبر للإصابة بالتعفن وظهور الفطريات وغيرها على الورق، لأن عدم إحترام مقاييس درجة الحرارة ونسبة الرطوبة، يسهل من ذوبان الغازات الحمضية ، والغبار ... وبالتالي تبدأ عمليات التحلل الحمضي، وعمليات كيميائية أخرى عديدة، تساهم كلها في ظهور تشوهات في شكل الوثائق، ونمو الحشرات وأخيرا إتلاف الوثائق بشكل نهائي.
2 .3. الضوء
يوجد نوعين من الإضاءة : الإضاءة الطبيعية، والإضاءة الاصطناعية، وكلاهما يؤثران سلبا على الأرشيف، عند عدم احترام المقاييس لكن بأضرار متفاوتة الخطورة، حسب كل نوع :
- الإضاءة الطبيعية ( أشعة الشمس ) : إذا كانت أشعة الشمس تساعد على عدم ظهور الفطريات، فهي في الوقت نفسه تساهم بشكل كبير في ارتفاع درجة الحرارة، وانخفاض نسبة الرطوبة داخل المخازن مما يفقد الورق الليونة، فيصبح جافا ويتكسر بسهولة كبيرة وخاصة عند التداول، بالإضافة إلى اضمحلال واصفرار الورق، والألوان والأحبار المختلفة، لأن أشعة الشمس تؤدي إلى تنشيط تفاعلات كيميائية خطيرة على الأرشيف وخاصة إدا أضيفت لها عوامل أخرى : تركيبة الهواء المحيط بالوثائق، الغبار، نوعية الورق، الحبر، ودرجة الحرارة ونسبة الرطوبة.
لكل هذه الأسباب وغيرها، يفضل المختصون، استخدام الإنارة الاصطناعية(18) ( لكن مع احترام المقاييس المعمول بها، مثلا استخدام الإضاءة الباردة Lumieres Froides على أن لا تزيد على 50lux لوكس.
وبما أن أغلبية المساحات ( المخازن ) المخصصة لحفظ الأرشيف لدى مختلف المؤسسات التي شملتها الدراسة، لم تبن خصيصا لحفظ الأرشيف، بل هي أماكن لاتحتاجها الإدارة في أغلب الأحيان، حولت لحفظ الأرشيف دون مراعات أدنى شروط الحفظ، لذلك فإن الإنارة المستعملة داخل مخازن أغلبية مصالح الأرشيف المتواجدة بمختلف المؤسسات بالشرق الجزائري متروكة للصدفة، حسب المكان المخصص للحفظ، يستخدم الضوء الطبيعي إذا كانت المخازن عبارة عن أقبية أو أماكن تتواجد تحت الأرض ... لاتتوفر على نوافذ . لاحظنا في أكثر من مكان أشعة الشمس تسقط مباشرة على الوثائق الموضوعة كما هي فوق رفوف معدنية والبعض منها على الأرض، كما أن مصالح الأرشيف تستخدم المصابيح العادية للإنارة، هذا الوضع إذا أضفنا له عامل الحرارة والرطوبة نستطيع أن نقدر مستوى الخطر الذي يتعرض له الأرشيف، ولعل الشروع مؤخرا في إنجاز بناية حديثة لحفظ الأرشيف الجهوي بمدينة قسنطينة سيساهم في حل هذا المشكل.
2 .4. صيانة البناية ومراقبة المخازن
تعود أغلب المخاطر التي يتعرض لها الأرشيف إلى البناية، سواء تعلق الأمر ببناية حديثة، أو بناية قديمة تم تحويلها لحفظ الأرشيف(19) لذلك فإن المراقبة الدائمة والمستمرة للبناية والمخازن، والتجهيزات المواد الكيماوية ... والتدخل في الوقت المناسب والسرعة اللازمة، سيجنب التلف والضرر من جراء تسرب المياه، أو عطل في الأجهزة يزيد من إمكانية نشوب الحرائق وخاصة إذا أضفنا لها عطل في الأجهزة المختلفة لإطفاء الحريق.
وللقيام بهذه المهام على أحسن وجه، لابد من تخصيص ميزانية للصيانة، وهذا الأمر نادرا جدا ما تقوم به مختلف المؤسسات والجهات الوصية على تسيير الأرشيف، فعند حدوث خطر للأرشيف، تسرب المياه مثلا، وبالرغم من إلحاح الأرشيفي بضرورة التدخل السريع، فإن الجهات الوصية لاتتدخل إلى بعد مدة زمنية طويلة لأسباب كثيرة أهمها البيروقراطية، وعدم تقدير أهمية الأرشيف، مما يوسع من دائرة الضرر الذي يلحق بالأرشيف، كما أن عدم توفر المخازن على أجهزة لقياس درجة الحرارة، ونسبة الرطوبة لايجعل الأرشيفي يتفقد المخازن بشكل دوري مما يزيد في إحتمال تعرض الأرشيف إلى الأخطار .
2. 5. الحامضية في الورق L'acidite des ********s
تساهم الحامضية، بشكل كبير في إتلاف الأرشيف، وخاصة الأرشيف الورقي الذي يتميز بسرعة تأثره بالمواد الكيماوية وهذا راجع أساسا إلى طبيعة المواد التي تدخل في صناعة الورق والطرق المتبعة في تصنيعه.
وهناك عاملين أساسيين وراء ظاهرة الحامضية في الورق.
2 .5 .1. العوامل الداخلية المرتبطة ببنيوية المواد التي تدخل في صناعة الورق والطرق المتبعة في صناعته : كانت صناعة الورق في القديم تعتمد على مواد طبيعية بشكل كبير، ويستخدم القطن، والكتان ومواد طبيعية أخرى، تحتوي كلها على مادة مهمة جدا للورق وهي مادة Corbonate de Calcum وهي مادة تساعد على الحفظ الجيد للورق وتحميه من الجفاف والتلف.
وابتداءا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر حدث تغيير كبير في طريقة صناعة الورق، حيث أدخلت مادة السيليلوز للخشب Cellulose de Bois واتبعت طريقتين لصناعته ، بالاعتماد على عجينة الخشب Pates de Bois .
عجينة طبيعية : حيث يستخدم الخشب كما هو، أي دون إضافة مواد أخرى.
عجينة كيماوية : يعالج الخشب بإضافة مواد لها قدرة على إبعاد كل ما هو غير Cellulosique سيلولوز من أجل الحصول على ورق صافي أبيض باستخدام مواد مثل الكلور Chlore، وحتى يصبح الورق قابل للكتابة، تستخدم مواد أخرى مثل Gelatine أو مادة Sulfate Dalumine وغيره (20).
كل هذه المواد التي أضيفت للمواد الطبيعية التي تدخل في صناعة الورق، ساهمت بشكل كبير في إنتاج ورق مرتفع الحامضية .
2 .5 .2. العوامل الخارجية التي لها علاقة بتقنيات الكتابة والتلوث الجوي : إن الحبر الذي كان يستخدم في الكتابة قديما، هو حبر مصنوع من الكابون Encres au Carbone مما يجعله لايذوب في الماء ، لكن سنبة الحامضية فيه مرتفعة، مما يجعل الحبر يؤثر سلبا على الورق، ويساهم في إتلاف الوثائق الأرشيفية .
كما يحتوي الحبر الحديث المستخدم حاليا، على نسبة من الحامضية، بالإضافة إلى كونه يذوب بسهولة في الماء وأيضا في المحاليل العضوية Les Solvants Organiques، مما يجعل عملية حفظ الوثائق وترميمها، عملية معقدة تتطلب تكوين دقيق، يفتقر إليها برنامج التكوين الحالي الخاص بعلم المكتبات في الجزائر.
كما أن للتلوث الهوائي آثار سلبية كبيرة على الأرشيف، نذكر منها تأثير مختلف الغازات الملوثة مثلت Les Composé Azotés Chlorures الموجودة داخل المدن والمناطق الصناعية والتي تساهم بشكل كبير في رفع حامضية الورق.
2 .5 .3. مقاومة الحامضية في الورق : تتمثل هذه العملية في تحييد Neutraliser حامضية في الورق، من خلال إدخال أملاح خاصة Sel Alcalin بكميات كافية لإعطاء الورق الكمية الضرورية من مادة L'alcaline التي تساعد الوثائق الورقية في مقاومة المؤثرات الخارجية والداخلية(21).
وتقاس الحامضية في الورق كالآتي :
التحييد المناسب: PH : Neutrabilité Correspond
هو: PH7 a
إذا كانت هذه النسبة أقل، فالورق يحتوي على الحامضية، وإذا كانت هذه النسبة أعلى، فالورق يحتوي على مادة L'alcoline السالفة الذكر، وهذا يعني أن الورق جيد، ولايعاني من الحامضية ، غير أن هذه النسبة لاينبغي أن تزيد على عشرة 10.
لمقاومة الحامضية نستخدم طريقتين :
- طريقة تعالج فيها الوثائق وثيقة وثيقة .
- طريقة تعالج فيها الوثائق بكميات كبيرة Désacidification de Masse
وقبل القيام بهذه المهام يجب التعرف أولا على نوعية الوعاء والحبر، حتى يمكن إختيار المواد المناسبة والتي لاتتلف الورق والحبر.
مما سبق يتضح لنا، أهمية هذه العملية المعقدة، والتي تتطلب أكثر من متخصص، وتتطلب أيضا إنشاء مخابر وتجهيزها، وتأهيل وتوظيف أرشيفيين متخصصين في الحفظ ، لهم دراية كافية بهذا الجانب، للتكفل بهذا الإجراء الفني بغية الحفاظ على التراث الوطني.
إن غياب الإطار المؤهل، والإمكانيات المادية والتنظيمية أدى إلى غياب هذه العملية في كل مصالح الأرشيف المتواجدة بالشرق الجزائري، رغم تعرض الأرشيف إلى هذا الخطر ( خاصة أرشيف التاريخ ) والذي سيتوسع في المستقبل إذا لم تتخذ الإجراءات الضرورية للتكفل به ومعالجته .
لكن ومهما كانت هذه الإجراءات الفنية الخاصة بمقاومة الحامضية في الورق، فعالة، فإن الحل الأنسب هو إستخدام الورق الخالي من الحامضية من قبل كل المؤسسات والإدارت الجزائرية، ولن يتحقق ذلك إلا بإلزام مؤسسات الدولة، وخاصة في المستويات التي تتخذ فيها القرارارت، باستخدام الورق الخالي من الحامضية، والذي يستجيب للمقاييس الدولية في صناعته ( ISO 9706 ) من خلال إصدار قوانين وتعليمات إلزامية، حيث لاحظنا خلو النص الحالي من تحديد هذه الإجراءات، كما سبق ذكره في صفحات سابقة من هذا البحث، مع مراقبة التنفيذ، وتوفير هذه النوعية من الورق في السوق من خلال تشجيع صناعتها .
2 .6. تداول الوثائق
كلما إحتاج باحث إلى وثائق، فهذا يعني أن هناك مجموعة من العمليات يقوم بها الأرشيفي لتلبية حاجيات الباحثين، هذه العمليات تساهم حتما في إتلاف الأرشيف، ويحدث الشئ نفسه بالنسبة للمستفيد من خلال تصفحه الغير السليم للوثائق.
لكل هذه الأسباب وغيرها ، يصبح التكوين الجيد للموظفين، وخاصة الذين يعملون داخل المخازن أكثر من ضرورة، بحيث عليهم أن يلتزموا بالقواعد الأساسية عند تداول الوثائق، بالإضافة إلى القيام بعمليات تحسيس لدى المستفيدين من الأرشيف ( الإدارييين والباحثين ) ووضع قانون داخلي واضح ودقيق والسهر على تطبيقه.
إن تداول الوثائق من قبل الجمهور - مهما كانت الإجراءات المتخذة - بعرضه للتلف أو السرقة، لذلك يجب أخذ كل الإحتياطات للتقليل من هذا الخطر، أما فيما يتعلق بالوثائق النادرة أوالتي يكثر عليها الطلب أو المعرضة أكثر للتلف ، فيمكن تعويضها بنسخ طبق الأصل باستخدام مختلف وسائل النسخ الحديثة.
الخاتمة
من خلال العرض السابق يتضح لنا أن عملية حفظ الأرشيف ورغم ما توفرت عليه من نص وأيضا ما أحيطت به من عمليات وإجراءات تبقى دون المستوى المطلوب الذي يكفل الحفاظ على التراث الأرشيفي الوطني سواء كان أرشيف تاريخي أم أرشيف إداري، من ذلك أننا سجلنا مجموعة من النتائج الخاصة بهذه الدراسة والمتمثلة أساسا :
- قلة النصوص القانونية التي تناولت الأرشيف بصفة عامة وعملية الحفظ بصفة خاصة.
- ضعف النص القانوني من حيث التحديد والتفصيل في شروط الحفظ.
- إفتقار غالبية المؤسسات الوطنية إلى الأماكن المخصصة للحفظ المؤقت الذي يستجيب لشروط الحفظ المعمول بها والنهائي لرصيدها الأرشيفي.
- قدم ما هو متوفر من تجهيزات
- ضعف تأهيل العاملين في قطاع الأرشيف بصفة عامة وفي مجال الحفظ بشكل خاص.
- غياب المخابر المتخصصة بصيانة الأرشيف وحمايته .
- ضعف تطبيق الإجراءات الفنية التي تساهم في الحفظ.
أمام هذه النتائج وحتى تكفل شروة الحفظ الجيد للأرشيف على مختلف المستويات فإننا نقترح على السلطات الوصية على قطاع الأرشيف التكفل بهذا الجانب من خلال العمل على :
- إعادة النظر في مضمون ما هو متوفر من نصوص قانونية مع إصدار المراسيم التنفيذية والمفصلة للإجراءات الواجب إتباعها لحفظ الأرشيف وحمايته.
- إنشاء مركز للأبحاث والدراسات الأرشيفية لمساعدة الأرشيفيين والإداريين في تحسين العمليات والإجراءات الفنية والقانونية لحفظ الأرشيف.
- الاهتمام بالتكوين وإعادة التأهيل في مجال الأرشيف بصفة عامة وعملية الحفظ بصفة خاصة .
- توفير الإمكانيات المادية الضرورية لهذه العملية .