*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»* - الصفحة 19 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم الآدب و اللغات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-03-22, 09:21   رقم المشاركة : 271
معلومات العضو
nesro alger
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية nesro alger
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أختي دلال انا بصدد اعداد بحث اما :
شاعر من شعراء العصر الجاهلي
، او الاسلامي ،
او،نص قراني
او،شرح حديث نبوي اوقدسي
رسالة عمر بن الخطاب للولاة
خطبة الامام علي (الجهاد)

وقد ذيلنا الاستاذ ببعض القواعد التي يجب ان نلتزمه ...:
* نبذة عن حياة الشاعر ، الكاتب ، المفسر
*راي النقاد فيه (في سياق القصيدة )
*نختارنموذجا من اهم غرض برز فيه
*دراسة بنية الجمل الفعلية و الاسمية ، المثبتة و المنفية ،الشرطية،الاسناد (حقيقي /غير حقيقي)
*دراسة الجملة نحويا و صرفيا (مسالة التقديم و التاخير)
*دور الضمائر في تناسق النص و علاقتها ببعضها البعض
*دراسة البنية الايقاعية و الصوتية
-الوزن ، التفعيلة ، الروي
*دراسة المقصدية او الغاية من الخطاب الشعري
*تذييل النص بشرح المفردات
*رصد الكلمات ذات الحقل الدلالي الواحد و اعطائها دلالات حسب سياق الص

ملاحظة : في الخطوات الاخيلرة من الاحسن اتباع المنهج الاسلوبي
وبحسب راي فقد اخترت شاعر اسلاميا وهو كعب بن زهير وقصيدته البردة في مدح الرسول صلى الله عليه و سلم




ارجو افادت يفي اقرب وقت ممكن و ادعو الله رب العرش العظيم ان يكون في ميزان حسناتك









 


رد مع اقتباس
قديم 2013-03-22, 09:52   رقم المشاركة : 272
معلومات العضو
BLACKEYES
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

قوائم الماستر لهذا العام بجامعة الجلفة هل منجديد نحن نظام الكلاسيك










رد مع اقتباس
قديم 2013-03-23, 22:26   رقم المشاركة : 273
معلومات العضو
الطيب بوهلال
عضو جديد
 
الصورة الرمزية الطيب بوهلال
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كل من لديه معلومات عن الدكتور مختار بولعراوي أرجوا أن يفيدنا بها ( السيرة الذاتية له ان امكن )









رد مع اقتباس
قديم 2013-03-24, 00:05   رقم المشاركة : 274
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nesro alger مشاهدة المشاركة
أختي دلال انا بصدد اعداد بحث اما :
شاعر من شعراء العصر الجاهلي
، او الاسلامي ،
او،نص قراني
او،شرح حديث نبوي اوقدسي
رسالة عمر بن الخطاب للولاة
خطبة الامام علي (الجهاد)

وقد ذيلنا الاستاذ ببعض القواعد التي يجب ان نلتزمه ...:
* نبذة عن حياة الشاعر ، الكاتب ، المفسر
*راي النقاد فيه (في سياق القصيدة )
*نختارنموذجا من اهم غرض برز فيه
*دراسة بنية الجمل الفعلية و الاسمية ، المثبتة و المنفية ،الشرطية،الاسناد (حقيقي /غير حقيقي)
*دراسة الجملة نحويا و صرفيا (مسالة التقديم و التاخير)
*دور الضمائر في تناسق النص و علاقتها ببعضها البعض
*دراسة البنية الايقاعية و الصوتية
-الوزن ، التفعيلة ، الروي
*دراسة المقصدية او الغاية من الخطاب الشعري
*تذييل النص بشرح المفردات
*رصد الكلمات ذات الحقل الدلالي الواحد و اعطائها دلالات حسب سياق الص

ملاحظة : في الخطوات الاخيلرة من الاحسن اتباع المنهج الاسلوبي
وبحسب راي فقد اخترت شاعر اسلاميا وهو كعب بن زهير وقصيدته البردة في مدح الرسول صلى الله عليه و سلم




ارجو افادت يفي اقرب وقت ممكن و ادعو الله رب العرش العظيم ان يكون في ميزان حسناتك


السلام عليكم

ساحاول اخي بقدر المستطاع مساعدتك












رد مع اقتباس
قديم 2013-03-24, 12:05   رقم المشاركة : 275
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

نبدا طبعا بالقصيدة

قصيدة البردة من اروع القصاااائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم **نعم الاختيااااار اخي الكريم **


************************************************** ************************************************** *******
قصيدة البردة, قصيدة تعد من أشهر القصائد في مدح رسول الله محمد ، ألفها كعب بن الزهير، وهي من أروع ما قيل في مدحه صلى الله عليه وسلم و سميت كذلك لان المصطف عليه الصلاة و السلام رمى بردته على كعب ابن زهير
لقد افتتحت القصيدة كعادة العرب اناذاك بالمقدمة الطلالية "بانت سعاد اليوم...."
فهي روعة دينية و ادبية
القصيدة
بســـــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــم الله الرحمن الرحيم


بـانَتْ سُـعادُ فَـقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ * مُـتَـيَّمٌ إثْـرَها لـم يُـفَدْ مَـكْبولُ
وَمَـا سُـعَادُ غَـداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا * إِلاّ أَغَـنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
هَـيْـفاءُ مُـقْبِلَةً عَـجْزاءُ مُـدْبِرَةً * لا يُـشْتَكى قِـصَرٌ مِـنها ولا طُولُ
تَجْلُو عَوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ * كـأنَّـهُ مُـنْـهَلٌ بـالرَّاحِ مَـعْلُولُ
شُـجَّتْ بِـذي شَـبَمٍ مِنْ ماءِ مَعْنِيةٍ * صـافٍ بأَبْطَحَ أضْحَى وهْومَشْمولُ
تَـنْفِي الـرِّياحُ القَذَى عَنْهُ وأفْرَطُهُ * مِـنْ صَـوْبِ سـارِيَةٍ بِيضٌ يَعالِيلُ
أكْـرِمْ بِـها خُـلَّةً لـوْ أنَّهاصَدَقَتْ * مَـوْعودَها أَو ْلَوَ أَنَِّ النُّصْحَ مَقْبولُ
لـكِنَّها خُـلَّةٌ قَـدْ سِـيطَ مِنْ دَمِها * فَـجْـعٌ ووَلَـعٌ وإِخْـلافٌ وتَـبْديلُ
فـما تَـدومُ عَـلَى حـالٍ تكونُ بِها * كَـما تَـلَوَّنُ فـي أثْـوابِها الـغُولُ
ولا تَـمَسَّكُ بـالعَهْدِ الـذي زَعَمْتْ * إلاَّ كَـما يُـمْسِكُ الـماءَ الـغَرابِيلُ
فـلا يَـغُرَّنْكَ مـا مَنَّتْ وما وَعَدَتْ * إنَّ الأمـانِـيَّ والأحْـلامَ تَـضْليلُ
كـانَتْ مَـواعيدُ عُـرْقوبٍ لَها مَثَلا * ومــا مَـواعِـيدُها إلاَّ الأبـاطيلُ
أرْجـو وآمُـلُ أنْ تَـدْنو مَـوَدَّتُها * ومـا إِخـالُ لَـدَيْنا مِـنْكِ تَـنْويلُ
أمْـسَتْ سُـعادُ بِـأرْضٍ لايُـبَلِّغُها * إلاَّ الـعِتاقُ الـنَّجيباتُ الـمَراسِيلُ
ولَـــنْ يُـبَـلِّغَها إلاّغُـذافِـرَةٌ * لـها عَـلَى الأيْـنِ إرْقـالٌ وتَبْغيلُ
مِـنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إذا عَرِقَتْ * عُـرْضَتُها طـامِسُ الأعْلامِ مَجْهولُ
تَـرْمِي الـغُيوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرَدٍ لَهِقٍ * إذا تَـوَقَّـدَتِ الـحَـزَّازُ والـمِيلُ
ضَـخْـمٌ مُـقَـلَّدُها فَـعْم مُـقَيَّدُها * فـي خَلْقِها عَنْ بَناتِ الفَحْلِ تَفْضيلُ
غَـلْـباءُ وَجْـناءُ عَـلْكوم مُـذَكَّرْةٌ * فــي دَفْـها سَـعَةٌ قُـدَّامَها مِـيلُ
وجِـلْـدُها مِـنْ أُطـومٍ لا يُـؤَيِّسُهُ * طَـلْحٌ بـضاحِيَةِ الـمَتْنَيْنِ مَهْزولُ
حَـرْفٌ أخـوها أبـوها مِن مُهَجَّنَةٍ * وعَـمُّـها خـالُها قَـوْداءُ شْـمِليلُ
يَـمْشي الـقُرادُ عَـليْها ثُـمَّ يُزْلِقُهُ * مِـنْـها لِـبانٌ وأقْـرابٌ زَهـالِيلُ
عَـيْرانَةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عَنْ عُرُضٍ * مِـرْفَقُها عَـنْ بَـناتِ الزُّورِ مَفْتولُ
كـأنَّـما فـاتَ عَـيْنَيْهاومَـذْبَحَها * مِـنْ خَـطْمِها ومِن الَّلحْيَيْنِ بِرْطيلُ
تَـمُرُّ مِـثْلَ عَسيبِ النَّخْلِ ذا خُصَلٍ * فـي غـارِزٍ لَـمْ تُـخَوِّنْهُ الأحاليلُ
قَـنْواءُ فـي حَـرَّتَيْها لِـلْبَصيرِ بِها *** عَـتَقٌ مُـبينٌ وفـي الخَدَّيْنِ تَسْهيلُ
تُـخْدِي عَـلَى يَـسَراتٍ وهي لاحِقَةٌ *** ذَوابِــلٌ مَـسُّهُنَّ الأرضَ تَـحْليلُ
سُمْرُ العَجاياتِ يَتْرُكْنَ الحَصَى زِيماً *** لـم يَـقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكْـمِ تَـنْعيلُ
كــأنَّ أَوْبَ ذِراعَـيْها إذا عَـرِقَتْ *** وقــد تَـلَـفَّعَ بـالكورِ الـعَساقيلُ
يَـوْماً يَـظَلُّ به الحِرْباءُ مُصْطَخِداً *** كـأنَّ ضـاحِيَهُ بـالشَّمْسِ مَـمْلولُ
وقـالَ لِـلْقوْمِ حـادِيهِمْ وقدْ جَعَلَتْ *** وُرْقَ الجَنادِبِ يَرْكُضْنَ الحَصَى قِيلُوا
شَـدَّ الـنَّهارِ ذِراعـا عَيْطَلٍ نَصِفٍ *** قـامَـتْ فَـجاوَبَها نُـكْدٌ مَـثاكِيلُ
نَـوَّاحَةٌ رِخْـوَةُ الـضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَها*** لَـمَّا نَـعَى بِـكْرَها النَّاعونَ مَعْقولُ
تَـفْرِي الُّـلبانَ بِـكَفَّيْها ومَـدْرَعُها *** مُـشَـقَّقٌ عَـنْ تَـراقيها رَعـابيلُ
تَـسْعَى الـوُشاةُ جَـنابَيْها وقَـوْلُهُمُ *** إنَّـك يـا ابْـنَ أبـي سُلْمَى لَمَقْتولُ
وقــالَ كُـلُّ خَـليلٍ كُـنْتُ آمُـلُهُ *** لا أُلْـهِيَنَّكَ إنِّـي عَـنْكَ مَـشْغولُ
فَـقُـلْتُ خَـلُّوا سَـبيلِي لاَ أبـالَكُمُ *** فَـكُلُّ مـا قَـدَّرَ الـرَّحْمنُ مَفْعولُ
كُـلُّ ابْـنِ أُنْثَى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ *** يَـوْماً عـلى آلَـةٍ حَـدْباءَ مَحْمولُ
أُنْـبِـئْتُ أنَّ رَسُـولَ اللهِ أَوْعَـدَني* ** والـعَفْوُ عَـنْدَ رَسُـولِ اللهِ مَأْمُولُ
وقَـدْ أَتَـيْتُ رَسُـولَ اللهِ مُـعْتَذِراً *** والـعُذْرُ عِـنْدَ رَسُـولِ اللهِ مَقْبولُ
مَـهْلاً هَـداكَ الـذي أَعْطاكَ نافِلَةَ *** الْـقُرْآنِ فـيها مَـواعيظٌ وتَـفُصيلُ
لا تَـأْخُذَنِّي بِـأَقْوالِ الـوُشاة ولَـمْ *** أُذْنِـبْ وقَـدْ كَـثُرَتْ فِـيَّ الأقاويلُ
لَـقَدْ أقْـومُ مَـقاماً لـو يَـقومُ بِـه *** أرَى وأَسْـمَعُ مـا لـم يَسْمَعِ الفيلُ
لَـظَلَّ يِـرْعُدُ إلاَّ أنْ يـكونَ لَهُ مِنَ *** الَّـرسُـولِ بِــإِذْنِ اللهِ تَـنْـويلُ
حَـتَّى وَضَـعْتُ يَـميني لا أُنازِعُهُ *** فـي كَـفِّ ذِي نَـغَماتٍ قِيلُهُ القِيلُ
لَــذاكَ أَهْـيَبُ عِـنْدي إذْ أُكَـلِّمُهُ *** وقـيـلَ إنَّـكَ مَـنْسوبٌ ومَـسْئُولُ
مِـنْ خـادِرٍ مِنْ لُيوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُهُ *** مِـنْ بَـطْنِ عَـثَّرَ غِيلٌ دونَهُ غيلُ
يَـغْدو فَـيُلْحِمُ ضِـرْغامَيْنِ عَيْشُهُما *** لَـحْمٌ مَـنَ الـقَوْمِ مَـعْفورٌ خَراديلُ
إِذا يُـسـاوِرُ قِـرْناً لا يَـحِلُّ لَـهُ *** أنْ يَـتْرُكَ الـقِرْنَ إلاَّ وهَوَمَغْلُولُ
مِـنْهُ تَـظَلُّ سَـباعُ الـجَوِّضامِزَةً *** ولا تَـمَـشَّى بَـوادِيـهِ الأراجِـيلُ
ولا يَــزالُ بِـواديـهِ أخُـو ثِـقَةٍ *** مُـطَرَّحَ الـبَزِّ والـدَّرْسانِ مَأْكولُ
إنَّ الـرَّسُولَ لَـسَيْفٌ يُـسْتَضاءُ بِهِ *** مُـهَنَّدٌ مِـنْ سُـيوفِ اللهِ مَـسْلُولُ
فـي فِـتْيَةٍ مِـنْ قُـريْشٍ قالَ قائِلُهُمْ *** بِـبَطْنِ مَـكَّةَ لَـمَّا أسْـلَمُوا زُولُوا
زالُـوا فـمَا زالَ أَنْكاسٌ ولا كُشُفٌ *** عِـنْـدَ الِّـلقاءِ ولا مِـيلٌ مَـعازيلُ
شُــمُّ الـعَرانِينِ أبْـطالٌ لُـبوسُهُمْ *** مِـنْ نَـسْجِ دَاوُدَ في الهَيْجَا سَرابيلُ
بِـيضٌ سَـوَابِغُ قـد شُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ *** كـأنَّـها حَـلَقُ الـقَفْعاءِ مَـجْدولُ
يَمْشونَ مَشْيَ الجِمالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ *** ضَـرْبٌ إذا عَـرَّدَ الـسُّودُ التَّنابِيلُ
لا يَـفْـرَحونَ إذا نَـالتْ رِمـاحُهُمُ *** قَـوْماً ولَـيْسوا مَـجازِيعاً إذا نِيلُوا
لا يَـقَعُ الـطَّعْنُ إلاَّ فـي نُحورِهِمُ * ومـا لَهُمْ عَنْ حِياضِ الموتِ تَهْليلُ










رد مع اقتباس
قديم 2013-03-24, 12:41   رقم المشاركة : 276
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

نبذة حول الشاعر: كعب بن زهير


كَعبِ بنِ زُهَير
? - 26 هـ / ? - 646 م
كعب بن زهير بن أبي سلمى، المزني، أبو المضرَّب.
شاعر عالي الطبقة، من أهل نجد، كان ممن اشتهر في الجاهلية.
ولما ظهر الإسلام هجا النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام يشبب بنساء المسلمين، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم، دمه فجاءه كعب مستأمناً وقد أسلم وأنشده لاميته المشهورة التي مطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وخلع عليه بردته.
وهو من أعرق الناس في الشعر: أبوه زهير بن أبي سلمى، وأخوه بجير وابنه عقبة وحفيده العوّام كلهم شعراء. وقد كَثُر مخمّسو لاميته ومشطّروها وترجمت إلى غير العربية.

************************************************** ************************************************** ***************************



تعريف او السيرة الداتية لكعب بن زهير



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كعب بن زهير


كعب بن زهير بن أبي سلمى ، شاعر مخضرم ، لا نعرف الكثير عن حياته في الجاهلية ، إلا أنه شاعر ، سلك مسالك الشعراء الجاهليين ، ونهج منهج أبيه زهير في النظم . ولا نكاد نعرف عنه بعد الإسلام إلا حادثته الشهيرة مع النبي ، ونجهل تاريخ ميلاده وموته . فلم يحفل المؤرخون بمثل ذلك .
لما انتشرت الدعوة الإسلامية ، أرسل كعب أخاه بجيراً ليستطلع مبادئ الإسلام ويعود إليه بالخبر اليقين . ولكن بجيراً أسلم وبقي في المدينة قرب النبي ، فاستاء كعب وأرسل إليه أبياتاً يلومه فيها على ما فعل ، وعلى ترك دين الآباء . فأقرأها النبي فأهدر دمه .

فأرسل بجير رسولاً إلى كعب ينذره ، ويدعوه إلى الإسلام ، أو اللجوء إلى مكان آمن . لم تلجأه قبيلته ، وتخلى عنه أصدقاؤه ؛ فسار إلى المدينة متخفياً ، ولزم بيت صديق له حيناً ، ثم قدم على النبي وهو في مجلس المؤمنين ، ووضع يده بيده ، وقال : (( إنْ كعب بن زهير أتاك تائباً مسلماً فهل أنت قابل منه ؟ قال : نعم . قال : فأنا كعب )) . فوثب أحد رجل من الأنصار يريد قتله فمنعه النبي .

نوع النص الذي ألقاه على الرسول تائباً :

الأبيات من الشعر الغنائي ، يعبر فيه الشاعر عن انفعالات الخوف والرهبة والأمل والإيمان ، وعن عواطف الثناء نحو النبي والمهاجرين . فكعب في موقف يخشى معه أن يقتص منه النبي ، ولكنه آمل في العفو ، تسيطر عليه مهابة النبي ، وما يلقي من حديث جديد على إسماعه ، يملأ نفسه ؛ ومنتظر الكلمة الفصل . وإذ يحدوه الرجاء ، تحفزه النفس على مديح النبي ومن آزروه في أحلك أيامه .


مناسبة النص :

الأبيات جزء من قصيدة طويلة أعدها لإلقائها بين يدي النبي حين عزم على القدوم عليه ، وقد أنشدها حين قبل النبي توبته وإسلامه ومطلعها :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيمٌ إثرها ، لم يفد مكبول
يبدأ القصيدة بالوقوف على الأطلال ، ويصف ناقته . ويذكر ما قال الوشاة ن ويتبرأ منه ، ثم يمدح النبي والمهاجرين .

المضمون :

يخاطب كعب النبي ، فيقول إنه علم بوعيده ؛ ولكنه رغم رهبته كبير الأمل في عفوه . يرجوه أن يتمهل في حكمه عليه ، وهو الذي أرسله الله إلى البشر هادياً ومبشراً ؛ ويتبرأ من أقوال الوشاة ، ويزعم أنه يرتكب ذنباً ، وأن الأقاويل فيه كاذبة .
ويصف موقفه بين يدي النبي 0ص) ، فإذا هو في رهبة مما يرى ويسمع ، ولو كان الفيل في موضعه ـ وهو أضخم الحيوانات جثة ـ لأصابته الرعدة من خوف وهيبة ، ولم ترتح نفسه إلا إذا أمنه الرسول على حياته .
ويروي ما كان بينه وبين النبي ن فقد وضع كفه بكفه ، وكلمه في توبته وإسلامه ، فقبلهما وعفا عنه .
ويمدح النبي ، فإذا مهابته أشد وقعاً في النفوس من مهابة أشد الأسود ضراوة ، فهو سيف الله المسلول على أعدائه ، في سبيل الحق والهداية .
ويثني على المهاجرين الذين نزحوا من مكة مع النبي لا خائفين ولا متهيبين ، فهم من أشد المحاربين دراية بالحرب ، وأكثرهم إباءً وشمماً ، وأسرعهم إلى القنال ، فإذا انتصروا فالنصر من عاداتهم ، فلا يثير فيهم فرحاً ، وإذا غلبوا فلا يبتئسون لثقتهم بالنصر في المعارك المقبلة . ويستقبلون الموت بصدورهم لأن الموت في سبيل معتقدهم نعمة .


مميزات المضمون :

· أول ما يبادرنا من النص أنه جاهلي ، في شكله وأسلوبه ، ومعظم معانيه . والواقع أن كعباً كان ما يزال على جاهليته ، في عيشه وعقله وقلبه . ولم يكن من السهل أن يتبدل فجأة بعد لقاء النبي ، مع العلم أنه نظم قصيدته قبل قدومه عليه .
· أنه متأثر باعتذاريات النابغة ن حتى في الصيغة ، فهذا النابغ يخاطب أبا قابوس ( كنية ملك الحيرة ) :
نُبئتُ أن أبا قابوس أوعدني ولا قرار على زأرٍ من الأسد .
الشطر الأول مأخوذ برمته ، مع تبديل ( أبا قابوس ) ب ( رسول الله ) . كذلك بدء البيت الثاني ( مهلاً ) ، والثالث : ((لا تأخذني ) . وهذا تأكيد واضح على شعر الآخرين في التعبير .
كذلك تشبيه النبي بالأسد ، مأخوذ من تشبيه النابغة . ومثله الحديث عن الوشاة ، على أن النابغة كان أبلغ .

مثل هذا الأخذ ، بل النقل ، يوحي بالتكلف والصناعة ، أكثر مما يوحي بالطبيعة .
· معظم المعاني مأخوذ من الجاهلية ، ومثلها الصفات التي أطلقها الشاعر على النبي والمهاجرين ، ولم يجدد في الكنايات . ولولا رواية ما حدث له بين يدي النبي 0ص) ، وما كان من أمر هجرة المهاجرين ، لما انطوت الأبيات على معنى واحد جديد . فتشبيه النبي بسيف الله والأسد ، قديم ، فكثيراً ما شبه البطل بالسيف والأسد. كذلك نعت المهاجرين بأنهم غير أنكاس ولا كشف ولا ميل ولا معازيل ، والكناية عنهم ، بشم العرانين ، ولبس دروع من نسج داود ، وعدم فرحهم بالنصر ، وثقتهم بالنصر إذا غلبوا ، ومواجهة الموت بصدورهم ، كل ذلك مبتذل لكثرة ما ردده الشعراء في الجاهلية .

· ويتجلى جفاف فطرية كعب في تشبيه نفسه بالفيل . فقد أراد أن يعظم من أمر رهبته ، فلم يجد غير الفيل يجعله في مكانه ، فيرعد جزعاً . ذلك أن كعباً ما يزال في النص ينتسب إلى جاهليته وعفويتها التي تبلغ هذا الجفاف .
· وليس في النص أي معنى إسلامي ن إلا قوله : ( من سيوف الله ) فهو تعبير استحدث في الإسلام ، ونعتت به أكثر من شخصية إسلامية . وقوله ( هداك الذي أعطاك نافلة القرآن ) وهذا نعت لما ضم القرآن ، لا معانٍ يشير إليها .

· ولو جعل الشاعر الرعدة من سماعه حديث النبي (ص9 ورؤية مهابته ، دون الخوف من غضبه ، لكان المعنى أوقع في النفس . لا ريب أن الشاعر صادق في هذا الموقف ، فهو خائف من أ، يقتل بعد أن أهدر دمه ، ولكن بلاغة الصيغة ، والتعبير عن الإيمان الصادق ، على النحو الأول ، أفصل .
· وإعلان إيمانه في كلمة ( لا أنازعه ) يشوبه الخوف ، لا الاطمئنان النفسي بفعل الإيمان ، فهو خائف من تنفيذ الوعيد لأن ( قيله القيل ) آمل في العفو ، راهب من أن يؤخذ بما نسب إليه : ( منسوب ومسؤول ) .

· والشاعر مضطرب ، لا يعرف من أية طريق ينفذ إلى رضى النبي ، فهو حيناً ينفي قول الوشاة ، وحيناً يقص ما حدث له ، وتارة يمدح النبي والمهاجرين ، ولعله ارتجل بعض الأبيات ، بعد لقاء النبي ، فهو يروي قصة هذا اللقاء ، وما كان من أمره مع النبي . فإذا صح ذلك ، يكون كعب قد أضاف اضطراباً جديد إلى بناء القصيدة .

· الواقع أن القصيدة لا تشكل وحدة تامة ، فكعب من أنصار وحدة البيت ، التي ظلت القياس حتى أواخر العهد الأموي . ومع ذلك ، فبين البيتين الرابع والخامس وصل ، فجواب : لو يسمع الفيل ، في مطلع البيت الخامس : لظل ، هو مستنكر في عرف الجاهلي . ومثل ذلك في البيتين السابع والثامن فلقد علق الجار والمجرور : من خادر ، بأهيب , ولا نعني هنا بالصياغة فذاك من شأن الأسلوب ، وإنما القصد ربط معنى بيت بمعنى آخر .

· وكعب جاهلي في إيجاز المعاني : وصف القرآن وصفاً عاماً ، دون الإشارة إلى معاني ( المواعظ والتفصيل ) . ونفي الأقاويل ، وزعم البراءة ، وسأل النبي 0ص) ألا يأخذه بقول الوشاة ، في بيت واحد ، دون أن يشرح شيئاً من تلك ، فهي لديه تحصيل حاصل . وعبر عن إيمانه وتوبته بقوله : لا أنازعه .

مميزات الأسلوب :
· لا يشعر المطلع على الشعر الجاهلي أن أسلوب كعب ذاتي ، فقد أخذ أكثر من صيغة وتركيب عن النابغة الذبياني . نقل حيناً نقلاً حرفياً ، وحيناً بدل بعض الكلمات ، أو قدم وأخر ، فالبيتان الأول والثالث مأخوذان أخذاً حرفياً تقريباً .
· واستعان بمعظم صيغ الكنايات المعروفة في العصر الجاهلي : ( كشف عن اللقاء ، لبوسهم سرابيل ، شم العرانين ، لا يقطع الطعن إلا في نحورهم .. ) كذلك تشبيه النبي بالأسد ، فمشهور في الجاهلية . وهكذا فإن كعباً غير مجدد ، لا في المعاني ولا في الأسلوب ، بل سارق أدبي .











رد مع اقتباس
قديم 2013-03-24, 13:45   رقم المشاركة : 277
معلومات العضو
nesro alger
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية nesro alger
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك اختي دلال على هذا الجهد الكبير و الله اعجبني هذا التحليل الذي بحثت عنه في كل المصادر و المراجع و لم اجده جزاك الله خير الجزاء في جنات النعيم










رد مع اقتباس
قديم 2013-03-24, 17:46   رقم المشاركة : 278
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

تحليل قصيدة **البردة** لكعب بن زهير



المقدمة

كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني وأمه كبشة بنت عمار بن عدي بن سحيم وهي من بني عبد الله بن غطفان. وهي أم سائر أولاد زهير سالم وبجير. ولد عند أخواله بني سحيم من غطفان وكان أكبر أولاد زهير. ويبدو أن كعباً كان على خلاف طبع أبيه ولم تسلم حياته من الاندفاع والنزوات. وكانت زوجته تلومه على تهوره واندفاعه.
وقد عني والده بتربيته وتعليمه الشعر. فنهاه عن قوله بدء ذي بدء مخافة أن يكون لم يستحكم شعره فيروى له ما لا خير فيه. فكان يضربه في ذلك، وحبسه ثم أطلقه وسرحه في بهمة وهو غليم صغير فانطلق فرعى ثم راح عشية وهو يرتجز:

من القرى موقرة شعيراً





كأنما أحدو ببهمى عيراً





فخرج إليه والده على ناقة وأردفه خلفه ليعلم ما عنده من شعر فقال زهير حين برز إلى الحي:
تخب بوصّال صروم وتعنق



إني لتعديني على الحي جسرة



ثم ضرب كعبا وقال له أجز يا لكع، فقال كعب:
وآثار نسعيها من الدفّ أبلق



كبنيانة القرئيّ موضع رحلها



ومضى زهير مع ولده كعب على هذا المنوال حتى تأكد من شاعريته فقال له:
قد أذنت لك في الشعر يا بني. وأخذه من يده وأنزله وهو صغير يومئذ فقال كعب:
بعرض أبيه في المعاشر ينفق



أبيت فلا أهجو الصديق ومن يبع



وهي أول قصيدة قالها كعب.
وأجمع الرواة على أن كعباً من فحول الشعراء ووضعه ابن سلام في الطبقة الثانية. وحديث الحطيئة معه يؤكد مكانته الشعرية حيث قال له: يا كعب قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم وقد ذهب الفحول غيري وغيرك فلو قلت شعراً تذكر فيه نفسك وتضعني موضعاً بعدك فإن الناس لأشعاركم أروى وإليها أسرع. فقال كعب:
إذا ما ثوى كعب وفوّز جرول



فمن للقوافي شأنها من يحوكها



إلى آخر القصيدة.
وتثبت حادثته مع النابغة الذبياني قوة شاعريته في صباه عندما أجاز قوله:
وتحيا إن حييت بها ثقيلاً



تزيد الأرض أما مت خفاً



نزلت بمستقر العرض منها
فلم يستطع النابغة إكمال العجز فأكمله كعب بقوله. وتمنع جانبيها أن يزولا. وقد برزت قصيدته بانت سعاد كدرة من درر شعره.
وقد توفي كعب بن زهير في خلافة معاوية وولد له عقبة (المضّرب) الشاعر وسلمى التي تزوجت من ثوبان وكان من نسله عدد من الشعراء، العوام وبشير من ولده عقبة. والقريض والعوثبان والرماح (ابن ميادة) من ابنته سلمى.
قصيدة بانت سعاد.

سبب نظمها وظروف إلقائها

خرج كعب وبجير ابنا زهير بن أبي سلمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغا (أبرق العّزاف) وهو ماء لبني أسد. وكان كعب عازفاً عن الإسلام شديد العصبية والعناد لذا لم تدخل الدعوة الإنسانية إلى قلبه ولم ترقق من عصبيته وجفائه.
فطلب إلى أخيه بجير أن يلحق بالرسول فينظر ما يقول على أن ينتظره كعب في المكان ذاته فقدم بجير إلى الرسول (ص) وسمع منه وأسلم وبلغ ذلك كعباً فأنشد:
على أي شيء-ويب غيرك- دلكا



ألا أبلغا عني بجيراً رسالة


عليه ولم تدرك عليه أخاً لكا



على خلق لم تلف أما ولا أباً


فأنهلك المأمون منها وعلكا



سقاك أبو بكر بكأس رديّة



فبلغت أبياته الرسول فأهدر دمه. مع من أهدر دمهم من الشعراء الذين أقذعوا في هجائه ولم يدخل الإيمان إلى قلوبهم. فكتب إليه بجير أن يقدم إلى الرسول ويسلم وإلاّ فعليه أن ينجو بنفسه لأن الرسول قتل أناساً آذوه وشهروا بالإسلام وبه، فاحتار كعب في أمره وعدّ نفسه مقتولاً لا محالة. ونصحه قوم بالذهاب إلى الرسول وإعلان توبته وإسلامه فلم ير من الأمر بداً. فنظم القصيدة معتذراً فيها إلى الرسول مادحاً إياه تائباً عن أقواله وأفعاله.
أقبل كعب إلى الرسول سنة تسع للهجرة إلى مسجد المدينة وأناخ راحلته بباب مسجد الرسول. وكان مجلس الرسول من أصحابه مكان المائدة من القوم، حلقة ثم حلقة وهو يحدثهم، فأقبل كعب حتى دخل المسجد فتخطى حتى جلس إلى الرسول فقال: يا رسول الله الأمان. قال من أنت؟. قال: كعب بن زهير.
قال: أنت الذي يقول.. كيف يا أبا بكر؟ فأنشده حتى بلغ قوله:
وانهلك المأمون منها وعلكا



سقاك أبو بكر بكأس روية



فقال رسول الله : مأمون والله. ثم أنشده كعب قصيدته بانت سعاد. فلما بلغ قوله:
مهند من سيوف الله مسلول



إن الرسول لسيف يستضاء به


ببطن مكة لما أسلموا زولوا



في فتية من قريش قال قائلهم


عند اللقاء ولا خور معازيل



زالوا فما زال انكاس ولا كشف



أشار الرسول إلى الخلق أن يسمعوا شعر كعب ابن زهير وأعطاه الرسول بردته.
وأضاف الرواة إلى هذا الخبر بأن كعباً عرض بالأنصار في قصيدته في عدة مواضع منها قوله:
وما مواعيدها إلا الأباطيل



كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً



وعرقوب رجل من الأوس. فلما سمع المهاجرون بذلك قالوا ما مدحنا من هجا الأنصار فأنكروا قوله وعوتب على ذلك وطلب إليه أن يمدح الأنصار بعد أن أثار حفيظتهم بقوله هذا. فقال قصيدته:
في مقنب من صالحي الأنصار



من سره كرم الحياة فلا يزل


عند الهياج وسطوة الجبار



الباذلين نفوسهم لنبيهم



إلى آخر القصيدة.
وتبدو الرواية الأخيرة موضوعة فلا داعي لإثارة حفيظة الأنصار ضد كعب ما دام عرقوب لم ينتم إليهم بل كان من العمالقة ومن المنطقي أنهم أُثيروا عندما دخل كعب مسجد الرسول وهو المعروف بعدائه الشديد للإسلام وللرسول وأنه قد أهدر دمه لتشبيبه بأم هاني بنت أبي طالب وهي ابنة عم الرسول.
وقيل إن كعباً أنشد قصيدته للرسول (ص) في المسجد الحرام لا في مسجد المدينة وهو قول ضعيف غير متواتر والأرجح لدينا أنه أنشدها للرسول (ص) في مسجد المدينة كما بينا سابقاً.
وقد زعم الرواة بأن معاوية أراد أن يشتري البردة من كعب أثناء خلافته فأغلى له الثمن، ولكن كعباً أبى بيعها. فلما مات راجع معاوية أهله واشتراها بثمن باهظ، ثم توارثها الخلفاء من بعده، وكانوا يخرجون بها للناس في العيدين.
ولم يذكر الرواة شيئاً عن أخبار كعب بعد إسلامه غير طلب الحطيئة إليه أن يمدحه ويذكره في شعره لأنه لم يبق غيرهما من فحول الشعراء.
ويبدو أن العمر امتد بكعب بعد الإسلام حتى قال:
وما الدهر إلا مسيه ومشارقه



وأفنى شبابي صبح يوم وليلة


زهير وإن يهلك تخلد نواطقه



وأدركت ما قد قال قبلي لدهره



وهي إشارة يفهم منها إنه عاش ثمانين حولاً أو ما يقاربها، وعلى ذلك يرجح الظن بأنه مات في أواخر العقد الخامس من القرن السابع للميلاد وذهب جرجي زيدان إلى أنه توفي عام 24 للهجرة.
نص القصيدة وتحليلها

1) اختلفت المصادر في عدد أبيات القصيدة فقد ذكر السكري خمسة وخمسين بيتاً وأثبت ابن الأنباري أنها سبعة وخمسون بيتاً. ووردت ستون بيتاوقد استعان الشارح برواية السكري مع زيادات من جمهرة شعراء العرب ومن كتاب منتهى الطلب من أشعار العرب. وأوردها الباجوري بتسعة وخمسين بيتاً، ووردت عند آخرين في ثمانية وخمسين بيتا. ونحن نميل إلى عدد الأبيات التي أوردها الديوان وسندرسها على هذا الأساس.
ولا يرجع الاختلاف في رواية القصيدة إلى عدد الأبيات فقط، بل إلى اختلاف الألفاظ، وترتيب الأبيات. وهذا الاختلاف هو الذي دفع طه حسين إلى التأكيد على عبث الرواة في القصيدة وإضافاتهم.
2) وإذا كان الغرض الرئيس من نظم القصيدة. مدح الرسول (ص) فإن الشاعر بدأ قصيدته بالغزل ثم انتقل منه إلى وصف الناقة، كما تعود الشعراء في الجاهلية أن يفعلوا لينتهي بعد ذلك إلى المديح الذي قصده. وقد استغرقت المقدمة الغزلية ثلاثة عشر بيتاً. واستغرق وصف الناقة ثمانية عشر بيتاً. أما الاعتذار والمديح وهما الغرضان الأساسيان في القصيدة فقد شملا أربعة وعشرين بيتاً سبعة أبيات منها في الاعتذار والبقية في مديح الرسول والمهاجرين.
3) إن النهج الذي سار عليه كعب نهج تقليدي في القصيدة العربية في العصر الجاهلي من حيث البناء والصور والمعاني والأخيلة. وسلك في اعتذاره للرسول (ص) ومديحه له مسلك النابغة الذبياني واعتذارياته من النعمان، فقد بدأ بالغزل ثم انتقل إلى وصف الناقة ومشاق الطريق وقوة الناقة التي أوصلته إلى الممدوح ليحسن الانتقال إلى الاعتذار من الرسول (ص) طمعاً في كرمه وشمائله العربية الأصيلة، وتصويره لخوفه وفزعه وتنكر الناس له وضيق الدنيا عليه:
إنك يا بن أبي سلمى لمقتول



تسعى الوشاة جنابيها وقولهم



ويعرض الشاعر للهول الذي يعاني منه ويبهظه بإيمان راسخ فيه نفحة إسلامية حيث يقول:
يوماً على آلة حدباء محمول



كل ابن أنثى وإن طالت سلامته



ولكن أمله القوي بعفو الرسول الكريم عنه يبدد اليأس عن نفسه ويدفعه إلى الانتقال السريع من الموت إلى الحياة ومن اليأس إلى الأمل فيقول:
والعفو عند رسول الله مأمول



أنبئت أن رسول الله أوعدني



وإذا ورد هذا البيت على منوال بيت النابغة في اعتذاره للنعمان حيث قال:
ولا مقام على زأر من الأسد



أنبئت أن أبا قابوس أوعدني



فالفرق كبير بين جمالية البيتين فإن اشتركا في مهابتهما والخوف من وعيدهما فإنهما مختلفان أشد الاختلاف في الأخلاق والمثل، فالنعمان وعيده مخيف موئس، على العكس من الرسول الكريم (ص) الذي يكمن وراء وعيده المخيف الأمل والرجاء لأنه على خلق كريم وزاده القرآن الكريم الذي نزل عليه رحمة وحلماً.
القرآن فيه مواعيظ وتفصيل



مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة


أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل



لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم



وهو إذ يقسم ويرجو من الرسول ألاّ يأخذه بأقوال الوشاة الكاذبين وهو مدرك لأفعاله السابقة ضدّ الرسول وموقفه المعادي منه ومن دينه وشدة عصبيته وعناده، يقسم بالقرآن، وبروح إسلامية تناسب مقام الاعتذار. على العكس من النابغة الذبياني الذي يقسم قسماً جاهلياً وثنياً لا يناسب مقام النعمان ولا يلتفت إلى خطئه في هذا القسم لأنه راعى طقوسه الخاصة أكثر من مراعاته للنعمان حيث يقول:
وما هريق على الأنصاب من جسد



فلا لعمر الذي مسحت كعبته



على الرغم من أن النابغة كان شديد القرب من النعمان، تربطه وإياه وشائج من الإعزاز والصداقة والود، بينما كان كعب شديد البعد عن الرسول الكريم (ص) فقد هجا النبي وصحبه قبل الإسلام ووقف إلى جانب الشعراء المشركين كابن الزبعرى وأضرا به في التشديد على ذم الرسول الكريم(ص) وصحبه والتشهير بهم وبالدين الإسلامي.
وما قدم كعب إلى الرسول طالباً العفو ومعلناً إسلامه إلاّ بعد أن هدر دمه وضاقت به الأرض بعد انتصار الرسول في مكة وحنين وإذعان العرب كلهم لسلطانه الجديد وقتل من قتل بعد الفتح من خصوم الإسلام وأعداء النبي وفرار من فر، كل ذلك ملأ كعباً فزعاً ورعباً. وأكبر الظن أن كعباً حاول الفرار والاستخفاء فيمن حاول الفرار والاستخفاء ولكن الأرض ضاقت به والناس تخاذلوا عنه. ونظر فإذا هو مأخوذ متهالك إذا لم يحتط لنفسه. وجاءته في أثناء هذا كله رسالة أخيه بجير
فاستقرت عزيمة كعب على أن يستجير بعفو النبي من غضب النبي.
4) تأثر كعب في قصيدته هذه بشعراء عديدين منهم أوس بن حجر وبوالده زهير وبالنابغة الذبياني، وكادت معانيه تقترب من معانيهم في الموضوعات الثلاثة التي تناولها في قصيدته، فهو في مطلع القصيدة يصور بإيجاز جميل ما صوره زهير في بيتين حين قال:
وعلِّق القلب من أسماء ما علقا



إن الخليط أجدّ البين فانفرقا


يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا



وفارقتك برهن لا فكاك لـه



فكلاهما معلق الفؤاد مكبل القلب مقيده الأول بسعاد والثاني بأسماء ويشبه كعب محبوبته بالغزال ويمضي في التفصيل في الطرف المكحول الغضيض والصوت الأغن والريق الخمري المشوب بالماء العذب البارد ويمعن في وصف طبيعة هذا الماء ليعطي لنا الصورة كاملة وهو نفس ما فعله زهير حيث قال:
ولا محالة أن يشتاق من عشقا



قامت تراءى بذي ضال لتحزنني


من الظباء تراعي شادنا خرقا



بجيد مغزلة إدماء خاذلة


من طيّب الرّاح لما بعد أن عتقا



كأن ربقتها بعد الكرى اغتبقت


من ماء لينة لا طرقاً ولا رنقاً



شجّ السقاة على ناجودها شبما



ويفصل كعب في أخلاق سعاد فهي متقلبة الطباع متغيرة دائماً كالغول ولا تفي بعهدها وتنساح مواثيقها كما ينساب الماء من الغرابيل، ومواعيدها مواعيد عرقوب فلا يغتر بوعدها فما هي إلاّ تضليل وباطلة الأباطيل وهي تستحق اللوم لأنها غير أهل للثقة. وإذا فصّل كعب في وصل أخلاق سعاد فإن زهيراً أوجز كل هذه الصفات في بيت واحد حيث قال:
فأصبح الحبل منها واهناً خلقا



وأخلفتك ابنة البكري ما وعدت



ونخلص من كل ذلك إلى أن المقدمة الغزلية في القصيدة لم تكن إلاّ مدخلاً لها يستهوي السامعين ويلفتهم إلى المتابعة وكأن مقولة ابن قتيبة في مقدمة كتابه الشعر والشعراء تنطبق تمام الانطباق على مقدمة هذه القصيدة فقد سعى فيها الشاعر مسعى الشعراء الجاهليين حين يبدأون قصائدهم بالغزل.
ثم يخلص كعب بشكل متساوق جميل إلى وصف ناقته حين يقول:
إلاّ العتاق النجيبات المراسيل



أمست سعاد بأرض لا يبلغّها



ويمضي الشاعر في وصف ناقته بالضخامة والصلابة والسرعة كما وصفها الشعراء الجاهليون. ويقف عند أعضائها وخصائصها وخصالها وقفة طويلة لشدة إعجابه بها فهي سهلة القوائم في السير، غليظة الرقبة، عظيمة الوجنتين، ضخمة شبيهة بالذكر، واسعة الجانب، ذات عنق طويل، وجلدها قوي لا يؤثر فيه لسع الحشرات، بارزة الظهر، وأخفافها ذوابل لاحقة، وذنبها كعسيب النخلة، وهي عريقة الأصل وهو سبب في خفتها وسرعتها، مرفقها مفتول، وثديها مخارج اللبن فيه جيدة، وذات أنف أقنى وعنق أتلع وخد سهل، ولم يترك كعب صفة من الصفات الجيدة التي تناولها الأقدمون في وصف نوقهم إلاّ ولصقها بناقته، وقد ظهر أثر المدرسة الأوسية واضحاً في هذا الوصف. يقول أوس بن حجر واصفاً ناقته:
وعمها خالها وجناء مئشير



حرف أخوها أبوها من مُهَجَّتَةٍ



ويقول كعب:
وعمها خالها قوداء شمليل



حرف أخوها أبوها من مُهَجَّتةٍ



ويقول زهير واصفاً ذيل ناقته:
على فرج محروم الشراب مجدد



وتلوى بريان العسيب تمره



ويقول كعب:
في غارز لم تخونه الأحاليل



تمر مثل عسيب النخل ذا خصل



وهو في اعتذارياته شبيه باعتذاريات النابغة وفي وصفه الرسول (ص) عند مديحه له حيث شبهه بالليث شبيه بتشبيه زهير لهرم بن سنان بالليث عند مدحه له ولكنه فصل في تشبيهه ما لم يفصله زهير.
وهو لم يتأثر بالمعاني والصور فقط بل تأثر بالشعراء الجاهليين أيضاً في استعمال الألفاظ الغريبة والصعبة ولا سيما عند وصفه للناقة والأسد وجاءت تراكيبه خشنة صعبة، على العكس تماماً من الافتتاحية الغزلية ومدح الرسول (ص) فقد وردت فيهما ألفاظ جميلة وواضحة وتراكيب قوية الأداء مؤثرة أشد التأثير مما يذكرنا بمعلقة طرفة تماماً عند وصفه للناقة، ولعل "للناقة وأعضائها مسميات خاصة بها كان على الشاعر أن يستخدمها لتأدية ما يريد التعبير عنه بصورة واضحة جلية ومثل هذا ينطبق على وصفه للأسد"
5) التأثر الحسي بالبيئة:
إن التأثر الحسي بالبيئة يبرز في الموضوعات الثلاثة التي طرقها في قصيدته. فإذا ما تغزل بسعاد شبهها بالظبي في سواد عينيها، وإنها فاترة الطرف. جميلة الصوت ولا يمنعه استرساله في وصف محاسنها من تشبيه ريقها بالخمرة التي علت بالماء وهو مدرك ولا بد أن الإسلام قد حرم الخمرة ونهى عن شربها، ولم تثنه مؤثرات البيئة عن ذكرها أمام الرسول (ص) وصحبه وفي مسجده، وهو قادم للاعتذار وطلب العفو. وتدفعه مؤثرات البيئة إلى الاهتمام بتجسيد برودة الماء التي علت بها الخمرة كأجمل ما يكون التجسيد وأبدع ما تكون الصورة الشعرية، فالماء عذب بارد صاف في منحنى رملي تكتنفه صغار الحصى أبعدت الرياح الهابة عنه الأوساخ والأدران وملأته سحابه بيضاء سارية ليلاً. للتأكيد على صفاء الماء وبرودته، حيث يبرد الجو ليلاً:
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول



شجت بذي شبم من ماء محنية


من صوب سارية بيض يعاليل



تجلو الرياح القذى عنه وأفرطه



إنها حرارة الصحراء وقلة مياه الغدران الباردة تلك التي دفعته إلى أن يبدع في تجسيد هذه الصورة على الرغم من أن الاستطراد واضح فيها وكان في إمكان كعب تجاوزها لو أن الإسلام دخل قلبه في الصميم وأضعف لديه مؤثرات البيئة القوية التي بدت وكأنها أقوى من إيمانه بالإسلام. ويدفعه حماسه وهو يصف أخلاق سعاد المتبدلة وخصالها المتغيرة فتظهر مؤثرات البيئة قوية فيشبهها بتلون أثواب الغول وهو يدرك أو لا يدرك بأن الغول من الأشياء التي عفا عليها الإسلام، ولكنها مؤثرات البيئة التي تجذرت في نفسه قوية لا تقاوم، وإذا ما أراد أن يصور وصلها لم يجد تشبيهاً غير الغرابيل التي تسيح منها المياه إذا وضعت فيها ولا تتمكن من مسكها.
وتظهر مؤثرات البيئة بشكل أشمل في وصفه للناقة وهو أمر بدهي لأن كعباً كرجال عصره أحب الناقة والفرس وتعلق بهما، وتلعب الناقة دوراً مهماً في حياته القلقة المضطربة التي كثرت فيها الأسفار وسادها الانتقال من مكان إلى آخر، فهو لا يستطيع الوصول إلى سعاد التي أضحت بعيدة كل البعد يعسر الوصول إليها إلاّ على ظهر ناقة شديدة غليظة سريعة خفيفة الحركة لا تعرف معنى للوهن والتعب ذات همة عالية. قد جربت الأسفار الطويلة. تستطيع بلوغ الأماكن البعيدة التي لا يستطيع غيرها من النوق الوصول إليها. وإذا ما اشتدت الهاجرة لا تكسل ولا تتوانى وناقة كعب غليظة الرقبة ممتلئة الرسغ تفضل جميع النوق في عظم خلقها. وقد خرج كعب على ما اعتادت عليه العرب في وصف الناقة كما يقول الأصمعي:
"هذا خطأ في الصفة لأنه قال هي غليظة الرقبة وخير النجائب ما يدق مذبحه ويعرض منحره وذهب أبو هلال العسكري مذهب الأصمعي: "من خطأ الوصف قول كعب بن زهير: ضخم مقلدها لأن النجائب توصف برقة المذبح". ونحن نرى بأن وصفه لها بضخامة الرقبة يتماشى مع وصفه لضخامة خلقتها ولا ينبو عن الذوق ولا يخرج عن المبالغة والتفخيم اللتين سادتا الشعر العربي قبل الإسلام وإنما يدلل على قدرتها الكبيرة في قطع المسافات الطويلة وأنها أقوى على السير من غيرها.
ويمضي كعب في وصفه لناقته بتأثيرات بيئية. فيصفها بكرامة الأصل، ملساء الصدر والخاصرة صلبة لم تحلب ولا تنال منها الحشرات والهوام إيذاء. وجبهتها صلبة ملساء، لم تنتج ولم تحلب فاحتفظت بقوتها. عظيمة الذنب كثير وبره تمر به على ضرعها لطوله وعظمه. وقد عدّ السكري ذلك عيباً في وصف الناقة حيث قال: "خطأ أن توصف بعظم الذنب وكثرت الهلب وأفضل منها للركوب أن تكون جداء قصيرة الذنب وإذا كانت للحلب فسبوغ الأذناب وكثرة الهلب يستحب فيها".
ونحن نذهب إلى خلاف هذا الرأي فإن حب كعب لناقته يدفعه إلى المبالغة في وصف ضخامتها للاستدلال على قوتها وصلابتها وشدة سرعتها. وينتقل كعب ثانية من وصف جسد الناقة إلى وصف رأسها: أنفها أقنى. وأذناها كريمتان وخداها سهلان، أما عصب رجليها فقوي وأخفافها قوية صلبة وساقاها طويلان كأنهما ذراعا امرأة ثكلى تنوح وتلطم بكرها، فهي في أشد حالات لوعتها احتداماً في اللطم والنواح وهي تقطع قميصها عن صدرها من شدة اللوعة والحزن:
قامت فجاوبها نكد مثاكيل



شد النهار ذراعاً عيطل نصف


لما نعى بكرها الناعون معقول



نواحة رخوة الضبعين ليس لها


مشقق عن تراقيها رعابيل



تفري اللبان بكفيها ومدرعها



إن هذا التشبيه الرائع لخلق صورة كاملة للناقة المحبوبة تدلل على براعة الأداء الفني في هذه القصيدة. وهي تذكرنا بالبراعة الفنية في وصفه لماء الغدير الذي مرّ ذكره.
إن الصور البيئية التي والف بينها كعب لإعطاء الصورة الكاملة لعظمة خلق ناقته وجمالها ووقوفه المتملي عند جزئيات جسدها، لا يدلل على أنه عاش حياته وعرف بيئته بعمق، ولا يدلل على براعته الفنية في المزج بين اللوحات الجسدية المتحركة وبين جوه النفسي الخاص فحسب، وإنما تمزج هذه اللوحات الفنية بين صلابة الناقة وقوتها وبين صلابته وقوته وشجاعته، وما تكراره للأبيات التي تعطي معاني الصلابة والقوة لناقته إلاّ تأكيد على تلك الصلابة والقوة وهي بالتالي تأكيد على صلابته وقوته، لأنه يقترن بناقته اقتراناً تاماً في رحلته الشاقة تلك، وهي ليست رحلة للوصول إلى سعاد المحبوبة بقدر ما هي رحلة شاقة مادياً ومعنوياً، جسدياً ونفسياً للوصول إلى الرسول (ص) لتقديم الاعتذار إليه وإعلان إسلامه في حضرته، وهو موقف مهول مرعب كما سيبدو في الأبيات التالية لكعب والتي سنعرضها في مناسبتها. وقد عاب عليه بعض الباحثين هذا التكرار في وصف صلابة الناقة وقوتها وعدوه تكرراً معيباً. بينما قبله آخرون وبرروه "بحجة أنه جاء بألفاظ مختلفة". ونحن نرى أن في هذا التكرار أداءً فنياً متقناً للتأكيد على صلابته وشجاعته من خلال تأكيده على صلابة ناقته وقوتها وتحملها طول المسافة وحرارة الجو. تلك الحرارة التي لم تتحملها الحرباء وكأنها شويت بالنار، والجنادب متعبة من لهف الهجير، وحادي القافلة يطلب إلى القوم أن يلجأوا إلى القيلولة لعدم تحمل الإبل الاستمرار على المسير. فكيف يتحمل إنسان ذلك ما دامت حيوانات الصحراء وحشراتها عاجزة عن تحمل شدة الهجير أما هو وناقته فأقوى من هجير الصحراء وأصلب من حيواناتها وحشراتها، فهي دؤوبة في سيرها ينبع العرق من ذراعيها وهما في شدة السير والتهام الفيافي، وقد تلفعت البيداء بجبالها وفيافيها بالسراب.
وليس هذا فحسب وإنما حاول كعب أن يخلق نمطاً من الأجواء القصصية لإعطاء البعد النفسي له في رحلته الشاقة المترقبة، وفيها تصوير للتوحد الذي هو أقرب إلى التصعلك. فلا نرى في لوحة الرحلة غير الناقة والصحراء، والجبل المتلفع بالسراب والحرباء والجنادب بعد أن ابتعد عنه الأصدقاء وتجنبه المعارف وعافه الأحباب وأهدر دمه وفارقه الأخ والصحب ولم يبق أمامه في هذه السفرة الطويلة غير كلمة واحدة من رسول كريم تعيد إلى نفسه الاستقرار وتدفعه إلى التشبث بالحياة، ليحيا كما يحيا بقية الناس:
كأن ضاحية بالنار مملول



يوماً يظل به الحرباء مصطخماً


وقد تلفع بالقور العساقيل



كأن أوب ذراعيها وقد عرقت


ورق الجنادب يركضن الحصى قيلوا



وقال للقوم حاديهم وقد جعلت


قامت فجاوبها نكد مثاكيل



شد النهار، ذراعاً عيطل نصف



يهمل طه حسين في حديثه مع صاحبه حديث الناقة وكأنها زائدة في حدث القصيدة. وهذا أمر شديد الغرابة لدى باحث كبير كطه حسين. بل إن الوقوف عند موضوع الناقة يثير أكثر من مسألة.
أولاً: إنها المعادل الموضوعي لسعاد. فإذا كانت سعاد قد خذلته وتنكرت له فالناقة قد رافقته في رحلته الطويلة النفسية والمادية. إن وقوف كعب الطويل عند وصف محاسنها يدلل على حبه الشديد لها. فهو يتغزل بجمالها كما تغزل بجمال سعاد. بل أكثر عمقاً وتأثيراً. فإذا جاء تغزله بسعاد تقليدياً تذكرياً، فإن غزلـه بالناقة فيه من الصور الإيحائية المتجددة والتأكيد ما هو أبعد أثراً وأكثر عمقاً، إنه التعويض الشجاع لفقد يبدو مع مرور الزمن لا قيمة لـه، فإذا لم تكن سعاد خليقة به، فالناقة (هو) شجاعة عنيدة صامدة متوحدة ساعية لهدف، هو هدفه، فهي جزء منه وهو جزء منها، فهي كحصان امرئ القيس في معلقته، لقد كان فقد سعاد السبب الأساس في هذا الوقوف المتأني من الناقة المحبة المحبوبة. المتحركة المتلاحمة مع قائدها كعب، فهي على العكس من ناقة طرفة (الصورة)، فناقة كعب هي الحياة والأمل والمستقبل الموعود المترجى الهنيء.
ثانياً: الناقة بشجاعتها وقوتها وصمودها وتوحدها هي كعب بن زهير وهو إذ يصف الناقة بكل هذه الخصال الحميدة لا يصف إلاّ نفسه التي سعى إلى أن يجعلها تمهيداً لرضا الرسول (ص) عنه على الرغم من مواقفه الخطيرة منه، ولكنه، رجل شجاع شهم يطلب المغفرة من رسول كريم عرف بالسماحة والشهامة والعفو عند المقدرة.
ثالثاً: الناقة هي الوسيلة للوصول إلى حضرة الرسول الكريم (ص). فلا يمكن الاستغناء عنها في بيئة صحراوية ولرجل تشبع بالعصبية الجاهلية وأثرت فيه البيئة كل هذا التأثير الكبير، وهكذا نجد التلاحم عظيماً بين ما سمي بالغزل ووصف الناقة والاعتذار والمديح للرسول (ص) إنها الوحدة الموضوعية والعضوية معاً والذي يقود كل جزء منها إلى الجزء الأخير حتى نهاية القصيدة.
إن وصف الناقة جزء أساس في القصيدة لا يمكن تجاهله لدى أي باحث تشبع بجمال القصيدة وأدائها الفني الرفيع.
وماذا عن الجزء الأخير من القصيدة، الاعتذار والمديح وتأثير البيئة فيهما؟!
إن الشاعر وهو يصور مشاعر الرهبة في حضرة الرسول (ص) وما سمعه عنه لم يجد تشبيهاً لـه غير الفيل لضخامته حتى أنه توهم بأنه أكثر الحيوانات قوة سمع.
وربما عزا ذلك لكبر أذنيه، والشاعر مولع بالمبالغة والتفخيم.وجاءت صورة الفيل المرتعد الخائف قبل أن يسمع العفو ويحصل على الأمان من الرسول (ص) جميلة رائعة على العكس من البيت السابق عليها.
وإذا ما أراد أن يجد تشبيهاً للرسول لم يجد غير الأسد والسيف، وهو يعطي لهذين التشبيهين أجمل ما لديه من أداء فني، فهو يصف هيبة الرسول (ص) بهيبة أسد لم يبرح أكمته بعد أن اصطاد فريسة ومزقها وأطعم من بقاياها أولاده حتى بانت الحمر الوحشية الخائفة عازفة عن الإطعام والاجترار لشدة هلعها وخوفها من هذا الضيغم المهيب:
وقيل إنك مسبور ومسئول



لذاك أهيب عندي إذ أكلمه


ببطن عثّر غيل دونه غيل



من ضيغم من ضراء الأسد مخدره
لحم من القوم معفور خراذيل



يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما


أن يترك القرن ألاّ وهو مغلول



إذا يساور قرناً لا يحل لـه


ولا تمشى بواديه الأراجيل



منه تظل حمير الوحش ضامزة



إن هذه الصورة الجميلة التي أعطاها الشاعر للرسول (ص)، هي بالإضافة إلى جمالها الفني تعبر عن الواقع النفسي الخائف للشاعر المذعور الطالب للمغفرة والأمان كما سنرى.
وهي بحركة الجزئيات الموجودة في داخل الصورة تعكس الوضع النفسي المتقلب للشاعر بين طمعه بالعفو وخشيته من العقاب، وهي ليست استطراداً كما قال بعض الشراح وإنما جزء مهم من الصورة لا تكتمل اللوحة بدونه. ونحن نعجب كيف أهمل كاتب حساس ومتذوق رفيع للشعر مثل هذه الصورة ولم يعرها أي اهتمام.
وإذا ما شبه كعب الرسول (ص) بالسيف لم يأت بجديد وحتى عندما يكون هذا السيف مهنداً ولكن الشاعر خصّ هذا السيف بصفة لم يسبقه أحد إليها أنه من سيوف الله ومشهَر دائماً في وجه الأعداء والمشركين، وهكذا جمع كعب في الاستضاءة به بين الرسول وسيف الله المسلول حتى أصبحت هذه الصفة بعد ذلك من صفات خالد بن الوليد كناية عن شجاعته وقوته وشدة بطشه بالأعداء.
وهكذا لم يجد كعب أقوى وأعظم من الأسد والسيف ليشبه بهما الرسول (ص) ولكنه عندما مدح المهاجرين أعطاهم صفات بيئية يفخر بها العربي؛ فهم شم الأنوف، أبطال شجعان، لباسهم الدروع السابغة لأنهم لا يعرفون معنى للراحة حتى يستتب الحق بانتشار الإسلام.
وإذا ما وقف الشاعر واصفاً الدروع التي يرتديها صحب الرسول وقف وقفة متأملة واختار تشبيهه للدرع بنبات انتزعه من البيئة الصحراوية (كأنها حلق القفعاء مجدول).
فهم قد تعودوا على النصر ولا تخيفهم الهزيمة لأنهم مقبلون دائماً على أعدائهم لا يعرفون للأدبار معنى وإذا ما شبه مشيهم اختار أحب الحيوانات إليه وأقربها إلى نفسه (الجمال) وأعطاها صفة البياض المستحبة، وجاءت المقابلة بين (الجمال الزهر يعصمهم ضرب) وبين (إذا عرد السود التنابيل) رائعة جداً لبيان عظمة المهاجرين وخور وجبن أعدائهم. وقال شارح الديوان: "ويقال إنه عرض بالأنصار في هذا البيت فيما قال الذي أراد قتله عند النبي (ص).
وقيل إن ما أثار الأنصار ضدّ كعب أنه قال الجمال الجرب ويروي السكري "الجرب المطلية بالقطران فأراد عليها الدروع فهم يشبهون الجرب". ونحن لا نرى هذا ولا ذاك وما هي إلاّ من باب التأويلات القصصية التي تناقلها الرواة. وما أغضب الأنصار فعلاً ليس ذمهم أو ذم المهاجرين وكيف يسلك هذا المسلك شاعر خائف أهدر دمه وتنكر له الأهل والصحاب وجاء إلى حيث يجلس الرسول (ص) إلى صحبه من المهاجرين والأنصار ليعتذر ويطلب العفو والأمان.
وإذا كان غضب الأنصار قد اشتد فيعود ذلك إلى ما قبل الوصول إلى هذه الأبيات في الوقت الذي كشف كعب عن نفسه. فأثار حضوره الأنصار لما عرف عنه من عداء شديد للرسول (ص) والمسلمين ولإقذاعه في ذمهم مع الشعراء المشركين.
6) الأزمة النفسية وتكامل التجربة الشعورية
إن التغيير الذي طرأ على الجزيرة العربية بظهور الإسلام ومن ثم انتشاره ودخول العرب في الدين الجديد، جعل كعباً يقف موقف التنازع والحيرة وهو الذي عرف بعصبيته الشديدة وعناده وحياته القلقة، البيتية والقبلية، وعدائه الشديد للرسول والإسلام، فما أن استتب الأمر للمسلمين وأهدر دمه مع من أهدر من دماء الشعراء الشتامين للإسلام، حتى كان عليه أن يقرر. ويبدو أن حب الحياة لديه أقوى من العصبية القبلية فما أن جاءه كتاب بجير حتى أسرع إلى المدينة لإعلان إسلامه أمام الرسول (ص) وطلب العفو والأمان منه.
في هذا الجو النفسي القلق ولدت قصيدة بانت سعاد بأجزائها الثلاثة المتفاعلة والمتكاملة لخلق اللوحة الكاملة لكعب يعرضها أمام الرسول والمهاجرين كمتهم يدافع عن نفسه ويطلب البراءة من حكامه. ويلعب الزمن دوراً عظيماً فيها فنتوزع بين ماض وحاضر. يأخذ الماضي واحداً وثلاثين بيتاً ويأخذ الحاضر أربعة وعشرين بيتاً. وليس الزمن وحده المعبر عن قلقه النفسي وإنما استعان بالأدوات الفنية الأخرى كالموسيقى الداخلية والخارجية والصورة والتركيب. فقد اختار وزن البسيط لقصيدته "فقد بدا مناسباً بإيقاعه الهادئ الرصين لشفافية الأسى المنساب في قصيدة اعتذاره إلى الرسول (ص)
إن وضوح مسلك الربط بين إيقاع البحر وطبيعة الغرض الشعري عند كعب قد يغري بالنظر في بحور نماذجه. إن كعباً باختياره بحر البسيط يسعى إلى أن يظهر أمام الرسول (ص) وصحبه بمظهر الإنسان الهادئ التائب السائل للغفران ليعطي صورة معكوسة لتلك الصورة التي عرفت عنه بتهوره وعصبيته وكرهه للإسلام والمسلمين.
ولم يقتصر حرص كعب على اختيار الموسيقى الخارجية فقط بل سعى إلى اختيار الإيقاع الداخلي والموسيقى الداخلية لإظهار مناخه النفسي، ويبدأ هذا الإيقاع الحزين مع بدايات القصيدة، ويظهر العويل الباكي الحزين ممتزجاً بين القافية اللامية المنسابة وبين إيقاع الضمة والواو التي قبلها مما يكسب اللام امتداداً أكبر وأسى أشد وبكاء أعظم.
"فلا عجب أن يتعاور الشعراء هذا النمط من الوزن والقافية في قصائدهم ذات الطابع النسيبي الحزين.. فقد وردت نماذج من وزن البردة وقافيتها في ديوان الشماخ وديوان ابن مقبل وديوان عبدة بن الطبيب والمفضليات".
وقد أعانه تكرار الألفاظ مثل كلمة (سعاد) وتكرار الحروف على التعبير عن جو الأسى النفسي الرقيق بالنسبة إليه للماضي المتمثل في سعاد، فقد هجره هذا الماضي الحبيب كما هجرته سعاد، فهي معادل موضوعي للماضي الذي تبدل وتقضى مع ظهور الإسلام.
ويلجأ كعب في البيت الثالث إلى المعاظلة باقتران الضاد والذال والظاء للتعبير عن مدى الظلم الذي عانى منه الشاعر من هجر الحبيبة له: "استيعاب طبيعة العلاقة بين الجرس الصوتي والمعنى. ذلك أن نطق هذه الحروف الثلاثة يجبر الناطق على تحسس مجرى الظلم وممارسة تذوقه في فمه وذلك ما لا نزعم أن كعبًا تعمده تعمداً ولكننا نحسب أنه وفق إليه فأبدع".
ولجأ إلى اللوحات الفنية والغنية المعبرة في وصف ماء الغدير ليعطي عذوبة الماضي. كما لجأ إلى المقاطع المتناغمة وتكرار الحروف والاستدراك والنفي ليمزج بين الإيقاع النغمي والإيقاع النفسي الحزين لتبدل المحبوبة وتغيرها وتقلبها وساعده في ذلك التشبيهات الجميلة التي تفاعلت مع بعضها لخلق لوحة الأسى والحزن مع الإيقاع الحزين والألفاظ المعبرة والتراكيب التي تدلل على قدرة إبداعية لدى الشاعر.
"إن كعباً كان يمتلك حساً نغمياً مرهفاً لا يكاد يدانيه فيه أحد من شعراء مرحلته إلاّ الشماخ". ولعلنا أدركنا بأن الغزل في القصيدة لم يكن مجرد مدخل إلى الغرض الأصلي من القصيدة بل هو جزء مهم ومتلاحم موضوعياً وعضوياً للوصول إلى الهدف الذي أراده الشاعر في القصيدة لأن الماضي له علاقة بحاضر الاعتذار وطلب العفو ومن ثم المديح.
وجاءت النقلة البارعة بين سعاد ووصف الناقة دالة على التفاعل بين الماضي المحبب الذي تغير وتبدل بحيث يصعب الوصول إليه وإعادته حتى بالنسبة لفارس شجاع صبور على تحمل المشاق مع ناقة صلبة قوية ضخمة، وإذا بهذه الناقة الأصيلة تقوده إلى الحاضر إلى الرسول (ص) وصحبه بدلاً من أن تقوده إلى سعاد (الماضي). ويتمثل العنصر النفسي للشاعر في الاندفاع والشجاعة في لوحة الرحلة وكأنه يقدم للرسول (ص) صورة بديلة ومختلفة لما تناقله الوشاة عنه وما وشاه الواشون ضده حتى أهدر الرسول (ص) دمه، وهو يعلم حق العلم أن الرسول الكريم (ص) ذا الخلق الرفيع يقدر الشجاعة حق قدرها ويكبر الفرسان والفروسية. ولم تخل لوحة الرحلة من تصوير لجوانب حياة كعب العنيفة والقلقة والدالة على الوحدة القريبة من الصعلكة نتيجة لمشكلاته العائلية والقبلية الخاصة.
وكانت الناقة وهو يصفها بتلك الدقة والتأني ممثلة لصراعه النفسي العنيف وهو يقطع رحلة شاقة ومخيفة، وقد تكون مهلكة بين الماضي الذي ودعه إلى غير رجعة والمستقبل الذي ينتظره والذي يشكل الزمن الحاضر بالنسبة للقصيدة. وقد ساعده في إظهار لوحة الرحلة بذلك الشكل الفني العميق تلاحم الألفاظ الغريبة والتراكيب القوية والإيقاع المتناغم والتشبيهات الجميلة والصور المتحركة لتعبر معاً عن حالته النفسية القلقة والتي ستزداد شدة مع بدايات اعتذاره ومن ثم مديحه للرسول (ص)، فهو ينتقل نقلة بارعة إلى هدفه ويخلص من الماضي إلى الحاضر بشكل فني أخاذ فيه إيقاع الأسى والقنوط:
إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول



تسعى الوشاة جنابيها وقولهم



إن الأسى والقنوط الذي سببه له الناس بمجافاتهم له وانقلابهم عليه كما انقلب عليه ماضيه:
لا ألفينك إني عنك مشغول



وقال كل خليل كنت آمله



دفعه وهو الشجاع المقدام- إلى القنوط والاستسلام فاستعان بالحكمة، والحكمة التي أوردها تعبر عن نفسه القانطة اليائسة، فهي جزء مهم من القصيدة وليست استطراداً أو مجرد أبيات ذات روح إسلامية وهي في رأينا أقرب إلى أقوال الأحناف في الجاهلية-يتقدم بها إلى الرسول ليبعد عنه الشرك ويحصل على العفو:
فكل ما قدر الرحمن مفعول



فقلت خلوا طريقي لا أبالكم


يوماً على آلة حدباء محمول



كل ابن أنثى وإن طالت سلامته



ويظهر الاضطراب النفسي واضحاً جلياً في اعتذارياته ولم يجد سبيلاً يسلكه أفضل من السبيل الذي سلكه النابغة الذبياني في اعتذاره من النعمان بن المنذر، وقد أجاد كعب في تصوير فزعه وخوفه فذكر نبأ وعد الرسول له والأمل في العفو وهو مدرك خير الإدراك أخلاق الرسول (ص) العالية وعفوه عند المقدرة. وذكر هدي القرآن ومواعظه، كما ذكر الوشاة والأقاويل وحاول أن يتخلص من جريرة أعماله. وتعد هذه الأبيات في الاعتذار من أجمل وأصدق ما قيل في الشعر العربي على الرغم من ظهور طابع التقليدية فيها.
ومضى في مدح الرسول (ص) بأسلوب تقليدي في أول الأمر فشبهه بأسد في عرينه اصطاد فريسة وأطعم منها أشباله ولم نلمس جديداً في هذا المديح فقد تكرر كثيراً في الشعر الجاهلي وربما أعانه ذلك على التفصيل في لوحة الأسد وكأن الشاعر يطمع برعاية الرسول له كما يرعى الأسد أشباله، فإذا ما انتقل إلى الصورة الثانية وشبه الرسول بأنه سيف مسلول من سيوف الله لم يزد على البيت الواحد ولم يفصل في الصورة كما فصل في صورة الأسد ولعل جهله بالإسلام وخشيته من الوقوع في الخطأ دفعه إلى الإيجاز. وفي كلا الصورتين أعطى للرسول (ص) صفة القوة لأنه كان يحس بكل الضعف والخور تجاهه فلم يعط غير صور مادية، ووقف في مديحه عند صفة القوة والمهابة ولم يذكر صفات كثيرة معروفة عن أخلاق الرسول (ص) ونبله وكرمه. لأنه لم يكن يرى في الرسول (ص) في لحظته تلك غير أنه الرجل الذي يملك بين يديه حياته وموته. ولو لم يكن خائفاً فزعاً لوقف وقفة طويلة ومغايرة في مديح الرسول الكريم كتلك الوقفة التي وقفها في مدح المهاجرين. ويدفعنا الحديث عن مديح الرسول (ص) بسرعته وعدم التأني فيه إلى التساؤل في هذه الوقفة المتأنية والمبدعة التي وقفها كعب في مدح المهاجرين، فقد جمعت فيها الخصائص المادية والمعنوية، وكانت اللوحة التي قدمها الشاعر لشجاعتهم لوحة معبرة ودقيقة ضمّ فيها الجزئيات كوصف الدروع والسلاح- إلى الكليات حتى ينتهي بالقصيدة نهاية تبلغ ذروة الإبداع الفني والإيقاع المتناغم الجمالي بين المقاطع الأربعة حيث أعطى للصورة عمقها الفني وأبعادها المتكاملة لينتهي بقصيدته نهاية رائعة معادلة لمطلع القصيدة حيث يقول:
قوماً وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا



لا يفرحون إذا نالت رماحهم


ما إن لها من حياض الموت تهليل



لا يقع الطعن إلاّ في نحورهم



يرى بعض الباحثين أن القدرة الإبداعية التي ظهرت في قصيدة كعب عند مدح المهاجرين بشكل أقوى من مدحه للرسول (ص) إلى العصبية القبلية: "فنحن نعلم أن المهاجرين قرشيون من كنانة، ولكعب في كنانة خؤولة. أما الأنصار فحسبهم ليستثير في نفس كعب مشاعر من نوع آخر فيسكت عن ذكرهم بشيء".
وقد عرفنا في كعب عصبية جاهلية شديدة فلا عجب أن يحدث هذا ولما يدخل الإسلام بعد إلى قلبه ويتغلغل في أعماقه، فإذا كان المهاجرون أبناء خؤولته يعرفهم ويعرفونه، وقد عاش بيئتهم فهو يجيد في مدحهم بروح العصبية الجاهلية بينما لا يعرف عن الرسول (ص) ولا دينه الشيء الكثير فيحتار في مديحه وينظر إليه كما ينظر إلى حاكم يطلب منه العفو والأمان ولا يجد فيه شيئاً أقوى من الرهبة والقوة والعفو عند المقدرة.
وقد احتلت مكانتها:
قصيدة بانت سعاد مكانة دينية كبيرة حيث منح الرسول بردته لكعب عند إنشادها. ولها قيمة فنية على الرغم من الأسلوب التقليدي الذي سلكه الشاعر في نظمها ولكنها مفعمة بالأصالة وصدق التجربة الشعورية وبالإيقاع النغمي العالي، واللوحات الفنية المبتكرة والتي أفاد فيها مما ورثه من الشعر الجاهلي ومن مؤثرات البيئة الأخرى.
وتظهر أهميتها التاريخية في أنها أصبحت جزءاً من كتب السيرة لا يخلو كتاب منها.
واهتم بها الشراح والنحويون واللغويون والأدباء فعارضوها وخمسوها وشطروها وأشهر من عارض هذه القصيدة ابن الساعاتي المتوفى عام 604هـ والبوصيري المتوفى عام 696 ومحمد بن علي العمراني المتوفى عام 560 ومحي الدين بن عبد الظاهر المتوفى عام 692 وشبيب بن حمدان المتوفى عام 695 والعزازي عام 710 وابن سيد الناس اليعمري المتوفى عام 734 وأبو حيان الأندلسي المتوفى عام 745 وابن نباتة المصري المتوفى عام 768.
وترجمت إلى اللاتينية ترجمها المستشرق (كارديوس جونزليت) عام 1748 وإلى الفرنسية ترجمها المستشرقان (أ. روكس ورنيه بوسيه) وترجمها (سكوبا بيكوسلاوسكي) إلى البولونية وترجمها (لويل) نثراً إلى الألمانية و (لروكرت) شعراً إلى الألمانية أيضاً وترجمها (ردهاوس) إلى الإنكليزية و (كبريالي) إلى الإيطالية و(الكاملي) إلى الفارسية و(ملجق زاده) إلى التركية.
معارضات بانت سعاد

المعارضة الشعرية: من مادة عرض، وعارض بمعنى أخذ في ناحية منه وأدخل دخولاً فيه ليست بمباحته، والمعارضة أن يعارض الرجل المرأة فيأتيها بلا نكاح ولا ملك أو أن يعارض فحل الإبل النوق معارضة فيضر بها من غير أن تكون من الإبل التي كان الفحل رسيلاً فيها، وعارضته في المسير أي سرت حياله وحاذيته ويقال عارض فلان فلاناً إذا أخذ في طريق وأخذ في طريق آخر فالتقيا. وعارضته بمثل ما صنع أي أتيت إليه بمثل ما أتى وفعلت مثل ما فعل. ومن هذا المعنى جاء اصطلاح المعارضة في الشعر: أن ينسج الشاعر على منوال قصيدة معينة لشاعر آخر أو يأتي بمثلها في وزنها وقافيتها ورويها وبعض معانيها أو في بعض أغراضها أو في موضوعها.
وتحصل المعارضة نتيجة لإعجاب شاعر بقصيدة سابقة عليه لشاعر معين، لها مكانها وثقلها في الأدب العربي، أو نتيجة لاعتداد الشاعر بنفسه فيسعى في معارضته إلى منافسة شاعر قديم في قصيدة من قصائده المشهورة ليباريه أو يعلو عليه.
أما الموازنة الشعرية: فهي من مادة وزن ووازنت بين الشيئين موازنة ووزاناً وهذا يوازن هذا إذا كان على زنته أو كان محاذيه، ومن هذا المعنى جاء اصطلاح الموازنة الشعرية فوازن الشيء بالشيء أي ساواه في الوزن وعادلـه وماثله وقابله وحاذاه ووازن الشاعر قصيدة غيره، إذا نظم قصيدة من بحرها وعلى وزنها ورويها نتيجة لإعجابه بها أو مباراتها والارتفاع عليها.
1) معارضة علي بن محمد بن علي بن أحمد لقصيدة بانت سعاد:
إن أولى المعارضات لقصيدة بانت سعاد هي معارضة علي بن محمد بن علي بن أحمد ابن مروان العمراني الخوارزمي المتوفى عام 560هـ. عارض في صباه قصيدة كعب بن زهير بانت سعاد في قصيدة مطلعها:
كما يهز اليماني وهو مصقول



أضاء برق وسجف الليل مسدول



والتكلف واضح من المطلع هذا بالإضافة إلى التشبيه الساذج المكرور الذي ذكره.
وأراد أن يقلد كعبا فبدأ بغزل متكلف خال من الجمال والإبداع ولا أثر فيه لفن وابتكار فاستبدل سعاداً بسعدى وقلد مطلع قصيدة كعب ببيت يظهر فيه الضعف والتكلف حيث يقول:
عني وقلبي بالأشواق متبول



فهاج وجدي بسعدى وهي نائية



ويمضي الشاعر في تقليد أبيات بانت سعاد بألفاظ وتراكيب وصور تبدو ظاهرة الضعف وتفصح عن تجربة الشاعر الشعورية غير المكتملة حيث يقلد بيت كعب الجميل الإيقاع:
إلاّ أغن غضيض الطرف مكحول



وما سعاد غداة البين إذ رحلوا



بقوله:
صبر ولم يبق لي قلب ومعقول



لم يبق لي مذ تولى الظعن باكرة


والجفن بالأثمد الهندي مكحول



ما أنسى لا أنسى إذ تجلو عوارضها



فأين التركيز المغني والإيقاع الجميل والتراكيب القوية والمعاني الموحية من هذا التفصيل غير المنطقي وكم بدا الشطران الأخيران ثقيلين ولا سيما (لم يبق لي قلب ومعقول) فكيف أحب إذاً عندما فقد عقله وقلبه؟! وما أمج (الأثمد الهندي) ونحن نعلم أن كعباً لم يذكر الهند إلاّ مرتبطة بالسيوف والسيوف المسلولة استعملها تشبيهاً لقوة الرسول (ص) وسيطرته، وإذا بمقلده لا يستخدمها إلاّ للعينين، فأين هذا الاستعمال من ذاك.
وكأن الشاعر أعجب بالبيت الثالث من قصيدة بانت سعاد فطمح إلى تقليده ولكنه فشل أيضاً على الرغم من استعارته الصورة وبعض الألفاظ حيث قال:
وريقها سحراً بالراح معلول



كأنما ثغرها در إذا ابتسمت



ولا ندري السبب في تحديد الزمن للريق بالسحر إلاّ إذا أعجزه النظم. وأين مباشرة اللقطة ومادية الصورة من الإيحاء الجميل والإيقاع العذب والاستعمالات المعبرة في التركيب واللفظة في قول كعب:
كأنه منهل بالراح معلول



تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت



ولا نجد في غزل الشاعر غير صور أشبعت تكرراً عند الشعراء الذين سبقوه تدل على ضعف شاعريته وتقليده وعدم اكتمال التجربة الشعورية لديه، فإذا ما انتقل إلى مدح الرسول (ص) بدا الضعف أشد في القصيدة وراح يسرد لنا أسماء الخلفاء الراشدين بأسلوب تقريري ممل أقرب إلى الأجواء النثرية منها إلى الشعر والإيحاء:
وهو الذي ما له في الله مبذول



وصاحب المصطفى في الغار يتبعه


رآه إبليس ولى وهو مخذول



وتلوه عمر الفاروق أزهر أن


أوداجه وهو بالقرآن مشغول



واقتدى بابن عفان الذي فريت


مناقب جمة في شرحها طول



وبالوصي ابن عم المصطفى فله



ويستمر الشاعر على هذا المنوال التقريري المباشر. ولم أشأ أن أوازن بين عظمة أبيات كعب في مدح المهاجرين وبين أبيات هذا الشاعر المقلد الذي لم يحسن حتى التقليد.
2) معارضة تقي الدين الطبيب:
لم نلمس في قصيدته التي عارض فيها قصيدة بانت سعاد أيَّ إبداع بل جاءت تقليداً سيئاً أكد فيها على مدح الرسول (ص) واكتفى بأبيات قليلة في الغزل لينتقل بعدها مباشرة إلى مديح الرسول بأسلوب تقريري خال من الفنية الشعرية ونكتفي بأبيات نوردها دون موازنة لأنها ظاهرة الضعف والتكلف، يقول الشاعر في مدح الرسول (ص).
مجداً تسامى فلا عرض ولا طول



إن النبي رسول الله إن لـه


وردّ عقل البرايا وهو معقول



مجداً كبا الوهم عن إدراك غايته


وساد فخراً به الأملاك جبريل



مطهر شرف الله العباد به


له بطيب ثراها الجعد تقبيل



طوبى لطيبة بل طوبى لكل فتى



ولا حاجة بنا للتدليل على ضعف التركيب وضحالة الصورة وتكرار المعنى ونبو (العرض) و (الطول) و (كبو الوهم) ولا (طيب الثرى الجعد)
3) معارضة الشهاب العزازي:
وقد عارض الشاعر الشهاب العزازي قصيدة بانت سعاد بقصيدة مطلعها:
وجيش صبري مهزوم ومغلول



دمي بأطلال ذات الخال مطلول



بدأ الشهاب العزازي قصيدته بالغزل وحاول أن يعطي المعاني المادية التي أعطاها كعب في قصيدته ولكنه أفاض وفصّل على الخلاف من كعب الذي أوجز وأثر والتفت إلى الخصائص الجسدية لمحبوبته ولم يلتفت إلى النواحي المعنوية والأخلاقية كما فعل كعب. فهو لكي يقلد البيت الثاني من قصيدة كعب ويعطي معنى الشطر الثاني منه استعان بثلاثة أبيات تقليدية لم تستطع الوصول إلى الإبداع الفني الذي وصله كعب. يقول الشهاب العزازي:
صبر يدافع عنه وهو مخذول



ومن يلاق العيون الفاتكات بلا


القوام لدن مهز العطف مجدول



وبي أغن غضيض الطرف معتدل




يصح إلاّ غرامي فهو منحول



وكلما عرضت أجفان مقلته



ومن يتأمل الأبيات يجد أن تشبث الشاعر بالخصائص المادية والمحسنات البديعية قد أفسد الصورة وحرم الشاعر الإبداع.
ومثلما أفسد الشاعر معنى البيت الثاني في قصيدة كعب أفسد البيت الثالث أيضاً حيث قال:
وعاسل منه يصيبني ومعسول



سلافة منه تسبيني وسالفة


يا برق أم كيف لي منهن تقبيل



يا برق كيف الثنايا الغر من إضم



ومن يوازن بين هذين البيتين والبيت الثالث من قصيدة كعب يدرك الفرق الشاسع بين الشاعر والناظم، لقد أفسد على الشاعر في بيتيه المحسنات البديعية في البيت الأول بين سلافة وسالفه وبين عاسل ومعسول. ولم يغنه التكرار في البيت الثاني شيئاً، ولم يحقق له الإيقاع النغمي والتأكيد المرجو من التكرار.
وهكذا في بقية الأبيات الغزلية. وعندما انتقل إلى الرحلة لم يتمكن من تقديم لوحة فنية بل قدم صورة جامدة مستعارة من الشعر الجاهلي محرومة من الإبداع الفني والجمال الشعري بدأها بقوله:
عوجوا وشرقيّ بانات اللوى قيلوا



وياحداة المطايا دون ذي سلم



أما مديحه للرسول (ص) فهو مديح على نمط شعر المديح عند المتأخرين، فهو يجهد نفسه للوصول إلى معنى بيت كعب الرائع:
مهند من سيوف الله مسلول



إن الرسول لسيف يستضاء به



ولكن دون جدوى حيث يقول:
وذلك السيف حتى الحشر مسلول



سلّ الإله به سيفاً لملته



فأين تلك الأصالة من هذا التقليد وأين ذلك الإبداع من هذا النظم! وحاول أن يبين أثر القرآن وتنزيله على الرسول في إضفاء الخلق والنبالة عليه(ص) فوق خلقه ونبالته ويقلد في ذلك بيت كعب الشهير ولكن بأسلوب تقريري واعظ:
وخير من جاءه بالوحي جبريل



أوفى النبيين برهاناً ومعجزة



ويمضي الشاعر في مدح الرسول بنفس الأسلوب من التقريرية والوعظية لينتقل بعد ذلك إلى مديح بني هاشم مقلداً مدح كعب للمهاجرين وفي الأسلوب التقريري ذاته:
لها السيوف بيوت والقناغيل



نمته من هاشم أسد ضراغمة


المغاوير والصيد البهاليل



إذا تفاخر أرباب العلى فهم الغُز


به افتخار وترجيح وتفضيل



لهم على العرب العرباء قاطبة



ولا أظننا بحاجة إلى المزيد من هذا النظم.
4)معارضة أبي حيان الأندلسي:
عارض أبو حيان الأندلسي قصيدة بانت سعادة بقصيدة تقع في ثلاثة وثمانين بيتاً مطلعها:
العقل مختبل والقلب متبول



لا تعذلاه فما ذو الحب معذول



وقد قسمها إلى ثلاثة أقسام: الغزل ويقع في ثلاثة عشر بيتاً على عدد أبيات الغزل عند كعب بن زهير. تحدث فيها عن السمات المادية والمعنوية لمحبوبته وهو لم يخرج في غزله عن الأسلوب التقليدي الذي شاع في فترته. وقد حاول الشاعر تقليد كعب في بعض الصور والمعاني والألفاظ ولكنه لم يستطع بلوغ الشأو الذي بلغه كعب.
فإذا ما حاول تقليد البيت الثاني أورده بهذا الشكل:
والخصر مختطف والمتن مجدول



والطرف ذو غنج والعرف ذو أرج



وعلى الرغم من الإيقاع الجميل للبيت و (غنج الطرف) وهي صورة موحية إلاّ أن البيت لا يبلغ العمق الذي توصل إليه كعب (إلاّ أغن غضيض الطرف مكحول) فأين في التأثير في النفس غض الطرف الذي يوحي بالحياء والفتنة معاً من غنج الطرف الذي يدل على أَن صاحبة الطرف فتاة لعوب غاوية.
وأعجب أبو حيان الأندلسي بالبيت الثالث كما أعجب به كل من عارض قصيدة بانت سعاد فحاول أن يعطي ذات المعنى فعمم ولم يفصّل كما فعل كعب وأعطى صفة للريق حلوة المذاق ولكنها ليست باعثة على النشوة:
والثغر جوهرة والريق معسول



فالنحر مرمرة. والنشر عنبرة



إن إعجابه بكلمة (معلول) في بيت كعب الثالث دفعه إلى استعارة الشطر الثاني برمته لإعطاء صورة معكوسة للصورة التي قدمها كعب حيث قال:
فكلهم منهل بالموت معلول



تدير كأس شعوب من شعوبهم



وقد تفرد الشاعر عن معارضي بانت سعاد بوصف تقلب مشاعر حبيبته (لبنى) ومطلها وتسويفها في مواعيدها محاكياً بذلك المعنى الذي قدمه كعب في قصيدته ولكنه أفسد الصورة في ركضه وراء المحسنات البديعية ولا سيما كثرة الجناس فيها:
وموعد لك منها الدهر ممطول



لبانة لك من لبناك ما قضيت


على التنائي لتعذيب وتعليل



فعدِّ عن ذكر لبنى إن ذكركها



وإذا كان كعب قد استخدم تشبيه ثياب الغول الملونة للتدليل على تقلب أخلاق سعاد وتبدلها فإن إعجاب أبي حيان الأندلسي بهذا البيت دفعه إلى استخدام الغول في صورة أخرى حيث قال:
حتى لقد ذعرت في بيدها الغول



تطارد الوحش منه فيلق لجب



ولا تمت مواعظ أبي حيان الأندلسي والتي أخذت واحداً وخمسين بيتاً من قصيدته بأية صلة إلى قصيدة كعب، فقد حدثنا أبو حيان الأندلسي عن الجهاد في سبيل الله وعن الحج. ومع بدء حديثه عن القرآن الكريم بدأ مدحه للرسول (ص) ولآل بيته وخلفائه وقد أخذ هذا المديح تسعة عشر بيتاً من القصيدة، تحدث فيها عن معجزات الرسول وسمو أخلاقه ومفاخر صحبه وعظمة الإسلام.
وإن جاءت قصيدة أبي حيان الأندلسي أفضل القصائد التي عارضت بانت سعاد فإنها لم تبلغ المكانة التي بلغتها قصيدة كعب ولعل لروح العصر وتغير الأحوال الأثر الأكبر في هذا التباين.
3) معارضة ابن نباته المصري:
وقد عارض ابن نباته المصري قصيدة بانت سعاد بقصيدة طويلة تقع في تسعة وسبعين بيتاً خص منها أربعة وعشرين بيتاً للغزل وخمسة وخمسين بيتاً في مديح الرسول (ص). يقول في مطلعها:
هذا وكم بيننا من ربعكم ميل



ما الطرف بعدكم بالنوم مكحول



يبدأ الحديث عن ألم الفراق وما أصابه من سهد وانشغال بال بسبب هجر المحبوب ويأتي بصورة جميلة يصور فيها سهده وانشغاله وألمه لفراق المحبوب:
والنيران بأفقيه قناديل



كأنما الأفق محراب عكفت به



ويحاول الشاعر أن يستعير الصور والألفاظ والتشابيه من قصيدة كعب فيصور دمعه المنساب وجداً كأنه الماء المنساب من الغرابيل ويأتي بالشطر الثاني كاملاً من قصيدة بانت سعاد:
إلاّ كما يمسك الماء الغرابيل



ما يمسك الهدب دمعي حين أذكركم



ومثل هذه الاستعارة لشطر كامل من قصيدة كعب يحققه الشاعر في مجرى حديثه عن (سعاد) وتعلاتها ومماطلتها له حيث يقول:
وما مواعيدها إلاّ الأباطيل



بانت زخارفها بالصبر واعدة



ويمضي الشاعر مع ذكريات الصبا ويعرج في حديثه عن الحاضر والشيب الذي ألم بلمته فيستعين بتشبيه ورد في قصيدة كعب وفي مكان مخالف لما استعمله هو فيه ويدلل ذلك على إعجاب الشاعر وافتتانه ببيت كعب وهو من الأبيات المشهورة في الأدب العربي. حيث يقول:
سيف المشيب برأسي وهو مسلول



لو كنت أرتاع من عذل لروعني



ويستعير ابن نباته اسم (سعاد) لمحبوبته تيمناً بقصيدة كعب ويأتي ببيت يظهر فيه براعته الشعرية وهو من أجمل أبيات القصيدة:
يا من رأى قاتلاً يبكيه مقتول



أبكي اشتياقاً إليها وهي قاتلتي



ويمضي الشاعر في وصف محاسن وجهها فإذا ما تحدث عن فمها واشنبها استعار الصورة التي أوردها كعب وأخذ الشطر الثاني برمته لشدة إعجابه به:
في ذكره لمجاج النحل تعسيل




تفتر عن شنب حلو لذائقه


لأنه منهل بالراح معلول



مصحح النقل عن شهد وعن برد



وبعد أن ينتهي الشاعر من الغزل ينتقل إلى مديح الرسول (ص) ويبدأ بشوقه إليه وطلب الشفاعة منه. ويستعين بشطر كامل من قصيدة كعب حيث يقول:
من الرسول بإذن الله تنويل



إن لم أنل عملاً أرجو النجاة فلي



ويحاول ابن نباته أن يبين أثر القرآن الكريم وتنزيله على الرسول (ص) وما حققه للرسول (ص) وللإسلام من علو الكعب ورفيع الشأن وعظيم المنزلة فأعطى صورة شبيهة لتلك التي أعطاها كعب في قصيدته، قال:
من بعد ما مدحت حم تنزيل



ماذا عسى الشعراء اليوم مادحه



وسرد الشاعر عظمة المسلمين ومواقف المهاجرين والأنصار بأبيات جميلة تداني في جمالها وروعتها أبيات كعب في مدح المهاجرين واستعار منه بعض الألفاظ ولكنه، ابتكر صوراً جديدة وجميلة ومعبرة، حيث قال:
ومالهم عن حياض الموت تهليل



يطيب في الليل تسبيح لسامرهم


كأن رايات أيديهم مناديل



قوم إذا رقصت فرسانهم طرباً


سمر وبيض فمنقوط ومشكول



الكاتبون من الأجسام ما اعتبرت


يجنى فيا حبذا الغرّ البهاليل



حيث الحمام شهيّ وهو من صبر



ويعود الشاعر مرة ثانية إلى صورة (السيف المسلول) فيستعير الشطر بكامله من قصيدة كعب في مدحه للرسول وتشبهه به. فيقول:
مهند من سيوف الله مسلول



حتى أتى عربي يستضاء به



وكأن الشاعر لشدة إعجابه ببيت كعب أورده برمته دون تغيير إعجاباً وتقديساً له.
ويعود الشاعر إلى التأكيد على قصيدة كعب وأهميتها وشهرتها وكأنه لم يكتف بمعارضتها وكأنه يطلب إلى القارئ ألاّ يضع قصيدته موضع قصيدة كعب لأنها أقل منها شأناً من حيث الشاعرية والإبداع الفني والمعاني والصور، وإن جاءت في رأينا أفضل القصائد التي عارضت قصيدة كعب فيقول:
دار النعيم فلي في الباب تطفيل



إن كان كعب بما قد قال ضيفك في


ربيعها بغمام القرب مطلول



وابن كابن زهير لي شذا كلم


يسمو بنبت له بالشبه تعليل



وإن سمى بزهير صيغه فعسى


بانت سعاد فقلبي اليوم متبول



بانت معاذير عجزي عن نداك وعن



وانتهى ابن نباته بقصيدته إلى التوجه إلى الرسول (ص) طالباً شفاعته في الدنيا والآخرة متخذاً أسلوب التخاطب المباشر آملاً في المغفرة والرحمة في الدارين.
موازنات بانت سعاد:

وازن كل من ابن الساعاتي والبوصيري قصيدة بانت سعاد نتيجة لإعجابهما بها.
والموازنة: أن يلجأ الشاعر إلى قصيدة فينظم في وزنها وقافيتها ورويها وبعض معانيهابغية الإتيان بقصيدة أفضل منها تتفوق عليها وتتجاوزها أو تكون بمستواها على الأقل. والمعارضة أشمل من الموازنة وأوسع فقد يجري على منوالها في الأغراض والموضوعات وفي بعض التراكيب والألفاظ. وقد يستعير منها أشطراً يضمها إلى قصيدته كما فعل ابن نباتة مثلاً في معارضته لقصيدة بانت سعاد .
موازنة ابن الساعاتي لقصيدة بانت سعاد.

لقد مدح ابن الساعاتي الرسول (ص) ووازن بها بانت سعاد في قصيدته التي مطلعها:
وذو الصبابة معذور ومعذول



جدّ الغرام وزاد القال والقيل



وتقع القصيدة في أربعة وسبعين بيتاً، ابتدأها بالغزل الذي استغرق خمسة وعشرين بيتاً من القصيدة، ووصل الغزل بالمديح ببيتين وصف فيهما عناء الرحلة والسفر وخص مدح الرسول وصحبه بسبعة وأربعين بيتاً.
فإذا ما وقفنا عند غزله لا نجد شبهاً كبيراً في المعاني ولا اشتراكاً في الصور كما لاحظنا في المعارضات، فهو يتحدث عن حبيبته الحسناء التي أسماها بدمية الحي ويؤكد أن حبه لها عذري ويشكو ألم بعدها وفراقها ويبكي الطلول بصيغ تظهر فيها روح العصر والمحسنات البديعية كقوله:
دمع على تلكم الأطلال مطلول



ظللت في الدار أبكيها ويضحكها



ويصفها وصفاً مادياً ويشبه غنجها وتمايلها بمن شرب الخمرة حتى الثمالة:
كأنما هو بالصهباء مشمول



لدن المعاطف لا تصحو شمائله



وعندما ينتقل إلى وصف الفم والريق يشبه مذاقهما بطعم العسل:
فآفتي عاسل منه ومعسول



وسنان أشقى بعطفيه وريقته



ويصور يوم الفراق واللوعة والأسى اللتين شملتاه مستخدماً لفظتي السيف المسلول ولكن في استعمال مختلف وبصورة مختلفة متأثرة بشعراء عصره:
بكل خال به في الحي مشغول



قالوا بكيت دماً والعيس سائرة


لا غرو للسيف يدمى وهو مسلول



والومض يغمض في جفني صارمه


وكيف أمضي وحد الصبر مغلول



وقفت والدمع جار يوم بينهم



فإذا ما بعد عنه المحبوب وارتحل سكن الكون من حوله وكأنما لحظة الحياة قد توقفت. ولم يأت الشاعر بعد ذلك بصور جديدة فكلما قاله قد استنفد من قبل الشعراء من قبله. ثم يدرك أن اليأس لا يتفق والحياة ما دام الأمل بالرسول (ص) كبيراً فيبدأ مدحه له وهو الغرض الأساس في القصيدة:
ومنطقي ورسول الله مأمول



وكيف أخمل في دنيا وآخرة



ويمضي في مدح الرسول على نمط المدائح النبوية ويؤكد عظم رسالته بنزول الوحي عليه وتنزيل القرآن الكريم بصيغة تختلف عما أوردها كعب ومعارضوه:
ولم يكن لكلام الله ترتيل



مرتل الوحي يتلوه ويدرسه



ويمضي في الحديث عن الدين الإسلامي وكيف ظهر وترعرع وعن كتاب الوحي وما لاقاه الرسول (ص) وصحبه من ظلم الكافرين وعنتهم ويعطف في الحديث عن واقعة بدر وعن قتال المسلمين ضد الكفار. ويعطي صورة جميلة لقتال المسلمين من أجل الدعوة الإسلامية ونشرها والقضاء على الكفار:
والآل والصحب أنجاد مفاضيل



فالنفس والبيت أشباه مطهرة


من طينة الحسن والإيمان مجبول



من كل أزهر والألوان حائلة


فرمحه قاتل للقرن مقتول



يردي الكمي ويردي رمحه قصداً



ويشبه الشاعر الرسول بالليث ويصف أسلحة المسلمين ودروعهم بصيغ مختلفة عما لمسناه في قصيدة كعب:
الكبد فالجيش مكفوف ومشلول



ليث إذا جرمن ذيل الحديد لغير


مجدل من أعاديه ومجدول



إن صال أو قال أودى في مواقفه


بالمشرفية والبيض المقاويل



السادة القادة الحامون دينهم



ويصور إيمانهم وتفانيهم في الجهاد في سبيل الله:
يوماً وإن قضاء الله مفعول



العالمون بأن النفس هالكة


ولا كجيلهم في فضله جيل



فما كواحدهم في فضله أحد



وينهي قصيدته بالرجاء لنوال الأجر:
في يوم حبهم أجر وتنويل



وإنني لأرجي أجر حبهم



موازنة البوصيري:

وازن البوصيري قصيدة بانت سعاد في قصيدته المسماة (ذخر المعاد في وزن بانت سعاد)والتي مطلعها:
وأنت عن كل ما قدمت مسؤول



إلى متى أنت باللذات مشغول



وتقع في أربعة ومئتي بيتٍ. خص منها ثلاثة وعشرين بيتاً للحكمة وهي التي بدأ بها قصيدته. وجعل واحداً وثمانين ومائة بيتاً لمديح الرسول وآله وصحبه.
وتعد من أفضل ما قيل في المدائح النبوية، وأفضل القصائد المعارضة والموازنة لقصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير. وقد تمتاز عنها بإيمان عميق وعقيدة راسخة ومعرفة تامة بالدين الإسلامي وتعلق كبير وحب شديد للرسول (ص) فانبعثت قصيدته عن عاطفة صادقة وتجربة شعورية مكتملة فظهرت بمظهر قشيب وإيقاع متناغم جميل وموعظة حسنة وتفصيل أخاذ لكل ما يتعلق بالرسول الكريم (ص) من حيث الخصال والفعال. والعقيدة والإرادة، والحكم والتوجيه، والنبوة ونشر الإسلام.
فهي بحق درة من درر الشعر العربي لما احتوته من أصالة وقوة وتأثير. على الرغم من أن الشاعر يتواضع في عرضها ويؤكد في أبيات قدمها في أواخر قصيدته على أنها لا توازي قصيدة كعب، ويؤكد أيضاً أن حبه للرسول (ص) وإعجابه بالقصيدة دفعاه إلى تقديم قصيدة في وزنها ومن دون تقليد لها أو نسج على منوالها، وهو في قوله محق كل الحق ولكن إذا امتلكت قصيدة بانت سعاد قدراً من الفنية والإبداع والصدق الشعوري في طلب العفو والاعتذار من الرسول (ص) فإن قصيدة البوصيري لا ينقصها الإبداع ويوشيها تجربة شعورية صادقة وحب مخلص جارف للرسول (ص). وقد تفتقد قصيدة بانت سعاد مثل هذا الحب الجارف والإخلاص العارم والمعرفة الواسعة بالإسلام وشرائعه والرسول الكريم (ص) ومثله. يقول البوصيري متواضعاً وهو يتعرض إلى قصيدة كعب:
وغير مدحك مغصوب ومنحول



لم أنتحلها ولم أغصب معانيها


فربما وازن الدر المثاقيل



وما على قول كعب أن توازنه


عن منطق العرب العرباء معدول



وهل تعاد له حسناً ومنطقها


فحبذا ناضل منا ومنضول



وحيث كنا معاً نرمي إلى غرض


على طريق نجاح منك مدلول



إن أقف آثاره إني الغداة بها


لولا ذمامك أضحى وهو مطلول



لما غفرت له ذنباً وصنتَ دماً


له من النفس إملاء وتسويل



رجوت غفران ذنب موجب تلفي


بعد الإله وحسبي منك تأميل



وليس غيرك لي مولى أومله


غير اللقاء ولا يشفيه تعليل



ولي فؤاد محب ليس يقنعه



لا نجد في قصيدة البوصيري أي بيت في الغزل، فقد بدأ قصيدته
بالحكمة واستغرقت ثلاثاً وعشرين بيتاً بينما لم يرد كعب في قصيدته غير بيتين في الحكمة فقط، ونجد في بعض أبيات البوصيري الحكمية معنى بيتي كعب الدائرين حول الموت وتفاهة الحياة ولكن بصورة مختلفة كل الاختلاف. يقول البوصيري:
مجرد بيد الآمال مسلول



فجرد العزم إن الموت صارمه


وأنت عنها وإن عمرت منقول



ورحت تعمر داراً لا بقاء لها



وفي حكميات البوصيري تذكرة بالفناء والأمم البائدة والعقائد القديمة ويربط بين الموت والشيب وتقدم الحياة في الإنسان إلى دار الفناء. فإذا ما انتقل إلى مديح الرسول (ص) وآله وصحبه، تغنى بأخلاق الرسول (ص) العالية وتحدث عن النبوة وتنبؤ الديانات الأخرى بها، وتحدث عن جبريل ونزول القرآن ومعجزات الرسول وحسن قيادته وحكمته وكيد اليهود له وللإسلام. ومضى في الحديث عن فعال الرسول وأعماله العظيمة وتحدث بإسهاب عن الغزوات والانتصار الذي حققه فيها المسلمون بفضل الإيمان وحسن العقيدة والقيادة الحصيفة للرسول (ص) ثم ينتقل الشاعر إلى مدح أهل البيت وأصحاب الرسول (ص) وينتهي إلى طلب الشفاعة والرحمة في الآخرة، ويتواضع وهو يقارن قصيدته بقصيدة كعب وينهى البوصيري قصيدته الرائعة بقوله:
من المهيمن إبلاغ وتوصيل



دامت عليك صلاة الله يكفلها


من الكواكب قنديل فقنديل



ما لاح ضوء صباح فاستسر به



ومن بين الصفات العديدة المادية والمعنوية التي يذكرها البوصيري للرسول (ص) يقف عند المهابة والوقار اللذين تحلى بهما الرسول الكريم (ص)، وإن جاء بنفس المعنى الذي أورده كعب إلا أن الصورة اختلفت تماماً عند الشاعرين فالمهابة التي ذكرها كعب هي مهابة حاكم قوي ينظر إليها الشاعر من الخارج، أما المهابة التي ذكرها البوصيري فهي مهابة نبي اختاره الله لقيادة أمة ونشر تعاليم السماء في الأرض، ونظرها من الداخل والخارج معاً فجاءت أقوى أثراً وأشد منعة: يقول البوصيري:
فلم يفته على الحالين تكميل



من كمل الله معناه وصورته


في أنفس الخلق تعظيم وتبجيل



وخصه بوقار قرّ منه له


به وللفخر تعجيل وتأجيل



فللنبؤة إتمام ومبتدأ



وإذا كان كعب قد ذكر التنزيل والقرآن على أنهما زادا من أخلاق الرسول كرماً على كرمه وسماحة على سماحته، فإن رؤية البوصيري المتفهم للإسلام وشرائعه يرى في نزول القرآن ملاذاً وحكمة وخلاصاً للبشرية بأسرها لما يحويه من الشرائع السامية والمثل الحميدة والخصائص العالية حيث يقول:
كفاك من محكم القرآن تنزيل



إن رمت أكبر آيات وأكملها


منه وكم أعجز الألباب تأويل



لله كم أفحمت أفهامنا حكم


إلى المساميع ترتيب وترتيل



يهدي إلى كل رشد حين ببعثه



وإذا قدم كعب قصيدته إلى الرسول (ص) يطلب الرحمة والعفو والأمان فإن البوصيري يسأله الشفاعة له في الآخرة والمغفرة له عما ارتكب في الحياة الدنيا من ذنوب لأنه موقن بأن محمداً (ص) ما أرسله الله إلاّ فضلاً وبركة إلى العالمين:
للعالمين وفصْل الله مبذول



وما محمد إلا رحمة بعثت


واشتد للحشر تخويف وتهويل



هو الشفيع إذا كان المعاد غداً



وإذا كان كعب قد تطرق في قصيدته إلى مواقف المهاجرين وتضحيتهم بأنفسهم في سبيل الإسلام وصور شجاعتهم وسمو أخلاقهم أبدع تصوير، فقد صور البوصيري هذه التضحية وتلك الشجاعة بالنسبة للمسلمين كافة مهاجرين وأنصاراً أبدع تصوير حيث قال:
غير السيوف بأيديهم مناديل



والخيل ترقص زهواً بالكماة وما


البيض البهاتير والسمر العطابيل



ولا مهور سوى الأرواح تقبلها


مفصلاً وهو مكفوف ومشلول



فلو ترى كل عضو من كماتهم


بالطعن والضرب منقوط ومشكول



كأحرف شكلت خطاً فأكثرها



وكما صور كعب أعداء الرسول (ص) والكافرين في موقف الخسران والخذلان والحطة، أمعن البوصيري في تعميق تلك الصورة إذ قال:
بيضاً من الله تنكيد وتنكيل



وردّ أوجههم سوداً وأعينهم


كأنما كلها بالشوك مسمول



سالت وساءت عيون منهم مثلاً


طغا الذباب عليه وهو ممقول



أبغض بها مقلاً قد أشبهت لبناً



وإذا تشابهت المعاني مع اختلاف الصور في بعض الأبيات بين قصيدتي كعب والبوصيري فإن البوصيري قد استعار بعض الألفاظ من قصيدة كعب واستعملها استعمالاً مخالفاً أحياناً واستعمالاً مشابهاً في أحايين قليلة من قصيدته.
فقد استعمل جملة (بالراح معلول) ولكن بصورة مخالفة تماماً لاستعمال كعب لها حيث قال:
كأنه مبسم بالراح معلول



وكل جرح بجسم يستهل دماً



واستعار في بيت آخر شطراً كاملاً من قصيدة كعب حيث قال:
إلاّ كما يمسك الماء الغرابيل



لا تمسك الدمع من حزن عيونهم



وكأن البوصيري أعجب باستخدام كلمة (القيل) في قصيدة كعب فاستعملها استعمالاً مخالفاً تماماً ولم يوردها مجرد تشبيه كما فعل كعب في قصيدته وإنما أوردها بأسلوب قصصي حكى فيه غزو أبرهة للكعبة الشريفة:
كأنها البيت لما جاءها الفيل



وانظر سماء غدت مملوءة حرساً



ولعلنا نلمس تأثير قصيدة البوصيري في قصيدة تلميذه أبي حيان الأندلسي حتى كاد الأمر يصل في بعض أبيات الأندلسي إلى حد التقليد لأبيات من قصيدة البوصيري. إن قصيدة عظيمة كقصيدة بانت سعاد تستحق كل هذا الاهتمام من الشعراء فهي بالإضافة إلى قيمتها الدينية والتاريخية عمل إبداعي خالد.
المصادر

(1) الأغاني. أبو الفرج الأصفهاني، تحقيق عبد الكريم إبراهيم الغرباوي، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1970.
(2) جمهرة أشعار العرب، أبو زيد القرشي، القاهرة، 1967.
(3) حديث الأربعاء، طه حسين، دار المعارف، القاهرة، 1973.
(4) دائرة المعارف الإسلامية، مجموعة من العلماء، القاهرة، 1932.
(5) ديوان ابن الساعاتي، تحقيق أنيس المقدسي. م. الأميركانية، بيروت، 1938.
(6) ديوان ابن نباتة المصري، نشر محمد القلقيلي، م. التمدن، القاهرة، 1905.
(7) ديوان أبي حيان الأندلسي، تحقيق أحمد مطلوب وخديجة الحديثي، م. العاني، بغداد، 1969.
(8) ديوان البوصيري، تحقيق محمد سيد كيلاني. م. مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1955.
(9) السيرة النبوية إسماعيل ابن كثير، تحقيق مصطفى عبد الواحد، م. الحلبي. القاهرة، 1964.
(10) شرح بانت سعاد، رشيد عبد الرحمن العبيدي، مجلة كلية الآداب، العدد 18، 1974.
(11) شرح ديوان زهير، صنعه أبو العباس ثعلب، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1964.
(12) شرح ديوان كعب بن زهير، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1965.
(13) شرح قصيدة بانت سعاد، إبراهيم الباجوري. دار الأحياء، القاهرة، 1345هـ.
(14) شعر أوس بن حجر ورواته الجاهليين، محمود عبد الله الجادر، دار الرسالة، بغداد، 1979.
(15) فن المديح، أحمد أبو حاقة، دار الشرق الجديد، بيروت، 1962.
(16) فوات الوفيات، محمد بن شاكر الكتبي، دار صادر، بيروت، 1973.
(17) في الأدب الجاهلي، طه حسين، دار المعارف، القاهرة، 1962.
(18) قصيدة بانت سعاد بين التاريخ والنقد، يونس أحمد السامرائي، مجلة الدراسات الإسلامية، العدد الثاني 1968.
(19) الكامل في اللغة والأدب. أبو العباس المبرد، م. نهضة مصر، القاهرة، بلا.
(20) لسان العرب، ابن منظور، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، بلا.
(21) مختارات من روائع الأدب في الجاهلية والإسلام، عبد السلام سرحان، م. الفجالة الجديدة، القاهرة 1969.
(22) معارضات البارودي موازنة نقدية، عمر محمد الطالب، مجلة آداب الرافدين، العدد 11، 1979.
(23) معجم الأدباء، شهاب الدين ياقوت الحموي، م. الهندية، القاهرة، 1928.
الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، الآمدي، دار المعارف، القاهرة، 1972.

منقووووووووووووووول









رد مع اقتباس
قديم 2013-03-25, 13:32   رقم المشاركة : 279
معلومات العضو
nesro alger
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية nesro alger
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي جزاك الله خيرا يا اخت العرب

جزاك الله خيرا يا اخت العرب كفيت و وفيت ولكن التحليل الاسلوبي قصير فقصيدة كعب بن زهير تحمل دلالات كثيرة منها استخدام البحر الفلاني له دلالة و التكرار له دلالة و حروف الهمس لها دلاله و ارجو منك ان تساعديني على تحليل القصيدة تحليلا اسلوبيا على المستوى الموسيقي ...و هلم جر










رد مع اقتباس
قديم 2013-04-03, 08:33   رقم المشاركة : 280
معلومات العضو
حنان العنابية
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

عاونيني تعيشي في اقرب وقت مدكرة صور المراة في قصة الف ليلة وليلة والتطبيق يكون على قصة نورالدين مع مريم الزنارية










رد مع اقتباس
قديم 2013-04-04, 19:54   رقم المشاركة : 281
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان العنابية مشاهدة المشاركة
عاونيني تعيشي في اقرب وقت مدكرة صور المراة في قصة الف ليلة وليلة والتطبيق يكون على قصة نورالدين مع مريم الزنارية
سأحاول مساعدتكِ بما استطيع









رد مع اقتباس
قديم 2013-04-04, 19:56   رقم المشاركة : 282
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

- صورة الزوجة الخيّرة

تبدأ ليالي ألف ليلة وليلة بقصّة الملك الذي ساءته خيانة زوجته ثم تعزّى حينما رأى زوجة أخيه تخون زوجها أكبر من خيانة زوجته له، وفي حكاية العفريت الذي حمل على رأسه امرأة عقلها داخل صندوق مغلق، تلك المرأة التي خانته خمسمائة وسبعين (33) مرة. ولكنّها سرعان ما تنقل لنا طوال ألف ليلة على مدار ثلاث سنوات قصّة الزوجة الخيّرة شهرزاد التي تبذل كلّ جهدها، وتهذّب نار الثّأر في داخله، وتعيده إلى جادّة الطريق، مع أنّها كانت تستطيع أن تقتله ليلة زفافها مثلاً وهو نائم، فهي نعم الزوجة المخلصة الصابرة.
وتظهر صورة الزوجة الخيّرة في قصص كثيرة في الليالي، فهذه الملكة (بدور)(34) التي تخفي أمر اختفاء زوجها الملك قمر الزمان، وتلبس ثيابه أمام حاشيته وتسوس الرعيّة.

والصورة المثلى للإخلاص تضربها نعم وياسمين وتودد وزمرد ومريم الزنارية وزوجة التاجر المصرية وزوجة معروف الثانية. ويضرب المثل بإخلاص الزوجات اللائي كنّ في الأصل جواري يبعن في الأواق، وتشهد قصص على مواقفهن التي لا تشابهها مواقف.

ونلاحظ أنّ المرأة الذكية الفطنة تحتال على أقوى الرجال الذين يراودونها عن نفسها منتصرة لشرفها وعفّتها مثلما تفعل زوجة أحد الوزراء مع الملك الذي جاءها في غياب زوجها، فترحب به ترحيباً شديداً، وتغطّيه ولا يكون هذا الكتاب إلاّ كتاب مواعظ وأدب، وهي تعدّ له أطعمه في تسعين صحناً أنواعها مختلفة وطعمها واحد، وحينما يسألها الملك عن ذلك تقول: "أصلح الله حال مولانا الملك فإنّ في قصرك تسعين محظية مختلفات الألوان وطعمهنّ واحد، فلما سمع الملك هذا الكلام خجل منها، وقام من وقته، وخرج من المنزل، ولم يتعرض لها بسوء".

7- صورة الأخت

تعرض الليالي لصورتين بارزتين للأخت في ألف ليلة وليلة

أ- صورة الأخت الشريرة: تظهر الأخت الشريرة في الليالي إمّا بصورة الحاسدة الغيورة أو قد يكون الشّر من الأخت الكبرى التي تسوق الصغرى إلى المنكر، وتدفعها إلى ارتكاب الخطيئة، فالأختان الشريرتان تدفعان بأختهما الصغيرة الطيّبة إلى المهالك.

فلا تتوانى الأخت الكبرى السيئة الخلق عن قتل أختها الصغرى الطاهرة عندما تلاحظ إعجاب خليلها بها؛ فالغيرة تجري في عروق المرأة، وتأكل قلبها، وتدفعها إلى أن ترتكب أبشع الجرائم، وهو قتل شقيقتها بالسكين، ويبدو أنّها ما أحضرت أختها إلا لتختبر الرجل، وتعرف مدى إخلاصه لها.

ب- صورة الأخت الطيّبة: الأخت الطيّبة قد تكون أختاً شقيقة وغير شقيقة وهي إمّا إنسيّة أو جنّية، والأخت الطيّبة تواجه أخوة أشراراً من أبيها على الرغم من عطفها عليهم وبرّها بهم إلاّ أنّهم يوقعون بها الضرر، ويضمرون لها الشّر.

والأخت الطيّبة تطيع أخاها، وتوافق على الخروج معه لزيارة بيت الله الحرام وكذلك بيت المقدس، وتخدمه عندما يمرض في الطريق، وتبذل الكثير في البحث عنه عندما تضيع عنه في الطريق مثل نزهة الزمان التي ضاعت عن أخيها شركان ابن الملك عمر النعمان(35).

والأخت حين يرحل أخوها تاركاً البلاد للتجارة، ولا يعود على الخروج مع أمّها للبحث عنه، تتعرضان للذل والهوان وأخيراً تعثران عليه، ويسعدان معه على غرار معظم نهايات الليالي.

8- صورة الأم

تقول قمر الكيلاني: إنّ صورة المرأة الأم قليلاً ما ترد في ألف ليلة وليلة كأنّ النساء فيه مقطوعات عن أمّهاتهن، ولعلّ السّبب قي ذلك أنّ أكثرهنّ من الجواري أمّا أم الرجل (أو الحماة) فهي إن برزت فمن أجل تنكيد العيش على زوجة ابنها أو جاريته أو من يحبها (36). ويبرز نموذج الأم على صورتين:

أ- صورة الأم الشريرة: غالباً ما تكون الأم ذات قلب رحيم، ولا يهمها إلاّ الصالح العام لأبنائها، وتسعى إلى راحتهم والليالي تصوّر الأم في كثير من حكايتها هذه الصورة، لكن هناك حكاية واحدة تصوّر الأم، وقد انقلبت شرّاً على ابنها، وتحكّمت فيها الغريزة الجنسيّة تحكّماً أنساها غريزة الأمومة، وتمثّل ذلك في أم الأمجد وأم الأسعد. فالملكة بدور تتزوج من قمر الزمان بعد قصة حب طويلة وتسمح له بأن يتزوّج بالملكة (حياة النفوس) (37). ولكن تنحرف الملكتان عندما تحب كلّ واحدة ابن ضرّتها، وتسعى إلى وصاله على الرغم من رفض الولدين. وتخبر كلّ واحدة زوجها بأنّ ابن ضرّتها راودها عن نفسها، فيشتدّ غيظ الابن، ويأمر بقتل ولديه العزيزين، وهكذا تتسبّب الأم في قتل ابنها بعد أن حملت وتعبت وربّت.

وهنالك نماذج من الأم تغار واحدتهنّ من ابنتها، فتلغي شخصيّتها أو تتآمر لينفك نفيها من عالم الحبّ لا سيما إذا أصبحت شابة جميلة بينما الأم تميل شمسها إلى الغياب.

ب- صورة الأم الطيّبة: الأم دائماً مصدر الدفء، وهي تحرص على أبنائها، وتقف بجوارهم في الأزمات، وتنصح لهم وقت الشّدة، تتخيّر لهم الطريق القويم، وتبدو هذه الصّور في حكايات عديدة. فالمرأة شديدة الحرص على تربية ابنها تربية حسنة حتى لو غاب أبوه وفقد وقطع الأمل في عودته. وقد يتمثل خير الأم لأبنائها في حرصها عليهم وإرشادهم لطريق الخير وتحذيرهم من الشر كما فعلت أم حسن البصري(38 )، التي كثيراً ما حذرته من المجوس، وكذلك أم جودر تلك التي تحب جودر المطيع الوفي وهي في الآن ذاته لا تكره أخويه القساة القلوب بل تساعدهم وتحبهم(39 ).

والأم الفقيرة الحال تضحي بما لديها من مال قليل في سبيل ولده، وهي تستمر في تحذيرها له من السفر، وحينما يصر الابن على الرحيل لا يكون منها إلا أن تدعو له، وتبارك خطواته، وطوال غيابه تبقى حزينة القلب باكية العين. والأم تعمل على تعليم الابنة فتقرئها القرآن الكريم، وتعلمها العادات الحسنة والمثل العليا. كما تقوم بفضّ أي خلاف قد يقع بين الأب وأبنائه، فهي مصدر الحب والدفء في الليالي.

9- صورة المرأة العالمة

تبدو لنا شهرزاد منذ اللحظة الأولى امرأة عالمة مثقفة، فهي عارفة بالشعر والأدب والتاريخ والدين والقصص والألغاز، وقد تكون هذه المعارف هي الرافد لها في صمودها أمام شهريار ألف ليلة. وكذلك الجواري في ألف ليلة وليلة لم يقتصر تعلمهن على الغناء والضرب على الآلات الموسيقية التي برعن فيها في ألف ليلة وليلة، بل وُجد منهن عالمات مثقفات بأنواع مختلفة من الثقافة وعلى رأسهن تودّد ( 40)، وتشابهها نزهة الزمان وكذلك الجواري اللائي تستعين بهن شواهي ذات الدواهي في خطتها.

فتودّد جارية تركها الأب لابنه في جملة ما ترك من مال، والابن يتلف جلّ ماله ولا بقي لديه إلا تلك الجارية وهي غاية في الذكاء والعلم والجمال والأدب. وحينما يسوء حال صاحبها ولا يبقى معه إلا هي تطلب منه أن يحملها إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد، ويطلب ثمنها عشرة آلاف دينار وتقول له : إن إستغلاني فقل له: وصيفتي تساوي أكثر من ذلك فاختبرها، ويعرضها على هارون ويختبرها مع أعظم علماء قصره، فتتفوّق عليهم جميعاً، فيعجب الرشيد بها، ويطلب من الفتاة أن تتمنّى عليه بشيء ينفذه لها في الحال، فتتمنى أن يردها إلى سيدها، فيردّها بعد أن يعطيها خمسة آلاف دينار.

وهكذا تحملت الجارية العالمة في نفسها الوفاء لسيدها الذي لا يعرف قدرها ولا علمها، ولعل أباه كان يعلم بقيمة الجارية، ولذلك أوصاه عليها عند موته.

10- صورة المرأة المحاربة

يقول بعض النقاد إنّ صورة المرأة المحاربة مقحمة على أجواء الليالي، وأنّ صورتها محاطة بقليل من جوها الأجنبي، فكان خضوعها للواقع في التفاصيل أقل، إنّ حاول القاص أن يدخلها قسراً في دائرة الحياة الاجتماعية الإسلامية. لذلك نجد هؤلاء المحاربات إن كنّ آدميات، فهن نصارى يسلمن أو يلدن مسلم، وإن كن أجنبيات، فهن إمّا من الجن المؤمنة وإما بعيدات عن الحياة الدنيا بل عن حياة القصة نفسه، إذ يُذكرن عرضاً ولا يؤثرن في حوادثه، كما نجد من ذكر جزيرة واق الواق في قصة حسن البصري( 41) فتكون الجزيرة وجندها مجرد عقبة من سلسة عقبات تمرّ بحسن البصري في سبيل الوصول إلى زوجة.
وأما النّساء المحاربات من الجنّ، فهنّ لسن البطلات مطلق، بل أنّهن لا يحاربن أصل، فكلّ سلاحهن هو لباس من الريش يستطعن الطيران به حيث شئن، بل إن هؤلاء المحاربات لا يقمن بأي حرب، ولا يستعملن آلاتهن في القصة.

مثل ما نراه عند مريم الزنارية (42 ) التي تقاتل وتجندل الأبطال أمامها .

والمرأة المحاربة في الليالي جميلة جدا دائم، وقد يكون جمالها من أسلحتها في الحرب، إذ تكشف في آخر لحظة حرجة، فإذا جمالها يكسبها المعركة الأخيرة كما تفعل (الدنماء)(43 ) في قصة الجارية الثانية في اليوم السابع من مجموعة قصص الوزراء السبعة، وهي تحارب إظهاراً لمهارتها وتفوقها على الرجل؛ لأنّها أقسمت على أن لا تتزوج إلا من يقهرها في الميدان.

وفي الليالي أحيانا نجد أنّ الراوي في وصفه محاسن المرأة قد يعدد من محاسنها أنها تعلمت الحرب والنزال دون أن يكون لتعلمها هذا أيّ شأن أو أيّ دليل على القصة، وهو مجرد سرد لأوصافها.

11- صورة المرأة الجنية

تصوّر الليالي أيضاً صورا للمرأة، ولكنّها المرأة التي ليست من هذا العالم، بل الجنية التي يحبّها الآدمي، فيشقى في الوصول إليها، مثل صورة جلنار ( 44) في قصة الملك بدر باسم التي يتحكم على طائفة من الجن قوية، أو الجنية التي تحكم مدينة خيالية، يعبد أهلها الشمس أو النّار.

وهؤلاء الجنيات يمثلن آدميات أهل الأرض، فشمسه لها أخوتها اللاتي يحسدونها أو ينتقمن منها لحبها آدمياً، وجلنار تحادث أخاها صالحاً في أمر زواج ابنها، وتستعرض ملكات البحر في سبيل اختيار عروس، وكذلك الملكة لأب التي تشمخ الآدميين، وتستطيع أن تصبح طائراً متى أرادت.

وأمّا جلنار فهي تنزل البحر، وتسير في قاعة كما تسير على الأرض، وتكلّم أهله وتغضب، وتنتصر كما تفعل على الأرض تماماً. أكثر من هذا أن أسلوب الكلام واحد وطريقة التفكير واحدة فالمحبوبة جارية والأم عاقلة والشريرة متجبرة مفحشة.

13- صورة الجنية الغولة

تظهر في حكاية واحدة من حكايات الليالي، فهي تظهر للإنسان في صورة جارية تبكي على رأس الطريق، فتتعرّض لابن الملك الذي يترفّق بها، ويحملها معه، وهي تدّعي أنها ابنة ملك الهند، وقد ضلت الطريق، فيرق لها قلبه، ويحملها معه وفي الطريق تطلب منه النزول لقضاء حاجة، وإذا بها تنقلب غولة، والقاصّ لا يذكر إلا مواصفات عامه لمنظر الغولة، وهي تقول لأولادها: وقد أتيتكم بغلام سمين، ولكن ابن الملك يحتال عليها بجميله الذي أسداه إليها، ويدعو الله أن ينجيه منها، وما أن تسمع دعاءه حتى تنصرف في الحال ولا تلحق به أيّ ضرر. وهذه الحكاية –كما قلنا- هي الوحيدة من نوعها في الليالي، وإن كان هناك حديث عن الغيلان آكلة لحوم البشر وبلاد الغيلان.

ولقد كثر حديث العرب عن الغول، وأنفقوا على أنّها أنثى في الأغلب، وبعضهم يزعم أنّ الله تعالى قد ملك الجن والشياطين والغيلان التّحول قي أيّ صورة شاءوا إلا الغول، فإنّها تتحوّل في جميع صور المرأة ولباسها إلا رجليها فلا بد أن تكونا رجلي حمار.

14- صورة الابنة

تظهر الابنة في ألف ليلة وليلة في صورتين أ_ صورة الابنة الشريرة:- يظهر شر الابنة في حكايتين لا ثالث لهما الأولى من الابنة التي تقع في حبّ أخيه، والثانية التي تعشق القرد. فالابنة تقع في حب أخيها، ويشتد حبّ أخيها لها، ويطير بها هياما، ويقع بينهما القبيح على الرّغم من أنّ أباها حذرها ونهاها عن تلك الأعمال وحجبها عن أخيه، إلا أنّها توافق على ارتكاب المنكر معه، وتهرب معه إلى مقبرة تحت الأرض. ولكنّ القوة الإلهية لا تتركهما، فيحرقهما الله فحماً أسوداً.

أما ابنة أحد السلاطين، فهي تهوى عبداً، وتعشق بعد ذلك قرداً، وحين يصمم والدها على قتلها تصطحب القرد، وترحل به، وهي في رحيلها لا تحتار إلا صحراء مصر المشهورة بالاتساع.صورة الابنة الطيبة: تبدو الابنة في أغلب الأحيان مثالاً للحياء والطاعة معتدّة بنفسها قويّة الشخصيّة، ولعلّ كل زوجة مطيعة كانت في الأصل ابنة فيها تلك الصفات، ويبدو ذلك في حكايات عديدة.

والابنة العذراء المطيعة تحمل كثيراً من الحياء، وهي مستعدّة لأن تساعد أيّ إنسان يحتاج مساعدتها، فهي تقف دائماً في جانب الحقّ، ولا تفعل إلاّ للآخرين، وقد يتمثّل هذا الخير في الانتقام من الظالم وعقابه من جنس عمله كأن تسحره مثلاً كما سحر هو غيره من المظلومين. فالقاصّ يقدّس العذراء ويرسم صورة رائعة. كما تبدو ابنة الملك معتدّة بنفسها، ولها رأيها الخاص في الزواج، ذلك الرأي الذي يحترمه أبوها، ويقدّره وفي أحيان كثيرة يكون هذا الرأي هو رفضها للزواج رفضاً باتاً لسبب أو لآخر. ولكن سرعان ما تقع الابنة في الحبّ وتستسلم له وتلقي سلاحها ناسيةً كلّ شروطها متحلّلة من عقدها، بل قد تساعد الفتاة الشاب في الوصول إليها، وتمكّنه من نفسها.

وقد يتمثّل خير الفتاة الذي يعدّه الأب شرّاً عليه، وعلى المملكة في تديّنها ومعرفتها للدين القويم كما يحدث مع ابنة أحد الملوك من بني إسرائيل، وأيضاً مريم الزنارية وزمرد وغيرهن.

15- صورة المرأة الساحرة

تتجلّى في قصّة (التاجر والعفريت) (45) القدرة العجيبة الخارقة التي تسخّر للشّر. ففي هذه القصّة تحوّل الجارية زوجها وابنه إلى حيوانات مرعى تمسخها انتقاماً. لكن تظلّ لهما خصائصهما البشرية من البكاء والعويل والكلام والاحتجاج. وبما أنّ السّحر لا يفكّه إلاّ سحر أقوى، فالعجوز تسلّط عليهما من السحر ما يعيد الابن إلى حالته العاديّة ويقع الانتقام بالتالي على الجارية، فتمسخ غزالة.

وكذلك الرجل الطيّب الذي يأكل أخواه حقّه، فتأتي المرأة الساحرة لتعوضه أضعاف ما خسر، وتمسخ له أخويه كلبين محكوماً عليهما بهذا السجن الخارج عن حدود عالم البشر مدى عشر سنوات. أمّا الزوجة الخائنة، فإنّها تمسخ بغله جزاء خيانتها واستهتارها بقيم الحياة الزوجيّة، وهي قيم خالدة في عالم الجن أو عالم الإنس.

وقد تمتزج الخيانة بالّحر، فتصنع المرأة للزوج منوّماً، وتخرج من فراشه كلّ ليلة ولا تعود إلاّ عند الفجر، وعندما يكتشف الزوج حقيقتها، تحوّله إلى كائن نصفه حجر ونصفه بشر، وتصبّ عليه العذاب، وهي قادرة على ذلك؛ لأنّها ساحرة شريرة.

16- صورة المرأة المترفة

الخالية من كلّ همّ ومسؤوليّة، ولا شغل لها سوى الغناء ومجالس الإنس والطرب، ففي إحدى القصص ثلاث نساء ومعهن (الدّلالة) التي تأتي بالزبائن، يمرحن وينطلقن ويتحرّشن بالرجال، فيمازحن صاحب الظرف والشّعر، ويسمعن منه، وينشدن له ويغنين. وعندما تنتهي ساعة الصفاء (يقلن له أرنا عرض كتفيك). ولا تلبث أن تشفع له واحدة منهن (اتركاه عندنا نضحك عليه فإنّه ظريف)، ولا يلبث الانشراح أن يعود أشد مما كان، ولا سيما بعد أن تفعل الخمر فعلها، وكأنّ زمام الأمور يجب أن تكون في أيديهنّ، فلا يقع شيء إلاّ بإرادتهن، فإذا هي الأقوى والمسيطر والذي بيده القيادة! وإذا بالرجل يسمع ويطيع وليس له مخالب ولا أنياب. وعن المرأة المترفة تتبع أمور كثيرة: الضجر والضيق وقتل الوقت بالحبّ وممارسته الصحيحة أو الخاطئة وتدبير المكائد والحيل. ومنها اللطيفة الخفيفة، أو لمد يد المساعدة لسبب أو بدون سبب لا شيء إلاّ لتزجيه الفراغ الذي أحدثه الترف، هذا الفراغ الذي هو الأصل (المولّد) لكلّ طاقات الحبّ. ومثال على ذلك الحبّ الحرام الذي نشأ في إحدى القصص بين الأخ وأخته. والذي هو عبث وما كانت نتيجته سوى السّخط واللعنة والموت حرقاً.

17- صورة المرأة المنتقمة

ما أكثر الانتقام في الأقاصيص، وما أسهل سبله حيناً وأصعبها أحياناً! والسّحر يساعد المرأة على تنفيذ خططها الانتقاميّة. هذه المرأة لا يغلبها إلاّ الذكاء؛ لأنّ العشق إذ يطغى عليها تعود تتبيّن الحقائق، والانتقام مقترن بالغيرة إلى جانب السّحر، ففي قصّة (التاجر والعفريت) (46) تبدو المرأة قد ذبحت ضرّتها انتقاماً. والفتاة الساحرة في هذه القصّة بالذات ليس لها غاية في المال، وإنّما في الانتقام.

وقد يبدو الانتقام لسبب تافه، فالمرأة التي لقيت الأهوال في الهروب من قصر الخليفة حتى عثرت على من يحبه فؤادها، وعرّضت نفسها للأخطار تضيّع كلّ هذا، فتنتقم من حبيبها لا لشيء إلاّ من أجل عادة سيئة، وهي عدم غسل الأيدي قبل أكل (الرزباجة) وهو نوع من الطعام يستوجب تناوله على ما يبدو نظافة كاملة.

وفي قصّة (مزيّن بغداد) (47) تبدو المرأة ذات كيد وحيلة، فتعذّب الرجل بعد أن تغريه بجمالها، فتعرضه للمهانة والذّل، وينخدع بها مرة بعد مرّة، فإذا هي تستدرجه إلى بيتها، ثمّ يأتي زوجها، ويقبض عليه، ويأخذه إلى صاحب الشرطة يطوف به في الشوارع، ويضرب بالسياط ويشهّر به. وفي قصّة (الجوهري) أيضاً تحتال المرأة بأحذق أسلوب حتى تأخذ منه جواهر وأموالاً ثمّ تتزوجه ولا تلبث أن تترك. لماذا؟ لسبب بسيط، هو أنّه خالف أوامرها وذهب إلى القصر، بينما هي في الحمّام، وقابل الملكة وفي غيابها وأنشدها الشعر، فإذا هي تأمر به، فينقطع عنقه.

18- صورة المرأة المتصوّفة

وذكرها قليل جدّاً، وهذا غريب في عصور كانت فيه سير النساء المتصوفات تملأ الكتب بما يشبه الأساطير، حتى حياة (رابعة العدويّة) انتقلت من حيّز الواقع الزهدي إلى حيّز الأسطورة والقداسة.

أمّا إذا اعتبرنا الفناء في الحبّ حتى الموت والحبّ بعد الموت أو الاستشهاد في سبيل العشق من المفاهيم الصوفيّة. ففي ألف ليلة وليلة نماذج رائعة من المرأة التي تحبّ بشفافيّة صوفيّة، ولا تريد من حبيبها سوى مجرد الحبّ، وهي تلقى العذاب حلواً، وحتى الموت، مقبولاً في سبيل من تحبّ. وتبدو المرأة من أجل إيمانها (وهنا الإيمان بالإسلام عوضاً عن المجوسيّة) تهجر الثروة والمجدّ، وتكون جارية عند الرجل المؤمن بعد أن كانت سيّدة في قومها.

وقد يكون دعاء المتصوّفة الصادق الحار هو الذي يحلّ المشكلة: ففي قصّة (بدور ابنة الجوهري) مع أمير بني شيبان تقول (بدور): "إلهي وسيدي ومولاي، كما ابتليتني بمحبته أن تبتليه بمحبتي، وأن تنقل المحبّة". إنّها معجزة الإيمان تنتقل إلى عالم الحبّ في ألف ليلة وليلة. فسبحان الله.

19- صورة المرأة ذات الكبرياء

تطرح ألف ليلة وليلة مقولة للأيمان في الحبّ، وهي أنّه حتى يمكن من قلب العاشق، فأمر الكبرياء ليس له مكان نزعة المرأة إلى أن تكون محتفظة بكبرياء الأنوثة تطل بين حين وآخر، وهي عاشقة فترى أنّها تحتمل ألم الحبّ وعذاباته، لكن لا تحتمل الإهانة، وقد يدفعها هذا إلى الانتقام، وهي لا تزال ضمن دائرة الحبّ.

وهذه بنت النعمان نموذج طريف للمرأة التي تطعن بكرامتها لمجرد الزواج بمن لا تحب؛ لأنّه أجبرها بنفوذه على الزواج منها (وهو الحجاج)، فقد ابتعث طريقة أخرى وهي أن أوصلت خبرها للخليفة، فجاء يخطبها فاشترطت أن يقود الحجاج هودجها بعد أن طلّقها ثمّ رمت بدينار إلى الأرض وقالت لا درهم قالت: عبارتها المشهورة (سبحان من بدّل الدرهم بدينار).

20- صورة المرأة العابثة اللاهية

ونماذج كثيرة في الكتاب وأساليبها أكثر، تبدأ من الممازحة والظرف والإنس حتى المخاطرة الجريئة التي لا تحمد عواقبها، ففي قصّة (الخيّاط والأحدب) (48) نرى أنّ زوجة الخيّاط تتسلّى بالأحدب. تؤاكله وتمازحه وتزيل عنه الهمّ والأحزان إلى أن ألقمته مرّة قطعة سمك كبيرة وسدّت فمه بكفّها تريد أن يأكل القطعة دفعة واحدة دون مضغ. ولما كان فيها شوكة ولم يقو على ابتلاعها اختنق، فهل هذا –ولو خيّاليّاً- مزاح؟ إنّه إفساد لطبيعة المرأة بما فيها من رقّة وحنان، لكن الأقاصيص تريد أن تثبت فكرة عبث المرأة ولهوها بشكل متطرّف يبدو معه أحياناً فجّاً وغير مسؤولاً. وقد تخرج المرأة اللاهية إلى السوق بأبهى حلّة وزينة تشتري، وتشتهي وتنقّي رجلاً يعجبها وتدعوه إلى بيتها، ويكون الخمر والإنس والطرب، وهي كما تعترف (مالها بالقماش حاجة) وإنّما من أجل أن تتلهّى وتتسلّى.

21- صورة المرأة الفلاّحة

هذه الصورة من الصور النادرة في الليالي، وذكرها أيضاً قليل نظراً لانغلاق المجتمع وبنية الأنظمة على توالي العصور، وتبعيّة المرأة للرجل وبروز عنصر المرأة الجارية وإن لم تكن جارية فهي المرأة الظل أو المرأة الهامش، ومع ذلك فإنّه ورد ذكرها (كما في قصّة كسرى وبنت صاحب الضيعة) فهي المرأة الذكيّة التي تملك خبرة عملية في الحياة. (عصرت قصب السكر بكوب، وذرّت عليه بعض التراب ثم قدّمته لكسرى الذي يمرّ بضيعتهم عطشاً لأنّها أدركت أنّه شديد الظمأ، وتخشى أن يشرب ما في الكوب مرة واحدة فيلحق به الضرر في الوقت الذي لا تريد له إلاّ الخير). ولمّا عاد مرّة بعد عام بعد أن ضاعف الخراج على الضيعة وأصبحت ثلاثة أعواد من القصب لا تكفي لعصر كوب واحد، وقالت: "نية السلطان تغيّرت نحونا، فقلّت البركة لذلك عندنا".

بعض الجوانب الخارجيّة أو الشكليّة الخاصّة بالمرأة في الليالي

وقاص الليالي يهتم –بلا أدنى شك- بالجوانب الخارجيّة لبطله وبطلته، فيدلّ القارئ أو المستمع على أشياء بعينها قصد إليها وعمد في الإبانة عنها، والقاص في الليالي أيضاً لم يغفل ذلك فما يبدأ ذكر شخصيّة من شخصيّاته حتى يعطينا صورة عن مظهرها الخارجي، ويعرض صفحات كثيراً ما تكون حسّية ملموسة يقدّم لنا بها بطله فهو يغفل أنّه بالشكل والموضوع تكتمل الصورة وبها، ترتسم صورة في ذهن القارئ أو المستمع عن أبطال الحكاية التي يقرؤها أو يسمعها. ومن أمثلة هذه الجوانب الشكليّة الخارجيّة في المرأة:

أولاً: وصف المرأة

الصبيّة: أغلب حبيبات الليالي جميلات حسناوات فما أن يتعرض القاص لذكر إحداهن حتى يسارع بقوله: أنّها صبيّة رشيقة القد قاعدة النّهد ذات حسن وجمال وقد اعتدال وجبين مغرة الهلال وعيون الغزلان وحواجب كهلال رمضان وحدود مثل شقائق النعمان وفم كخاتم سليمان ووجه كالبدر في الإحراق ونهدين كرمانتين باتفاق وبطن مطوي تحت الثياب.

وإذا كان القاص في الليالي يعمد إلى تصميم شكلاً معيّناً لوصف المرأة، فهو نفسه يأتي بقصّة هؤلاء الجواري المختلفات الألوان، ويصفهنّ بالحسن والجمال لدرجة أنّه يصعب التمييز بينهن أو تفضيل إحداهن على الأخرى، ويقيم بينهن مشادّة فيها تحاول كلّ واحدة أن تثني على نفسها وتذم صاحبتها، ويبدو أنّ كلّ واحدة تثق بجمالها، فتروح تدافع عنه، أمثال تلك المشادّات كانت تكثر بين البيض والسّمر في حضرة الخليفة أو الأمير، حيث يدور الجدل العنيف بين الجنس اللطيف، ويكون للمستمع أن يرى إحداهن تكشف عن عيوب الأخرى، وتعرض ميزاتها.

وكما يبدو فكلّ صبيّة في الليالي جميلة، وليس فيهن من هي متوسطة الجمال أو القبيحة المنظر إلاّ إذا كانت عجوزاً.

وصف العجوز: القاص لديه أيضاً نموذجان لا ثالث لهم في وصفه للمرأة فهي إمّا صبيّة يصفها بجمايل الصفات، وهذه الصفات لا تخرج عن القالب السابق أو عجوز فيصفها بصفات مخيفة: فم أبخر، وجفن أحمر، وخد أصفر بوجه أعبش وطرف أعمش، وجسم أجرب، وشعراً أشهب، وظهر أحدب، ولون مائل. وهو بعد ذلك لا يكثر من ذكر هذا الوصف بل لا يذكرها إلاّ في هذين الموضوعين، ويكتفي بعد ذلك بأن يقول عجوز أو عجوز النحس، وكأنّ صورة تلك العجوز ارتسمت في ذهن القارئ، فمجرد أن تقع عينه على كلمة (عجوز) أو يسمع ذكرها ليتخيّل ذهنه صورتها البشعة.

ثانياً: الملبس

وهو من مكملات زينة المرأة، ودليل في الليالي على مكانتها، وبه يقاس مستوى من ترتديه بل إنّه من ملبسها يقدّر ثمنها إذا كانت جارية تباع وتشترى، وملابس الملكة تختلف عن المرأة العادية، وإن كان القاصّ يعلي من شأن الصبية العاديّة، فيصف ملبسها بأنّه مثل غيرها من الملكات، فالملكة تلبس حلّة مزركشة باللؤلؤ الرّطب وعلى رأسها تاج مكلّل بأنواع الجواهر وفي عنقها قلائد وعقود. ويبدو أنّ الزّنار من الأشياء التي كانت تميّز غير المسلمات والروميات، منهن بالذات ويبدو بأنّهن قد شهرن به فما أن يذكر القاصّ رومية حتى يصفها بأنّها تضع الزنار حول خصرها حتى أنّ ليسمي واحدة من بطلاته (مريم الزناريّة)، ويقول إنّها تجيد صناعة الزنانير، وقد انتشر ذلك الزنار في العصر العباسيّ.

والتاجر الذي يرغب في الحصول على ثمن باهظ في جادّته الجميلة فهو يلبس أفخم الملابس لإظهار مفاتنها بتلك الحلي والجواهر الثمينة، بل إنّ المرأة العربية نفسها تكثر مكن التحلّي بهذه الجواهر. والصبية تلتف بإزار موصلي من حرير مزركش بالذهب وحاشيته من قصب فرفعت قناعها فبان من تحته عيون سوداء. فهو لا يزال يذكر القناع الذي تخفي به الصبية جمالها، فقد كانت المرأة مقنّعة محجبة لفترة قريبة، وهي لا تتورّع عن كشف وجهها ليراها الرجل، ويقدّر جمالها، ويقع في هواها وقد تكون هذه النظرة أول الطريق في علاقة مشينة.

والقاصّ يكتفي في كثير من الأحيان بقوله: إنّ الحلل مزركشة أو أنّها زرقاء أو خضراء، ولا يذكر ألواناً أخرى غير أن يقول مخططه، ويكثر من ذكر الذهب والفضة والثياب المقصّبة والجوهر والدرّ، وكأنّ زينة المرأة لا تكتمل إلاّ بهذه الجواهر الثمينة ولا يظهر مستواها إلاّ هذه الدّرر.

فالصورة حسيّة في وصفه لجمال المرأة بل إنّها تتكرر بنفس الألفاظ، وكذلك بالنسبة لملابسها وألوانها التي ترتديها لكن شيئاً واحداً يظل ثابتاً هو الصورة الماديّة لهذه المحبوبة، واحدة في الجسم والملبس بل ألواناً بعينها ترتديها، وهي الأخضر كثيراً والأزرق قليلاً، وهي إذا افتقرت تلبس ثوباً من الشّعر حيث لا تجد ما يستر جسدها.

ثالثاً: الأطعمة والمشروبات

المرأة في الليالي تقدّم في بيتها أو قصرها ألواناً كثيرة من الأطعمة تجيد عملها ونراها إذا خرجت للشراء تشتري الزيتون والفواكه والسفرجل واللحم، وهي كثيراً ما تخرج لشراء القماش سواء لها أم لسيدتها فتطلب أجود الأنواع، وتسميها تفصيلة، وهي تشتري بأثمان باهظة وقد لا تدفع الثمن وتطلب من التاجر أن يرسل معها من يقبض الثمن.

أ‌- الأطعمة

المرأة تقدّم أنواعاً طيّبة من الأطعمة لضيفها، فتعدّ سفرة لهذا الضيف الذي غالباً ما يكون عشيقها، وهذه السفرة مكونة من أفخم الألوان من محمّر ومرق ودجاج محشوة وكذلك الحلويات والفاكهة والرياحين.

والمرأة الفقيرة الحال حينما يعرض عليها أن تطلب الطعام الذي ترغب فيه تكتفي بقولها (عيشاً وجبناً)، فالمرأة المحرومة تكتفي بالعيش والجبن كأيّ فلاح مصري فقير يحمل هذا الطعام إلى حقله، ويأكله في بيته في أغلب الأحيان.

ب‌- المشروبات

غالباً ما يكون الخمر المشروب المفضّل والأساس الذي يكتمل به الاجتماع وتعمّ الفرحة، وفي مواضع كثيرة يذكر القاصّ منافع الخمر وقيمتها.

فالقاصّ الذي يغلب أن يكون مسلماً يذكره المنافع للخمر، ولعلّ العرب قد ذكروا منافعها وأكثروا من مدحها، ومن ذلك أواني الخمر مثل القاصّ والقدح والكأس.

ومجالس الشراب في الليالي هي مجالس الغناء فلا يخلو مجلس غناء من شراب خمر صوت وضرب على الآلات، والقاصّ يروق له وصف هذه المجالس وما يدور فيها من شرب الخمر. ومن المشروبات التي ذكرها القاصّ في الليالي القهوة والبوظة. (49)

العادات الاجتماعية التي تخصّ المرأة في ألف ليلة وليلة

أولاّ: الخطبة

الخطبة تتم بين الآباء لا سيما الأخوة منهم فيما يخصّ الأبناء، فنور الدين مثلاّ يتحدث مع أخيه شمس الدين بخصوص زواج أبنائهم حتى قبل أن ينجب وبمعنى أدق قبل أن يتزوج، وإن لم يكونوا أبناء عم كأن يخطب ملك مثلا فتاة فهو يسمع عنها، وعن جمالها وأنّها ابنة الملك الفلاني، ويبعث بوزيره أو يذهب لخطبتها وإن مات أحد الطرفين، فالزواج بين الأبناء قد يتمّ وقد لا يتمّ، وقليلا بل النادر ما تستشار الفتاة في الأمر، وقد ترفض الزواج؛ لأنّها لا ترغب وقد توافق ويتم زواجه، ولو لم تر هذا الذي خطبها وترك ديار أبيها راحلة إلى حيث يعيش زوجها . ولا يفوتنا أن شهرزاد كان لها رأي في الزواج، وطلبت من والدها أن يزوجها الملك شهريار بالذات، وإذا كانت التي ستتزوج جارية، فالبطل يشتريها، وقد يصرح بإطلاق سراحها، وقد لا يبوح بذلك، ثم يعقد قرانه عليها وكأنّ العقد نفسه عتق لها.

ثانيا:المهر

لا يفوت القاصّ في الليالي أن يذكر المهور والاختلاف عليه، الذي قد يؤدي كثيراً إلى تعطيل الزيجات. والمهور في الليالي قد تكون نعماً وهذا قليل وقد تكون مبلغاً من المال وهذا هو الغالب والمال يدفعه العامة من الناس، لكنّ الملوك يحملون الهدايا الثمينة والتحف الغالية القدر والجواري والعبيد، وبالنسبة لزواج الرجل من جارية فمهرها ثمنها الذي يدفعه عند الشراء. ولعلّ ذلك من بقايا زواج الشراء الذي كان أكثر الطرق انتشاراً بين الأمم والشعوب القديمة لحصول الرجل على زوجة له.

ثالثا: الزواج

بعد أن تتم الخطبة لا يكون على والد العروس إلاّ أن يتم الزواج، فيقيم في داره أو قصره حفل الزواج، وهو الذي يجهز العروس، ويكون جهازها من أفخر موجودات عصره. والقاصّ يطلق العنان لخياله في وصف هذا الجهاز والمركب، ولا يقتصر على ذلك فلا بد أن تقام الأفراح، وتمدّ الأطعمة المختلفة الألوان وتقام الملاعب المختلفة، ويستمر ذلك أربعين يوماً يكون فيها محط الأنظار.

والشّعب مأمور أن يخرج كلّه لملاقاة عروس الملك، ومأمور أيضاً أن يكون في أحسن البهجات، وكأنّ الشعب ليس له إلاّ أن ينفّذ مثل هذه الأوامر، ولا يرفض للملك أمراً حتى لو لم يكن يرغب في ذلك.

رابعاً: الأبناء

بعد أن تزف العروس إلى زوجها، ويلتقي بها لأول مرّة لا بدّ أن تعلق منه في الليلة الأولى إذا كانت ولوداً، وعادةً ما يحلم الملك بولد يرثه ويرث عرشه. والمرأة بعد أن يتمّ حملها تنجب بمساعدة مولّدة لها وهم ينتظرون قدوم الطفل في لهفة ولا سيما الأب الذي يتمنّاه ولداً، والأبناء كثيراً ما يسمون بأسماء ذات معانٍ حسب مولدهم وظروف ولادتهم، فست الحسن التي تنجب ابنها بطريقة عجيبة تسميه (عجيب) وابنه شركان الغير شرعية من أخته، يسمونها (قضى فكان) وهكذا تعدّد الأسماء رامزة لظروف إنجاب الطفل. ولعلّ امرأة الليالي كانت تعرف حدوداً للخلفة، فهي لا تنجب إلاّ واحداً أو بنتاً ولذا وإن زاد فثلاثة، ولا زيادة على ذلك. فهل كانت المرأة على هذا المستوى أم أنّ هذا هو ما يتطلّع إليه القاصّ الذي كثيراً ما يطرح علينا بطريق غير مباشرة اقتراحات طريفة تنمّ عن فطنته.

خامساً: الضراير

المرأة تعيش مع ضرّتها، ويكثر ذلك من أمثال بدور وحياة النفوس وزبيدة العدوية، وكثيراً ما لا يدب الخلاف بينهما بل أنّ المرأة تشير على زوجها أن يتزوج من تلك التي حفظت سرّه وصانته في أزمته، وإن كانت الصورة الغالبة في الحياة هي اختلاف الضراير وقيام المشاجرات بينهن، والقاصّ قد يتطلّع دائماً لحياة أفضل، ويودّ أن يوفّق النقيضين ولو حتى في الليالي والقصص وليس في الواقع. (50)

الهوامش:

(1) ألفة الأدلبي: نظرة في أدبنا الشعبي ألف ليلة وليلة وسيرة الملك سيف بن ذي يزن، ط1، منشورات اتحاد الكتّاب العربي، 1974، دمشق، ص49.

(2) المرجع نفسه: ص49.

(3) فاروق سعد: من وحي ألف ليلة وليلة، ط1، ج1، المكتبة الأهلية: بيروت، 1962، ص43-44.

(4) المرجع نفسه: ص44.

(5) ألف ليلة وليلة، ج1، مرجع سابق، ص8-9.

(6) أحمد محمد الشحّاذ: الملامح السياسية في حكايات ألف ليلة وليلة، ط1، منشورات وزارة الإعلام، بغداد 1977، ص200.

(7) عالي سرحان القرشي: نص المرأة، مرجع سابق، ص32.

(8) أحمد محمد الشحّاذ: الملامح السياسية في ألف ليلة وليلة، مرجع سابق، ص207.

(9) ألف ليلة وليلة، ج3، مرجع سابق، ص409-432.

(10) مهدي النجّار: التراث الشعبي والحقبة الكسولة في ألف ليلة وليلة، مجلة دراسات عربية، عدد6، نيسان 1981، دار الطليعة، بيروت، ص124.

(11) محسن جاسم الموسوعي: الحارق في ألف ليلة وليلة، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 38، آذار 1986، مركز الإنماء القومي، بيروت، ص30.

(12) ألف ليلة وليلة، ج2، مرجع سابق، ص100.

(13) المرجع نفسه، ج3، ص188.

(14) المرجع نفسه: ص288.

(15) علي الراعي: محتالون ولكن شرفاء، العربي، 266، يناير 1981، ص42-44.

(16) سهير القلعاوي: ألف ليلة وليلة، ط1، دار المعارف، القاهرة، 1966، ص311.

(17) ألف ليلة وليلة، ج3، مرجع سابق، ص 204.

(18) هيام علي حمّاد: المرأة في ألف ليلة وليلة، لا وجود للطبعة أو سنتها، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، ص73.

(19) عبده جبر: النواحي الجمالية في ألف ليلة وليلة، مجلة الكويت، العدد 11، 1981، ص102.

(20)ألف ليلة وليلة، ج1، مرجع سابق، ص7-8.

(21) ألف ليلة وليلة، ج12، مرجع سابق، ص6.

(22) المرجع نفسه: ص9.

(23) قمر كيلاني: المرأة في ألف ليلة وليلة، مجلة الكويت، العدد 7، ابريل 1981.

(24) المرجع نفسه: ص90.

(25) فيكه فالثر: صورة المرأة في ألف ليلة وليلة، مجلة تاريخ العرب والعالم، العدد51، كانون الثاني، 1983، ص59.

(26) المرجع نفسه: ص409.

(27) المرجع نفسه: ص137.

(28) المرجع نفسه: ص108.

(29) ألف ليلة وليلة، ج1، مرجع سابق، ص214.

(30) المرجع نفسه: ص288.

(31) أنظر: عبد الغني الملاح: رحلة في ألف ليلة وليلة، ط1، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1981، بتصرّف، ص47.

(32) ألف ليلة وليلة، ج3، مرجع سابق، ص188.

(33) فريد ويش فون دير لاين: الحكاية الخرافية، ترجمة نبيلة إبراهيم، ط1، دار العلم، بيروت، 1973، ص216.

(34) ألف ليلة وليلة، ج4، مرجع سابق، ص324.

(35) المرجع نفسه: ص214.

(36) قمر الكيلاني: المرأة في ألاف ليلة وليلة، مرجع سابق، ص91.

(37) ألف ليلة وليلة، ج2، مرجع سابق، ص100.

(38) المرجع نفسه، ج3، 409.

(39) المرجع نفسه، ج3، ص243.

(40) المرجع نفسه، ج2، ص407.

(41) المرجع نفسه، ج2، ص409.

(42) المرجع نفسه، ج4، ص108.

(43) المرجع نفسه، ج3، ص188.

(44) المرجع نفسه، ج3، ص335.

(45) المرجع نفسه، ج1، ص12.

(46) المرجع نفسه، ج1، ص12.

(47) المرجع نفسه، ج1، ص137.

(48) المرجع نفسه، ج1، ص114.

(49) البوظة: هي خمر الشعير في الغالب، يعرفها أهل السودان أيضاً.

(50) هيام علي حمّاد: المرأة في ألف ليلة وليلة، مرجع سابق، ص3321.

المصادر والمراجع

المصادر

1. ألف ليلة وليلة، ط5، دار مكتبة التربية، بيروت، 1987.

المراجع

1. أحمد محمد الشحّاذ، الملامح السياسية في ألف ليلة وليلة، ط1، منشورات وزارة الإعلام، بغداد، 1977.

2. ألفه الأدلبي، نظرة في أدبنا الشعبي ألف ليلة وليلة وسيرة الملك سيف بن ذي يزن، ط1، منشورات اتحاد الكتّاب العربي، دمشق، 1974.

3. خليل أحمد خليل، مضمون الأسطورة في الفكر العربي، ط2، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1980.
4. سهير القلماوي، ألف ليلة وليلة، ط1، دار المعارف بمصر، 1966.

5. شفيق معلوف، حبّات زمرد الأدب العربي الحديث حكايات ألف ليلة وليلة، لا وجود للطبعة أو للسنة والنشر، القاهرة.

6. عالي سرحان القرشي، نص المرأة.

7. عبد الغني الملاّح، رحلة في ألف ليلة وليلة، ط1، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1981.

8. فاروق سعد، من وحي ألف ليلة وليلة، ط1، ج1، المكتبة الأهلية، بيروت، 1962.

9. فريد ويش فون دير لاين، الحكاية الخرافية، ترجمة نبيلة إبراهيم، ط1، دار العلم، بيروت، 1973.

10. قيس النّوري، الأساطير وعلم الأجناس، ط1، منشورات جامعة بغداد، 1980.

11. محمد عبد الرحمن، الجنس والسلطة في ألف ليلة وليلة، ط1، الانتشار العربي، بيروت، 1998.
12. هيام علي حمّاد، المرأة في ألاف ليلة وليلة، لا وجود للطبعة أو سنتها، مكتبة دار نهضة الشرق، جامعة القاهرة.
المجلات:
1. عبده جبر، النواحي الجمالية في ألاف ليلة وليلة، مجلة الكويت، العدد11، 1981.
2. فبيكه فالثر، صورة المرأة في ألاف ليلة وليلة، مجلة تاريخ العرب والعالم، العدد 51، كانون الثاني، 1983.
3. قمر كيلاني، المرأة في ألف ليلة وليلة، عدد7، ابريل، 1981.
4. محسن جاسم الموسوعي، الخارق في ألف ليلة وليلة، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 38، آذار 1986، بيروت مركز الإنماء القومي.
5. مهدي النجّار، التراث الشعبي والحقبة الكسولة في ألف ليلة وليلة، مجلة دراسات عربية، العدد 6، نيسان 1981، بيروت، دار الطليعة.










رد مع اقتباس
قديم 2013-04-04, 20:00   رقم المشاركة : 283
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

- صورة الزوجة الخيّرة

تبدأ ليالي ألف ليلة وليلة بقصّة الملك الذي ساءته خيانة زوجته ثم تعزّى حينما رأى زوجة أخيه تخون زوجها أكبر من خيانة زوجته له، وفي حكاية العفريت الذي حمل على رأسه امرأة عقلها داخل صندوق مغلق، تلك المرأة التي خانته خمسمائة وسبعين (33) مرة. ولكنّها سرعان ما تنقل لنا طوال ألف ليلة على مدار ثلاث سنوات قصّة الزوجة الخيّرة شهرزاد التي تبذل كلّ جهدها، وتهذّب نار الثّأر في داخله، وتعيده إلى جادّة الطريق، مع أنّها كانت تستطيع أن تقتله ليلة زفافها مثلاً وهو نائم، فهي نعم الزوجة المخلصة الصابرة.
وتظهر صورة الزوجة الخيّرة في قصص كثيرة في الليالي، فهذه الملكة (بدور)(34) التي تخفي أمر اختفاء زوجها الملك قمر الزمان، وتلبس ثيابه أمام حاشيته وتسوس الرعيّة.

والصورة المثلى للإخلاص تضربها نعم وياسمين وتودد وزمرد ومريم الزنارية وزوجة التاجر المصرية وزوجة معروف الثانية. ويضرب المثل بإخلاص الزوجات اللائي كنّ في الأصل جواري يبعن في الأواق، وتشهد قصص على مواقفهن التي لا تشابهها مواقف.

ونلاحظ أنّ المرأة الذكية الفطنة تحتال على أقوى الرجال الذين يراودونها عن نفسها منتصرة لشرفها وعفّتها مثلما تفعل زوجة أحد الوزراء مع الملك الذي جاءها في غياب زوجها، فترحب به ترحيباً شديداً، وتغطّيه ولا يكون هذا الكتاب إلاّ كتاب مواعظ وأدب، وهي تعدّ له أطعمه في تسعين صحناً أنواعها مختلفة وطعمها واحد، وحينما يسألها الملك عن ذلك تقول: "أصلح الله حال مولانا الملك فإنّ في قصرك تسعين محظية مختلفات الألوان وطعمهنّ واحد، فلما سمع الملك هذا الكلام خجل منها، وقام من وقته، وخرج من المنزل، ولم يتعرض لها بسوء".

7- صورة الأخت

تعرض الليالي لصورتين بارزتين للأخت في ألف ليلة وليلة

أ- صورة الأخت الشريرة: تظهر الأخت الشريرة في الليالي إمّا بصورة الحاسدة الغيورة أو قد يكون الشّر من الأخت الكبرى التي تسوق الصغرى إلى المنكر، وتدفعها إلى ارتكاب الخطيئة، فالأختان الشريرتان تدفعان بأختهما الصغيرة الطيّبة إلى المهالك.

فلا تتوانى الأخت الكبرى السيئة الخلق عن قتل أختها الصغرى الطاهرة عندما تلاحظ إعجاب خليلها بها؛ فالغيرة تجري في عروق المرأة، وتأكل قلبها، وتدفعها إلى أن ترتكب أبشع الجرائم، وهو قتل شقيقتها بالسكين، ويبدو أنّها ما أحضرت أختها إلا لتختبر الرجل، وتعرف مدى إخلاصه لها.

ب- صورة الأخت الطيّبة: الأخت الطيّبة قد تكون أختاً شقيقة وغير شقيقة وهي إمّا إنسيّة أو جنّية، والأخت الطيّبة تواجه أخوة أشراراً من أبيها على الرغم من عطفها عليهم وبرّها بهم إلاّ أنّهم يوقعون بها الضرر، ويضمرون لها الشّر.

والأخت الطيّبة تطيع أخاها، وتوافق على الخروج معه لزيارة بيت الله الحرام وكذلك بيت المقدس، وتخدمه عندما يمرض في الطريق، وتبذل الكثير في البحث عنه عندما تضيع عنه في الطريق مثل نزهة الزمان التي ضاعت عن أخيها شركان ابن الملك عمر النعمان(35).

والأخت حين يرحل أخوها تاركاً البلاد للتجارة، ولا يعود على الخروج مع أمّها للبحث عنه، تتعرضان للذل والهوان وأخيراً تعثران عليه، ويسعدان معه على غرار معظم نهايات الليالي.

8- صورة الأم

تقول قمر الكيلاني: إنّ صورة المرأة الأم قليلاً ما ترد في ألف ليلة وليلة كأنّ النساء فيه مقطوعات عن أمّهاتهن، ولعلّ السّبب قي ذلك أنّ أكثرهنّ من الجواري أمّا أم الرجل (أو الحماة) فهي إن برزت فمن أجل تنكيد العيش على زوجة ابنها أو جاريته أو من يحبها (36). ويبرز نموذج الأم على صورتين:

أ- صورة الأم الشريرة: غالباً ما تكون الأم ذات قلب رحيم، ولا يهمها إلاّ الصالح العام لأبنائها، وتسعى إلى راحتهم والليالي تصوّر الأم في كثير من حكايتها هذه الصورة، لكن هناك حكاية واحدة تصوّر الأم، وقد انقلبت شرّاً على ابنها، وتحكّمت فيها الغريزة الجنسيّة تحكّماً أنساها غريزة الأمومة، وتمثّل ذلك في أم الأمجد وأم الأسعد. فالملكة بدور تتزوج من قمر الزمان بعد قصة حب طويلة وتسمح له بأن يتزوّج بالملكة (حياة النفوس) (37). ولكن تنحرف الملكتان عندما تحب كلّ واحدة ابن ضرّتها، وتسعى إلى وصاله على الرغم من رفض الولدين. وتخبر كلّ واحدة زوجها بأنّ ابن ضرّتها راودها عن نفسها، فيشتدّ غيظ الابن، ويأمر بقتل ولديه العزيزين، وهكذا تتسبّب الأم في قتل ابنها بعد أن حملت وتعبت وربّت.

وهنالك نماذج من الأم تغار واحدتهنّ من ابنتها، فتلغي شخصيّتها أو تتآمر لينفك نفيها من عالم الحبّ لا سيما إذا أصبحت شابة جميلة بينما الأم تميل شمسها إلى الغياب.

ب- صورة الأم الطيّبة: الأم دائماً مصدر الدفء، وهي تحرص على أبنائها، وتقف بجوارهم في الأزمات، وتنصح لهم وقت الشّدة، تتخيّر لهم الطريق القويم، وتبدو هذه الصّور في حكايات عديدة. فالمرأة شديدة الحرص على تربية ابنها تربية حسنة حتى لو غاب أبوه وفقد وقطع الأمل في عودته. وقد يتمثل خير الأم لأبنائها في حرصها عليهم وإرشادهم لطريق الخير وتحذيرهم من الشر كما فعلت أم حسن البصري(38 )، التي كثيراً ما حذرته من المجوس، وكذلك أم جودر تلك التي تحب جودر المطيع الوفي وهي في الآن ذاته لا تكره أخويه القساة القلوب بل تساعدهم وتحبهم(39 ).

والأم الفقيرة الحال تضحي بما لديها من مال قليل في سبيل ولده، وهي تستمر في تحذيرها له من السفر، وحينما يصر الابن على الرحيل لا يكون منها إلا أن تدعو له، وتبارك خطواته، وطوال غيابه تبقى حزينة القلب باكية العين. والأم تعمل على تعليم الابنة فتقرئها القرآن الكريم، وتعلمها العادات الحسنة والمثل العليا. كما تقوم بفضّ أي خلاف قد يقع بين الأب وأبنائه، فهي مصدر الحب والدفء في الليالي.

9- صورة المرأة العالمة

تبدو لنا شهرزاد منذ اللحظة الأولى امرأة عالمة مثقفة، فهي عارفة بالشعر والأدب والتاريخ والدين والقصص والألغاز، وقد تكون هذه المعارف هي الرافد لها في صمودها أمام شهريار ألف ليلة. وكذلك الجواري في ألف ليلة وليلة لم يقتصر تعلمهن على الغناء والضرب على الآلات الموسيقية التي برعن فيها في ألف ليلة وليلة، بل وُجد منهن عالمات مثقفات بأنواع مختلفة من الثقافة وعلى رأسهن تودّد ( 40)، وتشابهها نزهة الزمان وكذلك الجواري اللائي تستعين بهن شواهي ذات الدواهي في خطتها.

فتودّد جارية تركها الأب لابنه في جملة ما ترك من مال، والابن يتلف جلّ ماله ولا بقي لديه إلا تلك الجارية وهي غاية في الذكاء والعلم والجمال والأدب. وحينما يسوء حال صاحبها ولا يبقى معه إلا هي تطلب منه أن يحملها إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد، ويطلب ثمنها عشرة آلاف دينار وتقول له : إن إستغلاني فقل له: وصيفتي تساوي أكثر من ذلك فاختبرها، ويعرضها على هارون ويختبرها مع أعظم علماء قصره، فتتفوّق عليهم جميعاً، فيعجب الرشيد بها، ويطلب من الفتاة أن تتمنّى عليه بشيء ينفذه لها في الحال، فتتمنى أن يردها إلى سيدها، فيردّها بعد أن يعطيها خمسة آلاف دينار.

وهكذا تحملت الجارية العالمة في نفسها الوفاء لسيدها الذي لا يعرف قدرها ولا علمها، ولعل أباه كان يعلم بقيمة الجارية، ولذلك أوصاه عليها عند موته.

10- صورة المرأة المحاربة

يقول بعض النقاد إنّ صورة المرأة المحاربة مقحمة على أجواء الليالي، وأنّ صورتها محاطة بقليل من جوها الأجنبي، فكان خضوعها للواقع في التفاصيل أقل، إنّ حاول القاص أن يدخلها قسراً في دائرة الحياة الاجتماعية الإسلامية. لذلك نجد هؤلاء المحاربات إن كنّ آدميات، فهن نصارى يسلمن أو يلدن مسلم، وإن كن أجنبيات، فهن إمّا من الجن المؤمنة وإما بعيدات عن الحياة الدنيا بل عن حياة القصة نفسه، إذ يُذكرن عرضاً ولا يؤثرن في حوادثه، كما نجد من ذكر جزيرة واق الواق في قصة حسن البصري( 41) فتكون الجزيرة وجندها مجرد عقبة من سلسة عقبات تمرّ بحسن البصري في سبيل الوصول إلى زوجة.
وأما النّساء المحاربات من الجنّ، فهنّ لسن البطلات مطلق، بل أنّهن لا يحاربن أصل، فكلّ سلاحهن هو لباس من الريش يستطعن الطيران به حيث شئن، بل إن هؤلاء المحاربات لا يقمن بأي حرب، ولا يستعملن آلاتهن في القصة.

مثل ما نراه عند مريم الزنارية (42 ) التي تقاتل وتجندل الأبطال أمامها .

والمرأة المحاربة في الليالي جميلة جدا دائم، وقد يكون جمالها من أسلحتها في الحرب، إذ تكشف في آخر لحظة حرجة، فإذا جمالها يكسبها المعركة الأخيرة كما تفعل (الدنماء)(43 ) في قصة الجارية الثانية في اليوم السابع من مجموعة قصص الوزراء السبعة، وهي تحارب إظهاراً لمهارتها وتفوقها على الرجل؛ لأنّها أقسمت على أن لا تتزوج إلا من يقهرها في الميدان.

وفي الليالي أحيانا نجد أنّ الراوي في وصفه محاسن المرأة قد يعدد من محاسنها أنها تعلمت الحرب والنزال دون أن يكون لتعلمها هذا أيّ شأن أو أيّ دليل على القصة، وهو مجرد سرد لأوصافها.

11- صورة المرأة الجنية

تصوّر الليالي أيضاً صورا للمرأة، ولكنّها المرأة التي ليست من هذا العالم، بل الجنية التي يحبّها الآدمي، فيشقى في الوصول إليها، مثل صورة جلنار ( 44) في قصة الملك بدر باسم التي يتحكم على طائفة من الجن قوية، أو الجنية التي تحكم مدينة خيالية، يعبد أهلها الشمس أو النّار.

وهؤلاء الجنيات يمثلن آدميات أهل الأرض، فشمسه لها أخوتها اللاتي يحسدونها أو ينتقمن منها لحبها آدمياً، وجلنار تحادث أخاها صالحاً في أمر زواج ابنها، وتستعرض ملكات البحر في سبيل اختيار عروس، وكذلك الملكة لأب التي تشمخ الآدميين، وتستطيع أن تصبح طائراً متى أرادت.

وأمّا جلنار فهي تنزل البحر، وتسير في قاعة كما تسير على الأرض، وتكلّم أهله وتغضب، وتنتصر كما تفعل على الأرض تماماً. أكثر من هذا أن أسلوب الكلام واحد وطريقة التفكير واحدة فالمحبوبة جارية والأم عاقلة والشريرة متجبرة مفحشة.

13- صورة الجنية الغولة

تظهر في حكاية واحدة من حكايات الليالي، فهي تظهر للإنسان في صورة جارية تبكي على رأس الطريق، فتتعرّض لابن الملك الذي يترفّق بها، ويحملها معه، وهي تدّعي أنها ابنة ملك الهند، وقد ضلت الطريق، فيرق لها قلبه، ويحملها معه وفي الطريق تطلب منه النزول لقضاء حاجة، وإذا بها تنقلب غولة، والقاصّ لا يذكر إلا مواصفات عامه لمنظر الغولة، وهي تقول لأولادها: وقد أتيتكم بغلام سمين، ولكن ابن الملك يحتال عليها بجميله الذي أسداه إليها، ويدعو الله أن ينجيه منها، وما أن تسمع دعاءه حتى تنصرف في الحال ولا تلحق به أيّ ضرر. وهذه الحكاية –كما قلنا- هي الوحيدة من نوعها في الليالي، وإن كان هناك حديث عن الغيلان آكلة لحوم البشر وبلاد الغيلان.

ولقد كثر حديث العرب عن الغول، وأنفقوا على أنّها أنثى في الأغلب، وبعضهم يزعم أنّ الله تعالى قد ملك الجن والشياطين والغيلان التّحول قي أيّ صورة شاءوا إلا الغول، فإنّها تتحوّل في جميع صور المرأة ولباسها إلا رجليها فلا بد أن تكونا رجلي حمار.

14- صورة الابنة

تظهر الابنة في ألف ليلة وليلة في صورتين أ_ صورة الابنة الشريرة:- يظهر شر الابنة في حكايتين لا ثالث لهما الأولى من الابنة التي تقع في حبّ أخيه، والثانية التي تعشق القرد. فالابنة تقع في حب أخيها، ويشتد حبّ أخيها لها، ويطير بها هياما، ويقع بينهما القبيح على الرّغم من أنّ أباها حذرها ونهاها عن تلك الأعمال وحجبها عن أخيه، إلا أنّها توافق على ارتكاب المنكر معه، وتهرب معه إلى مقبرة تحت الأرض. ولكنّ القوة الإلهية لا تتركهما، فيحرقهما الله فحماً أسوداً.

أما ابنة أحد السلاطين، فهي تهوى عبداً، وتعشق بعد ذلك قرداً، وحين يصمم والدها على قتلها تصطحب القرد، وترحل به، وهي في رحيلها لا تحتار إلا صحراء مصر المشهورة بالاتساع.صورة الابنة الطيبة: تبدو الابنة في أغلب الأحيان مثالاً للحياء والطاعة معتدّة بنفسها قويّة الشخصيّة، ولعلّ كل زوجة مطيعة كانت في الأصل ابنة فيها تلك الصفات، ويبدو ذلك في حكايات عديدة.

والابنة العذراء المطيعة تحمل كثيراً من الحياء، وهي مستعدّة لأن تساعد أيّ إنسان يحتاج مساعدتها، فهي تقف دائماً في جانب الحقّ، ولا تفعل إلاّ للآخرين، وقد يتمثّل هذا الخير في الانتقام من الظالم وعقابه من جنس عمله كأن تسحره مثلاً كما سحر هو غيره من المظلومين. فالقاصّ يقدّس العذراء ويرسم صورة رائعة. كما تبدو ابنة الملك معتدّة بنفسها، ولها رأيها الخاص في الزواج، ذلك الرأي الذي يحترمه أبوها، ويقدّره وفي أحيان كثيرة يكون هذا الرأي هو رفضها للزواج رفضاً باتاً لسبب أو لآخر. ولكن سرعان ما تقع الابنة في الحبّ وتستسلم له وتلقي سلاحها ناسيةً كلّ شروطها متحلّلة من عقدها، بل قد تساعد الفتاة الشاب في الوصول إليها، وتمكّنه من نفسها.

وقد يتمثّل خير الفتاة الذي يعدّه الأب شرّاً عليه، وعلى المملكة في تديّنها ومعرفتها للدين القويم كما يحدث مع ابنة أحد الملوك من بني إسرائيل، وأيضاً مريم الزنارية وزمرد وغيرهن.

15- صورة المرأة الساحرة

تتجلّى في قصّة (التاجر والعفريت) (45) القدرة العجيبة الخارقة التي تسخّر للشّر. ففي هذه القصّة تحوّل الجارية زوجها وابنه إلى حيوانات مرعى تمسخها انتقاماً. لكن تظلّ لهما خصائصهما البشرية من البكاء والعويل والكلام والاحتجاج. وبما أنّ السّحر لا يفكّه إلاّ سحر أقوى، فالعجوز تسلّط عليهما من السحر ما يعيد الابن إلى حالته العاديّة ويقع الانتقام بالتالي على الجارية، فتمسخ غزالة.

وكذلك الرجل الطيّب الذي يأكل أخواه حقّه، فتأتي المرأة الساحرة لتعوضه أضعاف ما خسر، وتمسخ له أخويه كلبين محكوماً عليهما بهذا السجن الخارج عن حدود عالم البشر مدى عشر سنوات. أمّا الزوجة الخائنة، فإنّها تمسخ بغله جزاء خيانتها واستهتارها بقيم الحياة الزوجيّة، وهي قيم خالدة في عالم الجن أو عالم الإنس.

وقد تمتزج الخيانة بالّحر، فتصنع المرأة للزوج منوّماً، وتخرج من فراشه كلّ ليلة ولا تعود إلاّ عند الفجر، وعندما يكتشف الزوج حقيقتها، تحوّله إلى كائن نصفه حجر ونصفه بشر، وتصبّ عليه العذاب، وهي قادرة على ذلك؛ لأنّها ساحرة شريرة.

16- صورة المرأة المترفة

الخالية من كلّ همّ ومسؤوليّة، ولا شغل لها سوى الغناء ومجالس الإنس والطرب، ففي إحدى القصص ثلاث نساء ومعهن (الدّلالة) التي تأتي بالزبائن، يمرحن وينطلقن ويتحرّشن بالرجال، فيمازحن صاحب الظرف والشّعر، ويسمعن منه، وينشدن له ويغنين. وعندما تنتهي ساعة الصفاء (يقلن له أرنا عرض كتفيك). ولا تلبث أن تشفع له واحدة منهن (اتركاه عندنا نضحك عليه فإنّه ظريف)، ولا يلبث الانشراح أن يعود أشد مما كان، ولا سيما بعد أن تفعل الخمر فعلها، وكأنّ زمام الأمور يجب أن تكون في أيديهنّ، فلا يقع شيء إلاّ بإرادتهن، فإذا هي الأقوى والمسيطر والذي بيده القيادة! وإذا بالرجل يسمع ويطيع وليس له مخالب ولا أنياب. وعن المرأة المترفة تتبع أمور كثيرة: الضجر والضيق وقتل الوقت بالحبّ وممارسته الصحيحة أو الخاطئة وتدبير المكائد والحيل. ومنها اللطيفة الخفيفة، أو لمد يد المساعدة لسبب أو بدون سبب لا شيء إلاّ لتزجيه الفراغ الذي أحدثه الترف، هذا الفراغ الذي هو الأصل (المولّد) لكلّ طاقات الحبّ. ومثال على ذلك الحبّ الحرام الذي نشأ في إحدى القصص بين الأخ وأخته. والذي هو عبث وما كانت نتيجته سوى السّخط واللعنة والموت حرقاً.

17- صورة المرأة المنتقمة

ما أكثر الانتقام في الأقاصيص، وما أسهل سبله حيناً وأصعبها أحياناً! والسّحر يساعد المرأة على تنفيذ خططها الانتقاميّة. هذه المرأة لا يغلبها إلاّ الذكاء؛ لأنّ العشق إذ يطغى عليها تعود تتبيّن الحقائق، والانتقام مقترن بالغيرة إلى جانب السّحر، ففي قصّة (التاجر والعفريت) (46) تبدو المرأة قد ذبحت ضرّتها انتقاماً. والفتاة الساحرة في هذه القصّة بالذات ليس لها غاية في المال، وإنّما في الانتقام.

وقد يبدو الانتقام لسبب تافه، فالمرأة التي لقيت الأهوال في الهروب من قصر الخليفة حتى عثرت على من يحبه فؤادها، وعرّضت نفسها للأخطار تضيّع كلّ هذا، فتنتقم من حبيبها لا لشيء إلاّ من أجل عادة سيئة، وهي عدم غسل الأيدي قبل أكل (الرزباجة) وهو نوع من الطعام يستوجب تناوله على ما يبدو نظافة كاملة.

وفي قصّة (مزيّن بغداد) (47) تبدو المرأة ذات كيد وحيلة، فتعذّب الرجل بعد أن تغريه بجمالها، فتعرضه للمهانة والذّل، وينخدع بها مرة بعد مرّة، فإذا هي تستدرجه إلى بيتها، ثمّ يأتي زوجها، ويقبض عليه، ويأخذه إلى صاحب الشرطة يطوف به في الشوارع، ويضرب بالسياط ويشهّر به. وفي قصّة (الجوهري) أيضاً تحتال المرأة بأحذق أسلوب حتى تأخذ منه جواهر وأموالاً ثمّ تتزوجه ولا تلبث أن تترك. لماذا؟ لسبب بسيط، هو أنّه خالف أوامرها وذهب إلى القصر، بينما هي في الحمّام، وقابل الملكة وفي غيابها وأنشدها الشعر، فإذا هي تأمر به، فينقطع عنقه.

18- صورة المرأة المتصوّفة

وذكرها قليل جدّاً، وهذا غريب في عصور كانت فيه سير النساء المتصوفات تملأ الكتب بما يشبه الأساطير، حتى حياة (رابعة العدويّة) انتقلت من حيّز الواقع الزهدي إلى حيّز الأسطورة والقداسة.

أمّا إذا اعتبرنا الفناء في الحبّ حتى الموت والحبّ بعد الموت أو الاستشهاد في سبيل العشق من المفاهيم الصوفيّة. ففي ألف ليلة وليلة نماذج رائعة من المرأة التي تحبّ بشفافيّة صوفيّة، ولا تريد من حبيبها سوى مجرد الحبّ، وهي تلقى العذاب حلواً، وحتى الموت، مقبولاً في سبيل من تحبّ. وتبدو المرأة من أجل إيمانها (وهنا الإيمان بالإسلام عوضاً عن المجوسيّة) تهجر الثروة والمجدّ، وتكون جارية عند الرجل المؤمن بعد أن كانت سيّدة في قومها.

وقد يكون دعاء المتصوّفة الصادق الحار هو الذي يحلّ المشكلة: ففي قصّة (بدور ابنة الجوهري) مع أمير بني شيبان تقول (بدور): "إلهي وسيدي ومولاي، كما ابتليتني بمحبته أن تبتليه بمحبتي، وأن تنقل المحبّة". إنّها معجزة الإيمان تنتقل إلى عالم الحبّ في ألف ليلة وليلة. فسبحان الله.

19- صورة المرأة ذات الكبرياء

تطرح ألف ليلة وليلة مقولة للأيمان في الحبّ، وهي أنّه حتى يمكن من قلب العاشق، فأمر الكبرياء ليس له مكان نزعة المرأة إلى أن تكون محتفظة بكبرياء الأنوثة تطل بين حين وآخر، وهي عاشقة فترى أنّها تحتمل ألم الحبّ وعذاباته، لكن لا تحتمل الإهانة، وقد يدفعها هذا إلى الانتقام، وهي لا تزال ضمن دائرة الحبّ.

وهذه بنت النعمان نموذج طريف للمرأة التي تطعن بكرامتها لمجرد الزواج بمن لا تحب؛ لأنّه أجبرها بنفوذه على الزواج منها (وهو الحجاج)، فقد ابتعث طريقة أخرى وهي أن أوصلت خبرها للخليفة، فجاء يخطبها فاشترطت أن يقود الحجاج هودجها بعد أن طلّقها ثمّ رمت بدينار إلى الأرض وقالت لا درهم قالت: عبارتها المشهورة (سبحان من بدّل الدرهم بدينار).

20- صورة المرأة العابثة اللاهية

ونماذج كثيرة في الكتاب وأساليبها أكثر، تبدأ من الممازحة والظرف والإنس حتى المخاطرة الجريئة التي لا تحمد عواقبها، ففي قصّة (الخيّاط والأحدب) (48) نرى أنّ زوجة الخيّاط تتسلّى بالأحدب. تؤاكله وتمازحه وتزيل عنه الهمّ والأحزان إلى أن ألقمته مرّة قطعة سمك كبيرة وسدّت فمه بكفّها تريد أن يأكل القطعة دفعة واحدة دون مضغ. ولما كان فيها شوكة ولم يقو على ابتلاعها اختنق، فهل هذا –ولو خيّاليّاً- مزاح؟ إنّه إفساد لطبيعة المرأة بما فيها من رقّة وحنان، لكن الأقاصيص تريد أن تثبت فكرة عبث المرأة ولهوها بشكل متطرّف يبدو معه أحياناً فجّاً وغير مسؤولاً. وقد تخرج المرأة اللاهية إلى السوق بأبهى حلّة وزينة تشتري، وتشتهي وتنقّي رجلاً يعجبها وتدعوه إلى بيتها، ويكون الخمر والإنس والطرب، وهي كما تعترف (مالها بالقماش حاجة) وإنّما من أجل أن تتلهّى وتتسلّى.

21- صورة المرأة الفلاّحة

هذه الصورة من الصور النادرة في الليالي، وذكرها أيضاً قليل نظراً لانغلاق المجتمع وبنية الأنظمة على توالي العصور، وتبعيّة المرأة للرجل وبروز عنصر المرأة الجارية وإن لم تكن جارية فهي المرأة الظل أو المرأة الهامش، ومع ذلك فإنّه ورد ذكرها (كما في قصّة كسرى وبنت صاحب الضيعة) فهي المرأة الذكيّة التي تملك خبرة عملية في الحياة. (عصرت قصب السكر بكوب، وذرّت عليه بعض التراب ثم قدّمته لكسرى الذي يمرّ بضيعتهم عطشاً لأنّها أدركت أنّه شديد الظمأ، وتخشى أن يشرب ما في الكوب مرة واحدة فيلحق به الضرر في الوقت الذي لا تريد له إلاّ الخير). ولمّا عاد مرّة بعد عام بعد أن ضاعف الخراج على الضيعة وأصبحت ثلاثة أعواد من القصب لا تكفي لعصر كوب واحد، وقالت: "نية السلطان تغيّرت نحونا، فقلّت البركة لذلك عندنا".

بعض الجوانب الخارجيّة أو الشكليّة الخاصّة بالمرأة في الليالي

وقاص الليالي يهتم –بلا أدنى شك- بالجوانب الخارجيّة لبطله وبطلته، فيدلّ القارئ أو المستمع على أشياء بعينها قصد إليها وعمد في الإبانة عنها، والقاص في الليالي أيضاً لم يغفل ذلك فما يبدأ ذكر شخصيّة من شخصيّاته حتى يعطينا صورة عن مظهرها الخارجي، ويعرض صفحات كثيراً ما تكون حسّية ملموسة يقدّم لنا بها بطله فهو يغفل أنّه بالشكل والموضوع تكتمل الصورة وبها، ترتسم صورة في ذهن القارئ أو المستمع عن أبطال الحكاية التي يقرؤها أو يسمعها. ومن أمثلة هذه الجوانب الشكليّة الخارجيّة في المرأة:

أولاً: وصف المرأة

الصبيّة: أغلب حبيبات الليالي جميلات حسناوات فما أن يتعرض القاص لذكر إحداهن حتى يسارع بقوله: أنّها صبيّة رشيقة القد قاعدة النّهد ذات حسن وجمال وقد اعتدال وجبين مغرة الهلال وعيون الغزلان وحواجب كهلال رمضان وحدود مثل شقائق النعمان وفم كخاتم سليمان ووجه كالبدر في الإحراق ونهدين كرمانتين باتفاق وبطن مطوي تحت الثياب.

وإذا كان القاص في الليالي يعمد إلى تصميم شكلاً معيّناً لوصف المرأة، فهو نفسه يأتي بقصّة هؤلاء الجواري المختلفات الألوان، ويصفهنّ بالحسن والجمال لدرجة أنّه يصعب التمييز بينهن أو تفضيل إحداهن على الأخرى، ويقيم بينهن مشادّة فيها تحاول كلّ واحدة أن تثني على نفسها وتذم صاحبتها، ويبدو أنّ كلّ واحدة تثق بجمالها، فتروح تدافع عنه، أمثال تلك المشادّات كانت تكثر بين البيض والسّمر في حضرة الخليفة أو الأمير، حيث يدور الجدل العنيف بين الجنس اللطيف، ويكون للمستمع أن يرى إحداهن تكشف عن عيوب الأخرى، وتعرض ميزاتها.

وكما يبدو فكلّ صبيّة في الليالي جميلة، وليس فيهن من هي متوسطة الجمال أو القبيحة المنظر إلاّ إذا كانت عجوزاً.

وصف العجوز: القاص لديه أيضاً نموذجان لا ثالث لهم في وصفه للمرأة فهي إمّا صبيّة يصفها بجمايل الصفات، وهذه الصفات لا تخرج عن القالب السابق أو عجوز فيصفها بصفات مخيفة: فم أبخر، وجفن أحمر، وخد أصفر بوجه أعبش وطرف أعمش، وجسم أجرب، وشعراً أشهب، وظهر أحدب، ولون مائل. وهو بعد ذلك لا يكثر من ذكر هذا الوصف بل لا يذكرها إلاّ في هذين الموضوعين، ويكتفي بعد ذلك بأن يقول عجوز أو عجوز النحس، وكأنّ صورة تلك العجوز ارتسمت في ذهن القارئ، فمجرد أن تقع عينه على كلمة (عجوز) أو يسمع ذكرها ليتخيّل ذهنه صورتها البشعة.

ثانياً: الملبس

وهو من مكملات زينة المرأة، ودليل في الليالي على مكانتها، وبه يقاس مستوى من ترتديه بل إنّه من ملبسها يقدّر ثمنها إذا كانت جارية تباع وتشترى، وملابس الملكة تختلف عن المرأة العادية، وإن كان القاصّ يعلي من شأن الصبية العاديّة، فيصف ملبسها بأنّه مثل غيرها من الملكات، فالملكة تلبس حلّة مزركشة باللؤلؤ الرّطب وعلى رأسها تاج مكلّل بأنواع الجواهر وفي عنقها قلائد وعقود. ويبدو أنّ الزّنار من الأشياء التي كانت تميّز غير المسلمات والروميات، منهن بالذات ويبدو بأنّهن قد شهرن به فما أن يذكر القاصّ رومية حتى يصفها بأنّها تضع الزنار حول خصرها حتى أنّ ليسمي واحدة من بطلاته (مريم الزناريّة)، ويقول إنّها تجيد صناعة الزنانير، وقد انتشر ذلك الزنار في العصر العباسيّ.

والتاجر الذي يرغب في الحصول على ثمن باهظ في جادّته الجميلة فهو يلبس أفخم الملابس لإظهار مفاتنها بتلك الحلي والجواهر الثمينة، بل إنّ المرأة العربية نفسها تكثر مكن التحلّي بهذه الجواهر. والصبية تلتف بإزار موصلي من حرير مزركش بالذهب وحاشيته من قصب فرفعت قناعها فبان من تحته عيون سوداء. فهو لا يزال يذكر القناع الذي تخفي به الصبية جمالها، فقد كانت المرأة مقنّعة محجبة لفترة قريبة، وهي لا تتورّع عن كشف وجهها ليراها الرجل، ويقدّر جمالها، ويقع في هواها وقد تكون هذه النظرة أول الطريق في علاقة مشينة.

والقاصّ يكتفي في كثير من الأحيان بقوله: إنّ الحلل مزركشة أو أنّها زرقاء أو خضراء، ولا يذكر ألواناً أخرى غير أن يقول مخططه، ويكثر من ذكر الذهب والفضة والثياب المقصّبة والجوهر والدرّ، وكأنّ زينة المرأة لا تكتمل إلاّ بهذه الجواهر الثمينة ولا يظهر مستواها إلاّ هذه الدّرر.

فالصورة حسيّة في وصفه لجمال المرأة بل إنّها تتكرر بنفس الألفاظ، وكذلك بالنسبة لملابسها وألوانها التي ترتديها لكن شيئاً واحداً يظل ثابتاً هو الصورة الماديّة لهذه المحبوبة، واحدة في الجسم والملبس بل ألواناً بعينها ترتديها، وهي الأخضر كثيراً والأزرق قليلاً، وهي إذا افتقرت تلبس ثوباً من الشّعر حيث لا تجد ما يستر جسدها.

ثالثاً: الأطعمة والمشروبات

المرأة في الليالي تقدّم في بيتها أو قصرها ألواناً كثيرة من الأطعمة تجيد عملها ونراها إذا خرجت للشراء تشتري الزيتون والفواكه والسفرجل واللحم، وهي كثيراً ما تخرج لشراء القماش سواء لها أم لسيدتها فتطلب أجود الأنواع، وتسميها تفصيلة، وهي تشتري بأثمان باهظة وقد لا تدفع الثمن وتطلب من التاجر أن يرسل معها من يقبض الثمن.

أ‌- الأطعمة

المرأة تقدّم أنواعاً طيّبة من الأطعمة لضيفها، فتعدّ سفرة لهذا الضيف الذي غالباً ما يكون عشيقها، وهذه السفرة مكونة من أفخم الألوان من محمّر ومرق ودجاج محشوة وكذلك الحلويات والفاكهة والرياحين.

والمرأة الفقيرة الحال حينما يعرض عليها أن تطلب الطعام الذي ترغب فيه تكتفي بقولها (عيشاً وجبناً)، فالمرأة المحرومة تكتفي بالعيش والجبن كأيّ فلاح مصري فقير يحمل هذا الطعام إلى حقله، ويأكله في بيته في أغلب الأحيان.

ب‌- المشروبات

غالباً ما يكون الخمر المشروب المفضّل والأساس الذي يكتمل به الاجتماع وتعمّ الفرحة، وفي مواضع كثيرة يذكر القاصّ منافع الخمر وقيمتها.

فالقاصّ الذي يغلب أن يكون مسلماً يذكره المنافع للخمر، ولعلّ العرب قد ذكروا منافعها وأكثروا من مدحها، ومن ذلك أواني الخمر مثل القاصّ والقدح والكأس.

ومجالس الشراب في الليالي هي مجالس الغناء فلا يخلو مجلس غناء من شراب خمر صوت وضرب على الآلات، والقاصّ يروق له وصف هذه المجالس وما يدور فيها من شرب الخمر. ومن المشروبات التي ذكرها القاصّ في الليالي القهوة والبوظة. (49)

العادات الاجتماعية التي تخصّ المرأة في ألف ليلة وليلة

أولاّ: الخطبة

الخطبة تتم بين الآباء لا سيما الأخوة منهم فيما يخصّ الأبناء، فنور الدين مثلاّ يتحدث مع أخيه شمس الدين بخصوص زواج أبنائهم حتى قبل أن ينجب وبمعنى أدق قبل أن يتزوج، وإن لم يكونوا أبناء عم كأن يخطب ملك مثلا فتاة فهو يسمع عنها، وعن جمالها وأنّها ابنة الملك الفلاني، ويبعث بوزيره أو يذهب لخطبتها وإن مات أحد الطرفين، فالزواج بين الأبناء قد يتمّ وقد لا يتمّ، وقليلا بل النادر ما تستشار الفتاة في الأمر، وقد ترفض الزواج؛ لأنّها لا ترغب وقد توافق ويتم زواجه، ولو لم تر هذا الذي خطبها وترك ديار أبيها راحلة إلى حيث يعيش زوجها . ولا يفوتنا أن شهرزاد كان لها رأي في الزواج، وطلبت من والدها أن يزوجها الملك شهريار بالذات، وإذا كانت التي ستتزوج جارية، فالبطل يشتريها، وقد يصرح بإطلاق سراحها، وقد لا يبوح بذلك، ثم يعقد قرانه عليها وكأنّ العقد نفسه عتق لها.

ثانيا:المهر

لا يفوت القاصّ في الليالي أن يذكر المهور والاختلاف عليه، الذي قد يؤدي كثيراً إلى تعطيل الزيجات. والمهور في الليالي قد تكون نعماً وهذا قليل وقد تكون مبلغاً من المال وهذا هو الغالب والمال يدفعه العامة من الناس، لكنّ الملوك يحملون الهدايا الثمينة والتحف الغالية القدر والجواري والعبيد، وبالنسبة لزواج الرجل من جارية فمهرها ثمنها الذي يدفعه عند الشراء. ولعلّ ذلك من بقايا زواج الشراء الذي كان أكثر الطرق انتشاراً بين الأمم والشعوب القديمة لحصول الرجل على زوجة له.

ثالثا: الزواج

بعد أن تتم الخطبة لا يكون على والد العروس إلاّ أن يتم الزواج، فيقيم في داره أو قصره حفل الزواج، وهو الذي يجهز العروس، ويكون جهازها من أفخر موجودات عصره. والقاصّ يطلق العنان لخياله في وصف هذا الجهاز والمركب، ولا يقتصر على ذلك فلا بد أن تقام الأفراح، وتمدّ الأطعمة المختلفة الألوان وتقام الملاعب المختلفة، ويستمر ذلك أربعين يوماً يكون فيها محط الأنظار.

والشّعب مأمور أن يخرج كلّه لملاقاة عروس الملك، ومأمور أيضاً أن يكون في أحسن البهجات، وكأنّ الشعب ليس له إلاّ أن ينفّذ مثل هذه الأوامر، ولا يرفض للملك أمراً حتى لو لم يكن يرغب في ذلك.

رابعاً: الأبناء

بعد أن تزف العروس إلى زوجها، ويلتقي بها لأول مرّة لا بدّ أن تعلق منه في الليلة الأولى إذا كانت ولوداً، وعادةً ما يحلم الملك بولد يرثه ويرث عرشه. والمرأة بعد أن يتمّ حملها تنجب بمساعدة مولّدة لها وهم ينتظرون قدوم الطفل في لهفة ولا سيما الأب الذي يتمنّاه ولداً، والأبناء كثيراً ما يسمون بأسماء ذات معانٍ حسب مولدهم وظروف ولادتهم، فست الحسن التي تنجب ابنها بطريقة عجيبة تسميه (عجيب) وابنه شركان الغير شرعية من أخته، يسمونها (قضى فكان) وهكذا تعدّد الأسماء رامزة لظروف إنجاب الطفل. ولعلّ امرأة الليالي كانت تعرف حدوداً للخلفة، فهي لا تنجب إلاّ واحداً أو بنتاً ولذا وإن زاد فثلاثة، ولا زيادة على ذلك. فهل كانت المرأة على هذا المستوى أم أنّ هذا هو ما يتطلّع إليه القاصّ الذي كثيراً ما يطرح علينا بطريق غير مباشرة اقتراحات طريفة تنمّ عن فطنته.

خامساً: الضراير

المرأة تعيش مع ضرّتها، ويكثر ذلك من أمثال بدور وحياة النفوس وزبيدة العدوية، وكثيراً ما لا يدب الخلاف بينهما بل أنّ المرأة تشير على زوجها أن يتزوج من تلك التي حفظت سرّه وصانته في أزمته، وإن كانت الصورة الغالبة في الحياة هي اختلاف الضراير وقيام المشاجرات بينهن، والقاصّ قد يتطلّع دائماً لحياة أفضل، ويودّ أن يوفّق النقيضين ولو حتى في الليالي والقصص وليس في الواقع. (50)

الهوامش:

(1) ألفة الأدلبي: نظرة في أدبنا الشعبي ألف ليلة وليلة وسيرة الملك سيف بن ذي يزن، ط1، منشورات اتحاد الكتّاب العربي، 1974، دمشق، ص49.

(2) المرجع نفسه: ص49.

(3) فاروق سعد: من وحي ألف ليلة وليلة، ط1، ج1، المكتبة الأهلية: بيروت، 1962، ص43-44.

(4) المرجع نفسه: ص44.

(5) ألف ليلة وليلة، ج1، مرجع سابق، ص8-9.

(6) أحمد محمد الشحّاذ: الملامح السياسية في حكايات ألف ليلة وليلة، ط1، منشورات وزارة الإعلام، بغداد 1977، ص200.

(7) عالي سرحان القرشي: نص المرأة، مرجع سابق، ص32.

(8) أحمد محمد الشحّاذ: الملامح السياسية في ألف ليلة وليلة، مرجع سابق، ص207.

(9) ألف ليلة وليلة، ج3، مرجع سابق، ص409-432.

(10) مهدي النجّار: التراث الشعبي والحقبة الكسولة في ألف ليلة وليلة، مجلة دراسات عربية، عدد6، نيسان 1981، دار الطليعة، بيروت، ص124.

(11) محسن جاسم الموسوعي: الحارق في ألف ليلة وليلة، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 38، آذار 1986، مركز الإنماء القومي، بيروت، ص30.

(12) ألف ليلة وليلة، ج2، مرجع سابق، ص100.

(13) المرجع نفسه، ج3، ص188.

(14) المرجع نفسه: ص288.

(15) علي الراعي: محتالون ولكن شرفاء، العربي، 266، يناير 1981، ص42-44.

(16) سهير القلعاوي: ألف ليلة وليلة، ط1، دار المعارف، القاهرة، 1966، ص311.

(17) ألف ليلة وليلة، ج3، مرجع سابق، ص 204.

(18) هيام علي حمّاد: المرأة في ألف ليلة وليلة، لا وجود للطبعة أو سنتها، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، ص73.

(19) عبده جبر: النواحي الجمالية في ألف ليلة وليلة، مجلة الكويت، العدد 11، 1981، ص102.

(20)ألف ليلة وليلة، ج1، مرجع سابق، ص7-8.

(21) ألف ليلة وليلة، ج12، مرجع سابق، ص6.

(22) المرجع نفسه: ص9.

(23) قمر كيلاني: المرأة في ألف ليلة وليلة، مجلة الكويت، العدد 7، ابريل 1981.

(24) المرجع نفسه: ص90.

(25) فيكه فالثر: صورة المرأة في ألف ليلة وليلة، مجلة تاريخ العرب والعالم، العدد51، كانون الثاني، 1983، ص59.

(26) المرجع نفسه: ص409.

(27) المرجع نفسه: ص137.

(28) المرجع نفسه: ص108.

(29) ألف ليلة وليلة، ج1، مرجع سابق، ص214.

(30) المرجع نفسه: ص288.

(31) أنظر: عبد الغني الملاح: رحلة في ألف ليلة وليلة، ط1، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1981، بتصرّف، ص47.

(32) ألف ليلة وليلة، ج3، مرجع سابق، ص188.

(33) فريد ويش فون دير لاين: الحكاية الخرافية، ترجمة نبيلة إبراهيم، ط1، دار العلم، بيروت، 1973، ص216.

(34) ألف ليلة وليلة، ج4، مرجع سابق، ص324.

(35) المرجع نفسه: ص214.

(36) قمر الكيلاني: المرأة في ألاف ليلة وليلة، مرجع سابق، ص91.

(37) ألف ليلة وليلة، ج2، مرجع سابق، ص100.

(38) المرجع نفسه، ج3، 409.

(39) المرجع نفسه، ج3، ص243.

(40) المرجع نفسه، ج2، ص407.

(41) المرجع نفسه، ج2، ص409.

(42) المرجع نفسه، ج4، ص108.

(43) المرجع نفسه، ج3، ص188.

(44) المرجع نفسه، ج3، ص335.

(45) المرجع نفسه، ج1، ص12.

(46) المرجع نفسه، ج1، ص12.

(47) المرجع نفسه، ج1، ص137.

(48) المرجع نفسه، ج1، ص114.

(49) البوظة: هي خمر الشعير في الغالب، يعرفها أهل السودان أيضاً.

(50) هيام علي حمّاد: المرأة في ألف ليلة وليلة، مرجع سابق، ص3321.

المصادر والمراجع

المصادر

1. ألف ليلة وليلة، ط5، دار مكتبة التربية، بيروت، 1987.

المراجع

1. أحمد محمد الشحّاذ، الملامح السياسية في ألف ليلة وليلة، ط1، منشورات وزارة الإعلام، بغداد، 1977.

2. ألفه الأدلبي، نظرة في أدبنا الشعبي ألف ليلة وليلة وسيرة الملك سيف بن ذي يزن، ط1، منشورات اتحاد الكتّاب العربي، دمشق، 1974.

3. خليل أحمد خليل، مضمون الأسطورة في الفكر العربي، ط2، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1980.
4. سهير القلماوي، ألف ليلة وليلة، ط1، دار المعارف بمصر، 1966.

5. شفيق معلوف، حبّات زمرد الأدب العربي الحديث حكايات ألف ليلة وليلة، لا وجود للطبعة أو للسنة والنشر، القاهرة.

6. عالي سرحان القرشي، نص المرأة.

7. عبد الغني الملاّح، رحلة في ألف ليلة وليلة، ط1، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1981.

8. فاروق سعد، من وحي ألف ليلة وليلة، ط1، ج1، المكتبة الأهلية، بيروت، 1962.

9. فريد ويش فون دير لاين، الحكاية الخرافية، ترجمة نبيلة إبراهيم، ط1، دار العلم، بيروت، 1973.

10. قيس النّوري، الأساطير وعلم الأجناس، ط1، منشورات جامعة بغداد، 1980.

11. محمد عبد الرحمن، الجنس والسلطة في ألف ليلة وليلة، ط1، الانتشار العربي، بيروت، 1998.
12. هيام علي حمّاد، المرأة في ألاف ليلة وليلة، لا وجود للطبعة أو سنتها، مكتبة دار نهضة الشرق، جامعة القاهرة.
المجلات:
1. عبده جبر، النواحي الجمالية في ألاف ليلة وليلة، مجلة الكويت، العدد11، 1981.
2. فبيكه فالثر، صورة المرأة في ألاف ليلة وليلة، مجلة تاريخ العرب والعالم، العدد 51، كانون الثاني، 1983.
3. قمر كيلاني، المرأة في ألف ليلة وليلة، عدد7، ابريل، 1981.
4. محسن جاسم الموسوعي، الخارق في ألف ليلة وليلة، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 38، آذار 1986، بيروت مركز الإنماء القومي.
5. مهدي النجّار، التراث الشعبي والحقبة الكسولة في ألف ليلة وليلة، مجلة دراسات عربية، العدد 6، نيسان 1981، بيروت، دار الطليعة.










رد مع اقتباس
قديم 2013-04-04, 20:02   رقم المشاركة : 284
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المرأة البطل الرئيسي في ألف ليلة وليلة المصدر: مجلة نصف الدنيا


- اسم الكتاب: ألف ليلة وليلة
- اسم المؤلف: سهير القلماوي
- تقديم: د. طه حسين
- الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة
لقد أكدت الدراسة أن ألف ليلة وليلة اكتملت في مصر بعد أن تشبعت بالحياة المصرية والشخصية المصرية ولغة الحياة الشعبية المصرية. حكايات ألف ليلة وليلة حيث عالم السحر والعجائب والرحلات في أعماق البحار والكهوف. ليالي هارون الرشيد. الحرملك وحكايات الحريم ومؤامرات الجواري، كان هذا كله البوابة السحرية التي حاول الغرب التسلل منها للتعرف عن كثب عن هذا الشرق الساحر حتي كتب الأطفال استقت حكاياتها من عالم الليالي كعلاء الدين ومصباحه السحري وعلي بابا والسندباد البحري حتي أصبحت تلك القصص جزءا من ثقافة الأطفال في أوروبا. واستهوي عالم الرحلات في روايات الف ليلة وليلة الكتاب الغربيين وسرحوا بخيالهم في آفاقه حتي كان من أبرز كتب الأدب الإنجليزي ذيوعا رحلات جاليفرز وروبنسون كروزو.
وقد صدر كم هائل من الدراسات الاستشراقية عن عالم الليالي. بل لقد طبعت الليالي أكثر من ثلاثين مرة في إنجلترا وفرنسا في القرن الثامن عشر وحده ونشرت نحو ثلاثمئة مرة في لغات أوروبا الغربية وكذلك في عالم الشرق. إلا أن الدراسة المبكرة والمتميزة في هذا الصدد كانت من نصيب الدكتورة سهير القلماوي.
ولا شك أن كاتبة وأديبة بحجم سهير القلماوي قد بذلت جهدا متميزا في دراسة وتحليل حكايات ألف ليلة وليلة الشهيرة وهو ما أكده الدكتور طه حسين في تقديمه للكتاب فقد سافرت الدكتورة سهير القلماوي إلي فرنسا وإنجلترا واستفادت من الأساتذة المستشرقين بها حتي أتمت دراستها التي نالت عنها الدكتوراة من كلية الآداب خصوصا أن دراستها من الدراسات المبكرة عن الليالي وقد فاجأتنا سهير القلماوي بتأكيدها في هذه الدراسة أن ألف ليلة وليلة اكتملت في مصر بعد أن تشبعت بالحياة المصرية والشخصية المصرية ولغة الحياة الشعبية المصرية.
ولعل من الحقائق التي تلفت النظر إليها في الكتاب أن المرأة هي البطل الرئيسي في الليالي علي اختلاف صورها عبر العصور والبيئات حيث إن كتاب ألف ليلة وليلة لا تجمعه وحدة المؤلف ولا العصر.
وكما أشارت سهير القلماوي فإن صورة المرأة في الليالي كلها ترجع إلي نوعين: نوع استقاه القاص من حياته القريبة، وهي حياة الطبقة الوسطي من تجار مصر خصوصا في العهد الإسلامي وتجار البلاد التي خضعت إلي سلطان الدولة الإسلامية عامة ونوع استمده القاص من الخيال ففي الليالي صور كثيرة عن ملكات وجنيات محاربات ونساء من سكان عالم البحار وسيدات ينتمين إلي طبقة العلماء. والليالي صورت نماذج من المرأة ولكنها لم تصور نساء بعينهن: فقد صورت الجارية والعالمة والعجوز الماكرة.
ولعل أكبر دور قامت به المرأة في الليالي هو دور المرأة العاشقة والصورة العامة لهذا الدور هي لقاء وحب من أول نظرة ثم فراق فلقاء يتخللها تعرض الحبيبين للكثير من الأهوال. يلي دور الحب مباشرة دور الكيد وكيد النساء مختلف الصور ففي قصة الوزراء السبعة تزعم جارية الملك أن ابن الملك راودها عن نفسها. وتدور مناظرات بينها وبين وزراء الملك السبعة حول كيد الرجال وكيد النسا وأيهما أكثر كيده. هوأكثر ما تكيده المرأة في الليالي يكون للوصول إلي حبيبها والتخلص من زوجها. بل إن هناك قصصا تدور كلها حول هذا الموضوع كقصة مسرور التاجر وزين المواصف وقصة قمر الزمان ومعشوقته وفي قصة مريم الزنارية نجد امرأة نصرانية تسلم لتصل إلي حبيبها حتي أن ملك الرومان لا يستطيع استخلاص ابنته حتي من الرشيد نفسه الذي اضطر إلي حماية من أسلمت ولكن هذا لا يمنع من أن المرأة قد تكيد لمجرد الكيد.
وتمدنا قصة عمر النعمان بدورين آخرين مهمين للمرأة في الليالي الأول هو المرأة المحاربة والثاني المرأة العالمة وقد استمدهما القاص من خياله فالمحاربات إن كن آدميات فهن نصاري يسلمن أو يلدن مسلما، وإن كن جنيات فهن إما من جنيات الجن المؤمنات وإما بعيدات جدا عن الحياة الدنيا علي نحو ما نجده في جزيرة الواق واق في قصة حسن البصري.
وأما المرأة العالمة فقد استمد القاص الكثير من معالمها من الأدب العربي، فهناك قصة الملك الذي تزوج امرأة لأنها أحسنت الجواب الذي يدل علي حكمتها. كما تزوج الرشيد بكثيرات ممن رددن ردا حكيما أو أكملن بيتا ناقصا أو أنشدن أبيات شعر أعجبته.
وفي كل الأحوال ظهرت المرأة في كل قصة من قصص الليالي وهي تلعب دورها وتكون عنصرا مهما إن لم يكن الأهم في تسيير دفة الحوادث.










رد مع اقتباس
قديم 2013-04-04, 20:09   رقم المشاركة : 285
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

كذلك كتاب المراة واللغة للناقد عبد الله الغذامي

فيه دراسة حول قصص الف ليلة وليلة

الكتاب مهم جدا

https://www.goodreads.com/book/show/5976121










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
*«•¨*•.¸¸.»منتدى, اللغة, العربية, «•¨*•.¸¸.»*, طلبة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:00

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc