شقيق شعباني يرد على مذكرات الرئيس الراحل
الحقائق التي غابت عن الشاذلي
بن بلة وبومدين قاما بتصفية العقيد شعباني
مواصلة للنقاش الذي أثارته مذكرات الرئيس الشاذلي بن جديد من جدل ونقاش، حول قضايا تاريخية مختلفة، مازال يلفّ بعضها الغموض، على غرار قضية إعدام العقيد محمد شعباني، تنشر جريدة ''الخبر''، اليوم، وجهة نظر شقيق العقيد شعباني في شهادة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد حول هذه القضية.
عُرف العقيد شعباني بمعارضته المبدئية والمطلقة لإدماج الضباط الفارين من الجيش الفرنسي ((DAF في مناصب حساسة ومؤثرة في صنع القرار داخل الجيش، والذي كان يندرج ضمن مخطط الجنرال ديغول المعروف
( La 3 eme force) والذي أعلن عنه في الاجتماع الذي خص به البشاغاوات و''الفياد''، في قصر الإليزي بتاريخ 13/05/1958، حيث أعلن أن فرنسا ستخرج من الجزائر، وعليه فإنه يتعين عليهم تحضير أنفسهم وأبنائهم من أجل الدور الجديد، وذلك بالتسرب والانضمام إلى الثورة بهدف اختراقها.
أعلن العقيد شعباني موقفه المعارض أمام المؤتمر الرابع لجبهة التحرير الوطني، حيث طالب بتطهير الجيش من العناصر المندسة والمشبوهة، ما أثار غضب وزير الدفاع ونائب الرئيس، هواري بومدين الذي تناول الكلمة مباشرة دون إذن، معقبا على تدخل العقيد شعباني بقوله: ''من هو الطاهر بن الطاهر الذي يريد التطهير''. وانتهى المؤتمر إلى القطيعة التامة بين العقيد شعباني ووزير الدفاع بومدين الذي لم يتأخر في اتخاذ العديد من الإجراءات الكفيلة بإحكام سيطرته على الجيش، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم دون تنحية العقيد شعباني، خاصة بعد فشل كل المحاولات الرامية إلى احتوائه، كان أهم هذه الإجراءات إعادة هيكلة النواحي العسكرية، حيث تم تغيير مقر الناحية الرابعة التي كانت تحت قيادة العقيد شعباني من بسكرة إلى ورفلة وعيّن على رأسها الرائد عمار ملاح، وهي الإجراءات التي رفضها العقيد شعباني جملة وتفصيلا، لتنطلق حملة التشويه والتضليل التي دشنها الرئيس بن بلة بتاريخ 01 جويلية 1964 في تصريح لجريدة '' LE PEUPLE''، حيث وصف العقيد شعباني بالرجعي الإقطاعي الذي يريد أن يلعب دور الباشاغا، بن فانة. وفي يوم 02/07/46 أعلن عن صدور ثلاثة مراسيم رئاسية تقضي بعزل العقيد شعباني من المكتب السياسي، ونزع رتبته العسكرية، وعزله من قيادة الأركان وذلك باقتراح من بومدين وبناء على تقرير منه.
وقد ساهم بعض أشباه التروتسكيين في النسخة القديمة، والديمقراطيين في النسخة الجديدة المعدلة من أمثال محمد حربي (أب المليشيا الشعبية) وحسين زهوان والمصري لطف الله، في تحريك الدعاية الإعلامية لمدة تجاوزت الشهر، حيث كتب محمد حربي في مجلة ''الثورة الإفريقية'' العدد 15 الصادر بتاريخ 04/04/1964: ''إن طريق الخلاص أو الإنقاذ لكل الثورات، يأتي عن طريق نزع إرادة العدو وإجباره بالقوة على قبول الوضع الاجتماعي الجديد.. استعمال العنف ضد المعارضة هو أداة من أدوات الثورة.. دون استخدام العنف لا يمكن لأي ثورة أن تحقق النجاح''.. ثم وصف العقيد بالقنصل الروماني.. قبل أن ينهي مقاله بتوصية مفادها ''علينا أن نكسر بالقوة (قوة الحديد والنار) كل محاولات الرجعية وأعوانها المقنعين الظاهرين والمستترين'' والكلام لمحمد حربي الديمقراطي!!! أما مقاله المؤرخ في 11/07/1964 والذي عنونه '' L'audace est payante ''، فكان عبارة عن تهجم على شعباني ومجموعته ووصفه بالخائن وملك الصحراء والإقطاعي. وقد ختم مقاله هذا بقوله: ''علينا أن نقتلع جذور العلة وكشف أصولها''.
خالد نزار.. هواية الكذب والتضليل
لم تغير الثلاثون سنة الذي مرت على اغتيال العقيد شعباني من طبيعة النظام الجزائري، الذي ظل نسخة بنفس الطرق والوسائل لطمس الحقائق وتشويهها، فخرج علينا الفار من الجيش الفرنسي خالد نزار بكتاباته التي أغرق بها السوق والتي حشد لها الأكاذيب وأحيانا الأساطير، بينما بقيت العديد من الشهادات والمذكرات التي كتبها قادة كبار من أمثال بن طوبال حبيسة الصدور، تنتظر أن يفرج عنها؟!
ويبدو أن خالد نزار والذي قال في شهادته إنه كان أثناء أزمة شعباني متواجدا بالاتحاد السوفياتي في فترة تكوين دامت عامين، قد استطاع أن يعثر على تهمة لم تخطر على بال بن بلة ولا بومدين ولا حربي وعصبته التروتسكية (النخبة اليسارية)، حيث جاء في كتابه ''الجيش الجزائري في مواجهة التضليل''، أن شعباني الذي كان يحفظ القرآن كاملا، والذي تخرج من معهد ابن باديس بقسنطينة والذي اضطلع بمحنة ومأساة الشعب الجزائري الذي كان يشعر بآلامه وقهره ومعاناته، عايشها وعاناها هذا الرجل، ذهب ضحية لفتاة ''شقراء أتت من بلاد باردة كانت تعمل مع المخابرات السوفياتية''.
وحسب الفار من الجيش الفرنسي خالد نزار، فإن بومدين وبن بلة حذراه من عواقب هذه العلاقة التي تمس بأمن البلد.
غير أن شعباني لم يستجب، فدفع ثمن عناده كما تمت محاكمة الفتاة بتهمة التجسس وحكم عليها بعشر سنوات سجنا بسيدي الهواري..
مذكرات الشاذلي.. فيما لا يعبّر الصدق عن الحقيقة
قد لا يكفي الصدق الذي يوصف به الرئيس الشاذلي بن جديد في تصوير الحقائق التاريخية، فالتاريخ لا يكتب بالانطباعات الشخصية والعلاقات الخاصة، فالعلاقة المتينة التي ربطت بين الشاذلي بن جديد وهواري بومدين، لا تكفي لتفسير الوقائع التاريخية الثابتة والموثقة، والثقة المطلقة في تصريحات بومدين التي أكد فيها بأن بن بلة هو المسؤول عن اغتيال شعباني وهو المتهم الوحيد الذي بنى عليه الشاذلي بن جديد شهادته، لا يهمه أمام كمّ الوثائق التي تدين بومدين والتي لا ندري هل اطلع عليها الشاذلي أم لا، وحتى لا يبقى الكلام مجرد ادعاء نورد مجموعة من الوثائق.
أولا: المرسوم المؤرخ في 02/07/1964 المتعلق بإنهاء مهام عضو هيئة أركان الجيش الشعبي الوطني العقيد محمد شعباني، هذا المرسوم الذي أمضاه بن بلة رئيس الجمهورية بناء على تقرير نائب الرئيس ووزير الدفاع، هذا التقرير الذي يفترض أن هناك نسخة منه على مستوى رئاسة الجمهورية وأخرى بوزارة الدفاع والذي نطالب بالكشف عن محتواه لتحديد طبيعة التهم الموجهة إليه.
ثانيا: المرسوم الرئاسي المؤرخ في 02/07/1964 المتعلق بتجريد العقيد شعباني من رتبته العسكرية وعزله من الجيش بناء على تقرير من وزارة الدفاع، والسؤال ذاته يطرح: ما الذي احتواه هذا التقرير؟
ثالثا: القرار المؤرخ في 30/08/1964 المتعلق بتعيين أعضاء المحكمة، حيث تم اختيارهم جميعا، باستثناء رئيس المحكمة، من طرف هواري بومدين وهم على التوالي.
ـ العقيد أحمد بن شريف
ـ الرائد سعيد عبيد (سدراتة)
ـ الرائد الشاذلي بن جديد (بوثلجة ـ الطارف)
ـ الرائد عبد الرحمان بن سالم (بو حجار)
والذي راعى في اختيارهم انتماءاتهم الجهوية، بالإضافة إلى ممثل الحق العام أحمد دراية (سوق أهراس) والذي كان محكوما عليه بالسجن من طرف GPRA ثم أطلق سراحه بتدخل من بومدين، ثم تكليفه بمهمة تحت رئاسة عبد العزيز بوتفليقة ثم تعيينه بقرار صادر في نفس اليوم ومن طرف نفس السلطة.
وتأكيدا على اليد الخفية لبومدين، فإنه لم يكتف فقط بإصدار القرارات المتعلقة بتنظيم المحكمة، بل قام بخرق الإجراءات القانونية، هذه الحقيقة التي كشفها الشاذلي دون قصد وتحويل الضحية شعباني إلى مكان تنفيذ الجريمة، الذي هيأه وطوقه بقوات الدرك الوطني لمدة ساعات، وقبل انطلاق المحاكمة، الأمر الذي أكده الشاذلي مرة أخرى دون قصد.
إن دور بومدين في تصفية شعباني لا ينفي مسؤولية بن بلة، هذا الأخير الذي قام بإصدار الأمر المتعلق بإنشاء المحكمة العرفية الأمر 61/211 المؤرخ في 28/07/1964 والذي ينص في المادة الثالثة (03) على ممثل الحق العام، بناء على تكليف من وزير الدفاع ليقدم قرارا إلى المحكمة يحتوي على:
ـ تكييف الوقائع وبيان القوانين الواجب تطبيقها. إجراءات التحقيق غير قابلة للطعن.
ـ المادة 4: المحكمة العرفية تجدد إجراءاتها بنفسها. تفصل المحكمة بعد يومين من إخطارها. المحاكمة مغلقة ودون مرافعة.
ـ المادة 5: الحكم الصادر عن المحكمة غير قابل للطعن والاستئناف ، وينفذ فورا.
هل تختلف هذه المحكمة والتي نعتبرها وحشا قانونيا، عن النظام الذي طبقته فرنسا الاستعمارية على الأهالي (.(INDIGENE
في المناطق العسكرية تخضع لأحكام ''مجالس الحرب'' وقراراتها غير قابلة للاستئناف، بالإضافة إلى كل هذا يأتي رفض بن بلة لإصدار العفو، رغم مناشدة هيئة المحكمة ليدينه ويثبت تورطه وتواطؤه مع وزير دفاعه هواري بومدين، في الوقت الذي أصدر قرارا بالعفو عن قاتل محمد خميستي وزير الخارجية، زنادي محمد وهذا يوم 04/09/.1964
يتضح من هذا كله، أن كلا من بومدين وبن بلة، كانا مسؤولين بصفة مباشرة عن ما يجدر بنا أن نطلق عليه تصفية العقيد محمد شعباني.
*شقيق العقيد محمد شعباني