أجدني كثير النظر في الخريطة هذه الأيام المنبئة بتغييرات كثيرة يشهدها العالم العربي ،ولست أدري لِمَ أذكرُ الأندلس ووقائع التاريخ ومثُلاتِه...وحين أبحث عن مكاني في هذه الخريطة أسأل :أين أنا منها ؟ هل أنا متأثر؟ أو مؤثر؟ أو هما معا؟
كلها أسئلة تتزاحم على خاطري سهاما متدافعة متزاحمة ،ورجع الصدي لتاريخ ولّى بأهله ؛في جزيرة هي مرمى عيني ...
وأذكر أسماء لبلدان ؛ كألمريا ومالقة،وأسماء أعيان كابن الخطيب وابن زيدون، أسماء كانت مفاصل تاريخية ، وتفاصيل جزئية هي صِبْغته وألوانه....كانت صنعت تاريخا لا زال فوق أسماء المكان والأعيان.
وأنا أقر على نفسي أني عربي الهوى واللسان والثقافة، بل حتى مزاجي عربي ،وأعترف أن هذا الهوى أصله جزيرة صحراوية،حيث الحجاز وتهامة ،أين كان ذو الرمة يذوب ببرح الشوق لحب مي،وهو رجل يمضغ الشيخ والقيصوم ؛على شدته وحموزته ...
فأحاول أن أجد روابط بين هذه الجزيرة "الصفراء" والجزيرة "الخضراء" ابحث عن تاريخ إنساني بكل ما فيه يُجْمَع ويُكْتَب على هذه الجغرافيا....ما الذي جمع وقرّب على التباعد، وكانت الأرواح والقلوب على تواصل وتوارد...أهو مجرد جنسية روحية جمعها الإسلام و نفى عنها عصبية اللحم والدّمّ ، أم رابطة اللسان العربي والثقافة الواحدة،ثقافة لمّت شتات هذه الأجناس من مراغة إلى لشبونة ؟!
ما العلاقة بين شبه الجزيرة الألبيرية وبين شبه جزيرة العرب، وما العلاقة بينها وبين ما يجري ويسيل من التاريخ...وأستدْعي صورا من ( صندوقي الأسود ) بأثر رجعي ....فيقول لي شيطاني: إن كلمة شبه الجزيرة هي ظل وخيال لما هناك حيث جاء اللسان العربي بكل شيحه وقيصومه إلى جزيرة خضراء متعطرة فيها الياسم والقرنفل..هذه الجزيرة التي بكاها لسان العربية والدين (ابن الخطيب الغرناطي)بكل رقة ومُشْق، وكتبها بــــ"ماء التاريخ" ، قصيدة قضت الأقدار أن يختم بها "المؤرخ" ابن خلدون مقدمته وهو فارّ بجزائر بني مزغنة ...لم يكن وصلك إلا حلما ...لم يكن وصلك إلا حلما.
ويتبجح هذا الشيطان،ويزمزم زمزمته ليوهمني أن هذا هوالصدق فيقول : أنا استرقت السمع وأفضيت به لابن الخطيب ،وأنا قد اطلعت على الغيب وعرفت أنها مجرد خيال وحلم..فأعمار التاريخ لا تقاس بعمر الإنسان وهي بالمقارنة مجرد حلم وخيال فما ثمانية قرون ونيّف !!
ثم أستغفر وأسترجع و أسآئل نفسي : أأخطأ الأجداد حين لم يعرفوا أن الأرض التي هم عليها إن هي إلا عارية من أحفادهم ،مستعارة من مستقبلهم لحاضرهم ؟
أ هو وعْــي تاريخي ؟
أ م تنبُّه غرائزي ؟
أم مجرد همس من جولة (خارج القطر) ببرنامج غوغل آرث ؟!
هذا البرنامج الذي صار من عاداتي أن أطل به على خريطة جزائر بني مزغنة وشبه الجزيرة العربية والأندلس ؛عادةقليلا مّا أتركها حين ألج هذا العالم الافتراضي الذي صار يصنع واقعا ...
ومن كثرة الرد عليه حفظت إحداثيات وإعدادت منزلنا كما أحفظ قول ابن زيدون :
ودّع الصبر محبٌّ ودّعكْ
فأعلل النفس أن ولوعي بقراءة كتب التاريخ ، وهوسي بالخرائط ،هما سبب هذه الهواجس وحديث النفس
هواجس تثيرها صور القنوات الفضائية ، وتحركها " الجزيرة" بخاصة
ثم ما ألبث أن أفيق من غفوتي فأقول:
أوّه ؛ما لي الليلة والجزر ؟!
وما لي ولتاريخ وقع وانقطع ،تاريخ صنع ما صنع ، ووضع ما وضع !!
ثم مالي وللحكام العرب ،وما لي ولملوك الطوائف ،ما لي لتاريخ السنوسييين وملك ملوك افريقيا
ما هذا إلا رسيس حمّى التاريخ ، وبقايا أندلسية !!