مقالة...هل للأدب جدوى اليوم؟ - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > قسم الإبداع > قسم فن الرّسائل والمقالات الأدبية

قسم فن الرّسائل والمقالات الأدبية قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء في فــنّ كتابة الرّسائـل والمقالات الأدبـيّــة.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مقالة...هل للأدب جدوى اليوم؟

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-02-01, 17:58   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
شاعر_الشوارع
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية شاعر_الشوارع
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي مقالة...هل للأدب جدوى اليوم؟

هل للأدب جدوى اليوم؟


السؤال عن دور الأدب قديم ومتجدد, ربما لأنه لا توجد إجابة قاطعة. فلم تقم هناك مجتمعات من قبل دون أن يكون للأدب دور فيها, ولكن ما أهمية وحدود هذا الدور؟وما جدوى الأدب اليوم؟


دعونا نفكر قليلاً: هل يمكن أن يختفي دور الكاتب أو الشاعر في المجتمع؟ ألا يمكن للأدب أن يجد لنفسه دورًا وجدوى في وسط مجتمع تزداد فيه سطوة الأجهزة الإعلامية التي تلعب فيها الصورة دورا سائدا؟ وفي مجتمع يخضع, أكثر فأكثر, لسيطرة مؤسسات (صناعة العقول) أي أجهزة الإعلام الجماهيرية. أجهزة قمعٍ, خفيّ أو مضمَر, لاستقلالية التفكير, وحرية الإبداع؟

هل أصبحت هذه الأجهزة من القوة بحيث لا يملك أحد - كاتبًا أو قارئًا - إلا أن يكون مجرد ترس دوّار فيها؟

أظن لا, أظن أن استقراء الواقع يشير إلى الإجابة في ناحية الأمل لا في ناحية اليأس, ولكن هذا طبعًا يتوقف على عوامل كثيرة جدًا.

من البداية لا أقطع بأنه ليس للأدب دور أو جدوى - دور اجتماعي حاسم على الأقل - كما أنني لا أقطع بأنه له جدوى أو دور: الاحتمالان مطروحان, والإجابة تتوقف على عدة عوامل, وفي ذلك تفصيل.

يخامرني شك كبير في أن عمل المبدع العربي الأصيل, أو المبدع بصفة عامة (أيا كان تحديد معايير الأصالة والإبداع, إن كان لهما معايير مسبقة) يستطيع أن يقوم بوظيفة, فعالة, مؤثرة على الآليات الاجتماعية, بشكل مباشر وملموس, وعلى المدى القريب, وخاصة في المرحلة الراهنة التي مازالت فيها الأمية الأبجدية لا تقل في أحسن الفروض عن نسبة 50% وتكاد تصل عامة إلى 70%, ومازالت الأمية الثقافية - إن صح هذا التعبير - شائعة, وبشكل أخص بعد أن ارتفع مدّ وسائل الإعلام الجماهيرية وأصبحت فنون (بيع) المنتجات أو السلع الفنية التي تتخذ مظهر الفن, أبرع وأدق وأكثر سطوة. أتصور أن الرواية أو القصيدة المكتوبة والمطبوعة التي يمكن أن نعتبرها مما ينتمي إلى الفن الرفيع, أو إلى الكتابة الجيدة على الأقل, أصبحت على هامش حياتنا الاجتماعية, جدا.

لكن هذا لا يعني أنه من المقبول أو حتى من الممكن أن ننفي من البداية وظيفة الشعر والأدب والرواية.

بل يعني أن هذا التهميش (المقصود ربما) ليس هو (الهامشية) بل جوهر الفن أنه ليس, بذاته, هامشيًا.

صحيح أن ثَمّة إحساسًا يزداد في العالم العربيّ - خاصة في الفترة الأخيرة - بأن المثقف عامة, والكاتب والروائي والشاعر خاصة, معزول عن المجتمع, وأنه كمّ مهمل, وأنه ليست له فعالية, وليست له سلطة, وليست له فرصة المشاركة في اتخاذ القرار الذي يهمه كما يهم مجتمعه.

صورة تبدو قاتمة حقًا, في الوقت الذي نكاد نتفق فيه جميعًا على المظاهر الملموسة للأزمة التي يمر بها الأدب في البلاد العربية على اختلاف المستوى:

تمزّق الكاتب وعزلته, انعدام الحرية تماما أو جزئيا, سيادة القيم الاستهلاكية, مشكلة الأمية, وقلة - بل ندرة - القراء, قصور التعليم, نزيف دم الكُتّاب والفنانين في مجاري العمل الإداري والمكتبي, طغيان التسلية السهلة التي تحمل تدميرًا قد يكون مقصودًا للقيم الثقافية, سيطرة أجهزة الدولة وأجهزة الإعلام, وتسخير مؤسسات الثقافة لخدمة مؤسسات الحكم, تبعية الأنظمة الحاكمة في بلادنا, اقتصاديا ومن ثم سياسيًا, للسوق الرأسمالية العالمية وآليات العولمة أي الهيمنة الأمريكية, وهكذا. ومع ذلك فإن مقاومة هذه الأزمة والسعي الدائب إلى حصارها والخروج من إسارها لم يتوقف في أي وقت من الأوقات. ومع ذلك أيضا فإن ثمة إيمانًا قائمًا - مازال - بأن للأدب جدوى.

الفن ليس للفن

أتصور أن هناك عند الكتّاب والروائيين والفنانين بصفة عامة هذا الإيمان الذي يتجاوز معطيات الواقع, أي أنه يستمد من الواقع عناصر معينة ولكنه لا يسلّم لها بكل الحتمية التي تبدو أنها تومئ إليها, بمعنى ما. إيمان بأن للأدب وظيفة, بأن الأديب ليس منفيًا - تمامًا - عن التأثير في مجتمعه, وإن كان هذا التأثير غير مباشر, وغير قريب المدى.

يشارك جمهور القراء - ضمنًا على الأقل - في هذا الإيمان.

يبدو لي, من مجرد أن المشكلة مثارة باستمرار, وأن الإلحاح عليها وتقليب أوجهها لا يتوقف جيلاً وراء جيل, إنها تعكس عنصرًا واقعيًا. لو أن المشكلة كانت مجرد مشكلة تدور بين الكاتب ونفسه, لو كانت مشكلة تدخل في نطاق ما يصح أن نسميه (ذاتية بحتة) لما كان لها هذا التكرار, وهذا الإلحاح. إذن فهذا كله يشير إلى وجود احتياج قائم وحقيقي, حتى على المستوى الاجتماعي, احتياج يعبر باستمرار عن ذاته, لعله احتياج فطري يبحث دائمًا عن التحقيق, أي أن هناك احتياجا فعليا ودائما لما يفعله الكاتب والمثقف.

ذلك أن الأدب ظاهرة اجتماعية, ونفسية, وميتافيزيقية (ودعائية إذا شئت), لكنه من حيث هو عمل فني يتعدى كل تلك المقومات ويصدر عنها كلها فإذا هو شيء آخر مستقل يتجاوزها إلى طبيعة أخرى له, طبيعته كعمل جمالي لا تنطبق عليه إلا المعايير الجمالية.

فهل يقتصر الأدب على القيم الجمالية البحتة؟ هذا هو السؤال الذي نحاول هنا أن نجد له إجابة بمعنى الربط بين القيم الجمالية وقيم الجدوى الاجتماعية.

ولا صلة بين ذلك وتلك الحكاية المشهورة بأن الفن للفن, فالفن قطعًا ليس للفن, كما أنه ليس للتحليل النفسي, وليس للدعوة الاجتماعية, وإنما هو كل ذلك وشيء آخر فوق كل ذلك وغير كل ذلك, أي أن العمل الفني عملية معقدة متعددة الأبعاد متعددة الجوانب متعددة الأعماق.

والناقد الفني إذ يأخذ في اعتباره كل تلك الجوانب إنما ينتهي - أو ينبغي أن ينتهي إذا أراد أن يسلم له منطقه - إلى القيم الجمالية, وهي القيم التي تتعلق على سبيل المثال باتجاه الحركة الدرامية في داخل العمل الفني, في داخل القصيدة أو الرواية مثلاً, وبالسلامة الصياغية فيها, وبالعلاقات بين أجزائها, وحدود بنائها, ومطابقة أسلوبها وموضوعاتها, وقواعد التعبير فيها, وإيقاعات سرعة تطورها, والصلات بين كل تلك العناصر كلها وغيرها بعضها بعضًا.

وعندئذ قد يقوم السؤال: ألا يعني ذلك كله إيغالاً في حرفية العمل الفني, وعكوفا فنيا على عنصر الصنعة والاختصاص فيه, وإغلاقًا للعمل الفني على نفسه في حدود قاطعة ضيّقة بل خانقة لا يدركها بل لا يهتم بها إلا النقاد والمدرّسون والأكاديميون من أهل الاختصاص؟

هذه دعوى شائعة.

ولكن المدهش أن الاستقراء الصابر الموصول ممتد النطاق للأعمال الفنية ينتهي إلى نتيجة تُخالِف هذا الاعتراض كل الخلاف.

نعم من المدهش حقًا - أو لعله ليس من المدهش إطلاقًا, في نهاية الأمر - أن كل عمل فني توافرت فيه قيم جمالية عالية, توافرت له أيضا بالضرورة في كل حالة, قيم أخرى قد نسميها قيمًا نفعية في سياق النظر إلى جدواها, ولكني لا أجد وصفًا لها خيرًا من أنها قيم أخلاقية - لا بالمعنى التقليدي للكلمة, بل بالمعنى الأوسع والأكبر. والقيم الأخلاقية في نهاية الأمر إنما هي قيم اجتماعية - ليس بالمعنى الدعائي ولكن على نمط يتصل بالتكامل والتواصل.

والقيم الاجتماعية بعد ذلك, أي قيم الجدوى, من أكبر همومنا, باعتبارنا (حيوانات اجتماعية), وباعتبارنا ننتمي إلى العالم الثالث.

الجماليات والأخلاق

التعبير الفني يفي بتلك النزوعات العميقة في الإنسان (نحو الإنسان), وأنا إذ أتلقى العمل الفني أشارك في تجربة الفنان التي يصوغها في عمله, أو أخلقها من جديد على الأصح, لست أشارك فقط في تجربة فردية, أو أخلقها من جديد, بل أمارس تجربة إنسانية أشمل وأعرض, فترضى من ذلك عندي صبوات داخلية للتلاقي مع الناس, مع معاصريّ ومع من سبقوني ومع من يأتي بعدي على الأرض من نوعي: النوع الإنساني. هنا تداعمٌ يشبع فيّ شوقًا أصيلاً أوليا من أشواق كياني, ويهدّ الحيطان التي تحيط بفرديتي, ويفتح لي باحة التواصل والتلاقي, تلك هي فيما أتصور جدوى الفن والأدب. وتلك هي مهمة الفن والأدب الاجتماعية بمعناها الدقيق العميق. المهمة التي يُخفِق فيها لو أنه قام فقط يدعو إلى طرازٍ من طرازات السلوك أو التشكيل الاجتماعي المحدّد والمحدود, لو أنه قام فقط بالدعوة.

ذلك كله لا ينفي عن الأدب أبعاده الطبقيّة, ولا أيديولوجيته المضمَرة, لكنه يتضمنها ويتجاوزها.

فلنقل إذن أن هيمنة الصورة - من داخل هيمنة الأجهزة التقنية والمؤسسات الإعلامية والسلطوية - مازالت موضع سؤال. وأظن أنها ستظل دائمًا موضع سؤال. ولنقل أن الأدب المكتوب مهما بدا مظهره عتيقًا عفى عليه الزمن, سيظل فعالاً, ومثيرًا للخيال, وحافزًا للمشاركة الإيجابية وللجهد الخلاّق من جانب القارئ, دعك - طبعًا - من الإشارة المفصحة التي تقول إن عدد كتب الأدب والشعر المطبوعة يزداد يوما بعد يوم في عصر السينما والتلفزيون والفيديو, في البلاد الصناعية المتقدمة, وحتى في بلادنا, وأن عدد قرّاء الرواية بحكم آليات اجتماعية واضحة يزداد, بل إن الروايات ودواوين الشعر (بغض النظر الآن عن مستواها الفني) يزداد عدد صفحاتها ويكبر حجمها, ودعك من أن التلفزيون أحيانًا, وعلى الأخص في المجتمعات المتحضّرة, يسهم في اجتذاب القرّاء إلى عدد أكبر من هذه الكتب, سواء بأن يقدمها مصوّرة أو بأن يخدمها بالندوة والتقديم والتعليق.. إلخ, هذه الظواهر كلها جديرة بأن تجعل هذه المشكلة موضع سؤال دائم.

أظن أن أجهزة الإعلام الجماهيرية بذاتها, وأجهزة إنتاج وتوظيف الصورة بشكل أخص بذاتها, ووحدها, محايدة, كيف تُوجّه؟ ماذا تقول؟ ماذا تفعل؟ هذا هو السؤال. من الممكن أن نتصوّر أن (الجهاز) وحده, له سيطرته, كما لو كان له حياة أخرى مستقلة, لكننا لم نصل بعد, وأرجو ألا نصل أبدًا, إلى عالم (الرواية العلمية) الذي تسيطر فيه الأجهزة, ويسود الروبوت والكمبيوتر دون منازع. قد يحدث هذا في مستقبل قريب أو بعيد, لا أدري, ولكن أميل إلى أن أنفيه.

هناك وراء الجهاز دائمًا عامل إنساني! وهناك أيضًا المؤسسة ذات السلطة, والمصلحة الاجتماعية, هناك التوجيه السياسي, هذا صحيح! ولكننا لا يمكن أن ننفي تمامًا أن هناك, وراء الجهاز, هذا الوجد والصبابة والنزوع نحو التواصل الإنساني.

جوهر الجمال

هل هذه مشكلة ستظل قائمة في المستقبل المنظور على الأقل؟

إن الخاصية الخلقية في العامل الجمالي خاصية متصلة به اتصالاً وثيقًا, وهي خاصية - لاشك - تعني التمرّد على القيود التي تصفّد حرية الأديب, فلست أرى في القيم الجمالية مجرد زينات جمالية خارجية, ولا بهرة مكسوبة غربية, بل إن قوامها هو الاختيار, والضبط, والاستغناء عن الفائض, ونُشْدان الجوهري, والتضحية بالزائد مهما كان إغراؤه, وتلك كلها قيم خلقية, أو إذا شئت هي قيم براجماتية تدخل في إطار الجدوى الاجتماعية والحياتية بشكل عام, قيم تفرض السيطرة على الإثرة, ومقاومة الإغراء, وكبح الفتنة العارضة في سبيل ضبط أعلى, والاسترشاد بحس أساسي يضع الجوهري والضروري فوق الزائد والمغري, ويضع الحرية والتمرّد فوق الانصياع والخضوع.

إن تحقق التناسق في داخل إطار العمل الفني, ونُشدان التكامل, وتصميم البناء, بحيث يتوافر لأجزائه كلها التضافر بين بعضها البعض الآخر, هذه كلها تشترط وجود الحسّ الأخلاقي الذي بمقدوره مقاومة القمع, والتضحية في سبيل هدف أعلى من مجرد إشباع النزوعات القريبة والجري وراء كل تخييل وسراب, تلك كلها قيم جدوى اجتماعية, كما أنها قيم جمالية خُلُقية في الوقت نفسه.

أظن أن هناك, في الواقع, تمرّدًا أساسيًا فنيّا أستمدّه من الاستبصار الداخلي كما أستمده من استقراء التاريخ, بقدر الإمكان, تمرد على قمع الأجهزة, وعلى قمع المؤسسات, بل أضيف إلى هذا التمرّد على قمع (الواقع) نفسه, سواء كان هذا الواقع اجتماعيًا أو حتى كونيًا, هذه الحاجة الأساسية تكاد تبدو ثابتة, كأنها خالدة في وسط هذه الظاهرة العرضية أساسًا, ظاهرة الإنسان.

هل أرى في التاريخ ما يقول إن هناك قمعًا مستمرًا, ومحاولة دائمة لكسر هذا القمع؟ وأن كليهما يسيران جنبًا إلى جنب, وأن هذه الجدلية, القمع واللاقمع, القمع والحرية, قد تكون هي التصوّر الذي لا يمكن أن ننكره؟ لست - بالطبع - أتصوّر وجود (يوتوبيا) يتم فيها انتفاء القمع. فإذا وُجد قمع اجتماعي أو فكري أو ميتافيزيقي, فلا يُتصوّر أيضا أن تظل لهذا القمع - بكل مستوياته - الكلمة الأخيرة. لم يحدث هذا في وقت من الأوقات, ولا أظن أنه سيحدث, هناك في مقابل القمع, دائمًا صرخة الحرية المحرقة, تخفت أحيانًا, وتجلجل أحيانًا, ولكنها لا تموت ولا تنطفئ. الفن, الأدب, يقوم بهذه المهمة.

هذا كله يشير إلى أنه يمكن, بل يجب أن يكون للأدب وظيفة وجدوى, هذا كله يشير إلى منطق هذه الحاجة, منطق هذا المتطلب الذي يبدو مستعصيًا على الزمن وعلى التقلبات والتطورات الاجتماعية, إنه يجب أن يكون للأدب, عامة, وظيفته, وأنه يجب أن يكون للأديب دوره.

يأس صارخ.. تفاؤل ساذج

أعود فأكرر, إن القيم الجمالية بذاتها ليست فنّا للفن, بل إن توافرها يكسب العمل الفني قيمًا أخرى يرتبط بها تحقق القيم الاجتماعية والخلقية, وهو إذ يحققها يوفر لك المتعة الغريبة الصافية التي هي من خاصياتها في الوقت نفسه, وسعادة خلقية عالية مترتبة على الوفاء والتعبير, على الخلق والتحقق والإكمال. قيمة التضافر والاستغناء عن الحشو ومقاومة الإسراف.

ومن هنا ندرك أن الأعمال الفنية الغارقة في اليأس الصارخ المتشنج الذي لا جماح له - مثلاً - أعمال فاسدة, لأنها أعمال هابطة من الناحية الجمالية, إذ ينحرف الفنان دون ضبط, في يأسه الفردي, ويقترف خطيئة الإسراف والرخاوة, خطيئة مزدوجة جمالية خلقية واجتماعية, بل تكاد تكون خطيئة بيولوجية.

ويصدق هذا على من تجرفه موجة من التفاؤل والاستبشار السطحي فلا يدرك الشرط الأساسي الذي يقيد الوضع الإنساني, شرط المأساة الإنسانية نفسها: مأساة الرغبات الجامحة, لكنها بالضرورة محبطة, مأساة وجوده كظاهرة وقتية وعارضة وزائلة في كون يبدو لا زمنيا.

إن هذا القيد وحده يضع في كل استبشار بذرة عنيدة صلبة لا تتحطم, نواة من اليأس الكوني, وإن كان ذلك لا يعني القعود عن العمل, بل هو الأمل العنيد في قلب الوعي باليأس العنيد.

هذا التوازن بين الأمل الإنساني واليأس الإنساني, هو أحد شروط ارتفاع القيمة الجمالية في العمل الفني, ولكن التوازن قيمة خُلُقية. والقيم الخُلُقية في النهاية قيم اجتماعية أيضا, هي بالضبط قيم الجدوى.

إنني أرى في الحاسّة الجمالية - وهي شرط الأدب - خاصية الحياة نفسها, إن المقدرة على الاستغناء عن الفائض, والاقتصار على الجوهري, والقدرة على التضحية بالقريب السهل للحصول على البعيد الصعب الذي يوفّر أهدافًا أكبر, المقدرة على التنسيق والتآزر والتواصل, تلك كلها خاصيات المقدرة على البقاء البيولوجي نفسه, وإلا عواقب انعدامها بالموت, بالانقراض, بالهزيمة في الكون, والعودة إلى اللاعضوية.

لعله يتأتى من ذلك إحساسنا بالسعادة, والمتعة والجدوى أيضًا عند مشاركتنا في التجربة الفنية فكأنه إحساس بالانتصار على أخطار الفناء والهلاك التي تُحيق بوجودنا نفسه, كأفراد وكنوع, وإحساس بمواصلة السعي إلى الهدف الأول والأخير للحياة, وهو الحياة نفسها, وممارسة الحياة بكل امتلائها وخصوبتها.

لست أفهم علاقة الأدب بالمجتمع وجدواه أساسًا, إلا في ذلك الضوء.

وفي هذا الضوء قد نستطيع أن نحدد وظيفة الأدب بأنها اجتماعية - في المدى البعيد - كما قد نستطيع أن نحددها بأنها وظيفة معرفية. هي وظيفة للسؤال المتجدد أبدًا, دون إجابة نهائية أبدًا.

إن العلاقة بين المثقف - والكاتب والشاعر خاصة - وبين المجتمع لها آليات معقدة جدا, من حيث تحوّل الهامشيّ إلى مركزيّ والعكس, ولكنني في الوقت نفسه وفي هذا الميدان بالذات أترك للمبدع الفرد, ولحساسيته الخاصة وتكوينه, دورًا مؤثرًا, ففي النهاية مازال للفن سرّه الذي لا يُستباح, لا بوسائل التحليل النفسي وحدها, ولا بوسائل التحليل الاجتماعي, ولا بوسائل التحليل النصيّ وحدها.

ومهما جهدت الآليات التي تقصد إلى (تهميش) الفنان, فإنه - في ذاته - لن يكون هامشيًا أبدًا.

فلنقل الآن إن الأدب له دوره وله جدواه, بطريق غير مباشر, في التغييرات الاجتماعية التي تهدف إلى تأكيد القيم الأساسية - الحرية, العدالة والحب والكرامة ونحوها - أي أن الأدب له دور حيوي بمحض وجوده, بمجرد الكشف عن حقيقة ما للإنسان, بمجرد السعي الدائب نحو الوفاء بحقيقة ما, هي حقيقة له, هذا السعي قد يتخذ في المدى البعيد, وفيما نأمل, أشكالاً اجتماعية مختلفة, تحددها ظروف اللحظة المتغيرة, الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.


الكاتب: إدوار الخراط
السبت 1 مايو 2004 12/3/1425هـ / العدد 546









 


رد مع اقتباس
قديم 2012-02-19, 15:52   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
souadi
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

أخي شاعر الشوارع:كلنا في حيرة من هذا الأمر والمتمثل في الأدب وجدواه.أنا أري إذا كان الأدب فيه الصدق وهذا طبعا ينطق عن صاحبه الذي أوجده .حتما سيكون للأدب جدوي .ومهما أبهرتنا التكنولوجيا بسحرها ،فلن تستطيع أن تسرق سحر وجمال الأدب .
لأن المشاعر هي التي تتكلم معنا ونغوص معها أينما جلبتنا إليها .أرجو أن أكون قد أجبت عن سؤالك ولو بهذه الكلمات البسيطة .دام قلمك.










رد مع اقتباس
قديم 2012-05-30, 17:45   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
حـبـيـبو عـبـدو السوفي
عضو برونزي
 
الصورة الرمزية حـبـيـبو عـبـدو السوفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



بوركتم جميل نعم الادب هو الاساس في كل العلوم تقريبا












رد مع اقتباس
قديم 2012-06-17, 21:01   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الجليس الصلح
عضو ماسي
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكراااااااااااااااااااااا










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-03, 16:13   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
شاعر_الشوارع
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية شاعر_الشوارع
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة souadi مشاهدة المشاركة
أخي شاعر الشوارع:كلنا في حيرة من هذا الأمر والمتمثل في الأدب وجدواه.أنا أري إذا كان الأدب فيه الصدق وهذا طبعا ينطق عن صاحبه الذي أوجده .حتما سيكون للأدب جدوي .ومهما أبهرتنا التكنولوجيا بسحرها ،فلن تستطيع أن تسرق سحر وجمال الأدب .
لأن المشاعر هي التي تتكلم معنا ونغوص معها أينما جلبتنا إليها .أرجو أن أكون قد أجبت عن سؤالك ولو بهذه الكلمات البسيطة .دام قلمك.
يبقى السؤال هل يمكن للأدب مواصلة فعل التأثير أم أن كل أدواته أصبحت كلمة و فعلا واحدا ناقصا (كان). أختي الكريمة لابد للأدب أن ينطق بلغة أخرى لها قوة أقوى من الهواتف النقالة الذكية لابد للغة الكاتب اليوم أن تكون متجددة و سريعة و متطورة و كذلك ذكية
مثلها مثل الأيفون بحيث تتيح للقارئ فسحة من التحاور مع الأدب المقروء
طبعا دون المساس بتفاصيل و أسس و نظم الأدب


هذا و يبقى الكتاب خير جليس في الأنام

تحياتي









رد مع اقتباس
قديم 2012-07-23, 16:02   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
نزار علي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية نزار علي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

سلام الله عليكم
صراحة الجواب سهل لدرجو خفي على الكثيرين
بالنسبة لي دوما للأدب جدوى ...بل هو ضرورة حتمية في عالم اليوم كما كان سابقا
ففي الأدب نحقق شيئا لا تحققه لنا المدنية بتكنولوجياتها ووسائط الإتصال المختلفة
الأدب هو لب المدنية وجوهرها
على الأقل ..مع الأدب نشعر بالطمأنينة










رد مع اقتباس
قديم 2012-07-26, 14:26   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
شاعر_الشوارع
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية شاعر_الشوارع
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نزار علي مشاهدة المشاركة
سلام الله عليكم
صراحة الجواب سهل لدرجو خفي على الكثيرين
بالنسبة لي دوما للأدب جدوى ...بل هو ضرورة حتمية في عالم اليوم كما كان سابقا
ففي الأدب نحقق شيئا لا تحققه لنا المدنية بتكنولوجياتها ووسائط الإتصال المختلفة
الأدب هو لب المدنية وجوهرها
على الأقل ..مع الأدب نشعر بالطمأنينة
حتما للأدب جدوى و عظيمة و لكن ما مداها في أيامنا هذه
تبدو لي المهمة عسيرة
فقد ذهب التلفاز بوقت الناس و علمهم تلقي المعلومة الجاهزة بينما الكتابة هي هي وسيلة تلقي المعلومة بطريقة شاقة

حتما هي طريقة ممتعة و لكن ليس كل الناس يتمتع بالأدب و كما بعض الناس لا يتمتع بمذهب الأخلاق

ثم التأثيرات الصوتية و التأثير في عقلنا الباطن و البرمجة المقصودة لمنع الأمة من انتهال الأدب و الثقافة و العلم من مصادرها المعلم و الكتاب و التجربة


سيكون للأدب مكانة و جدوى دوما تقل و تزيد حسب نوعية الأدب و نوعية القارئ



أشكر لك متابعتك للمقالة المنقولة و أشكر لك ردك الراقي رقي أخلاقك

حفظك الله و رعاك









رد مع اقتباس
قديم 2012-08-18, 16:39   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
اكوزيوم
عضو جديد
 
إحصائية العضو










Post

السلام عليكم


هل أثرت هذه الكلمة الساحرة " الأدب " في الآخرين ؟
و هل ما يزال تأثيرها قائما الى يومنا هذا ؟
هذا الحشد الكبير من الروايات و المسرحيات و الاشعار و الخواطر و المقالات...هل غيرت شيئا في عالمنا اليوم ؟
هل غيّر الأدب مشاعر الناس و أفكارهم ؟
ما تأثير الأدب في حياة من يتلقى الأدب ؟
و هل حياتنا اليوم بفضل ما يكتب ستغدو مستحيلة بدون أدب ؟
بالأمس أستطاع الأدب أن يغير تاريخ و جغرافية الأمم و ينقلها من اطارها القبلي الى اطارها كدول و من ثمة الى إطارها الامبراطوري.
و لكم في ذلك أمثلة:
-ألم يتمكن الشاعر اليوناني هوميروس من تحريك المناطق الهادئة و الساكنة في وجدان المواطن اليوناني القديم من خلال اعماله الأدبية و التي تعرف بالملحمتين الالياذة و الاوديسة و التي بفضلهما روّج للحضارة اليونانية ليجعل منها حضارة عالمية ؟
-من كان يتوقع أن السلطات اليونانية ستركض وراءقصيدة شعريه " مرثية"للشاعرليانس ريتسوس بمحاولة حرقها و منعها من الوصول الى عامة الناس بحجة تنديدها بجرائم الفاشية في بلاد اليونان عام 1936م.
-قصائد الأديب و الشاعر بوشكين الروسي - مثلا -و مسرحياته كانت تصل الى قلوب الناس قبل كلمات قيصر .
كانت هذه القصائد تفعل ما لا يفعله طابور طويل من الجنود .
- إليكم مثلا رواية " دوبرفسكي" التي لا تتجاوز مئة صفحة و التي صُنفت كأحسن رواية في الأدب الروسي الحديث و التي ساهمت في تحويل النفس البشرية الى جبهتين ، الأولى تمثل الشباب الروسي الذي أعلن تمرده على الجبهة الثانية و التي تمثل الطبقة الإقطاعية.
كيف كانت النتيجة ؟
إعدام الأديب " بوشكين " عام 1838 م.
لأنه خلق هُوة بين الشعب و الطبقة الأرستقراطية في المجتمع الروسي بفضل هذه الرواية .
ما رأيكم في كافكا الذي كتب الرواية التي تنتقد السلطة الأبوية للأب و التي تحمل عنوان " رسالة الى الوالد "، و التي بفضلها كان سببا في إعلان الكثير الثورة على أبائهم و أفكارهم الميتة كما يُسميها مالك بن نبي .
الأدب الذي لا يُغير العالم ،و لا يُؤثر في الآخرين ، و لم يُؤثر في القارئ...فهو على الأقل يؤثر في كاتبه.
أعتقد أن ظروف الكاتب اليوم هي في أفضل حال مما كانت عليه بالأمس ،كان يُفترض أن تلعب التكنولوجية المتطورة اليوم دورا كبيرا في تطورير و تنمية الابداع الادبي و ليس العكس كما يُروج لها البعض !؟
شكرا جزيلا للاخ الكريم شاعر الشوارع الذي نجح في إختيار هذا المقال الجميل و المفيد في آن واحد.
لكم مني جزيل الشكر و الثناء
تقبل ردي و مساهمتي المتواضعة .









رد مع اقتباس
قديم 2012-08-19, 14:33   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
شاعر_الشوارع
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية شاعر_الشوارع
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أشكر لك صنيعك في الرد أولا
ثم أنك أدرتني نحو كفة من الأدب الذي دوما أتجاهله ليس انتقاصا مني و لكن لقلة علمي في اللغات غير العربية
فنحن كما تعلمين طلاب جامعين مكسوري الأقلام خيطت أفواهنا لا نتكلم غير الخضوع و الركوع لرب البيت الرئاسي و العالم اليوم عرفناه كما عرفه آباؤنا و حكامنا آلهة كثيرة فمنها العربية و التي تمثل الخير و الشر باطن في صحاريها و الغرب شياطين تغدق علينا من عنم التكنولوجيا و بعض القنابل العرجونية تتدلى من عمائم الجزيرة العربية



أشكر لك صنيعك و قد آن لي أن أتحرر
تحياتي

و عيد مبارك و تقبل الله منا و منكم صالح الأعمال و تجاوز عنا هفواتنا و سيئاتنا









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-07, 14:03   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
choayb1987
عضو فريق رفع إعلانات التوظيف
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-16, 13:29   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
رجايا الامل
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-16, 19:31   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
مجروحة الزمان
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا في المستوى هذه










رد مع اقتباس
قديم 2013-08-07, 03:38   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
ابراهيم سوفي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ابراهيم سوفي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للأدب, مقالة...هل, اليوم؟, حدود


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:00

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc